منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1010)

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 10:47 PM

شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى
 
شرح تلبيس إبليس لابن الجوزى


" شرح كيفية دخول إبليس على أصحاب الفرق المختلفة فى الإسلام وعلى عوام الناس , وسيكون من ضمن الشرح عرض مبسط لمفهوم أفكار وعقائد تلك الفرق بلغة مبسطة ومعها أيضا عرض لأشباهها من الفرق المعاصرة التى أخذت نفس الأفكار
والشكر لشيخنا الفاضل أحمد سعد الدين الذى أعطانى فكرة شرح هذا الكتاب
"

إن من مقدرات هذه الأمة فى عصرها الحالى أنها تبتغي الهدى حيث الضلال , وتطوى الوجه جانبا عن كل حلول الأزمات ومقاييس الحضارة برغم توافرها فى تراثها البالغ الثراء بشكل يكفي ألف أمة للنهوض لا أمة واحدة وحسب
ففي الوقت الذى تفتقد فيه بقية الأمم تاريخا ثريا موثقا تبنى عليه حضارتها باعتبار أن التاريخ ركيزة الحاضر والمستقبل , نعانى نحن من ضخامة الثراء فى تاريخنا !
وبينما تفتقر شعوب العالم إلى كل موهبة وتسعى خلف العباقرة , نعانى نحن من تخمة فى عددهم وكثرتهم وكفاءتهم
وبينما تنهض الأمم بمواردها البشرية والذاتية والطبيعية وتستغل كل قطرة فيها ,, ننحدر نحن إلى أسفل كلما ازدادت رقعة وتنوعت مواردنا

وأخيرا ,
بينما تتمنى كل أمة أن تجد فى مفكريها من يستشرف لها المستقبل ويقدم لها أسباب النهوض من الأزمات وتلافي العقبات ويغرس فى أعماق شبابها الإنتماء
نتخلى نحن طواعية عن كل هذا الفيض الغامر من أسباب النهوض وعوامله والذى تركه لنا التاريخ منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام وهو يرسم صورة المستقبل ويحذر من كوارثه , وحتى ثلاثة أو أربعة قرون مضت , فعبر هذه الفترة قدمت الأمة مئات الألوف من العلماء والمفكرين والفلاسفة فى سائر المجالات لم يتركوا هفوة أو يهملوا حرفا يحمل حلا دون أن يقدموه على طبق من ذهب للأجيال القادمة حاملا بصمتهم التى نفذوا وصاياها فى حاضرهم لكى نتعلم منهم ,

وتركنا كل هذه الكنوز وهؤلاء الآلاف المؤلفة من العلماء والذين يكفي عددهم ليشكلوا رعية دولة كاملة بعصرنا الحالى , فى نفس الوقت الذى سعينا فيه خلف ثقافات مسوخ الغرب التى تفتقد أدنى مقومات الحضارة الإسلامية فى بناء المجتمع وتربية الحضارة ,
ولهثنا خلف فلسفتهم المريضة التى كانت تعالج قضايا الفكر بأسلوب الإلحاد تارة وبأسلوب الخرافة تارة أخرى , تاركين ما تركه لنا علماؤنا فنهبه المستشرقون ليبنوا عليه فلسفة جديدة تعالج قصور فلسفتهم القديمة
نظرنا بانبهار لمن يسميهم الغرب فلاسفة وهم يلقون على الناس أقوالهم المهووسة وصفقنا معهم لها
واستمعنا ـ وعلى وجوهنا علامات الإكبار ـ لمن يقول , أن العالم كله عبارة عن وهم فى خيالى وأنا وحدى الحقيقة !
ولمن يقول أن الكون نشأ بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله , وأن المادة التقت مع بعضها ـ بالصدفة أيضا ـ وكونت المخلوقات والأكوان !
ولمن يهذى أكثر فيدعو لفلسفة اللامعقول ! وفن ما بعد الحداثة وأدب الحداثة و ... إ‘لخ هذا الهذيان
وتركنا المثل العليا الإسلامية ورضينا أن نصفق للمثل العليا الغربية المبنية على الخرافات من أمثال هركليز وأخيليس وهيرا وغيرها من آلهة اليونان وبطليموس وأغسطس ويوليوس قيصر وغيرهم من قادة لتاريخ الغربي
التمسنا البطولة فى دول الغرب التاريخية وكأننا لا نملك من التاريخ أبطالا هدموا هذه الأصنام
ولو تأملنا تاريخ الغرب بنظرة سريعة منذ مطلع حضارة الرومان لوجدنا أن دولهم كانت تقوم بعزيمة رجل واحد تتوافر فيه صفات القيادة والبطولة من أمثال بطليموس وأغسطس وفيليب المقدونى ونجله الإسكندر الأكبر وغيرهم ,
وفى العادة لم يكن يظهر عندهم فى الجيل الواحد أكثر من بطل واحد تتوافر فيه هذه المواصفات ,
بينما جاء الإسلام برسول الإسلام عليه الصلاة والسلام ومعه اثنا عشر ألفا بطل يتفوق الواحد منهم على مائة من هؤلاء ,
وظهرت مكانتهم بمقارنة بسيطة ,
لأن هؤلاء الأبطال أسسوا مع النبي عليه الصلاة والسلام دولتهم التى سيطرت على الجزيرة فى بحر عشرين عاما فقط , ثم اتسعت رقعة الدولة فدمرت الإمبراطوريتين الغربيتين بكل ثقلهما وفى وقت واحد فى أقل من عشرة أعوام
و قبل أن يمضي نصف قرن كانت دولة الإسلام تحتل من مشرق الأرض إلى مغربها فى نفس الوقت الذى استغرق فيه الصراع بين الروم والفرس دون تفوق أحدهما ثلاثة آلاف عام !
فأى الصورتين أجدر بالإنهبار يا ترى ؟!

وأبطال الغرب فى الأساطير اليونانية التى لا زالت تحظى بشعبية عارمة فى نفوسهم , مثل أخيل الذى يدعون أنه كان نصف إله وأنه لم يهزم قط , ومعه هكتور مروض الخيول وأمير طروادة وغيرهم كثير ممن كانوا فرسان حروبهم وجاءت سيرتهم تشوبها الخرافات غالبا بفعل مزج الخيال بالواقع , وابتعاد تاريخهم عن التوثيق بأدنى صوره
وأعظم ما يمكنهم الفخر به أن أبطالهم كانوا فرسانا مغاوير يرجحون كفة الجيوش , بقوى غير منظورة من الآلهة التى يعبدونها بينما عندنا تاريخنا يحمل أساطير أبطال لا تعد ولا تحصي وكلهم دخلوا حروبهم فلم يهزموا بمعركة قط مهما كانت الكفة مرجحة لعدوهم
فافتتن شبابنا بهؤلاء بينما تاريخنا الموثق المؤكد والذى حفظه العلماء فوصل إلينا بأسانيده كاملا يحتوى من الأساطير الحقيقية ما يدفن سيرة أساطيرهم التى وصلت إليهم وثلاثة أرباعها كذب والربع الآخر أحلام يقظة
فمثلا ,,
حارب المسلمون فى بدر تحت قيادة النبي عليه الصلاة والسلام وهم ثلثمائة مقاتل فى مواجهة ألف مقاتل وانتصروا انتصارا ساحقا وكانت الملائكة تقاتل إلى جوارهم حتى رآها بعضهم عيانا كما تذكر كتب السير , بل ورآها بعض المشركين أيضا ,
وكان منا خالد بن الوليد سيف الله المسلول الذى لم يدخل معركة قط فهزم فيها وقاد المسلمين فى العراق وواجه الفرس ثم قفل راجعا إلى الشام فقاد المسلمين لمواجهة الروم فى اليرموك وقبلها سحق أكبر رءوس الردة فى اليمامة , وقال عنه المستشرقون إن خالد قائد لم يكن له أبدا أن يولد فى الصحراء ليحارب على شاة أو جمل
وكل قياداته فى جيوشه كان التفوق العددى والتسليح لصالح خصمه بنسبة واحد إلى عشرة على الأقل , ومع ذلك كان النصر الساحق حليفه
وعندنا الزبير بن العوام الذى كان فى ميزان المسلمين بألف , فما بالنا بميزان الآخرين
وفى اليرموك كان يقتحم ميمنة الروم منفردا فيخترق صفوفها المتراصة بأعداد مهولة وينفذ من الجانب الآخر سالما بعد أن يجندل من أبطالهم ما لا يحصيه إلا الله
وعندنا العلاء بن الحضرمى الذى خاض بجيشه البحر على خيوله وعبر لعدوه فى الجانب الآخر فهزم أعداءه بصورته تلك وحدها قبل أن يهزمهم بسلاحه
وعندنا على بن أبي طالب الذى ما سل سيفه فى مواجهة فسقط منه قط ,
وهذا غيض من فيض تعجز الأوراق على استيعابه فى جيل الصحابة وحده رضي الله عنهم , فما بالنا بالأجيال التالية بعدهم والتى استمرت حتى عصرنا الحالى فى بعض الصور النادرة التى تجلت فيها قدرة العقيدة الصحيحة عندما تنفجر فى قلب المسلم ,
وأعظم مثال لذلك ما فعلته الجيوش المصرية والسورية بمساندة أشقائها فى مواجهة رمضان " حرب أكتوبر " والتى كانت أحد أكبر الأسباب المباشرة لتحري السياسة الغرية لهدفها الأعظم ألا وهو ضرب تلك الروح التى تبعث الصحوة
هذا فى ميادين القتال بخلاف العلماء الذين نوهنا عنهم فى البداية وكان الواحد منهم يكفي أمة للنهوض , فامتلكت أمة الإسلام ألافا
ثم ماذا ؟!
ثم ذهب أكثر من تسعين بالمائة من تراثهم فى كارثة بغداد على يد المغول , وبقي أقل من العشر ,
وهذا العشر ما استطعنا نحن ـ الأجيال المعاصرة ـ أن نطبع وننشر منه إلا أقل من خمسة بالمائة من هذا العشر والباقي موجود بخزائن الكتب مخطوطا أو مسروقا فى بلاد الغرب
وهذه الخمسة بالمائة المطبوعة تملأ أرفف المكتبات بشكل عجز عنه المتخصصون فى كل مجال أن يستوعبوها قراءة فقط لأن العمر لا يكفي لمجرد مطالعتها
ثم يأتينا بعد ذلك أحد الحمقي من هؤلاء الذين يسميهم الإعلام بالمفكرين ليدعونا إلى الحضارة بمفهومه , ومؤداها أن نترك التراث لكى ننفتح على العالم !
وكأن الفكر الغربي المشوه هو قبلة الحضارة وهو الفكر الذى يتخلى أهله الآن عنه بعد أن تقلب عبر القرون من الإلحاد إلى الوجودية إلى التدين الكنسي إلى العلمانية إلى حداثة وفلسفة اللامعقول ثم أخيرا ظهرت النداءات المجتهدة منذ مطلع القرن الجديد تدعو للعودة إلى الدين وتغذية الجانب الروحى ,
وحماقة الداعين إلى الغرب تتبدى فى نقطتين كل منهما تثبت أنهم قوم بلا عقول
الأولى : أن ما يدعوننا إليه من ترك التراث الإسلامى العريق يبدو غريبا معنا ونحن شعوب تخلت عنه أصلا منذ قرنين من الزمان !
وفى نفس الوقت الذى يصفون فيه الحضارة الإسلامية بالتخلف , نجد الغرب نفسه جند أهل فكره لدراسة الحضارة الإسلامية وعرف عنها ما لم نعرفه نحن عن حضارتنا إلا من خلال دراساتهم الإستشراقية التى حاولت هدم هذا الفكر فالتصقت به وآمنت به رغم أنفها , فصرح منهم بالإيمان من ترك المكابرة واتخذ بعضهم طريق الهوى بعد أن أعلن انبهاره من خلال هجومه العاجز والذى فشلت فيه حركة المستشرقين
الثانية : وهى قمة الحماقة أن الغرب نفسه بات الآن يغير جلده ويتنكر للمذاهب الفكرية التى عاش يدعو لها منذ بداية عصر النهضة ويعود من جديد ساعيا للتدين
و فعلا ,
لكل داء دواء يستطب به ×× إلا الحماقة أعيت من يداويها

وهذه النظرة التى قادها مفكرو التغييب ـ إن صح التعبير ـ منذ بدايات القرن العشرين كانت أكبر وأقوى وجوه التلبيس التى اتبعها ابليس لعنه الله مع عامة هذه الأمة فاستجابوا له وتركوا ما صلح به أول الأمة ففسدت آخرتها الآن كما ترون , دون أن يتوقف واحد منهم فيسأل سؤالا بسيطا
هل كنا فى الزمن الماضي سادة العالم بالقرآن والسنة أم بالعلمانية والإشتراكية ؟!
لكن العقل إذا جهل , أصبح عجينة طرية فى يد ابليس ليبثه كيف يشاء من الخواطر التى تفسده من حيث يراها الحمقي إصلاحا , وهذا ما عرّفه العلماء باسم تلبيس ابليس
أى طريق ابليس إلى الخداع مع البشر فيبدل الصور أمام المسلم فيري الباطل حقا والحق باطلا , وبالتالى ـ وطالما أنه يري فى باطله الحق ـ فمن أعتى المستحيلات أن يتوب عنه أو يتبصر به , لأن الإنسان لا يتبصر لما يراه حقا بل ينتبه لما هو فى عرف مجتمعه باطل ,
فمثلا ,
لو أن هناك إنسانا شاربا للخمر بسبب قرين السوء , فهذا ما أيسر هدايته ممن يحاول معه لأنه لن يكابر فى حرمة الخمر أو خطورتها , ولن يكابر فى الإعتراف بسوء صحبة قرينه الذى يدعوه لمنادمة الخمور
لكن ماذا لو أن إنسانا يتبع من يتصوره عالما أو زاهدا بينما هو فى حقيقة الأمر شيطانا مريدا يتظاهر بالصلاح , فهنا تصبح المعضلة أقوى لأن المصلح سيحتاج أضعاف قوته لكى يبين لهذا الملبس عليه أن هذا القرين ليس بالصالح ولا هو بالمصلح
وتصبح الكارثة أعظم لو كان التلبيس من النوع الذى يقلب المعانى ويحول المفاهيم إلى معكوساتها , وهو ما نعانيه بالفعل فى عصرنا
فالفوضي والشيوعية أصبحت حرية , والإنحلال أصبح تحضرا , والكفر أصبح اجتهادا محمودا ! , والبغاء أصبح عنوانا للفنون !

وهذا الموضوع وأعنى به شرح كيفية دخول إبليس على النفس وخداعها وتزيين الباطل على أنه أحق الحق , هو موضوع كتاب " تلبيس ابليس " للعلامة الجهبذ أبي الفرج بن الجوزى
وهو كتاب فريد فى بابه ,, عظيم فى دوافعه وأسبابه
ولا يتخلى عنه مسلم ـ وقد سمع به ـ إلا وكان لزاما عليه أن يبحث عن دواء لعقله , لأنه وببساطة كتاب يشرح لك ويبين فى يسر وسهولة سائر المسالك التى يأتيك منها شيطانك فبالتالى يكون سد هذه الطرق عليه من أبسط الأمور وهكذا يكون المسلم قد انتصر فى جبهة رهيبة من الجبهات الأربع التى يحارب عليها فى حياته والتى عبر عنها الشاعر بقوله
ابليس والدنيا ونفسي والهوى ×× كيف الخلاص .. وكلهم أعدائي

بل إنى أزعم أن جبهة ابليس عليه لعنة الله , هى أقوى الجبهات على الإطلاق , لأن المسلم إذا أراد لنفسه الصلاح فستكون العزيمة طريقه لقهر الهوى , والعمل الصالح قهر للنفس لأن جوارحه مع الطاعة ستطيعه شاء أم أبي , وسيكون الصبر قاهرا للدنيا ,
أما جبهة إبليس , فخطورتها تتمثل فى أنها جبهة متعددة الأسلحة , منها الظاهر وهذا يمكن مواجهته بالعزيمة والصبر ومن قبلهما الإستعاذة , وجبهة خفية هى التى لا ينجو منها إلا من شاء الله لأنها كما سبق القول جبهة يأتى منها إبليس بثوب المصلح بينما هدفه الحقيقي الإفساد
وتلك الجبهة لم ينج منها من عامة الناس بعد الأنبياء والرسل إلا أهل العلم , لأن العلماء الربانيين يكفل لهم الله بعلمهم الخبرة اللازمة للانتباه , ولهذا كان العالم الواحد أشد على إبليس من ألف عابد

مؤلف الكتاب :
ليس القصد هنا أن أضع لهذا العلم ترجمة على عادة التراجم , بل القصد أن أقدمه للقارئ من خلال كتبه تقديما بسيطا وهذا بغير إطالة حتى يتسنى لنا أن نبحر فى خضم بحر كتابه تلبيس إبليس
فهو العلامة الحافظ عبد الرحمن بن الجوزى أحد عمالقة علماء المسلمين , وتوفي رضي الله عنه عام 459 للهجرة , وكان كعادة بنى عصره متبحرا فى عدة علوم يكفي صنف واحد منها ليصرف العالم فيه عمره ولا يدركه , ورغم ذلك كان بن الجوزى ـ وأيضا كسائر علماء عصره ـ بالغا الغاية فى تلك العلوم كلها ومنها علم الحديث والفقه والتفسير والتاريخ والسير ,
وكان مكثرا فى التأليف والتصنيف وترك بمفرده ثروة لا تقدر بثمن ,
أشهرها كتابه " المنتظم فى تاريخ الملوك والأمم " والذى عالج به التاريخ الإسلامى وتمت طباعته فى ثمانية عشر مجلدا , ويعتبر أحد المصنفات الرئيسية للتاريخ مثل الطبقات الكبري لبن سعد ومغازى بن عقبة وتاريخ خليفة بن خياط وتاريخ الطبري " تاريخ الأمم والملوك " والبداية والنهاية لبن كثير وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها عشرات
وله أيضا فى التاريخ مؤلفات أفردها للأعلام حيث كتب عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما , وكتب كتابا لطيفا أشبه ما يكون بمذكرات شخصية تليق به كعالم فذ وأسماه " صيد الخاطر " وكتب فى مقدمته سبب تسمية الكتاب وفكرته اللطيفة المتمثلة فى أنه لاحظ أن كثيرا من الخواطر والأفكار تجول برأسه بلا ترتيب أو نظام على عادة العلماء ,
ومعظم تلك الأفكار تكون غير كافية لتصبح أساسا لكتاب كامل , فتضيع .. رغم أنها أفكار بالغة العظمة لمن يدركها ,
فقرر أن يكتب كل فكرة تأتى بخاطره ويجمع بعضا منها ,, ففعل وجمعها فى هذا الكتاب الذى عنونه باسم صيد الخاطر معبرا عن مكنون الكتاب أنه شبكة صيد لأفكار متنافرة
والكتاب الذى يبدو من خلال التعريف به أن بن الجوزى كتبه كخواطر سريعة سجلها بلا جهد , لو طالعه قارئ اليوم سيجد أنه أمام مجموعة أفكار كل واحدة منها تصلح رسالة للدكتوراه !

كما صنف كتابا فريدا رائعا عن كبار أعلام الأمة فى الزهد والعلم والتقوى بدأ فيه ببعض سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام وتابع فيه إلى أن انتهى لبعض مشاهير الزهاد فى عصره , وسمى كتابه هذا " صفة الصفوة "
وقد ذكر فى مقدمة كتابه هذا أنه ألفه بناء على طلب بعض معارفه عندما قام بن الجوزى بتوجيه النقد اللاذع والعنيف لكتاب " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء " الذى كتبه العلامة الأصبهانى , فعندما اشتد نقد بن الجوزى للكتاب وصاحبه طالبه معاصروه أن يصنف لهم كتابا يحذو حذو الأصبهانى فى كتابه الذى جعله لكبار الصوفية ومشاهير الزهاد
وقد كان بن الجوزى عنيفا فى نقده لكتاب الأصبهانى نظرا لأن هذا الأخير ملأ كتابه ببعض الأحاديث الواهية ونسب للصوفية كبار الصحابة مما أثار حفيظة علماء عصره عليه لا سيما وقد كانت الصوفية فى ذلك العصر قد دخلها الكثير من اللغط واشتهر بها من ليس منهم
وجدير بالذكر أن نقد بن الجوزى للأصبهانى كان ضمن كتابه المطروح بين أيدينا وهو تلبيس إبليس والذى خصص منه ما يقارب نصفه لمهاجمة الصوفية وأصحاب الطرق وبالغ جدا فى التعرض لهم نظرا للبدع التى انتشرت على أيديهم فى ذلك الوقت
ولكن ليس معنى هجوم بن الجوزى العنيف على حلية الأولياء أنه كتاب بلا قيمة بل هو كتاب قيم وإن كانت آفته بعض الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة وبعض المرويات التى رأى فيها العلماء تأثيرا سلبيا على نفوس العامة عندما تنتشر بينهم كحكاية الزاهد الذى وقع ببئر فجاء قوم لسد البئر بالغطاء فلم ينادى عليهم ليحذرهم اعتمادا منه على الله !
وهذا لا شك أنه من تلبيس إبليس على الرجل لأن التوكل على الله يختلف عن التواكل والله أمر عباده باتخاذ الأسباب
وإذا كان الرسل والأنبياء التمسوا الأسباب فى رسالاتهم وحاربوا وحوربوا وأصيبوا وقتلوا فكيف بمن سواهم
ويعتبر كتاب الأصبهانى هو ثانى كتاب فى نوعه تعرض لمثل هذا الهجوم القادح ومعه كتاب الغزالى المعروف " إحياء علوم الدين " والذى تعقبه العلماء بكثير من الردود والتعليقات لنفس الأسباب , وإن كان الإحياء قد احتوى من الأحاديث الضعيفة والموضوعة أكثر من كتاب الأصبهانى
ولذا ينبغي الإنتباه دوما مع هذين الكتابين خاصة وكل كتب التراث عامة أن يطالعها القراء فى طبعاتها المحققة التى تشتمل على الهوامش المدققة والموضحة لموقف الأحاديث والآثار الواردة فيها , لا سيما إن كان القارئ غير متخصص

ليس لأن هذه الكتب تحتوى أخطاء بل لأنها مكتوبة على طريقة ومنهج القدماء أنهم كانوا يروون بالسند المتصل ويتركون الحكم عليه , كما أن بعض الأحاديث والآثار رواها بعض علماء السلف معتقدا بصحتها وتتبعه غيره من العلماء فأبطلوها
وقد عُرف عن بن الجوزى أنه كان عنيفا فى خصومته العلمية ولهذا دخل فى معارك متعددة مع علماء عصره وبعض من أتى بعدهم وحدثت له مواجهات كثيرة مع العلماء أفرزت للتراث روائع المسائل العلمية
لأن شرر المعارك الناجم عن تلاقي سيوف العلماء هو الخير المحض لا كما هو فى حالة تلاقي سيوف المقاتلين فى الحروب
وتعتبر معركته فى كتابه " الموضوعات " هى الأعنف فى تاريخه حيث تعقبه كثير من المحدثين فى بعض الأحاديث التى حكم عليها بالوضع وهى صحيحة أو ترتفع لمرتبة الحسن , ومنها حديث رواه مسلم بن الحجاج فى صحيحه , وكان منه أيضا عدد من الأحاديث التى رواها أحمد بن حنبل فى مسنده ,
ورغم أن بن الجوزى كان حنبليا إلا أن أمانته العلمية لم تسمح له بمجاملة بن حنبل فى تقديره العلمى , وهذا يحسب له
كما يحسب أيضا للإمام بن حجر العسقلانى الذى رد على بن الجوزى فبين له خطأه فى شأن أحاديث المسند التى اتهمها بالوضع وهى حسنة الإسناد , وذلك أن بن حجر شافعى المذهب فلم يدفعه الانتماء المذهبي للسكوت عن مسند أحمد فكتب كتابه الشهير " القول المسدد فى الذب عن المسند "
وأكد على هذه النتيجة إمام المسلمين المحدث المعاصر أحمد شاكر رحمه الله الذى نفض الغبار عن مسند الإمام أحمد فقام بشرحه وطبع المسند به ,
فرحم الله هذا العصر ورحم أهله ..

،،

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 10:49 PM

بين صفحات الكتاب :

على عادة بن الجوزى التى يشاركه فيها بن كثير وبن قيم الجوزية وبن تيمية وبن حزم وغيرهم , جاء كتابه سهل الأسلوب حسن العبارة شيق العرض والمضمون ولهذا كانت مؤلفات هؤلاء الزمرة من العلماء أكثر انتشارا من مؤلفات غيرهم , ولهذا تنتشر بين أيدى المهتمين بكتب التراث وطلبة العلم فيه لكونهم لا يحتاجون تدريبا أو معاونة غالبا فى الإبحار بين صفحاتها

فمثلا يعتبر كتاب اختصار علوم الحديث لبن كثير الذى حققه أحمد شاكر أكثر انتشارا وشهرة من مقدمة بن الصلاح رغم كون هذا الأخير أكثر قيمة وأسبق فى الصدور ,
وكذلك كتاب بن قيم الجوزية مدارج السالكين أو الفوائد يعد أكثر انتشارا من كتاب الزهد لبن حنبل مثلا رغم اختلاف الفارق والقيمة بين الإمامين
وأيضا يتصدر كتب الفرق كتاب الفصل فى الملل والنحل لبن حزم نظيره الذى ألفه الشهرستانى باسم الملل والنحل لبراعة أسلوب بن حزم وعرضه بينما يتوازن المرجعان الرئيسيان الباقيان وهما مقالات الإسلاميين للأشعري والفرق بين الفرق للبغدادى
ويتصدر بن تيمية بكتبه فى رد الشبهات سائر من سبقه ومن لحقه من العلماء لنفس المميزات ولغزارة الرد وسرعة البديهة فيه كما هو الحال فى كتابه الشهير " الرد على منهاج الكرامة " والذى كتبه للرد على الرافضي بن المطهر الحلى فى كتابه " منهاج الكرامة بإثبات الإمامة " وتم نشر كتاب بن تيمية فيما بعد حتى عصرنا الحالى تحت اسم " منهاج السنة النبوية " فضلا على كتابه فى الرد على الجهمية المسمى " بيان تلبيس الجهمية " والذى ينتشر أكثر من كتاب بن حنبل " رد شبهات الجهمية " رغم أن كتاب بن حنبل أسبق وأقدر
غير أنه يجدر بنا أن ننوه أن براعة الأسلوب والعرض لا تعنى التفوق فى العلم بالطبع , بل إنها تمثل ميزة فى الوصول لا أكثر

وقبل عرض الكتاب ,
يجدر بنا أن نلتفت إلى مكمن قيمته أولا , ذلك أن أزمة المفكرين المدركين لقيمة التراث أنهم يتعاملون مع كتب عمالقة السلف بمنطلق عصر السلف وحده ولهذا فنادرا ما نجد من المفكرين المعاصرين من يحسن القراءة والفقه فى تلك الكتب ,
لأن كتب التراث أعظم وأثقل وأكبر من أن نتخذها للمعرفة المجردة وحدها أو الرواية التاريخية فقط , بل قيمتها الحقيقية تكمن فى استخدام تلك المعارف القديمة التى كتبها علماؤنا بما يناسب عصورهم , لنسقطها على عصرنا الحالى ونستخدم نفس الأفكار ولكن فى أوعية جديدة تفتح لنا أبواب الحلول لقضايانا
وهو أمر أشبه بالقياس المعروف بالفقه وهو أن تقيس مسألة منصوص عليها بمسألة أخرى غير منصوص عليها لتخرج بالحكم الصحيح
ولهذا فإن كتب التراث لا تحتاج المحققين فقط ليبسطوا لنا نصوصها ويبينوا لنا سلامة محتواها , بل تحتاج ما هو أعظم من ذلك , تحتاج فئة من المفكرين العارفين بأقدار تلك المؤلفات ليعيدوا بسطها وعرضها بلغة العصر وقضايا العصر , وهذا الأسلوب يكفل لنا تحقيق هدفين رائعين
الأول : صنع جسور من التواصل بين ماضينا وحاضرنا وتصحيح نظرة العوام للتاريخ على أنه أقاصيص للتسلية ليصبح التاريخ فى مكانه الطبيعى كأساس للتوعية والتجربة لبناء الحاضر
الثانى : الاستفادة من الحلول الجاهزة لقضايانا المعقدة التى نعانى منها عندما نحسن التدبر فى كيفية المواجهة التى تمت بين علمائنا وبين الأزمات الفكرية الدخيلة فى عصرهم ,
لأن الغزو الفكرى ليس وليد العصر كما يظن البعض , بل إن الغزو الفكرى بدأ منذ بداية القرن الثانى الهجرى واستمر , غير أنه لم يؤثر بمقدار خردلة على التوجه العام للأمة لأن الذين تصدوا لتلك الغزوات كانوا أبطالا فى مجالاتهم وعلمهم ومن خلفهم تآزرت الجماهير
ولهذا , ظلت الأفكار الدخيلة على الإسلام كأفكار المعتزلة والصوفية الفلسفية والخوارج والشيعة والجهمية والمرجئة عبارة عن أفكار محصورة بأصحابها لم تأخذ الطابع العام أبدا ولم ينجحوا فى الوصول للجماهير مطلقا حتى فى تلك الفترات التى سيطروا فيها على الحكم وأنشئوا دولا أو ساندهم الحكام ,
وكان سبب العزلة واضحا جليا وهو ثقة الشعوب والعامة فى علمائها الثقات الذين تملكوا زمام التوجيه فلم تتركه الجماهير لغيرهم , ولهذا نجحت المذاهب الفكرية المعاصرة فى تخريب تلك العلاقة بين العلماء الحقيقيين وبين الجماهير فتمكنوا بذلك فى تحقيق الكثير من أهدافهم عندما تخلت الأمة عن مصادر تلقيها المعتمدة , وتخلى العلماء عن دورهم تحت تأثير التهميش
غير أنه ينبغي ألا ننسي أن زمرة من علمائنا الكبار على مر العصور تصدوا ـ رغم الصعوبات ـ لتلك المذاهب فأبطلوها وجعلوا أهدافهم التى حققوها كسراب بقيعة بعد أن استيقظت الجماهير مؤخرا فاختارت الحل الدينى رغم التشويه الذى مارسته الأنظمة القمعية والعلمانية المسنودة بالسلطة على كل ما هو إسلامى
وكمثال بسيط يقصر عن الحصر جهود الإمام الشعراوى التى أبطلت معظم جهود حركة المستشرقين المعاصرة والعلمانية والشيوعية وغير ذلك من المذاهب وأيضا ما كتبه مصطفي محمود المفكر العملاق لكشف أبعاد العلمانية والشيوعية واليسار العربي المستنسخ من الثقافة الشيوعية , وما قدمه أيضا الدكتور سفر الحوالى لتشريح العلمانية على منضدة التحليل فى كتابه الشهير عنها , وأيضا كتابات محمد قطب وجهود الشيخ محمد الغزالى وغيرهم ,

ولهذا فالقيمة الحقيقية لكتاب تلبيس إبليس إنما تتبدى فى التعرض لفصوله المختلفة وإسقاط تلك الأفكار على الغزو الفكرى المعاصر وشرح طريق إبليس بشأنه , لأن الباطل مهما تنوعت وجوهه فإن المضمون واحد
وإنا وإن كنا نواجه الغزو الفكرى والتخرصات الشيطانية فى أمور مستحدثة أو أكثر غزارة من تلك التى عانت منها الأجيال السالفة , إلا أن الفكرة واحدة ومتمثلة فى قدرة إبليس على تزيين موقف الباطل واللعب على وتر الإعجاب بالرأى وقياس الحق بالرجال لا قياس الرجال بالحق , وهو الأمر الذى وقع فيه عشرات من كبار رموزنا فضلا على صغارهم والعوام
وعليه فسنعرض لفصول الكتاب فصلا بعد فصل شارحين محتواها كفكرة ثم نجعل التركيز منصبا على تطبيق الفكرة فى عالمنا المعاصر فهذا أنفع للقارئ وأكثر تأثيرا , لكى يكتشف القارئ أن الأفكار المنتشرة بعالمنا الآن إنما هى مواريث قديمة حاربها علماؤنا وردوا أصحابها على أعقابهم , وما نراه اليوم لا يعدو كونه أذيال تلك الفرق جاءت تحيي مواريث قدماء مبتدعيها بعد أن ألبسوا نفس الأفكار ثوب الحداثة ,
ورد هؤلاء الوارثين لن يحتاج وقتا أو جهدا لأن السلاح الذى واجه الأقدمون تلك الأفكار موجود فى التراث لا يحتاج إلا قراءة جديدة فقط تنفض عنه غبار الإهمال ليعود أقوى وأكثر تأثيرا

الفصل الأول : فى ذم البدع والمبتدعين


عرفنا أن مفهوم التلبيس هو الطريق الذى يسلكه الشيطان للوسوسة أى طريقة دخول الشيطان إليك , وهو طريق معهود متمثل فى هوى النفس , ومن هنا تأتى السيطرة ,
تماما كما تفعل شياطين الإنس من أقران السوء حيث يدخل الواحد منهم لصاحبه من باب هوايته الذى يمثل نقطة ضعفه أو من باب عقدته النفسية , وهو باب جديد لم يكن منتشرا فى عصر بن الجوزى لكنه فى عصرنا أصبح أساسيا
فالشيطان إذا لمح من الإنسان نزوعا للحق أو الصلاح سلك إليه أولا طريق العقدة النفسية ـ إن وجدت ـ وهى غالبا موجودة وتتمثل فى حادثة معينة أو طبع معين ترك تأثيرا كبيرا على نفسية الشخص فأصبحت تتملكه فكرة واحدة فى حياته هى فكرة مقاومة تلك الحادثة أو دفعها لكى لا تتكرر , وغالبا ما يتخذ الإنسان حيال عقدته أساليب للمقاومة مبالغا فيها جدا وهذا نابع أصلا من خوفه المرضي لا على شواهد من الواقع
مثال ذلك ,
عقدة العظمة التى تتملك نفسية الموهوبين المظلومين من مجتمعاتهم فيتخيل الموهوب نفسه معرضا لأخطار وهمية أو اضطهاد من كل إنسان حوله فيدفعه ذلك للإنعزال والمعيشة فى شرنقة نفسية تمتلئ بأحلام اليقظة التى يري نفسه فيها أعظم عقلية على وجه الأرض وأن البشر جميعا من حوله تحسده على عقليته تلك ولهذا لم ينصفوه أو يمنحوه مكانته الطبيعية , ويغرق فى دور الشهيد المضطهد وترضي نفسه بهذا المبرر الذى يدارى عنه فشله الراجع أصلا لعيوبه لا للمجتمع من حوله ,
فإن صادف فشلا فى عمله فالمبرر جاهز وهو أن رؤساءه يغارون منه , وإن واجه معاملة عادية تتناسب مع قدراته من مجتمعه كان المبرر أيضا جاهز وهو أن المجتمع مملوء بالحاقدين الذين يطمعون فى مثل مواهبه أو يحاربون لإبطال دوره فى إصلاح المجتمع والناس والدين والدنيا , .
وهذه العقدة وإن كانت فى الأصل تنتاب المواهب الحقيقية التى عانت من إضطهاد فعلى إلا أنها أصبحت الآن سمة مميزة لعوام الناس مع كثرة الظروف السلبية التى يواجهها المجتمع لا سيما الشباب منه , فأصبحت عقدة العظمة قرينة بعقدة الإضطهاد لدى منعدمى الموهبة والوجود لأنها تمثل حلا ذهبيا للفاشلين والمتواكلين الراغبين فى المكانة والمكان بغير بذل الجهد للوصول إليها
وتكمن براعة إبليس مع هذه الفئة أن يغلق أمام الناصحين لهم أى باب يستطيعون النفاذ منه لمعالجتهم , وذلك أنه يرفع لافتة الإضطهاد أمام أى قول ناصح فلا يسمعه المفتون بنفسه أبدا , لا سيما لو كان تلبيس إبليس داخلا عليه من جهة الدين بحيث يقنعه أنه أحد كبار المصلحين فى المجتمع الفاسد ومن الطبيعى أن تتكون له العداوات ,
وهناك لابليس طريق أكثر قوة مع ذوى القدرات والعلم , فهؤلاء ـ لا سيما إن كانوا ذوى دأب فى ممارسة دورهم فى المجتمع ـ يصبحون عبئا ثقيلا عليه , وبالتالى يحاول الدخول اليهم وتعطيل حماسهم عن طريق تذكيرهم باهمال المجتمع لهم وأن هذا المجتمع لا يستحق جهدهم وما إلى ذلك من الوساوس التى تعطل الهمم , ومع ذلك يلجأ أيضا لزيادة تأثير أزمات الحياة عليهم لعل وعسي يصرفهم بها عن دورهم الإصلاحى ,
وإذا فشلت جهود ابليس فى ذلك يلجأ إلى الورقة الأخيرة المتمثلة فى إثارة شكوك هؤلاء العلماء وقادة الفكر ومن يسيرون على دربهم حول رسالتهم فى إصلاح المجتمع , ويكون التشكيك متمثلا فى دخول الخوف إلى الأعماق أن تكون أعمالهم تلك ليست خالصة لوجه الله أو أنها مدخولة بغرض دنيوى ,
وطالما أن هدف المصلح الحقيقي هو مرضاة الله فمن الطبيعى أن يؤثر فيه هذا الخوف خشية أن يحبط عمله ويبدأ فى التردد وإعادة التفكير ,
وهذا هو غاية الشيطان من تلك الوساوس أن يعطله قليلا بالتردد طالما عجز تماما عن صرف المصلح عن هدفه
لكن غالبا ما تفشل جهود ابليس مع تلك الفئة ,
بسبب معرفتهم بطرقه وانتباههم لها , فإن تأثروا لفترة فلا يلبثوا أن يعودوا لطريقهم وضحكاتهم الساخرة تتردد من حماقات ابليس التى فشلت كعادتها معهم تنفيذا لوعد الرسول عليه الصلاة والسلام
" لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم " أو كما قال عليه الصلاة والسلام
هذا مثال على طريق العقد النفسية التى ينفذ منها الشيطان ,
أما مثال التلبيس بطريق تعمية عيون الإنسان عن الحق فكثيرة ومتعددة الوجوه وقديمة الممارسة ,
وتعرض لها بن الجوزى بالشرح عندما قسم كتابه على حسب الفئات فى المجتمع فجعل لكل فئة منهم فصلا يتحدث فيه عن كيفية دخوله إليهم , فشرح كيف يدخل بالتلبيس على العلماء وعلى العباد وعلى الزهاد وعلى أصحاب الفرق المختلفة
وهذا يصحح لنا مفهوما مهما للغاية فى معالجتنا لتلك التلبيسات وهى أنه ليس كل صاحب باطل أو داعى للفتنة يعرف أنه كذلك , فغالب هؤلاء يظنون أنهم يصلحون فى الأرض بل ويجاهدون فى سبيل الله أيضا ,
فالعلمانيون منهم من هو متواطئ وعارف بأنه يدعو إلى ضلال ويفعل ذلك عامدا ابتغاء المكسب الدنيوى , ومنهم أيضا من هو مقتنع تماما بالعلمانية كمذهب ضرورى التطبيق للخلاص من سيطرة الفقهاء ـ كما يظنها ـ وبالتالى ينظر لنفسه على أنه داعى الحضارة فى بلاد التخلف

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 10:53 PM


وفى الفصل الأول تحدث بن الجوزى عن الفئة الأكثر وقوعا تحت تأثير التلبيس وهى فئة أهل البدع ,

فمن المعروف أن أهل البدع أشبه بالكرة التى يتقاذفها الأطفال وهى لا حول ولها وقوة , فكذلك هم فى يد الشيطان يتلاعب بهم بمنتهى اليسر والسهولة ودون أن يكلفوه جهدا
ومن الطبيعى أن وصف أهل البدع كان له محل فى زمان بن الجوزى الذى كان الخير لا زال باقيا بين العوام بالشكل الذى يصنع التواصل بينهم وبين العلماء , أما بعصرنا الحالى فقد غاب مفهوم البدعة عن لفظها ولم تستطع العوام أن تميز خطاب علمائها الذى يبين لهم معناها وأمثلتها
وملخص تعريف البدعة التى حذر الرسول عليه الصلاة والسلام منها مرارا هى أى شيئ يستحدث فى أمر من أمور الدين سواء فى العقيدة أو العبادات لم يتم تقريره بحكم شريعة ,
ولكى نعرف الفارق بين البدعة وبين الزيادة فى النوافل , فالبدعة تنصرف فقط إلى الفروض المحددة سلفا كعدد ركعات الصلاة أو عدد التسبيحات التى تتلوها أو الأدعية النبوية الواردة بالسنة أو فى أمر من أمور الحكم والتشريع العامة والتى حددها القرآن والسنة مسبقا , أو أمور الزكاة وما إلى ذلك من طرق أداء الفروض أو الغيبيات المسكوت عنها أو المبادئ العامة لنظام المجتمع
فلكى نتقي البدعة فى هذا فإن الواجب يقتضي أن تنفذ ما ورد بشأن الفروض والعبادات والمبادئ العامة بالشريعة كما أنزلت وكما وردت بلا زيادة أو نقصان أو اجتهاد مع نص
أما إن أحببت الزيادة من قبيل النفل لنفسك فهذه قربي لله تعالى شريطة ألا تجعلها طريقة يقلدك فيها غيرك فتدعوه إليها بحذافيرها ,
فلك أن تدعو غيرك ليحيي الليل أو بعضه بالقيام , لكن ليس عليك أن تحمله حصرا على تقليدك فى عدد ركعات معين تفرضه عليه فرضا
وهناك أنواع من البدع الفكرية كأن تخوض فى موضوعات نهانا الله ورسوله عن الخوض فيها أو الجدل تحت مسمى البحث العلمى , أو أن تخرج على الناس فتنكر أمرا ما قد أجمعت الأمة على قبوله منذ سالف العصور وليس فيه ما يخالف النص ,
هذا فيما يخص العبادات , أما ما يخص المبادئ العامة فليس للمجتمع أن يستجيب لبدع النظم الحاكمة أو المجموعات المتحزبة الداعية لترك التقليد لما ورد بالقرآن والسنة واتباع التقليد لما ورد بالفكر الغربي !
وهذا لا شك أنه من التلبيس إذ كيف يمكن أن تفاضل شرع الله لك فى الحياة وهو خالقك وتفضل عليه مذاهبا أثبتت التجربة فشلها
كما أنه من البدع أن تبالغ فى التبديع , وهذا من التلبيس الذى يقع فيه الكثيرون , فتحت حرصهم المبالغ فيه لتحرى السنة دخل بهم الشطط لرفض ما سمح به الله من اجتهاد تبعا لمصالح الأمة ودنياها , وفى العموم يتم تعريف البدعة على أنها اجتهاد فى مقابل نص تشريعى ثابت , وبالتالى فإن كان التصرف اجتهادا فى مواجهة اجتهاد فلا يدخل تحت مفهوم البدعة
أما إذا أردنا أن نتعرف على مفهوم البدعة ومفهوم أهل البدع فى عصرنا الحالى , فهم أكثر مما نتخيل ,
فكل من تراه يزكى نفسه ويرفض غيره أو يسفه سابقيه هو من أهل البدع , وكل من تراه يعطى الأمر لأهله فى كل مجال إلا فى مجال الفقه والشرع تراه ينفرد بنفسه بعيدا عن أقوال وأحكام العلماء ضاربا بهم عرض الحائط فهو من أهل البدع , وكل من تراه داعيا لمذهب فكرى معين يناقض به المعلوم من الدين بالضرورة هو من أهل البدع
وتحت هذه الأوصاف الثلاث تندرج سائر المبتدعة فى عصرنا الحاضر
والمتفق عليه قديما وحديثا أن الفارق الرئيسي بين أهل البدع وأهل السنة , هو أن أهل البدعة يؤمنون بفكرة معينة أولا , ثم يصرفون جهودهم لإثباتها من خلال النصوص أو اختلاق الإثبات لها من خلال لى أعناق النصوص لو لم يجدوا نصا صريحا ,
بينما أهل السنة تراهم يعرفون الحكم أولا قبل أن يؤسسوا عليه الفكرة والقناعة ,
مثال ذلك ,
وهو أشهر مثال فى سائر عصور الإسلام , ألا وهو مثال الشيعة الذين تبقت من فرقهم المتعددة ثلاث فرق قط لم تندثر وهم الإثناعشرية الرافضة , والإسماعيلية والنصيرية العلوية ,
فهؤلاء ابتكروا مفاهيم جديدة اخترعوها لتناسب أهواءهم ثم بحثوا فى النصوص عما يؤيدها ولما لم يجدوا قدموا التأويل بين أيديهم على النص الصريح , فسقطوا فى أكبر حماقة عرفها تاريخ الإسلام وهم يلبسون نصوص الثناء على الصحابة فى القرآن ثياب الذم , ويستبدلون نصوص الذم بالمنافقين ليسقطوها على أهل الإيمان وهم يظنون أنفسهم فرقة ناجية بأسمائهم لكونهم سجلوا فى نادى أولياء أهل البيت وكأن ولاية البيت عبارة عن إعلان باللسان وابتعاد عن العمل والإتباع وغير ذلك مما سنتناوله فى موضعه إن شاء الله


الفصل الثانى : شرح تلبيسه على العوام


هذا الفصل لم يورده بن الجوزى فى أول الكتاب بل أورده فى آخره حيث خصصه لشرح تلبيسه على الناس فيما يخص طول الأمل وترك العمل,
و كان تركيزه على الفئات التى تشذ عن القول السديد فينبه عليها , ولم يحمل هما فى مواجهة العامة لكون العامة على مستوى رفيع من الاستجابة والإدراك والتمييز والانتباه لأقوال العلماء , فلم يكن الأمر يؤخذ إلا عن أهله وحسب ,
أما عالم اليوم فيعانى من اختلاف مصادر الثقة والتلقي مصداقا لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام
" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس بل يقبضه بقبض العلماء ... الحديث "
وبمجرد قبض العلماء يتخذ الناس رءوسا جهالا فيفتون بغير علم فيضلون ويُضلون وبالتالى صارت أزمة العوام ليست قاصرة على طول الأمل وقلة العمل بل أصبحت متعددة بتعدد وجوه التلبيس الذى جلبه الجهل والتغييب
وقد أصبحت شاشات الفضائيات أحد أهم مصادر التلقي للجماهير واندفعت تلك الأخيرة تتخذ لها شيوخا ودعاة بحسب الميل الشخصي أو بحسب الشكل الظاهرى أو بحسب أسلوب الحديث ولباقته وقربه للجمهور ,
وآخر معيار تفكر فيه الجماهير هو معيار المكانة العلمية ! , وتلك كارثة عظمى لأن هذا المعيار هو الوحيد اللازم لتحديد الثقة فيمن نأخذ عنهم
وكنتيجة فعلية لذلك رأينا المهازل التى لم يكن يتوقعها أحد إلا على سبيل الطرفة , من ذلك مثلا :
انتشار الوعظ والإرشاد الدينى على وجهين متطرفين أحدهما يتبع أسلوب التشدد المبالغ فيه , والآخر يتبع أسلوب التفريط الغير متصور
فالجبهة الأولى صورت الشريعة على أن الأصل فيها المنع والحظر خلافا لأهم قاعدة أصولية تقول أن الأصل فى الأشياء الإباحة , والجبهة الثانية جعلت من الدين أشبه ما يكون بلوائح نادى اجتماعى أو سوق تجارى كبير يعتمد القاعدة التجارية القائلة " الزبون دوما على حق ! "
وتحت مسمى أن الدين يسر سقطت مفاهيم الإلتزام حتى فى بعض الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة , وأصبح الناس بتأثير الإعلام توازن بين الدعاة وتقدم الأيسر فالأيسر !
وغابت تماما حاسة التقييم التى كانت تميز المجتمع المسلم فلا تراه يأخذ إلا عمن يلتمس منه العلم والتقوى والمزكى من أكفائه من أهل العلم , وهذا إن كان تأثيره ذو خطورة على ثقافة المجتمع , إلا أنه لا يساوى مقدار خردلة فى أن المجتمع لم يكتف بـأخذ الثقافة بل التمس الفتاوى وانتشرت عبر الهواتف والفضائيات ظاهرة فتاوى التليفون والسؤال فى شتى شئون الحياة والدين وتوجيه تلك الأسئلة لكل أحد ومن ثم انتشرت ظاهرة الافتاء بغير علم بشكل مَرضي ولا زال فى ازدياد
والأطم من ذلك انتشرت ثقافة بالغة الخطورة فى المجتمع تعامل أركان الدين معاملة منفصلة , ولا تتعامل معها كوحدة واحدة
وتلك النظرة هى التى فتحت الطريق أمام تلبيس إبليس الجديد الذى يجعل من المرء يرتكب سائر الموبقات طيلة العام ثم يذهب إلى عمرة رمضان لكى يحوز المغفرة , وهو مقتنع تماما أن العمرة ستغسل تلك الذنوب , وهذا تلبيس بالغ الخطورة يجعل من العبادات أشبه ما تكون بصكوك الغفران , لأن التوبة معناها نية الإقلاع عن الذنوب وحتى إن عاد التائب للذنب فعودته هنا يجب أن تكون بعدم التبييت المسبق للنية على تكرار المعاصي ,
وتحت تأثير ذا نرى ونسمع كل عام عن موائد الرحمن التى تقوم عليها الراقصات , ورجال الأعمال أصحاب الثروات المشبوهة , وغيرهم ,
وهذا كله جاء بتأثير ما يسمى الدعاة الجدد أو الدعاة المودرن ! وهم أولئك الذين فتحوا الباب على مصراعيه أمام شتى الشهوات بحجة أن الدين يسر !
ومع هذا الصنف ظهر صنف آخر يعتقد اعتقادا جازما أنه طالما يؤدى الفرائض فى انتظام فقد أدى حق الله عليه , وهذه لعمرى مصيبة جامعة !
أولا : لأن مجرد التصور أن الإنسان يستطيع بعمله أن يؤدى ما لله من حق عليه هو تصور من الممكن أن يدفع بالمرء إلى أسفل درك من النار لأنه حتى الأنبياء ـ مصداقا للحديث النبوى ـ يلتمسون من الله عز وجل الرحمة كطريق للجنة وها أولى وأجدر بالعامة أمثالنا
ثانيا : أن تصوير الفرائض على أنها كل الدين أدى بالبعض إلى اعتبار أدائها ذريعة ورخصة ليفعل بعد ذلك ما يشاء طالما أنه أدى حق الله عليه , وبناء على ذلك ترى هذه النوعية تمنح لنفسها حقا أكيدا فى ممارسة حياتها بعيدا عن أى التزام يراه , فما دام قد صلي وصام وأدى الزكاة والحج فالحياة تصبح له مرعى بلا ضوابط ,
وهذا هو عين خفة العقل وعين التلبيس لأن أداء أركان الدين وحدها بشكل ميكانيكى لا تأثير له على سلوك الإنسان فى حياته إنما هو فراغ لا يؤدى لنتيجة , فالصلاة لو لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر وتذكره الخضوع لله فليست بصلاة , والصوم لو لم يتبعه صيام عن الموبقات بالقول والفعل فليس الصوم عندئذ إلا امتناع عن الأكل والشرب

وصنف ثالث , يدخل عليه التلبيس من باب التماس الفتاوى التى تناسب الأهواء سعيا منه لإرضاء ضميره أو إقناع نفسه أنه متبع للشريعة الغراء , فتجد الشخص منهم يقود الهدايا أمامه إلى أحد العلماء أو الشيوخ طمعا فى ترقيق قلبه لكى يعطيه فتوى أو حلا لمسألة يعانى منها ! وكأن الفقهاء والعلماء بيدهم أمر الحل والعقد بالشريعة وليسوا إلا منفذين لما شرعه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام , وهناك من الفاسدين أصحاب العلم من يتخذ هذا الطريق ويساهم فى زيادة التلبيس بالفعل
ويندرج تحت هذا الصنف أيضا , نوع آخر لا يقل حماقة حيث يذهب للسؤال فى الفتوى ولديه هوى وغرض بعينه فتجده يلتمس الشاذ من أقوال أهل العلم أو يلتمس القول من أهل الإفتاء الرسمى الخاضعين لأهواء السلطان ويكتفي بأن يقول أنه متبع لأهل العلم وهم من يتحملون وزر الفتوى !
وهذا تلبيس خطير لأن القاعدة الأصولية فى طلب الفتوى هى طلبها بتجرد تام عن الهوى والرغبة وإلا شارك المستفتي مفتيه فى الإثم دون شك
ومن المفارقات المثيرة للسخرية أن المجتمع أصبح يعامل هؤلاء الدعاة الغير مؤهلين أصلا للفتوى بمعاملة لم تتحقق لأكابر الأئمة السابقين , وذلك أنهم جعلوا فتاواهم أشبه بصكوك الغفران ما إن تستمع إليها حتى تكون قد أخذت طريق النجاح !

وصنف رابع من الاتجاه المناقض المتبع لأقوال المتشددين أو أهل التنطع تجده يترك كبار العلماء الثقات المعروفين ويلتمس أى فتوى من مدعى طالما أنها تتشدد إلى أقصي درجة , وهذا التلبيس هو عين التلبيس الذى دخل على الخوارج حيث كانوا يلتمسون من كل أمرين أصعبهما خلافا للقاعدة النبوية وهى اختيار الأيسر فى معزل عن الهوى
وهذا الصنف أصابته عقدة نفسية مؤداها أن الأصل فى المجتمع الفجور وعليه لا يقبل رخصة أبدا حتى لو كانت رخصة أجمعت عليها أقوال أهل العلم ,
بالإضافة إلى ترسب العداء العنيف لسائر المجتمع باعتباره مجتمع فتنة فتجده يعاملهم بأصل الجفاء لا أصل المودة , وتجده لا يقرأ فى القرآن الكريم أو يستشهد إلا بآيات العذاب دون الرحمة , بل ووصل بالعوام منهم إلى أنهم استخدموا مع أقرانهم أسلوب الاحتقار والتهديد بالنار والفخر المسف بأنهم على جادة الطريق وغيرهم على الباطل ,

وديننا الحنيف لا يقبل بهذا أو ذاك , فهو دين الوسطية , لكنه فى نفس الوقت لا يقبل الوسطية فى أحكامه المقررة
ومعنى هذه العبارة أن الإسلام فى أحكامه القطعية هو الشريعة الغراء الجامعة التى أصلت للعبادة وقواعدها كلها أتت فى صالح البشرية لكونها جاءت من خالقهم وهو أعرف بهم سبحانه وتعالى , ومع تلك الوسطية فى التشريع جاء الإسلام بقواعد قطعية صفتها الوسطية لكنها ملزمة لا تقبل تأويلا أو زيادة فى التبسيط أو تحريفا عن مواضعها
مثال ذلك ,
شرع الله لعباده صلوات مفروضة وجعل فى أحكامها رخصا تناسب الأعذار المختلفة لكنه لا يقبل أبدا أن يتخذ إنسان من تلك الرخص قواعد أصلية فيعمل بها بمعزل عن مسبباتها وشروطها

وكل تلك الأصناف من العوام أساسها التلبيس الذى قام على إبطال مفهوم العلم والفتوى لدى الناس , حيث اتخذ الناس علماءهم وفى بعض الأحيان ـ جُهالهم ـ كرهبان كنائس العصور الوسطى لا يرد لهم قول,
بينما أصل شريعة الإسلام أن أقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها ,
بمعنى أن قول العالم وفتواه لابد أن تعضدها الأدلة لأنه لا يفتى من تلقاء نفسه أو يعطى من كيسه بل يفتى على أساس عقائدى وتشريعى قائم لابد من عرضه ,
وهذا التلبيس سببه رغبة الناس فى إرضاء الضمير وإسكاته بإلقاء المسئولية على غيرهم تحت ظن أنهم غير مسئولين كعوام , وهذا ما بينا بطلانه كقياس فاسد

الفصل الثالث : تلبيسه على الفرق المختلفة

سأحاول أن أتعرض لمفهوم الفرق بلغة سهلة أو معاصرة كى نقرب معناها للقارئ الذى ليس له دربة على قراءة لغة الكتب الأصول , لأن لغتهم كانت تميزها مصطلحات متعارف عليها فى زمانهم مما يجعل قراءتها الآن بغير تدريب كاف أمرا صعبا عند الاستيعاب
ومفهوم الفرق البدعية ببساطة
هى عبارة عن شخص أو أكثر يتخذ فكرة معينة تخالف ما هو مسلم به فى الشريعة ويدعو لفكرته تلك فتجتمع حوله بعض الفئات فيكونوا فرقة تحمل مبادئ مختلفة وتميزها عن كافة الفرق الأخرى وعن اعتقاد الجمهور من العلماء والعوام
ومفهوم الفرق كاصطلاح أسسه الرسول عليه الصلاة والسلام فى حديث انقسام الأمة الشهير ,
" تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة ... الحديث "
وكان التحذير من تلك الفرق فى أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام مكملا وشارحا لما جاء فى القرآن عن الابتداع والتحزب والتقول على الله بما لا يعلمون ,
ويجب هنا لفت النظر بشدة إلى حدود العلم ,
حيث أن حدوده متسعة للغاية والاجتهاد فيها مسموح بإطلاق , ولكى نعرف حدود العلم وحدود العقيدة التى ينبغي التوقف عندها , علينا النظر من خلال معيار الغيبيات المطلقة ,
فما هو داخل فى علم الغيوب الكلية والمنصوص على التصديق به بلا سؤال أو استفسار , هو مجال العقيدة الذى لا يسمح فيه باجتهاد وهو نوعان
الغيب الذى تتكون منه عناصر الإيمان المتمثلة بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والحساب والقدر خيره وشره والساعة
والغيب الذى نص عليه سبحانه بالقرآن ونسبه لذاته العليا منفردا كقوله
[إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {لقمان:34}
وكقوله عن الروح
[وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}
فكل غيب حصره الله تعالى بعلمه وحده , فهذا من المتشابه المنصوص على تلافي القول فيه , أما الغيب النسبي الذى بينه القرآن مقترنا بالتفكر فيه فهذا ينصرف إلى باب العلم , كالتفكر فى خلق السماوات والأرض ودراسة الأمم السابقة ونحو ذلك , بل إن هذا التفكر من أشد ما يتقرب الإنسان به إلى الله طالما أنه تقرب للفهم مع رسوخ الإيمان فى القلب , حيث يكون البحث والتفكر هنا سياحة للعقل المؤمن وزيادة تثبيت
ولهذا , فإن الصحابة والسلف من تابعيهم ما تركوا قضية غامضة فى القرآن إلا وبحثوا فيها فيما عدا القضايا التى نوهنا عنها ,
فحاولوا تفسير آيات الخلق والإبداع والأمم السابقة وتحدثوا فيها ووقفوا عند ذات الله تعالى وعند الروح وعند موعد الساعة وغير ذلك مما بيناه
وهذا الإيضاح كان لازما لكى لا يفهم القارئ أن الإسلام يطلب من المسلم غلق عقله , كلا
بل إن الإسلام يحفز العقل والبحث لأبعد الحدود وثلث القرآن تحض آياته على التفكر والتدبر ولم يرد الإستثناء بالمنع إلا فى القضايا التى حكم الله فيها بقضائه أنها غيبه المطلق وبالتالى مهما حاول فيها المفكرون فليس يجنوا منها إلا الجنون
والفرق تختلف عن المذاهب , من عدة وجوه أهمها
الوجه الأول : أن الفرق تختلف فيما بينها على العقائد وما يندرج تحتها من أصول الإيمان وهذا الإختلاف منهى عنه بإطلاق لأن الأمة لا يجوز لها أن تمارس فى العقائد ما تمارسه فى الفقه , فالعقيدة ليس فيها اجتهاد وتقليد وليس فيها اختلاف أو ابتكار , ذلك أن الله تعالى حددها بالقرآن وبينتها السنة حصرا فكل ما جاء ذكره مع وجوب الإيمان به غيبا وجب علينا التسليم به دون سؤال ,
وكل ما سكت عن بيانه أو نهى عن التساؤل فيه ينبغي التوقف فيه ,
أما المذاهب فهى الإختلاف فى الفقه والأحكام القابلة لذلك , والاختلاف فيه ثراء مطلوب طالما كان فى غير ما ورد به نص صريح ,
الوجه الثانى : أن الدين يجوز لنا أن نتخذ مسميات الإنتماء للتمييز بين أوجه التقليد للفقهاء والإتباع , فيقال مثلا فلان شافعى أو فلان مالكى , بينما فى العقائد لا وجود لغير المسميات الأصلية كالإسلام والإيمان والتى عرفت العبادة بهما على أنها دين الإسلام وسمانا الله تعالى بها المسلمين
وعليه فأى مسمى يضاف لكلمة مسلم هو بدعة مرفوضة بإطلاق ,
وهذا أمر طبيعى فالعلم عندما جاز فيه الإختلاف على حسب قدرة الاستنباط جاز فيه التمييز بالمسميات أما العقيدة فلكونها مجالا معروف حصرا بالنصوص لا يجوز فيه الاجتهاد , من هنا حرم فيه الانتساب
الوجه الثالث : اختلاف المذاهب لا يعنى تناحرها وتنافرها بل اختلافها اختلاف تنوع وتكامل ولهذا كان الأئمة متكاملى الفقه والدين حافظين أقدار بعضهم البعض تحت لواء العقيدة الواحدة ,
بينما الفرق فى اختلافها كانت ولا زالت تكفر بعضها بعضا وهذا طبيعى لأن الإختلاف بينهم ليس فى الفروع بل فى أصل الأصول وهو مفهوم الإسلام والإيمان والنظرة للغيبيات

ومن الملاحظ أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما حدد كنه اختلاف الفرق وركز التحذير عليه بينما أجاز الاختلاف فى الاجتهاد والفهم وشجع عليه .,
والسيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على ذلك
فقد سكت بإقرار على اختلاف الاجتهاد بين الصحابة فى مسألة صلاة العصر فى بنى قريظة , وأقر الفئتن , من أدى الصلاة فى وقتها رغم عدم وصولهم لبنى قريظة , ومن لم يؤدها والتزم النص فصلي العصر بعد فوات وقته عند بنى قريظة
إلا أنه كان غضوبا ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى تحذيره على أى شبهة اختلاف أو بحث فى العقائد , مثال ذلك ما حدث عندما رأى فى يدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة أخذها عن أحد اليهود فنهاه عن ذلك وصعد المنبر منبها " ألا إنى قد جئتكم بها بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك "

نخلص من هذا إلى أن الفرق هى الفئات التى دخلت فى جملة العقائد الغيبية تحاول البحث فى كنهها وقامت بإثارة قضايا منهى عن إثارتها نصا واجماعا مثل التفكر فى ذات الله تعالى أو صفاته أو مخلوقاته الغيبية أو نحو ذلك
وعندما ظهرت الفرق واتخذت لنفسها المسميات كان أمام الأمة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لمن يبغي النجاة منهم حيث قرر لزوم الجماعة والمنهج الذى كان عليه هو عليه الصلاة والسلام وصحابته ,
وهو المنهج الذى يتبعه العامة والعلماء السالكين على طريق السنة والذين تميزوا عن سائر الفرق بمميزات واضحة منها
أولها : أن أهل الفرق جميعا اتخذوا لهم مسميات مميزة مثل الخوارج والشيعة والمعتزلة والجهمية وغيرها , وظل عامة الناس على ما تلقوه من الكتاب والسنة بدون مسمى يفصلهم , وفى هذا يقول بن تيمية عن تعريف الجماعة أو أهل السنة " أنهم الذين لم ينفردوا بمسمى معين "
ثانيها : أن جميع الفرق اتخذت لها عقائد لم يسبق إليها من الصحابة أو التابعين أحد , ثم بحثوا عن تأويلات واثباتات لها فى النصوص , بينما كانت الجماعة متبعة ما كان عليه الخط الأول لسلفها الصالح
ثالثها : تميزت الجماعة بكونها تقر بالقرآن ومعه السنة الصحيحة التى حفظها علماء الحديث فتثبت ما فيها وتنفي ما تنفيه , وتجل قدر السنة النبوية باعتبارها صنو القرآن , والتزمت الجماعة أيضا بتقديم النص وعدم تعديه مطلقا
بينما كانت سائر الفرق مبتعدة تماما عن السنة ومنكرة للأحاديث إما كليا أو جزئيا وقدمت العقل على النصوص وجعلته حاكما على النص لا محكوما به , ولهذا لا توجد فرقة من فرق الأمة المتناحرة فيها من يهتم لعلم الحديث أو يلتفت إليه
رابعها : قامت كل فرقة بتكفير من عداها من الفرق أو أهل السنة بإطلاق , بينما كانت الجماعة السالكة درب السنة تمنع تكفير المعين بإطلاق إلا بشروط جامعة مانعة لا تقبل الاستثناء أو التأويل
خامسها : كل فرقة من الفرق التى اتخذت هذا المنهج بدأ فى أولها كفرقة واحدة ثم تفرعت لعشرات الفرق المتناحرة المكفرة لبعضها البعض , حتى أن فرق الشيعة منفردة بلغت نيفا وسبعين فرقة

ومن هذه الفوارق فى ضوء أحاديث التحذير من النبي عليه الصلاة والسلام يتضح لنا أن النجاة التى وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هى فى اجتناب أى فرقة توافرت فيها أحد الأوصاف السابق بيانها سواء باتخاذها مسمى معين أو ابتداعها فى العقائد أو تكفيرها من عداها أو فى استهانتها بالسنة وعلوم الحديث أو فى تقديمها العقل على النقل الثابت , وهذا هو طريق السلامة

ناريمان الشريف 08-31-2010 10:58 PM

أخي وصديقي محمد
سلام الله عليك

أولاً أثمن هذا الجهد الرائع وهذه البحوث النيرة ..
قرأت ما جاء هنا من شرح لتلبيس إبليس
وربما ليس من حقي أن أرد الآن قبل أن يكتمل الموضوع ..
ولكن .. استوقفتني بعض السطور والتي تقول فيها :


[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]نظرنا بانبهار لمن يسميهم الغرب فلاسفة وهم يلقون على الناس أقوالهم المهووسة وصفقنا معهم لها
واستمعنا ـ وعلى وجوهنا علامات الإكبار ـ لمن يقول , أن العالم كله عبارة عن وهم فى خيالى وأنا وحدى الحقيقة !
ولمن يقول أن الكون نشأ بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله , وأن المادة التقت مع بعضها ـ بالصدفة أيضا ـ وكونت المخلوقات والأكوان !
ولمن يهذى أكثر فيدعو لفلسفة اللامعقول ! وفن ما بعد الحداثة وأدب الحداثة و ... إ‘لخ هذا الهذيان [/COLOR]


بالتأكيد .. ولا أشك في ذلك أن من ينادي بأن الكون جاء بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله .. كل هذا ينكره المسلم الموحد من غير جدال ..
ولكن هناك بعض الأقوال لبعض الفلاسفة الغربيين ما يلفت الانتباه ومؤثر للغاية ويميل إلى الحقيقة غير هذا الذي يقولون .. فهل من الضرورة بمكان أن ننكر كل ما يقوله الفلاسفة الغربيون حتى ولو كانوا يقولون ما هو رائع وجميل ونابع من تجربة إنسانية عميقة ؟؟؟
أرجو أن تعذر تعجلي في الرد والاستفسار


وتحية ... ناريمان

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 10:58 PM

أولا : تلبيسه على المعتزلة
تعرض بن الجوزى فى هذا الفصل لشرح التلبيس على المعتزلة أول الفرق الكلامية التى ظهرت فى القرن الثانى للهجرة , ولأن كلام الفرق وأحوالها بعيد عن عصرنا الحالى فيمكننا تقريب مفهوم المعتزلة بتعريفهم على أنهم فئة من المفكرين الذين ظهروا فى عهد الأئمة الكبار كالحسن البصري وأبي حنيفة والشافعى وبن حنبل وبن نصر الخزاعى واستمرت منذ ذلك الحين , ولم نذكر إمام دار الهجرة مالك بن أنس لكونه لم يواجههم مباشرة لأن منشأ الفرق كلها كان فى العراق

وللتعريف بالمعتزلة أو داء الفرق الذى ظهر بالإسلام يمكننا نتخيلهم فى عصرنا هذا بالصحفيين أو المفكرين أصحاب الإنتماءات للمذاهب الإجتماعية العلمانية والشيوعية والمادية ولمذهب الإنسانى الجديد وغير ذلك
من الذين يدخلون فى صراع دائم مع الفقهاء وأهل الشريعة كأنهم أصحاب الدين , وهذه هى أزمة التلبيس عندهم حيث لم ينظروا إلى الفقهاء والعلماء على أنهم حملة رسالة دينية مصدرها الشارع الإلهى جل سبحانه , وعليه تعاملوا معهم على أنهم أصحاب مذهب فكرى بشري مثلهم
ولهذا تجدهم يرددون تعبيرات مضحكة فى بعض الأحيان عندما يتصدى لهم الفقهاء بالمنع بأمر ما تبعا لمنع الدين فيه فيخرج علينا من يقول بوجوب الخلاص من تحكم الفقهاء الذين يحكموننا بأفكار القرون السابقة , وكأن هؤلاء الفقهاء يتوارثون انتاجا بشريا يتناسب ونظرية التطور والتقدم , لا أنهم يتعاملون بأسس الشريعة التى لا تخضع لأفكار البشر تعديلا وتوفيقا
وهذا اللون من الصراع هو نفسه الذى نشأ مع نشـأة المعتزلة الذين تسموا بهذا الاسم عندما انحرف أحد تلامذة الإمام الحسن البصري وهو واصل بن عطاء عن طريق شيخه واختلف معه فى الآراء التى تعارفت عليها الأمة فى عهد الصحابة ودخلوا إلى مجال العقائد بالعقول لا بالنصوص ورفضوا أن يتوقف العقل عند أى قضية كانت ,
ولأنهم قدموا العقل كمصدر من مصادر التشريع عندهم تصادموا مع الفقهاء والمحدثين فى مجال العقيدة , لأنهم إن سلموا للعلماء بمقاليد الشريعة فى الفقه فالفقه مجال لا يحتوى على قضايا عقلية عويصة لأن الشريعة جاءت تحمل بين طياتها ما يناسب الفطرة
ولهذا كان الصدام أصلا فى مجال العقيدة
وهو المجال الذى يعتبر مجالا شائكا لم ترد فيه نصوص شارحة بل وردت فيه نصوص تصف للمسلم ما ينبغي عليه الإيمان به غيبا كالإيمان بالله تعالى وصفاته وذاته والملائكة والجنة والنار والبعث وما إلى ذلك من قضايا الغيبيات التى ينبغي على عقل المسلم أن يسلم فيها فلا يدخل إليها بعقله محاولا الفهم وإلا كان مصيره الضلال
وهذا أمر طبيعى ,
فأساس الحساب كله يتركز على قضية الإيمان بالمسلمات الغيبية , ولو أن الأمر فى الدين أمر ضرورة إقناع بالغيوب لما كان هناك داعى أبدا للثواب والعقاب ,
فطالما أن الإنسان سيشترط دليلا عقليا ماديا لكى يؤمن , فإيمانه هنا لا فائدة منه ولا فضيلة إذ أنه سيري بعينه فعلام إذا كانت الرسل والرسالات
ولهذا كان العقل طريقا لإدراك وجود الخالق سبحانه وطالما أن العقل سلم فى هذه القضية بالإيمان وحقيقة وجود الله تعالى , فليس له أن يقف متشككا ومطالبا بالدليل العينى فى كل قضية طلب الشارع فيها إيمان المسلم بلا تفصيل أو سؤال ,
ومن الغريب أن كبر الإنسان يقف به عند تلك القضايا ويتشكك بينما هو فى حياته العادية يسلم بالقضايا الفرعية بلا جدال طالما أنه اقتنع بالقضية الأصلية ,
مثال ذلك
عندما يذهب الإنسان ملتمسا العلاج عند طبيب يثق به , يكتفي بالسؤال والتحقق من كفاءة الطبيب , بعدها لا يناقش أو يجادل فى أمر الدواء الذى يصفه له طبيبه مهما كان غريبا أو شاذا , ولا يطالبه أبدا بأن يصف له هذا الدواء وصفا كاملا أو يطالبه مثلا بإثبات أن هذا الدواء هو الدواء الكافي والشافي لمرضه ,
فإذا كان هذا حال الإنسان مع قرينه الإنسان فكيف بالرحمن ؟!
وقد وقع الملاحدة فى إنكار الخالق لمطالبتهم بالدليل المادى على وجوده أو الدليل الذى يرضي عقولهم ,
بينما جاء المعتزلة وهم يؤمنون بالله عز وجل ولكنهم ابتغوا حلولا عقلية ـ على نمط أدلة الملاحدة ـ تثبت وتشرح لهم قضايا هى أصلا فوق مستوى إدراك أى مخلوق فضلا عن البشر
وتعاملوا مع تلك القضايا بالمدى المحدود المتاح للعقل البشري وقدموا أنفسهم على أنهم المدرسة العقلية التى تفوقت فى إدراك حقيقة الإيمان أكثر من العقول الجامدة للفقهاء
ومن الغريب أن أعلام هذه المدرسة العقلية من أمثال واصل بن عطاء والجاحظ وأحمد بن أبي دؤاد وغيرهم أثبتوا أنهم أبعد الناس عن العقول كما سنرى فى أدبيات المعتزلة ,
فقد قاموا معترفين بالله ورسله وبكل القضايا المتفق عليها , وتوقفوا فى أمر العقائد التى ثبتت بالقرآن والسنة ولجئوا لتأويلها عندما لم يحسنوا فهمها وفى نفس الوقت رفضوا أن يسلموا بها تسليما مطلقا كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام
مثال ذلك ,
رفضوا مسألة أن الله تعالى له صفات كاليد والوجه والكلام وغيرها زاعمين أن فرض تلك الصفات يعنى بالضرورة تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا كفر بالله ـ كما زعموا ـ لأن الله تعالى منزه عن تلك الأمثلة , واستلزم ذلك أن ينكروا أن القرآن كلام الله تعالى فقالوا أنه مخلوق من مخلوقات الله !
فانظروا إلى هذا الجنون , والذى يتضح من عدة نواحى
أولها : مبدأ التفكير أصلا فى تلك القضايا الغيبية التى نهانا الله تعالى عن مثلها بالقرآن الكريم وقال صراحة
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}
فالآية شديدة الصراحة لكل عاقل فى حكمها أن تلك القضايا لا يتبعها إلا هالك زائغ كما أنها قاطعة فى حصر العلم بهذا التأويل على الله سبحانه , وبالتالى فالقضية منتهية , فأى عقل فى أن ألج بنفسي متعمدا إلى حيث التهلكة بحجة البحث والاجتهاد !! وهو ما طبقه الصحابة فلم يفتحوا تلك القضايا وتبعهم فى ذلك سائر الأمة
ولم تكتف الآية بذلك ,
بل أوضحت أن أهل الرسوخ فى العلم هم من يدركون حقيقة القضية قبل الدخول فى معترك التعقيد , فالعالم الحقيقي والعبقري الحقيقي الذى يرفع رايته أمام قدرات ليست له , وهذا يختلف عن الاجتهاد لأن الاجتهاد والتفكير إنما يكون فى القضايا القابلة للتحليل بالعقل البشري أما وقد أغلق الباب فالحمقي وحدهم من يتصورون قدرتهم على فتحه
ولنعبر عن ذلك بمثل شعبي مصري جميل , حيث تروى قصة المثل أن الأشخاص افتخر بأن أباه عبقري يفك أى عقدة , فقال له صاحبه
" أبي أنا أكثر عبقرية , فهو لا يتركها كى تنعقد أصلا "
وعليه إن كان من يحل الإشكال عبقريا فالذى لا يجعل المسألة تعبر حد الاشكال أكثر عبقرية
ثانيها : زعموا أن ما قالوه يهدف إلى تنزيه الله تعالى عن المخلوقين وهذا هو عين التلبيس الذى دخل عليهم , حيث انطبق عليهم الوصف القرآنى بأنهم من الذين يفسدون فى الأرض زاعمين أنهم يصلحون فيها ,
فغرورهم صور لهم أن لهم قدرة على تنزيه الله ! وهذا بمفرده هو عين التهوين بقدرة الخالق , لأنهم ما قدروه حق قدره ,
والأخطر من ذلك أنهم حسبوا أنهم ينزهون الله تعالى عن صفات أثبتها جل جلاله لنفسه سبحانه دون أن يمر بخاطر أحدهم أنهم يعدلون ويستدركون على الله تعالى !
فالله عز وجل قال " يد الله فوق أيديهم " وقال " بل يداه مبسوطتان "
فيأتى هؤلاء ويقولون أنه لا يقصد اليد كلفظ بل يقصد تأويلها وأنها تعنى القدرة , وكأنى بهم يتصورون أنهم أكثر بلاغة فى التعبير من خالق الخلق
ثالثها : أعرضوا عن فقه الصحابة الذى نقله الأئمة الثقات وهم بدورهم نقلوه عن المعصوم عليه الصلاة والسلام فتوقفوا حيث أمرهم الله بأن أثبتوا لله ما أثبته لنفسه بلا توصيف ولا تشبيه ولا تعطيل , وهذه هى عين العقيدة الصحيحة ,
ولشرحها ببساطة نقول :
أن المقصود أن نثبت لله تعالى صفاته التى قررها فى القرآن الكريم أو وردت بها السنة الصحيحة , ولكن لا نتفكر فيها فنتخيلها مطابقة أو مشابهة أو مقاربة لصفات العباد
فلله عز وجل يدان وكلتاهما يمين كما قال محمد عليه الصلاة والسلام , فنقر بذلك ولكن لا نسأل عن ما هية تلك اليد أو ما شكلها أو هل هى كـأيدينا أم لا ,
ولله عز وجل كلام هو القرآن الكريم وغيره مما ثبت بالقرآن حيث يقول سبحانه " وكلم الله موسي تكليما "
فنقول القرآن كلام الله ولا نزيد على ذلك حرفا واحدا فلا نتساءل عن طبيعة صدور هذا الكلام وهل يلزم منه أن يكون صادرا عن لسان أو غيره !

من هنا نستطيع أن نقول أن المعتزلة قوم لبس عليهم إبليس بالغرور الذاتى فى العقل فأحبوا أن يتصدروا المجالس بعلم يفوق علوم الفقه والحديث التى كانت تحظى بتقدير العامة فى ذلك الوقت , ورغم أن المعتزلة كمدرسة عقلية لها انجازات فى شأن الدعوة إلى الله بالعقل إلا أنهم سقطوا فى فخ العقل نفسه فضوا وأضلوا

وقد واجه الخلفاء العباسيين الأوائل كالمهدى وولده الرشيد فتن المعتزلة والزنادقة وحجموها تحجيما عظيما حتى جاء المأمون فاستفحل خطرهم فى ذلك العصر حيث قربهم المأمون وقرب أكابرهم كبن أبي دؤاد والجاحظ وجعل منهم مستشارين , والأخطر من ذلك فرض أقوالهم بحد السيف فمن لم يستجب لتلك الأقوال ويقر بها كان مصيره السجن والقتل ومن الغريب أن المعتزلة فى ذلك الوقت كانوا يرفعون شعار الحريات العقلية ويتهمون الفقهاء والعلماء بالجمود والتكفير !
وظلت المحنة قائمة ولم يصمد أمامها إلا خمسة نفر فقط يتقدمهم إمام السنة أحمد بن حنبل الذى تحمل ما لم يتحمله بشر فى سبيل الإصرار على موقفه وكان على قدر المسئولية لأنه كان فى زمانه قبلة الناس وملتقي أبصارهم ولو رضخ لانفصمت عرى الإيمان منذ ذلك الحين
وكان إلى جوار بن حنبل أربعة منهم من مات شهيدا كبن نصر الخزاعى ومنهم من اعتقل , واستمرت المحنة فى عهد المأمون كله ثم فى عهد المعتصم الذى لم يكن يؤيدها أو يرفضها لأنه لم يفهمها أصلا فقد كان رجل حرب وقتال فقط , ولكنه اتبع وصية أخيه المأمون , ثم تبع المعتصم ابنه الواثق الذى سار على نهج المأمون والمعتصم حتى جاء المتوكل ناصر السنة فرفع المحنة ورد مظالم الناس وأكرم وفادة بن حنبل ,

هذه هى معالم المعتزلة وطريق التلبيس عليهم باختصار وإيضاح قدر المستطاع لأن الذى يطرق أبواب كتب الفرق كالفصل لبن حزم أو مقالات الإسلاميين للأشعري أو الفرق بين الفرق للبغدادى ويقرأ عن أفكار تلك الجماعة تأخذه الدهشة من كمية التعقيد الذى طرحوه على الناس فكلامهم مغرق فى الفلسفة السفسطائية التى كونت ثقافتهم بعد اطلاعهم على مترجمات كتب اليونان , ومن يطالع كتبهم وأشهرها كتاب شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلى يجد أنه أمام نصوص كلامية لا ظاهر لها ولا باطن بل هى كلام مرصوص أتصور أن صاحبه نفسه ربما عجز عن شرحه !

وللحديث بقية ,

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:00 PM

أما نتائج الفكر المعتزلى وشواهده فى تاريخ الأمة ومدى الأثر السلبي العنيف الذى لا زالت تعانى منه أمة الإسلام ليومنا هذا فتلك من الممكن أن نجملها باختصار فيما يلي :

أولا : اعتبر المعتزلة أصول الإسلام أصولا خمسة هى الركن الواجب الاعتقاد به وأجملوها فى التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " 1 "

من خلال تلك الأصول بنى المعتزلة عليها أقوالهم ومعتقداتهم التى تسببت فى فتنة خلق القرآن وتعطيل صفات الله وإنكارها وإنكار المعجزات الغيبية والقول بكفر مرتكب الكبيرة ,
وتكمن المشكلة الحقيقية أن أصول المعتزلة وأقوالهم فى العقائد لم تقتصر عليهم فقط بل إنها مثلت المعين الرئيسي الذى استقي منه معظم الفرق المبتدعة الأخرى " 2 "
كالخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة وتبرءوا من بعض الصحابة , وبالرغم من أنهم أول فرق الإسلام ظهورا فى التاريخ إلا أن معتقداتهم الكلامية لم تنشأ مع نشأتهم بل نشأت عقب ظهور بدع فرق الكلاميين كالمعتزلة وأخذوا عنهم المنهج الكلامى فى التوحيد والصفات
وكالشيعة الذين عطلوا الصفات فى بعض فرقهم وفى البعض الآخر قاموا بالتجسيم ونحوه , وكل هذا بسبب الأصل الأصيل الذى بنى عليه المعتزلة مذهبهم ألا وهو تقديم العقل كحكم على النصوص جميعا
وعلى عادة أهل الزيغ ـ وقعوا فى تناقض كبير جدا ـ فبينما هم ينادون بحرية العقل والفكر ويدعون للخلاص من أحكام الفقهاء وجمود الدين وتحرير الناس من تلك الأقوال , فوجئنا بهم وهم على هذا المنهج الفلسفي يكفرون سائر الأمة بلا استثناء إذا لم يدرك كل واحد من الأمة إدراكا تاما مقولاتهم الفلسفية المعقدة التى تصعب على العلماء فضلا على العامة , ويناقضون الأصل الأصيل فى الإسلام أنه العقيدة البسيطة السمحة الموافقة للفطرة ,
والغريب أن كثيرا من الناس لا ينتبه إلى حقيقة أن المعتزلة وسائر فرق المبتعدة تكفر جميع المسلمين ممن لم يتابعوهم على تلك المناهج الشاذة , وتلتصق تهمة التكفير بعلماء السنة بينما هؤلاء العلماء منذ مطلع الدعوة المحمدية وهم يقررون الضوابط التى تحكم التكفير وأحكامه وهى الضوابط التى لم يعرفها المعتزلة وغيرهم

ثانيا : لما كانت أقوالهم ومباحثهم الكلامية تتعارض تماما مع نصوص السنة النبوية المبينة للقرآن فى مجمله وتفصيله لم يجد المعتزلة حلا إلا إنكار السنة التى تتعارض مع معتقدهم مهما كانت درجة ثبوتها عند علماء الحديث , وبالتالي ردوا معظم أحاديث الصحيحين والسنن وكل شروح الصحابة والتابعين المتعلقة بالعقائد , وزادوا أيضا عندما ضربوا عرض الحائط بالمرجعية النبوية فخاضوا فى القضايا المتشابهة رغم النهى المشدد ,
وهذه وحدها مصيبة جامعة من عدة وجوه , فهم ابتداء أسقطوا تماما أصول علم الحديث من جرح وتعديل ودراسة المتون والأسانيد التى تثبت بها السنن والأقوال وأنواعها , والإسناد ـ كما اتفق علماء الأمة ـ من الدين وبسواه لقال من شاء بما شاء " 3 "

ومن المستحيل أن نغفل قواعد علم الحديث عند معالجة النصوص صحة وتضعيفا وإلا أصبح الأمر هزلا , ودخل فيه كل داخل بعقله يرفض ما شاء ويقبل ما شاء
ومن ناحية أخرى وقعوا فى تناقض شديد فبينما يقررون أنهم لا يعترفون بالعقائد إلا إذا ثبتت بالتواتر نجدهم يقبلون الأحاديث والواهية والضعيفة وأحيانا الموضوعة إذا وافقت معتقدهم وهواهم , وهم بذلك يضربون القاعدة التى أسسوها لأنفسهم
ومن ناحية ثالثة , حددوا قبولهم الحديث بالتواتر فى أمر العقائد وبذلك ضيعوا جل السنة النبوية التى تتعدى سبعمائة ألف حديث صحيح بالمكرر ثابتة سندا ومتنا عن النبي
وضياع السنة بهذا الشكل يعنى ضياع الدين كله بلا جدال لأن الأحاديث المتواترة لا تتعدى بضع عشرات فقط
وبالتبعية , قاموا بإسقاط حشمة الصحابة والتقليل من أقدارهم وادعوا أن إحدى الطائفتين فى معركة الجمل فاسقة رغم أن الطرف الأول منها على رأسه الإمام على بن أبي طالب والطرف الثانى على رأسه عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا , وغير ذلك من المعالجات التاريخية الفلسفية التى لا ترضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ولا تنطبق أيضا على الواقع , فتلك الحروب لم تكن حروب جاه وسلطان بل كانت فتنة اجتهاد وتأويل
وبالتبعية أيضا أسقطوا كل اعتبار لعلماء الحديث والفقه ونقلة العلم المتين وأصحاب المذاهب ولم يكتفوا بذلك بل حاربوهم بالسلطان والنفوذ الطاغى فى عهد المأمون والمعتصم والواثق ووصل الأمر بالجاحظ أحد كبرائهم أن حرض المعتصم على قتل إمام السنة أحمد بن حنبل تحريضا عنيفا قائلا له " اقتله ودمه فى عنقي أنا "
ولم يعرف الإسلام قبل فتنة المعتزلة هذا الإسفاف العلنى المباشر بعلماء الأمة وسلفها الذين نقلوا لنا الدين وحفظوه

ثالثا : كان من أساس دعوة المعتزلة ولوازمها إنكار الفقه وعلوم الشريعة المبنية على الأصول المعتبرة عند العلماء واستبدالها بأهواء علم الكلام " المنطق والفلسفة وغيرها "4 "
, واهتموا اهتماما شديدا باستيراد هذا الفكر الأوربي الذى بذل قرونا فى دراسة وجود الله وتكييف الخالق والمخلوق والبحث فى قدم العالم وغير ذلك من القضايا التى لا تنفع مسلما عاميا أو عالما فضلا على سفاهة الإشتغال بها , فما الفائدة فى شغل العقل بترهات قضايا البحث عن الخالق وأمامك القضية مبسوطة ومشروحة بالقرآن والسنة ,.
ومن هذا الفكر العقيم توارثت أجيال المسلمين تلك العلوم وجعلوها من أسمى العلوم العالية منشغلين عن قضايا الأمة وتراثها
وهذا هو وجه التناقض الثالث ,
فبينما انفردت الأمة الإسلام فى سائر مجالات الفكر من شريعة وعقيدة وحديث وفقه وتفسير ولغة على سائر الأمم وتميزت عن سائر الأمم أن علمها مستقي من مشكاة النبوة وعلماء الإسلام مواريث الأنبياء بإسناد متصل لا يوجد فيه شبهة بعكس الأمم الأخرى كاليهود والنصاري التى تلقت كتبها الرسالية الرئيسية محرفة ومشوهة وبلا أسانيد ولا إثبات

نقول , بينما انفردت أمة الإسلام بهذا واعترف الغربيون بضحالة حضارتهم وجدنا المعتزلة ـ وهم دعاة الفكر كما يقدمون أنفسهم ـ يخترعون منهجا تابعهم عليه أجيال المعاصرين فى رفض تلك العلوم البالغة الثراء والانطلاق إلى العلوم الفكرية الغربية التى ليس فيها موضع اتفاق ولا موضع ثبوت ؟!
وبينما أهملوا الفكر الإسلام ومشكلات المسلمين وجدناهم يجلبون مشكلات الأوربي فى عقائد أرسطو وإقليدس وغيرهم ويعربوها ويضعون لها الحلول التوفيقية ويطرحونها للمسلمين على أنها علوم تعادل أو تفضل ما لدى من المسلمين من علوم وأفكار ؟!
ووجه التناقض هنا واضح لمن يتأمل مدى حماقة الإتجاه الذى يدعى لنفسه الفكر والعقل ويتصرف بلا أدنى عقل ولا أدنى منطق عندما يشغل نفسه بحضارة مبنية على الكلام ويترك حضارة ملئ السمع والبصر أسرف فى نقدها ودراستها عشرات الآلاف من مستشرقي الغرب الذين تركوا ترهاتهم وانشغلوا بالغنى الإسلامى , بينما المعتزلة تائهون فى بحور الجدال

رابعا : فتحوا المجال من أوسع أبوابه للملاحدة والمشككين وأصحاب الأهواء ليضربوا الإسلام من خلالهم ويحاربوه وراء راياتهم , وذلك عندما اعتمدوا العقل مقياسا لقبول الشريعة الغيبية وشرائط الإيمان , ففتحوا المجال بأوسع أبوابه لتقنين الغيب والإيمان لقوانين العقل مما فرغ مفهوم الإيمان من مضمونه وكان من نتائجه أنهم أنكروا عذاب القبر والصراط والكوثر والشفاعة والميزان بالإضافة لأقوالهم فى القدر إلى غير ذلك من مفسدات الإعتقاد لدى عامة الناس
وهذا الاتجاه نفسه ونظرا لما يمثله من هدم للعقيدة لاقي قبولا وترحيبا عارما من المستشرقين الذين أعلنوا تأييدهم سواء القدامى منهم أو المعاصرين لاتجاهات المعتزلة واعتبروهم رواد التنوير وحركة العقل وباعثي نهضة الإسلام !

ولم يتوقف المعتزلة ـ رغم ادعائهم العقل ـ للسؤال كيف يمكن للملاحدة وأعداء الرسالة أن ينقلبوا إلى تأييد المسلمين بهذه الصورة ويحتفون بهم إلى هذه الدرجة , لو أنهم بالفعل كانوا دعاة للإسلام الحق , وكان هذا السؤال وحده يفتح الباب أمام المعتزلة ومن ناصرهم ليتأمل المفارقة والتناقض الذى وقعوا فيه
وهذا هو التناقض الرابع فى منهجهم حيث من المعروف أن المعتزلة كفرقة كلامية كانت لها جهود عظمى فى مجادلة الملاحدة والروم وغيرهم واكتسبوا للإسلام عن طريق الفكر الآلاف المؤلفة , أى أن الغرب ابتداء وأصحاب الديانات الأخرى هم أعداء فكريون بطبيعة الحال للمعتزلة الداعين للإسلام
ومع ذلك فقد انقلبت تلك العداوة من جانب الغرب حفاوة بالغة بفكر المعتزلة تمثلت فى أن الإمبراطورية الرومانية لم تمانع أن تهديهم فى عصر المأمون خلاصة الفكر الجدلى الأوربي وتسمح لهم بترجمته وتشجعهم عليه وتسبغ عليهم ـ كما سبق القول ـ صفات التألق والتفوق , وكل هذا لم يلفت النظر إلى الهدف الواضح لكل عاقل وهو أن تلك الأفكار وهذه المؤلفات ما هى إلا عن مهالك يصرف فيها العقل قواه ولا يخرج منها بعقيدة سليمة مطلقا
وهكذا سمح المعتزلة للغرب أن يمتطيهم كأفراس غزو يردون به الفتح الإسلامى لبلادهم عن طريق فتح عشرات من أبواب الفتن المتمثلة فى التفكير المتحرر بلا حدود فى العقيدة

ومن خلال هذه الشواهد سنعرض لآثار مدرسة المعتزلة فى العصور الحديثة وهى الآثار التى بسطت نفسها على كثير من علماء المسلمين ومفكريهم وأغرقتهم فيها سواء بحسن نية أو بقصد مما جعل بعض الأسماء الأعلام تسقط فى هذا الشرك الذى يدور حول مدار امتهان العلماء والشريعة والحديث وأهله وأحكام وأصول الإسلام
وسنرى من خلال المقارنة أن المعتزلة لهم مواريث أكفاء قاموا فى العصور الحالية بنفس الدور الهادم لحقيقة الدعوة دونما إدراك , وسنرى أن التطابق بين المنهجين والنتائج يكاد يكون تاما وما أشبه الليلة بالبارحة !

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:04 PM

المعتزلة فى العصر الحديث " العصرانيون "


يظن الكثيرون عندما يطالعون بعض الشبهات المنتشرة حول الدين الإسلامى بنوعيها
• الأقوال العلمانية وما فى حكمها وشبهات الفرق المبتدعة والهادفة لهدم وتشويش الجانب الدينى فى المسلمين
• الانحرافات التى يقع فيها بعض العلماء والدعاة المنسوبين للعلم وتمثل ضربات معول معاونة للاستشراق والعلمانية
يظن الكثيرون أن هذه الأقوال إنما هى وليدة لحظتها , وربيبة ساعتها ,
بينما كل الأفكار العلمانية والوجودية وسائر الشبهات التى تثيرها الفرق المختلفة ما هى إلا إعادة بعث لأفكار قديمة بل بالغة القدم , أكل عليها الدهر وشرب واصفرت فى قلب أوراق كتب التراث جنبا إلى جنب مع الردود المفحمة لها من علماء المسلمين على مر العصور

بل هناك ما هو أكثر من ذلك ,
فالمتأمل فى شبهات الغرب وكلام الفرق والفلسفات المختلفة التى أثيرت فى القرون الثلاث الأولى يجد أن سائر الأفكار التى تعرض لها العلماء بالرد فى القرون التالية ما هى إلا أفكار متفرعة عن الأصول التى أسسها أصحاب الشبهات فى القرون الثلاثة الأولى , فلم يأت القرن الثالث الهجرى على العالم الإسلامى إلا وكل شبهات وآثار الفرق والفكر الهدام والفلسفة المناقضة للدين قد طرحت كل ما لديها من أقوال قام العلماء بنفضها وفضها
وما تم الرد عليه فيما بعد القرن الثالث لم تكن فيه فكرة واحدة بكرا , بل كانت كلها من ثيبات الأفكار التى توالدت فروعا مختلفة ووجدت أيضا عشرات بل مئات من العلماء الذين أعادوها إلى قواعدها مدمرة ,

ولشرح الأمر بالأمثلة ,
فإن المعركة بين علماء الإسلام وبين أصحاب الشبهات من الفرق كالمعتزلة والخوارج والشيعة ومن أصحاب الملل الأخرى كاليهود والنصاري , كل هؤلاء فرغوا من طرح أصول ما لديهم من أقوال وردها علماء القرن الأولى من عهد الصحابة كعبد الله بن عباس وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهم , عندما تصدوا للخوارج ,
وكذلك من جيل التابعين ومن تلاهم كمالك بن أنس والثورى وأبو حنيفة والشافعى وأحمد واسحق بن راهويه وجعفر الصادق ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن المبارك وبن قتيبة وأبو الحسن الأشعري وغيرهم عشرات ,
وكل هؤلاء فى الثلاثة قرون الإفتتاحية , تصدوا للزنادقة والمشككين فى الأحاديث وتصدوا للشيعة والمعتزلة والخوارج والجهمية وكل أصول الفرق التى تأسست فى تلك الفترة

وعندما تقدمت القرون وتفرعت الفرق المتكونة نفسها إلى عشرات الفرق الفرعية في الفترة من القرن الثالث وحتى الثامن الهجرى واصل العلماء رد شبهات الفرق الفرعية التى اعتمدت على أصولها الأولى وأضافت إليها مقالات أخرى تنتمى لنفس الأصول , فتألق فى تلك الفترة الأئمة بن تيمية وأبو حامد الغزالى والذهبي وبن كثير وبن عساكر وبن الجوزى وبن حجر العسقلانى والسخاوى والسيوطى وغيرهم عشرات ,

ونستطيع أن نقرر ببساطة أن الأفكار المنحرفة سواء كانت أفكار شبهات أو أفكار فرق تأسست فى القرون الثلاث الأولى وانتهت فعليا فى القرن الثامن الهجرى ولم يحدث أن أتى ـ منذ القرن الثامن وحتى اليوم ـ صاحب فكرة جديدة فى الشبهات والعقائد , وكل ما تم طرحه ويتم طرحه حتى اليوم إنما هو إعادة بعث للأفكار القديمة بحذافيرها وإما أنه خلط من مجموعة من تلك الأفكار تم تقديمه بصورة عصرية !

وللتدليل الواقعى على ذلك يمكننا أن نمثل لهذا بالنقاط التالية ,
أولا : الشبهات حول ثبوت السنة النبوية وحول بعض أحاديث العقائد فيها وأيضا الشبهات ضد الصحاح المعتمدة وأولها البخارى ومسلم أثيرت فى وقت مبكر جدا وتم الرد عليها فى القرون الأولى على يد الكثير من علماء السنة كأبي زرعة وبن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث وبن الأثير الجزرى فى كتابه غريب الحديث والإمام الشافعى فى تصنيفه لعلم ناسخ الحديث ومنسوخه ,
ومع ذلك ظهرت فى القرن الرابع عشر الهجرى والعشرين الميلادى من أعاد بعث تلك الأفكار بحذافيرها مثل زنادقة إنكار السنة المسماة بجماعة القرآنيين وأيضا بعض الكتاب والمحسوبين على الفكر
بل إن المتأمل فى كتاب " تأويل مختلف الحديث لبن قتيبة " يجده تعرض لذات الأحاديث التى تم الاعتراض عليها فى أيامنا الحالية وهى حديث فقأ عين ملك الموت وحديث رضاع الكبير وغيرها رغم وفاة بن قتيبة فى 230 هجرية !

ثانيا : الأفكار العقائدية مثل أفكار إنكار صفات الله عز وجل واللجوء للتأويل والإنكار فيما يخص عذاب القبر والصراط وغير ذلك من الأفكار التى يتبعها بعض المعاصرين فى مصر والشام تحت مسمى الفكر الحر , هى ذاتها وبعينها أفكار المعتزلة القديمة وأفكار الجهم بن صفوان صاحب فرقة الجهمية التى أكثر علماء السلف الرد عليها
مثال ذلك مناظرات الإمام أبي الحسن الأشعري وكتب الإمام أحمد فى الرد على الجهمية وكتاب " بيان تلبيس الجهمية لبن تيمية"

ثالثا : الأفكار البالية التى يحييها العلمانيين ويشنعون بها على علماء الشريعة وأحكام الفقه فى محاولة لعلمنة المجتمع هى بعينها ما أثارها المستشرقون قبل قرون وردها عليهم علماء السلف آلاف المرات ومن ذلك الشبهات حول ثبوت الأحكام الفقهية بمرور الزمن وحول وجوب اعتماد التشريع الإسلامى لا الوضعى ,

من ذلك يتضح فى جلاء أن أكبر أزمات الأمة , أمة الإسلام , ليست فى دعاة الفتنة وأصحاب الشبهات إنما هى فى انعدام الفهم وقلة العلم , الذى يضرب أكباد الأمة كلها فيجعلها تقف حائرة أمام مشكلات مصطنعة تقبع حلولها فى مئات الآلاف من الكتب والمراجع التى تشتكى الغبار فوق الأرفف

العصرانية وإحياء المعتزلة ,

بمثل المنطق السابق شرحه , تأسست حركة مذهبية تحمل شكلا جديدا وفكرا قديما إسمها العصرانية , وكان ميلادها بالغرب حيث يعرفها الفكر الأوربي بأنها
" حركة تجديد واسعة تحمل الإصطلاح modenism وهى حركة واسعة معاصرة نشطت داخل الأديان القديمة اليهودية والنصرانية وتهدف إلى تجديد الفكر الدينى بما يتناسب مع العصر "
وكما هو الحال مع تيار العلمانية الذى نشأ أوربيا فرنسيا للقضاء على سيطرة الكنسية ودفع سيطرتها , وجدت العصرانية فى المفكرين الإسلاميين من يستنسخها ويطبقها على الإسلام !
وكما بينا فى مقال سابق " 5 " كيف أن منهج العلمانية ـ إن له ما يبرره فى أوربا ـ فهو غريب التطبيق من سائر الوجوه إذا طبقناه على الإسلام , لأن الإسلام ببساطة لم يعرف مطلقا الرهبانية والسيطرة الكنسية والتكفير الجماعى ومحاربة العلوم كما هو الحال مع الكنيسة الأوربية التى سيطرت على أوربا فى عصور الظلام
ولهذا فإن العلمانية بدت فى بلاد الإسلام شاذة عند من ينادى بها وغريبة الوقع والتعبير عندما يتحدث معاصروها ومبشروها بطلاسم غير مفهومة وتتحدث عن سيطرة الفقهاء والجمود الدينى وكلها مصطلحات شهد الواقع قبل النصوص بأنها بعيدة كل البعد عن الإسلام الذى قدم للعالم حضارة جبارة طرقت جميع المجالات فى العلوم الفكرية والعلمية وغيرها
فبينما كان الدين فى أوربا سببا فى تحطيم حضارتها لثمانية قرون , جاء الدين الإسلامى فبنى للإسلام حضارة من الصفر وأسس العلماء المسلمون علوما باسمهم فضلا على الإضافات التى أخرجوها على بقية العلوم القديمة من طب وهندسة وفلك ورياضيات بالإضافة للثراء المعرفي فى مجالات الفكر الإسلامى

وبنفس هذا المنطق الغريب الذى تعامل به العلمانيون العرب عندما حاولوا نقل مفاهيم العلمانية التى لا تصلح إلا فى بيئة الغرب , جاء من بين علماء الإسلام ومفكريه من قام بمحاولة نقل العصرانية بمفاهيمها التى تتحدث عن قابلية الثوابت الدينية للتطور وإقحامها إقحاما على الإسلام !

وإذا كانت العلمانية قد اتضح تماما لكل أحد مدى النية السيئة المسبقة عندما تعرض أصحابها للدين وثوابته , فإن المرء تستد به الحيرة عندما يري العصرانيون الجدد ـ ومنهم علماء ومفكرين دافعوا عن الإسلام ضد العلمانية ـ وقد تورطوا فى تلك الإشكالية التى جعلتهم معولا فى يد كل الاتجاهات التى بيتت النية من قديم للنيل من الإسلام عن طريق ضرب الثوابت فيه ومحاولة تقليص العلاقة بين المسلمين وبين أصولهم الأولى بما يحقق لهم أسمى أهدافهم على الإطلاق وهى هدم الإسلام بأيدى معتنقيه ,
ورغم أن المعادلة واضحة , بل شديدة الوضوح أمام كل عين إلا أن المتورطين فى العصرانية الجديدة لم ينتبهوا ـ أو انتبهوا وأصروا ـ لمدى التناقض الذى وقعوا فيه وهم يتحالفون اليوم مع أعداء الأمس
وكيف لم يلفت نظرهم الاحتفاء الشديد من تيارات الإستشراق والعلمانية بالغرب بما يقدموه من مفاهيم للعصرانية العقلانية وكيف غابت عن عقولهم أن هذا الاحتفاء آت من قلب أعداء الأمة وأعداء حضارتها على نحو لابد أن بلفت النظر لكل منصف لمدى ما الدور الذى يؤديه فى تقويض صروح الإسلام وهو يدعى الإصلاح والتطوير

وتركز دور العصرانيين العرب فى ترديد نغمات المعتزلة التى اهتزت أوتارها قديما بتلك المبادئ ومنها " 6 "
* إعادة التشكيك فى تراث الأمة لا سيما الأحاديث النبوية قطعية الثبوت والدلالة والتفاسير المأثورة الثابتة سندا عن الصحابة والتابعين فى آيات المحكم والمتشابه , وهم بذلك ضربوا فى أغلى ما امتلكته الأمة من علوم حيث أن الحضارة الإسلامية تفردت بين سائر الأمم السابقة بعلم الإسناد والتحقيق ونقد المتون على نحو أوصل إلينا التراث وليس فيه شبهة
* الدعوة لإعادة النظر فى التراث الفقهى وإنكار الأحكام التى عليها مدار الإجماع بين علماء الأمة فى شتى العصور تحت زعم فتح باب الإجتهاد والتجديد , ومن ذلك النداء بإنكار الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية فى المعاملات والعقوبات , وإنكار الحدود والدعوة لاستيراد النظم الوضعية الغربية كاملة بما فيها أحقية الأمة فى التشريع ولو خلافا لما أنزل الله !
* الدعوة المألوفة لتحرير العقل وتحرير المرأة ومطابقة المشروعات العلمانية فى هذا الجانب وتعمد الإقلال والإستهانة بثوابت الفقه والشريعة فى تلك الأحكام
* الدعوة لإبطال مفاهيم الولاء والبراء وطرق التعامل مع أهل الذمة وأهل الملل الأخرى فى دار السلم والحرب , والدعوة لوحدة الأديان ! وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة فى أحكام التكفير القطعية تحت زعم محاربة التكفير العشوائي
* الدعوة للتسليم بالحرية التامة والحياد السلبي التام فيما يخص الفرق المبتدعة والمطالبة بعدم التعرض لها بالنقد تحت زعم التقريب , على نحو يظهر بوضوح مع الجماعات الشيعية والرافضة ومع الجماعات الصوفية المنحرفة الغالية فى منهجها ,
* الدعوة للاستهانة برموز الإسلام كبعض الصحابة الكبار مثل معاوية بن أبي سفيان وأبي هريرة وعمرو بن العاص وغيرهم وأيضا الاستهانة بمن تلاهم من قمم ورموز العلوم الفقهية والمحدثين كبن حنبل ومالك بن تيمية وغيرهم واعتبارهم أشخاصا عاديين يحظون بالتكريم فيما قدموه بعصورهم وليس لهم فى عصرنا الحالى مكان معتبر على اعتبار أن العصرانية تفرز للأمة من يتفوق عليهم ! ورغم هذا يقعون فى التناقض عندما يبالغون مبالغة ملحوظة فى الإشادة بمنحرفي المعتزلة وعلماء الكلام ويعتبرونهم ضحايا الفقهاء لا العكس !
* الدعوة لتمجيد الانحراف فى ممثليه عبر التاريخ الإسلامى كالاحتفاء الشديد بملاحدة الفلاسفة كبن سينا " 7 " وبالروافض أصحاب التزييف كبن النديم صاحب الفهرست والأصفهانى "8 " صاحب الأغانى ومقاتل الطالبيين والجاحظ رمز المعتزلة وحمدان قرمط " 9 " رمز القرامطة المنتمين لملاحدة الاسماعيلية وغيرهم

وبلا شك فإن التلبيس الذى وقعت فيه هذه الزمرة من أخطر أنواع التلبيس إذ أنه ضلال وإضلال عن علم , وفيهم من تعمد ذلك اعتمادا على تزكية النفس أو الخصومات العلمية المتطرفة , وفيهم من تعمد ذلك عن بينة وسعيا لمكسب دنيوى " 10 "
ودخل التلبيس على من دخل عليهم من طريق تزكية النفس واقناعها أنها تقف وراء التجديد والحراك الفكرى الذى ركدت به الأمة , !
والإسلام دون شك دين يجدد نفسه وبأبنائه , ولكن هناك فارق ضخم بين التجديد بمعنى إزالة الرتوش والجمود وبين الإحلال والتجديد الذى سعي ويسعي إليه العصرانيون والعلمانيون , ويكفي أن العصرانيون ـ رغم دعواهم الأصولية ـ تلاقوا فى نفس الخط مع العلمانيين الذين أجمعت الأمة على حقيقة مكرهم بالدين ,
فالتجديد فى الإسلام ليس معناه إزالة الأسس وإذابة القواعد وبناء قواعد جديدة , إذ أن هذا معناه هدم الأصول ومن ثم هدم الدين وإنما التجديد كما نصت عليه السنة المشرفة فى قول المصطفي عليه الصلاة والسلام أنه إعادة إحياء الثوابت الأصلية وإذابة ما علق بالمنهج الإسلامى الغض الذى كان على عهد النبي عليه السلام وأصحابه وتطهيره من شوائب الفرق وأصحاب الكلام ومتاهات الفلسفة المغرقة فى قضايا الإرهاق العقلي , وهذا ما يدل عليه نص الحديث
" يبعث الله للأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها "
وكما نردد دائما أن آفتنا فى ضياع المفاهيم ومدلولات الألفاظ , فالتجديد فى هذا السياق النبوى يشير فى وضوح أنه ليس قطع العلاقة بالقديم بل إعادة إحياء تلك العلاقة وتجديد روابطها لتتقدم بها الأمة , وهذا هو الفهم المنطقي والطبيعى طالما أن الإسلام رسخ ونما فى عهد القرون المفضلة , فالأصح منهجا وسلوكا أن نتبع القواعد الأصولية والمبادئ التى كان عليها أولئك المطهرون ومكنتهم من بناء دولة الإسلام ,

بل إن التجديد بمفهومه السابق هو ذاته الذى كان عليه مدار عمل الأنبياء , فكل الأنبياء بعثوا لأجل رد الناس إلى المشكاة الأولى التى جاء بها الرسل عليهم السلام , ولم يكن الأنبياء قادمين لنسخ الشرائع ولا لأجل هدم المبادئ التى قامت عليها رسالة الرسل وإنشاء رسالة جديدة
فبعث الله الأنبياء عليهم السلام عندما يتحقق أمر ينافي كمال التوحيد بمعنى أن يقع الناس فى الإشراك بالله تعالى فيكون عمل الأنبياء رد الناس إلى الأصول الأولى القديمة
وبمثل هذا كانت وظيفة العلماء المجددين فى الأمة الإسلامية التى شهدت آخر الرسل وخاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام
حيث قال النبي عليه السلام معبرا عن ذلك فيما معناه
" علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل " وقال " العلماء ورثة الأنبياء "

وينبغي للقارئ أن يلاحظ ملاحظة شديدة الأهمية أن المقصود بإعادة بعث العلاقة بيننا وبين الأصول الأولى إنما ينطبق على المبادئ العامة لا على التطبيق , بمعنى أننا نسلك مسلك السلف الصالح فى المبادئ الرئيسية , لا الفروع الفقهية ,
مثال ذلك مبدأ عدم التعرض لمتشابه القرآن , والسكوت عما أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بالسكوت عنه , ورفع يد الاجتهاد والتفكير عن أصول الإسلام الخمسة وأصول الإيمان الستة , وتطبيق مبادئ الولاء والبراء بالشكل الوسطى الذى تعامل النبي عليه الصلاة والسلام والتمسك بضرورة الإقرار بشريعة الإسلام فى الجوانب التى تعالجها , والتمسك بحبل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام والاجتماع على كلمة التوحيد ونبذ التفرق وتأسيس الوحدة على مبدأ الإسلام لا مبدأ الأرض وتولى المسلمين بعضهم بعضا و ............. الخ
أما أمور الاجتهاد فيما يستجد من أمور الحياة , فتلك هى موضع الاجتهاد المطلوب من علماء الأمة , وهى التى يطلق عليها البعض خطأ أو عمدا مفهوم التجديد , بينما الاجتهاد ضد التجديد
فالتجديد إعادة إحياء , بينما الاجتهاد تأسيس وبناء , والتجديد للأصول بينما الاجتهاد فى الفروع , والتجديد لا يمس الأصل بل يتعرض للشوائب التى تغطى الأصول , بينما الاجتهاد يبتكر الحلول قياسا على الأصول
وفى ظل هذا الإيضاح , يظهر لنا مدى جهل دعاة التجديد القدماء والمعاصرين والسائرين على دربهم عندما سحبوا مفهوم التجديد إلى هدم بعض الأصول الأولى بدعوى عدم مناسبتها للعصر الحديث وكأن الله عز وجل لم يحط علمه بما سيتطور عليه المجتمع البشري حتى يشرع له شرعا دائما غير قابل للنقض والتحريف والتعطيل !

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:06 PM

بعض رموز العصرانية المعاصرة


من أكبر الكوارث التى تعرضت لها الثقافة والفكر الإسلاميين فى عالمنا المعاصر والحديث هى كارثة أن تسعين بالمائة من المعارف المتداولة ـ بين المثقفين فضلا عن العامة ـ هى ثقافة تندرج تحت مفهوم " خدعوك فقالوا "
فمنذ مطلع القرن الثامن عشر وبدء حركة الغزو الفكرى المكثف الذى عاصر انتهاء الحملات الصليبية العسكرية وبداية الإحتلال الاستعمارى ونهايته بدوره
وهناك موجة من التغريب والتزييف والتشويه طالت كل طرق وسبل الثقافة بلا استثناء وأصبح المجتمع يردد معارف شهيرة على أنها من الثوابت التاريخية والفكرية , بينما هى من الدجل الثقافي لا أكثر ولا أقل
وبمرور الزمن ومع مطلع الخمسينيات من القرن العشرين , انفردت الساحة الإعلامية العربية بالتطور الرهيب فى وسائل الإعلام بعدد من المؤثرات الفكرية الغربية التى تشعبت فى التشويه بدرجة مهولة ,
ليس هذا فقط بل تزامن مع ذلك أن النظم العسكرية الثورية التى طرقت أرجاء العالم العربي دخلت إلى الساحة مباشرة كشريك متضامن لأصحاب التشويه والتغريب إما بدور إيجابي عن طريق فتح المجال لانتقاد كل ما هو إسلامى وانتقاد الثوابت الأصولية والحركات الإسلامية المعبرة عن السلف وفكره
وإما بدور سلبي عن طريق فتح المجال لدعاة التغريب والترويج الإعلامى المتكرر لشخصيات أطلقوا عليها ألقاب مفخمة للغاية مرددين الشعارات البراقة للعصرانية والعلمانية التى تقوم على نفس البنود التى ذكرناها سابقا

ومع قيام الآلة الإعلامية الجبارة من صحافة مقروءة ومسموعة ومرئية وغيرها من وسائل الإعلام التروجية انتشرت تلك الشخصيات بنفس الألقاب المفخمة واستقرت فى قلوب العامة والمثقفين على نحو أصبحت فيه من الثوابت التى تعرض نقادها لأبشع أنواع التنكيل الإعلامى إذا جرؤ واحد منهم فقط على نقد شخصية منها !
وبينما يقوم العلمانيون وأضرابهم بطعن كل الأصول الإسلامية متخذين أقوال العصرانيين وكتاباتهم كدليل على الإسلام وحجة عليه , قام الإعلام باسباغ التشويه على كل علماء ومفكري الإسلام الأصوليين فى نقدهم العلمى المنهجى للأفكار العصرانية المنحرفة التى تهدم الأصول وتبدد الفروع تحت زعم الحداثة والتطوير والتجديد

وكانت المعركة ولا زالت قائمة على وجه تقليدى واحد وهو قيام أهل العلم بالذب عن حياض الشريعة والثوابت فى مواجهة الأسماء اللامعة التى تتعرض لها , وذلك بأسلوب الطرح الموضوعى الذى يعتمد على دراسة آراء العصرانيين وكتاباتهم كاملة غير منقوصة وبيان عوارها وتبيين فحواها الحقيقي بأسلوب علمى رصين وبعيد عن التجريح
بينما يكون الرد المقابل من العصرانيين ومناصريهم هو اتهامات التخلف الحضاري والشهرة التى يزعمون أن العلماء يسعون إليها حين يتصدوا لعلماء العصرانية ومبشريها !
رغم أن علماء الإسلام المدافعين عن السنة هم فى القيمة العلمية أكبر بمراحل من دعاة العصرانية , ولكن المشكلة أن الصورة أمام العامة غير واضحة بسبب التشويه الذى تسببت فيه وسائل الإعلام وقامت بترويج شخصيات العصرانية باعتبارهم أهل القمة التى لا ينازعهم فيها عالم آخر , رغم الأخطاء الفادحة فى المنهج الذى يتبعه العصرانيون وأخطاءهم التى لا يقع فيها أصغر طالب علم يعرف فحوى ما يقول ويروج له
وأقل مثال لذلك ما قام به العصرانيون مثلا فى ترويج الشخصيات المنحرفة فى التاريخ الإسلامى والتى أجمع المؤرخون قاطبة على جرحهم والكلام فيهم وبيان مذاهبهم ,
فعندما يقول قائل أن القرآن الكريم هو مُؤَلف جاهلى يعتمد على ما اعتمد عليه الأسلوب الشعري الجاهلى ويوصف قائله بأنه من علماء الإسلام ومفكريهم فتلك طامة كبري
وعندما يقول قائل بإنكار سائر المعجزات الحسية للأنبياء تحت زعم عدم منطقيتها ويوصف صاحبها بأنه إمام من أئمة الفكر بل هو أكبرهم فتلك مصيبة جامعة
وعندما يقول قائل أن عصرنا الحالى لا يحتمل الصراع السخيف ـ كما يصفه ـ بين مسمى الإسلام والديانات الأخرى وأن المسلمين يجب أن يتوقفوا عن الزهو بملتهم على بقية الملل ويقال أن هذا قول يصدر من مفكر إسلامى , فتلك كارثة

وكنتيجة حتمية لانعدام موهبة القراءة واكتفاء معظم المثقفين بالقراءات الخاطفة كان من الطبيعى أن تمر تلك الأقوال عليهم فى جو من التلبيس اللغوى والإبهام والغموض الذى يمر على كثير من مطالعيها بينما لا يخفي على العين الفاحصة
ولهذا فإن العديد من المثقفين قد يفاجئون مفاجأة تامة أن هذه الأقوال وما هو أبشع منها منتشر قائم فى عشرات الكتابات التى تحمل أسماء كبراء وأعلام للفكر الإسلامى ولا تمثل أقوالا منفردة أو شاذة بل هى أقوال منهجية كاملة بمعنى أن قائلوها يتخذ منها رسالة لمشروعه الفكرى يروج لها فى ستار من الأمية الكاملة التى يعانى منها المثففون إزاء تاريخ الحركات الفكرية وهى الأمية التى سمحت لأفكار المعتزلة والخوارج والفلاسفة الباطنية بالعودة مرة أخرى !

وهى الأقوال التى عبر عن خطورتها العلامة الكبير محمد أبو زهرة وكذلك محمد الأمين الشنقيطى والعلامة المحدث أحمد شاكر وشقيقه المفكر والمؤرخ محمود شاكر وغيرهم من زعماء المتصدين لهذه الزمرة من علماء العصرانية
وفى هذا الشأن يقول العلامة الشيخ أبو زهرة
" إن كلمة التطور أصبحت تضايقنى نفسيا لأن الذين يرددونها يريدون أن يحولوا الشريعة الإسلامية عن مقاصدها الأصلية بما يوافق أهواءهم فيلغون الزكاة باسم تطور الإشتراكية ويلغون الميراث باسم التطور ويكادون يلغون الزواج والطلاق باسم التطور أيضا "
وهذا الذى قاله العلامة أبو زهرة كان أشبه ما يكون بالنبوءة لما تحقق فعلا بعد ذلك فى أواخر القرن العشرين حيث تم عقد المؤتمرات التى تدعو لهدم أصول واحدا بعد واحد تحت زعم التطور وفقه الواقع !
فسمعنا عن مؤتمر السكان الذى عقدته الأمم المتحدة فى مصر ودعا علنا إلى الشذوذ كحق شرعي لحرية الفرد ودعا أيضا لهدم نظام الأسرة التقليدى وقيام الأسرة ذات الجنس الواحد !
والدعوة التى انتشرت أيضا إلى السفور المطلق وإلى إلغاء قواعد الميراث وتشريع وقف الحدود وإلغاء ولاية الزوج على زوجته وإلغاء ولاية الأب على أبنائه وما إلى ذلك من الكوارث التى وصلت بالأسرة المسلمة اليوم إلى الحضيض
فكل هذه الأفكار إنما نبتت من رحم العصرانية التى قادها علماء ومفكرين كبار لا زال لهم فى الفكر الإسلامى المعاصر سمعة مدوية ومنافحون لا يعرفون عنهم شيئا إلا الألقاب التى درج الإعلام على ترويجها لهم ,
أى أن التغييب الإعلامى تسبب فى نشر شعبية مهولة لتلك الشخصيات غير قائمة على أساس القناعة بل قائمة على أساس الظن بسلامة الأهداف وهو الأمر الذى يسقط بمجرد مطالعة كتابات العصرانين والوقوف على دعوتها

ومن أبرز رموز العصرانية ومنظريها كان محمد عبده الذى يُوصف إعلاميا بأن مجدد القرن وجمال الدين الأفغانى الذى يوصف بأنه موقظ الشرق وطه حسين الذى يوصف بأنه عميد الأدب العربي
ولأن هذه الأسماء قد أفضت إلى ما قدمت , فنكتفي بالإشارة العاجلة لفكرهم دون الخوض فيه باعتبارهم قد انتقلوا إلى جوار ربهم , وليست مشكلتنا الآن فى تقييم الشخصيات وهل تراجعوا عن انحرافهم الفكرى أم لا ,
إنما القضية أن هذه الأفكار لا تزال إلى اليوم مطبوعة وتطبع وتضخ عشرات السموم إلى عقول المثقفين المشوهة
فمحمد عبده تبنى كامل أفكار المعتزلة القديمة وأعمل العقل فى النصوص على نفس المبادئ التى شرحناها آنفا وأحيا هذا التراث الملئ بالتغريب فكانت رسالته فى التوحيد والتى أصدرها تحت نفس العنوان تحمل نفس أفكار المعتزلة العقدية وموقفهم من علماء الحديث , وفى تفسيره للقرآن الكريم لجأ للعقل بشكل مطلق فأنكر ما سبق أن أنكرته المعتزلة بل وزاد عليه أن قدم من عنده تفسيرا عصريا لكل المعجزات الإلهية والنبوية فى القرآن بما يتناسب مع العقل
مثال ذلك تفسيره للطير الأبابيل بأنها ليست طيرا وألقت ما لديها على أبرهة وجنوده بل هى ميكروبات التيتانوس والطاعون"11"
وأيضا إنكاره لمعجزة انشقاق القمر , وغيرها
أما جمال الدين الأفغانى الذى حظى بتمجيد العصرانية إلى أقصي الحدود فليس خافيا أنه من كبارات الشيعة الرافضة وهذا معترف به حتى من محمد عبده ومحمد رشيد رضا فى كتابه " تاريخ الأستاذ الإمام " حيث عرض رشيد رضا علاقات الأفغانى بعلماء الشيعة وخطاباته التى وجهها إليهم وكانت الأسماء المذكورة ولا زالت تمثل أكبر منظرى التشيع الصفوى القائم على العقائد المنحرفة الشهيرة من الرجعة والبداء ولعن الصحابة وتكفيرهم
هذا خلافا لتأسيسه فرعا من فروع الماسونية العالمية فى مصر تحت اسم " لوج كوكب الشرق " ولم يجد ناصروه غضاضة فى ذكر هذا والاعتراف به بل واعتباره من أياديه البيضاء رغم انتشار أهداف الماسونية العالمية لكل صاحب نظر " 12 "
ومن أبرز وجوه التناقض فى محمد عبده وتلميذه رشيد رضا "13" أن الأخير صرح فى كتابه المذكور برأى أستاذه محمد عبده فى الشيعة الإثناعشرية وحكمه الفقهى عليهم وهو تكفيرهم بمجموعهم ورغم ذلك اتخذ من الأفغانى شيخا ومرشدا فضلا على أنه قام بشرح كتاب نهج البلاغة الكتاب المكذوب على الإمام علىّ رضي الله عنه وقام بملئ حواشيه بعدد من التعليقات التى تتعرض لبعض الصحابة بما لا يقره عقل قبل أن يرفضه النقل

أما طه حسين فممارساته وأفكاره أكبر من أن يحصرها كتاب مستقل , وقد استقي أفكاره التى نادى فيها ببشرية القرآن وخضوع أسلوبه للبيئة الجاهلية فى كتاب الشعر الجاهلى كما أن استنسخ نفس أفكار المستشرق اليهودى مرجليوث وروجها فضلا على استغلاله لمنصبه فى إدارة الجامعة لعرض شتى أنواع أفكار العلمانية والإلحاد سواء فى الأعمال الفنية التى كانت ترعاها كلية الآداب التابعة له أو استقدامه للمستشرقين ليعملوا على نشر أفكارهم على طلبة الجامعة
وقد تصدى الأزهر ممثلا فى الشيخ المراغي وغيره كما تصدى المفكرون وعلى رأسهم العقاد والرافعى لأفكار طه حسين وبينوا عوارها وقد قيل أنه تراجع عنها إلا أنه كتبه جميعا لا زالت تطبع من عدة دور نشر ويتم التنظير لها بكل ما تحتويه من طوام فكرية مثل كتابيه " عثمان " و " على وبنوه " الذين خصصهما للفتنة الكبري وملأ ما بين الدفتين بالروايات التى لا أصل لها عند علماء الرواية والدراية والتى تطعن فى الصحابة وأمهات المؤمنين

ومن المعاصرين فى مجال العصرانية يقف د. محمد عمارة ود. حسن الترابي وجابر الأنصاري وحسين أحمد أمين ود. أحمد كمال أبو المجد ولهم نفس الموقف الذى سبق التنويه عنه عن مذهب العصرانية
وكمثال فإن محمد عماره والذى حصل على شهادة الدكتوراه فى فكر المعتزلة قام بدور أكبر من دور محمد عبده للتنظير لأفكار تلك المدرسة والتعرض للثوابت والأصول بنفس أوجه النقد العلمانى الذى يدعى أنه يتصدى له ,
ومن أمثلة أفكاره اجتهاداته فى مجال حوار الأديان ودعوته لأن يتخلى المسلمون عن نظرية التميز التى يعتقدون بها على بقية الأديان ويري أن العقل البشري المعاصر آن له أن يخرج من وصاية السماء وغير ذلك من الأفكار التى حشد بها معظم كتاباته ومنها كتابه " الإسلام وقضايا العصر "
ولسنا بحاجة لأن نبين مدى فساد تلك الأفكار التى بنى عليها محمد عمارة نظريته فى اعتبار المعتزلة هم أهل الإسلام الحقيقي الذين تعرضوا لبطش وتسلط الفقهاء ! " 13 "
ناهيك عن أفكاره حول قضايا تحرير المرأة وحوار الأديان وولاية المرأة للولاية العظمى وانكاره لدور وشرعية الخلافة العثمانية التى يسميها الغزو التركى المدمر وغير ذلك مما تضج به كتاباته "14"

ونحن هنا نعرض مجرد أمثلة , وإلا فالملفات تنوء بالأسماء التى يهلل لها الإعلام الرسمى ويرحب بها الإتجاه العلمانى وليس هنا مجال تفصيل لذلك , بل هى دعوة للحكم على الفكر عن طريق مطالعته بتمعن خارج حدود التشويه الإعلامى الذى يقوم على التشويه تحت مسمى الجمود لكل من تصدى من علماء المسلمين لهذه الأفكار
فالواجب على كل أهل القلم والثقافة فضلا عن العامة أن يتعاملوا مع الإعلام بحيادية تامة ويجعلون الحكم لمناقشة التفاصيل التى يهرب منها أهل المذاهب المنحرفة تماما ويكتفون باللعب على وتر الإتهامات
كما أن الكتابة عن العصرانيين ليست دعوة لاسقاطهم أو الحكم عليهم , بل هى دعوة لكسر أغلال التغييب بالنقاش والتدارس بعيدا عن سيطرة الإعلام والعصبية للأسماء التى وصلت بنا للدرك الأسفل من الأمم

" وإلى اللقاء مع بقية فصول الكتاب "

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:08 PM

هوامش الفصل الأول


1 ـ شرح الأصول الخمسة ـ القاضي عبد الجبار المعتزلى الهمدانى

2 ـ تأثير المعتزلة على الخوارج والشيعة ـ رسالة دكتوراة مقدمة من الباحث عبد اللطيف عبد القادر ـ جامعة محمد بن سعود

3 ـ بحوث فى تاريخ السنة ـ د. أكرم ضياء العمرى

4 ـ ليس المقصود هنا ذم العلوم الفلسفية بإطلاق , ولكن المقصود بالذم ذلك الفرع من الفلسفة الوجودية التى تهتم بالإلهيات لأنها فرع من الفلسفة لا يضيف للمسلمين شيئا من الفكر فى قضايا الإلهيات المحسومة عندنا بالنصوص
أما الفلسفة كعلم دراسة القضايا والفكر فهى بلا شك تمثل أحد فروع الفكر الإسلامى الذى حمل عديدا من نتائجها المفيدة فى مجال التفكر والتدبر

5 ـ يرجى مراجعة " العلمانية فكر أم منهج " ـ محمد جاد الزغبي http://www.al3ez.net/vb/showthread.php?t=29674

6ـ العصرانية ـ محمد الناصر

7 ـ يطلق عليه بعض مفكرينا المعاصرين اسم الشيخ الرئيس بن سينا وهو رغم عطائه العلمى فى مجال الطب إلا أنه فى مجال العقيدة ينتمى للطائفة الاسماعيلية من الشيعة وهى طائفة بالغة الانحراف واليهم ينتمى القرامطة , وقد روج بن سينا لمذهبه الفلسفي فى الإلهيات ولقي حظة من المستشرقين والعصرانيين وغيرهم

8 ـ أبو الفرج الأصفهانى أديب شهير كتب كتاب الأغانى وهو كتاب أسمار وأدبيات وعيبه الشديد احتواؤه على مصائب وطامات رواها أبو الفرج بلا تثبت فى الاسناد وروج لها ومن أشهرها مسألة سب الإمام علىّ على منابر بنى أمية وهو افتراء محض , كما أنه رافضي معروف كتب كتابه مقاتل الطالبيين زاعما أنه لمظلومية آل البيت وهو أحد المسئولين الكبار عن تزييف بعض وقائع التاريخ الإسلامى لصالح دعاوى الرافضة

9 ـ حمدان قرمط صاحب فتنة القرامطة وهم من ملاحدة الطائفة الاسماعيلية وهم المسئولون عن اغتصاب الحجر الأسود من مكانه بالحرم لمدة سبعين عاما وقامت جماعته بقتل الحجاج فى قلب الحرم حتى المعلقين بأستار الكعبة ودفعوا الجثث فى بئر زمزم وهم يصيحون " أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل " وقد أورد قصتهم بن كثير فى البداية والنهاية , ورغم كل تلك الأفعال وجد حمدان قرمط من العصرانيين من يقوم بتمجيده على اعتبار أنه من أصحاب الفكر السياسي المتحرر والمتجدد

10 ـ يرجى مراجعة " المعادلة = سالب صفر " ـ محمد جاد الزغبي ـ http://www.al3ez.net/vb/showthread.php?t=37715

11 ـ تفسير محمد عبده ـ الأعمال الكاملة ـ عرض محمد عمارة ـ دار الشروق
.
12 ـ يرجى مراجعة " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " للمفكر الكبير د. عبد الوهاب المسيري

13 ـ جدير بالذكر أن رشيد رضا تراجع عن تلك الأفكار وقام باستخدام دار نشر المنار التى أسسها فى نشر كتب السلف الصالح وعقيدتهم وانتقد أستاذه محمد عبده فى أكثر من موضع
تكمن الكارثة هنا أنه ينكر معلوما من التاريخ بالضرورة حيث أن الفقهاء هم من تعرضوا لبطش المعتزلة فى زمن المأمون و المعتصم والواثق , ولقي أحمد بن نصر الخزاعى حتفه على أيديهم كما تم سجن وتعذيب أحمد بن حنبل فى فتنة خلق القرآن
يرجى مراجعة كتابيه " الدولة الإسلامية " و " الإسلام وقضايا العصر " للوقوف على تلك الأفكار بلسان صاحبها

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:10 PM

الفصل الثانى

شرح تلبيسه على الشيعة ,


تعرض بن الجوزى رحمه الله فى كتابه تلبيس إبليس لفرق الشيعة بشكل مختصر نوعا , حيث تناولهم بشكل عام فى بيان التلبيس على الرافضة ـ وهى أشهر فرق الشيعة الرئيسية ـ كما شرح فصلا آخر بعنوان التلبيس على المجوس
ونرى أن كلا الفصلين يعالج نفس المسألة لارتباط المسألة الشيعية بالمجوس كما سنوضح ,

تمهيد تاريخى :
من أعظم الأخطاء التى يقع فيها المثقفون بل وبعض الباحثين المتخصصين أنهم يعالجون مسألة فرق الشيعة المختلفة دون أن يفصلوا بين التشيع الإسلامى العربي المعدود ضمن المناهج الإسلامية السياسية لا العقدية ,
وبين الشيعة كفرقة رئيسية تفرعت إلى نيف وسبعين فرقة فيما بعد منها الفرق التى كفرت جهرة بالله كالإسماعيلية والنصيرية ومنها من وقف على الكفر ومنها من بلغ حد الفسق كالرافضة والمتفرع منها
والتفرقة فى هذا الأمر ضرورية للغاية لأن التشابه بين التشيع كمنهج سياسي والتشيع كفرقة ما هو إلا تشابه فى الإسم فقط لا علاقة له بالواقع العملى ,

فالتشيع كحركة سياسية لا علاقة له بمفهوم التشيع كفرقة ولم يخرج التشيع السياسي عن كونه مناصرة سياسية للإمام علىّ رضي الله عنه فى الخلاف والفتنة التى قامت بعد استشهاد ذى النورين رضي الله عنه حيث انقسم المسلمون فى عهده إلى ثلاثة اتجاهات سياسية لا شأن لها بالإنتماء العقائدى الذى ظل هو الإسلام بنفس مفهوم الصحابة لا تغيير
فالإتجاه الأول اتخذ جانب الإمام علىّ ورأى أنه على جانب الصواب فى خلافه مع معاوية رضي الله عنه وهذا الاتجاه هو اتجاه أهل السنة الذى لم يخالف فيه أحد أن معاوية كان مخطئا فى خلافه والحق كان لجانب الإمام علىّ
والاتجاه الثانى هو الاتجاه الذى اتخذ جانب معاوية باعتباره ولى الدم فى مسألة قتل عثمان رضي الله عنه ورأوه على حق فى مطالبته بالقصاص كشرط لبيعة الإمام على , وهو اتجاه ضعيف لم يناصره كثير من الصحابة
والاتجاه الثالث كان الاتجاه الذى اعتزل الصراع كله ورفض الخوض فيه تنفيذا لوصية النبي عليه الصلاة والسلام فى حال الفتنة بأن يتجنبها المسلم تماما إذا لم يتبين له الحق إلى أى جانب بوضوح

من هنا نخرج إلى نتيجة وهى أن التشيع كان مفهوما ونشاطا سياسيا فى خلاف وصراع وقع بين الإمام على وبين معاوية ولا علاقة لهذا الصراع بالعقائد حيث ظل الجميع تحت راية واحدة فى الدين وهى راية الإسلام الأول بلا تغيير

أما التشيع كفرقة من الفرق التى اختلفت مع السنة فى الأصول واخترعت لها فى الدين عقائد غير موجودة كوجودة الإمامة النصية وأن الإمام علىّ وأبناؤه أوصياء منصوص على خلاتفهم بالنص من القرآن والسنة إلى غير ذلك من الاعتقادات فهذه ليست لها علاقة بالتشيع العربي الذى كان قائما فى زمان الإمام علىّ نفسه وفى زمان الأئمة من أبنائه حيث كانوا جميعا من أهل السنة ولم يعرفوا شيئا مما ادعته الفرق الباطنية التى ظهرت فى العراق بعد وقوع الفتنة

ويلزم لنا معرفة أصل التشيع العربي أولا قبل العروج على التشيع العقدى
والأمر باختصار ومن خلال أوثق المصادر التاريخية المحققة التى عالجت تلك الفترة واستخرجت الروايات الصحيحة وحدها ونبذت الروايات الباطلة , حيث أن كتب التاريخ الأولى كتاريخ الطبري عبارة عن كتب مرجعية حوت جميع الروايات بلا تحقيق ,
والجريمة الكبري التى تمت بحق التاريخ الإسلامى أن بعض المؤرخين والمثقفين المعاصرين أخذوا عن تاريخ الطبري واعتبروا مجرد ورود الروايات فيه معناها أن الطبري يعتقد صحتها وهذا غير صحيح حيث نص الطبري فى مقدمة تاريخه على أنه جمع كل الروايات التى أتت إليه وبين إسنادها ومصادرها وترك للمحققين من بعده النظر فى صحتها وتلخيصها
وهذه جريمة تتابعت على مر الزمن لأن التاريخ مثله مثل الحديث النبوى خضع للتحقيق والتصحيح والتضعيف عن طريق تفنيد ونقد المصادر الأولى
ولو أخذنا تاريخ الطبري مثالا وهو المرجع الأم الأكبر فى مجاله فإن مرويات الكذابين من الشيعة الإخباريين أحصاها الدكتور خالد كبير علال فزادت عن ثلاثة آلاف رواية باطلة سندا ومتنا وأصحابها أربعة فقط من رواة الشيعة المطعون فيهم
والمشكلة الكبري أن تلك الروايات تعالج الفترة الأكثر حساسية فى التاريخ الإسلامى وهى الفترة من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه " 1"
وانتشرت تلك الروايات المغلوطة بين العامة وبين أقلام المثقفين المعاصرين باعتبارها من المسلمات التاريخية رغم أن العلماء قديما وحديثا بينوا مدى بطلانها
وما حدث فى الفتنة يمكن تلخيصه فى الآتى
أولا : أجمع المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لسابقته وفضله وولايته أمر الصلاة فى حياة النبي عليه السلام عند مرضه حيث أصر النبي عليه السلام على أن يتولى أبا بكر الصلاة وقال فى ذلك حديثا شهيرا ورد بعدة طرق منها كما فى البخارى ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر )
وقد روى البخارى حادثة السقيفة التى نجمت عنها مبايعة الصديق بالرواية الصحيحة حيث تم الاتفاق على البيعة بلا منغصات وقبلها جميع الصحابة فيما بعد بالشورى حيث أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك الأمر فى الحكم والخلافة شورى بين المسلمين وانتهى بذلك عصر النبوة والعصمة
وعليه فالروايات المزيفة التى تروى عن رواة الشيعة كأبي مخنف لوط بن يحيي الأزدى أن هناك خلافا وصراعا دب على السلطة كلها عبارة عن ترهات دسها هؤلاء الإخباريون ولم تثبت قطعا بأى سند صحيح , وقد لجأ المؤرخون لرواية الطبري ونقلها بعضهم وهى رواية منقولة عن الشيعي أبي مخنف الذى أجمع المحدثون على أنه من أهل الكذب "2"
والرواية الصحيحة الواردة فى البخارى تغنى كل طالب حق عما سواها

ثانيا : قبيل وفاة أبي بكر رضي الله عنه أوصي بعد استشارة أصحابه على تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين فناقشه فى ذلك بعض الصحابة لما يعرفون من شدة عمر فى الحق فأقنعهم أبو بكر بأنه يترك عليهم خير خلق الله فى زمانه كما هو فى رواية بن سعد فى الطبقات الكبري " 3"
وخرج كتاب البيعة لعمر مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وقرأه على الناس وهم جميعا حاضرون فقبلوه وتولى الفاروق أمر الأمة فكانت أزهى عصور الخلافة " 4"
حيث سقطت فى عهده دولتى فارس والروم معا وكانت الجيوش الإسلامية تحارب على الجبهتين معا , فسقطت فارس فى يد كبار مجاهدى الجبهة مثل المثنى بن حارثة وخالد بن الوليد قبل انتقاله لجبهة الشام وأيضا سعد بن أبي وقاص قائد جبهة الفرس فى موقعة القادسية ونهاوند

وسقطت الروم وافتتح بيت المقدس على يد مجموع الجيوش الإسلامية فى الشام بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص وزياد بن أبي سفيان ومعاوية شقيقه
أما فى العدل فحدث ولا حرج حيث لا زالت سيرة عمر بن الخطاب تمس الأفق فى عدله وورعه , بل تجاوزت سمعته فى العدل والانصاف حدود دولة الإسلام إلى الغرب حيث أنصفه الأوربيون فوضعوه ضمن أعظم مائة شخصية فى الإسلام" 5 "
وفى التنظيم الإدارى قدم للخلافة الدوايين وأنشأ عدة أنظمة إدارية للعطاء والخراج فحقق فيه قول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح ( لم أر عبقريا يفري فريه )

ثالثا : بعد اغتيال عمر بن الخطاب واستشهاده رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي الفارسي لعنه الله , أوصي قبيل موته بأن يكون الأمر شورى فى الستة الباقين من العشرة المبشرين بالجنة , يتداولوا الأمر ويرتضون الخليفة الثالث فيما بينهم
ومن فرط عدله رضي الله أبي أن يدخل فى الشورى صهره سعيد بن زيد رغم أنه من العشرة وذلك تلافيا للمجاملة التى قد تكون نظرا للقرابة بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
وكان أصحاب الشورى ستة هم عثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف , وفى أول اجتماع تنازل عبد الرحمن بن عوف وفضل أن يكون حياديا دون تزكية أحد , فارتضي به الخمسة حكما بينهم
وتنازل طلحة والزبير وسعد لصالح الصحابيين الجليلين عثمان وعلىّ وبقي الخيار بينهما , فقام عبد الرحمن بن عوف بأوسع استفتاء شهدته الخلافة التى ما رأت من قبل انتخاب خليفة على مستوى القاعدة الشعبية بأكملها قبل ذلك , لأن الخلافة كانت تتم بالتشاور بين أهل الحل والعقد فى المدينة ثم تطرح هذه الزمرة الفاضلة ــ التى كانت تشكل مجلسا أشبه بالمجلس التشريعي ـ اسم الخليفة وتعلنه بين العامة فى المدينة وباقي الأمصار فيتولى الخلافة
أما فى أمر أصحاب الشورى فقد جاب عبد الرحمن بن عوف بيوت أهل المدينة جميعا لثلاثة أيام يستفتى الناس ويري اختيارهم فاختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه إجماعا , فكانت بيعته البيعة الأولى من نوعها فى شعبيتها وذلك لأنه ما من أحد اختلف على تقديمه لسابق فضله

وبايع الإمام علىّ مع المبايعين ولا إشكال وعمل كعادته وزيرا مع الخليفة الراشد عثمان كما كان من قبل وزيرا لأبي بكر وعمر وأصبح من المتعارف عليه بين الصحابة والمجتمع الإسلامى أن العشرة المبشرين هم أسياد الصحابة وأفضلهم الأربعة الأوائل بالترتيب ثم يتساوى الستة الباقون ثم يتبعهم فى الفضل أصحاب بدر ثم أصحاب أحد ثم بقية المشاهد ثم يتساوى الميزان مع سائر الصحابة , وفى هذا المعنى قال عبد الله بن مسعود فى رواية السيوطى بتاريخ الخلفاء
( كنا نفضل الناس بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ ثم سائر العشرة ثم أهل المشاهد ثم نترك الناس لا نفاضل بينهم )
وكانت سنوات خلافة عثمان امتدادا للعظمة الراشدة التى أقرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاستمرت الفتوحات شرقا وغربا واتسعت إلى مدى هائل شمل سائر إفريقية وبلغ خراسان
وتوسعت المعيشة وازداد الرغد بسبب تدفق الغنائم , ومضت السنوات على عهد النبي عليه الصلاة والسلام واتسعت دائرة المسلمين فشملت أقواما من العجم فيهم ما فيهم سواء من النفاق أو الصلاح
وافتعل عبد الله بن سبأ وبعض أقرانه من الفرس فتنة عمياء فى مصر والعراق تهتف ضد الخليفة الراشد وتدعو للثورة عليه وخلعه فى مفاهيم كانت جديدة على العالم الإسلامى الذى كان لا يزال يعيش مشكاة النبوة ,

ومارس رواة الشيعة دورهم المعتاد فألفوا عشرات الروايات عن مطاعن تمس عثمان رضي الله عنه وتروى الفتنة بوجهة نظر لم تكن واقعا ملموسا وأثبت المحدثون وعلماء الأخبار كذبها جميعا "6"
ولم تكن الثورة على عثمان ثورة كما صورها هؤلاء المؤرخون بل كانت شغبا قادته شراذم تعد بالعشرات وتتبعها طبقات من الجهلاء والعوام اجتمعوا فى المدينة المنورة وتجمعوا حول دار الخليفة مطالبين بعزله
هنا ثار الصحابة إلى السلاح لتطهير المدينة من تلك العصابات والدفاع عن الخليفة لا سيما وأن شيئا مما عابه الثوار على عثمان لم يكن أثر واقع , ثم تطورت الأمور بعد رحيلهم واستجابتهم لتهديد الصحابة ليعودوا مرة أخرى إلى المدينة زاعمين أن عثمان أرسل لعامله على مصر عبد الله بن سعد بأن يقتل هؤلاء الثوار وأبرزوا كتابا مفترى على عثمان لا أصل له
واتضحت أبعاد المؤامرة عندما سألهم الإمام على بن أبي طالب كيف اجتمعتم مرة أخرى وقد ذهب أهل العراق باتجاه العراق وذهب أهل مصر باتجاه مصر , كيف عرف أهل العراق بحكاية الكتاب حتى يعودوا فى نفس التوقيت مع أهل مصر ؟!

وكان واضحا للجميع أن الأمر مدبرا بليل فلبس الإمام علىّ سلاحه وطلب من عثمان أن يمنحه الإذن بالقتال فأبي عثمان بإصرار شديد تورعا من تبعات الدماء وراجعه جميع الصحابة فأصر على الرفض
ثم طلب عثمان من أولاد الصحابة الذين يبيتون حوله يحرسونه أن يخرجوا إلى منازلهم وأقسم عليهم بطاعته , فاستغل الثوار الفرصة ووثبت شرذمة منهم إلى دار الخليفة فقتلوه وهو يقرأ فى المصحف
وكانت حادثة الاغتيال غير متصورة فى عقول سائر أهل المدينة لكونهم لم يفكروا فى أن الأمر سيصل بهؤلاء إلى مثل تلك الجريمة لكن ما لم يحسبه الصحابة أن قادة الفتنة كانوا قد انتظموا وصارت لهم أتباع بالآلاف وكلهم من الغوغاء
واهتزت المدينة للحادث الجلل وكاد زمام الأمور يفلت لولا أن استجاب الإمام علىّ للبيعة فخرج للمسجد وبايعه الناس وأولهم الصحابة .,

رابعا : تولى الإمام علىّ فى ظل ظروف الفتنة القائمة وكان أهم ما يشغله أن يطهر المدينة من الشراذم التى شاركت فى القتل ثم يبدأ فى البحث والتحقيق عن قتلته للقصاص , لا سيما أن الفاعلين كانوا مجهولين بأعيانهم وكل ما عرفه الإمام علىّ أنهم شراذم من البصرة والكوفة ولكن الرأس المدبر لم يكن واضحا
وأرسل الإمام علىّ بولاته للأمصار طامعا أن تستتب الأمور أولا قبل الشروع فى تحقيق القصاص
ولكن طلحة والزبير طالباه بسرعة القصاص خوفا من أن يتكرر انفلات الأمور ويفلت الجناة بفعلهم أو يحتموا بقبائلهم كما حدث فعلا بعد ذلك .
فرفض الإمام علىّ التعجل لا سيما وأنه كان يفتقد القوة العسكرية اللازمة لتطهير المدينة , فاستأذن طلحة والزبير رضي الله عنهما للخروج إلى مكة وخرجا فعلا وهما ينويان تشكيل جيش يأخذون به القصاص من الذين فروا بفعلتهم إلى الكوفة والبصرة وهناك التقوا مع أم المؤمنين عائشة التى وافقتهم الرأى على ضرورة الأخذ بثأر الخليفة الشهيد بعد أن تزلزل كيانهم من الفعل الشنيع , وبعد أن زج المنافقون بأسماء الصحابة فى مؤامرة تشويه الخليفة الراشد فزوروا خطابات بأسماء على وطلحة والزبير وعائشة تدعو الناس إلى قتال عثمان , وهذا مما زاد من غضب الصحابة رضي الله عنهم
وخرج جيش طلحة والزبير والسيدة عائشة إلى العراق بهدف إدراك حق عثمان من الذين فروا ولم ينتبهوا إلى أن رءوس الفتنة لا زالوا مندسين بالمدينة وفى قلب الجيش الذى شرع الإمام علىّ فى تشكيله
ووردت أنباء جيش طلحة والزبير للإمام علىّ فشد الرحال إلى العراق ليري الأمر وأدركهم هناك بعد أن خاضوا جولة أو جولتين وتفهم الطرفان الموقف واتفقا على اتحاد الجيشين والعمل تحت قيادة واحدة
وكما يقول بن كثير ( بات المؤمنون بخير ليلة وبات المنافقون بشر ليلة )
فعندما بلغت أنباء التفاهم بين الطرفين آذان عبد الله بن سبأ وزمرته أدركوا على الفور أن هذا التصالح سيمنح الفرصة للإمام علىّ فى كشف الأمر واستخراج القتلة من جيشه بسهولة بعد استقرار الأمور
فما ضيعوا وقتا , وعملت كتيبة منهم على اقتحام جيش طلحة والزبير ليلا وهم نيام وأعملوا فيهم طعنا وقتلا ونادوا بأن جيش علىّ غدر بهم وفى جيش الإمام علىّ فى نفس التوقيت فعلت كتيبة أخرى المثل واشتعلت المعركة على حين غرة
وعبثا حاول علىّ وطلحة والزبير تدارك الأمور فلم يفلحوا حتى انتهت المعركة بسقوط عشرات القتلى بين الفريقين وسيطر الإمام علىّ على الأمور بصعوبة وقام بتأمين أم المؤمنين عائشة وردها سالمة إلى المدينة المنورة ثم التفت إلى جيشه واتخذ الكوفة عاصمة له فى أكبر خطأ ارتكبه الإمام وندم عليه فيما بعد

لم يكن جيشه يحوى من الصحابة الكثير بل كانت الغالبية العظمى منه من أهل الكوفة وفيهم من شارك بنفسه فى قتل عثمان رضي الله عنه وهؤلاء مثلوا صداعا فى رأس الإمام علىّ لكونهم أهل نفاق فضلا على أن رءوس الفتنة بينهم تقوم بواجبها على أكمل وجه فعاش الإمام علىّ بينهم أسوأ سنوات عمره
وقد تشوهت وقائع معركة الجمل وحملت اتهامات عديدة لأم المؤمنين وطلحة والزبير ولها من روايات الشيعة الباطلة
وثبتت أقوال الإمام على بحق الكوفة وأهلها وسبه لهم لعصيانهم له وخذلانهم لأمره وهم يزعمون أنهم شيعته وأحبابه

فى تلك الفترة بالذات بدأت جذور فكرة التشيع الفارسي العقدى حيث أعلن بن سبأ أن الإمام علىّ كانت له الخلافة حصرا بعد النبي عليه الصلاة والسلام وأنه وصيه كما كان يوشع بن نون وصي موسي عليه السلام
كما كان بن سبأ أول من أظهر السب والطعن بحق أبي بكر وعمر ونشره بين أهل الكوفة فبلغ هذا الكلام مسامع الإمام علىّ فصعد المنبر وهو يقبض على لحيته ودموعه تسيل على خديه وتبللها وقال خطبته الشهيرة التى بدايتها
( ما بال أقوام تتناول حبيبا رسول الله عليه وسلم وصاحباه ورجلى الإسلام .......... )
كما ثبت عنه من ثمانين وجها أنه قال على المنبر ( من يفضلنى على الشيخين جلدته حد المفترى )"7"

وهم بقتل عبد الله بن سبأ لولا أن أقنعه بعض أصحابه أنه من قال ذلك عن طيش فتركه , فذهب هذا الملعون ينشر أول أقوال عقيدة التشيع وهى عقيدة الإمامة والوصاية بالوراثة على الدين وأن الأئمة محددين نصا وأنهم معصومون إلى غير ذلك من الأفكار التى وجدت فى البيئة الفارسية مرتعا كبيرا
ثم دخل الإمام علىّ فى أمر معاوية رضي الله عنهما , وهى المسألة التى حظيت بأكبر قدر من التشويه على مدى التاريخ الإسلامى حيث حفلت بالأكاذيب التى حققها المحدثون وبينوها
وأصل الخلاف بينهم لم يكن على الخلافة من قريب أو بعيد ولم يجرؤ معاوية طيلة حياة الإمام علىّ أن يطلب لنفسه الخلافة بل وضع شرط القصاص أمام قبوله بيعة الإمام علىّ
ورفض الإمام على هذا الشرط وأصر على أن يبايعه أولا ثم يطلب القصاص باعتباره ولى دم عثمان , وكانت وجهة نظر واجتهاد الإمام على هى الصواب وكان معاوية أيضا مجتهدا فيما ذهب إليه وإن لم يكن الحق معه كما كان مع علىّ
والقتال بينهما احتوته الآية الكريمة
[وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الحجرات:9}
فليس معنى وقوع القتال بين جبهتين أن أحدهما فاسق أو كافر بل جعل اله الوصف للفرقتين هو وصف المؤمنين والبغي المذكور فى الآية لا يعنى التكفير من قريب أو بعيد
يدل على ذلك أيضا ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام عن الإمام الحسن الذى صالح معاوية فيما بعد فبشر النبي عليه السلام بذلك وقال ( إن ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )
وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن الفئتين أيضا
( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق )

والفرقة المارقة المقصودة هى الخوارج الذين خرجوا على الإمام علىّ فى حرب صفين فقاتلهم علىّ فى معركة النهراون وهزمهم والنبي عليه الصلاة قال أن الذى يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق
معنى هذا أن كلا الطائفتين على ومعاوية كان يجتهدان لبلوغ الحق لا الحكم والدنيا وأن اجتهادهما مأجور والأقرب للصواب هو جانب الإمام علىّ
فأول التزوير والتلفيق كان فى اتهام معاوية أنه سعي للحكم وهو ما يثبت من أى وجه وفى أى رواية أنه سمى نفسه أميرا فى مواجهة على بن أبي طالب بل ثبت العكس وهو إقراره بفضله ولكنه طلب دماء عثمان أولا
وثانى أوجه التزوير تمثل فى أن رواة الشيعة أوضحوا أن الطرفين كانا يلعنان بعضهما وهو كذب وزور مفضوح حيث رفض الإمام علىّ سب الخوارج أنفسهم رغم ظهور فسقهم فكيف بأهل الشام , وكان يراهم متأولين وينهى أصحابه وجيشه عن سبهم وكان يقول ( قولوا اللهم أصلح ذات بيننا وبينهم )
وثالثة الأسافي فى التزوير هى انتشار قصة التحكيم المكذوبة الشهيرة التى تداولتها الألسن وهى من رواية لوط بن يحيي الكذاب المشهور وتحمل طعنا فى معاوية وأبي موسي الأشعري وعمرو بن العاص وما جرى منها فى الواقع شيئا
فقد نادى معاوية فريق علىّ بالاحتكام لكتاب الله فقبل علىّ على الفور ولم يجادل كما صورته كتب الشيعة وأرسل لهم أبا موسي ومعه عبد الله بن عباس وتقابل عن جبهة الشام معهم عمرو بن العاص ولم يستغرق النقاش طويلا حتى اتفق الطرفان عمرو وأبو موسي على أن يكون أمر قتلة عثمان ـ لا أمر الخلافة ـ فى يد جبهة مستقلة من الصحابة الذين لم يشاركوا فى القتال
وهذه هى الرواية الصحيحة التى رواها الدارقطنى ونقلها عنه القاضي أبو بكر بن العربي فى كتابه الرائع ( العواصم من القواصم ) وبين مدى الافتراء فى الرواية الباطلة للتحكيم والتى قالوا فيها أن عمرو خدع أبا موسي وأنه كان مغفلا وأنهما كان يناقشان أمر الخلافة إلى غير ذلك من الأكاذيب المشتهرة "8 "
وقبل عمرو بن العاص بقرار أبي موسي , ولكن الطرفان على ومعاوية لم يقبلا بالحكم وتجدد الخلاف بينهما
ولكن الخلاف لم تنشأ عنه معركة أخرى حيث استشهد الإمام علىّ بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى وتولى بعده الإمام الحسن الذى كان حاضرا مع أبيه تلك المشاهد ولقي من أهل الكوفة الإيذاء بما فيه الكفاية فرفض القتال وأرسل لمعاوية للصلح , ولما علم الشيعة من حوله بذلك طعنوه فى فخذه وأهانوه وسموه مذل المؤمنين فصمم على البيعة لمعاوية وهو ما تم بالفعل بعد ذلك لتجتمع الأمة فى عام
الجماعة على البيعة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا

من تلك الأحداث نستنتج أن التشيع كمفهوم سياسي كان لا علاقة له بعقيدة أو بدين بل كان
وهذا الإتجاه تحول أولا إلى اتجاه فقهى ـ لا عقدى ـ أنتج فرقة الزيدية وهى القائمة اليوم فى اليمن والتى تتبع فقه الإمام زيد بن علىّ ولا تختلف عن أهل السنة إلا فى أنها تقدم عليا فى الفضل على أبي بكر وعمر ولكنها تقول بشرعية وفضل الخلفاء
وفرقة الزيدية لا يعتبر تسميتها بالفرقة أنها شذت فى شيئ من العقائد بل هم فى المجمل من أهل السنة ولهم فى الفقه مؤلفات خاصة بهم تخضع لميزان التحقيق العلمى سواء فى فقه الإمام زيد بن علىّ أو المسند المنسوب إليه [/color]
فالزيدية البترية ليست موضع خلاف هنا ولا تخضع للقالب الذى احتوى بقية فرق الشيعة عدا الجارودية من الزيدية والتى خرجت على الزيدية وتشبهت بعقائد الرافضة ,
أما فرق الشيعة التى جمعتها مظلة العقائد المبتدعة فقد ظهرت من خلال اتخاذ جانب الإمام علىّ اندس المتآمرون من السبئية ومن تابعهم من الفرس الذين توطنوا الكوفة منذ إنشائها وكونوا فيما بينهم تلك العقيدة الباطلة القائلة بالإمامة والتى تطورت خلال الأزمنة ولم تثبت عند حال , وكانت السبئية هى أول فرق الشيعة العقدية ظهورا تبعتها بعد ذلك باقي الفرق

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:13 PM

العقائد العامة لفرق الشيعة


تتفق فرق الشيعة جميعا فى القول بوجوب الإمامة ,
والإمامة التى يعتقدون بها لا علاقة لها بالمسمى الذى نعرفه فى لغة العرب بل هى مسمى وثقافة يهودية ممزوجة بالعبادات الفارسية قائمة على تقديس بيت الدين واعتبار بيت الدين والملك أمرا واحدا ,
وأول من أظهرها عبد الله بن سبأ الذى سيأتى ذكره بالتفصيل ,
وقالوا بأن الإمامة أصل من أصول الدين لا يكون الدين كاملا إلا بها وهم أئمة منصوص عليهم من النبي علبه السلام ومعصومون ولهم القدرة على نسخ القرآن ونسخ السنة إلى غير تلك الأقوال الشنيعة التى تخالف صريح القرآن ,
ونجم على القول بالإمامة وفق هذا المفهوم تكفير الشيعة لبقية المخالفين لها من المسلمين ,
وهم فى أصولهم يختلفون عن دين الإسلام حيث شرعوا فى الدين ما لم ينزل به سلطانا واتسموا بالغلو الفاحش فى أسماء أئمتهم الذين اختلفوا باختلاف الفرق ,
مما دل على أن القول بوجود نص ووصية مسبقة على أسماء الأئمة هى دعوى باطلة لا أصل لها لأن الشيعة رغم قلتهم واتخاذهم سبيل الشذوذ عن الأمة واخفاء عقائدهم الناس إلا أنهم اختلفوا على سبعين فرقة تقريبا وكل فرقة منهم تكفر وتلعن صاحبتها وتعتبر نفسها الفرقة الناجية ,

وينتعرض فى البحث لأهم الفرق القائمة اليوم ونهمل الفرق المندثرة جريا على أسلوبنا فى هذا البحث وأكبر وأهم الفرق التى لا زالت لها جذور اليوم هى الفرقة الإثناعشرية التى تفرعت عن الفرقة الإمامية وقالت أن عدد الأئمة 12إماما يبدءون بعلى بن أبي طالب وينتهون بالمهدى الغائب المنتظر
ولم تتبق من فرق الشيعة اليوم إلا هم وبعض شراذم الفرقة النصيرية وهى واحدة من الفرق الغير معدودة من فرق الإسلام تقوم عقيدتها على تأليه الإمام علىّ , وهناك أيضا بعض الإسماعيلية وهم الذين توقفوا فى الإمامة على إسماعيل بن جعفر الصادق وتفرعوا عن الفرقة الإمامية أيضا وهؤلاء ينتمى إليهم القرامطة الذين أسسوا دولتهم فى البحرين وسلبوا الحجر الأسود من الكعبة وقتلوا الحجاج ودفنوهم فى زمزم وظل الحجر الأسود معهم فى موطنهم قرابة سبعين عاما
وينتمى إليهم كذلك أفراد ومؤسسي الدولة العبيدية التى قامت فى المغرب وادعت أنها تنتمى إلى الفاطميين وهم من أصل يهودى ونجحوا فى الاستيلاء على مصر وسماها المؤرخون الدولة الخبيثة لما فعلوه بمصر منذ فتحها لهم جوهر الصقلي فنشروا سب وتكفير الصحابة على جدران المساجد وقتلوا خلقا كثيرا من كبار علماء الأمة ونشروا الإلحاد والكفر حتى اقتلعهم صلاح الدين بعد عدة معارك بينهم وبين الشعب الذى ثار عليهم , فطهر صلاح الدين أرض مصر والشام منهم ونجحت فرقة بسيطة فى الفرار وهم الدروز الذين يستوطنون لبنان الآن ويعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله أشهر خلفاء العبيديين فى مصر
ومن آثارها أنهم أسسوا الجامع الأزهر كمعهد للعلوم الشيعية نجح المصريون فى أن يجعلوه منارة للسنة منذ تاريخ طردهم للعبيديين وحتى الوقت الحالى

الفرقة الاثناعشرية ومعتقداتها :
لم تكن تلك الفرقة موجودة بهذا الاسم قبل تاريخ 255 هجرية , التاريخ الذى اختلف فيه الشيعة الإمامية بعد أن توفي الحسن العسكري آخر إمام لهم ولم ينجب .,
فافترقوا أربعة عشر فرقة كانت منهم الفرقة الاثناعشرية التى تدعى اليوم أنها كانت قائمة منذ النبي عليه الصلاة والسلام !
والذى يتأمل كتب الفرق التى سجلها المؤرخون قبل هذا التاريخ لن يجد للاثناعشرية أثرا ولا عينا حيث أنهم كانوا جميعا تحت لواء الفرقة الإمامية حتى اختلفوا فى عدم وجود إمام بعد الحسن العسكري
فقال قائل منهم أن الحسن العسكري أنجب ولدا فى السر وهو المهدى الغائب الذى سيعود فى آخر الزمان وهو غائب من اثنى عشر قرنا تقريبا
ومعتقداتها تطورت عبر الزمن حيث اقتصرت فى البداية على القول بالإمامة وما ارتبط بها من أفكار وتكفير سائر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة عدا سبعة أو خمسة أو ثلاثة منهم حسب اختلاف الروايات ,
وكان أكبر تطور عبرت به الاثناعشرية فى مجال العقائد هو عهد الدولة الصفوية التى نشرت بالقوة المذهب الشيعي على إيران السنية وقتلوا من أهلها ما يتجاوز مائة ألف نفس رفضوا هذا المعتقد
وكان كبير حاخامات الطائفة عالم اسمه باقر المجلسي يعتبرونه الشيخ الأعظم فى مجالهم وتعتبر عقائدهم الحالية هى دين المجلسي الذى ألف لهم فى العقيدة بعض الأفكار الكفرية التى ساهمت فى زيادتهم ضلالا على ضلال
نخرج من هذا إلى حقيقة مهمة وهى أن التشيع العقدى لم يخف الغلو والكفر فيه بمرور الزمن كما يعتقد البعض بل إن الزمن كلما تقدم كلما ازدادوا انحرافا عن الإسلام وعن أى مفهوم دينى ,
وقد جاء الخومينى فأضاف أيضا للعقيدة الشيعية الاثناعشرية بعض مبتكراته وأعاد اكتشاف بعض الأفكار الملحدة وأحياها وجدد طباعة كتب المجلسي ,

لتتبلور العقيدة الشيعية اليوم فى العناصر التالية
* اعتقادهم بأن الإمامة مكملة للدين والرسالة عندهم لم تتم وفق المفهوم القرآنى بإكمال الدين بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام بل جاء بعده ـ فى معتقدهم ـ أئمة يرتفعون على مقام الأنبياء والرسل جميعا وآخرهم المهدى الغائب
* غلوهم الرهيب فى تفضيل الأئمة إلى حد القول بأنهم يعلمون الغيب ويعلمون متى يموتون وأوكل الله لهم أمر الكون ولهم ولاية تكوينية أى قدرة على الخلق وإحياء الموتى والرزق والحساب والحضور عند الموت إلى آخر تلك الأقوال التى فاقت أقوال النصاري فى عيسي بن مريم
وجعلوا هذا من ضروريات مذهبهم كما صرح بذلك الخومينى فى كتابه الحكومة الإسلامية
* تنقسم الشيعة الاثناعشرية إلى فرقتين فى داخل وعاء واحد
أولهما الإخبارية التى تقبل بكل الأخبار الموجودة فى كتبهم المعتمدة وهى الكافي والوافي ومن لا يحضره الفقيه والوسائل ومستدرك الوسائل وبحار الأنوار وغيرها على اعتبار أن ما ورد فيها كله صحيح وهؤلاء كفار بالإجماع لكونهم يسلمون بأن القرآن محرف
والفرقة الثانية وهى الأصولية التى اخترعت الاجتهاد فى زمن غيبة المهدى وتلك تقول بأن الكتب فيها الصحيح وفيها لضعيف لكنهم يسلمون بأخبارها فى مجملها
* اعتقاد تحريف القرآن انفردت به الاثناعشرية فى عصرنا الحاضر على مستوى علمائها القدماء والمعاصرين كما سنرى
* يعتقدون أن القرآن الكريم وحده ليس بحجة إلا إذا كان معه تفسير الإمام المعصوم ولا يجوز النظر فى القرآن واستنباط الأحكام منه مباشرة بغير قول المعصوم
* يعتقدون بعقيدة البداء وهى تجويز وتصور الجهل بالله عز وجل ـ تعالى الله عن ذلك ـ والبداء مفهومه أن الله عز وجل لا يعلم الحوادث قبل وقوعها وقد لجئوا إلى تلك المقولة حتى يمكنهم الخروج من مأزق ادعائهم علم الغيب على الأئمة حيث كانوا يكذبون على أئمة آل البيت وينسبون لهم نبوءات لا تقع فكان الحل أن يقولوا أن الله عز وجل يقرر الرأى ثم يرجع عنه والعياذ بالله
* اعتقادهم فى التقية وهى ستر معتقدهم والتعامل بالنفاق والتزلف مع المجتمع المحيط لا سيما أهل السنة وجعلوا التقية من أعظم أركان الدين كى ينجحوا فى الهروب من المواقف الصعبة التى يضطرون فيها لإخفاء معتقدهم أمام الناس وعامة شيعتهم وإعلانه فيما بينهم فقط
* من ضروريات مذهبهم أن الصحابة جميعا كفار مرتدون لأنهم ارتضوا أبا بكر رضي الله عنه خليفة للمسلمين والولاء والبراء عندهم يتمثل فى ولاية أهل البيت وفق مفهومهم والبراءة من الصحابة
* من ضروريات مذهبهم أن جميع المسلمين ما عداهم حتى الشيعة الغير منتمين من للاثناعشرية هم كفار مستحقون للخلود فى النار كما نقل المفيد الملقب بشيخ الطائفة إجماعهم على ذلك
وليس هذا فقط بل إن قتل السنة وهم النواصب فى نظرهم أى أعداء أهل البيت هو أقرب القربات إلى الله تعالى لأن دماءهم وأموالهم حلال زلال والسنة عندهم أكفر من اليهود والنصاري
* طبقت الشيعة الاثناعشرية هذه العقيدة بالفعل عندما سطر تاريخهم القديم والقريب خيانتهم لأمة الإسلام منذ تسليمهم بغداد لهولاكو وافتخارهم بذلك حيث تم هذا على يد الوزير الشيعي بن العلقمى الذى كان وزيرا للخليفة العباسي إبان هجوم التتار وبمناصرة الطوسي أحد كبار شيوخهم ., وفعلوا نفس الأمر فى الشام على يد الكنجى الشيعي الذى كان يتستر بمذهب الشافعى لإخفاء اعتقاده عملا بالتقية وانتظارا للفرصة " 9"
وفى العصر الحالى تعاونت حركة أمل الشيعية التى أسسها موسي الصدر فى لبنان عام 82 مع اليهود لقتل الفلسطينيين وتهجريهم من لبنان باعتبارهم نواصب , وأيضا مارستها ميلشيات حزب الله الذى تشكل من رحم أمل بعد ذلك " 10"
كما طبقها الشيعة المعاصرون فى العصر الحالى على يد ميلشيات الصدر وجيش المهدى وفيلق بدر الذين تمكنوا من ممارسة هذه الأعمال بحق أهل السنة فى العراق جنبا إلى جنب مع قوات الاحتلال وتزعمت الشيعة رياسة العراق
كما أن الخومينى مشي من قبل على نفس النهج فأعلن الحرب على العراق لثمانى سنوات ورفض إيقافها رغم الحاح العراق فى ذلك ووعد أنه سيحرر العراق من نظامه رغم أنه عاش فى كنف هذا النظام 14 عاما عندما كان هاربا من الشاه " 11"

ولسنا فى حاجة إلى بيان ضلال هذه المعتقدات وصدامها المروع مع المعلوم من الدين بالضرورة , وما يلفت النظر أن هذه العقائد وهذا الفكر من المستحيل أن يصدر عن العرب أو المسلمين فكلها أفكار دخيلة قائمة على صفتى العبودية للبشر والغدر وهذا ما لم يألفه المجتمع العربي لا قبل الإسلام ولا بعده
ولهذا فإن المتأمل لأعلام المذهب الشيعي منذ نشأته سيلاحظ أن جميع هؤلاء الأعلام بلا استثناء منذ عصر عالمهم الأول الكلينى فى القرن الرابع الهجرى وحتى اليوم ليس من بينهم عربي واحد بل كلهم من الفرس
فمن أين جاءت هذه العقيدة ؟!!

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:16 PM


ما هو مصدر هذه العقيدة ؟!


لقد تأملنا أدلة الشيعة الاثناعشرية فى عقيدتهم التى جعلت الإمامة بمفهومها الغريب هذا , هى أصل الأصول فى الدين الإسلامى ,
فكانت أدلتهم من القرآن والسنة عبارة عن تتبع المتشابه الغير صريح سواء فى القرآن أو السنة , رغم أننا بصدد حديث عن إثبات أصل عقائدى فى الإسلام , والأصول العقدية أصلها النص بلا خلاف بين المسلمين , وحتى فى الفرق الشاذة التى قررت العقل مصدرا لتلقي العقيدة جعلت العقل فى منصب الإدراك للنص الواضح
وهو أمر طبيعى للغاية ,
لأن العقيدة , أى عقيدة عبارة عن غيب تام من المستحيل أن نخترع فيها شيئا ليس فيه نص صريح ومكرر كما هو الحال مع وجود الله تعالى ومع النبوة والمعاد والبعث والملائكة والوحى والشياطين وغيرها ,
فكل هذه العقائد وتفاصيلها لولا أنها وردت فى القرآن صراحة ما أمكن لأحد أن يدعى وجودها بناء على القياس
والقياس هو أن تأخذ مثلا من شيئ موجود فتثبت وجوده عن طريق التمثيل بالشيئ الثابت

والقياس ـ باتفاق المسلمين ـ باطل فى العقائد والأصول لأنه أمر يصلح فى الفروع فقط , فمثلا قاس علماء السنة تحريم المخدرات على تحريم الخمر باعتبار أنها تشارك الخمر فى تغييب العقل , وقاسوا تحريم التدخين على القاعدة الأصولية لا ضرر ولا ضرار
وما يثير الدهشة حتى الأعماق أن الشيعة لا تجيز القياس من الأصل لا فى الفروع ولا فى غيرها لأنهم يعتمدون النصوص وحدها مصدرا للتشريع حسبما تقول نظريتهم فى اتباع المعصومين وضرورة وجود إمام كالنبي
فإذا كانت الفروع عندهم لا يجوز فيها القياس فكيف استخدموا القياس فى العقائد ؟!!
وهذه هى أحد أوجه التناقض الكبري فى مذهب الطائفة , وتناقضهم ليس له حدود على الإطلاق مصداقا لقوله عز وجل
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] {النساء:82}
فإذا توجهنا إليهم بسؤال حول الإمامة أو المهدى الغائب أو سبب غيابه وجدتهم يذهبون إلى القياس على عيسي بن مريم عليه السلام !
لكن عيسي بن مريم استثناه النص الصريح فما بال المهدى ؟!
وإذا وضعنا هذا إلى جوار حقيقة مذهلة وهى أنهم يضعون الأئمة جميعا فى مرتبة أعلى من جميع الأنبياء والرسل ـ ما عدا محمد ـ عليهم الصلاة والسلام جميعا , فكيف ذكر الأنبياء دون الأئمة
وهذا العقيدة ثابتة عندهم ثباتا مطلقا حتى عند العوام , وأوردتها الكتب والمراجع المعتمدة فضلا على اتفاق القدماء والمعاصرين على ذلك
واستندوا فى هذا التفضيل إلى ما روته كتبهم فى هذا المعنى لا سيما الكافي وبحار الأنوار
ففي الكافي هناك عدد من الأبواب فى إثبات مكانة الأئمة التى تعلو على الأنبياء والمرسلين حتى أولى العزم , أبوابا كاملة وليس مجرد روايات متناثرة , وعناوين تلك الأبواب على الترتيب
• باب أنهم أعلم من الأنبياء
• باب تفضيلهم على الأنبياء وجميع الخلق عدا محمد عليه الصلاة والسلام
• باب أن دعاء الأنبياء أجيب بالتوسل والاستشفاع بهم ( وتلك إحدى المصائب الكبري حيث جعلوا الأنبياء تتوسل بهؤلاء الأئمة ولولا هذا ما أجيب دعاؤهم )
• باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفي عليهم شيئ
•باب أنهم يعرفون الناس بحقيقة الإيمان والنفاق وعندهم أسماء أهل الجنة وأسماء شيعتهم وأعدائهم
•باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم

وهنا نكون أمام سؤال أكثر منطقية وهى أنهم طالما سبقوا فى الأفضلية جميع الأنبياء والمرسلين فكيف لهج القرآن الكريم بذكر أسماء الأنبياء عشرات المرات ولم يذكر أحد أئمتكم مرة واحدة ؟!
وإذا كان المهدى ـ حسب زعمهم ـ سيحقق للبشرية ما لم يتحقق فى زمن النبي عليه الصلاة والسلام نفسه فيقيم دولة العدل الكبري ـ بحسب قول الخومينى ـ وهى الدولة التى لم ينلها نبي أو رسول من قبل
فكيف لا يذكر مثله صراحة فى القرآن أو حتى فى السنة
بل على العكس يشدد القرآن على نفي تلك العقائد الخبيثة التى فاقت غلو النصاري فى عيسي واليهود فى عزير
وليت الأمر اقتصر على عدم وجود الإمامة لا فى أصلها ولا فى صفتها فقط , بل تعدى الأمر إلى أنهم عجزوا حتى عن الإتيان بآية قريبة الشبه بمفهوم الإمامة التى يريدونها
وهو المفهوم الذى ما عرفه أى دين صحيح ـ غير محرف ـ من الأديان وهو أن يكون هناك خلفا للنبي أو الرسول يقوم بالوصاية على الدين ويتمتع بالعصمة ويكون له ولاية تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون حسب زعم الخومينى الذى قال
( إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما محمودا لا يقربه ملك مقرب و نبي مرسل )

فجعل هذا الغلو الفاحش ضرورية من أسس المذهب أى من أنكره خرج من التشيع
ولا وجود لهذا فى الأديان وعلى رأسها الإسلام لأن الله عز وجل يرسل الرسل مبشرين ومنذرين بين فترات يتخللها وجود أنبياء يجددون للناس دين الرسول السابق عليهم ,
أما بالنسبة للإسلام فقد انعدمت النبوة وارتفع الوحى وأعلنها النبي صراحة عليه الصلاة والسلام أنه لا نبي بعدى وأن تجديد الدين فى الإسلام سيكون منوطا بعلماء الأمة , يقول النبي عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح
( يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها )
فحتى وظيفة الأنبياء التى كانت تتمثل فى احياء تراث الرسل انعدمت وحل محلهم العلماء , وليس هذا فقط بل إنه حتى فى العلماء لم يبشر النبي عليه الصلاة والسلام أنهم سيكونون متتابعين , كعالم يسلم الأمانة لعالم , بل حددها بمرور مائة عام ,
فمن أين جاء الشيعة بمفهوم الوصاية والعصمة والإمامة المستمرة فى الدين والتى لا تنقطع لأنها لو انقطعت لحظة من نهار لساخت الأرض بأهلها كما يروون فى كتبهم وأولها الكافي
من أين جاءوا بأن كل وصي يوصي إلى من بعده وأن الأخير منهم هو المهدى الذى طالت خرافته الآن حتى وصلت إلى ثلاثة عشر قرنا وهو غائب لا يقوم بمسئوليته ,

بالإضافة لعجزهم عن تبرير الغيبة وما هدفها طالما أن الإمام غير موجود ولا يمارس صلاحياته
ثم نظرنا فى أدلتهم فوجدناها تلوى عنق الألفاظ والتراكيب لتصبح مطية لهم فى إثبات شيئ دون إثباته خرط القتاد
كما أنهم استندوا إلى حجج لا يمكنها أن تقنع طفلا ففضلا على عدم صراحتها جاءت الأدلة أيضا لا علاقة لها بمفهوم الإمامة القائم فكان مثلهم كمثل الذى أتى بحروف كلمة الإمامة فى القرآن وسعي لإثباتها من هذا الوجه !
وعبثوا بآيات القرآن الكريم عبثا غير محدود فلما أعيتهم الحيلة ولم يجدوا نصا صريحا ولا تأويلا قريبا لجأ بعضهم إلى الجريمة العظمى وهى القول بتحريف القرآن وأن الصحابة حذفوا أسماء الأئمة من بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وألفوا فى ذلك الباب كتابا وأبحاثا من أشهرها ما كتبه النورى الطبرسي أحد علمائهم المعتمدين وصاحب كتاب مستدرك الوسائل أحد الكتب الثمانية الكبري فى الحديث وتوثيق هذا الرجل فى كتب الإمامية على أعلى ما يكون رغم أنه صاحب كتاب ( فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب ) الذى ألفه فى تحريف القرآن كما سنبين لاحقا فى مبحث التحريف
وهناك قسم آخر لما أعجزتهم الحيلة فى استنباط اسم علىّ فى القرآن أتوا باسمه بنفس طريقة البحث عن الحروف ,
فمثلا قال ياسر حبيب أحد علمائهم المعاصرين فى جواب على موقعه بالإنترنت لسؤال حول وجود اسم الإمام علىّ فى القرآن , فقال هذا الزنديق : نعم جاء اسم علىّ فى القرآن واستدل بالآية الكريمة
"هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" !!!!!!!
ولكى تفهموا النص لابد من قراءة الآيات كلها من السياق لنرى إلى أي مدى بلغ بهم التهجم على كتاب الله
تقول الآيات الكريمة من سورة الحجر
[قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ(40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ(41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ(42) ].

فانظروا ماذا فعل الزنديق عندما جاء بحروف اسم علىّ وطبقها على آية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمسمى بل الآيات تنقل حوار الله عز وجل لإبليس وقوله تعالى أن الصراط المستقيم عليه حفظه لعباده الذين ليس لإبليس عليهم سلطان
وجاء أن أحد علمائهم الآخرين وهو زنديق آخر لا يقل جرأة على كتاب الله , فقام أيضا بابتكار اسم على من القرآن صريحا فقال علىّ الكورانى أن اسم الإمام مذكور فى هذه الآية وهى قوله تعالى
[ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا]. {مريم}. !!!
فإذا عدنا للآيات الكريمة فى سياقها نجد النص كالتالى :
[وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا(48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا(49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا]. {مريم}.
والمعنى فى الآيات أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حيث يثنى عليه ربه عندما اعتزل قومه فوهب له اسحق ويعقوب ووهب له من رحمته لسان صدق عليا ( صفة للسان ) فجاء الكورانى المجوسي فجعلها اسم علم وأسقطها على الإمام علىّ !!

وهذا العبث يذكرنى بأحد الفاسقين من مجانين كرة القدم , نحى هذا المنحى فى كتاب الله عندما عاتبه أحد الناصحين من الشيوخ بألا يتعصب لناديه فهذا ضد الدين
فقال له هذا السكير : كيف لا أتعصب للنادى الأهلى وهو مذكور فى القرآن !
فصعق المستمعون فلما سألوه عن مقصده قال لهم ألم يقل الله عز وجل
[وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي] {طه:29}
والآية عن سيدنا موسي عندما دعا ربه أن ينبئ أخاه هارون معه ويجعله رفيقا فى رسالته ووزيرا له !
لكن هذا السكير علاه الحاضرون بأحذيتهم جزاء عبثه بالقرآن , لكن ما بال الكوارانى وياسر حبيب
يلقيان التبجيل والاحترام والشعبية الجارفة على هذا الاستخفاف بكتاب الله المنزل وبعقول الناس ؟!

لكن هذا لم يكن غريبا عليهم لأن الشيعة فى تفسيرها للقرآن والذى تدعى أنه مصون للأئمة وحدهم وأن الإمام وحده هو الذى يفسره ,
جاءت فى تفاسيرها بمثل هذا الكفر البواح عشرات المرات ,
أى أن الأمر لم يقتصر على القول بالتحريف فقط , بل تعداه إلى العبث بالتفسير أيضا وكانت البداية عندما ابتدعوا قاعدة أن القرآن ليس بحجة إلا بقيّم
ومعنى هذا أن القرآن الكريم دستور الأمة والدين لا يصلح دليلا فى ذاته بل يلزم معه قول المعصوم فى التفسير وإلا سقط الاحتجاج به !
وهذا كفر صريح حيث يسر الله كتابه للذكر وجعل له الحجة البالغة , يقول تعالى
[وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ] {القمر:17}
وكررها فى عشرة آيات على الأقل
وامتلأ القرآن بآيات التدبر والتفكر التى نزلت لعموم الناس تحضهم على السعي لاستشراف الإعجاز القرآنى وتعقب الأدلة فيه , والقرآن الكريم فيه من الآيات ما يحتاج العلماء فى التصدى له واستنباط الدليل
وفيه من الآيات الكثيرات التى يفهمها كل عارف بالعربية ولا تحتاج تفسيرا , وأمثلتها جميع آيات الخلق والتدبر فى الكون وآيات التوحيد , كلها سهلها الله تعالى لعباده كى يأخذوا منها البرهان ويضربوا عرض الحائط بغيرها
ومن أقوالهم الشنيعة التى جرت على هذا المنحى أن القرآن الكريم لا يمثل حجة لأنه صامت لا ينطق بل هو فتنة وتلك الفرية قال بها التيجانى السماوى المتشيع التونسي الذى سافر لإيران وتعلم منهم وأصدر عشرة كتب فضح بها نفسه عندما انبري علماء السنة لبيان جهله

وجرأته على وصف كتاب الله بأنه فتنة وبأنه ليس بحجة يتصادم مع القرآن الكريم الذى سماه رب العالمين بأنه الذكر الحكيم وبأنه مفصل وبأنه التنزيل والآيات البينات أى الواضحات ,
وتعديهم على القرآن وصرف أذهان الناس عنه إلى حكايات الخرافة التى يقودها مراجعهم كان بسبب أن الناس إذا قرأت كتاب الله تعالى أدركت دونما حاجة إلى شرح مدى الضلال الذى يقول به علماؤهم
فصادروا عقول الناس من هذه الناحية وعبثوا بالتفسير حتى قرأنا لبعضهم فى تفاسير الطباطبائي والقمى ونور الثقلين والعياشي وغيره أن كلمتى الجبت والطاغوت فى القرآن تعنيان عمر وأبو بكر !
وفسروا بالأئمة عشرات الألفاظ والدلالات التى ليس لها علاقة بالإمامة مثل ألفاظ النور والهدى وحبل الله وغير ذلك

وفى تفسير الصافي فسر كلمات المنكر والفحشاء والبغي بأبي بكر وعمر وعثمان !
وفى كتاب الكافي أعظم كتبهم على الإطلاق , وردت روايات عديدة على هذا النحو , منها
تفسيرهم لآية الكرسي بأن المشكواة هى فاطمة والحسن هو المصباح والزجاجة هو الحسين والشجرة المباركة هى إبراهيم
وأن دابة الأرض المذكورة فى القرآن هى علىّ , وأن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو ما فوق البعوضة وعليّ هو البعوضة وذلك فى تفسيرهم لقوله تعالى
[إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ] {البقرة:26}

هذا بخلاف أنهم فى تفسير سورة التحريم يتهمون عائشة وحفصة رضي الله عنهما أنهما تآمرتا على النبي وسقتاه سما زعافا لهذا فالنبي عندهم عليه الصلاة مات مقتولا والعياذ بالله
وجاء الكورانى فى محاضرة علنية له يقول( نحن نطمع أن يحرضنا النبي والإمام عند الوفاة , )
تماما كما تفعل النصاري مع عيسي , لكن الكورانى زاد على ذلك أنه فسر قوله تعالى
( إنا إلينا إيابهم ) أى الله والأئمة ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ
كيف يكون هذا وهو القائل ( مالك يوم الدين )
كيف يكون ذلك وهو القائل
[وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {هود:123}
فهل مثل هؤلاء يمكن لعاقل أن يتصور اتباعهم لآل البيت ؟!
وأين هم آل البيت من هذا الكفر الصريح الذى ينسبونه إليهم ظلما وبهتانا ,
وأين هم آل البيت من الإمامة المبتدعة التى جعلت الأئمة أنصاف آلهة ( سنتعرض لذلك فى مبحث التوحيد )
وأين هم من الرهبانية التى فرضها الشيعة للاثناعشر إماما ثم جاء الخومينى ففرضها لنفسه وللفقهاء فأكلوا أموال الناس بالباطل تحت زعم نيابة الإمام الغائب !

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:18 PM

خلاصة القول
إن القول بالوصاية وبالرهبانية وبانتظار الغائب أقوال ما وردت فى الإسلام ولا حتى فى تاريخ العرب المعروف عنهم نفورهم من تلك العبودية البغيضة للبشر

, ومصدرها إذا تأملنا أوجه الشبه هو العقائد اليهودية مع بعض عقائد المجوس الذين يقدسون عباد النار منذ عهد ساسان الفارسي وقالوا فى عائلة ساسان بمثل ما قاله الشيعة فى آل البيت
وأول قول بالإمامة والوصاية ابتدعه اليهود على يد عبد الله بن سبأ الذى كان أول من أظهر الطعن فى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقال فى علىّ بالألوهية والرجعة واخترع مفهوم الوصاية فقال أن يوشع لم يكن نبيا بل كان وصي موسي وعلىّ وصي رسول الله عليه الصلاة والسلام
وغير ذلك من الأقوال التى صار بعضها فيما بعد عقائد ثابتة فى المذهب الاثناعشري

عبد الله بن سبأ :
يلجأ بعض الشيعة المعاصرين إلى طريقة طريفة فى الخلاص من تبعات بعض الأمور التى تنتسب إليهم , هذه الطريقة هى أن ينكروا وجود تلك المطاعن أصلا , مهما بلغت درجة ثبوتها حتى لو كانت ثابتة متواترة فى مصادرهم الأصلية
مثال ذلك إنكار وجود شخصية عبد الله بن سبأ أصلا , وذلك للخلاص من تبعات اتهامهم بالتشابه مع اليهود فى عقائدهم التى قالت حرفت التوراة وقدست الكذب وقالت بوجود المسيح المخلص الذى لم يظهر عندهم بعد !
ومثال ذلك ما فعله نجاح الطائي أحد كتابهم المعاصرين عندما ألف بحثا أضحوكة ينكر فيه أن أبا بكر كان مع النبي عليه الصلاة والسلام فى الغار
كذلك لجأ بعضهم إلى إنكار بعض المسلمات التاريخية كتسمية علىّ رضي الله عنه لأبنائه بأسماء الصحابة والمصاهرة بين البيت العلوى وبين بيوت الصحابة بل والبيت الأموى أيضا
ومصيبة هذه السياسة أنها تغفل حقيقة بديهية أن كتب القدماء فى التاريخ والسير متفقة بأكملها على تلك الحقائق فإنكارها إنكار لكل التاريخ وتسقيط لجميع هذه المصادر بل يفضي ذلك إلى إنكار ثبوت السنة حتى سنتهم هم عن المعصومين لأن الذين نقلوا هذه الأحداث هم أنفسهم نقلة الحديث
وأعظم دليل على مدى الجهل وتعمد التغييب أنهم يتناسون عمدا أنما يتوصل إليه المعاصرون من الاكتشافات , ليس فقط منعدم الدليل والحجة , بل أيضا هو قول جديد ما قال به مؤرخ أو محدث وليس له أصل سابق
فمن أين جاءت تلك الاكتشافات يا ترى ؟!!!

الخلاصة ,
سنثبت وجود عبد الله بن سبأ من مختلف المصادر المتنوعة , من السنة والشيعة معا , ولن نقتصر فى ذلك على كتب التاريخ أو الروايات بل سنحقق وجوده من كتب التاريخ وكتب الفرق وكتب الأنساب وكتب السير وكتب العقيدة ,
لأن ابن سبأ ـ من سوء حظهم ـ أنه كان صاحب فرقة شيعية هى السبئية التى تنتسب إليه فشهرته مطبقة فى المصادر المختلفة

أولا : مصادر الشيعة الأصلية :
لن نعتد هنا إلا بالمصادر الأصلية المعتبرة عند الشيعة وأعنى بها المراجع الأمهات التى أخذ منها كل من جاء بعدها ,
وأولها كتب الفرق , وكتب الرجال حيث أنها الأشد توثيقا
* المقالات والفرق للقمى : وهو من ثقاتهم وأحد أصحاب الحسن العسكري إمامهم قبل الأخير
وقال سعد بن عبد الله الأشعري القمي في معرض كلامه عن السبئية: "السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن خرسي وابن اسود وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم" ( المقالات والفرق ـ ص 20 )

* النوبختى : وهو من ثقاتهم قال فيه الطوسي أنه كان إماميا حسن الاعتقاد , يقول النوبختى فى فرق الشيعة
"السبئية قالوا بإمامة علي وأنـها فرض من الله عز وجل وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: "إن علياً عليه السلام أمره بذلك" فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن".
وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بـهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه.. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية"
( فرق الشيعة: 32-44 )

* الكشي فى كتابه (معرفة الرجال ) , وهو أشهر من نار على علم لأن الكشي هو عمدتهم فى الجرح والتعديل
عن أبي عبد الله أنه قال: "لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم".
( معرفة أخبار الرجال، للكشي:70-71 )

* الصدوق فى كتابه من لا يحضره الفقيه , رابع كتبهم الثمانية المعتمدة ,
وقال الصدوق: "وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء وينصب في الدعاء، فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22]، فمن أين يطلب الرزق إلا موضعه؟ وموضعه -الرزق- ما وعد الله عز وجل السماء}".
(من لا يحضره الفقيه: 1/229).

* بن أبي الحديد شارح نهج البلاغة الأشهر
ذكر ابن أبي الحديد: "أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له -علي-: ويلك من أنا، فقال: أنت الله، فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه"، ( شرح نـهج البلاغة: 5/5).

* نعمة الله الجزائري صاحب أحد أكبر مراجعهم ( الأنوار النعمانية )قال السيد نعمة الله الجزائري: "قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله حقاً، فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي".
( الأنوار النعمانية: 2/234)

* وعلى نفس النمط من الترجمة وذكر عبد الله بن سبأ انتهجت المصادر الشيعية التالية هذا النهج وهى
أبو حاتم الرازى الشيعي أحد أعلام الإسماعيلية فى كتاب الزينة ,
وهناك أيضا شيخ الطائفة المفيد فى كتابه شرح عقائد الصدوق ,
وأبو جعفر الطوسي فى تهذيب الأحكام
وعلامتهم الحلى ـ الذى رد عليه بن تيمية ـ ذكر حال السبئية وبن سبأ فى كتابه الرجال
وبن المرتضي الزيدى فى كتابه تاج العروس حيث نسب أصل التشيع إلى بن سبأ
والخوانساري فى كتابه روضات الجنات نقل لعن الصادق عليه السلام لابن سبأ

وهذه من المصادر الشيعية المعتمدة القديمة ومنها أمهات كتب ومراجع الشيعة الإثناعشرية المعاصرين مثل رجال الكشي وكتب المفيد والجزائري والطوسي والخونساري وبن أبي الحديد والصدوق
كما نقل إحسان إلهى ظهير رحمه الله الاعتراف بوجود بن سبأ على لسان الشيعة المعاصرين مثل العلامة محسن الأمين فى موسوعته والمظفري فى كتابه تاريخ الشيعة
ولخص هذه البحوث جميعا فى مصدر واحد العلامة الدكتور محمد أمحزون فى كتابه الموسوعى ( تحقيق موقف الصحابة من الفتنة ) حيث خصص فصلا أورد فيه كل ما تمت كتابته عن بن سبأ من أمهات مصادر السنة والشيعة

ثانيا : من كتب السنة :
من كتب السنة حدث ولا حرج حيث أنه لا يوجد عالم سنى نفي وجود تلك الشخصية المحورية فى أحداث التاريخ بطرق وأسانيد متتابعة فى كتب الفرق والتاريخ والأنساب
وليس كما ظن البعض أن عبد الله بن سبأ ذكره الطبري فقط من رواية الضبي الضعيف , فهذا جهل بالمصادر لم يسبق إليه أحد
ومن جملة مراجع السنة التى ترجمت لتلك الشخصية
فثبت بشخصيته وفرقته عند بن حبيب عالم الأنساب المتوفي عام 245 هـ , وكذلك عند أبي عاصم الأصرم الذى نقل خبر إحراق علىّ رضي الله عنه لبعض السبئية فى كتابه الاستقامة
وهذا الخبر نفسه , وهو خبر إحراق علىّ للزنادقة السبئية ـ ثبت فى عدة روايات صححها جميع أهل العلم فى كتب الحديث والطبقات مثل أبي داوود فى السنن , والنسائي فى سننه , وصحح الإسناد العلامة الألبانى , كذلك ذكر السبئية وأفكارها بن سعد فى الطبقات الكبري بسنده عن عمرو بن الأصم إلى الحسن بن علىّ
كما أثبته الجوزجانى المحدث البليغ فى كتابه أحوال الرجال , وأيضا ذكره بن قتيبة الإمام السنى فى كتابه الشهير المعارف , وأيضا نص عليه البلاذرى عالم الأنساب فى كتابه أنساب الإشراف
وتحدثت عنه كتب الجرح والتعديل عندما تعرضوا لروايات السبئية مثل بن حبان فى كتابه المجروحين
أما كتب الفرق فقد أجمعت بكل صنوفها على وجوده وأنه تنتسب إليه الفرقة السبئية الغالية التى قالت بألوهية على بن أبي طالب رضي الله عنه
مثل الإمام أبي الحسن الأشعري وبن حزم والملطى والمقدسي والبغدادى والخوارزمى وأبي حفص بن شاهين والاسفرايينى وبن عساكر والشهرستانى

وقد أوردت تلك المصادر ترجمة بن سبأ وأحواله من طرق متعددة ليس من بينها طريق سيف بن عمر الضبي الذى اعتمد عليه الطبري
بل نقلوا أخباره كذلك عن حجية بن عدى الكندى التابعى المخضرم الذى روى عن حذيفة وعلى بن أبي طالب , وأيضا من طريق أبي الطفيل وله صحبة ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام ورواه عن طريق المسيب بن نجبة
كذلك طريق أبي الجلاس ونشوان الحميري وفخر الدين الرازى وهؤلاء كلهم أئمة فى مجالاتهم
كذلك نقل خبر بن سبأ أئمة الحديث والتاريخ مثل الذهبي وبن الأثير وبن تيمية والصفدى والكرمانى والشاطبي والسكسكي والجرجانى والمقريزى والحافظ بن حجر والسيوطى والزبيدى وبن كثير

أى أن الأمر أمر إجماع تام لم يخالف فيه أحد العلماء القدامى الذين عليهم معول التراجم والفرق والتاريخ ,
بل إن مصادر المستشرقين أشارت إليه بوضوح وأفاضت فى الحديث عنه مثل
فلهاوزن , فولتن , وليفي دلايفيدا , وجولد تسيهر , ورينولد نكسلن , ودوايت روندلسن ,
وهم بعض المستشرقين المتخصصين فى بحث التاريخ الإسلامى ,

أما بدعة إنكار بن سبأ فقد اخترعها بعض متقدمى المستشرقين اليهود ممن حاولوا أن ينهوا وجود بن سبأ لبيان أن الإسلام ضعف من داخله وليس من عوامل خارجية , فتلقفت هذه الفكرة مصادر المعاصرين من الشيعة حيث وجدوا فيها مخرجا ومنفذا لهم من تبعة إنفراد بن سبأ بإنشاء فكرة الوصاية والطعن على الصحابة
ولا شك أنها فكرة فشلت فى المهد لأنه كما سبق القول جاءت كفكرة ليس لها شبهة دليل يمكن أن تقوم به حجة وذلك لمخالفتها الإجماع المطبق فى تلك الشخصية التى انفردت بإحدى أشهر فرق الغلاة فى الإسلام

فوضحت الآن من أين جاءت فكرة الوصاية والعصمة وإثبات الرياسة لبيت واحد , حيث أن أصل الفكرة عقيدة يهودية جرت على ألسنة فجار اليهود ونقلها بن سبأ إلى عقيدة الفرق الغلاة من الشيعة ,
وانتقلت عقيدة بن سبأ إلى العراق ونشر أتباعه ونصحهم بإظهار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لحيازة ثقة الناس ثم نشر تلك العقائد بينهم ,

وتلقف الفرس المتعطشون للكيد للإسلام هذه العقيدة فنشأت فرق جديدة كان منها الإمامية التى تفرعت فيما بعد إلى عدة فرق حتى جاء عام 255 هـ بوفاة الحسن العسكري فانقسمت الإمامية إلى 14 فرقة مختلفة العقيدة بعد أن توفي الحسن العسكري وليس له ولد ,
فقالت منهم فرقة أن الحسن العسكري أنجب ولدا فى السر وسماه محمدا وأنه المهدى المنتظر إلى آخر هذه الخرافات التى انبثقت عنها الفرقة الاثناعشرية المعاصرة

ومنذ ذلك العهد فقط , ظهر مسمى الإثناعشرية الذى ليس له وجود قبل هذا التاريخ فى أى كتاب من كتب الفرق , حتى الشيعية منها التى سبقت هذا التاريخ
وهذه الحقيقة التاريخية المعروفة هى قاصمة الظهر لكل حجج الشيعة المعاصرين فى القول باثنا عشر إماما حيث لم يظهر هذا القول إلا بعد أن مات الحسن العسكري رضي الله عنه دون أن يعقب
ولو أنه عقب ولدا ما اختلفت الشيعة بعده إلى14 فرقة ودبت فيهم الحيرة حيث أن عقيدتهم تقول بضرورة أن ينجب الإمام ولدا ظاهرا فكان الحسن العسكري عقيما وقسموا ميراثه على أمه وزوجته ,
فانقلبت فرق الشيعة إلى عدة أقوال كان منها القول بالمهدى المختفي ,

والذى ابتدع فكرة المهدى الخافي هذا كان شيطانا بحق ,
حيث تمكن المستفيدون من الإمامة أن يعيدوا الشيعة الذين تبعوهم إلى المذهب ليجنوا من ورائهم الأموال الطائلة وظهر ذلك جليا عندما أعلن أربعة من الشيعة أنهم أبواب المهدى والسفراء المفضين إليه وهم النوبختى والسمرى والعمرى وابنه ,
وظلوا سبعين عاما يأخذون أقوال المهدى المزعوم فيلقونها إلى الشيعة واحدا بعد الآخر حتى توفي آخرهم وهو محمد العمرى فأعلنوا أن الغيبة الصغري قد انتهت وجاء أوان الغيبة الكبري !
وهى الغيبة التى استمرت إلى اليوم ,

وخلال تلك العقود من ذلك الحين وحتى يومنا هذا كان التشيع يتطور من مرحلة إلى مرحلة حتى بلغ قمة الغلو فى عهد الدولة الصفوية التى أسسها الشاه إسماعيل الصفوى فأعادت طباعة كتب الشيعة القديمة واختراع الأدلة بأثر رجعى على أقوالهم بالعقائد الشاذة التى وصلت بالأئمة لدرجة الألوهية
واعتمدوا الرقاع وهى الأوراق التى كان يكتبها المهدى المزعوم للسفراء كمصدر رئيسي للتشريع !
وكان أساطير صياغة التشيع فى ذلك الوقت هم طائفة علماء التشيع الصفوى الذين أظهروا اللطم والتطبير وضرب الرءوس وكلها عقائد نصرانية يفعلها بعض طوائف المسيحيين فى يوم صلب المسيح !
وتولى كبر هذه المرحلة أكبر زنادقتهم وهو باقر المجلسي الملقب بالشيخ الأعظم وصاحب ثانى كتبهم المعتمدة بحار الأنوار
والذى يقول عنه العلامة الآلوسي أن دين الشيعة اليوم لو سميناه دين المجلسي ما كنا مبالغين ,
وجاء الخومينى بعد الثورة بنظريته الجديدة واعتقاده بالنجوم والأفلاك والفلسفة اليونانية التى حشا بها كتابه كشف الأسرار لينقل الشيعة إلى مرحلة أخرى أشد غلوا من العهود السابقة !

خلاصة القول أن التشيع كعقيدة للفرق هو التشيع الرافضي الفارسي الذى بدأ يهودى النزعة ثم تولته العقائد الفارسية التى أضافت للإمامة بقية المعتقدات كاللعن والطعن فى أهل السنة وأولهم الصحابة والقول بالشيوعية الجنسية تحت مسمى المتعة وغير ذلك من مختلف العقائد المعاصرة للشيعة ,
هذه العقائد التى كانت قديما عند الشيعة القدماء غلوا أصبحت اليوم من ضروريات المذهب
يقول المماقانى وهو من أكبر علمائهم فى الجرح والتعديل
( إن ما كان قديما من يسميه قدماء الشيعة غلوا أصبح الآن من أصول عقائد الإمامية )
وهذا ما طبقه الخومينى حرفيا :

وللبحث بقية فى نشأة التشيع وعلاقته بالمجوس

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:21 PM

الرمح اليهودى .. والضربة الفارسية


نبدأ فى دراسة الدور الفارسي للتشيع والذى يعد هو الدور البانى والمرسخ لشتى عقائد الشيعة بكل فرقها ـ عدا الزيدية ـ والبداية من عند قول عالمهم الممقانى
( إن ما كان قديما من يسميه قدماء الشيعة غلوا أصبح الآن من أصول عقائد الإمامية )
وهذا صحيح تماما ,
فقد سبق أن بينا كيف أن عقيدة التشيع تطورت من سيئ إلى أسوأ حتى وصلت إلى أعلى درجات الغلو فى العصر الخومينى , وليس كما يظن البعض أن الغلو والنزعة الإنتقامية إنما هى مواريث الماضي ,
فالمطلع على بذرة التشيع يجد العكس , أنك كلما أوغلت فى التاريخ القديم كلما وجدت الشيعة أحسن حالا من عصرهم المتقدم والدليل على ذلك أن العقيدة الشيعية تشكلت شيئا فشيئا حتى اندثرت معظم الفرق وورثت الفرقة الاثناعشرية معظم عقائد الفرق الشيعية الأخرى التى كانت نفس فرق الإمامية تعتبرها فرقا خارجة عن الإسلام
فصارت الشيعة فى عهد الدولة الصفوية قبل خمسمائة عام عبارة عن دين آخر تماما لا علاقة له بالإسلام وجاء الخومينى منذ أربعين عاما ليمضي قدما بالتشيع إلى مرحلة أشد سقوطا ليصبح التشيع هو أعدى أعداء الأمة الإسلامية

والقصة بدأت عندما كانت فارس القديمة قبل الإسلام قد ألقت بثقلها إلى الدولة الساسانية , وساسان المؤسس كان هو خازن النار والكاهن الأكبر لدين المجوس ,
فتمكن من مكان نفوذه أن يضع ولديه فى قلب قيادة الجيش للإمبراطورية الفارسية وهما برويز وأردشير , واللذان قاما بانقلاب عسكري تأسس على إثره عهد الدولة الساسانية ,
ومنذ ذلك الحين تعود الفرس عامة وخاصة على أن بيت الملك هو ذاته بيت الدين وأن هذا البيت منزه عن كل خطأ ويتمتعون بأنهم من طينة أخرى تختلف عن عوام الناس وأنهم مقدسون وأنهم أنصاف آلهة ويتحكمون فى الكون إلى آخر تلك العقائد التى ميزت ديانة المجوس فى العهد الساسانى

وينبغي التركيز على طبيعة تلك العقيدة لأنها هى نفسها التى شكلت عقيدة التشيع لأننا لو نظرنا إلى مفهوم الإمامة عند الشيعة لوجدناه مطابقا تماما لمفهوم ضرورة انحصار الدين والملك فى بيت واحد مقدس منزه ,
ثم ظهر الإسلام وقاد عمر بن الخطاب الحروب الطويلة فى إسقاط دولة فارس فكان سقوطهم مدويا من جميع النواحى وصادما لهم إلى أقصي حد , لعدة أسباب
أولها : أنهم كانوا الدولة العظمى الثانية فى العالم مع الروم , وقوتهم العسكرية كانت فوق الخيال العربي وهى قوة تمكنت من كسب عدة مراحل من مراحل الصراع على الروم بكل جحافلها ووصلت قواتهم فى بعض العهود إلى تهديد أوربا نفسها
ثانيها : أن هذا السقوط جاء على يد العرب والفرس تنظر للعرب بنظرة تاريخية معروفة وهى دونية للغاية فى مجملها حيث تراهم أقل من أن يكونوا لها عبيدا ,
ولهذا فإن كسري قتل رسول النبي عليه الصلاة والسلام عندما جاءه داعيا للإسلام رغم أن الرسل لا تقتل , ولكن كسري لم يكن ينظر للعرب بنظرة الند أو ما تحت الند حتى يمكن له أن يتصور العرب داعين له لدين جديد

ومع امتزاج السببين تولد الحقد العاتى لدى الفرس من العرب بسبب سقوطهم الذريع والسريع على يد العرب الذين لا يملكون من الخبرة العسكرية شيئا يذكر ,
وأضيف إلى ذلك أن سقوطهم كان تاما فلم تقم لهم قائمة , بعكس الروم الذين ظلت دولتهم قائمة كإمبراطورية منذ سقوط الشام والأندلس وحتى سقوط القسطنينية فى عهد العثمانيين
لكن الفرس انكسروا فى القادسية وانمحت دولتهم من على وجه التاريخ فى معركة نهاوند فكان سقوطا مهينا يصحبه إحساس الفرس بالعار الكبير الذى لحق بهم من أتباعهم ورعاياهم السابقين ,
وكان لابد لهم من اللجوء للعمل تحت الأرض بعد أن صار العمل المعلن ضربا من المستحيلات , فكان أول انتقامهم أن قتلوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الذى أطفأ نار المجوس , على يد أبي لؤلؤة المجوسي الذى يتمتع بقداسة لدى الشيعة الإيرانيين حتى اليوم وله مقام كبير باسم ( مقام بابا شجاع الدين ) موجود فى مدينة كاشان الإيرانية وهو عندهم مؤمن مجاهد وولى من أولياء الله الصالحين !

هذا فضلا على تخصيص عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأكبر قدر ممكن تخيله من اللعن والسب والشتم والاتهامات المخجلة وجعل تلك اللعائن من أساسيات المعتقد لدى كل شيعى وعمدوا إلى تلقين كراهية عمر بن الخطاب لدى صغارهم وتدشينها لدى كبارهم بالترويج للقصص المختلقة الواضحة الوضع والبهتان , مما فضح بجلاء أنهم يقصدون عمر بالذات باعتباره ماحى النار المجوسية ,
وجعلوا يوم استشهاده عيدا مسمى عندهم بعيد الغفران ووضعوا فى فضل هذا العيد عشرات الأحاديث التى تعد الشيعة بالغفران المبين كلما زادوا فى صب اللعنات على أعدل الخلفاء الراشدين ,
وقاموا بحشر أهل البيت فى الموضوع فشوهوا تاريخ الخلفاء والصحابة وقرروا أنه لا ولاء إلا ببراءة من الأعداء وأولهم عمر وثانيهم أبو بكر , وهكذا تنجلى الصورة الخادعة التى ألفتها المجتمعات السنية البعيدة عن الشيعة باعتبار الشيعة تصب اللعن فقط وتخصه بمعاوية وحده رضي الله عنه لأنه صاحب الخلاف الظاهر
ولكن الشاهد من كتبهم وأفعالهم يقول بالعكس أن عمر عندهم أشد عليهم من إبليس إلى درجة ابتكارهم لدعاء الحشر مع أبي لؤلؤة المجوسي والسعي للدفن قرب مقبرته المزعومة فى كاشان !
وصار الدين الشيعي قائم على لعن الصحابة جميعا وتكفيرهم وتخصيص أبي بكر وعمر بمزيد من الوباء الذى ينجرف فى صدورهم ثم أبانت العقيدة الشيعية عن نفسها أكثر وأكثر فأصبح الجنس العربي كله على طاولة اللعن والتكفير والتخصيص بالاعتداء , وهى الصورة التى لا تدع لأى عاقل شكا فى أن منبت التشيع وأساسه وبناءه فارسي خالص
وبعدها استغلوا أحداث الفتنة التى وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وتلقفوا بن سبأ ومشروعه حول الإمامة والوصاية وتفرقوا شيعا كل فرقة تدعى أنها شيعة أهل البيت وتعمل بأسلوب خفي ومن هنا جاء اسم الباطنية حيث لم تكن دعوتهم فى العلن بل كانت تعمد على أسلوب العصابات
فشاركوا فى الفتن التى توالت على الإسلام تباعا حتى جاءت فتنة مقتل واستشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه والجناه كانوا هم أنفسهم مدعو التشيع حيث غرروا بالحسين وأرسلوا له الكتب والمراسلات تحضه على الحضور إلى الكوفة موطن التشيع ثم قام أهل الكوفة أنفسهم بقتله وأهل بيته واتفق على ذلك المؤرخون سنة وشيعة فما شارك فى قتل الحسين رضي الله عنه أحد خارج الكوفة التى هى باتفاق المؤرخين موطن التشيع وبذرته "12"
وقد اتفق مؤرخو الفرق وأهل الحديث على أن الفرس تستروا بالتشيع لأهل البيت وبثوا عقائدهم فى الإمامة والوصاية والملك فى دعوتهم الباطنية وهناك من المؤرخين وأصحاب الفرق من جعل أصل التشيع كله فارسي خالص كما هو عند بن حزم فى الملل والنحل , والمقريزى فى خططه , والشيخ أبو زهرة فى تاريخ المذاهب الإسلامية ,
إلا أن الرأى الصحيح والمتفق عليه هو أن بذرة التشيع يهودية تطورت بفكر فارسي كما نقل الدكتور ناصر القفاري فى كتابه ( أصول مذهب الشيعة الاثناعشرية )
وتعتبر البداية الحقيقية للمؤامرة الفارسية عند مقتل الحسين رضي الله عنه حيث انجرفت العواطف فى العالم الإسلامى تجاه هذه الواقعة المفجعة ووجد الشيعة آذانا مصغية لدى العامة لدعوتهم الباطنية
وتتابعت الحقب والشيعة تتشكل فى الكوفة ويدعون على الناس أنهم يأخذون العلم عن الأئمة فى المدينة وأشهرهم محمد الباقر وابنه جعفر الصادق الذين تم الكذب عليهم بشكل لم يُسبق إليه ,
فمن المعروف أن إقامة جعفر الصادق وأبيه كانت فى المدينة المنورة طيلة حياته , ولئن كان قد خرج للعراق فقد حدث هذا مرة واحدة لم تتكرر عندما زار الصادق الخليفة أبي جعفر المنصور ,
لكنهم بالكوفة وعلى أيدى كبار رواة الشيعة مثل زرارة بن أعين وجابر بن يزيد الجعفي وبريد بن معاوية وغيرهم تشكل مذهب الغلو واستغلال العوام باسم الدعوة لآل البيت حتى اشتهر أمر الكوفة بأنها أصبحت مصنعا لتزييف الأحاديث النبوية والمكذوبات على جعفر الصادق حتى قال فيها الإمام مالك أنها أصبحت مثل دار ضرب السكة
وأجمع أهل الحديث على إنكار أحاديث الكوفيين لما فيها من التزييف والإختلاق الظاهر والمستحيل فى بعض الأحيلن , وبلغت كمية الكذب على جعفر الصادق رضي الله عنه أن راويا واحدا كزرارة بن أعين افترى على الصادق فى مائة وخمسين ألف رواية كلها مكذوبات وموضوعات ! "13"
وبمثل هذا العدد ونحوه افترى جابر بن يزيد الجعفي وبريد بن معاوية وهؤلاء هم أوثق رواة الشيعة اليوم والمطالع لكتب الرجال عند الشيعة يجد أن هؤلاء على أعلى درجات التوثيق رغم أن كتبهم كرجال الكشي تنقل بعض الروايات المنسوبة إلى جعفر الصادق وهو يلعنهم أشد اللعن لا سيما زاراة بن أعين ,
فمن هنا جاء دين الشيعة الاثناعشرية , وليته اقتصر على المكذوبات التى افتراها الراوة فقط بل تعدى الأمر ذلك أن الشيعة فى العهد الصفوى أضافوا كتبا كاملة إلى الكتب الموجودة دون أن يفصحوا من أين لهم بتلك الكتب المحشوة بروايات الكفر والخرافة واعتمدها علماؤهم منذ العصر الصفوى وأقرهم الجيل المعاصر عليها وصارت الآن من ضروريات المذهب "14"

التنظير الفارسي للطائفة الإثناعشرية ,


اعتمد التشيع الإمامى الاثناعشري فى عقيدته على الفرس قلبا وقالبا فأصبح دينا مستقلا فضلا على كونه دينا عنصريا هدفه الأسمى ترصد العرب أولا ثم ترصد أساسيات الإسلام وهدمها واحدا تلو الآخر ,
يتضح ذلك فى جلاء عندما ننظر نصوصهم حول مخالفيهم من بقية المسلمين ونصوصهم الخاصة فى الجنس العربي بالتحديد
كذلك عندما ننظر إلى طريقة تعاملهم مع المصادر الأساسية للتشريع فى الدين الإسلامى ,

أولا : موقفهم من المخالفين والعرب
عندما واجهت التشيع الفارسي مشكلات الدعوة لهذا المذهب أمام العامة وأهل السنة , ابتكروا لها الحلول المسبقة وكانت أول المشكلات هى كيفية الدعوة للمذهب بكل شناعته وكفره الصريح وفى نفس الوقت الحفاظ على نطاق السرية والكتمان المضروب حوله ,
وكان الحل العبقري الذى توصلوا إليه يتمثل فى مبدأ التقية , وهى التى تجعل لزاما على كل شيعي أن يعتقد فى باطنه غير ما يظهره لا سيما أمام أهل السنة الذين هم عند الشيعة كفار مخلدون فى النار تحل دماؤهم وأموالهم
ولكن فى حالة عدم وجود الفرصة للغدر فإن التقية تكون هى الخيار العبقري الذى يجعل الشيعي يتعامل بدعوى الوحدة والإتحاد مع المسلمين ومداهنة المخالفين وهو ما تسبب فى خداع الكثيرين حتى بعصرنا الحالى رغم دروس التاريخ المريرة التى أوضحت طبيعة هؤلاء المتدينين بقتل العرب والمسلمين
وقد لعبت التقية دورا كبيرا جدا فى إخفاء هوية التشيع الفارسي عن العيون ولا زالت تلعب هذا الدور اليوم حيث يجد الشيعة ممن فى قلوبهم مرض من أهل السنة سواء بجهل أو بتحريض وسوء نية من يدافع عنهم باعتبارهم فرقة من المسلمين أو أنهم مذهب إسلامى رغم أنهم لا يمتون للإسلام بصلة سواء فى مصدر التشريع أو حتى الثوابت العقائدية ,

والسبب هو اتساع رقعة التقية الفضفاضة التى تسمح لهم حتى بالحلف كذبا فى سبيل مداراة مذهبهم أمام المخالفين وعظموا أمر التقية إلى درجة غير طبيعية حتى هددوا كل شيعي عبر تلك النصوص أنه سيخرج من الدين إذا تركها
فى نفس الوقت مثلت التقية حلا عبقريا آخر فى حل أزمة الإقناع أمام العامة بتلك التناقضات التى وقع فيها الشيعة , فمثلا إذا ظهر السؤال التلقائي عن الإمام علىّ كيف بايع وصاهر أبا بكر وعمر وهم كفار مرتدون يكون الجواب بأنه فعل ذلك تقية واستجاب المغفلون والمغرضون للتبرير المضحك الذى يطعن أول ما يطعن فى شجاعة الإمام وأهل بيته ويتهمهم بالنفاق صراحة رغم أنهم يدعون أنهم شيعة أهل البيت ,
كما مثلت التقية حلا مضمونا للتغلغل داخل المجتمع الإسلامى عن طريق المداهنة والنفاق إلى الحد الذى سمح للخومينى والسيستانى أن يعلنا بأن الشيعة أشقاء السنة فى نفس الوقت الذى تحفل كتبهم ومحاضراتهم وأفعالهم بالعكس على طول الخط ويفعلون هذا بلا حياء أو خوف من أن يظهر هذا التناقض أمام العوام ,
لأن تبرير التناقض موجود وجاهز وهو أنهم فعلوا ذلك وقالوه تقية

وطبيعة التقية كما عرفتها كتبهم كما يلي :
يعرفها مذهب الإثناعشرية فيقول
{ التقية هي كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، وكتمان المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررًا في الدين أو الدنيا
شرح عقائد الصدوق: ص261 (ملحق بكتاب أوائل المقالات) }

ومثل هذا التعريف للتقية لم يعرفه الإسلام الذى عرف التقية عبر آيات القرآن الكريم أنها تكون فى مواجهة فى الكفار إذا كان المسلم يخشي على حياته منهم
أو عندما تواجهه أخطار الموت والتشريد وغيرها من الضرر البليغ
يقول عز وجل
[لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ] {آل عمران:28}
أى أن القرآن الكريم حصرها كرخصة فى مواجهة الكفار وعند الضرورة أى ليس فى مطلق الأحوال حتى مع الكفار
بينما تعريفهم يصرح بأنها فى مواجهة المخالفين لا الكفار وهذا ما تم تطبيقه بالفعل عبر نداءات الوحدة الإسلامية التى يستغلها أصحاب العمائم طريقا لمختلف الأغراض
وهذا لمعلومة القراء من ضروريات مذهب الشيعة الاثناعشرية وأحد ركائزها الأساسية , وركز عليها علماء الإثناعشرية عبر مختلف العصور وبالذات فى عصرنا الحالى حتى يتفادوا صداع مناقشة مذهبهم والطعون عليه وكشفه أمام عوام الشيعة أنفسهم وليس أمام السنة فحسب
كما أن التقية تمثل المهرب الرئيسي لهم عندما يحشرهم أى قائل فى أى مسألة دينية يخالفون فيها صريح القرآن وحتى أقوال أئمة آل البيت بأن يحملوا أقوالهم على التقية لعجزهم عن تفسير التضارب فى مذهبهم
فمثلا العلاقة الوطيدة بين أئمة آل البيت والصحابة ولمصاهرات والتزكية التى قالها الإمام على رضي الله عنه فى حق جميع من سبقوه تقف حجر عثرة أساسي أمام منهج الاثناعشرية فى الطعن بالصحابة وأمهات المؤمنين ,
لهذا قالوا أن التقية من أساسيات الدين وأن أول من مارسها هو الإمام علىّ

وهذا فضلا على أنه طعن رهيب فى شجاعة الإمام إلا أنه أيضا تناقض أكثر ظهورا منه كطعن , لأن الإمام على فى نهج البلاغة ـ وهو أوثق مراجعهم ـ زكى الصحابة جميعا ولم يصرح بنص أو وصاية وكان ذلك إبان خلافته هو أى أنه حتى لو تم قبول مبدأ التقية فمن المستحيل أن يكون الإمام قد طبقه وهو فى أوج قوته لا يخشي من أحد
لكن العمائم السوداء والتى أرادت تحقيق أهدافها المختلفة بستارة أهل البيت ما كان لها أن تقف ساكنة ففسروا كل شيئ يظهر فيه تناقض المذهب بأنه تقية واجبة حتى وصل الأمر أن يجعلوا تاركها كتارك الصلاة
يقول بن بابويه القمى
(اعتقادنا في التقية أنها واجبة، من تركها بمنزلة من ترك الصلاة") الاعتقادات: ص114)

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:23 PM

فهل يا ترى بعد هذه التعاريف وهذه التقارير من الممكن أن يثق عاقل فى أى شيعي ؟!
والأمر عندهم فى اعتبار التقية مفروضة فرضا لا يقتصر على مجرد رأى بل هو كما نقل ابن بابويه إجماع واعتقاد , ويؤكد فى ذلك عدد من الروايات منها

* نسبوا إلى جعفر الصادق أنه قال
( لو قلت أن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقًا [، ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 2/80، جامع الأخبار: ص110، الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 7/94، بحار الأنوار: 75/412،414)
بل نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( تارك التقية كتارك الصلاة" [جامع الأخبار: ص110، بحار الأنوار: 75-412 )
ثم زادوا في درجة التقية فجعلوها "تسعة أعشار الدين "
* ثم لم يكفهم ذلك فجعلوها هي الدين كله ولا دين لمن لا تقية له،
جاء في أصول الكافي وغيره أن جعفر بن محمد قال:
( إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له [أصول الكافي: 2/217، )
* رووا عن جعفر الصادق أيضا ما هو أخطر حيث يقول ـ فيما يزعمون
( إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" [أصول الكافي: 1/222.]، )

فتخيلوا ما ينسبونه لأهل البيت ,
أهل البيت الهاشمى الذى علم العرب الشجاعة , هل يُتصور عقلا أن يكون الخداع والمداهنة والمسايسة هى أساس عقيدتهم
ثم لو أن الأمر بهذا الشكل
كيف ندعو للإسلام إذا , وكيف أعزنا الله بالإسلام ,
الله الذى أنزل فى كتابه عشرات التوجيهات أن نصدع بقول الحق ولا نخشي لومة لائم ؟
الله عز وجل الذى أنزل فى كتابه ألا نعطى الدنية فى ديننا وأن نرفع رءوسنا عالية به ونتحدى على صدقه من شاء
كيف تكون التقية من الإسلام وركن منه بهذا الذى الشكل الذى نراه وهى تقوم على منع وحجب الاعتقاد والتستر عليه كما لو كنا نتستر على فضيحة
وهذه الروايات تفضح بالطبع أولئك المتاجرين بالدين الذين يعلمون تمام العلم أن ظهور كتبهم تلك وظهور عوار هذا المذهب أمام عامة الناس كفيل بإسقاطه أمام أقل عقل يملك القدرة على التفكير
وأصبحت التقية هى الحل السحري الذى يلجأ إليه العلماء من أمثال السيستانى والخوئي والخومينى والكورانى لو أنهم تعرضوا لموقف إعلامى اضطروا فيه إلى النداء بالوحدة وإلى تزكية ومدح أهل السنة بينما هم يلعنونهم ليل نهار فى الحسينيات أمام جماهير الشيعة التى لا تستطيع أن تسألهم عن تناقضهم لأن الجواب جاهز ( قلناها تقية )
وإذا أراد القراء أن ينظروا لأعظم الأمثلة على التقية من كبار المراجع فلهم أن يعودوا إلى المناظرات الكتابية أو التيلفزيونية ويتأمل كيف أن المناظرين الشيعة يبدءون أول كلامهم بالثناء والمدح والتزلف ,
وعندما تظهر الكتب وتظهر المراجع التى تكشف عكس ذلك , ينكشف الوجه الحقيقي على الفور
حتى وصل بهم الأمر لأن يعتبروا الصلاة خلف أهل السنة من باب التقية أمر واجب أيضا للمداراة والخداع

وقال المجلسي
"من صلى خلف المنافقين بتقية كان كمن صلى خلف الأئمة"
[جامع الأخبار: ص110، بحار الأنوار:75/412)
إلى هذا الحد بلغ بهم الترغيب فى كتمان مذهبهم واعتقادهم
بينما يقول عز وجل
[فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94}
ويقول :
[الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ] {البقرة:147}
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام , فيما معناه
( لا يمنعن أحدكم خشية الناس أن يجهر بقول الحق )
وقال أيضا :
( إنه كان فيمن قبلكم الرجل يؤتى به فينشر بالمنشار فلا يرده هذا عن دينه )

ولهذا لم يشعر دعاة الشيعة بحرج وهم يتدينون بالكذب ويكتمون حقيقة اعتقادهم فى شأن بقية المسلمين لا سيما العرب وهو المعتد الذى ينم عن حقد متجذر ,
ولنطالع بعض الروايات التى تجمع على تكفير سائر المسلمين حتى الجاهل فيهم لا تلتمس له العذر , وتعتبر الإسلام فقط هو من كان على هذا الدين البغيض ,.
يقول في ذلك شيخهم الطوسي
( ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد ) يعني مساواة النبوة بالإمامة ـ تلخيص الشافي ج4 ص131 لأبي جعفر الطوسي

ويوسف البحراني في {الحدائق الناضرة 18/153 ط بيروت}:
(وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه ورسوله وبين من كفر بالائمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين)
وقال الفيض الكاشاني في {منهاج النجاة ص48 ط دار الاسلامية بيروت}:
(ومن جحد إمامة أحدهم ـ الائمة الاثني عشرـ فهو بمنزلة من جحد نبوة جميع الأنبياء)
وقال المجلسي في {بحار الانوار23/390 ط بيروت }
(أعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد بإمامة أمير المؤمنين والائمة من ولده عليهم السلام وفضّل عليهم غيرهم يدل على أنهم كفار مخلدون في النار). ـ

وقال عبد الله شبر في {حق اليقين في معرفة أصول الدين 2/188 ط بيروت}
(وأما سائر المخالفين ممن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصب فالذي عليه جملة من الامامية كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والاخرة والذي عليه الأشهر أنهم كفار مخلدون في النار)
وقال المجلسي فى بحار الأنوار :
( ومن لم يقبل الأئمة فليس بموحد بل هو مشرك ولو أظهر التوحيد ـ بحار الأنوار ـ الجزء تاسع والتسعين ـ ص 143)

أما أحقادهم ونصوصهم التى عبر بها الدين الفارسي تجاه العرب فهى أكثر من أن تحصي , هذا فضلا على التطبيق العملى المتمثل فى جرائم الشيعة عبر التاريخ ,
ومن ناحية الروايات التى تحض على تعقب العرب وتبشر بقتلهم على يد المهدى المنتظر ,
فى رجال الكشي ( مرجعهم العمدة فى كتب الرجال ) يروون نصيحة الإمام لأتباعه فى قتل السنة فيقول
(أشفق إن قتلته ظاهرا أن تسأل لم قتلته , ولا تجد السبيل إلى تثبيت الحجة فتدفع بها عن نفسك فيسفك دم مؤمن من أوليائنا بدم كافر فعليكم بالإغتيال )
فالإغتيال مبدأ شيعي من قديم الزمن ولا يظهر القتل الصريح إلا عند التمكين , والتمكين معناه القوة اللازمة لخلع التقية وممارسة القتل دون خشية عقاب , تماما كما حدث بالعراق الآن والشام فى أحداث اجتياح لبنان وتعاون منظمة أمل مع المحتل الإسرائيلي فى تصفية المجتمع الفلسطينى فى المخيمات المقامة هناك فى الثمانينات "15", والواقع حاليا بالعراق "16"

وقد مارسوا الإغتيال بحق الشخصيات المناوئة والمخالفة التى تشكل خطرا لا يمكن دفعه ,
وكانت أكبر جريمة اغتيال نجحوا فيها هى عملية اغتيال الشيخ العلامة المحدث إحسان إلهى ظهير الذى كان بحق رجل المرحلة فى زمانه فقبل إحسان إلهى ظهير لم يكن أحد يعرف شيئا عن الشيعة وكتبهم التى كانت مخفية
فجاء فى السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي هذا العلامة الموسوعى فأخذ مراجعهم الأصلية من موطنها بإيران والهند وباكستان وكتب عنهم سلسلة كتبه الشهيرة التى وزعت أكثر من خمسة ملايين نسخة فى أنحاء العالم الإسلامى مثل كتاب الشيعة والسنة وكتاب الشيعة والقرآن وكتاب الشيعة وأهل البيت رجع فيها إحسان إلهى ظهير إلى ما يقرب من 500 مرجع شيعي أصلي ما سمع بها أحد من علماء المسلمين قبله
وكل من جاء بعده أخذ منه ولقف عنه فرجعوا للمصادر الأصلية فرأوا أهوالا فى نصوصهم
فاغتالوه بقنبلة جبارة وضعوها فى إناء زهور على منضدة أحد مؤتمرات مركز السنة بلاهور باكستان , فقتلت عشرين شخصا تقريبا وأصيب إحسان إلهى ظهير إصابات فادحة أودت بحياته فيما بعد
وكذلك قتلوا المنشقين عنهم مثل الدكتور على شريعتى الذى كتب الفارق بين التشيع العلوى والتشيع الصفوى القائم على مواريث الدولة الصفوية فى إيران ,
تلك الدولة التى قال عنها أحد المستشرقين
(لولا الصفويين لكنا الآن نقرأ القرآن فى بلجيكا والمجر مثلما يقرأ الجزائريون فى الجزائر)
وهذا لأن الدولة الصفوية طعنت الخلافة العثمانية فى ظهرها أثناء انشغال محمد الفاتح بحروبه فى أوربا فعطلت الجهاد

القصد أنهم عند التمكين يخلعون التقية وعند عدم توافر التمكين يكون الحل فى الغيلة وقتل السر وهو ليس جائزا فقط بل هو من أعظم الطاعات فى دينهم المجوسي ,
يروى الكشي فى كتابه سالف الذكر
رواية عن أحد الروافض يفتخر أمام إمامه بما فعله فيقول
( منهم من كنت أصعد سطح منزله بسلم فأقتله , ومنهم من دعوته بالليل على بابه حتى إذا خرج قتلته)
وذكر أنه قتل بهذه الطريقة وأمثالها ثلاثة عشر مسلما , ويفتخر بذلك !
ليس هذا فقط ,
بل إن المهدى الغائب المنتظر عندهم , سيخرج أبو بكر وعمر فيصلبهما على شجرة , ويقيم عائشة رضي الله عنها من قبرها ويجلدها الحد وهم يعنون بذلك حد الزنا والعياذ بالله
بالإضافة إلى أنه سيحكم بشريعة آل داوود أى اليهودية ويهدم المسجدين النبوى والحرم حتى الأنقاض !
واختصاصه بذبح العرب سينال حتى الرضع,
يروى المجلسي فى بحار الأنوار عن المهدى :
{ القائم وهو الذى يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والكافرين فيخرج اللات والعزى ( أى أبو بكر وعمر ) طريين فيحرقهما }
وفى رواية أخرى فى نفس الكتاب :
(هل تدرى أول ما يبدأ به القائم .. أول ما يبدأ به يخرج هذين ـ يعنى أبا بكر وعمر ـ فيخرجهما طريين غضين فيحرقهما ويذريهما فى الريح ويكسر المسجد)
وعن قتل أهل السنة جماعات وزرافات وردت الكثير من الروايات مثل :
( ما لمن خالفنا فى دولتنا نصيب إن الله أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا )
ويقول آية الله الصدر مرجعهم المعاصر عن تلك الروايات فى كتابه ( تاريخ ما بعد الظهور )
( وظاهر هذه الروايات أن القتل سيكون مختصا بالمسلمين )
وفى كتاب الغيبة للنعمانى
ينقل رواية عن القائم أنه يقتل ولا يسمع من أحد توبة ,

ومن خلال استعراض النصوص السابقة يتضح تماما مدى التأثير الفارسي والذى كان هو المخرج الطبيعى لبذرة التشيع وتناميها بعد أن بذرها عبد الله بن سبأ ,
وتلك الروايات هى التى تفسر مدى الحقد الذى فوجئ به أكثر أهل السنة من الشيعة فى البلاد التى توطنوا بها وكان الأمر يبدو كلغز غير قابل للحل وهو لماذا يفعلون ذلك وما هى دوافع هذا الحقد ؟!
أما الأتباع والجماهير العادية من الشيعة فمعظمها تم التغرير به وتلقينه التشيع على أساس أنه دين الإسلام الحقيقي فكانت العوام هم الجنود المجاهيل فى الانتقام الفارسي حيث أصبح هدف كل عامى شيعي تحت تأثير العمائم السوداء أن يتقرب إلى الله بمزيد من البغض للإسلام والمسلمين وللعرب خصيصا باعتبارهم أعداء أهل البيت

وفى نفس الوقت الذى كان فيه موقفهم من العرب والمسلمين بهذه الدرجة من العداء , كان موقفهم من الفرس والمجوسية على العكس تماما عبر ظواهر عامة بدت واضحة حتى للعيان والعوام وتغنى عن كثير كلام فى هذا الموضوع ,

فعلى سبيل المثال :
* الاعتماد المطلق على اللغة الفارسية لغة رسمية للدولة فى عهد الثورة التى هى من المفروض أنها ثورة إسلامية
* تقرير كبرائهم أن شيعة المهدى هم من الإيرانيين الفرس واحتفاء الخومينى الشديد بأصله الفارسي الذى بدا واضحا جدا فى كتابيه كشف الأسرار والحكومة الإسلامية
* حصروا مفهوم أهل البيت فى الأئمة الاثناعشر وجعلوا الأئمة ـ بلا مقتضي ـ محصورين فى نسل الإمام الحسين فقط دون الإمام الحسن ومن نسل زوجة الحسين الفارسية وحدها وهى شهربانوا بن كسري التى أسرها المسلمون فوقعت فى يد الحسين رضي الله عنه فأولدها عليا زين العابدين , وهو الذى جعل الشيعة الأئمة من نسله وحده
ويلفت الدكتور الدليمى النظر إلى حقيقة مهولة وهى أن جميع أهل الحسين وأبناءه من زوجتيه العربيتين قتلوا معه ما عدا عليا زين العابدين الذى روت الشيعة أن سبب عدم قتله هو صغر سنه ومرضه رغم أن القصة نفسها تشي بمدى وحشية قتلة الحسين إلى حد قتلهم لفتى من أبناء الحسن لم يبلغ الحلم وقتلهم لرضيع حسب الرواية الشيعية ,
فكيف يمكن أن يرحم أمثال هؤلاء عليا زين العابدين رغم أنه كان فتا بالغا !
* تقريرهم فى كتبهم أن كسري زعيم الفرس الكافر الذى أسقطه عمر بن الخطاب هو رجل نجا من النار وكتب الله له براءة منها وكذلك أبو لؤلؤة المجوسي فهو عندهم مؤمن بالإجماع ونفذ أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتل عمر !
بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذى هو ثانى العشرة المبشرين بالجنة , هو عندهم فى النار يغل بسبعين غلا بينما إبليس نفسه يقل عنه فى عدد الأغلال وازدحمت كتبهم بمثل هذه الأقوال مثل سفينة البحار للقمى وفرحة الزهراء للأصبهانى
* احتفالهم الرسمى سنويا بعيد النيروز وهو عيد رأس السنة المجوسية واعتبارهم إياه من أعظم أعياد الإسلام
* من يلاحظ احتفالاتهم السنوية فى المحرم يجد أنهم يحملون مشاعل النيران فوق الأماكن العالية ويرفعونها بأيديهم ابتهاجا وهى عادة فارسية محضة كانت تتم فى أعياد النار قديما
* فى قلب طهران عاصمة إيران مهد التشيع ومركزه المعاصر , لا يوجد فيها مسجد سنى أبدا , رغم أن حلوق أهل السنة جفت من طلب ذلك لا سيما بعد أن تعانوا مع الخومينى فى ثورته ضد الشاه
فكان جزاؤهم من الخومينى أن قتل أكابرهم واضطهد السنة بأكثر مما فعل الشاه نفسه ومنع إقامة أى مسجد سنى وسار على دربه خلفه الخامنئي رغم أن طهران تحتوى على عدة كنائس ومعابد لليهود والنصاري !
* المرجعيات الكبري فى إيران والعراق مقصورة على الجنس الفارسي دون غيره وعندما حاول التيار الصدرى المنتمى للمرجع العربي محمد الصدر أن يحتل موقع المرجعية العظمى جوبه بشتى أنواع المقاومة , وبمثل هذا حدث فى إيران أيضا وتم اعتقال المعارضين ونزع درجتهم العلمية ليتسيد الفرس التشيع كما كان قبلا
* المرجع الأعلى السيستانى ومن قبله الخوئي زعيمى الحوزة العلمية بالعراق فارسيان ولا يتكلمان بالعربية , ورغم أن الخوئي كان يجيدها إلا أنه كان يتعامل بالفارسية حتى لو اضطر للاستعانة بمترجم فى لقاءاته مع صدام حسين ,
أما السيستانى فلا يتكلمها فى الأصل ولنا أن نتخيل مرجعا أعلى أى بمثابة شيخ الأزهر عند السنة لا يجيد العربية , فكيف ومن أى مصدر يفتى أتباعه ؟!!
* الكتب الثمانية المعتمدة فى الشيعة الاثناعشرية والتى تبدأ بالكافي للكلينى وتنتهى بمستدرك الوسائل للنورى الطبرسي جميع مؤلفيها فرس لا يوجد بينهم عالم عربي واحد وكذلك أساطين المذهب منذ جيل الكلينى وحتى اليوم
* ذكر عالمهم النورى الطبرسي أسماء المهدى المنتظر الغائب ومن بينها اسم ( خسرو مجوس ) بالإضافة إلى أربعة أسماء فارسية محضة وخسرو مجوس تعنى ناصر الفرس
فهذه المظاهر العامة التى لم تعد خافية على أحد توضح إلى مدى استقل التشيع المعاصر وأصبح دينا آخر , دين فارسي قائم على قتل العرب وهدم ثوابت الدين والتستر بأهل البيت وتحقق فيهم قول نصر بن سيار الوالى الأموى
قوم يدينون دينا ما سمعت به ×× من النبي ولا جاءت به الكتب
فإن سألت عن أصل دينهمو ×× فإن دينهم .. أن تُقتل العرب

وللفصل بقية فى موقفهم من مصادر التشريع القرآن والسنة والإجماع


محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:25 PM

ثانيا : موقفهم من مصادر التشريع الإسلامى


يدعى الشيعة الاثناعشرية أنهم على الإسلام , أو بمعنى أدق علماء الاثناعشرية جريا على مذهب علماء الأمة الذين فرقوا بين العوام والعلماء عند الشيعة
كما يدعى علماؤهم أنهم الفرقة الناجية المعنية فى حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن افتراق الأمة ,
ومن البدهى المعروف أن للإسلام مصادر تشريع معتمدة تتمثل فى القرآن والسنة والإجماع ,
فما هو الموقف الذى اتخذته هذه الطائفة من القرآن والسنة والإجماع ,
لا سيما إن وضعنا بأذهاننا أن الشيعة تنفرد بمعتقدها فى آل البيت الذى يقررون فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك الثقلين ,
فالثقل الأكبر هو القرآن الكريم والثقل الأصغر هو آل البيت ,
من هذه النقطة سنعالج مدعى الشيعة الاثناعشرية أنها على الإسلام ابتداء , عندما نعرض موقفهم من مصادر التشريع الإسلامى كما أننا سنرى ماذا فعلوا مع الثقلين وهل يتبعون آل البيت فعلا أم أنها أسطورة كأساطيرهم المتعددة ؟

موقفهم من الثقلين :
ولنبدأ بالثقل الأصغر الذى لا يحتاج إلى كثير حديث لأنه متفق عليه بين المؤرخين والعلماء فضلا على أن كتب الشيعة نفسها تقرر ذلك وتعترف به وهو أمر الغدر اللانهائي الذى تعاملت به الشيعة مع أهل البيت الذين يدعون محبتهم ,
فكانت البداية مع الإمام على بن أبي طالب حيث أوهنوا عزمه عندما اتخذ عاصمتهم الكوفة مقرا له وسبهم بأقذع الألفاظ لتخاذلهم عنه وامتلأ كتاب نهج البلاغة وهو كتاب الأوثق والأكثر بروزا على الإطلاق وما فيه يلزمهم , ففي نهج البلاغة وصفهم الامام علىّ بأن الفائز بهم فاز بالسهم الأخيب , وتمنى لو أن معاوية صارفه فيهم صرف الدينار بالدرهم فيأخذ منهم عشرة ليعطيه رجلا واحدا من أتباعه ,
ثم انشقت عليه فرقة منهم وكفروه وهم الخوارج والذين هم من شيعته فى الأصل فناظر بعضهم وحارب البعض الآخر فى النهروان عندما قتلوا وروعوا الناس وكان من قتلاهم عبد الله بن خباب رضي الله عنه وزوجته ,
ثم كانت الطامة عندما استشهد الإمام علىّ على يد الخارجى عبد الرحمن بن ملجم ,
وأما الإمام الحسن فقد عاصر مع والده وخبر أهل الكوفة وعرف أنهم لا شك خائنوه , فبادر للصلح مع معاوية بعد أن كاد أحد شيعته وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي أن يهم بالغدر بالحسن واقتياده لمعاوية مقيدا ! "17"
فلما بدر منه الصلح سماه الشيعة مذل المؤمنين بدلا من أمير المؤمنين , وطعنوه فى فخذه وهددوا حياته حتى اعتزلهم
وأما الحسين رضي الله عنه فقد غرروا به ثم انقلبوا عليه جميعا لم يبق منهم على العهد رجل واحد وكانوا جميعا هم وقود الجيش الذى قاتل الإمام الحسين وقتله فى فاجعة عظمى للأمة , واليوم تتهم الشيعة أهل السنة بقتل الحسين وتمارس اللطم والتطبير والنواح على الإمام الذى غدر به أجدادهم فصدق فيهم المثل القائل ( يقتلون ويمشون فى جنازة القتيل ) "18"

ومن بعد الحسين غدروا أيضا بالإمام زيد بن على زين العابدين فعاهدوه وبايعه من أهل العراق والكوفة تحديدا سبعين ألفا حتى إذا حانت لحظة الخروج انسلوا منه كما تنسل الشعرة من العجين , وذلك عندما طلبوا معرفة موقفه من أبي بكر وعمر فترضي زيد عليهما وقال فيهما خيرا فانفضوا عنه
فهذا ما فعلوه بالثقل الأصغر ,

أما الثقل الأكبر
فقد كانوا الطائفة الوحيدة من المسلمين التى قالت فى كتاب الله عز وجل ما لم تقله اليهود والنصاري حيث أطبق علماؤهم على أن القرآن محرف , وأن الصحابة تلاعبوا به بعد وفاة النبي عليه عليه الصلاة والسلام وحذفوا أسماء أهل البيت والآيات الدالة على إمامتهم وافتروا فى هذا الشأن ما يزيد عن ألف رواية نسبوها زورا وبهتانا إلى أئمة أهل البيت وهم منها براء ,
وكانت الطائفة الوحيدة التى ألفت كتبا فى إثبات هذا الكفر البواح , على نحو ما سنرى ..

طعنهم فى القرآن الكريم
لا شك أن القرآن الكريم هو دستور الأمة الإسلامية بلا جدال وهو مصدر التشريع الرئيسي ويتبعه فى الأهمية السنة النبوية المطهرة , وإنكار أى حقيقة تخص حجية القرآن الكريم وثبوته وحفظه من الله عز وجل لا شك أنه كفر مخرج عن ملة الإسلام لأن الطعن والتشكيك فيه معناه نسف العقيدة الإسلامية من جذورها ,
ومما يلفت النظر جليا إلى مدى الحقد المجوسي على الإسلام وكيف أنه تعدى حتى حقد اليهود والنصاري ,
أن الشيعة كانوا هم الطائفة الوحيدة التى قالت بتحريف القرآن رغم أن المستشرقين واليهود والنصاري والذين هم أهل خبرة بالتشكيك فى كل الثوابت ما فكروا للحظة واحدة أن يشككوا فى ثبوت القرآن الكريم ثباتا مطلقا لأنه منقول بالتواتر جمعا عن جمع بأوثق مرجعيات النقل على نحو جعلهم يوفرون مجهودهم مسبقا ويكتفون بتكثيف جهودهم للطعن على السنة , ومحاولة إيجاد تناقض ظاهرى من أى وجه بين القرآن والسنة
وكان عداء المستشرقين رغم كونه نابعا عن حقد وغل أيضا إلا أنه كان عداء ذكيا , وليس حقدا أعمى مجردا من العقل على نحو ما رأينا فى الشيعة الفرس الذين أطبقوا على تلك المقالة الشنيعة وتداولوها سرا وأنكروها ظاهرا ولا زال الإنكار عندهم سيد الموقف رغم الفضائح المتوالية التى تفجرت عقب طباعتهم لكتاب عالمهم النورى الطبرسي ( فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب )

والمحققون الذين تناولوا تلك التهمة التى ألحقت العار بالشيعة الإثناعشرية عبر القرون أطبقوا أيضا على أنها ثابتة فى حقهم مهما حاولوا سترها برداء التقية , ورغم التقية المكثفة إلا أن المعاصرون منهم أفلتت منهم الزلات التى أكدت تلك الجناية ,
فكانت محاولتهم للرد أن لجئوا إلى رد التهمة لأهل السنة فقالوا أن بعضا من علماء السنة قالوا بالتحريف واستغلوا فى ذلك روايات النسخ التى ثبتت بالقرآن الكريم وشتان بين النسخ والتحريف فالنسخ ثابت فى القرآن بقوله تعالى
[مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {البقرة:106} .

فلما فشلوا فى ذلك لجئوا إلى الروايات الساقطة فى كتب الموضوعات أو المرويات التى أجمع العلماء على تضعيفها وكلها روايات لا تقول بالتحريف بل هى روايات تتحدث أيضا عن النسخ وعن القراءات الشاذة ,
أما كلمة التحريف بنصها ولفظها وصراحتها فلم توجد مطلقا عند أى عامى من السنة فضلا على العلماء
وقد قام علماء السنة برد كيدهم إلى نحورهم عندما تناولوا اتهاماتهم بالنقد والتفنيد "19" من أكثر من وجه فضلا على اكتشاف القرائن التى توجب الثقة فى أن الشيعة تعتقد فعلا بتحريف القرآن

ومنها
* أن علماء السنة أطبقوا على أن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله وأجمعوا على أن القائل بنقصان حرف واحد أو تحريف آية هو كافر كفرا بواحا ومن يتوقف فى كفره كافر مثله ,
* أن علماء السنة ليس عندهم آراء قالت بالتحريف كما هو الحال عند الشيعة ولهذا لجأ الشيعة للروايات الساقطة فى محاولة للبرهنة على وجود تلك الروايات عندنا فكان الرد أنها روايات ساقطة ومبين سقوطها بالنص الصريح فضلا على عدم وجود رواية تقول بالتحريف كرأى لعالم من علماء السنة بينما عند الشيعة قال بالتحريف صراحة أكثر من ثلاثين عالما أحصاهم النورى الطبرسي فى كتابه سابق الذكر
* كانت الضربة الكبري التى فضحت علماء الشيعة أمام عوام الشيعة أنفسهم وأهل السنة أنهم رفضوا إلى اليوم أن يصدروا حكما بتكفير القائل بتحريف القرآن !
وهذا وحده يجزم بأن علماء الشيعة مجمعون على ذلك وإن أنكر بعضهم فى الظاهر على سبيل التقية , لأنه لا يوجد مسلم يتردد فى تكفير القائل بالتحريف بعد أن وعد الله سبحانه بحفظ القرآن
[إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ] {الحجر:9}
* القول بتحريف القرآن عند الشيعة أحد ضروريات المذهب لأنهم عندما عجزوا عن إثبات الإمامة بالآيات الصريحة قالوا أن الصحابة خانوا الأمانة فحرفوا القرآن وحذفوا أسماء الأئمة
* ومن القرائن القوية أيضا أنهم يكفرون جميع الصحابة عدا ثلاثة ,
والصحابة هم نقلة القرآن الكريم ونقلة السنة ,
والشيعة الإثناعشرية لا تأخذ السنة المروية عن طريق الصحابة مطلقا ـ كما سيأتى ـ فكيف يمكن أن نتصور أنهم قبلوا أن يأخذوا القرآن عن الصحابة وهم كفار عندهم , وهل يؤخذ الدين عن كافر ؟!
* ومن القرائن أيضا أن القرآن الكريم لا وجود له فى الحوزات العلمية وهى الجامعات التى يتخرج فيها علماء الشريعة عندهم ويتدرج الطالب من رتبة ثقة الإسلام وحجة الإسلام حتى آية الله ثم آية الله العظمى ويتولى المرجعية الكبري التى تكون بمثابة شيخ الأزهر عندنا أو رئيس هيئة كبار العلماء بالحجاز ,
والناظر لمناهج الدراسة لا يجد لعلوم القرآن وجودا فى الحوزات رغم أنها جامعات شريعة ,
وبينما أهل السنة لا يقبلون الطلبة فى العلوم الشرعية بغير إتمام حفظ القرآن نجد أنه لا يوجد مرجع ـ أقول مرجع وليس عالم ـ يحفظ ولو جزء واحدا كاملا من القرآن الكريم هذا فضلا على أنهم يجهلون أبسط مبادئ علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ والقراءات والتفسير وغيرها
* النورى الطبرسي الملحد الذى قام بتأليف كتاب فصل الخطاب هو عندهم صاحب أحد كتبهم الثمانية المعتمدة وهو خاتمة محدثيهم ومجتهديهم كما أن ترجمة هذا الملحد تحظى عند الشيعة بتعظيم وتبجيل لم يسبقه إليه أحد حتى قالوا فيه ما يقارب قولهم فى الأئمة المعصومين ,
ثم كانت الطامة عندما دفنوه فى المشهد المرتضوى وهو عندهم أشرف بقاع الأرض التى لا يدفن فيها إلا كبار علماء المذهب من الذين حملوا على عاتقهم دعوى التشيع
فهذا التعظيم وهذا التبجيل عندما نراه لملحد كفر كفرا بواحا ونشر كفره هذا وأصر عليه وعندما حاول بعض معاصريه من علماء الشيعة الرد عليه قام بتأليف رسالة أخرى للرد على من رد إليه ,
فهل يكون مثل التعظيم والتبجيل على غير اتفاق بل وتشجيع ويقين بدعوى هذا الملحد
* كانت إحدى الفضائح الكبري أن القول بتحريف القرآن لم يقتصر على المتقدمين وهم أصحاب الكتب المعتمدة مثل الكلينى والمجلسي والطبرسي والحر العاملى والمفيد شيخ الطائفة , بل قال كبار المعاصرين بنفس القول حيث صرح الخوئي زعيم مرجعية النجف السابق بأن الروايات متواترة فى هذا الشأن ولا أقل من الوثوق بصدور بعضها عن المعصومين , هذا فضلا على الخومينى زعيم الشيعة المعاصرين فى كتابه ( القرآن )
وعلىّ الكورانى الذى صرح بالتحريف على موقعه وهو أحد علمائهم المعاصرين وأيضا ياسر حبيب الذى صرح على موقعه كذلك بنفس القول
* وضع علماء السنة أمامهم عقبة كئود عندما طالبهم إحسان إلهى ظهير متحديا بطلبين صغيرين وتحداهم أن ينفذوا أحدهما ومنحهم الفرصة لثلاث سنوات فعجزوا عن ذلك ,
وكان الطلبان
أن يأتوه بسند القرآن عن طريق أئمة أهل البيت لأنه وفقا لمدعاهم لا يأخذون الدين إلا عن أئمة أهل البيت فأين القرآن الذى نقله الأئمة واحدا بعد آخر إلى شيعتهم ؟!
والطلب الثانى أن يأتوه برواية واحدة ولو ضعيفة عن أحد أئمتهم المعصومين تقول بأن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله غير محرف ولا مبدل , وقبل إحسان إلهى ظهير أن يأتوه برواية واحدة فى مواجهة ألف رواية تقول بالتحريف على لسان الأئمة فعجز علماء الشيعة إلى اليوم عن تلبية هذه الطلبات مما أثبت بشكل قطعى أنهم يؤمنون بتحريف القرآن
* تحدى علماء السنة أيضا أن يبرز الشيعة من ينهم حافظا واحدا لكتاب الله مرتلا إياه كما هو الحال عند أهل السنة حيث يتجاوز عدد قراء القرآن الكريم عشرات الآلاف فى العالم السنى ,
بينما ما نقلت الشيعة لنا قارئا واحدا للقرآن الكريم ولا شاهدنا لهم محفلا رتلوا فيه القرآن ولو مرة واحدة على غرار المحافل التى يقيمونها بالعشرات لينشدوا فيها القصائد الكفرية المعروفة باسم اللطميات
* السلبية الرهيبة التى تتعامل بها الحوزات العلمية فى قم والنجف أثارت حتى بعض الشيعة أنفسهم , ففي إحدى مقالات محمد جواد مغنية المنشورة فى كتاب بنفس العنوان , انتقد مغنية بشدة السلبية التى ظهر الشيعة بها إزاء حادثة طبع إسرائيل لنسخ من المصحف الشريف بها بعض الأغلاط والتحريفات , واهتز العالم الإسلامى للنبأ وتم جمع النسخ من فلسطين ولبنان وحرقها وقام الأزهر بطباعة ثلاثة آلاف مصحف وأعادت توزيعه فى المناطق التى تعرضت لتلك الحادثة وبمثل هذا قامت بلاد العالم الإسلامى أما فى النجف وقم ـ على حد تعبير مغنية ـ فلم تهتز لهم شعرة ولم يبدو رد فعل من الأصل "20"
* عندما انتشرت الأنباء وتطايرت بفعل تطور شبكات الإتصال والفضائيات وعرف العامة فى البلاد الإسلامية موقف الشيعة من القرآن , حاول الشيعة أن يبدو بعض الإهتمام بالقرآن الكريم ومن ذلك أنهم طرحوا فى الحوزات مختصرات للتفسير وقامت إدارة موقع ( يا حسين ) وهو موقع شيعي يحظى برقابة العلماء , بوضع عدد من التلاوات للتحميل بعد أن كان نشاط الموقع السماعى والمرئي قاصرا على اللطميات فقط
غير أن تلك المواقف زادت الطين بلة ,
فتدريس بعض علوم القرآن مختصرة فى الحوزات معناه اعتراف رسمى بأن القرآن لا محل له من الإعراب فى جامعاتهم التى من المفروض أنها تخرج لهم الفقهاء وعلماء الشريعة ,
والطامة الأخرى أن المتأمل فى التسجيلات القرآنية الموجودة فى موقع يا حسين سيجد أنها تسجيلات سنية محضة لمشاهير القراء فى العالم الإسلامى السنى , فالسؤال القائم الآن أين هم قراء الشيعة ؟!
وكيف يكون الثقل الأكبر مهملا على هذا النحو ؟!

فإذا كان هذا حالهم مع الثقلين الأكبر والأصغر فمن أين يأتون بالتبجح الذى يظهرون به زاعمين أنهم يتبعون الإسلام وأهل البيت , والقول بتحريف القرآن الذى استفاض فى كتبهم قديما وحديثا وعدم تكفيرهم أو حتى تفسيقهم للقائل به يعطينا فكرة عن كنه هذا الدين الذى ما جاء إلا لهدم الإسلام عن طريق التسلل والمداهنة والتظاهر بالتمسك بالدين وأهل البيت بينما الشيعة هم أنفسهم وباعترافهم ما خان أحد أهل البيت قدر خيانتهم لهم

وسنضع أمام القارئ الشيعي المنصف أدلة قاطعة على قول علماء الشيعة بالتحريف ليضيفها إلى القرائن السابق ذكرها والتى تكفي وحدها لأى عقل متبصر ليدرك أن القرآن الكريم وهو الثقل الأكبر فى مدعاهم لا وجود له فى شريعتهم
فمن أين يأتون بالفتاوى والأحكام ؟! وكيف يأمن عوام الشيعة قوما أهانوا كتاب الله عز وجل إلى هذه الدرجة حتى عاير النصاري المسلمين بأن فيهم من يقول بالتحريف , كما فعل نصاري الأندلس فى مناظرتهم لابن حزم حيث احتجوا عليه بقول الرافضة بالتحريف وذكر هذا فى كتابه الفصل فى الملل والأهواء والنحل , فضلا على أن أحد القساوسة المعاصرين وهو زكريا بطرس خص كتاب فصل الخطاب بالشرح والتحليل لمدة ثلاثة أشهر على قناة الحياة النصرانية الصادرة من قبرص

والأدلة الدامغة التى سنطرحها لن تكون كأدلة الشيعة المتهافتة التى تعتمد على الرواية , لأن الروايات تحتمل الكذب والصدق إلا إذا كانت الرواية متواترة فهى عندئذ ثابتة ثباتا مطلقا ,
لهذا لن نحتج فى بيان قول الشيعة بتحريف القرآن بأى رواية غير متواترة , وسنجعل إعتمادنا الأصلي على الآراء ,
وأكرر سنعتمد على آراء علماء الشيعة الصريحة بالقول بالتحريف وهى التى نضعها جنبا إلى جنب مع إصرار علماء الشيعة بالإجماع على عدم تكفير أو إسقاط عدالة القائل بتحريف القرآن
* كان صاحب البداية مع القول بالتحريف على بن إبراهيم القمى صاحب تفسير القمى وهو شيخ الكلينى صاحب كتاب الكافي , ومن أعاظم علماء الإمامية وتوثيق الرجل على أعلى درجاته عندهم ,
ألف تفسيره هذا للقرآن وضمنه الإقرار الصريح بوقوع التحريف والنقص فى كتاب الله تعالى , فى أكثر من موضع منها فى الجزء الأول ـ ص 48 , 100 , 110 , 118 , 122 , 123 , 142 , ـ وفى الجزء الثانى ص 21 , 111 , 125
بل وزاد على ذلك أن ضرب أمثلة للآيات المحرفة
* محمد بن يعقوب الكلينى وهو صاحب كتاب الكافي أوثق وأكبر مراجعهم الحديثية على الإطلاق والذى يزعمون أن المهدى الغائب قد اطلع عليه فقال فيه ( كاف لشيعتنا )
وفى هذا الكتاب من أهوال الأقوال ما لا يعلمه إلا الله , ويكفي أن نطالع فهارسه فحسب وعناوين الأبواب لندرك أى دين هذا الذى وثقه المهدى المزعوم , أما بخصوص تحريف القرآن فهو منتشر عبر صفحات الكافي فى عشرات المواضع حاملا الروايات التى وثقها وصححها علامتهم المجلسي وغيره والتى تضرب الأمثلة للآيات المحرفة ,
بل إن بوب بابا كاملا فى أن القرآن الكريم لم يجمعه إلا الأئمة حيث تقول الأسطورة عندهم أن علىّ بن أبي طالب جمع القرآن الصحيح وتوارثه الأئمة من بعده وأن المهدى سيظهر بهذا القرآن عند ظهوره !
* باقر المجلسي , وهو أعظم علمائهم تأثيرا وصاحب موسوعة بحار الأنوار , ويتميز المجلسي بأنه أكفر علماء تلك الطائفة على الإطلاق حيث حشد فى كتابه بحار الأنوار هذا عشرات الآلاف من الروايات والآراء التى يندى لها جبين أى مسلم فى حق النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته والصحابة وخص أبا بكر وعمر بالكثير من قذاراته تلك
أما فى القول بالتحريف فقد ضرب فيه بسهم وافر كعادته كما يقول الدكتور ناصر القفاري فى كتابه ( أصول مذهب الإثناعشرية ) ونقل باقر المجلسي إجماع علماء الطائفة على القول بالتحريف سواء فى كتابه الموسوعى أو كتاب مرآة العقول
* نعمة الله الجزائري , وهو صنو المجلسي فى الزندقة , حيث صرح بالتحريف فى كتابه ( الأنوار النعمانية ) أحد الكتب الجوامع عندهم , ولم يكتف بهذا ,
بل نقل رواية تفسر لماذا يستخدم الشيعة القرآن الموجود رغم اعتقادهم بالتحريف , حيث قال
( قد روى عن الأئمة عليهم السلام أنهم أمروا بقراءة القرآن الموجود فى الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن الموجود من أيدى الناس ويخرج القرآن الذى ألفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه )"21"
* المفيد وهو الملقب عندهم بشيخ الطائفة , وأعظم وأجل فقهائهم على الإطلاق صرح فى كتابه أوائل المقالات بإجماع علماء الإمامية على التصديق والإيمان بتحريف القرآن حيث قال نصا
( واتفقوا ـ أى علماء الإمامية ـ على أن أئمة الكفر والضلال ـ يعنى الصحابة ـ قد خالفوا فى كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وأجمعت الخوارج والمعتزلة والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية ) " 22"

والذى يتأمل فى هذا النص البالغ الخطورة الصادر عن شيخ الطائفة وكبيرها وهو المفيد , يجد أنه نقل إجماع العلماء فى طائفته وحدها على القول بهذا الكفر البواح , واعترف فى نفس الوقت بأن سائر المسلمين من جميع الفرق سواء أهل السنة وهم أصحاب الحديث أو الخوارج أو المعتزلة أو المرجئة قد خالفوا الإمامية فى هذا القول المنكر ,
فالخطورة فى الاعترافين تتمثل فى أن تلك المقالة هى للشيعة الإمامية وحدها والطامة الأكبر أن أعظم علماء الطائفة ينقل الإجماع فى ذلك وشيخ الطائفة عندما ينقل الإجماع ولا يكذبه عالم واحد منهم فهذا يشير ضمنا أنه بالفعل من ضروريات المذهب عند الشيعة القول بتحريف القرآن ,
أما العلماء الذين قالوا بالعكس من ذلك فقد برر نعمة الله الجزائري والنورى الطبرسي أن أقوالهم تلك محمولة على التقية
* فرات بن إبراهيم الكوفي صاحب تفسير الفرات وكذلك العياشي فى تفسيره المعروف باسم تفسير العياشي وتفسير الصافي للفيض الكاشانى وتلك التفاسير تعتبر من التفاسير التى شاعت يها أقوال التحريف وحملت نماذج عديدة لآيات القرآن الأصلية بزعمهم
* صالح المزندرانى أحد ثقات علمائهم ما نصه
( وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى كما يظهر لمن تأمل كتب الأحاديث ( يعنى كتب أحاديثهم هم ) من أولها إلى آخرها ) "23"
هل تعلمون معنى هذا الكلام , إنه يعنى ببساطة أن روايات التحريف مستفيضة وكلها متواترة وشملت سائر كتب الحديث عندهم كما هو واقع فعلا عندما تم جمع تلك الروايات على يد النورى الطبرسي
* كان أكبر الزنادقة من علمائهم فى هذا المجال هو النورى الطبرسي الذى سبق أن بينا مكانته عند الطائفة وكيف أنه من أشرافهم , قام بإصدار كتابه الشهير ( فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب ) وهو الكتاب الذى طبعته إيران طبعة حجرية قديمة ثم جددت طباعته فى أوربا بعد ذلك وهو الآن منتشر بالنسخة المخطوطة على الإنترنت ,
وهو كتاب تكفينا منه مقدمته التى يقول فيها هذا الملحد
( هذا كتاب لطيف وفر شريف عملته فى إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان ـ يقصد الصحابة ـ ) "24"

وفعل فى هذا الكتاب ما لم يجرؤ على فعله أى عالم شيعي حيث قام بجمع ألف رواية متواترة عن أئمة أهل البيت , وهى مكذوبة عليهم قطعا , وضمنها فى هذا الكتاب , والأنكى من ذلك أنه أورد جميع الآيات المحرفة بزعمه بل أورد سورة كاملة هى سورة ( الولاية ) التى يزعم أن الصحابة أسقطوها بكاملها من المصحف والمطالع لتلك السورة الموضوعة يكتشف مدى حماقة صاحبها التى فاقت حماقة مسيلمة الكذاب الذى كان أول مبتكر لنهج تقليد القرآن
وقامت الدنيا ولم تقعد بعد صدور الكتاب وحاول بعض علماء الشيعة تلافي الفضيحة لكن الطبرسي لم يمهلهم إذ عاجلهم برسالة أخرى أضافها للكتاب الأصلي وكرر فيها أقوال ثلاثين عالم من أساطين المذهب كلها تقول بالتحريف الصريح وكانت تلك الأقوال متناثرة ويسهل تبريرها على نحو ما , فجاء الطبرسي فهدم المعبد على رءوس علماء التقية وسارت بالفضيحة الركبان ولم يعد خافيا على أحد مدى إجماعهم على القول بتحريف القرآن وكافئوه على ذلك بالدفن فى أشرف بقعة عندهم ـ كما سبق القول ـ وهى الإيوان الثالث فى الصحن الشريف "25"
وأخطر ما قام به النورى الطبرسي أنه بين الإجماع على القول بالتحريف فى طائفته بالتفصيل فلم يكتف بنقل الإجماع بل عرض أقوال سائر أساطين المذهب وحصرها ,
والطامة الكبري أنه أحصي أربعة علماء فقط لا غير خالفوا الإمامية فى القول بالتحريف , وحتى هؤلاء الأربعة لم يتركهم النورى الطبرسي بل حمل أقوالهم على التقية ليصبح الإجماع بين علمائهم تاما وعاما ونقل هذا التبرير وهذا الحمل على التقية عن قول شيخهم نعمة الله الجزائري ,

وبعد تلك الأدلة الدامغة المستفيضة على القارئ العاقل سواء كان سنيا أم شيعيا أن يسأل نفسه , هل مثل هذا المذهب المنحرف من الممكن أن يكون مذهب آل البيت أو يمت لهم بصلة ؟!
وإذا كان أعظم مصادر التشريع عندهم محرف ومبدل فمن أين يستقي هؤلاء العلماء فتاواهم لا سيما فى غياب المعصوم الذى يحتجون بقوله ويرون القرآن مع المعصوم ضرورة للافتاء
فإذا بالقرآن محرف عندهم والمعصوم غائب منذ 1200 عام , فمن أين يستقي هؤلاء الناس دينهم بالضبط ؟!
والسؤال الأكثر منطقية
أن كتب الرسائل العملية للمراجع وهى الرسائل التى تحتوى الفتاوى التى يصدرها هؤلاء العلماء , مثل فتاوى الخومينى المنشورة بكتاب تحرير الوسيلة وفتاوى الخوئي المنشورة فى منهاج الصالحين وغيرها .
هذه الكتب لو تأملها الشيعي المنصف ببعض التركيز سيجد أنها ورغم ضخامة عدد صفحاتها وكمية الفتاوى الموجودة فيها إلا أنها لا تحتوى على آية واحدة من كتاب الله فى معرض الاستشهاد ؟!
والحال نفسه للذى يتأمل المواقع الإليكترونية لكبار المراجع مثل السيستانى مثلا يجد الفتاوى والإجابات تحمل جملة بسيطة مختصرة على مقدار السؤال فقط خالية من أى دليل أو حتى شبهة دليل كما لو كان الناطق بالفتوى نبيا معصوما !
والملحوظة الأخيرة ,
وهى أن الثقل الأكبر وهو القرآن الكريم , من المفروض أن يكون اهتمام الشيعة به يفوق اهتمام السنة لكونهم قسموا الدين لثقلين أكبر وهو القرآن وأصغر وهو أهل البيت ,
ولكن الغريب أنهم كفروا أمة الإسلام قاطبة بزعم أنهم أعداء أهل البيت رغم انعدام أى دليل أو شبهة دليل على ذلك , فى نفس الوقت الذى أفسحوا فيه المجال بالتعظيم والتفخيم لمن اعتدى على الثقل الأكبر بأبشع اعتداء وقال بأنه محرف !

ولنا لقاء مع موقفهم من السنة ,

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:28 PM

موقفهم من السنة


الإسلام يقوم فى بنائه الأساسي على القرآن والسنة ومنذ بزوع فجر الدعوة الإسلامية وهى تتعرض للأعداء الذين تتنوع سبل عداءاتهم وتزداد كلما تقدم الإسلام بدعوته خطوة ,
والسنة عند أهل السنة هى قول أو فعل أو تقرير النبي عليه الصلاة والسلام وتحيط بها علوم متخصصة صنفها علماء السنة تحت اسم علوم الحديث ,
وعلوم الحديث هى الفرع الأعظم والأكثر دقة والأشد تأثيرا فى علوم الشريعة بأكملها , لأنه علم خادم , بمعنى أن علم الحديث كان هو الركن والعمود الأساسي ليس لحفظ السنة فقط بل امتد أثره إلى سائر العلوم الشرعية عن طريق دقة التحقيق فى المنقولات وتنفيدها سواء كانت من الأحاديث أو الآثار أو التاريخ
وهذا العلم هو فخر الحضارة الإسلامية المنفرد ,
فلم يسبق لأمة من الأمم أن تمكنت من حفظ تراث نبيها بهذه الدقة مطلقا , ومن هنا كان تعرض السنة لهجوم أعداء الداخل والخارج هو الحرب الرئيسية التى خاضها علماء الإسلام للذود عنها
وتمكن العلماء على مر القرون من دحر سائر الشبهات المثارة حولها حتى أعلن المهاجمون إفلاسهم بعد أن بلغت براعة علماء السنة أنهم لم يكتفوا فقط بالشبهات التى يثيرها المهاجمون بل زادوا على ذلك أن صنفوا كتبا فى شروح الحديث تتناول الشبهات المتوقعة على السنة وتردها أيضا ,

وكانت بداية علوم الحديث مع علم الإسناد والتفتيش عن النقل فى الحديث ,
وقد بدأ هذا فى مرحلة مبكرة تشي بأن علماء السنة لهم أصول غائرة فى مجال حفظها حيث ثبت فى الصحاح أن بداية السؤال عن الإسناد بانتظام حدث فى مرحلة مبكرة للغاية بعد ظهور فتنة استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه ,
عندما تدخلت اليهود برجلهم عبد الله بن سبأ لابتكار فتنة التشيع والقول بالرجعة والبداء وما إلى ذلك من العقائد الباطلة
وكان أخطر ما لجأت إليه مختلف الفرق التى تبطن الكفر وتظهر الإيمان هو وضع وتلفيق أحاديث منسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن عجزوا تماما عن التشكيك بالقرآن الكريم المروى بالتواتر والثابت بمصحف واحد اجتمع عليه المسلمون فى عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه
فكان الطريق مفتوحا أمامهم لرواية الأحاديث المكذوبة المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام لتحقيق ذات الغرض وهدم أركان الشريعة الصحيحة , ويكفي لإدراك مدى خطورة هذا الأمر أن نعرف وضع السنة فى التشريع , وهو وضع مؤسس للشريعة يأتى بعد القرآن الكريم مباشرة كمصدر مفسر له بالإضافة إلى كون السنة مصدرا مستقلا مشرعا فى الأحكام التى لم يتناولها القرآن مفصلة
ولم تكن كارثة تزييف الأحاديث فى بدايتها مؤامرة منسوجة ومنتظمة وإما بدأت بشكل محدود انتبه إليه التابعون فى حياة بعض الصحابة عقب تفجر الفتن فقرر الأئمة ضرورة التيقن من رواة الأحاديث جميعا قبل اعتمادها صحيحة , وجاء فى مقدمة صحيح مسلم "26" أن الإمام بن سيرين قال
{ لم يكونوا يسألون عن الإسناد , فلما ظهرت الفتن قالوا سموا لنا رجالكم }
وكانت هذه الخطوة هى الخطوة الكبري فى طلب الإسناد بمجرد ظهور الفتنة فى عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه غير أنها لم تكن الخطوة الأولى بل الثابت فى عهد أبي بكر وعمر أنهم كانوا يستشهدون العدول على أى حديث جديد يسمعوه ,
وعقب تفجر أحداث الفتنة الثانية وظهور الخوارج تعددت الجهات التى تزيف الأحاديث وتنوعت بين دس خارجى من اليهود والفرس وبين دس داخلى من أصحاب المصالح والحكم , وكل منهم يضع الحديث يؤيد به فرقته أو طائفته ,
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم انتقلوا بين مختلف الأقطار فقد تعددت منقولات الحديث فى شتى أنحاء البلاد الإسلامية من اليمن للشام ومن خراسان للشمال الإفريقي , فاختلط الصحيح بالزائف وأصبح الأمر كجبل يجثم على صدور العلماء والفقهاء إزاء مناخ شاسع الإتساع يبدو مجرد التفكير فى تنقيته ضربٌ من ضروب الوهم والمستحيل , لا سيما مع ظروف العصر التى تجعل العالم المحقق ربما يقضي بضع سنوات راحلا بين أنحاء الخلافة ليتيقن من صحة حديث واحد !
لكن من قال إن هذا الطراز من الرجال فى ذلك العصر الذهبي كان يعرف المستحيل , ففور ظهور أبعاد الأزمة اجتمعت كلمة الأمة حكاما ومحكومين مع المحدثين فى سائر الأقطار ووضع كل منهم لبنة فى علم جديد مبتكر غير مسبوق إسمه علم الحديث وأخذوا فى وضع تصانيفه وأسسه وقواعده التى ساروا عليها فتحولت مع الوقت وجهد العلماء طبقة وراء طبقة إلى علوم متعددة للعلم الأم وهو علم الحديث واختص كل جماعة منهم بفرع أشبه بالأقسام الحديثة لأجهزة المخابرات ,
فقسم يختص بالتحرى الشديد عن صفات وترجمة كل راوى أو ناقل للحديث ويضع آراء معاصريه فيه وهل هو ثقة يؤخذ حديثه أم لا وفق قواعد علم الجرح والتعديل الذى برز فيه وتألق يحيي بن معين والذهبي والرازى وبن عساكر والحافظ المزى والبخارى ,
وقسم ثان اهتم بمصطلح الحديث حيث تناول فيه المحدثون شرح مدلولات الألفاظ فى رواية الحديث بمنتهى الدقة تحريا لعدم الخلط وأول من صنف فى هذا المجال القاضي أبو محمد الرامهرمزى فى كتابه { المحدث الفاصل بين الراوى والواعى }

وقسم آخر اهتم بتصنيف الحديث نفسه وأفرد لذلك كتبا مستقلة تحوى الصحيح الثابت فقط من سنة النبي عليه الصلاة والسلام , وهى كتب نشأت بجهد المحدث عن طريق تحريه شخصيا للحديث المروى والتيقن من عدالة وأمانة كل راوى فى سلسلة السند "27" ومن هذه الكتب المرجعية صحيح البخارى وصحيح مسلم وصحيح بن حبان وصحيح بن خزيمة
فضلا على الكتب الأخرى التى تناولت الحديث بأشكال معالجة مختلفة كالمسانيد وهى أن تسند الأحاديث إلى الصحابي الذى رواها فيفرد العالم فى مسنده الصحابة على شكل أبواب وفى كل باب يسجل أحاديث كل صحابي مع ذكر السند
وعلة ذكر السند أن يترك لمن بعده طريقة التحرى عنها بمصادر أخرى ,
وأشهر المسانيد هى مسند الإمام أحمد بن حنبل , وقسم آخر اهتم بتصنيف الأحاديث على أبواب الفقه ككتب السنن
وقسم ثالث جعل همه البحث خلف وضع القواعد التى تعالج أى تناقض أو غرابة تشوب الأحاديث النبوية لشرحها وبيانها فتفرع من هذا القسم علم غريب الحديث وعلم مختلف الحديث وعلم الناسخ والمنسوخ فى الحديث , وأشهر من تصدى لمختلف الحديث كان الإمام بن قتيبة فى كتابه تأويل مختلف الحديث الذى اهتم بمحو التناقض الظاهرى بين دلالات الأحاديث النبوية ,
وأشهر من صنف فى غريب الحديث هو الإمام بن الأثير "28" بكتابه الشهير النهاية فى غريب الحديث والأثر ,
وكان الإمام الشافعى هو أول من أسس وبين أصول الفقه كما بين أصول الحديث وبيان الناسخ والمنسوخ فيه
فوضعوا للتنسيق بين الأحاديث المتعارضة مائة وواحد وجه للتوفيق بينها , ولم يقتصر الأمر على ذلك , بل إنهم قرنوه بمعالجة كل تناقض تمت إثارته وحتى التناقضات التى لم تظهر قاموا هم بابتكار ما قد يظهر من تناقضات وضعوا لها الحلول !
وقسم آخر اهتم بالأحاديث الموضوعة الشهيرة
حيث تفانى بعض المحدثين فى تصنيف الكتب المحتوية على أشهر الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ليقطعوا الطريق على انتشارها وأشهرها اللائئ المصنوعة لبن الجوزى وكتب الموضوعات للسيوطى والشوكانى

بالإضافة لعشرات الفروع الأخرى التى تأسست بمرور الزمن وكل جيل من العلماء يضيف لمن سبقه ضابطا آخر يزيد من دقة التحرى فى الحديث ويشدد فى قبول الصحيح ورد الضعيف حتى انقشع غبار الأزمة نهائيا وجاء العصر الحديث حاملا معه آثار جهد عملاق قلّ أن تجده مثيله فى إصراره
فشربت الأجيال الجديدة السنة النبوية صحيحة لا تشوبها شائبة من لغط أو غلط
الشاهد مما سبق أن تدوين السنة والتفتيش فيها بدأ منذ عهد الصحابة عبر الصحائف المختلفة لعدد من الصحابة كعبد الله بن عمرو بن العاص , إلى أن ظهرت فى المصنفات فى بداية المائة الثانية للهجرة ,
وانتشر بعد أحداث الفتنة مباشرة السؤال والتحقيق فى الإسناد ورد روايات المبتدعة وأصحاب الأهواء وتحرى الحديث فى مواطنه الأصلية ,

والأهم من ذلك وهو عين ما نبتغيه من هذا البحث
أن علماء السنة على مر العصور لم يتركوا حديثا واحدا ورد فى إحدى كتب السن دون تحقيق وتمحيص ومعالجة دقيقة لمختلف طرقه والحكم عليه
فاستبان فى وضوح أين الصحيح وأين الضعيف ,
فاعتمدت الأمة صحيحى البخارى ومسلم على أن كل ما بهما فى مرتبة الصحيح الثابت ,
ثم تكفل العلماء ببقية كتب السنن المختلفة الأغراض وأخضعوها للتحقيق أيضا وبينوا ضعيفها من صحيحها
ثم تواترت الجهود فتعدت كتب الحديث إلى مختلف كتب الفقه والتفسير وغيرها من فروع الشريعة فأنشأ العلماء علم التخريج وهو العلم الذى يعنى بإخضاع الأحاديث الواردة فى كتب الشريعة المختلفة للتحقيق وتحريها وبيان درجتها وطرقها جميعا فى هامش الكتاب ,
ومن أشهر تلك التخريجات تخريج الحافظ العراقي لكتاب إحياء علوم الدين للغزالى ,


شواهد الدقة المذهلة فى تحقيق السنة

أورد هنا بعض شواهد الدقة فى التحقيق لبيان مدى الجهد والمعاناة التى تكبدها السابقون والتى لا زلت أصر على أنها جهد مستحيل حتى لو تم بعصرنا الحالى الذاخر بوسائل الإتصال العالمية ,
ففي العصر الحديث وفى وجود أدوات الإتصال مسموعة ومرئية ووجود شبكة الإنترنت التى ربطت العالم من سائر أطرافه لو أننا كلفنا باحثا للقيام بمهمة بحثية تخص موضوعا واحدا ـ كما يحدث فى الرسائل العلمية لدرجة الماجستير والدكتوراه ـ ووفرنا له سبل المعاونة الموجودة فإنه يستغرق فترة لا تقل عن أربع سنوات ليصل لنتيجة البحث ويقدمه كاملا , وغالبا ما يكون البحث رغم الجهد قاصرا بموضع معين تبينه مناقشة الرسالة , وهناك بعض البحوث النظرية فى كليات الحقوق استغرق فيها الباحثون ست عشرة سنة كاملة ليتقدموا ببحوثهم العلمية
وهناك من أمضي عمره كله تقريبا فى البحث بالمراجع ليتمكن من إخراج كتاب واحد , مثال ذلك المؤرخ المعروف محمد عبد الله عنان الذى قضي قرابة أربعين عاما ليتم مؤلفه الجامع عن الأندلس { دولة الإسلام فى الأندلس }
وفى الجانب الآخر قد يستغرق جهاز المخابرات قرابة ست أو سبع سنوات ليؤكد معلومة واحدة أو ينفيها , وهناك بعض التحريات التى تتم للمرشحين للمناصب الحساسة تستغرق فترة من ستة أشهر لثلاثة أعوام لاتخاذ قرار نهائي بصلاحية هذا المرشح من عدمه ,
كل هذا الوقت فى ظل خدمات التكنولوجيا ودعم العلم التقنى الخادم لتلك الأغراض

فلنا أن نتخيل كيف قام علماء السنة فى العصور الإسلامية الأولى بتأليف كتبهم ووضع القواعد الموثقة لعلم الحديث لا سيما فى الفرع المسمى { علم الجرح والتعديل } والذى كانت مهمة العالم فيه أن يقوم بالتحرى الدقيق عن كل محدث أو راو أو ناقل لحديث أو قول صحابي أو تابعى "29" ويسجل اسم الراوى وصفته وكنيته وما انتهت إليه التحريات بشأنه ليكون هذا الكتاب مرجعا لمن أراد التحقق من صحة أى رواية بمعرفة مستوى هذا الراوى
ونعطى فكرة عن أحد أهم المؤلفات فى هذا المجال وهو تاريخ دمشق للعلامة بن عساكر , فقد تمت طباعة هذا الكتاب بأسلوب الطباعة الحديثة فى حوالى 93 مجلدا, وقد احتوى هذا المرجع على ترجمة لشخصيات دمشق على ثلاثة مستويات
الأول : ترجمة كل رجال دمشق المقيمين فيها
الثانى : ترجمة كل من استقر بدمشق وكان وافدا إليها من بلد آخر , عندئذ يقوم بن عساكر بالرحيل إلى بلده الأصلي والتحرى عنه ووضع صفته وحكمه عليه
الثالث : ترجمة لكل من مر بدمشق مجرد مرور وهو فى رحلة إلى غيرها من البلاد
وهناك أيضا كتاب الكمال للحافظ المقدسي الذى اعتنى برواة الحديث وقام الحافظ المزى بتهذيبه فى كتابه المعروف ( تهذيب الكمال ) وجاء من بعده الذهبي فزاده تنقيحا وأخرجه باسم ( تهذيب التهذيب ) وجاء من بعد هؤلاء الحافظ العسقلانى فزاد عليه وقدمه تحت اسم ( تذهيب التهذيب )
هذا بخلاف كتب الرجال المتخصصة التى اعتنت بالضعفاء فقط مثل كتاب الضعفاء والمتروكون لابن حبان ومثل ميزان الاعتدال للعسقلانى وهناك كتب الرجال التى تخصصت فى الثقات فقط مثل سير أعلام النبلاء وغيرها وهناك من جمع بين المجالين مثل كتب تاريخ بن معين والبخارى وغيرهم
ومقاييس الجرح والتعديل التى اعتمدها علماء السنة لقبول رواية الراوى صنعت حاجزا صلبا أمام دخول أى مكذوبات فى الحديث لأنهم اشترطوا لصحة الحديث كما هو فى تعريف الحديث الصحيح "30"
( أن يكون بنقل العدل الضابط عن مثله إلى جميع الطبقات من غير شذوذ ولا علة)
واشتراط عدالة الراوى هو الشرط الذى لم يكن يتهاون فيه علماء الجرح والتعديل عملا بمبدأ النظر عمن نأخذ الدين
وينبغي التركيز على تلك النقطة بالذات لأنها نقطة الفصل بين السنة والشيعة ,

أما عن قواعد اعتماد الجرح والتعديل فلم يكن الأمر يؤخذ بلا تسبيب فلابد أن يكون الجرح موافقا لعيب واضح يقره العلماء
والأهم من ذلك أن قول العلماء فى شخص معين أنه ثقة أو أنه ضعيف أو كذاب لا يؤخذ من عالم واحد بل يؤخذ الحكم على الراوى من مجموع أقوال علماء الجرح والتعديل وهذه دلالة إضافية على دقة التحري , فإن خدع أحد الرواة واحدا من علماء الجرح والتعديل بادعاء التقوى فلن يستطيع خداع بقية العلماء الذين سيتولون أمره
ولو ألقينا نظرة على الأحوال التى يتم فيها جرح الراوى وعدم الأخذ بروايته لوجدنا حذرا بالغا غير مسبوق بالذات فى هذا العصر الذى لم ينتشر فيه الكذب أو النفاق , فالراوى لا يتم رد روايته لمجرد إثبات كذبه فى رواية حديث , بل يتم جرحه لمجرد التدليس , والتدليس فى مصطلح الحديث ليس معناه الخداع والكذب بل هو مجرد أن يقول الراوى سمعت من فلان وهو شيخه بينما هو سمع الحديث من زميل له عن نفس الشيخ , هنا يجرح الراوى بالتدليس لأجل هذا فقط
بل إن أحد علماء الحديث لم يقبل حديث أحد الرواة عندما رآه يخدع بعيره فيضم ثوبه ويحركه للبعير حتى يظن أن ثوب صاحبه مملوء بالشعير لكى يأتى البعير فلا يهرب , فرفض العالم أخذ روايته لأنه ثبت له كذبه على بعيره فاعتبرها جرحا له

ولم تقتصر العناية عند الوقوف على أحوال الرواة فحسب ,
بل كانت أحوال الرواة مجرد فرع من فروع التحقيق التى امتدت إلى نصوص الحديث نفسه بمنتهى الدقة , فلا يوجد عند أهل الحديث التسيب الذى نعرفه اليوم من نقل دون وعى أو ذكر دون تدبر بل إن الراوى إذا خلط حرفا بحرف وهو ينقل روايته وليس كلمة مكان كلمة , جرحه علماء الرجال باعتباره ضعيف الحفظ حتى لو حافظ على معنى الحديث ومضمونه
بل إنهم يتتبعون مراحل حياة الراوى أو العالم الواحد فيقال مثلا أن روايته فى سنه الصغيرة كانت أوثق من روايته بعد أن كبرت سنه ويسجلون هذا فى مراجعهم

ولكى يتم قبول الحديث صحيحا يجب فيه أن تتوافر شروط الحديث الصحيح وهو أن يروي الحديث الثقة العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه بسند متصل من غير شذوذ ولا علة
فهذا التعريف البسيط أجمل شروط صحة الحديث بضوابط تعجز مباحث أمن الدولة الآن !
فإن سقط فرد واحد من سلسلة السند يتم تضعيف الحديث وإن كان أحد الرواة ضعيفا وباقي الرواة على أشد الثقة تم تضعيف الحديث أيضا , إلا إذا كان الضعف ناجما عن قلة حفظ وتم ضم هذا الراوى لغيره فيتم وضع الحديث فى مرتبة وسطية وهى مرتبة الحسن
بالإضافة لما هو أهم ,
وهو أن المحدثين على مختلف طبقاتهم كانوا يتابعون فحص ما انتهى إليه سابقيهم من العلماء , بمعنى أن كتب غيرهم ونتائج بحوثهم فى علم الحديث لم تكن تقبلها الأجيال التابعة من العلماء قبولا تلقائيا بل كانت تتحرى عنها بنفس الطريق أو بطرق أخرى , ولهذا فإن كتاب مثل صحيح البخارى أو صحيح مسلم برز بروزا شديدا بين الصحاح لأن ثلاثة أجيال من العلماء على الأقل تعاقبت على فحصه بمنتهى الدقة فلم يتركوا فيه حديثا واحدا دون فحص جديد , وهذا رغم جلالة مقام البخارى كإمام أهل الحديث بلا منازع وما عرف الإسلام مثيله فى دقة الحفظ والوعى والتحرى حتى أنه كان لا يضع حديثا فى صحيحه قبل أن يصلي ركعتين عقب إتمام فحصه والتحرى عنه , وقام بتصنيف أحاديث صحيحه البالغة نحو أربعة آلاف حديث من فحص 600 ألف حديث كان يحفظها بأسانيدها وأحوالها عن ظهر قلب !
ولذا قبلت الأمة صحيح البخارى ومسلم وأجمعت على صحتهما عقب الحكم عليهما من أجيال العلماء المتتابعة "31" ,
ولذا عندما نجد من يطعن فى صحة حديث بالبخارى ـ بعد كل هذا ـ يحق لنا أن نملأ صاحب الطعن سخرية , فهو لا يشكك فى البخارى وحده بكل دقته وعلمه بل يتجاوز إلى قرابة سبعة أجيال من العلماء تتابعت على كتابه بالفحص واعتمدته
لا سيما أننا لو عرفنا كنه الأحاديث المطعون فيها بين الحين والآخر بالصحيحين وغيرهما من الأحاديث التى أقر العلماء بثبوت نسبتها للنبي عليه الصلاة والسلام , هى كلها أحاديث توقف عندها العلماء وناقشوها بالفعل قبل قرون , وليس في ما يذكر من طعون أى جديد يلفت النظر فقد استوفاها العلماء معالجة وردا , لكن المشكلة الحقيقية أن من يطعن على تلك الأحاديث لا يكون جاهلا فقط بإجماع العلماء على مدى عصور بصحتها بل يكون جاهلا أيضا بأن شبهاته تلك تم الرد عليها فى كتب لم يكلف نفسه مطالعتها أو البحث فيها عند أهل الإختصاص "32"

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:29 PM

ومن نافلة القول أن نؤكد على جهود فحص السنة زيادة التثبت فيها لم يقف حتى يوم الناس هذا ,
ففي العصر الحديث برز أحمد شاكر محدث مصر الألمعى واعتنى بمسند أحمد بن حنبل وأخرجه بشرح استغرق عمره وتلقاه العلماء بالقبول
كذلك جهود محدث العصر العلامة الألبانى فى كتب السنن وجهده العظيم فى علم التخريج الذى ذيل به عشرات بل مئات من الكتب والمراجع الدينية المختلفة فى شتى فنون علوم الشريعة
وتقوم الآن لجنة من كبار العلماء بالسعودية على مشروع ضخم وجبار هو جمع السنة النبوية اعتمادا على الوسائل الحديثة فى الحفظ والتصنيف ليكون ميراث الأمة وانجاز علمائها محفوظا بحفظ الله على يد هذه الزمرة الطيبة برياسة العلامة المحدث عدنان عرعور , وهذا المشروع الذى قارب الإنتهاء سيقدم جليلة لا تقدر بثمن لاحتواء التراث الحديثي الفياض بوسائل مطالعة ميسرة لطلبة العلم

هذه إطلالة مختصرة للغاية على تراث أهل السنة فى علم الحديث وميراثها فيه , وكيف أنهم أسسوه من الصفر منذ عهد بعض الصحابة وحتى تصنيف الكتب المعتبرة فى السنن والصحاح والمسانيد ,
ورأينا كيف أنهم جعلوا همهم الرئيسي جمع تراث النبي عليه الصلاة والسلام بنقل العدول بانتهاء السند إلى الصحابة رضي الله عنهم وكل هذا بمنهج تثبت لا مزيد عليه , ولم يدعوا فنا فى هذا المجال لم يطرقوه ,
وها هى الأحاديث النبوية محققة ومجموعة ومفندة ولا غبار عليها ,
والآن فنلق إطلالة سريعة على موقف الشيعة من السنة ومفهومهم للسنة عندهم وكيف أخذوها وممن أخذوها ,

السنة عند الشيعة ,


سبق أن بينا كيف أن أهل السنة اهتموا بوقت مبكر وفى حياة أغلب الصحابة وفى عصر كبار التابعين أثناء وبعد الفتنة الكبري بالتحقيق والتدقيق فى طلب الإسناد فيما يخص توثيق السنة النبوية الشريفة ,
هذا بخلاف أنهم طوروا التدقيق فى الإسناد إلى ميدان ضخم فسيح وهو ميدان علوم الحديث التى عالجت شتى مناحى النقل والرواية عن النبي عليه الصلاة والسلام واعتمدوا وأصلوا لذلك قواعد متينة حازت فيما حازت من الإعجاب على تقدير المستشرقين أنفسهم ,
وهو قسم من العلوم ما سبقت إليه أمة من الأمم ولا قامت أمة نبي من الأنبياء بحفظ تراثه ونقله بتلك الدقة عبر القرون كما قامت أمة خير الأنبياء عليه الصلاة والسلام ,
ولسنا فى حاجة إلى إعادة بيان أهمية علوم الحديث بالذات بين سائر علوم الشريعة قاطبة , فعلوم الحديث هى القسم الخادم الذى له منة وفضل على سائر علوم الشريعة من تفسير وفقه وأصول وليس عليه منة من أحد العلوم لأن هذه العلوم جميعها دانت لعلوم الحديث بفضل النقل الصحيح لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ومن قبلها القرآن الكريم ,
وهما المصدران الذى بذل فى نقلهما أهل النقل والرواية جهودا تفوق طاقة البشر لتقديمه إلى أجيال الأمة جيلا بعد جيل بشكل مأمون من المكذوبات والموضوعات
فاستقامت علوم الشريعة لأصحابها فعرفوا المصادر واطمئنوا إلى حجية الأخذ عنها ,
ولنا أن نتخيل لو أن علوم الحديث أصابها أى خلل عبر القرون , كيف كانت الأمة تستمر إلى اليوم مطمئنة إلى ثبات نسبة المصادر التشريعية إلى منابعها الأصلية ؟!
لا شك أن النتيجة كانت ستفضي إلى كارثة محققة وهى ضياع الدين كله بضياع أصوله , على نفس النحو الذى جرى فى الأمم السابقة التى لم تعرف الإسناد والتوثيق ودقة النقل كابرا عن كابر فأضاعت رسالات رسلها وتم تحريف التوراة والإنجيل وأفضي هذا إلى ضياع عقيدة تلك الأمم فقالت النصاري بألوهية عيسي وقال اليهود بألوهية عزير
ولا شك أن الميزة الكبري لتفوق أهل السنة فى علوم الحديث والنقل والمرويات ليست قاصرة فقط على تنوع أساليب النقل والمعالجة والفحص والتحرى ,
بل الميزة الكبري هى أن تلك العلوم نشأت فى وقت مبكر جدا بمجرد ظهور فتنة وضع الأحاديث وفى حياة قسم كبير من الصحابة رضي الله عنهم وهم نقلة التشريع والسنة
,
مما أعطى أهل السنة ميزة اليقين فيما نقلوه , لا سيما وأن تطور علوم الحديث وتدوين السنة بدأ مبكرا أيضا بمصنفات مسدد بن مسرهد ومالك والأوزاعى على سبيل المثال ,
بل ولم تكتمل المائة الثانية للهجرة إلا وكتب الأصول الحديثية المعتمدة لأهل السنة قد اكتمل تأليفها وهو ما يتضح بالنظر إلى تواريخ ميلاد هؤلاء الأئمة أصحاب الكتب الستة والمسانيد الأولى
الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- مولود سنة (164) هـ
الإمام البخاري - رحمه الله - مولود سنة (194 ) هـ
الإمام الترمذي - رحمه الله- مولود سنة (200) هـ
الإمام أبو داود - رحمه الله- مولود سنة ( 202 )هـ
الإمام مسلم - رحمه الله- مولود سنة (206 )هـ
الإمام ابن ماجه - رحمه الله- مولود سنة ( 209 ) هـ
الإمام النسائي - رحمه الله- مولود سنة (215 )هـ

كما ظهرت فى وقت مبكر نسبيا معالجات العلماء للكتب المنقولة وتصنيفهم لأسس وقواعد علم أصول الحديث ومنها علم مصطلح الحديث وهو واحد من أخطر علومه حيث يختص بمعالجة المصلطحات العلمية التى تعارف عليها أهل الصنعة لتمييز الأحاديث ونقدها , فقسم علماء السنة الحديث إلى عدة تقسيمات أصولية تتفرع إلى تقسيمات متعددة
وكان أول مصنف فى هذا المجال هو مصنف العلامة الرامهرمزى المتوفي عام 360 للهجرة , وتتابعت بعده المصنفات فى هذا المجال وغيره عبر العصور
ومن قبلها ظهرت علوم الرجال وكتب النقد الحديثي وامتدت فيما بعد هذه الفترة أيضا كتب النقاش حول الأحاديث المختلف فيها وبلغوا من الدقة أنهم أفردوا مصنفات كاملة وقاموا برحلات مضنية لمجرد إثبات حديث واحد
هذا فضلا على عنايتهم بإبراز ناسخ ومنسوخ الحديث وكان أول من تكلم فى ذلك المجال الإمام الشافعى ,

فإذا حملنا هذا التاريخ وتلك المعجزات العلمية إلى مجال السنة عند الرافضة , فماذا سنجد ؟
وكيف حفظ هؤلاء السنة والدين الذين يزعمون أنهم تلقوه عن أئمة أهل البيت ,
فى البداية الشيعة قاطبة ـ كعادة أهل البدع جميعا ـ لا علم لهم بالحديث والإسناد على طول الخط , وليس هذا الحكم من قبيل الحكم الذى قرره عليهم أهل السنة بل هو من قلب كتبهم مشهور ومتواتر ,
هذا فضلا على الطامة العظمى ,
وهى أنهم اعتبروا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا عدا ثلاثة أو خمسة أو سبعة , منافقون كفار , وبالتالى رفضوا منقول الحديث عنهم , وتكفيرهم لعموم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام مقرر فى أمهات كتبهم بل وفى أعظمها بعدة أبواب ـ لا أحاديث منفردة ـ ومنها الكافي أهم مرجع حديثي لديهم
وبالتالى فقد اختصوا أئمة آل البيت الإثناعشر بأنهم مصدر التشريع الوحيد ولهذا فهم يرفضون السنة المنقولة عن طرقنا نحن أهل السنة ولا يعتبرون الصحابة مسلمين أساسا فضلا على أن يعتبروهم عدولا يؤخذ الدين عنهم
وليت أنهم ما قبلوا توثيقنا نحن أهل السنة للصحابة بل رفضوا إقرار عدالة الصحابة التى أنزلها الله عز وجل فى كتابه العزيز بآيات محكمات سبق أن عرضنا بعضها ,
فماذا كانت النتيجة ,
النتيجة أنهم فى البداية فقدوا القرآن لكريم الذى هو المصدر الأول للتشريع نظرا لأنه فى عقيدتهم محرف , هذا فضلا على أنهم لم ينقلوه لا بالتواتر ولا حتى بسند آحاد من طرق المعصومين الاثناعشر ,
وليس لديهم أى إسناد بالقرآن من أى وجه ,
وهذا الأمر بالذات كان من الأمور التى فضحت علانية حقيقة اعتقادهم فى القرآن الكريم , لأن القرآن الكريم منقول بالتواتر من طرقنا ونحن كفار عندهم بدليل أنهم لا يأخذون بسنتنا فكيف يقبلون القرآن منا ويرفضون السنة ؟!
وأما عن السنة وهى المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم فلم يقصروها على النبي عليه الصلاة والسلام وحده بل جعلوها مختصة بالمعصومين الاثناعشر جميعا ,
فكلهم عندهم أهل عصمة وتبليغ وكلهم بمنزلة النبي المرسل وأصحابهم كصحابة النبي عليه الصلاة والسلام بل أفضل , لأن أصحاب الأئمة لم يكفروا عندهم بينما كفروا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ,
وليت أن الأمر اقتصر على ذلك ,
فلو أنهم نقلوا سنة النبي عليه الصلاة والسلام نقلا صحيحا بطريق العدول من الرواة إلى الأئمة إلى النبي عليه الصلاة والسلام بسند متصل لهان الأمر ,
لكن الكارثة أنهم لم ينقلوا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام شيئا قط !
وقد طالبهم العديد من العلماء عبر المناظرات أن يأتوا لهم من كتبهم بحديث واحد صحيح ـ على شروطهم هم ـ من كتبهم متصل السند إلى النبي عليه الصلاة والسلام فعجزوا ,
والسؤال الآن , من أين يأخذ هؤلاء القوم دينهم بالضبط , ؟!
وإذا وجهت السؤال لأى شيعي ستجده يجيب بأنهم أخذوا الدين عن الأئمة ,
وسنجاريهم فى هذا القول رغم فداحة المصيبة أنهم لا يملكون من تراث النبي عليه السلام شيئا
فهل تمكنوا من نقل سنة المعصومين وأقوالهم نقلا صحيحا ,
هذا ما سنراه بعد قليل

علوم الحديث عند الشيعة :

عندنا فى علوم الحديث قاعدة ذهبية تقول ( لولا الإسناد لقال من شاء بما شاء )
وتفسيرها ببساطة , أنه لولا الإسناد والتوثيق لقال كل صاحب هوى ما أراد وضاع الدين , فمن السهل على أى مدعى أن يقول قال رسول الله صلي الله عليه وسلم , ثم يخترع من رأسه أى حديث
فما الذى يمنع ذلك , لا شك أن المانع الرئيسي هو الإسناد والسؤال من أين لك هذا الحديث ومصدره
فهل استطاعت الشيعة الاثناعشرية أن تصل لتراث الأئمة الإثناعشر بالأسانيد الصحيحة المتصلة ,
بداية ـ وهى المفاجأة الكبري ـ لم تعرف الشيعة الاثناعشرية عبر عصورها شيئا من علوم الحديث إطلاقا قبل القرن العاشر للهجرة !
يقول شيخهم الحائري فى ذلك , بكتابه مقتبس الأثر ـ ص 73 ـ الجزء الثالث
( ومن المعلومات التي لا يشك فيها أحد أنه لم يصنف في دراية الحديث من علمائنا قبل الشهيد الثاني )
والشهيد الثانى هو أبو الحسن العاملى المتوفي عام 975 للهجرة !
هل تدركون ما معنى هذا الكلام ؟!
معناه ببساطة أن الشيعة كانت فى نوم طويل فاق نوم أصحاب الكهف منذ عهد الأئمة الذي انتهى عام 250 للهجرة وحتى القرن العاشر دون يصنفوا أو يعالجوا شيئا من علوم الحديث التى عليها معول وضمان صدور الروايات المنقولة عن الأئمة !
فعن أى دين يتحدث الرافضة اليوم ؟!
أما الأظرف ,
وهو ما يعد فى حد ذاته مأساة مبكية , أنهم لم يصنفوا فى ذلك التاريخ شيئا من علوم الحديث تحت ذريعة تنقية تراث الأئمة أو لتحقيق المرويات الرهيبة الموجودة فى كتبهم المنقولة دون إسناد أو تحقيق ,
بل كان السبب الوحيد الذى دعاهم إلى تصنيف الكتب هو تلافي تعيير أهل السنة لهم بأن الشيعة لا يعرفون الإسناد وينقلون الروايات دون أى إثبات
لأجل هذا السبب فقط ولدفع كف النقد عنهم قام علماؤهم بتأليف تلك الكتب التى تتخذ من جانب المظهر فحسب علوم الحديث لكنها فى الواقع مجرد ألفاظ يظهر منها الإسناد لكنه ليس إسنادا حقيقيا له أرضية من الواقع
ودليل ذلك ما نقله الحر العاملى أحد محدثيهم الكبار عن هذا الأمر فقال فى وسائل الشيعة ( 30 / 258 )
( والذي لم يعلم ذلك منه ، يعلم أنه طريق إلى رواية أصل الثقة الذي نقل الحديث منه ، والفائدة في ذكره مجرد التبرك باتصال سلسلة المخاطبة اللسانيّة ، ودفع تعيير العامة الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة ، بل منقولة من أصول قدمائهم )
وممن نقل تلك الفضيحة أيضا
الشيخ باقر الأيرواني فى كتابه ( دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ص 86 )
( السبب في تأليف النجاشي لكتابه هو تعيير جماعة من المخالفين للشيعة بأنه لا سلف لهم ولا مصنف ) ،
وقال الحر العاملي فى المصدر السابق
( أن هذا الاصطلاح مستحدث ، في زمان العلامة ، أو شيخه ، أحمد ابن طاوس ، كما هو معلوم ، وهم معترفون به )
بل اعترف الحر العاملى بما هو أفدح فقد صرح أنهم ليسوا فقط لا علم ولا لعلمائهم القدامى بالحديث ونقله , بل اعترف أن الإصطلاح الجديد وهو علوم الحديث والعنعنة مأخوذ من قلب كتب أهل السنة !
قال الحر العاملي ( وسائل الشيعة ( 30 / 259 )
( طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة ، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم ، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع وكما يفهم من كلامهم الشيخ حسن وغيره ) ،
ويقصد بطريقة المتقدمين علماؤهم الأوائل أصحاب الكتب المعتمدة الذين كانوا يوردون فى كتبهم كل ما يصل إليهم فيتلقاه عنهم من بعدهم بالقبول هكذا بلا مرجعية أو ضابط
أما سرقاتهم من كتب أهل السنة
فهذا ما يؤكده مصنفوا الإمامية فى مصطلح الحديث وكشفه الشيخ عثمان الخميس "33" فى مناظرات قناة المستقلة عندما قارن بين أحد كتب المصطلح عند الشيعة وبين كتاب ( مقدمة بن الصلاح ) أحد أشهر كتب المصطلح عندنا فإذا بالكتاب الشيعي نسخه شبه متطابقة فى أبوابه ومعالجته

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:31 PM

أى أن كل الفائدة التى وقفت وراء وضع أسلوب العنعنة فى المرويات ( وهو الإسناد ) هو فقط اتخاذ مظهر الإسناد لمجرد التبرك بإسناد الرواية إلى الأئمة ودفع تعيير أهل السنة للراوفض أن يروون المكذوبات غير المسندة ,
ففعلوا مثل الذى كان يطمح أن يكون عالما بالأزهر , لكنه عجز عن مجاراة طلبة العلم فى ذلك ,
فماذا فعل ,
اشترى اللباس الأزهرى المميز للعلماء وقدم نفسه باعتباره عالما وظن بذلك أنه اكتفي ووفي !
فالإسناد ليس أن تورد الرواية بالعنعنة , بل أن توردها بسندها الفعلى وأن يكون هؤلاء الرواة هم فعلا من قاموا بروايتها هذا فضلا على أن يكون الرواة من الثقاة العدول المأمونين فى نقل المرويات ,
لكن هذا كله لا تجده فى مذهب الروافض بل إنهم عندما اشترطوا شروطا لقبول الروايات لم يطبقوها على كتبهم ,
فالحديث الصحيح عندهم كما عرفه الحر العاملى
( هو الحديث الذى يرويه الضابط الإمامى عن مثله إلى منتهاه )
بينما تعريف الحديث الصحيح عندنا
( هو الحديث الذى يرويه العدل الضابط عن مثله فى جميع الطبقات من غير شذوذ ولا علة )
والمقارنة بين التعريفين تكشف عن مصائب
الأولى : أنهم لم يشترطوا عدالة الرواة ! , بمعنى أنهم يقبلون رواية الكافر وفاسد المذهب والمطعون فى عدالته , وهذا ما نص عليه صراحة الحر العاملى فى وسائل الشيعة حيث قال فى توثيق رجال الشيعة
( فتراهم يوثقون من يعتقدون كفره وفسقه وفساد مذهبه ! )
وبمثل ذلك صرح المرجع المعاصر الخوئي زعيم مرجعية النجف السابق فى كتابه الرجال حيث صرح بقبول رواية الشخص بغض النظر عن اعتقاده بل صرح بقبول رواية النواصب والنواصب عندهم كفار أنجاس وشر من اليهود والنصاري
الثانية : أنهم لم يشترطوا فى الحديث الصحيح ضرورة خلوه من الشذوذ أو العلل ,
ومعنى الشذوذ عدم مصادمة الرواية الصحيحة لما هو أصح منها أو مخالفة الرواى الثقة لمن هو أوثق منه وعند التصادم يتم رد الرواية الأقل صحة إذا استحال الجمع بينهما
ومعنى العلة ألا تحتوى عيبا ظاهرا كمنافاتها الواضحة لقاعدة أساسية فى الشرع أو مضاربتها للعقل والنصوص
ولهذا امتلأت كتب الشيعة بآلاف الروايات التى لا يقبلها العقل قبل النقل وتعتبر من الخرافات التى يخشي التفوه بها المجنون قبل العاقل ويزخر كتاب الكافي ـ وهو أعظم كتبهم ـ بعشرات الروايات فى هذا الباب ,
هذا فضلا على التصادم المروع الذى يجمع بين أحاديث الأئمة وبعضها البعض بل بين أحاديث الإمام الواحد منهم , فترى الإمام يقول بقول معين ثم ينقضه فى قول آخر ومع ذلك فكلا الروايتين معتمدة , ولم يجدوا حلا لهذه الإشكالات إلا الذريعة الجاهزة وهى أن الرواية المتضاربة هى رواية على التقية !
ولم يبينوا أو يؤصلوا قاعدة واحدة تمكنهم من تمييز الروايات أيها على التقية وأيها على الحقيقة بل جعلوا الأمر مطلقا مما أدى بهم فى النهاية إلى إراحة أنفسهم من الصداع فقالوا بأن الحكم على الأحاديث بالصحة والبطلان غير مرهون بقول فقيه أو مجتهد بل هو أمر مطلق !
مما أدى بالتبعية إلى عشرات الآلاف من التناقضات بين علمائهم فى تصحيح وتضعيف الأحاديث وبالتالى أدى إلى خراب كامل فى أصول الدين التى تعتمد الفتاوى فيها على صحة المرويات التى جعلوا تصحيحها رهنا بالمزاج
يقول فى هذا الشأن الفيض الكاشانى صاحب أحد كتبهم المعتمدة فى الوافي
( تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين قولا أو أزيد !! بل لو شئت أقول:لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها)
يختلفون فى المسألة الواحدة على عشرين أو ثلاثين قولا !
بل ولا توجد حتى فى الفرعيات عندهم مسألة واحدة محكومة بقول نافذ قطعى هذا فضلا على اختلافهم فى الأصول !
ولهذا ظهرت عند الشيعة مدرستان كفرت كل منهما صاحبتها رغم أنهم تحت مظلة عقيدة واحدة , وهما مدرستى الإخباريين والأصوليين ,
فالإخباريون يقولون أن الكتب الحديثية الثمانية المعتمدة كلها صحاح لا لبس فيها وليس فيها رواية وحيدة باطلة بما في ذلك الألفي رواية الواردة فى تحريف القرآن
والأصولية تقول أن مضامين تلك الكتب هى المقطوع بصحتها والكتب نفسها تحتوى أحاديثا ضعيفة لكنهم ما وضعوا القواعد لتنقيه هذا التراث الذي يعتمد عليه دينهم فيما يزعمون ,
أما سبب عدم إخضاعهم الكتب الأصلية للتحقيق النهائي فسنعرفه بعد قليل .

الأزمة الكبري


كتب الحديث التى نقلت تراث الأئمة عند الشيعة الإثناعشرية ثمانية كتب معتمدة وهى أصول المذهب والطائفة وعليها تم بناء أساسه وعقيدته ,
وهذه الكتاب منها أربعة كتب متقدمة , وهى للمحمدين الثلاثة : محمد الكليني ، ومحمد الصدوق، ومحمد الطوسي ، وهي :
الاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، والكافي ، والتهذيب
وباقي الاربعة هي للمجلسي والنورى الطبرسي ( صاحب كتاب فصل الخطاب فى تحريف كتاب رب الأرباب ) والطبرسي ( وهو غير النورى الأول) والفيض الكاشانى , وكتبهم هى
بحار الانوار و مستدرك الوسائل و الإحتجاج والوافي
هذه الكتب التى أطبق علماء الشيعة على صحة مضامينها , ومعنى صحة مضامينها أن المحتويات والمعارف الواردة فيها كل مقطوع بصحتها , وكتبهم قديما وحديثا مليئة بالإشادة لتلك الكتب والإعلاء من شأنها لدرجة مذهلة ,
لا سيما كتاب الكافي للكلينى الذى ألفه صاحبه فى الغيبة الصغري للمهدى المزعوم , وذكر فى مقدمته أن هذا الكافي تم عرضه على المهدى فقال ( كاف لشيعتنا )
وهذا معناه أن الكافي صحيح حتما وإلا كيف وثقه المعصوم ؟!
وقد شهدت للكافي ولغيره كبار مرجعيات الشيعة وآخرهم عبد الحسين شرف الدين وهو واحد من أعلامهم فى القرن الماضي حيث قال فى كتاب المراجعات أن هذه الكتب مقطوع بصحة مضامينها وأن الكافي أعظمها وأشرفها وأعلاها ولم يصنف فى الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه !
وبعد هذه الشهادات الكبري من المعصوم وإجماع علماء الإمامية على توثيق مضامين تلك الكتب , نجد أنهم خرجوا علينا فى العصر الحديث بقول بالغ الغرابة ,
هذا القول مؤداه أن الشيعة لا تملك كتابا واحدا صحيحا !
وأن كل كتبهم ليس من بينها كتاب واحد بلغ درجة الصحة فى محتوياته كلها ,
وهو قول على التقية وللمراء والخداع بطبيعة الحال ,
لماذا ؟
لأنهم لو أقروا بأقوال وشهادات علمائهم بحق الكتب الكارثية لافتضحوا فى مشارق الأرض ومغاربها ,
فالكافي أصح الكتب عندهم فيه من البلايا والطامات ما يستحى منه اليهود والنصاري أن ينسبوه لأنبيائهم ,
من أول التواتر فى روايات تحريف القرآن والإعتقاد الجازم بها , ومرورا بعقائد الرجعة والبداء وأن الأئمة يسيطرون على الكون وأنهم أسماء الله الحسنى وأن الله فوض أمر الخلق إليهم ووصولا إلى التكفير الجماعى لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ,
لهذا لم يجد الشيعة مفرا من إنكار صحة كل ما بالكافي حتى لا يلزمهم أهل السنة بل وعوام الشيعة بتلك الإنحرافات فيسقط مذهبهم فى طرفة عين ,
غير أن قولهم هذا يسقط مع سؤال منطقي واحد
لماذا لم تهتموا بتراث الأئمة المبثوث فى تلك الكتب فتميزوا الصحيح من الضعيف ؟!
هذا السؤال المفصلي وحده يكفي وزيادة لبيان حقيقة هذه الطائفة , لأنهم فى واقع الأمر يصدقون بتلك الكتب وبكل ما ورد فيها وينكرون ذلك تقية ,
وفى نفس الوقت لا يستطيعون أن يطبقوا منهج النقد والتمحيص والحكم النهائي على الأحاديث بالصحة والضعف وبيان موقفها لأنهم لو فعلوا لانكشف عوارهم دون جهد من أهل السنة لأنهم ساعتها سيكونون أمام خيارين أحلاهما مر
الأول : إما أن يضعفوا كل الأحاديث التى يعتقدون بمحتواها ولا يجرئون على القول بصحتها وعندئذ سيضطرون إلى مواجهة إسقاط مذهبهم بأيدى عوام الشيعة أنفسهم , لأن تلك الأحاديث تحتوى ما يتاجر به علماء الشيعة من تكفير الصحابة والقول بالتقية الواجبة ونحو ذلك
الثانى : تصنيف الأحاديث إلى صحيح وضعيف والقول بصحة الأحاديث التى يبنون عليها عقائدهم الباطلة وعندئذ سيقعون بين مخالب أهل السنة ببساطة , فساعتها سيتضح أمام الجميع حقيقة معتقدهم الذى يدارونه بالتقية وتسقط التقية فيسقط المذهب كله ,
والدليل على أن الشيعة تعتقد بصحة ما ورد فى تلك الكتب ما نقله الحر العاملى فى وسائل الشيعة ( 30 / 259)
( الاصطلاح الجديد يستلزم تخطئه جميع الطائفة المحققة في زمن الأئمة عليهم السلام ، وفي زمن الغيبة كما ذكره المحقق في أصوله )
أى أن استخدام الإصطلاح الجديد عليهم ـ وهو التصحيح والتضعيف ـ يستلزم منه تخطئة وإهمال كل كتب الشيعة الرئيسية التى عليها معتمد المذهب !
لهذا سارع علماء الشيعة إلى إنكار محاولات عالمهم البهبودى ـ رغم جلالة قدره عندهم ـ على تصنيف كتاب صحيح الكافي وقالوا بأن تصحيحه وتضعيفه يلزمه وحده ولا يلزم الطائفة ,
وبمثل ذلك تعاملوا مع تحقيق المجلسي لكتاب الكافي فى كتابه ( مرآة العقول ) لأن المجلسي صحح فى مرآة العقول أحاديث تحريف القرآن وغيرها من الفضائح المدوية التى تخفيها الشيعة بالتقية
فهل رأيتم كارثة أكبر وأفدح من هذا ؟!
مجرد استخدام أسلوب التحقيق سيسقط كل تلك المكذوبات التى نقلها زنادقتهم الكبار عبر العصور لأنه لا يوجد لديهم حديث واحد صحيح ـ على شروطهم هم ـ إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو إلى أحد الأئمة ,
وهذا ما صرح به الحر العاملى نفسه حيث قال عن تحقيق الأحاديث ومسألة إخضاعها للفحص حيث قال فى وسائل الشيعة الجزء الثالث ـ ص 260
( الرابع عشر:
أنه يستلزم ضعف أكثر الأحاديث، التي قد علم نقلها من الأصول المجمع عليها، لأجل ضعف بعض رواتها، أو جهالتهم أو عدم توثيقهم،
فيكون تدوينها عبثا، بل محرما، وشهادتهم بصحتها زورا وكذبا. ويلزم بطلان الإجماع، الذي علم دخول المعصوم فيه - أيضا - كما تقدم.
واللوازم باطلة وكذا الملزوم. بل يستلزم ضعف الأحاديث كلها عند التحقيق لأن الصحيح - عندهم -: (ما رواه العدل، الإمامي، الضابط، في جميع الطبقات). و لم ينصوا على عدالة أحد من الرواة، إلا نادرا، وإنما نصوا على التوثيق، وهو لا يستلزم العدالة قطعا بل بينهما عموم من وجه، كما صرح به الشهيد الثاني وغيره
ودعوى بعض المتأخرين: أن (الثقة) بمعنى (العدل، الضابط). ممنوعة وهو مطالب بدليلها. وكيف ؟ و هم مصرحون بخلافها حيث يوثقون من يعتقدون فسقه، وكفره وفساد مذهبه ؟ !
وإنما المراد بالثقة: من يوثق بخبره ويؤمن منه الكذب عادة، والتتبع شاهد به وقد صرح بذلك جماعة من المتقدمين والمتأخرين. و من معلوم - الذي لا ريب فيه عند منصف -: أن الثقة تجامع الفسق بل الكفر
و أصحاب الاصطلاح الجديد قد اشترطوا - في الراوي - العدالة فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم إلا نادرا
)
ويكفينا كلام العاملى الذى يحمل فى طياته ما يغنى عن غيره لهدم هذا المعتقد الفاسد الذى لا يجرؤ أصحابه على إخضاع مرويات المعصومين للتحقيق لأنه لو أنهم طرقوا هذا الباب فمعناه على حد قول العاملى إسقاط جميع أحاديثهم
والكارثة أنك تجد بعد كل هذه الحقائق من يعتقد أن الشيعة يتعبدون بمعتقد منسوب لأهل البيت عليهم السلام بينما أئمة آل البيت أبرياء من المعتقد بالكلية , ولا يوجد فى كتب الشيعة ـ باعترافهم هم ـ حديث واحد يمكنهم الحكم عليه بالصحة أو الصول إليه بطريق معتبر
ونحن طلبا للإختصار ,
لم نتعرض لكتبهم فى علم الرجال والتى تحمل أشباه هذه الفضائح بل وأكثر ,
فعلم الرجال وهو العلم الرئيسي فى علوم الحديث الذى يعتمد على بيان حال الرواة وبناء عليه يعتمد العلماء صحة روايته أو ضعفها ,
لم تعرف الشيعة هذا العلم إلا فى المائة الرابعة للهجرة
ولم تعرفه بأصوله التى سار عليها منهج أهل السنة بل جاء أبو عمرو الكشي عمدتهم فى مرجع الرجال فصنف لهم كتابا فى غاية الإختصار !
وقد سبق أن نوهنا عن طبيعة الكتب الرجالية ومثلنا بكتاب تاريخ دمشق لابن عساكر والذى على هول مقامه لا يمثل إلا كتابا واحدا من عشرات الكتب فى هذا الفن
وليت أن الأمر اقتصر على أنه كتاب مختصر فحسب ,
فالطامة الكبري فى انعدام فائدته لأنه مصنفه أخرجه فى المائة الرابعة ولم يعاصر راويا واحدا من أصحاب الأئمة أو ينقل عن كتب غيره ممن سبقوه أحوال هؤلاء الرواة لأنه كان أول من طرق هذا الباب !
فمن أين سيأتى بسند صحيح ومصدر صريح يمكنه من الحكم على الراوى بالجرح أو التعديل ؟!
لا سيما وأنه كان مكثرا فى الرواية عن الضعفاء كما صرح بذلك عالمهم النجاشي ,
فكيف يكون عالما فى الرجال ويصنف فى هذا الفن كتابا مليئا بالرواية عن الضعفاء ؟!
هذا فضلا على أن كتاب الكشي ككتاب غيره ممن جاء بعده احتوى على مهازل حقيقية حيث ترى توثيق الراوى وجرحه فى نفس الكتاب !
فبأى شيئ سيأخذ عالم الحديث عند التحقيق بتجريح الراوى أم بتوثيقه ,
ويقول الفيض الكاشانى فى الوافي عن حال كتب الرجال عندهم ( مقدمة الوافي ـ ص 25 )
(فإن في الجرح والتعديل وشرائطه اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها )
ولا يختلف حال هذا الكتاب عن ثانى أهم كتبهم فى الجرح والتعديل وهو رجال النجاشي ,
وكمثال على تلك المهازل الواقعة فى كتاب النجاشي
ذكر النجاشي في ترجمته لمحمد بن الحسن بن حمزة الجعفري :
( مات رحمه الله في ] يوم السبت ، سادس شهر رمضان ، سنة ثلاث وستين وأربع مائة ) ، : رجال النجاشي ص 404 . )
والنجاشي مؤلف الكتاب توفي سنة 450 هـ .
هل يُعقل أن يموت هذا الراوي بعد النجاشي مؤلف الكتاب بـ 13 سنة ؟!
والأمر لم يقف عند انتفاء المصدر الصحيح فى الجرح والتعديل لانتفاء الأسانيد الصحيحة فى ذلك فحسب .
بل تجاوز ذلك إلى مرحلة لو وقعت بحق أى كتاب من الكتب الرجالية لأسقطته بالضربة القاضية ,
ألا وهى مرحلة الخلط وعدم التمييز بين الرواة فى الأسماء والكنى والألقاب ,
ولو عدنا لقواعد أهل السنة فى هذا المجال سنجدهم وضعوا تلك النقطة فى بؤرة الإهتمام لأن تشابه الكنى والألقاب والأسماء قد يوقع الخلط بين الرواى الصحيح والراوى الضعيف مما يؤدى إلى إسقاط حديث صحيح أو تصحيح حديث ضعيف
لهذا صنف علماء السنة كتبا مستقلة فى تلك الأمور ,
ولم يكتفوا فقط بإبراز تلك المسألة فى كتب الرجال الرئيسية , فهذا الذهبي ألف كتابا كاملا باسم المشتبه خصصه كله للأسماء والكنى التى وقع فيها التشابه ونقل فيها كيفية التمييز بينهم
بينما الشيعة خلطوا على عادتهم الحابل بالنابل وفى ذلك يقول عالمهم المامقانى بكتابه تنقيح المقال في علم الرجال ( 1 / 177)
( إنه في كثير من الأسانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال وآبائهم أو كناهم أو ألقابهم ) ،
ويقول عالمهم محمد الحسيني في كتابه المسمى ( بحوث في علم الرجال ) في الفائدة الرابعة :
( إن أرباب الجرح والتعديل كالشيخ النجاشي وغيرهما
لم يعاصروا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام ومن بعدهم من اصحاب الأئمة عليهم السلام حتى تكون أقوالهم في حقهم صادرة عن حس مباشر
وهذا ضروري وعليه فإما ان تكون تعديلاتهم وتضعيفاتهم مبنية على امارات اجتهادية وقرآئن ظنية أو منقولة عن واحد بعد واحد حتى تنتهي الى الحس المباشر أو بعضها اجتهادية وبعضها الآخر منقوله ولا شق رابع ، وعلى جميع التقادير لا حجية فيها أصلاً فإنها على الأول حدسية وهي غير حجة في حقنا اذ بنا العقلاء القائم على اعتبار قول الثقة انما هو في الحسيات أو ما يقرب منها دون الحدسيات البعيدة وعلى الثاني يصبح أكثر التوثيقات مرسلة لعدم ذكر ناقلي التوثيق الجرح في كتب الرجال غالباً والمرسلات لا اعتبار بها
)

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:33 PM

وهذا اعتراف صريح وواضح بأن مصنفات علم الرجال والتى هى عمود علوم الحديث والنقل والرواية والطريقة الوحيدة للتيقن من صحة صدور الروايات أو بطلانها , هى عند الشيعة عبارة عن أقوال مرسلة بلا معنى وبلا إسناد صحيح وأول مؤلفاتهم بها جاء مليئا بالعيوب فضلا على أنه مصنف بعد مائة وخمسين عاما من أقرب الرواة إلى عمر المؤلف الذى يعالج أحوالهم والمفروض أنه يبين موقفهم من الجرح والتعديل
هذا بالإضافة إلى أحوال أوثق رواة الشيعة وهم الرجال الذين تميزوا بين آلاف الرواة بالتوثيق المتواتر عند الشيعة ويعتبرون عندهم بنفس مكانة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام عندنا !
وهؤلاء الرواة منهم زرارة بن أعين وجابر بن يزيد الجعفي وشيطان الطاق وبريد بن معاوية العجلى وغيرهم ,
هؤلاء الرواة عندنا نحن أهل فى حكم كتبنا الرجالية كلهم زنادقة وأجمعت كلمة المحقيين على ذلك ,
بينما هم عند الشيعة أوثق الرواة لا سيما زرارة بن أعين وجابر الجعفي ,
ورغم هذا الاعتقاد بالتوثيق فقد أوردت كتبهم الرجالية الأصلية مثل رجال الكشي روايات عن جعفر الصادق ومحمد الباقر تقول بلعن زرارة بن أعين عدة مرات على لسان الإمام الصادق بعد اكتشافه كذبه الصريح عليه
وفى نفس الكتاب نقل الكشي عن جابر بن يزيد الجعفي أنه روى عن محمد الباقر عليه السلام سبعين ألف رواية !
أكرر ,
روى سبعين ألف رواية عن الإمام الباقر ومثلها تقريبا عن جعفر الصادق وعندما سؤل عنه الصادق وعن مروياته أفاد بأنه لم يره عند أبيه الباقر إلا مرة واحدة وما دخل عليه ـ على جعفر الصادق ـ قط !!
فمن أين أتى جابر الجعفي بمائة وأربعين ألف حديث حدث بها عن الباقر والصادق ؟!

بالإضافة إلى حقيقة هامة يجدر بنا الإشارة إليها أن الأئمة من آل البيت المفترى عليهم مثل على زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق كلهم مدنيون فى المولد والوفاة ولم يحدث أن أقام أحد منهم بالعراق أو الكوفة مطلقا , ولا ثبت شيئ من هذا لا فى كتب السنة ولا الشيعة
والصادق زار العراق ونزل عند أبي جعفر المنصور ببغداد , بينما الرواة الشيعة الذين تعتمد الشيعة اليوم على مروياتهم ويتخذونها دينا كلهم بلا استثناء من الكوفة !
فمتى وكيف ومن أين استقي هؤلاء الكذابون الفجرة مئات الآلاف من الروايات الموجودة بقلب كتبهم ؟!
والأهم كيف وثق الشيعة أمثالهم واعتبرهم أصحاب الأئمة والناقلين الصادقين عنهم ؟!
ولو أردنا أن نلقي نظرة إلى منهج أهل السنة فى أمر معاصرة الراوى لمن ينقل عنه , سنجد أن أهل السنة قرروها كقاعدة صميمة فى الجرح والتعديل حيث أن أحد كبار علماء الجرح والتعديل عندنا صرح بأن المحدثين وعلماء الجرح والتعديل واجهوا كذب الرواة بالتاريخ
ومعنى هذا أنهم واجهوا إدعاء الرواة بالسماع عن طريق معرفة مواليد ووفيات من يروون عنهم فمن ثبت أنه روى عمن لم يلقه أو يعاصره ثبت كذبه
ولم يقتصروا فقط على شرط المعاصرة بل ضمنوه شروطا أهم تتمثل فى إمكانية اللقاء إذ أنه فى تلك العصور لم يكن السفر هينا فإذا روى أحد الرواة شيئا عن عالم بالشام بينما الراوى بالعراق ولم يثبت أنه غادرها تسقط روايته
أما عن كيفية إثبات أنه لم يغادرها فقد سبق أن شرحنا منهج بن عساكر فى تاريخ دمشق وهو نفس منهج بقية علماء الرجال حيث يسطرون تراجم الرواة بالمواليد والوفيات والرحلات أيضا !
فلنا أن نتخيل كيف قبل الشيعة روايات جابر وزرارة وهم بالإجماع كوفيون بينما الأئمة مدنيون ولو افترضنا أن هؤلاء الرواة كانوا يرحلون للحج فهل تكفي فترات الحج لينقل جابر الجعفي وحده عن الإمامين الباقر والصادق مائة وأربعين ألف رواية
وحتى ندرك استحالة ذلك بأى مقياس ,
يكفينا أن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم وهم الذين صحبوا النبي عليه الصلاة والسلام سنين حياته بعد الدعوة لو أننا أحصينا روايات أكبر المكثرين عنه ما تجاوزت أربعة آلاف حديث !
وها هو أبو هريرة رضي الله عنه الذى كان ملتصقا بالنبي عليه الصلاة والسلام منذ إسلامه وحتى انتقال النبي عليه الصلاة والسلام للرفيق الأعلى , بل وكان ـ كما يقول عن نفسه ـ مشغولا بجمع الحديث لا صناعة ولا هم له إلا هذا الأمر
ومع ذلك ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من أربعة آلاف حديث بالمكرر
وعدد الصحابة رواة الألوف لا يزيد على أصابع اليد الواحدة بينما أكثرهم روى العشرات والبعض الآخر روى المئات التى لا تتعدى خمسمائة حديث ,
كل هذا وفيهم من صحبه طيلة سنوات الدعوة قائما وقاعدا مجاهدا وعابدا ولم يتركوه طيلة ثلاثة وعشرين عاما وليس من بينهم صحابي واحد روى أكبر من الأربعة آلاف
فكيف روى جابر الجعفي الكوفي عن الإمامين الباقر والصادق سكان المدينة مائة وأربعين ألف رواية ؟!

ومن المضحكات المبكيات حقيقة أن عالما من علماء الشيعة مثل عبد الحسين شرف الدين لم يستح أو يدارى خيبته الثقيلة فصنف كتابا للطعن على أبي هريرة رضي الله عنه وزعم فيه أنه كان يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام
ودلل على ذلك بأنه روى أربعة آلاف حديث فى فترة صحبته للنبي عليه الصلاة والسلام وهو عدد كبير ـ فى نظره ـ لو قسناه بالفترة التى عاشها أبو هريرة مع النبي عليه الصلاة والسلام رغم أنها قرابة عشرين عاما !

الأسئلة المعلقة !


نأتى فى نهاية هذا الفصل لطرح التساؤلات التى طرحناها وطرحها العلماء الأفاضل من المتصدين لكشف عوار هذا المعتقد ولم يجدوا من الشيعة جوابا لا صريحا ولا تلميحا ,
باختصار لأنها أسئلة قاصمة لظهر المعتقد كله , ومنها ,
أولا : من أين أتيتم بالقرآن لكريم , وكيف يكون القرآن الكريم مفقود الإسناد عندكم من طرق الأئمة المعصومين وهو أكبر الدين وأول العلم , وإذا لم تأخذوه عن آل البيت فمن أين أخذتموه ؟!
ثانيا : وثقتهم فى رجالكم الفاسق والكافر ومن تعتقدون ضلاله المبين واعتبرتهم هؤلاء الحفنة من شراذم الرجال هم أصحاب الأئمة المعصومين الناقلين لعلمهم , رغم الإيمان التام لديكم بفساد هؤلاء النقلة
فى نفس الوقت الذى كفرتم فيه الصحابة العدول بنص القرآن الكريم ورفضتم رواياتهم للدرجة التى دفعت زنديقا مثل عبد الحسين شرف الدين أن يقول أن مرويات الصحابة من أمثال أبي هريرة ليس لها عند الإمامية مقدار بعوضة ؟!
فما هى الروايات المعتد بها عندكم إذا ؟!
روايات زرارة بن أعين النصرانى الذى لعنه الإمام الصادق ونعته بأنه ألعن من اليهود والنصاري , أم روايات جابر الجعفي الذى روى مائة وأربعين ألف حديث عن إمامين لم يقلق إلا أحدهما ولجلسة واحدة فقط لا غير !
ثالثا : أتباع من أنتم بالضبط ؟!
تقولون أنكم مسلمون وتتبعون أهل البيت , فمن المرسل من عند الله عز وجل , ومن نبي الأمة
محمد عليه الصلاة والسلام أم جعفر الصادق رضي الله عنه .؟!
والسؤال منطقي ,
لأن كتب الشيعة المعتمدة لا تنقل شيئا إلا عن جعفر الصادق وحده حتى أنهم تسموا بالجعفرية نسبة لجعفر الصادق , ومرويات بقية الأئمة إلى جوار روايات جعفر الصادق لا تعدل إلا قطرة فى بحر !
فلماذا اختص جعفر الصادق وحده بنقل هذا الكم الهائل من الدين , وأين هى مرويات بقية الأئمة الذين هم أئمة معصومون مثل جعفر وقاموا بالدين مثله كما تزعمون ,
والأخطر ,
أين تراث وسنة النبي عليه الصلاة والسلام ؟!
وكيف يكون هو صاحب الشريعة وإمام الأئمة ورواياته فى أعظم كتبكم الكافي لا تتعدى ستة وستين حديثا من مجموع ستة عشر ألف حديث تقريبا احتواها الكتاب
معظمها لجعفر الصادق بنسبة خمسة وتسعين بالمائة على الأقل ولا توجد فيها روايات لفاطمة الزهراء أو لعلى بن أبي طالب أو للحسن أو للحسين رضي الله عنهم إلا بمقدار العشرة أو العشرين
فإذا كنتم بلا قرآن ولا سنة فمن أين أخذتم الإسلام يا ترى ؟!
رابعا : يعجز الشيعة حتى يومنا هذا من إثبات حديث واحد صحيح متصل السند ولو على شروطهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام , وكل رواياتهم عنه موقوفة مقطوعة عند جعفر الصادق ؟!
فأين تراث السنة أين المصدر الثانى للتشريع ؟!
والأطم من ذلك أنهم يدعون اتباعهم لآل البيت ورغم هذا لا يوجد عندهم كتب جامعة لسيرة المصطفي عليه الصلاة والسلام أو حتى سيرة الأئمة إلا فيما ندر
, فى حين أن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام تمثل قسما بأكمله عند أهل السنة اسمه ( السير والمغازى ) يتعرض أصحابه أول ما يتعرضون لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وأحواله وصفاته وغزواته .. الخ
خامسا : فى نفس الوقت الذى رفض فيه الشيعة الاثناعشرية سنة الصحابة التى نقلناها بأسانيد متصلة صحيحة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ,
لم يكتفوا بأن يقبلوا روايات الوضاعين والكفار والزنادقة فحسب , بل تجاوزا الأمر إلى اعتبار الخرافات التى يرفضها العقل السليم مصدرا رئيسيا للتشريع
ومنها ما يسمى برقاع وتوقيعات المهدى المنتظر التى وقعها وأخرجها عبر سفرائه الأربعة فى فترة الغيبة الصغري التى امتدت لسبعين عاما ,
حيث كان السفراء واحدا بعد الآخر يدخلون على المهدى حاملين أسئلة الناس فتخرج التوقيعات بخط المهدى ـ فيما يزعمون ـ لتحمل الأوامر بالفتوى والدين !!!
رقاع أصحابها مقطوع بأنهم زنادقة أفاكون استغلوا جهل العوام ليأكلوا أموال الناس بالباطل ومع هذا فتلك الرقاع المزورة مصدر هام من مصادر التشريع عندالشيعة الإثناعشرية وبإجماع علمائهم ؟!
ولم يقف الأمر عند الحد بل تمادوا إلى حد مضحك ,
ففي فترة الغيبة الكبري التى لا يوجد فيها سفراء للمهدى ينقلون إليه أسئلة السائلين , ابتكر علماء الشيعة نظرية تقول بأن الرقاع من الممكن أن تصل للمهدى من العوام مباشرة ,
قال بهذا الأقدمون وأيدهم المعاصرون من أمثال ياسر حبيب حيث نصح سائليه فى موقعه على الإنترنت باستخدام هذه الرقاع بالطريقة التى نصت عليها رواياتهم لتصل إلى المهدى وأوصاهم بها لأن المهدى ـ على حد قوله ـ ينظر لها بعين العطف
أما الطريقة الواردة فى كتبهم فهى أن يكتب الشيعي على رقعة ما يطلبه من المهدى ثم يلقي الرقعة فى بئر !
وستصل الرقعة للمهدى وإن كنا لا نعلم كيف ستصل ولا كيف سيأتى الجواب !
ولا ينبغي لنا أن نستغرب هذا المسلك مع عقول مريضة استعبدها أصحاب العمائم وعطلوا عقولهم تعطيلا تاما وخاطبوا فيهم غرائزهم على نحو جعل من الجمهور الشيعي عبارة عن أرض رملية تمتص فى يسر وسهولة كل مياه الخرافات التى يلقيها إليهم المعممون ,
وإلا فكيف يجرؤ على الكوارنى وكيل المرجع الأعلى الوحيد الخراسانى على أحاديث الخرافة علنا على الهواء للدرجة التى يستخف بها بعقول الناس فى قناة تليفزيونية فيفتيهم أن مثلث برمودا تلك البقعة الغامضة فى المحيط الأطلنطى عبارة عن قاعدة عسكرية للمهدى المنتظر !
كما جاء غيره فى تسجيل شهير فى موقع يوتيوب فقال بأن الولايات المتحدة عجلت بضربة العراق لخوفها من خروج الإمام المنتظر مما استدعى أن تبقي قريبة من موقع الحدث عند ظهوره !
وكما قال رئيس إيران الحالى أحمدى نجاد ذو الأصول اليهودية أنه مختار من قبل الإمام المهدى وواجه خصومه بذلك
وصدق المثل القائل ,
إذا ضعفت النفس استسلمت للخرافة ,

ويتبقي الفصل الأخير فى هذا القسم من الكتاب وسنخصصه إن شاء لبعض الأصول الفقهية الشاذة عند الشيعة

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:34 PM

الأسس التى قام عليها دين الإثناعشرية


طالعنا من خلال ما سبق مدى الخلو الفادح عند الإثناعشرية من الأصول التى قام عليها الإسلام وهى القرآن والسنة والإجماع ,
وهو الأمر الذى أدى لنتيجة منطقية وهى رفضهم بطبيعة الحال لكل أئمة الإسلام بداية من الصحابة وحتى آخر عالم من أهل السنة وليس الأمر مقتصرا على مجرد عدم الأخذ بل وصل إلى درجة الإتهام والطعن المصاحب للتكفير وهو أول لا يثير الاستغراب إذا علمنا أن أصل دينهم قائم أساسا على تكفير الجيل الأول وهو جيل الصحابة رضي الله عنهم وحملة هذا الدين ومظهروه
كما طالعنا النصوص التى نقلت إجماع علماء الإمامية على تكفير عموم أهل السنة واعتبارهم نواصب حلالو الدم والمال مما يدل دلالة قاطعة على الأصل الذى قامت عليه هذه الملة وهو العداء السافر والحقد الشنيع على الإسلام وأهله عن طريق التستر بمظلومية أهل البيت !
ونستطيع ببساطة أن نتوصل لنتيجة هذا كله على التدين العملى المصاحب للشيعة الإثناعشرية , والذى يمكن تعميمه بقولنا أنه دين يقوم فى بدايته على التغنى بآل البيت كتقديم ومدخل إلى الطعن بالصحابة ثم أئمة الإسلام بالذات الأصوليين منهم وهذا مما لا يخفي الهدف منه وهو تحقيق الإنتقام السافر من دين الإسلام الذى أسقط تلك الدول التى بذرت التشيع ووجدت شجرته من يرعاها عبر القرون لأسباب مختلفة تتفق جميعها فى العداء
وقد ابتدع الإثناعشرية ـ بناء على مرويات الزنادقة التى حشدوا بها كتبهم ـ أصولا لدينهم ما أنزل الله بها من سلطان واعتبروها هى أساس وأصول التشيع بل وأصول الإسلام من وجه نظرهم ,

وهذه الأسس تتخلص فى أمرين
المتعة , والخمس , وتكفير سائر المسلمين واستباحة أموالهم ودمائهم كلما تيسر ذلك , وقد نقلنا آنفا النصوص الدالة على هذا التصريح
والشيعة الإثناعشرية فى جميع عصورهم السابقة والمعاصرة قاموا بنصرة بدعتهم تلك من أجل هدفين وحيدين ,
إما أن يكون الهدف العداء الخالص للإسلام , وإما الرغبة فى الإنحلال والتكسب بالأموال الطائلة المجموعة باسم خمس الإمام أو الأموال المحمولة لنصرته
وإما أن يجتمع الغرضان جميعا ,
ولهذا فالمطالع للأصول التى قام عليها الدين الشيعي ـ لا سيما اليوم ـ يجد أن ضروريات المذهب تعتمد اعتمادا كليا على المتعة والخمس والتحريض على القتل والعداء باستخدام أسلوب إثارة المشاعر لدى العوام وتدريبهم التدريب العملى على سفك الدماء عن طريق ممارسة التطبير وهو ضرب القامات والرءوس بالسيوف والجنازير فى تجمعات كبيرة لا يستثنى منها حتى الأطفال الصغار !
وكل الضروريات التى يقوم عليها المذهب بعد ذلك إنما هى ضروريات تخدم هذين العنصرين , ومن أراد أن يفهم حقيقة التشيع الإثناعشري لا سيما بعصره الحديث فلينظر إلى هذين العنصرين لأنهما الأساس الذى لم ولن يسمح علماء الشيعة بالمساس بهما مهما كان الثمن وأى عالم تجرأ على القول فيهما بحرف تم طرده شر طردة من حظيرة التشيع إلى التسفيه والتكفير وأحيانا القتل
وبقية الضروريات التى تمثل للدين الشيعي أعمدة البناء تخدم عنصري التشيع وهما المتعة والخمس فى جانب والعداء والتحريض فى الجانب الآخر منها
* مظلومية أهل البيت فى غصب حق الإمام على ـ كما يزعمون ـ والقول الجازم بأن آل البيت كانوا أعداء الصحابة
* تكفير الصحابة جميعا

وهما ضروريتان لصيقتان ببعضهما لأن المظلومية هى التى قام عليها التشيع أصلا ولا يمكن بأى حال إثبات هذه المظلومية ما لم يتم القول بتكفير الصحابة والتصديق بالخرافات المنسوبة إلى كبارهم ومن أهمها فرية قتل عمر بن الخطاب للزهراء رضي الله عنهما
ولهذا فإن دعاة التقريب اليوم يظنون الوهم إذ ظن أحدهم أن علماء الشيعة لديهم استعداد لمجرد مناقشة هذه الأمور والتى يوقن علماء الشيعة أنها معدومة الأصل والحقيقة ولكنهم يتدثرون بالتقية وبين جموع العوام تنتشر خطبهم التى تؤكد على بغض الصحابة وتكفيرهم لأنها كما سبق القول ضرورية من ضروريات التشيع التى تبين المظلومية وينبنى عليها أصل الإمامة المغتصبة التى ينبنى عليها الخمس والمتعة والحرب على هذا الدين
* ضرورية تكفير جميع المسلمين ما عداهم والغلو الرهيب فى الأئمة
وهى من الضروريات التى لا غنى عنها إطلاقا لأنها تعتبر الركيزة التى يقوم عليها أساس تغفيل العوام وإقناعهم أنهم ناجون من النار حتما مهما فعلوا لمجرد أنهم انتسبوا للإثناعشرية وهذا ما يلزم منه بالطبع أن يكون هذا الضمان على أوسع مستوى عن طريق تكفير المخالفين واعتبار أنهم ليس لهم نصيب من النجاة بل إنهم كفار أنجاس وحسناتهم تذهب للشيعة بينما سيئات الشيعة تذهب لهم "34"
الأمر الآخر الذى يؤكد هذا التغيبب هو ضرورة اعتبار الأئمة فى مصاف الآلهة المنجية فتجتمع الخصلتان وهما تكفير المخالفين مع تعظيم الأئمة لكى يتمسك الشيعي العامى بمذهب الطائفة ولا يتركه أبدا لأنه المذهب الذى حقق له النجاة بالآخرة عن طريق صكوك الغفران ,
وفى نفس الوقت حقق له الرغد والحرية الفوضوية فى الدنيا على يد الفقهاء والعلماء الذين لم يتركوا شيئا من ملذات الدنيا لم يحللوه لجماهيرهم وأول هذا الأمر كان فى تحليل المتعة بشتى أصنافها بل والتحريض عليها واعتبارها القربي الأعظم إلى الله !

من هنا نستطيع القول أن تلخيص قصة الإثناعشرية اليوم يقوم على صفقة بين العلماء والعوام يؤدى فيها العوام أموالهم وأعراضهم لأئمتهم فى مقابل المتعة وشذوذها وفى مقابل تحليل كل الشهوات والماديات التى يشتهيها العوام واعتبارها من أمور الدين ,
وهو نفس ما تفعله الطرق الصوفية بالذات فى مصر حيث تجد أن أصحاب الطرق تربطهم علاقة وطيدة بكبار رجال الأعمال "35" فى كل بلد الذين يغدقون عليهم بالأموال فى مقابل إيهام ثلة رجال الأعمال المنحرفين أن هذه بتلك وتصبح الحياة أكثر لذة ومتعة بهذا الشكل !
تماما كما يفعل بعض المنسوبين إلى الدعوة وهم عبارة عن مجموعة عصابية مهمتها الإلتفاف حول مجتمع ما يسمى بالفن والتمثيل وإقناعهم بأن أداء العمرة وإقامة مآدب رمضان وبناء المساجد يعتبر كفارة مناسبة لكل الموبقات التى يرتكبها هؤلاء طيلة العام ولهذا أصبحت من قبيل الظاهرة المنتشرة مسألة الحج الجماعى والعمرة الجماعية والمآدب الفاخرة فى رمضان والتى يرعاها أساطين هذا المجال الداعر فى نفس الوقت الذى يستخدمون فيه شهر رمضان باعتباره موسم العمل الذهبي للمسلسلات والبرامج التليفزيونية !!
ولهذا ما كان غريبا أن تظهر إحدى الراقصات على شاشة الفضائيات لتجيب على سؤال تم توجيهه إليها عن سر شعبيتها المستمرة لليوم فقالت
( إن الله يحب الإخلاص فى العمل .. وقد أخلصت فى عملى !! )

فالمسألة بيننا وبين الشيعة الإثناعشرية ليست اختلافا فى العقيدة والأصول فحسب بقدر ما هى اختلاف بين مهنة وطبيعة المتناقشين ,
فالثلة التى تحكم الإثناعشرية مجموعة من الزنادقة يدركون أكثر من غيرهم أن ما هم عليه من الدين لا علاقة له بالإسلام ولا بآل البيت من قريب أو بعيد
بينما الثلة التى تحمل هم المسلمين من علمائنا يتكلمون فى أمر الدين وأمر الآخرة فهيهات أن يجتمع النقيضان
ولو كان علماؤنا المنادين بالتقريب يتكلمون إلى من يجهلون حقيقة أمرهم , لكان فى الأمر فائدة لكن كيف يستقيم ذلك وهم أمام مجموعة من العصابات التى تشكل تنظيما كاملا مهمته جنى الأموال الطائلة بتجارة كلامية لا تكلفهم أكثر من الخطب النارية والفتاوى الشاذة ,
ومن يتأمل فى أحوال الجمهور الشيعي اليوم يدرك حقيقة كلامى ,
ففي إيران استيقظت طبقة من المثقفين كفرت بكلمة الدين تحت تأثير الكهنوت الذى يحكم البلاد والخرافات التى يتاجر بها المعممون فنزعوا إلى العلمانية والمذاهب الفكرية المعاصرة فى رد فعل مطابق لرد فعل الأوربيين بعد محنة العصور الوسطى التى كانت تحكم أوربا بنفس هذه الخرافات فاقتلعوا الكنيسة والكنسيين من حياتهم وأعلنوا العلمانية مذهبا ودينا كما حدث فى فرنسا وروسيا باسم الشيوعية ,
لأن كهنوت رجال الدين المسيحى خرب البلاد وشرد العلماء وأضاع التقدم والعقول طيلة ثمانية قرون كانت أوربا فيها غارقة فى ظلام دامس بينما بلاد الإسلام التى لم يعرف دينها الكهنوت والرهبانية ـ بل وحرموها وحصروا الحجة فقط فى القرآن والسنة ــ كانت تتقدم بسرعة البرق فى شتى صنوف العلم التى مثلت لأوربا المعاصرة الأصول العلمية التى ساروا عليها فى عالمهم المعاصر ,
وكهنوت رجال الشيعة أشد من كهنوت النصاري الذين كانوا يبيعون صكوك الغفران الكنسي بل ويبيعون أراض فى الجنة لمن يشتهى من رجال المال , فجاء آيات الشيعة ففعلوا نفس الشيئ وزادوا عليه أنهم حرموا وحللوا وأباحوا وفق أهوائهم وحسب ما يرتضيه الجمهور بلا حياء
وساعدهم فى ذلك أن الجمهور الشيعي تعلم منهم الإسلام على هذه الصورة فى نفس الوقت الذى شدد علماء الشيعة التحذير والنكير على من تراوده نفسه فى مطالعة القرآن والسنة , أو الاستماع لعلماء السنة

فأما القرآن فقد قالوا أنه لا يكون حجة إلا بقيّم أى شارح والقيّم هو المهدى الغائب وهو غير موجود إذا لا ينبغي للشيعى أن يتدبر القرآن أو يتفكر فيه ويبنى عليه معتقدا أيا كان نوعه بل يعود فى ذلك إلى العلماء وحدهم
فتمكنوا بذلك من الخلاص من مأزق عارم لأن آيات القرآن المحكمات صريحة للغاية فى أصول الإسلام والأكثر خطورة أنها أشد صراحة فى مدح وتبجيل وتزكية الصحابة رضي الله عنهم وهو الأمر الذى يهدم أساس التشيع كله لو اكتشفه العوام المغيبون
أما السنة فتمكنوا من وضع حاجز نفسي صلب بين الجمهور وبين السنة المروية من طرقنا نحن واعتبارها مروية عن طريق المرتدين أعداء آل البيت وبالتالى فمهما قرأ الشيعي فى كتبنا التى تحمل الإسلام الصحيح بأسانيده لن يتأثر لأننا أعداء آل البيت كما يزعمون
فى نفس الوقت الذى اعتبروا فيه وشددوا على أن علماءنا امتداد لعلماء الدولة الراشدة والأموية والعباسية وبالتالى أعداء آل البيت ونواصب حتى لا يتأثر الجمهور بما يسمعه من هؤلاء العلماء ويشهد بصدقه قلب السامع قبل أذنه
وأما سنتهم المروية من كتبهم ورغم أنها حملت روايات الزنادقة المؤيدة للمذهب , إلا أنها أيضا كانت ولا زالت تمثل خطورة على انتماء الجماهير إذا طالعها أحدهم , وذلك لوجود عدد لا حصر له من التضاربات بين المرويات وبعضها البعض فضلا على احتوائها على روايات موثقة عندهم تهدم بعض أركان الدين الشيعي كروايات تحريم المتعة المروية عن جعفر الصادق وروايات إسقاط الخمس فى الغيبة ,
بالإضافة لما هو أهم :
أن كتب الأصول لا تحتوى أى مستند يبيح للعلماء الفتاوى بالغة الشذوذ التى يقولون بها ولا توجد كذلك فتوى أو نص واحد ولو بسند ضعيف منسوب لأحد الأئمة يقول فيه أن الخمس فرض على الشيعي لصالح الفقيه حال الغيبة
فكل تلك الأمور تم استحداثها على كتب الأصول وتبلورت مؤخرا عنها بينما المطالع لأركان الدين عند الشيعة يجد أن الخمس أحد الفرائض الركنية اليوم
لهذا كله :
فقد صدرت أحكام العلماء بأن كتب الشيعة لا ينظر فيها إلا العلماء وحدهم وقرروا أيضا القاعدة الغريبة السابقة من أن تلك الكتب تحتمل التصحيح والتضعيف أبد الدهر وأنه مهما تم تصحيح رواية معينة فهى قابلة للتضعيف من أى مجتهد وهذا ما يسر الأمر كثيرا لعلماء الشيعة كى يتفادوا مأزق إلزامهم بتصحيح العلماء لتلك الروايات التى تمثل مأزقا لهم , ولهذا رفضوا مبادرة البهبودى لنقد أصول الكافي وكذلك مبادرة المجلسي رغم أنهم أعاظم علماء الطائفة وقالوا أن تلك المشروعات التصحيحية للروايات ـ حتى لو أيدت المذهب ـ فإنها لا تلزم الطائفة بها إلا فى القول بالأصول المتفق عليها
وعليه أضحى حراما على الشيعى أن يقرأ سواء فى القرآن أو السنة بتدبر وأن يسأل فيهما
أما طلبة العلم الذين يطالعون تلك الأصول فى دراستهم
,
ففي البداية لا تقوم الحوزات بتدريس القرآن الكريم نهائيا ولا أى علم من علومه فضلا على سائر المبادئ التشريعية المعروفة بالإضافة إلى حجب تام لمادة التاريخ الإسلامى ومنهج كتابته "36" فانتفت الخطورة بطبيعة الحال لأن الطالب لن يتعلم شيئا من تلك الأدوات التى تؤهله اكتشاف الحقيقة حتى لو كان باحثا عن الحق فعلا ,
أما بقية المواد المتعلقة بالفلسفة والمنطق وعلوم الكلام وكتب الأصول التى قد يثير تناقضها الطلاب فيسري عليهم نفس ما يسري على العوام حتى يبلغوا درجة الإجتهاد وبهذا ينضموا إلى التشكيل العصابي ويفوت أوان التراجع ومن يلوح فيهم بادرة من بوادر الإصلاح أو المناداة به يكون الجزاء معروفا مسبقا إما التكفير والتهديد وإما القتل كما حدث مع العديد من آيات الله الكبار الذين راودتهم أحلام التصحيح فكان جزاؤهم رهيبا دون أى اعتبار لمكانتهم العلمية ,

فتم قتل ابن آية الله الأصفهانى جد الدكتور موسي الموسوى الذى سار على درب جده فى التصحيح فحاربته الحوزة بكل قوتها , وأيضا مع آية الله البرقعى الذى صنف كتاب كسر الصنم لتدمير أصول الكافي أوثق مراجعهم وأيضا الدكتور على شريعتى وآية الله فضل الله وهو من المعاصرين وصدرت أحكام الحوزة بتكفيره رغم أنه المرجع الدينى الأعلى فى لبنان , وكل ذلك بسبب إنكاره واستهجانه لقصة كسر ضلع فاطمة الزهراء وإسقاط جنينها وقتلها بواسطة عمر بن الخطاب وهى القصة التى تمثل أيقونة التاج التى يتاجر بها علماء الشيعة على العوام ,
ولأن اعتراضه أثار البلبلة فى واحدة من ثوابت العصابة فكان لزاما التصدى له بكل السبل
وأيضا الباحث الشاب أحمد الكاتب والذي تحرر من القيد المضروب على المراجع الأصلية وفرغ نفسه لأعوام في مطالعة كتب التاريخ تحديدا مع كتب العقيدة وهاله من وجد من الكوارث التي تضرب أساس المعتقد فصنف كتابا كاملا شهيرا وهو ( تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ) أثبت فيه بالنصوص القاطعة من كتب الشيعة نفسها أكذوبة المهدي المنتظر
وعرضه على العلماء فمنهم من تهرب منه ومنهم من صرح له بالتصديق لكن طالبه بنسيان الأمر لأن علماء الشيعة اليوم من المستحيل أن يقروه فيطوون الموائد العامرة بالأموال التي يجنونها من وراء هذه الأسطورة "37"
وتم نشر الكتاب بالفعل وأحدث دويا هائلا لا زال صداه لليوم يثبت للعالم كيف وعلى أساس يقوم المعتقد الإثناعشري لا سيما وأن أحمد الكاتب لم يقصر فى شيئ بل قام بشرح تجربته كاملة وكيف أن بحثه فى كتب التاريخ الشيعية نفسها هو الذى أدى به للتساؤلات المعضلة التى عجز عنها آيات الشيطان فى قم وعجزوا عن إجابة سؤاله الوحيد
أين الرواية الوحيدة الصحيحة المجمع عليها ـ وفق شروط الشيعة ـ التى تثبت وجود خرافة المهدى ؟!
وسنقوم بإطلالة بسيطة على أمر التدين الشيعي لدى الشيعة اليوم فى ضوء فتاوى الفقهاء العملية ونلقي نظرة على كيفية استعبادهم العوام بسلاحى الترغيب والترهيب عن طريق مناقشة أمر المتعة , والتى تعتبر أكثر ظواهر الشيعة بروزا

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:36 PM

المتعة عند الشيعة ,


من أهم أصول النقاش فى أمر من الأمور أن نولى وجهنا أولا شطر الأصول قبل الدخول فى التفصيل وإلا انقلب النقاش جدالا لا ينتهى إلى يوم الدين ,
ومسألة الإهتمام بزبدة أى موضوع والتركيز عليه هى الصفة الوحيدة فى النقاش مع الشيعة التى لا يحتملها هؤلاء القوم ولا يطيقونها , لأنها سرعان ما تكشف عوار معتقدهم بأبسط عبارة وأيسرها ,
وقد مثلنا لذلك فى مسألة جدالهم الفارغ وإثارة الشبهات حول موضوع تحريف القرآن فى محاولة منهم للهرب من إلزامهم بتواتر هذا المعتقد عندهم , وقلنا أن النقاش ينتهى بمجرد مطالبتهم بأمرين وحيدين لا يحتاجان إلى كثير قول وجدل
وهما أن يأتوا بسند القرآن الكريم من طرقهم مشفوعا برواية واحدة , رواية واحدة فقط عن إمام من أئمتهم تقول بعدم التحريف
والأمر الثانى أن ينقلوا لنا فتوى واحدة ـ لا إجماعا ـ مجرد فتوى واحدة لعالم معتبر يقول فيها بتكفير القائل بالتحريف ,
فبهذه الإلزامات المباشرة فى أصل الموضوع ينتهى الجدل سريعا وينحسم النقاش

نفس الأمر يحدث فى أمر المتعة ,
فكثيرا ما نستمع ونرى الكتابات والمحاضرات والمناظرات بين السنة والشيعة حول أمر المتعة , وهى تمتد فى الأخذ والرد الذى لا ينتهى حول الأدلة الواهية التى يحتج بها الشيعة على إباحة المتعة عندهم ,
وهذا الأمر ليس هو زبدة وخلاصة الموضوع لأن المتعة التى يناقش بها هؤلاء غير المتعة التى يطبقونها فعليا اليوم ولا علاقة لها نهائيا بالمتعة التى كانت مباحة لثلاثة أيام فقط فى عهد النبي عليه الصلام ثم تم تحريمها بالنص القطعى عن النبي عليه السلام ,
وعلى هذا أجمعت فرق المسلمين جميعا حتى الشيعة الزيدية ولم يشذ بالقول بإباحتها إلا الإثناعشرية وحدهم ,
فالمتعة القديمة كان زواجا لا فارق بينه وبين الزواج الطبيعى إلا فى معيار تحديد المدة , وبعد ذلك يسري على قواعد المتعة نفس القواعد التى تسري على الزواج الدائم بلا خلاف
لكن الكارثة التى نرجو أن ينتبه لها القارئ أن الشيعة لا تمارس هذه المتعة أصلا بل هى تمارس متعة مبتدعة لا فارق بينها وبين الدعارة من أى وجه وشرعوا لذلك قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ولا قال بها دين من الأديان حتى عبدة البقر والماعز
!
ففي البداية هناك فى الفقه الإسلامى بابان كبيران لأعمال العباد والتكليف التشريعي ,
وهما الرخصة والعزيمة ,
فالعزيمة يوصف بها الفعل الذى يحتوى على أمر تكليف بالأداء أو الترك ويكون حكمه واجبا أو فرضا وعليه ثواب وعلى تركه عقاب ومثاله الفروض الخمسة والجهاد ونحوها ,
فلا يمكن أن نصف الصلاة مثلا فنقول أنها حلال أو مباحة أو مستحبة بل هى فرض واجب قطعى الأمر
والباب الثانى هو الرخص وهى بوابة الإباحة التى لا تستلزم فرض التكليف بالفعل بل هى تعطى فيه الجواز أما الفعل فللمرء أن يكف عنه إذا شاء أو يفعله ولا حرج عليه ولا ثواب عليه أيضا
بمعنى أنه أمر مباح من شاء أن يفعله فعله بلا حرج لكن متجنبه لا يأثم ولا يؤجر "38"
ومثال ذلك سائر المباحات فى الشريعة مثال المأكل والملبس والمشرب من غير المحرمات ,
والمتعة عندما شرعها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام , نزلت كرخصة تخفيفا للمئونة التى يلاقيها المجاهدون من الإغتراب بعيدا عن أوطانهم فى الجهاد , أى أنها كانت رخصة مثل رخصة الإفطار فى رمضان للسفر أو للمرض
فهل المتعة عند الشيعة رخصة كما كانت على عهد النبي عليه الصلاة والسلام ؟!
الجواب لا بالطبع
بل هى عزيمة من أكبر العزائم التى يحض عليها الدين الشيعي وتاركها ليس له نصيب من الخير عندهم , ويؤيد ذلك ما ننقله كمثال بسيط من أمهات مراجعهم التى تنوء بأحمال الجبال من أمثال هذه النصوص ومنها وأشهرها ,
ما سبق أن نقلناه عن الكافي للكلينى عن جعفر الصادق أنه قال ـ فيما يزعمون ـ
( ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ـ أى رجعتنا ـ ويستحل متعتنا )
ويكفي ما استفتح به هذا النص المفترى قوله ( ليس منا ) لنعرف أنها من أركان الإيمان عند الشيعة الرافضة !
بل ينقل الكاشانى فى منهاج الصادقين عن جعفر الصادق أن منكر المتعة كافر مرتد ويدين بغير الإسلام
( بأن المتعة من ديني ودين آبائي، فالذي يعمل بها يعمل بديننا والذي ينكرها ينكر ديننا، بل إنه يدين بغير ديننا، وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة، ومنكر المتعة كافر مرتد)
وعن جعفر الصادق أيضا ينقلون قوله فى ( من لا يحضره الفقيه )
(عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن المتعة ؟ فقال : إني لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا وقد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يقضها )
وبلغ بهم التبجح أن جعلوها وصية من وصايا جبريل عليه السلام للنبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج وكأنى بهم رفعوها إلى مرتبة الصلاة التى تم فرضها في هذه الحادثة الجليلة ,
فينقلون في نفس المصدر وفى وسائل الشيعة وفى بحار الأنوار نص هذا الحديث المفترى على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام
(عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن النبي صلى اللّه عليه وآله لما أُسري به إلي السماء ، قال : لحقني جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد صلى الله عليه وآله : إن اللّه تبارك وتعالى يقول : أني قد غفرت للمتمتعين ، من أمتك من النساء )
وفى نفس المصادر السابقة ينقلون عن جعفر الصادق قولا آخر أشد فرية مضمونه "39"
(عن صالح بن عقبة عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : للمتمتع ثواب ؟
قال : إن كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى وخلافاً على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب اللّه له بها حسنة ، ولم يمد يده إليها إلا كتب اللّه له حسنة ، فإذا دنا منها غفر اللّه له بذلك ذنباً ، فإذا اغتسل غفر اللّه له بقدر ما صبّ من الماء على شعره .
قلت : بعدد الشعر ؟ !
قال : بعدد الشعر
)
ثم صارت المتعة عندهم هى الطريق الأوفي لبلوغ مرتبة الأولياء والصالحين بل ومرتبة الحسين والنبي عليهما السلام , حيث نقلوا في كتبهم حديثا مفترى آخر يساوى بين درجة الحسين وبين المتمتع لمرة واحدة والمتمتع لأربع مرات درجته كدرجة النبي عليه الصلاة والسلام
تقول الرواية وهى في منهج الصادقين للكاشانى أيضا
( من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب عليه السلام ومن تمتع أربع فدرجته كدرجتي.)
ثم يأتى زنديق منهم بعد ذلك فيزعم أنهم أتباع آل البيت وهم ينظرون إليهم بهذه النظرة المنحطة التى ما نظرها اليهود أنفسهم لأنبيائهم لأنهم ما جعلوا مقام موسي أو سليمان متاحا لغيرهم عن طريق ممارسة الفاحشة والرذيلة
وفى منهج الصادقين للكاشانى نقل أن المنفق لدرهم واحد في المتعة خير عند الله من المنفق لألف درهم فيما سواها ! وفى موضع آخر من الكتاب ينقل الكاشانى أن من تمتع من امرأة مؤمنة كان له أجر كمن زار الكعبة سبعين مرة !
وهذا هو منهج الصادقين في دين الشيعة , وهذا هو دين الشيعة الذي جعل من الفروج والشهوات طريقا ذهبيا للجنة والولاية ونصرة آل البيت , ولأجل هذا لا ينبغي للمطالع في أحوالهم ألا يستغرب من بعضهم حماسة الدفاع عن هذا المعتقد , لا سيما إن كان من المتشيعين الذين يجدون في مذهب الشيعة ما لذ من الشهوات والأموال تحت بند نصرة الدين ليصبح دين الشيعة أكثر الأديان الشعبية بين أهل الانحراف !

والناظر إلى طبيعة المنضمين للدين الشيعي يجدهم من أراذل المبتدعين أصلا ,
ويكفينا مثالا عنهم التونسي محمد التيجانى السماوى الصوفي المحترق سابقا والمتشيع حاليا والذى كتب عدة كتب في ترويج المذهب الشيعي حافلة بالفضائح والكفريات الشنيعة , وننتقي منها فقط تجربة خاصة بالمتعة مناسبة للموضوع حيث اقترح في كتابه (كل الحلول عند آل الرسول ) أن تفتح الحكومات بيوت الدعارة بشكل رسمى ويخضعوها للإشراف الطبي تحت باب سد الذرائع !!
والطامة الأكبر كانت في كتابه ( ثم اهتديت ) وغيره من تلك السلسلة التى شرح فيها بلا حياء تجربته في المتعة مع نسوة الشيعة في أوربا وكيف أنه وجد في المتعة راحة نفسية أوحت له أن دين الشيعة أقرب للحق من السنة ,
وواصل قائلا أنه ذهب لصديق له في أوربا يعمل مدرسا فقال له هذا المدرس أن جميع طالباته ليس فيهن واحدة عذراء !
فلما سأله التيجانى لماذا ؟
أجابه المعلم المحترم بأنه عاشرهن جميعا !
ودعا التيجانى أن يزوره في أحد الدروس لينتقي لنفسه واحدة من الطالبات تشبع ملذاته , وبالفعل ذهب التيجانى التقي وقام صديقه بإخراج الطالبات واحدة تلو الأخرى إلى لوحة الكتابة بحجة الدراسة حتى يتأملهن التيجانى عن كثب وينتقي
واختار التيجانى بعد ذلك واحدة منهن ترك لها عنوانه وضرب لها الموعد في المساء وعاش معها يلاعبها وتلاعبه على حد قوله
!

وأنا أدعو القارئ المنصف أن يتأمل كلام شيخ السوء هذا الذي تعدى عمره الخامسة والخمسين وهو يبرر المتعة ويروى تجربته فيها بلسان التزكية والتشجيع ويحكم القارئ بنفسه , هل هذا من دين الله أم من دين الشيطان ؟!
وكل هذا تحت تشجيع تزكية أباطرة قم والنجف حيث أنهم يزكون التيجانى ويرفعونه إلى مرتبة عظمى بل وتكفل مركز الأبحاث العقائدية التابع للمرجع الأعلى السيستانى بطبع كتبه جميعا وهى تحوى تلك الطوام التى عرضنا منها نموذجا بسيطا مما يدل على تبنيهم الكامل لها
من خلال هذا النموذج يصبح من السهولة بمكان أن نعرف لماذا يدافع المتشيعون الجدد عن الشيعة بحماس ولماذا يدافع أبناء الشيعة أنفسهم من أهل القيادة فيهم عن هذا المعتقد فليس من السهل أن يجدوا لغرائزهم متنفسا كهذا المتنفس ومنبعا لا حد له للأموال كما هو الحال عند الشيعة

وعودة إلى موضوع تقنين المتعة ,
وكما أوضحنا مما سبق منزلة المتعة عندهم وطبيعتها الحيوانية التى لا علاقة لها بزواج المتعة القديم الذي كان مشروعا , تجدر بنا الإشارة إلى التطبيقات العملية لممارسة المتعة والفضائح المتعلقة بها والتى تعتبر لمن لا يعرفها من الخيال الجامح ,
بداية ,
المتعة ورغم أنها مسماة بالزواج المؤقت إلا أنها لا تحتوى على أى إجراءات من أى نوع , بل تكون صيغة العقد بسيطة للغاية إيجاب وقبول واتفاق على المدة والأجر , فلا عقد مكتوب ولا توثيق ولا أى شكل من الأشكال الإجرائية التى يمكنها أن تصنع فارقا واحدا تختلف به هذه المتعة عن الدعارة
هذا بالإضافة إلى أن مدة المتعة مفتوحة فمن الممكن عقد المتعة لمدة ساعة أو نومة أو يوم أو ليلة , بالإضافة إلى أنها لا ترتب عدة أصلا ولا تحتاج شهودا ولا تحتاج وليا , فقط عبارة تقولها المرأة ( متعتك بنفسي ) ويجيبها الرجل وينتهى الأمر
هذا بالإضافة أن المتعة لا تمثل عائقا في العدد , بمعنى أن الرجل يجوز له أن يتزوج بأى عدد من النساء متعة في نفس الوقت حتى لو كان متزوجا من أربع , هذا فضلا على واحدة من الكوارث العجيبة التى ينسبونها لجعفر الصادق رضي الله عنه وبرأه مما يفترون ,
هذه الكارثة تتمثل في أن المتعة تجوز حتى في المتزوجة أصلا , فقد نقل الكلينى في الكافي 5/462 .
( عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله إني أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء و لا آمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر . قال : ليس عليك هذا !! إنما عليك أن تصدِّقها في نفسها !!! )
وفى التهذيب ـ الجزء السابع 253 ـ ينقل الطوسي نفس المعنى في الرواية التالية :
(وعن فضل مولى محمد بن راشد قال : قلت لأبي عبد الله: إني تزوجت امرأة متعة ، فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا !!! قال (أي أبو عبد الله لم فتَّشت ؟ !)
أى أنهم ينسبون لجعفر الصادق ـ إمام أهل البيت في زمانه ـ أنه أفتى باللوم على الرجل إذا بادر بسؤال المرأة قبل أن يتزوجها متعة هل هى متزوجة أم لا وألزمه ـ كما في الرواية الأولى ـ بأن يصدقها إذا ادعت أن ليس لها زوجا !
وفى الرواية الثانية يلقي على السائل اللوم لأنه بادر بالتفتيش ليكتشف أن المرأة التى تزوجها متعة كانت متزوجة !
وقام السيستانى بتطبيق ذلك حرفيا حيث ورد في كتابه ( منهاج الصالحين ج3 مسالة 260 ) الفتوى التالية
(يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة , وأن يسال عن حالها قبل الزواج مع التهمة من أنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا , وأما بعد الزواج فلا يستحب السؤال , وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً فى الصحة.)
وكثيرة هى طوام تقنين وفتاوى المتعة ويضيق المقام بذكرها ومن أراد المزيد
فيراجع في ذلك فتاوى السيستانى على موقع السراج وفتاوى صادق الروحانى وكلاهما من أكابر علماء الشيعة في هذا العصر "40"
وإذا نظرنا إلى طبيعة المتعة بهذا الشكل فالسؤال المنطقي هنا هو ما الفارق الذي يمكن أن نضع أيدينا عليه لكى نفرق بين المتعة والدعارة بأجر ؟!
وما هو تعريف الزنا إذاً .. إذا كانت المتعة المقننة تتم بهذه الصورة
بل كيف يمكن أن يكون في الإسلام جريمة اسمها الزنا أصلا في ظل تلك القوانين ؟!
أريد عاقلا واحدا يبين لى كيف يمكن أن يرتكب الشيعي جريمة الزنا وكيف يمكن إثباتها ؟!
ولو أن أربعة شهود شهدوا على رجل وامرأة بالزنا فخرج الرجل يدعى أنها متعة كيف يمكن للقاضي أو الشهود أن يثبتوا العكس
؟!
ولم تقف الكوارث عند هذا الحد ,
بل خرج السيستانى زعيم مرجعية النجف وأحد فواجر الشيعة الكبار الذين ضربوا بسهم وافر في تلك الأمور , خرج بعدد من الفتاوى هى بصريح العبارة تقنين للدعارة ما عرفناه حتى بين البهائم الأعجمية ,
ومنها إباحته ممارسة نكاح الدبر مع الزوجة إذا قبلت وعلى كراهة !
ولومه وتقريعه لشاب استفتاه على موقعه الشخصي أنه دخل ذات يوم فوجد شقيقته بين ذراعى رجل غريب فأخذته النخوة وهم بقتله ثم حبسه في منزله وأرسل يستفتى السيستانى الذي ألقي عليه اللوم الشديد وأنه ليس له ولاية على شقيقته ولو أتت بالحرام
وأشهر فتاواه إباحته لنساء الشيعة أن يتخذن المتعة كمهنة للكسب !
فقد ورد إليه سؤال عن جواز أن تمتهن الشيعية التى لا تجد عملا زنا المتعة كمهنة فتتقلب بين أذرع الرجال تباعا قصدا للأجر لا قصدا للتمتع , فأجاب فض الله فاه بأنه لا مانع ! "41"

وهكذا اتضحت الصورة , فهؤلاء المجوس تدثروا بالدين وحب آل البيت بهدف واحد ووحيد وهو هدم الإسلام في قلوب هؤلاء العوام والإطاحة به من نفوسهم وإغراقهم في مجتمع الرذيلة إلى أبعد الحدود
وتتكامل بقية الفتاوى التى أصدرها الخومينى والروحانى والخوئي مع هذا الإتجاه , وفتوى الخومينى التى أجاز فيها التمتع بالرضيعة من غير معاشرة "42" تبين ذلك , إذ أن هذه الفتوى الداعرة تبين مدى الهوس الجنسي لدى هؤلاء القوم والذى خالف حتى الفطرة الحيوانية
وجاء السيستانى فأفتى أن يتمتع عدة من الرجال بإمرأة واحدة في مجلس واحد , يخرج واحد منهم فيدخل الآخر تباعا !
وجاء الروحانى فأفتى بجواز أن يتمتع الرجل بعدة نساء متعة في وقت واحد في نفس الفراش !
وهو نوع من الفتاوى لا يدرى المرء طبيعة سندها بالضبط وإلى أين يصل منتهى السند , هل إلى آل البيت الأطهار أم إلى مجلات البلاى بوى

ولا تسأل عن مدى الكوارث التى تسببت فيها هذه الفتاوى من اختلاط الأنساب وزنا المحارم على نحو جعل من مدينة قم وهى المدينة المقدسة عندهم عبارة عن حلقة جنس بوهيمى كبري دفعت حتى الأوربيين ـ المنحلين جنسيا أصلا ـ للاستغراب من كمية الفساد التى تحفل به هذه المدينة !
وهو ما صرح به عدد من المستشرقين ونقله عنهم بعض باحثي الشيعة مثل الدكتورة شهلا حائري حفيدة المرجع الأعلى السابق في قم الحائري والتى صنفت كتابا فضيحة باسم المتعة ونشرته مترجما للعربية عن أصله الإنجليزى وضمنته من الكوارث ما الله به عليم ! "42"
أما عن آثار المتعة فيكفينا التصريح الشهير للرئيس الإيرانى السابق هاشمى رفسنجانى بأن زواج المتعة والهوس به تسبب في مائتين وخمسين ألف طفل لقيط في الشوارع وعشرات من الحالات الإنسانية المأساوية وتناقلت الصحف عنه هذا التصريح ليصبح اعترافا علنيا بطبيعة المجتمع الإيرانى
وكانت مجلة الشراع إحدى المجلات التى نقلت هذه التصريحات على لسان رافسنجانى في عددها رقم 684 قوله
( يوجد بإيران عدد مائتين وخمسين ألف طفل لقيط بإيران بسبب زواج المتعة )
وبتاريخ 16 أغسطس 2009 م , أصدرت المنظمة العراقية للمتابعة والرصد ـ وهى إحدى منظمات المجتمع المدنى بالعراق ـ تقريرا موسعا وحافلا جاء فيه
( يوجد بالعراق 87 % ممن أصيبوا بالإيدز اعترفوا أنهم من محترفي ممارسة زواج المتعة )
ثم جاء الشيخ الشيعي صادق الجميل ليفجر مفاجأة مدوية عندما كشف لباب الأسرة بجريدة الأيام البحرينية بعددها الصادر في 22 ديسمبر 2008 فنقل عشرات من القصص المأساوية لفتيات قاصرات في عمر الزهور من طالبات المرحلة الإعدادية وقعوا في حبائل الشباب الذين استعانوا بكتيبات الفتاوى العملية لكبار مراجعهم ليمارسوا معهم هذا الزنا المقنع لتكون النتيجة كارثية على الفتيات وأهليهم من الناحية الإجتماعية والصحية والنفسية
ومن تلك القصص التى نقلها الجميل قصة فتاة في المرحلة الإعدادية أصيبت بالإنهيار العصبي بعد أن مارست زواج المتعة مع أحد شباب الجامعات والذى جلب عددا من أصدقائه ليتناوبوا على التمتع بها مما أدى بها إلى حالة هيستيرية دفعتها لمحاولة الإنتحار وتم إنقاذها في اللحظة الأخيرة لترقد رهن العلاج النفسي حتى تاريخه
وينقل الدكتور محمد عبد المنعم بري الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر عن جريدة الأهرام خبرا مفاده أن أعلى نسبة انتحار بين النساء على مستوى العالم سجلتها إيران بفارق ضخم عن أقرب دولة تحتل المركز الثانى بعدها "43"

وليت أن الأمر اقتصر على استباحة النساء والتحريض على ممارسة المتعة مع المؤمنات بالتحديد , بل تجاوز الأمر هذا إلى حالة أخرى أشد فصارت إيران أشبه بسدوم أخرى "44" تلك المدينة التى بعث الله إليها لوطا عليه السلام وكانوا يأتون بفاحشة ما سبقهم إليها أحد من العالمين وهى إتيان الذكور
وكل من يتعرض للشأن الشيعي يعرف تماما مدى استفحال هذه العادة القذرة في المجتمع الشيعي الإيرانى إلى حد الهوس ونورد مثالا عنها واحدا وهو اعترافات عباس الخوئي نجل زعيم حوزة النجف السابق الخوئي والذى انقلب على الشيعة فجاءت اعترافاته مذهلة وصرح فيها بأن انتشار اللواط لو كان بين العامة لهان لكن أن يكون المفعول به مرجعا هذه هى الكارثة "45"
وما قاله عباس الخوئي لا يحتاج للتدليل أو التوثيق لأن كتب الفتاوى لعلماء الشيعة الكبار حافلة بإثبات هذه الظاهرة , فإذا تأملنا فتاوى الخوئي نفسه مثلا سنجد أنه في عشرات الفتاوى يتعرض بالإباحة والجواز في مسألة الزواج في حالة إذا كان الخاطب قد فعل هذه الفاحشة مع والد خطيبته
وتخيلوا فقيها يأتيه سائل يستفتيه ويخبره هكذا في بساطة أنه قد فعل هذا الفعل الشنيع مع والد زوجته فهل تحرم زوجته عليه أم لا ؟!
فلا يستنكر عليه المفتى شيئا ويجيبه على فتواه بأنها لا تحرم عليه !

هذا بالإضافة للطامة الأكبر وهى فتاوى رمضان , شهر العبادة والتنسك , حيث أخرج فقهاؤهم عدة فتاوى عرضها الدكتور طه الدليمى على قناة صفا في برنامج الحقيقة وفحواها يتناول أحكام الوضوء والغسل وفساد الصوم أو عدم فساده في حالة ممارسة فعل قوم لوط في نهار رمضان !
وهذه الفتاوى حافلة الوجود في كتب الفقه العملى للشيعة ووجودها دليل ساطع على أنهم يعالجون بها واقعا وإلا ففيم صدرت إذا ؟!
وربما يدور بخلد لقارئ ذهول منطقي أمام كمية الفساد الأخلاقي والتردى في المجتمع الشيعي بهذا الشكل وضياع أبسط مقومات الإنسانية منهم , لكن هذا الذهول يجب أن تقابله حقيقة تكشف السبب ,
فهؤلاء الأرجاس اعتدوا على عرض أمهات المؤمنين وعرض أصحابه البررة وهم أولى أولياء الله تعالى بعد الأنبياء والرسل , والله عز وجل يغار على أوليائه وهو القائل في الحديث القدسي
( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب )

وتكتمل دائرة الهدف الشيعي الذي يسعى إليه أباطرة المرجعيات , إذا علمنا أن المتعة التى جعلها هؤلاء العلماء أقرب الطرق للجنة , وثوابها لا يعدله ثواب في طاعة , هى في نفس الوقت مرفوضة تماما إذا طلب أى شيعي عامى التمتع بابنة أحد المراجع !
ولو أن شيعيا عاقلا أو لديه ذرة مروءة سأل نفسه هذا السؤال لأدرك ,
لماذا يشجع هؤلاء المراجع تلك الممارسات ويعتبرونها أقرب القربات إن تعلقت ببنات العامة بينما تصبح حراما وكبيرة من الكبائر إن تجرأ عامى واحد على تطبيقها في ابنة أحد المراجع ؟!
وهو ما عبر عنه صراحة أكثر من مرجع وعالم شيعي ومنهم صالح العرادى الذي نقلت عنه قناة صفا إجابته على سؤال حول مدى قابلية سماحة العلماء لأن يزوجوا بناتهم متعة ,
ولم يستح العرادى الذي كان في نفس الجلسة يلقي محاضرة على جمع من نساء الشيعة حول ثواب المتعة أن يعلن رفضه لهذا الأمر !!
بحجة أن العلماء يبحثون لبناتهم عن الإستقرار !!
وكنا نتوقع أن يأتى السؤال المنطقي من إحدى الحاضرات فيقول لهذا الزنديق , وهل بنات العلماء أشرف وأطهر من بنات العوام في هذا الصدد
إلا أن إحداهن لم تنطق أو تعقب !
وما عبر عنه العرادى لم يخرج عن كونه معتقد العلماء الشيعة من قديم الزمن وهو أنهم يستبيحون أعراض الناس باسم آل البيت ويجعلونها من باب إلتماس البركة
وبلغ بهم الحقد المجوسي في التحريض على أن تكون المتمتع بها هاشمية النسب بينما يستنكرون ذلك إذا كان في مواجهتهم
ويؤكد ذلك ما نقله الطوسي في تهذيب الأحكام عن هذا الأمر حيث يقول
( إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف فلا يجوز التمتع بها لما يلحق أهلها من العار ويلحقها هى من الذل ! )
فسبحان الله على هذا التناقض البين !
يدعون أن المتعة من تطبيق الإيمان وأنها أعظم القربات ثوابا وأنه ليس شيعيا من يستنكفها ويرغب عنها ويدعون أن النبي عليه الصلاة والسلام وعلى بن أبي طالب رضي الله عنه ـ وبرأهم مما يفترون ـ مارسوا المتعة مع بنات من بنى هاشم أشرف بيوت الأمة
وسبق أن نقلنا فتوى السيستانى عن استحباب أن تكون المتعة من مؤمنة عفيفة أو هاشمية , فهل هؤلاء لا يعتبرون عند أكابر الشيعة من أهل بيت الشرف ؟!
بالطبع لا لأن أهل بيت الشرف المقصودين هم أهل بيوت العلماء ولا ينصرف الشرف حتى إلى بيت بنى هاشم !
وهذا يكفي تماما لنعرف كيف ينظر علماء الشيعة لآل البيت و لعوام الناس وكيف يتعاملون معهم في مسألة المتعة
فيرونهم عبارة عن حلق للدعارة يستبيحون أعراضهم ليل نهار ,
وهذه النظرة لا تختلف عن نظرة علماء الشيعة لعوامهم في مسألة الخمس حيث يرونهم كفارا كما سنرى

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:37 PM

الخمس .. وما أدراك ما الخمس ؟!


بنفس الأسلوب الذي عرضنا فيها مسألة المتعة من حيث مناقشة الأمر من منبعه , سندرج موضوع الخمس من ذات النقطة تلافيا لكثير من التفاصيل والنقاشات التى توجه جهدها لمناقشة أمور بعيدة تمام البعد عن طريقة التطبيق في الواقع العملى
وبداية ,
الخمس عند الشيعة ـ لمن لا يعرفه ـ عبارة عن ضريبة تقع على العامى تبلغ خمس المغانم والمكاسب التى يحققها في العام , وهى مسألة مطلقة بمعنى أنها ليست كالزكاة مثلا لها ضابط وشروط إذا تخلف أحدها تسقط الزكاة عن المؤدى
بل هو أمر فرضي من أركان الدين لا يكون دين الشيعي تاما إلا به ولا يوجد له استثناء من أى نوع كما أنه لا يخضع لقواعد الإستبعاد التى في الزكاة فالزكاة مثلا تسقط عن الغارم صاحب الدين وتسقط إذا لم يتحقق النصاب المعلوم كما أنها تقع على أشياء محددة لا على مطلق كل مال منقول أو ثابت
فالزكاة مثلا لا تجوز في الخضر
أما الخمس فلا علاقة له بهذه الأمور حيث يتم أخذه من العوام في كل الأحوال وعلى كل ما يمثل شيئا من المال وفى جميع حالات المكاسب بل والبيع والشراء التقليدى يجب فيه الخمس على البائع وعلى المشترى في نفس الوقت
ولا يستثنى من دفع الخمس إلا فئة واحدة فقط , وهى فئة العلماء المجتهدين الذين حازوا درجة الإجتهاد من إحدى الحوزات العلمية
فهؤلاء هم من يقبضون الخمس ولا يدفعونه ( ونترك هذه المسألة لتأمل عقلاء الشيعة )

أما قصة الخمس ومبرره ودليله عندهم فهى كما تقول النصوص الشيعية أن الخمس هو حق الإمام المعصوم في زمانه , ولما كان الإمام المعصوم الحالى لا زال في سردابه الميمون لم يخرج بعد فإنه في الغيبة ينوب عنه في قبض أموال الخمس المراجع الذين يشرفون على تقليد العوام لهم
ويستدلون على الخمس بالآية الكريمة التالية
[وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {الأنفال:41}
هذه الآية الكريمة هى الآية الوحيدة التى ورد فيها ذكر الخمس , والمقصود به هنا هو خمس المغانم عند الجهاد فقط
نكرر :
هذا الخمس يتم أخذه من مغانم الحروب التى يخوضها المسلمون ضد الكفار حصرا فإذا غنموا منهم شيئا يتم تخميسه وأخذ الخمس وأدائه للنبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته ,.
فلا يؤخذ الخمس إطلاقا من المسلمين ولا يجب عليهم بحال من الأحوال بل هو ضريبة تُنتقي من مغانم الحروب مع الكفار خصصها الله عز وجل لمحمد عليه الصلاة والسلام وآل بيته كتعويض لهم على تحريم الصدقة عليهم حيث نص الحديث الشريف
( إن الصدقة لا تحل لآل محمد )
وهذه الضوابط التى ذكرناها مذكورة في صلب الآية التى تتحدث عن مغانم الحرب كما يعضدها التطبيق العملى في السيرة النبوية وهذا الأمر محل إتفاق بين جميع المسلمين بمختلف فرقهم وطوائفهم ما خالفت في ذلك إلا طائفة الشيعة التى قررت الخمس على المكاسب وفرضته على المسلمين كما لو كانوا كفارا بنظرهم
لهذا قلنا أن علماء الشيعة بتطبيقهم هذه الفروض تتضح حقيقة نظرتهم لعوامهم المساكين

نخلص من هذا العرض إلى أن الخمس لا يحل أبدا إلا في مغانم الحروب مع الكفار , وبالتالى لا يحل في مغانم المسلمين التى يغنموها من الأرض والبحر مثلا كما لا يحل إذا تلاقت فئتان من المسلمين في حرب
الأهم من هذا وذاك أنه لا يحل لأحد غير النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته فقط , لأنهم المحصورون بعدم تحليل الصدقة عليهم
فماذا فعل الشيعة يا ترى ؟!
قاموا بأخذ مسمى الخمس نفسه فقط وقننوا له من القوانين المبتكرة ما جعله موردا عظيما لممارسة النصب والإحتيال على الناس فقرروا أن الخمس هو سهم الإمام المعصوم وحده وإذا غاب المعصوم فينوب عنه في تحصيل الخمس نوابه
ولا نصيب لآل البيت الباقين
وكان أمر تحصيل الخمس في بداية حدوث الغيبة في القرن الثالث الهجرى يقوم على أساس تحصيل هذه الأموال وكنزها للمهدى لحين خروجه ,
وتحت هذا المبرر قام النواب الأربعة للإمام المهدى الغائب في فترة الغيبة الصغري بتحصيل هذه الأموال من مغفلي الشيعة وإيهامهم أنهم سيكنزونها للمهدى ,
وبالطبع لا عزاء للمغفلين !
أما عندما جاء الخومينى فإنه طرح حمرة الحياء جانبا وأعلن نظرية ولاية الفقيه التى جعلت من المرجع الأعلى الشيعي عبارة عن إمام معصوم مكان الإمام الغائب وهم لا يصرحون بأن النائب إمام معصوم لكنهم يتعاملون عمليا بناء على هذا المبدأ حيث أصبحت كلمة أى مرجع شيعي كالقدر إذا نطق بها نفذت !
ومن ضمن لوازم ولاية الفقيه أن العوام يجب عليهم فرضا أن يقلدوا أحد مراجع التقليد من الفقهاء وهذا المرجع يكون بيده الإشراف على حياة العامى بكل تفاصيلها حيث يستفتى هذا المرجع في كل شاردة وواردة
وبالمقابل يؤدى الشيعي خمس مغانمه ومكاسبه إلى هذا الفقيه كل عام ,
فانقلب الخمس فجأة من حق لآل البيت إلى حق للإمام المعصوم وحده ثم استبعدوا آل البيت أصلا ــ وهم أصحاب الحق الأصيل ـ ليصبح الخمس من حق المرجع المقلد ويعتبر كذلك من فروض الدين كالصلاة والصوم ولا يصح دين أى شيعي إلا بوجوب التقليد والخمس

أما ما يثير الدهشة حقا ,
فهو أن عملية النصب هذى أنها مكشوفة جدا أمام أعين المنتبهين إلا أن عوام الشيعة لا يلتفتون إلى ذلك , رغم أن بقواعد الخمس قاعدة لو تأملها حيوان أعجمى لأدرك أن هؤلاء المراجع عبارة عن مافيا منظمة
تلك القاعدة هى أن الشيعي العامى لا يجوز له أن يقلد إلا المراجع الأحياء فإن مات المرجع المقلد فعليه أن يقلد مرجعا حيا آخر ويحرم عليه أن يستقي دينه وفتاواه من فتاوى أى مرجع ميت حتى لو كان بشأن حادثة مكررة استفتى فيها سابقا
وهذه القاعدة الظريفة هى التى أتاحت لعلماء الشيعة أن يضمنوا استمرار تدفق أموال الخمس من سائر العوام نظرا لأن العوام لو اكتفوا بتقليد الأموات فلن يدفعوا هذه الضريبة
مع أن السؤال المنطقي هو ما مبرر تحريم تقليد الأموات طالما أنهم كانوا بحياتهم مراجع معتمدين وعلماء حازوا درجة الفتيا ويقلدهم الناس , وهل يموت العلم مع صاحبه يا ترى ؟!
بالإضافة إلى أن فرض التقليد ذاته أمر يثير التعجب , لأن المسلم ليس لزاما عليه أصلا أن يلتزم بفقيه معين فيأخذ بأقواله منفردا فهذا ضد الدين على طول الخط لأن الحجة في البشر على البشر هو محمد عليه الصلاة والسلام وحده ومن بعده يؤخذ من كلامهم ويترك
ولهذا فإن المسلم عليه أن يستفتى من وجد من العلماء بلا تحديد ولا يشترط عليه لزوما أن يتبع فتواه بل له الحق في الأخذ بها أو تركها لفتوى غيره إن شاء إذا لم يتوفر له الإطمئنان القلبي
والأهم من هذا وذاك :
أن العلماء ليس من حقهم أصلا الحصول على المقابل في أداء العلم بالإفتاء للناس وعوامهم وإلا كانوا ممن يشترون بآيات الله ثمنا قليلا
ويستثنى من ذلك فقط الأجر الذي يتلقاه العالم على تعليمه العلم لطلبة العلم في حلقات الدروس , وحتى في هذا الباب , يظل العالم الذي يؤدى العلم بلا مقابل هو الأفضل عن هذا الذي يؤديه بأجر بالإضافة إلى أن أجر التعليم يؤخذ من الدولة لا من العوام
أما السؤال والفتيا فتلك فريضة على العالم أن يؤديها لمن طلبها بلا مقابل وإلا كان كاتما للعلم
يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام ما معناه
( أيما رجل سؤل عن مسألة فكتمها يلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار )
الأمر الآخر الهام :
أن الإسلام لا يعرف الوصاية من العلماء في دقائق الشئون على الناس ,
فالعلماء لا يملكون سلطانا على الناس يجبرهم على تقليدهم أو استفتائهم وإنما هو أمر بالخيار من شاء فعله عند الحاجة ومن شاء امتنع ومن شاء بحث بنفسه في الكتب فاستخرج ما يريد لو كان ممن له دراية
أما الشيعة فقد قلبوها رهبانية أشد من رهبانية النصاري واليهود الذين ما خطر ببالهم مثل هذا التفكير الشيطانى !

وقد كتب عدد من علماء الشيعة المعتدلين عددا من الكتب في هذا المجال أنكروا فيها تلك الضريبة المجحفة , مثل كتاب الدكتور موسي الموسوى أحد علماء الشيعة الذي صدر بعنوان ( الخمس بين الضريبة والفرض ) وتكلم محب الدين الكاظمى أيضا وغيره من أبناء الشيعة أنفسهم
ولم يكن كلامهم مرسلا ,
بل أسسوا إنكارهم على نصوص كتب الشيعة الأصلية ذاتها والتى تخلو خلوا تاما من أدنى دليل يثبت للمراجع حقا في الخمس أصلا فضلا على اعتباره فرضا عينيا من أهم الفروض !
وفجروا مفاجأة من العيار الثقيل حيث أثبتوا من كتبهم الأصلية خلوها من مسألة أداء الخمس للفقيه إلى جانب نقلهم اتفاق العلماء على تصحيح روايات إسقاط الخمس في الغيبة عن المعصوم نفسه ,
بمعنى أنه حتى لو كان الخمس للمعصوم فقد جعل شيعته في الغيبة الكبري في حل من هذا الفرض
وفى المناظرات التى تجرى بين السنة والشيعة طالب علماء السنة الشيعة بأن يأتوا لهم من كتبهم هم بدليل أو برواية واحدة وحيدة صحيحة أو ضعيفة أو حتى موضوعة تبيح لعلماء الشيعة قبض الخمس من العوام فعجزوا
!
ولهذا السبب قلنا أن علماء الشيعة أصبحوا معصومين في نظر عوامهم عصمة فعلية وما ينطقونه يصبح دينا ولولا هذا ما بلغ التبجح بهؤلاء العلماء أن يجعلوا الخمس أحد أركان الدين

وهو منعدم الأصل والدليل في دينهم المحرف أصلا
وكان من النتائج الطبيعية لهذا الخمس أن تكدست الأموال عند المراجع لأن عدد مراجع التقليد سواء بإيران أو العراق لا يتجاوز العشرين في مقابل عدد عوام الشيعة المفروض عليهم الأخماس يتعدى المائة مليون شيعي على الأقل منهم في إيران والخليج عدد من أباطرة المال والأعمال والبترول
ومهما بلغ الخيال بالقارئ لن يمكنه أن يتصور حجم الأموال التى يمتلكها هؤلاء المراجع والتى تتسلل أخبارها بين الحين والآخر عن طريق التسريب
ولما أثار الدكتور محمد الهاشمى صاحب قناة المستقلة مسألة الخمس أمام الدكتور الشيعي سعد الرفيعى فى مناظرات عام 2008 م وطالبه بالإفصاح عن كمية الأموال السنوية التى يتلقاها السيستانى المرجع الأعلى بالعراق وهل صحيح أنها تبلغ مائتى مليون دولار
تهرب الرفيعى وراوغ وقال أنها لا تتجاوز سنويا أكثر من خمسين مليون دولار !!!
ولست أدرى أين مجلة فوربس الإقتصادية التى تختص بأخبار مليارديرات العالم عن هؤلاء المراجع الذين يكنزون من الأموال ما تعجز عنه ميزانيات بعض الدول

وفضائح وحيل المراجع في استنزاف أموال العوام لا حد لها ,
ويلحق بالخمس من مصادر الأموال مصدران يتفوقان عليه بمراحل ويندرجان تحت بند تلك العصابات ,
وأعنى بهما التمويل الرسمى للمراجع من النظام الإيرانى الذي يسيطر عليه فقهاء ولاية الفقيه منذ عهد الخومينى وحتى اليوم وكل موارد ومؤسسات الدولة تعمل في إطار خدمة الطائفة ونشر مذهبها ومعتقداتها باستخدام الأموال الطائلة في سياسات التبشير الشيعي بمختلف دول العالم ,
والمصدر الثانى يتمثل في الأموال التى تجمعها المراقد الشيعية ـ وما أكثرها ـ وقد نقلت شبكة الدفاع عن السنة صورا صحفية تم التقاطها لأحد أضرحة الشيعة المقدسة وهم ينقلون الأموال الملقاة في صناديق النذور في صناديق وحقائب متراصة !
الخلاصة أن الأموال المنهوبة من عامة الشيعة أغنياؤهم وفقراؤهم لا تؤذن بحصر تحت مسميات مختلفة من الخمس والنذور وغيرها ,
وتذهب تلك الأموال لمراجع التقليد وبعضها يتم توجيهه للنشاط الشيعي في الخارج وهو ما كشفته التحقيقات التى قامت بها الدول التى تعرضت للمد الشيعي في الخليج وشمال إفريقيا وأوربا وغيرها ,
وقد استغل أهل الأهواء في الخارج تعطش الشيعة في إيران للمد الرافضي فقاموا بخداعهم وحصلوا منهم على الملايين تحت زعم نشر التشيع في تلك البلاد ولم يخل الأمر من فضائح مخجلة وعمليات نصب راح ضحيتها مملوا تلك الحملات من إيران
وهناك نموذج للمتشيعين أحد المصريين وهو صالح الوردانى والذى أثبت أن النصابين إذا كانت أصولهم مصرية فلا يتفوق على ذكائهم أحد , لأن هذا المتشيع تمكن من الإستيلاء على أموال طائلة من إيران باعترافه هو نفسه وفر بها بعد أن أقنعهم أنه سيجعل مصر كلها شيعية وأرسل إليهم تقارير ملفقة عن عدد الشيعة وأنهم تجاوزوا الملايين , وبالطبع انكشف الأمر في وقته واكتشف الشيعة أن المؤسسات التى زعم الوردانى أنه يحتاج الأموال لإنشائها عبارة عن مؤسسات صورية على الورق فحسب وليست لها أدنى أثر من الواقع كما اتضح لهم أن عدد المتشيعين لم يتجاوز الألف أصلا ,
لكن كشف الوردانى أتى بوقت متأخر بعد أن تمكن من الفرار بالفعل
ثم أعلن منذ فترة قريبة أنه ترك التشيع وأنه فى هذه المرحلة ـ بعد استيلائه على الأموال ـ بصدد إصدار مذكراته عن تجربة تشيعه والتى وعد فيها أن سيكشف فضائح الشيعة والمرجعيات في مسألة الخمس الذي يتم استثماره لأغراض مختلفة "46"
ولا أحتاج أن أبين أن هذا الإعلان منه ليس له نية واقعية فعلية بل هو مجرد تهديد مبطن إلى أباطرة الشيعة أنه يملك تحت يده أوراقا وأدلة لو نشرها سيفضحهم في العالمين وبالتالى على الشيعة أن يبتلعوا مرارة تجربتهم معه ويتركوه وإلا أعلن ما تحت يده
ويبدو أن الرسالة وصلت إلى قيادات الشيعة فتركوه بالفعل
وأحد الشيعة من نشطاء البالتوك معروف باسم موسي الخمار طلب أربعين ألف جنيه مصري شهريا كمصاريف لإحدى غرف البالتوك الشيعية "47"
وقام هو نفسه بعملية نصب واسعة النطاق جمع فيها تبرعات بقيمة 14 مليون دولار لافتتاح قناة شيعية باسم قناة المصطفي ولم تنطلق القناة للآن "48"
وما خفي كان أعظم وما تركناه أكثر بكثير مما رأيناه من تلك العمليات تركناها طلبا للإختصار ,

والسؤال لكل شيعي لديه ذرة عقل ,
ما مصير أموال قارون هذى ؟!
وكيف يمكن أن يكون المراجع وهم أهل الدين عندكم بهذا السفه فى الأموال وهل كان النبي عليه الصلاة والسلام أو أحدا من آل بيته يقبض عشر معشار تلك الأموال المهولة لقاء الرسالة وأداء الأمانة ؟!
ثم كيف يمكن للشيعي البسيط أن يقتنع بأن الخمس فرض وركن من أركان الدين الشيعي في نفس الوقت الذي يعجز فيه علماء الطائفة جميعا عن الإتيان بدليل أو شبهة دليل تقول بأحقية المراجع والفقهاء في تحصيل الخمس ؟!
الأمر الأكثر خطورة وعجبا ,
كيف تتفوق مكانة الخمس على مكانة الزكاة وهى ركن من أعظم أركان الإسلام فيتلاشي ذكرها أمام الخمس ويصبح للخمس ولاية على سائر الأموال المنقولة وغير المنقولة بل والمنهوبة غضبا بينما الزكاة لها أموال محددة ومحصورة بطبيعة معينة ؟
وكيف يمر بعقل الشيعي أن يقتنع بالخمس عن تجارة المخدرات أو عن نهب أهل السنة إذا استطاع الشيعي تحصيله !
كما نقلوا عن جعفر الصادق في الكافي ( خذ مال الناصب متى وجدت وابعث إلينا بالخمس )
وهل يوجد في دين من الأديان مثل هذا التحريض الذي لا يصدر إلا عن تشكيل عصابي ؟!
وهل يُـتصور عقلا أن يصدر مثل هذا المقال من إمام بحجم وتقي جعفر الصادق ؟!
بل وكيف يتصور عاقل سنيا كان أم شيعيا أن هذا الدين الذي نقلنا بنوده ويتعبد بالدماء والنهب والشهوات والفجور هو دين آل البيت رضي الله عنهم ؟!

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:39 PM

موقفهم من مقدسات المسلمين ,


بعد هذا الذي أسلفناه من شرح عقائد الشيعة وموقفهم من المصادر الأصلية للتشريع الإسلامى وهى القرآن والسنة والإجماع وضربهم عرض الحائط في فقههم بكل تلك المصادر وابتكار دين آخر لا علاقة له بالإسلام
يتبقي التعرض لمبحث آخر لا يقل أهمية وهو موقفهم من المقدسات الإسلامية التى هى فرضا وعقيدة يجب أن تكون في قلب كل مسلم ,
لا سيما وأن الشيعة الإثناعشرية سواء في لبنان أو إيران يكثرون جدا من المتاجرة بقضية الأقصي وفلسطين ويتخذونها ذريعة لنشر التشيع باستدام الصخب الإعلامى والتضخيم الهائل للمناصرة الكلامية التى يلقونها من ألسنتهم بينما يكتمون تجاه الأقصي والحرمين معتقدات أخرى صادمة كما سنرى ,

أولا : موقفهم من الحرمين ,
من القرآن والسنة يعتقد كل مسلم أن أطهر البقاع على الأرض وأقربها إلى الله عز وجل هى أرض مكة والمدينة بالترتيب حيث يقع فيهما المسجد الحرام والكعبة المشرفة قبلة سائر المسلمين والمسجد النبوى الشريف ,
وتفردت مكة المكرمة بالمكانة التى لا تنافسها فيها أرض أخرى حيث اختارها الله عز وجل مكانا لبيته الحرام وأثنى عليها في كتابه العزيز وجعلها حرما آمنا ليوم الدين وقبلة للمصلين وموطن الحج الذي خامس الأركان في ديننا الحنيف ,
يقول الله عز وجل :
[وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ] {البقرة:125}
ويقول أيضا :
[فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ] {آل عمران:97}
وشرف الله عز وجل تلك البقعة بألوان التشريف وأصبحت الصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة , إلى غير ذلك من الفضائل المتواترة قرآنا وسنة ,
ويأتى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام في المرتبة الثانية وهو الحرم الثانى بعد مكة وجعلهما في أمان من الدجال عند خروجه في آخر الزمان كما ثبت في الأحاديث الصحيحة والصلاة في المسجد النبوى بألف صلاة فضلا على أن المدينة حازت من الفضائل الثابتة عن النبي عليه السلام الكثير ومنها أنها تنفي الخبث عنها وأن أهلها في أمان ومن أخافهم توعده الله بالعذاب الشديد فضلا على كونها دار ومقام هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وعاصمة الإسلام في أزهى عصوره ومنها انطلقت دعوة التوحيد لتغمر الأرض بلا إله إلا الله محمد رسول الله ,

فما هى قيمة الحرمين الشريفين عند الشيعة الإثناعشرية ,
وهل ينظرون إليهما وإلى فريضة الحج الركن الركين من أركان الإسلام بالنظرة الواجبة على كل مسلم و هذا ما سنراه من خلال نصوصهم المعتمدة لنعرف أن حاخامات التشيع عندما سطروا تلك الكتب والمعتقدات كان هدفهم ضرب الإسلام في قلب المسلمين وإماتة الإنتماء الطبيعى للقرآن والسنة والشريعة السمحة وعقائد التوحيد واستغلالهم في جباية الأموال وتحويلهم إلى عباد قبور حقدا من عند أنفسهم ,
فهدموا قيمة الحرمين وأسسوا للشيعة مواطن قدسية أخرى مثل كربلاء والنجف الذي يلقبونه بالنجف الأشرف , والسؤال هنا الأشرف ممن بالضبط ؟!
وجعلوا تلك المناطق بصريح العبارة مواطن القدسية الأصلية التى تتفوق بمراحل على مكة والمدينة وبيت الله الحرام بل وشرعوا لأنفسهم فريضة للحج إلى كربلاء في نفس توقيت الحج لبيت الله الحرام عمدا لتضييع تلك الفريضة ,

حتى أصبح الشاهد الآن أن حجاج الشيعة لكربلاء سنويا يبلغون أربعة ملايين زائر كلهم جاء يبحث عن الثواب الذي فرضه علماء الشيعة عندما قرروا لهم أن زيارة الحسين في يوم عيد تعدل عشرين حجة !
وأن الله عز وجل ـ تعالى الله عن ذلك ـ وأنبياءه وملائكته ورسله يزورون الحسين كل عام !
وأن أرض كربلاء شفاء من كل داء لهذا اتفق علماء الشيعة على أن الشيعي يستحب له عند المرض أكل قطعة من طين كربلاء بقدر الحمصة بنية الشفاء
هذا فضلا على أن الصلاة لا تجوز إلى قطعة من حجر كربلاء يحملها الشيعي دائما ليسجد عليها
أن أنهم استبدلوا كربلاء بالكعبة , وترابها بماء زمزم , وأرض الحرمين بقطعة من كربلاء كموطن للسجود
* ينسبون لجعفر الصادق أنه قال يصف مكانة الكعبة إلى جوار كربلاء ,
( إن أرض الكعبة قالت من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وأمنه .
فأوحى الله إليها أن كفي وقري مافضل ما فضلت به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر ولولا تربة كربلاء ما فضلتك و لولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك و لا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري و استقري و كوني ذنباً متواضعاً ذليلاَ مهيناً غير مستنكف و لا مستكبر لأرض كربلاء و إلا سخت بك و هويت بك في نار جهنم ــــ كامل الزيارات ص 270 بحار الأنوار ج101ص 109)
وهذا النص لمن يتأمله يستغرب من كمية التبجح والجرأة على الله تعالى عندما لا يكتفون فقط بمجرد التفضيل لكربلاء على الكعبة بل بلغ حقدهم أن وصمو الكعبة المشرفة وأرض الحرمين بالذنب الذليل المتواضع الذي يتهدده الله بجهنم لأجل كربلاء
رغم أن كربلاء وقدسيتها المزعومة ما جاء ذكرها من قريب أو بعيد في القرآن في نفس الوقت الذي أنزل الله تعالى في كتابه آيات محكمات في فضل مكة وأنها مستقر البيت العتيق أول مسجد وضع للأرض ,
وقد ذكر الله في آيات كتابه العزيز بلدانا ومناطق أخرى من العالم تصريحا وتلميحا ولم يأت ذكر كربلاء ولو مرة واحدة , رغم أن المناطق المذكورة في القرآن لا تعدل مقدار ذرة في مكانة مكة التى يراها الشيعة أقل من الذنب الذليل إلى جوار كربلاء
فذكر الله عز وجل بخلاف مكة والمدينة طور سينين ومصر والجودى ومدين وغيرها في عشرات المواضع بالتصريح والتلميح ,
فمن أين أتى الشيعة بهذا المعتقد الذي يناقض أول ما يناقض القرآن الكريم ,
لكن تفسير اللغز يتضح مما شرحناه سابقا أنهم وضعوا حاجزا متينا بين عوام الشيعة وبين القرآن الكريم وتتابعت مخططاتهم ليضعوا الحواجز بينهم وبين أركان الإسلام كلية ,
والعداء السافر تجاه بيت الله الحرام لا تفسير له إلا أنه مبنى على حقد مجوسي محض باعتبار المسجد الحرام قبلة المسلمين لهذا لم يدخروا وسعا في صرف الناس عن الحج وتقديس بيته الحرام عن طريق النصوص المغرضة مثل :
(إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة و أفضل من عشرين عمرة و حجة ) فروع الكافي 1/324 ابن بابويه ثواب الأعمال ص52)
أى أن زيارة تلك المشاهد والقبور التى أسسوها كننبع للشرك بالله تعالى جهرا , تعدل مقدار عشرين حجة وعشرين عمرة !
فى تحريض سافر على تهوين شأن ركن من أركان الإسلام وجعله فى أدنى منزلة إلى جوار ما ابتدعوه ,
وتنقل نصوص كتبهم رواية أخرى مغرضة توضح صراحة دعوتهم للشيعة ألا يركنوا للحج ما دام عندهم كربلاء وزيارة الحسين ,
حيث تقول الرواية أن أحد الشيعة سأل إمامه فقال له
(إني حججت تسع عشرة حجة، وتسع عشرة عمرة )
فأجابه الإمام بأسلوب يشبه السخرية – (حج حجة أخرى، واعتمر عمرة أخرى، تكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السلام ــ.الطوسي تهذيب الأحكام (2/16)، وسائل الشيعة (10/348)، بحار الأنوار (101/38 )
هذا مع لفت نظر القراء إلى البحث خلف ما يحدث عند تلك المشاهد والقبور والمهازل التى تنوء به الجبال من أساليب الإستجداء والاستغاثة بالأموات إلى التمسح بالأضرحة والسجود إليها والذهاب إليها زحفا على الأرض إلى غير ذلك مما تسجله عدسات الفضائيات والصحف في فترة الأعياد التى يقيمها الشيعة في أشهر العزاء !

وفى العام الماضي اتضح الغرض أكثر فأكثر حيث وقف نائب المرشد الأعلى للثورة على خامنئي المعروف باسم على علم الهدى يخطب في الجماهير الحاشدة في كربلاء في وقت الحج داعيا لتحويل القبلة إلى كربلاء بدلا من مكة في خطاب علنى سمعه الآلاف ونقلته عشرات من وكالات الأنباء والصحف !
حسبما نقلت جريدة طيبة الإلكترونية على موقعها في حينها ,
وفى وقت لاحق نقلت وكالة الأنباء الإيرانية فارس عن نفس الخطيب تبريره لتلك المقولة , فأضاف
(لأن بلاد الحجاز (السعودية) أصبحت ضحية للوهابية، والعراق محتلة من الكفرة والمغتصبين، فإن مدينة مشهد المقدسة وحدها يمكن أن تكون قبلة للمسلمين"، مضيفا أنه يزور مشهد سنويا 800 ألف زائر من الخارج و20 مليون زائر من داخل إيران على مدار العام، على حد قوله )

وما قاله علم الهدى فى فورة حماسه فى تلك الخطبة لا يعبر إلا عن مثقال ذرة مما يؤمنون به ويعتقدونه ومسجل فى مراجعهم التى تشهد على الحقد غير المسبوق تجاه قبلة الإسلام والمسلمين وتعظيمهم فى نفس الوقت للكوفة المدينة التى أصبحت فى تاريخ الإسلام منبعا للفتن والدسائس طيلة تاريخها ,
ينقل الفيض الكاشانى صاحب الوافي أحد مصادرهم الستة المعتمدة رواية فى باب فضل الكوفة ومسجدها رواية مفادها أن الحجر الأسود سيتم نزعه من مكة وزرعه فى مسجد الكوفة ,
تقول الرواية :
( يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحد من فضل مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس وصلى إبراهيم .. ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه ـــ الوافي للفيض الكاشاني , باب فضل الكوفة ومسجدها المجلد الثاني ج2 ص215)
وهذا التفكير الإرهابي ليس بمستغرب فقد سبقهم إلى هذا أقرانهم من الشيعة الإسماعيلية الباطنية الذين ما اكتفوا بالنصوص فهاجم طاهر القرمطى أحد رءوس القرامطة بيت الله الحرام وقتل الحجاج فيه حتى المعلقين بأستار الكعبة ودفن جثثهم في زمزم ثم نزع الحجر الأسود من مكانه ونقله لعاصمته حسبما ينقل بن كثير تلك الحادثة المشهورة المفجعة في البداية والنهاية ,
وتكتمل دائرة الأحقاد بالأمانى التى يتوقعها الشيعة في آخر الزمان عند ظهور المهدى المزعوم من سردابه , حيث بشروا أنفسهم بأن المهدى عندما يظهر سيكون أول أعماله هدم المسجد الحرام والمسجد النبوى ونقضهما حتى الأساس !
ينقل المقدسي في الغيبة والمجلسي في بحار الأنوار رواية تقول :
( إن القائم بهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وإله إلى أساسه ـ الغيبة للمقدسي ص 282 بحار الأنوار 52/338 )
ويؤكد الرواية شيخهم المعاصر حسـين الخراسـاني الذي يقول في كتابه ( الإسلام في ضوء التشيع ـ 132-133)
( إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لأخر أن يوماً قريباً آت يفتح الله لهم تلك الأراضي المقدسة ..)
أى أنه يتمنى فتحها كما لو كانت بأيدى الكفار والمشركين ,
وفي احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17/3/1979م تأييداً لثورة خميني ألقى أحد شيوخهم (د. محمد مهدي صادقي) خطبة في هذا الاحتفال سجلت باللغتين العربية والفارسية، ووصفتها الإذاعة بأنها مهمة، ومما جاء في هذه الخطبة
(أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود )
وهذا ما عبر عنه بشكل أكثر صراحة شيخهم المعاصر ياسر حبيب وآيتهم مجتبي الشيرازى وغيره في خطابات علنية مسجلة دعوا فيها الشيعة للاستعداد لفتح بلاد الحرمين وتحريرها من أيدى النواصب وهدم مساجدهم !
ثم بعد كل هذا الزخم من الأحقاد المعلنة , نجد من الشيعة اليوم من يخرج علينا بدعوة الوحدة الإسلامية التى صارت مطية كل راكب , والأكثر إثارة للدهشة وجود دعاة للتقريب بين أهل السنة أنفسهم رغم وقوفهم على تلك الكوارث التى تفصح صراحة عن حقيقة تلك الفرقة ,
لتبقي مشكلتنا الكبري أننا لا نقرأ ولا نهتم بالقراءة ولا نبنى المواقف بناء على الواقع الماثل بل نبنى المواقف على الهوى الشخصي ثم نبحث لها عن دلائل !
وكما رأينا موقفهم المخزى من الحرمين , سنرى موقفهم من المسجد الأقصي والذى يعتبر موقفا مفاجئا للكثيرين ولا شك , فى البلاد التى لا تعرف التشيع

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:42 PM

ثانيا : موقفهم من المسجد الأقصي ,

تكثر في الخطاب السياسي الإيرانى ـ لا سيما في عهد نجاد ـ مسألة المسجد الأقصي وفلسطين والعداء لليهود إلى غير ذلك من أقوال التقية ,
هذا فضلا على الطنطنة الإعلامية الهائلة التى يمارسها التشكيل العصابي المعروف باسم حزب الله في لبنان ,
وكما هى العادة في هذا العصر تأتى الدعاية بأساليبها المؤثرة لا سيما مع الشعوب العربية التى تعانى أشد المعاناة من حكامها المتواطئين مع الغرب والتضييق السياسي عليهم وعدم مراعاة تلك الأنظمة لاحتياجات شعوبها ورغبتها الحارقة في حل قضية القدس ,
فيحتفي أولئك المغيبون بإيران وحزب الله دون أن يتوقف أحدهم قليلا ويسأل نفسه ,
هل أطلقت إيران طلقة واحدة تجاه إسرائيل طيلة تاريخها ؟!
فإذا كانت الإجابة بالنفي فعلام الطنطنة الإعلامية والإحتفاء بظواهر صوتية تماثل ـ إن لم تتفوق ـ على الظواهر الصوتية التى يمارسها الحكام ,
وما يغيب عن بال الكثيرين أن التعاون الإسرائيلي الإيرانى في المجال السياسي والعسكري حقيقة واقعة سجلتها الوثائق الرسمية منذ تمويل إيران لإسرائيل بالوقود أثناء حرب 1973 م , التى واجهت فيها مصر وسوريا إسرائيل بتكاتف عربي , "49"
ومرورا بتعاون الخومينى الذي ادعى أن ثورته إسلامية مع إسرائيل في مجال التسليح في الصفقة الشهيرة التى افتضحت واشتهرت باسم ( فضيحة إيران ـ كونترا ) ليشترى الخومينى من اليهود السلاح الذي يستخدمه ضد المسلمين في العراق في تلك الحرب الوحيدة التى خاضتها الثورة الخمينية فجاءت أول ما جاءت ضد العراق ! "50"

أما حزب الله فى لبنان فقائده حسن نصر الله كان النائب الأول للموسوى زعيم حركة أمل الشيعية التى انشق عنها حزب الله فيما بعد وكان نصر الله ضمن قوات حركة أمل التى ارتكبت واحدة من أبشع المجازر تجاه الفلسطينين فى لبنان عام 1984 م
ونقلت وكالات الأنباء فى حينها شعارات حركة أمل الشيعية وهى تبيد اللاجئين ومحتواها كان عبارة عن نداءات القوة والنصر ضد الوهابيين الأنجاس "51"
وما يثير الدهشة حتى الأعماق أننا لا نتحدث عن تاريخ مجهول أو مغمى أو حتى تاريخ غارق فى القدم , !
بل إنه تاريخ سجلته عدسات المصورين وأقلام الصحفيين بتغطيات شاملة , فأين هذا التاريخ القريب من أعين الذين غرتهم طنطنة حزب الله اليوم
,
وبخصوص الحرب التى خاضها حسن نصر الله ضد إسرائيل ـ إن جاز تسميتها حربا ـ فهى لم تكن لأجل الفلسطينين من قريب أو بعيد بل صرح حسن نصر الله لوفد لكونجرس الأمريكى الذى زاره عقب الأحداث أن مشكلته تتخلص فى تحرير جنوب لبنان والوقوف على الحدود التى يقرها نظام الدولة اللبنانى ,
فكيف انقلبت الصورة فجأة إلى تصوير حسن نصر الله وحزب الله على أنه المدافع الأول عن فلسطين والأقصي وهو الذى ما أطلق طلقة واحدة دفاعا عن أى فلسطينى فى مطلق حياته
وعندما تفجرت أحداث غزة الأخيرة وكان حزب الله فى هيلمان قوته لم تنطلق من حزب الله طلقة واحدة ولو طلقة صوتية لمؤازرة الفلسطينيين الذين يتغنى بنصرتهم , فى نفس الوقت الذى وقف فيه ينعى على العرب خذلانهم


أما خذلان الحكام العرب فهذا أمر عهدناه وألفناه وهم عند جماهير الأمة العربية ـ كما يقول د. عبد الله النفيسي ـ لن يصدقوهم حتى لو تعلقوا بأستار الكعبة
فإذا كان هذا حال المتخاذلين الذين لا يعبر موقفهم عن جديد يذكر و فما بال المغوار الذى أطلق من التصريحات النارية أضعاف أضعاف ما أطلق من الطلقات النارية واكتفي بذلك ليتمخض الجبل فيلد فأرا فى النهاية ,
ليتبقي السؤال للمخدوعين بظاهرة حسن نصر الله , وهو أين الفارق بينه وين سائر الحكام المتخاذلين , والذين لهم على الأقل تاريخ قريب فى الحروب التى خاضتها العرب ضد إسرائيل فخاضوا حروب 48 , ثم56 , ثم 67 , وأخيرا حرب أكتوبر التى سجلتها صفحات التاريخ بحروف من نور
وما الذى امتلكه حسن نصر الله ليصبح حامى الحمى إلا تاريخا أعرج مع حركة أمل الشيعية المتطرفة "52" ثم تاريخا أشد سوادا مع إمامه الخومينى شهدت به المحاولات الآثمة لتفجير الحرم المكى في أواخر الثمانينات بخلاف الأعمال الإرهابية التى قام بها فرع الحزب بالخليج
بخلاف فضائح ومخازى تناقلتها المصادر عن نائب رئيس حزب الله المنشق صبحى الطفيلي والذى لم يجرؤ حسن نصر على الرد عليه بحرف واحد
,
والمتابع للتقارير التى خرجت عن فترة الدمار في أثناء حرب لبنان الأخيرة يري العنصرية الشديدة التى تعامل بها حزب الله مع أهالى لبنان وكيف أن التعويضات لم تصل إلى أى منطقة سنية رغم الدمار الشامل التى عانته بسبب تلك الحرب واقتصرت الميزات على الميليشيات العصابية التابعة للحزب
والمتأمل لحقيقة أفعال حزب الله أو إيران في العراق حاليا ,
سيجد أنها أفعال تتطابق مع المعتقدات التى يدينون ويرجون لها في كتبهم , ويكتمونها بالتقية حال الخطابات الإعلامية ,
وموقفهم من قضية الأقصي والقدس يتضح من خلال تلك الكتابات التى اعتمدوا فيها على مصادرهم الأصلية فضلا على كتابات المعاصرين ,

والشيعة في الأساس لا يؤمنون بوجود المسجد الأقصي على أرض فلسطين ولا على أية بقعة من بقاع الأرض
,
باختصار ,
الشيعة التى تصدع رءوسنا بالحديث عن الأقصي والقدس لا تؤمن أساسا بأن هناك مسجدا مقدسا اسمه المسجد الأقصي وأنه موطن الإسراء وثالث الحرمين وأولى القبلتين , بل يعتقدون أن المسجد الأقصي ليس على الأرض بل في السماء وعرج النبي عليه الصلاة والسلام إليه في السماء ولم يسري به إليه بفلسطين
في رد صريح لآيات القرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين من شتى طوائفهم ,
يقول الله عز وجل في محكم كتابه ,
[سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ] {الإسراء:1}
فكان الإسراء بآية محكمة قطعية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصي , وهو المسجد الذي كانت قبلة المسلمين الأولى , وهو أحد المساجد الثلاث التى أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقصر شد الرحال عليها لمكانتها ,
ولم يجعل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام خصيصة لأى مسجد عدا هؤلاء الثلاثة ,
فيأتى الشيعة وبصريح معتقدهم فينكرون وجود الأقصي من الأساس فيردون القرآن والسنة والإجماع بل والعقل الذي تشهد عيناه بوجود المسجد قائما ليوم الناس هذا !
وهذه بعض نصوصهم التى تثبت ما تقدم ذكره ,
* فقد ورد في تفسير الصافي للكاشاني 1/ 669 – 670 في تفسير قوله تعالى( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) يعني إلى ملكوت المسجد الأقصى.
قال: " ذاك في السماء، إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله ".
* جاء في تفسير القمي عن الباقر عليه السلام أنه كان جالساً في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسماعيل الجعفي فقال أي شئ يقول أهل العراق في هذه الآية يا عراقي ؟
قال يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس،
فقال ليس كما يقولون ولكنه أسري به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم .
* وقال العياشي عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم،
قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك ؟
قال: ذاك في السماء، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال مسجد الكوفة أفضل منه ـــ تفسير الصافي 3/ 166. )
*جاء في كتاب منتهى الآمال لعباس القمي ص 70
(.. والمشهور على أن المسجد الأقصى هو بيت المقدس و لكن يظهر من الأحاديث الكثيرة أن المراد منه هو البيت المعمور الذي يقع في السماء الرابعة وهو أبعد المساجد )
وبمثل هذا القول اتفقت كلمة الإثناعشرية في كتبهم الحديثية الأصلية كالكافي للكلينى والتهذيب للطوسي وكذلك كامل الزيارات لابن قولويه
وفى تفاسيرهم وتعارفوا على أن المسجد الأقصي لا وجود له على الأرض أصلا , بل هو في السماء
وبالتالى لا معنى ولا قدسية ولا اعتبار من أى نوع أصلا للمسجد الأقصي الكائن بفلسطين والذى تعارف عليه المسلمون منذ بدء الرسالة وأصبح من المعلوم بالدين بالضرورة , وجاء إحتلاله عبر العصور بمثابة الجراح التى داواها أبطال الإسلام واحدا بعد الآخر ,
وحتى لا يقول قائل أن هذا الكلام منقول عن الكتب القديمة وأن الشيعة المعاصرين لا يعتقدون بذلك , ننقل عن أحد معاصريهم جعفر مرتضي العاملى
في كتابه ( المسجد الأقصي إلى أين ) حيث يقول :
( لقد تبين لدينا عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصي والذى يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين )
ثم يوضح أين المسجد الأقصي باعتبار عقيدته في كتابه ( الصحيح من سيرة النبي الأعظم ) فيقول
( أنه عندما دخل عمر إلى فلسطين لم يكن هناك مسجدا أصلا فضلا على أن يسمى أقصي وأن المسجد الأقصي الذي بارك الله حوله في السماء )
وقد نال بكتابه هذا تكريم رياسيا من أحمدى نجاد رئيس إيران الحالى في اعتراف ضمنى علنى بما يحتويه كتابه ويوضح حقيقة المعتقد الشيعي الخبيث في المسجد الأقصي لتنهار كل أردية التقية التى يماسونها وهم يتباكون أمام أهل السنة تعاطفا مع قضية الأقصي ,
وفى العصر الحالى أيضا , وجدنا نداءات الكتاب وخطباء الشيعة تدوى مطالبة بتحرير كربلاء قبل القدس
في افتتاحية لمجلة المنبر "الشيعية" كتب محرر الباب تحت عنوان :
"قبل القدس ..حرروا كربلاء"
(إن كربلاء هي أقدس وأشرف بقاع الأرض جميعاً - بما فيها مكة والمدينة - بنص المعصومين إذ تكتسب قداستها من احتضان أرضها لجثمان ثأر الله وبضعة رسوله الإمام أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه الذي اختلطت دماؤه الزاكية بذرات رمل هذه البقعة فحازت بذلك شرفاً ما بعده شرف إذ أصبحت كعبة الأحرار ومهوى الأفئدة ومحجة الموالين ومقصد كل ذي حاجة وفاقة)

وأضاف الكاتب
(ومع ما للقدس من شرف وقداسة ؛ فإنها تبقى بعد كربلاء ، فليست القدس ككربلاء ولا الصخرة كالحسين ، ولا المسجد كالحرم ... والقدس ليست قضيتنا الأولى ... كربلاء هي القضية الأساسية ... وقبل أن نحرر القدس علينا أن نحرر كربلاء ، ومنها ننطلق إلى فلسطين ، ومنها ننطلق إلى سائر البلاد بمشاعل النور والهداية ... وقد سبق لنا بيان أن القدس لا يمكن أن تعود إلى هذه الأمة ، ما لم تعد هذه الأمة إلى محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام ؛ )
وأضاف
(عودوا إلى محمد وعلي .. تعود إليكم القدس بالمهدي ... وحرروا كربلاء أولاً وقبل كل شيء ، ثم فكروا في القدس وما سواها ) "53"
وهذا المعتقد ـ رغم غرابته وفجره ـ إلا أنه يتسق تماما مع المعتقد الشيعي فهم لا يطيقون مقدسات المسلمين وبالذات المسجد الأقصي الذي فتحه عمر بن الخطاب أعدى أعداء الرافضة على مر العصور ,
حتى أسلمه الشيعة للتتار في خياناتهم الشهيرة في عصر بن تيمية فحرره أهل السنة , ثم أسلموه للصليبيين وتعانوا معهم فحرره صلاح الدين الذي يعتبر واحد من أكثر الشخصيات المكروهة عند الشيعة لتحريره المسجد الأقصي وانتزاعه شأفة دولة الروافض العبيدية من مصر إلى درجة أنهم يطلقون عليه اسم فساد الدين الأيوبي وينتعتونه ـ كعادتهم مع أبطال السنة ـ بأبشع الصفات "54"

أما بشأن الفلسطينيين والمجاهدين في فلسطين ,
فلا يكون غريبا على بال القارئ إذا علم أن كبار علمائهم المعاصرين أفتوا بأن شهداء الفلسطينيين ليسوا بشهداء ولا يدخلون الجنة ,
ومن هؤلاء ياسر حبيب الذي أفتى بذلك على موقعه جوابا على سؤال ورد إليه بخصوص شهداء الفلسطينيين ,
وبمثل ذلك قال على الكورانى أحد أشهر مراجعهم المعاصرين في خطبة حاشدة وهو يتحدث عن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وكيف أنها تلك الطائفة الموجودة في إيران وأنه ـ مع احترامه للأقصي ـ لا يعتبر الفلسطينيين المرابطين شهداء أو منصورين أو لهم نصيب في ذلك لعدم ولايتهم لآل البيت
وفى سؤال على موقع ( يا حسين ) الشيعي تم توجيهه للمرجع بشير النجفي قال السائل
( هل يجوز الجهاد مع الوهابية في فلسطين )
فأجابه المرجع بالنفي وحذره من الإنسياق تحت تأثير العاطفة إلى من لا يتسم بالإخلاص كالوهابية !
فإذا وضعنا هذه الفتاوى وتلك الآراء جنبا إلى جنب مع احتفاء الشيعة الدائم بكل عدو للإسلام سواء من المجوس أو التتار أو الصليبيين أو حتى اليهود ,
هل يمكن أن نتصور منهم محبة أو صدقا تجاه الإسلام والمسلمين ,
لا سيما في ظل تبشيرهم بالمهدى المنتظر وأعماله وكيف أنه سيحكم بحكم آل داوود , أى حكم بنى إسرائيل !
روى الشَيخ المفيد شيخ الطائفة عندهم في ( الإرشاد ـ ص402 ) أن بعض اليهود سيكونون من أتباع المهدى عليه السلام !
تقول الرواية :
( عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله قال يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجـانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا )
ثم جاء النعمانى في كتاب الغيبة ليبين أن المهدى له اسم عبرانى هو فانتخب تماما كما له أسماء مجوسية أشهرها خسرو مجوس أى ناصر المجوس !
تقول الرواية في كتاب (الغيبة) للنعماني :
( إذا أذَن الإمام دعا الله باسمه العيراني (فانتخب ) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر كقزع الخريف ، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد فراشه ليلا فيصبح بمكة ، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهارا يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه )
أما أسماؤه المجوسية فقد أوردها النورى الطبرسي في كتابه ( النجم الثاقب ) في فصل مختص بأسماء المهدى وهى 182 اسما منها ( خسرو مجوس) وأنا أترك للقراء التعليق !
وهذا الاسم خسرو مجوس يعنى بالفارسية أمير المجوس , أو ناصر المجوس
ليس هذا فقط , بل له عدة أسماء أعجمية فارسية منها فرخندة وفيروز وشناس وبيرويز
وفى الكافي ـ في الروضة من الكافي للكلينى ـ باب الحجة عليه السلام يروى الكلينى عدة روايات في هذا الباب أن المهدى سيحكم بشرع آل داوود منها
(محمد بن أحمد عن محمد بن خـالد عن النَضر بن سويد عن يحي الحلبي عن عمران بن أعين عن جعيد الهمداني عن عليَ بن الحـسين عليه السَلام قال: سألته بأي حكم تحكمون ؟ قال : بحكم آل داود، فإن أعيانا شيء تلقاه به روح القُدُس .)
هذا بالإضافة إلى أعمال المهدى الكارثية التى سبقت الإشارة إليها من هدم المسجد الحرام والمسجد النبوى وإخراج أبي بكر وعمر وصلبهما على شجرة وإقامة الحد على عائشة !
ثم تبشيرهم بأن المهدى سينتقم من العرب والمسلمين ويسيل دماءهم أنهارا ويختص العرب بالذات بالقتل والترويع
يروى المجلسي فى بحار الأنوار عن المهدى :
( القائم وهو الذى يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والكافرين فيخرج اللات والعزى ( أى أبو بكر وعمر ) طريين فيحرقهما )
ويقول آية الله الصدر مرجعهم المعاصر عن تلك الروايات فى كتابه ( تاريخ ما بعد الظهور ) موضحا ومعترفا ,
( وظاهر هذه الروايات أن القتل سيكون مختصا بالمسلمين)
وفى كتاب الغيبة للنعمانى ينقل رواية عن القائم أنه يقتل ولا يسمع من أحد توبة !
وهذه الثقافة الوحشية تترسخ فى قلوب عوام الشيعة عن طريق البث المباشر من الخطباء والمعممين الذين سمموا أفكارهم بتلك المقولات حتى أصبحت كراهية الشيعي العامى لأهل السنة وانتظاره للفتك بهم من قبيل المسلمات فى المجتمع الشيعي ,
ويعبر عنها بجلاء الأغانى التى يرددها الشيع فى مناسباتهم الدينية وتسمى باللطميات وهى أغانى حافلة بأمثال هذا الكفر والفجور ولها شعبية خرافية بين عوام الشيعة حتى أن المواقع الشيعية الكبري تخصص لها أقساما كاملة تتيح للأعضاء تحميل تلك اللطميات مثل قسم اللطميات بموقع يا حسين ,
تقول إحدى أشهر تلك اللطميات بصوت الرادود باسم الكربلائي مخاطبا المهدى المزعوم
يا بن الغوالى .. ما تبقي غايب
لابد تصيح ساعة فرج تعلن قدومك
شفت العجايب .. من ها النواصب
لو تذبح اللى بالمهد ما حد يلومك


ومعناها أو ترجمتها للفصحى أنه يخاطب المهدى كى ينفض غيبته ويأتى ليري العجائب التى رآها الشيعة من النواصب ( أى أهل السنة ) ويخاطب المهدى قائلا له أنه لو ذبح منهم الطفل في المهد لما لامه أحد !!

الخلاصة :
وبعد هذا العرض لطبيعة الدين الشيعي وانتفاء القرآن والسنة الصحيحة منه , واختراع الأصول الجديدة المرذولة ونسبتها لآل البيت , ولعداء السافر المتحقق نظريا وعمليا من الشيعة للسنة سواء عبر تاريخهم الذى لم يفوتوا فيه فرصة للفتك بالإسلام والمسلمين أو فى واقعهم المعاصر ,
هل يمكن أن يقال بعد ذلك أن هناك محاولات قد تجدى للتقريب بين هذا الدين والإسلام من أى وجه ؟!
وكيف يمكن أن يتم التقارب مع دين يتخلص فى العداء السافر للإسلام والمسلمين وضرب ثوابته الرئيسية وبين دين الإسلام نفسه ,
والأهم من ذلك :
كيف يمكن استخدام لفظ التقارب أصلا مع مثل هذا الدين والتقارب معناه أن يلتقي طرفان مختلفان فيتنازل كل منهما عن بعض أسباب الخلاف ليحصل التقارب ويتم ,
فمن من دعاة التقارب يا ترى عنده استعداد للتنازل والتهاون بشأن القرآن الكريم وهو أصل أصول الدين ؟!
ومن منهم عنده استعداد للتنازل عن السنة الصحيحة المروية عن الصحابة رضي الله عنهم إلى سنة رواها زنادقة الفرس والرافضة ؟!
ومن منهم عنده استعداد للتنازل بشأن الحدود الشرعية التى فصلت الحق من الباطل ؟!
ومن منهم عنده استعداد للتنازل عن دماء المسلمين وأموالهم المنهوبة باسم آل البيت ؟!
وهل هادن النبي عليه الصلاة والسلام المنافقين باسم الوحدة الإسلامية وهل شرع الله تعالى له أن يهادن فى دينه , أم كان التحذير من اتخاذ هؤلاء كأولياء أشد ما يكون التحذير ,
وهل قام الصديق رضي الله عنه بمهادنة مانعى الزكاة باسم الوحدة الإسلامية أم قاتلهم عليها ؟!
رغم أنهم عطلوا ركنا واحدا من الدين وهو الزكاة , فكيف بالذين اخترعوا دينا آخر لا علاقة له بالقرآن والسنة ولا حتى بالفطرة السليمة ؟!
فلا شك أن دعاة التقريب اليوم ما هم إلا حواة وباحثين عن مصالحهم السياسية , لأنهم غير معذورين بالجهل فى عصرنا الحاضر ,
ولا يمكن أن يخفي عليهم حال الشيعة فى ظل اتساع وسائل الإعلام التى جعلت من العالم قرية صغيرة ,
ويمكن لأى قارئ اليوم أن يطالع القنوات الفضائية الشيعية أو مجالسهم المذاعة على الإنترنت أو منتدياتهم الحوارية أو مواقع علمائهم الكبار ليعرف أن ما ذكرناه عنهم إن هو إلا قليل من كثير ,

تم الفصل الثانى بفضل الله توفيقه ,
ولنا لقاء مع الفصل الثالث ( شرح تلبيسه على الصوفية )

محمد جاد الزغبي 08-31-2010 11:44 PM

المصادر


1ـ روايات الكذابين فى التاريخ الإسلامى ـ بحث للدكتور خالد كبير علال
2ـ مرويات أبي مخنف فى تاريخ الطبري ـ رسالة دكتوراة للدكتور يحيي ابراهيم ـ جامعة الامام بالسعودية
3ـ يراجع رد تلك الشبهات فى كتاب ( حقبة من التاريخ ـ عثمان الخميس )
4ـ الطبقات الكبري لابن سعد ـ ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
5 ــ العظماء مائة أعظمهم محمد ـ مايكل هارت ـ ترجمة أنيس منصور
6ـ تحقيق موقف الصحابة من الفتنة ـ د. محمد أمحزون
7 ـ المرجع السابق ـ خلافة عثمان رضي الله عنه
8ـ عصر الخلافة الراشدة ـ د. أكرم ضياء العمرى
9 ـ مصنف بن أبي شيبة ـ الجزء الثالث
10 ـ العواصم من القواصم ـ القاضي أبو بكر بن العربي
11 ـ المصدر السابق
12ـ البداية والنهاية لابن كثير
13 ـ مرويات أبي مخنف فى تاريخ الطبري ـ مصدر سابق
14 ـ رواها الذهبي فى تاريخ الإسلام باسناد صحيح
15 ـ الشيعة وآل البيت ـ إحسان إلهى ظهير
16ـ فضائل معاوية ـ للشيخ محمد أمين الشنقيطى
17 ـ أصول مذهب الشيعة الاثناعشرية ـ د. ناصر القفاري
18ـ أمل والمخيمات الفلسطينية ـ عبد الله الغريب
19 ـ الثورة البائسة ـ موسي الموسوى ــــ وأيضا مدافع آية الله ـ محمد حسنين هيكل
20 ـ استشهاد الحسين ـ د. على الصلابي ـ وأيضا قصة استشهاد الحسين لعبد الله أحمد ,
21ـ رجال الشيعة فى الميزان ـ د. عبد الرحمن الزرعي
22 ـ التشيع العلوى والتشيع الصفوى ـ د. على شريعتى
23ـ أمل والمخيمات الفلسطينية ـ عبد الله الغريب
24ـ صراع المصالح فى بلاد الرافدين ـ أحمد فهمى ـ وأيضا مؤلفات د. طه الدليمى المتخصصة فى تعقب المذابح الشيعية بالعراق وموجودة بموقعه الرسمى القادسية
25 ـ البداية والنهاية لابن كثير ـ خلافة الحسن رضي الله عنه
26 ـ لمطالعة ذم أهل البيت فى شيعتهم راجع كتاب الإحتجاج للطبرسي ـ الجزء الثانى ص 10وما بعدها
27 ـ من أجمل الردود العلمية فى ذلك بحث العلامة محمد مال الله ـ بعنوان ( براءة أهل السنة من التحريف )
28ـ مقالات محمد جواد مغنية ـ ص 213
29ـ الأنوار النعمانية ـ 2 / 363 ـ 364 نقلا عن أصول مذهب الشيعة ـ ناصر القفاري ـ الجزء الأول
30 ـ أوائل المقالات للمفيد ـ ص 13 ـ مركز الأبحاث العقائدية التابع للمرجع السيستانى
31ـ شرح الجامع على الكافي ـ صالح المازندرانى ـ 11 / 76 ـ نفس المصدر السابق
32ـ فصل الخطاب ـ النورى الطبرسي ـ المقدمة ـ نسخة اليكترونية مصورة من الطبعة الحجرية
33 ـ أعلام الشيعة ـ أغابزرك الطهرانى ص 552
34ـ صحيح الإمام مسلم بن حجاج ثانى أشهر الصحاح النبوية قاطبة بعد صحيح البخارى وهم أصح كتابين اجتمعت عليهما الأمة وتعد شروطهما لقبول الحديث صحيحا هى أعلى الشروط دقة وحزما
35 ـ تيسير مصطلح الحديث ـ د. محمود الطحان
36 ـ النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير
37 ـ ينقسم الحديث من حيث مصدره إلى ثلاثة أنواع , الحديث المرفوع وهو كل حديث قاله أو أقره أو فعل فعله أو رواية ورد فيها ذكر النبي عليه السلام بأى وجه , والحديث الموقوف وهو القول المنسوب للصحابي , والحديث المقطوع وهو القول المنسوب للتابعي { راجع الباعث الحثيث فى علوم الحديث لبن كثير ـ تحقيق أحمد شاكر }
38 ـ بحوث فى تاريخ السنة ـ د. أكرم ضياء العمرى
39 ـ معظم الشبهات والإنتقادات الموجهة للصحيحين تناولها علماء الأمة بعد البخارى وفندوا الإعتراضات المثارة عليها , وكان أبرز شراح البخارى ومسلم هما بن حجر العسقلانى والنووى الإمامان الجليلان
40ـ يحتوى كتاب " تأويل مختلف الحديث " لبن قتيبة على مجموعة كاملة من الأحاديث الذى استنبط الناس الأقاويل حولها وقام بن قتيبة بمعالجتها معالجة كاملة وهو المتوفي عام 230 هـ , ورغم ذلك تثار نفس الشبهات حول نفس الأحاديث اليوم
41 ـ مناظرات قناة المستقلة تحت عنوان ( التراث العلمى للإمام جعفر الصادق )
42 ـ راجع هذه الأمور بالتفصيل فى كتاب ( الشيعة وصكوك الغفران ـ محمد مال الله )
43 ـ كمثال في مصر يعتبر أحمد عز رجل الأعمال هو الرجل الثانى فى نقابة الأشرف التى تعتبر القائدة لمجلس الصوفية الأعلى !
44 ـ منهج التدريس في الحوزات العلمية " مقال بحثي على موقع القادسية " ـ د. طه الدليمى
45ـ تطور الفكر السياسي الشيعي ـ أحمد الكاتب
46ـ يستثنى من ذلك بعض المباحات التى يؤجر المرء على فعلها كمن يأكل الطعام الطيب أو الكثير ليتقوى على طلب العلم مثلا وكان السلف الصالح يطلبون الطعام وهمهم أن يسكتوا الجوع في حد ذاته كى لا يعطلهم وليس لشهوة الطعام ذاتها
47 الشيعة والمتعة ـ محمد مال الله نقلا عن الكافي ومن لا يحضره الفقيه وبحار الأنوار وغيرها
48ـ بعض هذه الفتاوى على هذا الرابط
http://www.alseraj.net/ar/fikh/2/?T...94365&151&180&6
49 ـ نفس المصدر السابق
http://www.alseraj.net/ar/fikh/2/?T...94365&151&180&6
50 ـ كتاب تحرير الوسيلة ـ الخومينى ـ وهى رسالته العلمية التى حاز بها درجة الإجتهاد والمرجعية !
51ـ المتعة ـ حالة إيران من 78 إلى 82 ـ د. شهلا حائري ـ مكتبة مدبولى بالقاهرة
52ـ تصريح الدكتور بري بقناة صفا في برنامج برمجة التشيع
53 ـ سدوم هى مدينة قوم لوط عليه السلام
54ـ اعترافات عباس الخوئي مسجلة ـ موقع د. طه الدليمى
55ـ نص حوار صحفي مع صالح الوردانى منشور على موقع العربية
56 ـ ملفات نشطاء الشيعة موثقة نشرتها غرفة مصر والشيعة على البالتوك وعلى موقع منتدياتها بالإنترنت
57 ـ خريف الغضب ـ محمد حسنين هيكل ـ طبعة الأهرام الكاملة
58 ـ حرب الخليج ( أوهام القوة والنصر ) ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر
59ـ لمراجعة التغطية الكاملة لمجازر حركة أمل ـ كتاب أمل والمخيمات الفلسطينية ـ القسم الوثائقي ـ عبد الله الغريب
60ـ حزب الله ـ الشيخ العفانى ـ دار العفانى للنشر والتوزيع
61ـ الشيعة والمسجد الأقصي ـ طارق حجازى
62 ـ موقف الرافضة من فلسطين ـ فيلم وثائقي لقناة وصال ـ

محمد جاد الزغبي 09-01-2010 02:59 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
الأخت الفضلي ناريمان الشريف ,
أعتذر لأنى لم أنتبه لمشاركتك أثناء النشر ,

اقتباس:

بالتأكيد .. ولا أشك في ذلك أن من ينادي بأن الكون جاء بمحض الصدفة وأنه لا وجود للإله .. كل هذا ينكره المسلم الموحد من غير جدال ..
ولكن هناك بعض الأقوال لبعض الفلاسفة الغربيين ما يلفت الانتباه ومؤثر للغاية ويميل إلى الحقيقة غير هذا الذي يقولون .. فهل من الضرورة بمكان أن ننكر كل ما يقوله الفلاسفة الغربيون حتى ولو كانوا يقولون ما هو رائع وجميل ونابع من تجربة إنسانية عميقة ؟؟؟
أرجو أن تعذر تعجلي في الرد والاستفسار
لا توجد عجلة أبدا ,
فمن حقك أن تطرحى استفسارك أو مناقشتك عندما تحين في عقلك ,
والجواب يا أختاه ,
نعم هناك أقوال للفلاسفة من الغرب تعتبر أقوالا عظيمة وصحيحة ,
ولكن فاتك أننا لا نتحدث عن الفلاسفة بذواتهم بل عن الفلسفة الغربية عامة ,
النظرية الفلسفية الغربية والأسس التي قامت عليها
فالأساس الذى قامت عليه هو نفسه هدفنا لأنه أساس مناهض لوجود الله
ومن هنا ابتكروا الفلسفة الوجودية ,
وليس معنى هذا أنهم ينكرون وجود الله تعالى
لكنهم يثبتوه بالعقل ,
ولو أنهم اقتصروا في إثبات وجود الله تعالى على العقل واكتفوا بذلك ثم سلموا للشريعة في أمور الحياة ,
لما كانت لنا مشكلة معهم
إلا أنهم اعتمدوا فلسفة الإلهيات وجعلوا من العقل مصدرا للتشريع !
وهذا هو الضلال المبين
العقل ـ بلا شك ـ طريق لمعرفة الله تعالى ,
لكن هذا العقل مأمور أن يقف عند حدوده التي رسمها الله تعالى له
كما أنه مطلوب منه أن يسلم لأوامر الله ونواهيه كما سلم لوجوده

وإلا فما هو معنى أن تقر بعقلك أن الله موجود وقادر
ثم ترفض أن يكون مشرعا وحاكما عليك فتقف حيث يشاء
فالغرب اعتمد فلسفة الإلهيات التي سميت بذلك كونها تبحث بطرق العقل في صفات الله وذاته سبحانه
وجاء المعتزلة فأخذوا عنهم ذلك
من هنا تورطوا بعقولهم فيما لا تستطيع العقول أن تبحر فيه
فإذا كانت العقل والعلم على اتساع مداركه اليوم لا يزال عاجزا عن إدراك الروح !
لا يزال عاجزا تماما عن تصور اتساع الكون ومداه ,
لا يزال ـ وسيظل ـ عاجزا عن بقية السماوات !
أى أنه عاجز أمام بعض مخلوقات الله
فكيف يمكن أن نتصور قدرته على إدراك كنه الله تعالى نفسه سبحانه


لهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المنسوب إليه
" تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا)
من هنا قادت هذه الأفكار فرقة المعتزلة إلى إنكار السنة النبوية لأن نصوصها عارضت صراحة ما يتوصلون إليه بعقولهم ,
ولما لم يستطيعوا إنكار القرآن لجئوا إلى التأويل المتعسف ورفضوا صريح الآيات
ومن هنا كانت الخطيئة الكبري , والتى ورثها العصرانيون والعلمانيون عن المعتزلة ,
لأنهم أصروا على فهم الغيبيات بعقولهم بينما العقول وظيفتها فهم التشريعات والتفكر في مجالات الخلق
فكانت النتيجة أن أنكر بعضهم وجود الشياطين أصلا !
وأنكر بعضهم حادثة الإسراء والمعراج وانشقاق القمر و .... وهلم جرا
أى أنهم ببساطة طلبوا أن يكون الله عز وجل ـ وحاشاه جل وعلا ـ موجودا بطريقة تفهمها عقولهم ,
وهم بذلك ـ دون أن يدركوا ـ ساووا بين المخلوق والخالق
لأنهم اعتبروا العقول وهى مخلوقة قادرة على فهم الله وهو خالقها
بينما أصابعهم التي تصنع أجهزة الكمبيوتر والطائرات والسيارات
لا يمكن أن تقبل عقولهم من تلك الأجهزة أن تطالبهم يوما أن يحترموا معدنها أو أن تعترض على أوامرهم وإلا مدوا أيديهم فدمروها تدميرا
لكن الله عز وجل يمد الحبل لعباده ويمهلهم
فسبحانه تعالى عن كل مخلوق



سحر الناجي 09-02-2010 12:36 AM



الفاضل محمد جاد الزغبي ..
بلا شك أن ما تقوم به هنا سيدي لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام ..
حيث المعلومة تزينت بالعلم وتهللت بالمصادر الموثوقة ليأتي عملك مكللآ بالإتقان ..
أسأل القدير أن يبلغك به أعلى الدرجات .. في الأولى والآخرة ..
مجهود رائع بارك الله في علمك وزادك من فضله ..
والشكر الجزيل إلى الشيخ أحمد سعد الدين الذي أوحى إليك بفكرة الطرح ..
تقديري سيدي

محمد جاد الزغبي 09-02-2010 02:15 AM

بارك الله فيك أستاذة سحر ,
هذه شهادة أعتز بها يا أختاه ,
بوركت ,

أمل محمد 09-02-2010 02:45 AM

الأستاذ محمد جاد الزغبي

طرح ٌ يفوق أي ّ طرح

لما يحويه من عِـلم

بوركت َ يا أخي وبورك َ هذا الجـُهد الثمين ..

يــُثبـّت ~

محمد جاد الزغبي 09-02-2010 09:21 PM

بارك الله فيك وأعزك أستاذة أمل ,
نسأل الله تعالى أن يفيدنا بما يعلمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا ,
وشكرا جزيلا لتثبيت الموضوع ,
تقديري


الساعة الآن 06:24 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team