منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   روايتي الاولى - ليست كسندريلا - تابع لمسابقة الراوية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=24176)

زهرة الروسان 07-31-2017 03:27 PM

روايتي الاولى - ليست كسندريلا - تابع لمسابقة الراوية
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أول رواية أكتبها كاملة واقتنع بها... أرجو أن تكون في مستوى النشر
مؤكد تحتوي أخطاء مطبعية وغير مطبعية لم أنتبه لها فأرجوكم ساعدوني في تصحيحها.
بسم الله
ليست كسندريلا

عاشت شهد سعيدة في كنف والديها ، فوالدها مع كونه لم يكن والدها الحقيقي الا أنه أحبها كوالد حقيقي ، كان يأخذها معه الى عمله ويخرجها في نزهات كثيرة ...عرفت بحدة الذكاء من صغرها فلم تواجه صعوبات في النطق والمشي وغير ذلك حتى انها احبت العاب التركيب و تفوقت على من هم في مثل سنها... كانت تعاقب من يغضبها من موظفي والدها و أحيانا تعاقب والدها بإخفاء أوراق عمله المهمة...كبرت بسعادة غامرة فهي صغيرة أمها و مدللة أبيها، تحصل على ما تريد إذا ما لاحت الدموع في عينيها الواسعتين الجميلتين ...فوالدها لا يقاوم دموعها ووالدتها سخية الدمع تباشر الهطول إذا ما اشتد بكاء احد ما حتى لو كان طفلا صغيرا ...طفلا كشهد تدرك نقطة ضعف والديها وتجيد الاستفادة منها ،هذا ما جعل حياتها حلما لا تريد الصحوة منه .لكن ذلك لم يستمر طويلا ، حلمها الذهبي انقلب كابوس مريرا... فوالدتها كانت سيدة ولودا، ومع ذلك لم تحظ شهد بأي أخوة؛ فكلما أنجبت الأم طفلا ، فارق الحياة بعد ساعات من ولادته. استمر الوضع كذلك الى أن بلغت شهد العاشرة من عمرها … كان يوما صيفيا شديد الحرارة حين أنجبت والدة شهد طفلا صغيرا لم تتضح ملامحه؛ فقد كان لا يزال كومة من اللحم الأحمر… خافت الأم من أن يموت الصغير بين يديها كما كان يحدث في كل مرة؛ فآثرت النوم حتى لا ترى الطفل الميت على أمل أن يأخذوه إن فارق الحياة قبل أن تستفيق.
بعد مدة من الزمن استيقظت على صوت بكاء الطفل، نظرت إليه ودموعها منسابة على وجهها الضعيف تحمد الله لكونه لايزال حيا. نهضت لتحمله فشعرت بضعف شديد في جسدها فهي بالكاد تستطيع النهوض، التفتت جانبا لترى صغيرتها تمسك بذراعها وهي نائمة بعمق، حملت الأم الطفل و أرضعته حتى استسلم للنوم فقد لا تتمكن من إرضاعه لاحقا لأنها شعرت بأن أجلها قد اقترب... وضعته بجانبها و خلدت الى النوم… نوم لا يقظة بعده.
أعلم الأطباء الزوج بوفاة زوجته فسارع لإبعاد ابنته خوفا على مشاعرها. شعر الأب بحجم الكارثة التي حلت به بعد فقدان زوجته، تلك لم تكن المأساة الوحيدة ذلك اليوم … ففي الغرفة المجاورة كانت هناك سيدة فقدت صغيرها الذي كان قد ولد قبل ساعات... مرت ساعات والوالد منشغل بإعلام العائلة بمصابه... يضم صغيرته حينا و يحمل المولود أحيانا أخرى ...كان لا بد للمولود أن يجوع فراح يبكي ليملأ أرجاء المشفى معلنا نهاية الحلم السعيد و بداية آلام يمكن للقاصي و الداني التنبؤ بها . راح الوالد بفكر بحل لذلك ، فاقترح عليه الطبيب أخذ الطفل لتلك السيدة التي فقدت طفلها؛ فمن الضروري لكل من الطفل والأم إرضاع الصغير بشكل طبيعي دون اللجوء إلى الحليب المخصص للرضع، غير أن تلك الأم ثكلى وتحتاج لطفل و هذا الطفل بحاجة الى أم ترعاه... فكر الأب مليا فذلك لن يكون بالأمر البسيط لكنه وافق أخيرا فربما لن يجد حلا أفضل . ذهب الى تلك السيدة برفقة الطبيب لمواساتها بصغيرها . وجدها شابة في ذروة شبابها وبجانبها فتاة في الخامس عشرة من عمرها تبدو غير مدركة بطبيعة حال أمها . استأذن الوالد وشرح للسيدة ظروفه ،وطلب منها إرضاع طفله الذي لم يكف عن البكاء .
وافقة السيدة وارضعت الطفل كما لو كان طفلها، مما أثار ذلك مواجع الوالد حين أدرك أنه قد زاد ألمها فرؤية السعادة التي تعلو وجهها لم يكن بالأمر الصعب و التنبؤ بصعوبة ابعاد الصغير عنها يدركها كل من يراها ، غير أن الفتاة راحت تداعب يدا الطفل بسعادة وتنظر إلى الرجل كما لوانها تستدر عطفه . بدا الأمر و كأنه معضلة ؛ فقلبه المكسور لا ينقصه ألم ، ومجرد التفكير بما قد يحدث عند أخذ الصغير يثقل كاهله ويزيد همه لأنه لن يكون قد هون على السيدة بل سيرى نفسه رجلا جاحدا أنانيا لا تهمه مشاعر الآخرين ... اسود وجه الرجل من شدة الهم الذي حمله وراح يحتضن ابنته بشدة محاولا منع دموعه من الجريان ؛ فكونه رجلا لا يعطيه الحق بالبكاء أمام المجتمع الذي سيصفه بالضعف و الهوان وأمام الطفلة التي تحتاج لمن يقوي عزمها ويشد أزرها في مصابها ... فقلقه على الفتاة هم آخر؛ فهي و على الرغم من إدراكها التام بفقدان والدتها و ما يترتب على هذا الأمر من تبعات إلا أنها لم تذرف ولا حتى دمعة واحدة بل راحت تطبطب على كتف والدها لتقليل حزنه ... شعرت احدا الممرضات بما يمر به الرجل من معاناة فتوجهت نحوه لتعطيه الحل الأمثل ، فقد أخبرته أن تلك الثكلى هي أيضا أرملة منذ خمسة أشهر ؛ وبولادتها هذه تكون عدتها قد انتهت ويمكنه التقدم لخطبتها لتكون أما لأطفاله. فكر الرجل كثيرا فالأمر صعب ؛ فزوجته قد توفيت توا حتى أنه لم يدفنها بعد ، لكن أطفاله بحاجة لأم ترعاهم … غير أن ذلك سيكون صعبا عليه وعلى شهد ، التي كانت متعلقة بوالدتها وسيصعب عليها تقبل الأمر بالرغم من صغر سنها ، فهي فتاة ذكية تدرك كل ما بدور حولها .وبعد تعمق في التفكير و استشارة أهله و أهل زوجته التي تتكون من والدتها العجوز وخاليها اللذان يظهران في خلفيات المناسبات الخاصة جدا ، وافق بشرط رضاها التام وتزوجا بعد شهرين من ذلك اليوم يربي ابنتها وهي تربي ولديه و بذلك التأم جرحها العميق بتربية طفلين كما لو أنهما أطفالها .

زهرة الروسان 07-31-2017 03:29 PM

وفاة الجدة
مضت ثلاثة أعوام على وفاة والدة شهد وزواج والدها ...تقبل الجميع الأمر وتعايشوا معه إلا شهد التي راحت تتصرف بجمود مع زوجة أبيها تعاملها كما لو انها قاتلة امها وتتجنب ابنتها التي حاولت التقرب منها . و صارت مقربة جدا من جدتها لدرجة أنها تقضي معظم الوقت عندها ، لكن الجدة طاعنة في السن وهذا الكبر سبب لها أمراض كثيرة ، خشي الأب من صدمة ثانية قد تصيب ابنته إن حدث لجدتها مكروه أمامها ؛مما دفعه لمباعدة فترات الزيارة ، ذلك القرار قد أزعج شهد مع أنها أدركت السبب. لكنها لم تبد ذلك كما اعتادت و حملته في قلبها كباقي الأمور المزعجة التي تكنها في الأعماق .
وفي أحد الأيام و بينما شهد في المدرسة وصل لوالدها خبر وفاة الجدة التي كانت قد نقلت الى أحد المشافي في الليلة السابقة ، عادت شهد لترى شحوبا في وجه والدها الذي كان قد طلب من المدرسة إعادة الطفلة باكرا ، طلب من شهد القدوم الى غرفته حيث كانت زوجته تطعم الطفل جود الذي بلغ عامه الثالث ... جلست شهد الى والدها الذي بدوره راح يداعب شعرها بينما يخبرها الأمر فقال : صغيرتي ، تعلمين أن الإنسان كلما كير بالسن كلما كان عرضة للمرض و أنه إذا اشتد المرض ولم يفلح أي دواء فأن الموت يكون رحمة و راحة للمريض .
شهد : أجل أبي ، أعلم .
الوالد : وتعلمين أيضا أن جدتك كبرت بالسن و لم تعد تحتمل الألم .ويجب عليها أن ترتاح .
شهد : تريد أن تقول أن جدتي رحلت ؟
أصيب الأب بحالة من جمود فأكملت قائلة :هل سيأتي التوأم؟
الأب : تعنين خالاك فادي وشادي ؟ أجل فادي موجود لكن شادي لا ؛ سيصل قبل الدفن بقليل.
شهد: هل ستسمح لي برؤيتها؟ فأنا لم أرها منذ مدة طويلة جدا لا أذكر كم تبلغ . أم أنكم ستمنعونني ؟ كما فعلتم حين رحلت أمي .
خالتها : عزيزتي أظننا زرناها الأسبوع الماضي . غير أنه لا يمكنك رؤيتها .
شهد (ساخرة ) : هل كان هذا قبل أسبوع ظننته شهرا أو ربما كان عاما ،فزيارتنا لها باتت كهطول المطر في تموز.-نظرت لأبيها - لما لا استطيع رؤيتها ؟ هناك ما أود تذكيرها به.
الوالد : صغيرتي ، سيكون صعبا علي رؤيتها تدفن فكيف ستتحملين أنت ؟
شهد : ألهاذا لم تسمح لي بتوديع أمي ؟
الخالة : عزيزتي سيكون الأمر قاسيا جدا عليك .
نظرت شهد بغضب الى خالتها وقالت: هل تعلمين ما هي القسوة ؟ القسوة ، أن تعيشي في بيت لا يربطك بساكنيه أي صلة… القسوة، أن تحرمي من التعبير عما في داخلك… القسوة...أن تري أعز شخص يحتضر أمامك دون فعل أي شيء سوى سماع أنينه .
ذعرت زوجت الأب مما سمعت فاندفعت تمسك بذراعي الصغيرة قائلة :كيف لطفلة مثلك أن تقول كلاما كهذا ؟ نحن عائلتك و أنت التي ترفض التعبير عما يجول في خاطرها … و أيضا لم تري أحدا يحتضر...هاذا لم يحدث.
شهد : بلى فعلت ، لم أكن نائمة لحظة موت أمي … بل و أكثر ...سمعت كلماتها الأخيرة أيضا .
أيقظت كلمات شهد الوالد من حالة أشبه بالغيبوبة فأمسك بيدي الصغيرة وعيناه تسكبان الدموع و هو يرى نظرات شديدة الهدوء في عينيها وكأنها فقدت المشاعر ،قال لها وهو يحاول تمالك أعصابه : انت تعلمين أنه و بالرغم من كوني زوج والدتك إلا أنك ابنتي التي لن أتخلى عنها… أرجوك قولي أنك ترينني والدك... أرجوك .
راحت شهد تمسح دموع والدها برفق وهي تبتسم وقالت: بالطبع أنت أبي … أبي الذي أحبه جدا .
الوالد : أشكرك حبيبتي ...ولديك جود اليس اخاك المفضل ؟!
شهد :أجل جود ... كدت أنسى...لكنه طفل لا يفقه شيء .
الوالد :صغيرتي، هل حقا ما قلته بشأن والدتك ؟هل كنت مستيقظة؟ هل قالت شيء عني ؟
مسحت شهد رأس والدها وقالت : قالت أنك الأفضل على الإطلاق ، وقالت انك لم تكن لتتركها إن مات الصغير كما فعل زوجها السابق. رغم أن جدتي أرادت ذلك ،إلا أنك كنت ستقنعها . كنت ستفعل ...صحيح؟
همس الوالد في اذن الصغيرة: طبعا ما كنت لأتركها فهي اجمل شخص في العالم وانت تعلمين كم أحببتكما...هل هذا كل ما قالته ؟
أخذت نفسا عميقا قبل أن تجيب : لا لكن ما بقي من كلام كان يخصني أنا و جود .
قبّل الأب رأس ابنته وطلب منها التحضر لتوديع الجدة قبل الدفن . ساد صمت عميق المنزل فلم يصدر أي صوت سوى صوت الصغير جود الذي كان يلعب بدميته على السرير … بعد وقت وجيز عادت شهد لتحدث زوجة أبيها التي كانت لاتزال متأثرة بما حدث أمامها نادتها لكنها لم ترد … فهزتها بيدها قائلة : أي لون أفضل ؟
التفتت اليها و ردت قائلة : لا يهم ، لا أحد يلوم من في سنك .
-لكنني أخشى أن ألبس لون قاتما فيقال أنني أحاول تقليد الكبار .
-إذا ألبسي لونا زاهيا .
-إن فعلت هذا فسيقول الناس أن خالتي لا تهتم لموت جدتي … وأنا لا أريد أن يقول أحد ذلك عنك .
نظر والدها لها وقد أدرك أنها تحاول إغاظة خالتها فقال : إلى ما ترمين ؟ أنت في الثالثة عشر من عمرك لن يقول أحد هذا … ألبسي ثوبا بلون معتدل ليس قاتما ولا زاهيا .
-لا أستطيع فقد بحثت عن الثوب الذى ارتديته عندما توفيت والدتي قبل ثلاث أعوام ، لكنني كما تعلم كبرت ولم يعد يلائمني.
-ألم أحضر لك ثوبا أزرقا قبل شهرين !
-اجل هذا صحيح ....ارجو ان يكون مناسبا فأنا اكبر بسرعة.
غادرت شهد الغرفة لتبديل ثوبها حين قالت زوجة الأب :هل تظن أن شهد قالت الحقيقة حيال موت والدتها ؟
-أجل فهي عادة لا تكذب ، خصوصا في موضوع حساس كهذا ؛ هي مدركة لما يحدث .
-أظنها حلمت بالأمر وحسب ؛ لأنها لو شهدت ذلك حقا لما كفت عن البكاء حينها أو على الأقل الآن و هي تذكر لنا ما حدث.
-لا أدري ما أقول ...شهد كانت حساسة جدا قبل وفاة والدتها ، لكنها كانت تحل مشاكلها بيدها. أما الآن صرت اتمنى رؤية الدموع في عينيها ....أشعر و كأنها لا تشعر بشيء.
دخلت فداء الغرفة وقالت :أمي هل سآتي معكم ؟ فلا اريد لشهد ان تكون وحيدة تعلمين كم كانت تحب جدتها .
الوالد: طبعا ستأتين لن اتركك وحيدة هنا .
الأم :حبيبتي ، عليك الاعتناء بأخويك فأنا سأنشغل عنكم ...أهتمي لجود جيدا هل هذا واضح ؟
فداء : طبعا واضح .
جاءت شهد مسرعة من بعيد ودفعت فداء التي كانت تقف أمام باب غرفة والديها وقالة بلهفة :لا .... لابأس خالتي أنا سأهتم بجود لا تتعبي فداء بذلك.
الخالة : هل تمزحين ؟ أنت طفلة وتحتاجين لمن يرعاك. كيف سترعين اخوك الصغير ؟!!
شهد : أنا أصغرها بخمس سنوات فقط . غير أني لن أسمح لأحد بالاقتراب من جود .
فداء :لكنه اخي ... أنت لا تسمحين لي بالعب معه ولا حتى بالاقتراب منه . هو لن يحبني إن بقيت تتصرفين هكذا لا تنسي أنني أختكما الكبرى .
شهد : لا تقلقي سأخبره أنك جيدة وأن عليه أن يحبك .
اتجهت شهد نحو جود وحملته وراحت تداعبه و في طريقها للخروج من الغرفة نظرت اليه وهي تحدث فداء :لا أريد له أن يحمل هذه النظرة البلهاء التي تعلو وجهك .
خرجت شهد من الغرفة مع جود فقالت فداء وعيونها تدمعان: أبي افعل شيء أخشى أن يكبر الفتى وهو يحمل كره شهد لي في قلبه ... ليس ذنبي أن والدتها ماتت و تركته في رعايتها ...أنا أريد المساعدة لكنها تكرهني بشدة .
انهارت فداء باكية على صدر والدها الذي بدوره راح يخفف عنها ألمها ويواسي حزنها و يحاول إضحاكها إلى أن نجح الأمر فقال لها ولوالدتها :أتركا شهد تهتم بأخيها فهو ما تبقى لها من والدتها ... شهد كبرت قبل أوانها .... أتمنى لو أنها تخبرني بما يجول في ذهنها ...لا أريد لها أن تعيش حياة بائسة.
وصلت العائلة الى بيت الجدة ، أخذت شهد جود واتجهت به الى حيث يتواجد جسد الجدة ، جلست على الأرض بجانب سرير جدتها ممسكة يدها وقالت همسا في أذنها :جدتي أعلم أنك لا تزالين تسمعينني ... آسفة كوني لم أزرك مؤخرا فأبي خاف علي من أن اراك تموتين ، المهم ... لا تنسي أن تعتذري لأمي من تأخر انتقامي لموتها ولأخي ... لقد خفت كثيرا ... خفت أن أخبر أبي فلا يصدقني فتعود و تؤذيني ... لكنني سأحرم تلك المتظاهرة معنى المحبة من أجلها ... سأسقط قناعها البريء أمام الجميع ...ستتمنى لو أنها القيت بجانبها ذلك اليوم . والآن علي الذهاب ...وداعا جدتي ،هيا بنا يا جود .
خرجت شهد من غرفة جدتها وعلا محياها شعور الغضب وقد زادت عيناها اتساعا و حدة .

زهرة الروسان 07-31-2017 03:35 PM

حلم الطفولة
مسرعا إلى غرفة شهد حمل جود ذو العشر سنوات مجموعة من القصص المصورة ... قفز إلى فراشها و راح يشد ثوبها لتحكي له ما تبقى من قصة الغموض التي بدأت بقصها عليه سابقا ... راحت تقصها عليه وهو متشوق لما يحدث... يحاول التنبؤ بالأحداث بشغف كبير و هو يتجول في الانحاء يحلل الأحداث و يقترح حلولا منطقية.
شهد: لقد أصبح أسلوبك في حل الغموض أكثر تعمقا و بدأت ترى التفاصيل الصغيرة ... أحسنت يا أخي أنا فخورة بك.
جود : هل تعتقدين أنني سأصبح محققا جيدا حين أكبر؟
-لا .
-لم لا ؟هل أنا سيء لهذه الدرجة؟
-لا ؛ لأنك محقق جيد الآن ... حين تكبر ستصبح محققا رائعا . لكن لماذا تريد أن تصبح محققا ؟
- ممممم أولا لأن المحققين رائعون و حياتهم مملوءة بالإثارة ،ثم إنني أشعر أن هناك غموضا يلف حياتنا بالكامل ... ولن أتمكن من حله بقدراتي هذه.
-أي غموض هذا؟؟
-كل شيء ، خلافك الدائم مع فداء و مع خالتي ... اصرارك على مناداتها أمي وليس خالتي مع أنك لا تفعلين ...أبي ،الذي لا أشبهه بأي شكل من الأشكال... كل تلك الأمور غامضة جدا .
-ألم أجبك عن كل تلك التساؤلات سابقا؟
-لا ... قلت لي أنت تتوهم و حسب . لكني لا أتوهم .
-خلافي مع فداء هو شيء خاص بالفتيات لا شأن لك به ... خالتك أرضعتك لذا أصبحت والدتك لكنها لم ترضعني فقد كنت كبيرة لذا هي ليست أمي هذا كل شيء .
-مجرد كلام ... وأبي؟
-أنت تشبهه جدا ... أنت تحمل ملامحه .
-أجل تماما اخدعي هذا الطفل الصغير.
-أنت تعترف أنك طفل، سأسجل هذا للمستقبل... يا فتى لم أنت عابس ؟!
-لقد كنت أسير مرة مع خالتي في السوق حين قابنا أحدى السيدات ... أخبرتها خالتي بأنني ولدها بعد أن ذكرت لها السيدة مدى الشبه الكبير بيننا ... لم أنا أشبه خالتي التي لم تلدني ولا تربطني بها صلة دم ،بينما لا أشبه والدي الذي أنا أبنه من دمه؟
-غدا ستأتي مجموعة سيدات لزيارة خالتي ،هن لم يزرنها من قبل ولا يعلمن بشأن زواجها من أبيك ... سأثبت لك أن هذه الأمور مجرد مجاملات، لن يقول أحد لسيدة أن ابنها لا يشبهها .
-أختي أخبريني ... هل أستطيع تحقيق حلمي ؟ أعني قد أكون أحلم بشيء مستحيل .
-طبعا تستطيع ... المهم أن تثق بنفسك وأن تتوكل على الله ...لما تقول كلام كهذا لا شيء مستحيل.
-ماذا كان حلمك حين كنت صغيرة ؟
-كنت أحلم بأن أكون كاتبة معروفة و مميزة .
-لكنك لم تفعلي .
-أنا أسعى لذلك لازلت في العشرين من عمري لم اصبح عجوزا على تحقيق أحلامي .
-هل تعتقدين أن فداء لديها حلم ؟
-أجل أخبرتني به يوما محاولة التقرب مني.
وقفت شهد وهي تجمع كفيها و تنظر الى الأرض كأنها فتاة مسكينة كما تفعل فداء و حاولت تقليد صوتها بسخرية : لطالما حلمت أنني شخصية سندريلا و حلمت بأمير على فرس أبيض يأخذني بعيدا عن هذا العالم المؤلم أعيش معه بسعادة بعيدا جدا ... تمني لي أن يتحقق هذا الحلم ... عندها سأترك لك المنزل فعلى الرغم من كونكم عائلتي ألا أنني لا أشعر بحبكم لي خاصة أنت .
-المسكينة.
-أجل مسكينة تظن أن هناك أحدا في العالم سيقبل بفتاة مخادعة .
-لم أقصد هذا ... و هي ليست مخادعة .
-لا أحد يعرفها مثلي أبدا ... دعك من هذا الآن.
-هل سندريلا هي حلم كل الفتيات ؟ أعني ألم تتمني أن تكوني سندريلا ؟
-طبعا لا ... أنا يا جود لست كسندريلا أبدا ... أنا لست لطيفة، لست طيبة القلب ،ولا أسامح أبدا أبدا .
-أنت مخيفة جدا ،أنت كالساحرة الشريرة.
راحت تداعبه وهو يتضاحك بصوت عال ملأ أرجاء المنزل حتى تجمع الأهل على صوتهما وقد شعر الوالد بسرور كبير فقد رأى صغيرته كبرت وقد عادت لها ابتسامتها الجميلة. قفد أقلقه سكونها المريب و امتناعها عن اخراج مشاعرها و إلحاح زوجته عليه بضرورة عرض حالتها على طبيب نفسي .
وفي صباح اليوم التالي، استعدت شهد لمقابلة الضيوف بعد أن اتفقت مع جود على التظاهر بأنهما أبناء زوجة والدهما. وصلت سيدتان أنيقتان إلى المنزل كن صديقات السيدة منذ ايام المدرسة وكن لم يراسلنها إلا قليلا .خرج الوالد من المنزل بينما جلس الضيوف الى السيدة يسألن عن حالها بعد كل تلك السنين.
آمال: هناء عزيزتي عرفينا على أسرتك .
مها :أجل أنا متشوقة لرؤية ابنائك.
دخلت شهد وجود أولا كما خططا فقالت آمال: هل هذه ابنتك المتبناة...إنها جميلة جدا.
ارتعشت الخالة قبل الإجابة ثم ردت بتلعثم : ليس تماما في الواقع...
قاطعتها شهد قائلة :لا أنا ابنتها فداء وهذا أخي جود .
مها :حقا ... كم تشبهينها. هناء، أنت لم تخبرينا أنك أنجبت طفلة.
آمال: أذكر أن آخر ما وصلني أنك تزوجت رجلا لديه طفلة وأنك حبلى بمولود من زوجك الجديد... لكن هذا لا يشبه ما قلته.
هناء: ما قلته صحيح لكن أمورا كثيرة حدثت بعد ذلك سأخبركم به لاحقا .
دخلت فداء الغرفة لتقدم العصير فقالت مها: إذن أنت المتبناة ...هي لطيفة جدا .
آمال : لكن المتبناة تبدو أكثر سمرة .
مها: أجل تماما و ابنتك الحقيقية تفوقها طولا.
هناء : عذرا هل من الممكن التوقف عن قول كلمة متبناة . شهد فداء، خذا جود وعودا الى غرفكما .
خرجت فداء بهدوء فردت شهد: حاضر يا...أمي.
التفتت الى السيدتين وقالت :لا بأس فشهد حساسة بشأن التبني.
مها : أظنها تشبه سندريلا فهي لم تنطق بكلة منذ ان دخلت و كأنها مهضومة الحق ،هناء أنت لا تعذبينها كخالة سندريلا صحيح .
هناء : هاذا يكفي .شهد عودي الى غرفتك.
شهد :حاضرة...أمي ... هل تريدين مني شيء ...أمي .
هناء :هلا توقفت عن قول أمي في كل جملة.
شهد :حاضر أمي مع أنني أظنك تحبين سماعها .
خرجت شهد لتتحدث الى جود... اعتذرت الخالة عما بدر من شهد وشرحت للسيدتين حقيقة الأمر. بعد أن أخبرتها شهد عن سبب تصرفها بهذا الشكل أمام الضيوف ... وأن ما حصل هو لإقناع جود بحقيقة الشبه بينه وبين خالته.

زهرة الروسان 08-17-2017 11:23 PM

وصية
الخالة : لقد تأخر الطبيب عند والدك ... أنا قلقة جدا .
شهد: لا بأس سيكون بخير .لا تقلقي .
فداء: شهد منذ متى وانت لطيفة مع أمي هكذا ... لست على طبيعتك .
شهد: هلا كففت عن السخرية فوضعنا حرج الآن .
فداء: أمي حين ينتهي الطبيب من فحص أبي دعيه يتفقد عقل شهد فيبدو أنها نسيته على الوسادة حين نهضت صباحا .
شهد: قد نطلب منه فحص ذكائك فعلى ما يبدو أنك تزدادين حماقة كل يوم .
خرج جود مع الطبيب و قد غمر وجهه الهم ... أوصل الطبيب لباب المنزل وعاد ليجلس الى والدته يطوقها بذراعيه محاولا كتمان حزنه ... نظرت شهد إليه وقد أدركت صعوبة حال والدها، فجلست بجانبهما تربت على كتف اخيها وتمسك بيد خالتها مواسية لها .
جود :قال الطبيب أن وجوده في المشفى لن يغير الوضع، فمن الأفضل له أن يقضي أيامه الأخيرة بين أحبائه.
انهارت الأم بين يدي ولدها الذي احتضن أمه وشهد ليخفف عنهما.
فداء: أخي... ماذا بشأن جامعتك تخرجك قريب ماذا ستفعل؟
جود : أظنني سأنسى أمره هذا العام... فأبي أهم من كل شيء... سأكلم المدير و أشرح له حالنا و أنظر ماذا يقول.
الخالة: فداء، هل لك أن تطعمي أخويك الصغيرين... فقد تأخرت عن إطعامهم .
فداء: حاضر يا أمي سأطعمهم و آخذهم الى السرير . جود يبدو أن أبي يناديك .
اتجه الجميع مسرعين الى والوالد الذي راح يوصي أبنائه طالبا من الفداء احضار الطفلين التوأمين.
الوالد: فداء ... ابنتي أنت فتاة جيدة أعلم أنك كذلك... اهتمي بإخوتك فأنت الأخت الكبرى وذات القلب الطيب...شهد، صغيرتي لا أدري ما أقول... فأنت تعلمين كم أحبك... أحب أخويك كرم و بهاء كما أحببت جود وعلميهما كما علمته... أخبريهما عن والدهما كما كنت تخبرين جود عن والدتك أخبريهما أنني تمنيت لو كبرا قبل رحيلي كم حلمت برؤيتهما شابين كما رأيت جود كم اردت أخذهما في نزهات كما كنت آخذك في الماضي... هل تذكرين... حبيبتي هل تعلمين؟ لقد صرت تشبهين أمك كثيرا أراها كلما نظرت اليك... هناء، اعتني بالأطفال لأجل أحلامنا التي حلمناها معا لأجل المستقبل الذي رسمناه لهم ... أنت سيدة رائعة حقا ...
هناء: ارجوك توقف.
الوالد: كرم بهاء، لو أنكما تفهمان ما أقول لأوصيتكما وصايا لا حصر لها لكنكما لا تزالان غير مدركين... اهتما بأمكما لأجلي... هناء، خذي أبنائك و اتركي لي جود أريده بشيء بيني وبينه.
جود: هل رأيت ما حصل وأنا أكلم شهد.....
فداء: لقد تأخر جود عند أبي... ماذا يفعل كل هذا الوقت.
خرج جود من الغرفة وهو عاجز عن التعبير، جلس على الأرض وهو يتأمل أخويه الصغيرين... و دون مقدمات بكى و تبعته هناء وابنتها في لحظات من الحزن غمرت المنزل... فلم يكن للكلام داع .
مسحت شهد دموع أخيها برفق وجلست بجانبه فنظر إليها بحزن ونظرة حيرة تغمر عيناه .
شهد: ما بك حائر... ماذا قال لك أبي؟
تردد كثيرا قبل أن يجيب ، لكنه رد أخيرا.
جود: كان يحدثني عنك وعن أمي... قال أنه سعيد لأنه حصل على فرصة لتكوني ابنته ... وأخبرني... كم أنا أشبهه... حين كان... شابا... و أن من يقول أنني أشبه خالتي... هو فقط... يجامل... كما قلت انت.
شهد: عزيز، هل اقتنعت الآن؟
هز جود رأسه موافقا بتثاقل شديد وانفجر باكيا بحرقة بين يدي أخته وصوته يهز جدران المنزل كما لو عاد طفلا صغيرا يبكي ألما لا يملك سبيلا للبوح به.

زهرة الروسان 08-21-2017 04:42 PM

تلميح
مضى عامان على تخرج جود و توظفه في قسم التحقيق الجنائي، وقد اعتاد على طرح القضايا الصعبة التي تواجهه على شهد التي تساعده في إعطائه بعض التلميحات التي قد تساعده في ايجاد الحل .
عاد جود يوما من العمل حائرا وجلس في غرفته يفكر فذهبت إليه شهد تسأله عن سبب حيرته فرفض الحديث وطلب منها أن تتركه لينام... خرجت شهد وحضرت له طعاما؛ فهي أكثر من يعرف أن طريقة إجبار جود على الحديث، هي جعله يشتم رائحة طعامه المفضل... وفي غضون دقائق قليلة كان متسمرا أمام الفرن ينتظر تناول طعامه... جلس يتناول الطعام بينما يتحدث الى شهد.
شهد: ما نوع قضية اليوم؟
جود: سيدة ماتت في المطبخ أثناء إعدادها الغداء لزوجها... على ما يبدو أنها ماتت بعد وضعها لمادة شديدة السمية في الوعاء.
-هل قتلها أحد؟
-لا أدري كل الأدلة تشير الى أنها وضعت السم في الطعام بيدها .
-انتحرت؟
-لا أعتقد... فقد كانت تنوي الخروج مع صديقتها مساءا.
-هل يعقل أنها أرادت التخلص من زوجها لكن انقلب الأمر عليها؟
-هذا ما يعتقده الجميع... لكني غير مرتاح بهذا الاستنتاج.
-لماذا؟
-لا أدري... أشعر أنه سعيد برحيل زوجته... تعابيره حين أخبرناه بأنها ارادت قتله... لم تكن حقيقية؛ لقد اصطنع الانفعال... لم يوافقني أحد لكنني واثق انه لم ينفعل حقا، و المثير أن المنزل كان نظيفا بشكل مثير لم نجد أي بصمات لكلا الزوجين، سوى على بعض الأدوات في المنزل.
-هل رأيت شيئا في المنزل يدل على سوء العلاقة بينهما حتى تعتقد انه يتظاهر؟
-لا كل شيء كان مثاليا... وهذا ما يحيرني... حتى أن منزلهم مملوء بصورهما معا و يبدوان في قمة السعادة... وصور لهما مع طفلهما الراحل... غير أن هناك صور في خزانة الزوجة لكليهما... تدل على مدى حبها له... وصور كثيرة جدا... إن كانت تفكر في قتله، فهاذا يعني أنها وضعتها لتبعد الشبهات عنها.
-لكن الأمر انقلب عليها... اسمع أخي، أحيانا لا تكون الحقيقة كما تبدو... عليك الغوص في اعماق الشخص لتعرف الحقيقة.
-ماذا تعنين؟
-تعال معي سأريك شيء.
ذهبت شهد مع جود الى غرفتها و فتحت خزانتها ثم أخرجت علبة خشبية صغيرة... فتحتها لينظر لمحتواها... وكانت تحتوي على أربع خصال من الشعر .
-ما هذا؟
-في هذه الصندوق خصال شعر تخصني و أبي وأمي... ما سبب احتفاظي بها برأيك؟
-ربما للذكرى!
-ربما...لكن لمن تعتقد الخصلة الرابعة؟
-لا أدري... لمن تعود؟
-لخالتك... ما رأيك الآن... لم أحتفظ بهذه الخصال؟
-من المؤكد ليس للذكرى... لم تحتفظين بهذه الخصلات؟
-حين كنت طفلة، سمعت حوارا دار بين والدي حول برنامج تلفزيوني يتحدث عن تحلل جسم الانسان... ذكر أبي أن شعر الإنسان يحتاج الى وقت طويل جدا حتى يتحلل... أكثر من أي خلية أخرى في جسم الانسان...شدني نقاشهما وتابعت حديثهما بإنصات، لفت اهتمامي انتباه أمي التي سرعان ما شاركتني في النقاش... وفي نهاية النقاش قامت واحضرت مقص وقصت خصلة من شعرها... لقد كانت تملك شعرا طويلا رائعا، وضعت تلك الخصلة في كيس بلاستيكي صغير... وقصت لي خصلة من شعري ووضعتها في كيس آخر... عندها شعر أبي بالغيرة منا؛ فأخذ المقص وقص شاربه... لقد كانت المرة الأولى التي يزيل فيها أبي شاربه... ووضعه في كيس آخر وصنع لي هذا الصندوق الخشبي لأضع فيه خصال الشعر.
حين رحلت أمي وتزوج أبي من خالتي لاحظ بعدي عنها ورفضي للتعامل معها فحدثها عن قصة الخصال وطلب منها أن تفعل ذات الشيء لأحبها ففعلت.
-حين تتحدثين عن حياتك قبل رحيل أمي أشعر بالغيرة... لو أنني عشت معها لأعرفها كما تعرفينها... لكنت أسعد الآن.
-ألست سعيدا؟
-ليس كما أتمنى... أنت ومع أنك كنت تعيشين مع زوج والدتك... كنت في قمة السعادة... أما أنا حياتي عادية جدا مع زوجة أبي... مع أنها حنون جدا لكني أشعر بشيء مختلف.
-حتى أنا أشعر بالحزن أحيانا لأن أبي ليس أبي الحقيقي... كانت حياتي لتكون مثالية لو كان كذلك.
-شهد، لم تحدثيني يوما عن والدك الحقيقي... أين هو و ما سبب تركه لأمي ؟
-لا أدري، فقد كنت حديثة الولادة.
-لم تحدثك أمك عنه... هذا ظلم.
-هلا غيرت الموضوع... اذهب لحل قضيتك.
-أجل القضية... سأعود قريبا... أعتقد أنني أمسكت طرف الخيط.

زهرة الروسان 08-30-2017 03:59 PM

حريق
عاد جود من عمله ليجد الطعام محضرا، جلس الى المائدة ليتناول الطعام مع أسرته فقد افتقد الجلوس بينهم منذ أشهر بسبب انشغاله الشديد...اجتمعت العائلة وبدأوا بتناول الطعام وتبادل أطراف الحديث:
-شهد: جود ماذا حدث معك في قضية لسيدة التي قتلت نفسها؟
-جود: ساعدتني القصة التي قصصتها في حل القضية... فقد كان ظني في محله؛ اصطنع الرجل الانفعال لأنه هو من قتل زوجته... أو جعلها تقتل نفسها إذا صح التعبير.
-فداء: هل هذه القضية التي أرقتك... كيف جعلها تقتل نفسها؟
-جود: حين بحثت حول حياة الأسرة، وجدت أنهم فقدوا الشعور بالسعادة بعد رحيل طفلهم... مما أثار فضولي حول أسباب وفاته. علمت أنه مرض مرضا قضى عليه، فراجعت الطبيب الذي عالجه... الذي أخبرني أنه أصيب بفيروس سبب له حمى شديدة لم يحتملها جسده الصغير... الفيروس أصابه بسبب تناوله لطعام حضرته أمه دون أن تتأكد من نظافة الأوعية التي استعملتها.
-الخالة: مسكينة؛ مؤكد أنها لم تسامح نفسها.
-جود: تماما... ولا حتى زوجها. بعد وفاة الطفل اصيبت الزوجة بحالة أشبه بالوسواس القهري للنظافة، فصارت تنظف الوعاء عشرات المرات قبل استعماله... لا تسمح لزوجها بالدخول للمنزل بحذائه... تعقم الارضيات مرارا و تكرارا... لا تدع أي بكتيريا تدخل منزلها. وهاذا ما استغله الزوج... فحقده عليها وغضبه من اهمالها السابق ولد في اعماقه رغبة للانتقام... فقد ذاقا مرارة الانتظار حتى رزقا بطفلهما و في مخيلته شعر انها لا تهتم... في ذاك اليوم عاد الى المنزل وقت الغداء ودخل المنزل وهو ينتعل حذائه...غضبت زوجته وتركت الأطباق دون أن تسكب فيها طعاما وراحت تنظف الارض من اثر حذاء الزوج الذي استغل فرصة خروجها من المطبخ و لوث الملح بالسم وأضاف كمية من الماء الى الوعاء الرئيسي لينخفض فيه طعم الملح... تناول طبقه معها بعد أن عادت وراقبها حتى وضعت ملحا في طعامها و انهته حتى آخره... هو لم يدرك أن اهتمامها بالنظافة كان أثر فقد الطفل.
-الخالة : يا ألله... كيف للحقد أن يعمي القلوب عن الحقيقة.
-فداء: أمي سأغسل الأطباق هلا ناولتني وعائك.
-جود: لقد حللنا اليوم قضية... تكشفت بسبب غفلة المجرم.
-شهد: حدثني؛ أحتاج لأحداث جديدة لقصتي.
-الخالة: ستصابين بجنون الإثارة إن لم تكفي عن الاستماع لقصص أخيك.
-شهد: لا بأس، تحدث هيا.
-جود: هوني عليك...هل سمعت عن الحريق الذي حدث صباح اليوم؟
-شهد: قرأت عنه في مواقع التواصل لكني لم أنظر التفاصيل... هل كان هذا سبب استدعائهم لك في العمل اليوم؟
-جود: أجل... لقد قام رجل بإحراق المنزل أثناء وجود طفليه في الداخل.
-الأم: يا الله. جود أرجوك لا ينقصنا ألم... لا تحدثنا عن قصص حزينة كهذه.
-شهد: على العكس، حين تشعرين بالألم من قصص كهذه؛ تشعرين بعمق الحب لأبنائك أكثر وتقل احتمالية تسببك أنت بالأذى لهم.
-الأم: سأذهب الى غرفتي... أتمنى أن يتعمق حبك لأبنائك حين يرزقك الله بهم.
-جود: شهد، لا تضغطي على مشاعر والدتي لهذا الحد... هي لم تنسى طفلها الراحل بعد.
-شهد: كما تريد. لكن حياتي لا شيء بلا اشعال النيران في زوايا منزلنا ليزداد دفئا، فالصيف ليس كل يوم، وبرد الشتاء لا يحتمل... جود لا تنسى نحن في الشتاء.
-اصبحت مخيفة يا شهد... المهم، دعك من كل هذا ولنتابع القصة. حين هرعنا لإنقاذ الأطفال ساعدنا بعض الرجال من الحي و الأحياء المجاورة وصلت الأم مندفعة لتطمئن على صغارها وهي تولول وتلوم نفسها على تركهم... وعند الاستجواب قالت أنها تركت زوجها معم وخرجت الى السوق.
-وماذا عن الزوج؟ وما سبب الحريق؟
-سبب الحريق هو سقوط شعلة من بخور على سجادة الغرفة التي كان يلعب بها الصغار تلك السجادة كان الوالد قد سكب بعض الوقود عليها في صباح ذلك اليوم وهو يملأ عبوة الاحتياط... أكدت الزوجة أنها أبعدت البخور عن أيدي الأطفال قبل خروجها.
-وماذا عن الزوج؟
-هذا هو المثير... حين وصل الزوج الى المنزل، انهار باكيا ولم يستجب لأي سؤال، وفجأة انهال أحد الرجال الذين ساعدونا في الانقاذ عليه بالضرب حتى فقد وعيه دون أن نتمكن من التفرقة بينهما... عندها قبضنا على الرجل وحققنا معه... حين حدثنا بما لديه وعن سبب فعلته، تمنيت لو أني أفعل ما فعل.
-لهذا الحد! ماذا قال؟
-لقد شاهد الحريق من شرفة منزله ونزل ليساعد... عندها لاحظ رجلا يراقب الحريق من سطح أحد البنايات، ظنه أحد ساكنيها ولا يريد التدخل. لكنه صدم حين دخل ذلك الرجل المنزل المحترق وكان هو رب هذا المنزل.
-كيف له أن يفعل ذلك بأسرته!
-حين استفاق رب المنزل، اعترف بفعلته وقد بدا عليه اليأس... لقد أخبره طبيبه أنه مصاب بالعقم؛ فظن أنه قد خدع وأن الأطفال ليسوا من صلبه فقرر الانتقام من زوجته و قتل الأطفال... لكن وبعد أن أشعل الحريق و جلس يشاهد الحريق... ظن نفسه سيشعر بنشوة الانتصار، لكنه شعر بحرق القلب على الأطفال الذي رباهم. بعد الحادث تحدثت الى طبيبه للتأكد من السبب، لقد كان محقا لكن ليس تماما؛ فقد غفل الطبيب عن إخباره بسبب العقم ظنا منه أنه يعلم... فقد تعرض لحادث منذ شهور وكان هذا هو السبب... حين علم بذلك فقد وعيه وبقي على حاله لساعات... لحسن الحظ نجا الأطفال بحروق طفيفة. جاءت الزوجة ومعها الأطفال إليه بعد أن استفاق، وطلبوا من الشرطة تخفيف التهم عله يخرج منها بلا ضرر كما خرجوا جميعا بلا ضرر.
-ثم ماذا حدث؟
-سيحاكم لكن لا أعرف ما سيحل به... الأهم أنه راح يرجو زوجته لتسامحه لأنه أساء الظن بها... وهي سامحته.

ياسر علي 09-02-2017 11:56 AM

تملكين من العزم ما به تحققين الدّهشة

سواء هناك في قصص الأطفال
أو هنا بهذه الرواية



تقديري

ايوب صابر 09-02-2017 03:13 PM


اتفق معك استاذ ياسر لا شك ان الأستاذة زهرة تسير في طريق سيوصلها حتما الى انجازات ابداعية عبقرية . فالعزم والإصرار والمثابرة والانفتاح على التغذية الراجعة تعبد الطريق للنجاح.

زهرة الروسان 09-05-2017 04:48 PM

شكرا أستاذ ياسر و أستاذ ايوب و أرجو منكم نقد الرواية عند الانتهاء منها

هذا شيء علي تصحيحه بالمقطع السابق
(سبب الحريق هو سقوط كرة من بخور المشتعل على سجادة الغرفة التي كان يلعب بها الصغار تلك السجادة كان الوالد قد سكب بعض الوقود عليها في صباح ذلك اليوم وهو يملأ عبوة الاحتياط... أكدت الزوجة أنها أبعدت البخور عن أيدي الأطفال قبل خروجها.


لكن وبعد أن أشعل النار في المنزل و جلس يشاهد الحريق.)

زهرة الروسان 09-05-2017 04:49 PM

خطر
صراخ علا في منتصف الليل، أيقظ كل من في المنزل... أسرع جود تجاه الصوت الذي صدر من غرفة الصغار جود و بهاء، وإذا بنيران مشتعلة تلف سريري التوأم و فداء تحاول جاهدة الوصول إليهما. سارع جود في إخماد الحريق و إخراج الجميع من الغرفة... بقي في الداخل وحده ولم يسمح لأحد بالاقتراب. وبعد ما يزيد عن ساعة خرج غاضبا وطلب من أمه التحدث إليه جانبا بعيدا عن أسماع الفتاتين.
-الأم: ما بك بني؟ لم طلبت الحديث إلي وحدي؟ وما سبب الحريق؟
-جود: لهذا السبب طلبتك وحدك... أخبريني أمي، كيف تتعامل الفتيات مع الصغيرين؟
-طبيعي جدا... كما يتعامل الأخوة معا. لم تسأل أقلقتني؟
-أريد تفاصيل أمي. أراهما وأنا موجود كيف يتعاملان معهما بحب و لطف... أريد أن أعرف التفاصيل... هل تشعرين إحداهن تقسو عليهما أو لا تكترث لهم إن تأذيا أو أصابهما مكروه؟
-أبدا بني... فداء تجلس تراقبهما طوال الوقت خصوصا بعد تعرضهما لتلك الحوادث مؤخرا. وشهد تداعبهما وتلاعبهما طوال اليوم وتساعدهما في كل شيء تقريبا... لقد أخفتني بني. ما الأمر؟
-أخشى يا أمي أن الحريق مفتعل.
-ماذا؟ أتقول أن أحدى الفتاتين أشعلت الحريق! لماذا؟
-لا أدري لكن الحريق... أخبريني أمي، هل انسكب أي نوع من المحروقات على سجادة الغرفة؟
-أجل، لقد أوقعت فداء بعض وقود المدفأة وهي تملئها ليلة أمس.
-من أشعل البخور؟
-أنا... قرأت عن أهمية البخور في معالجة الحالة النفسة للصغار... تعلم أن أخويك تعرضا لكثير من الحوادث شعرت بأنهما متعبان.
-أمي، كيف لك أن تشعليها ليلا!
-لقد أطفأتها قبل أن أنام... وطلبت من فداء التأكد أنه لم يبقى فيها أي شعلة... بني إن كنت تظن أن إحدى الفتاتين تسببت بالحريق فعليك إخباري بمن تكون... وإن كانت من أظن... فلن أسمح ببقائها معنا إلا إذا خضعت لطبيب نفسي... فقد زاد الأمر عن حده... ولن أخاطر بحياة أسرتي من أجل انتقامها السخيف... عليها أن تدرك أنني وأطفالي لا شأن لنا بما مرت به. هل هذا واضح؟ سينام الصغيرين في غرفتي ابتداء من اليوم... أتمنى أن استفيق صباحا وقد حللت الأمر.
-شهد لا تفعلها... ماذا لو كانت فداء؟
-نفس الشيء، المهم أن أطمئن على الصغار.
-حاضر... سأباشر بالحديث إليهما.
طلب جود من أختيه الجلوس و التحدث عن الأمر.
-شهد: جود أخي هل تشك بنا!
-جود: في الواقع أجل.
-شهد: لو علمت أنك ستفعل هذا لما شجعتك على الالتحاق بقسم التحقيق.
-جود: أنت تعلمين تماما لما التحقت بقسم التحقيق.
-شهد: أجل، لكن يبدو لي أنك نسيت.
-جود: لم أنس. لكن لدي أسبابي...تذكرون حادثة الحريق التي وقعت منذ مدة و حدثتكم عنها... لقد تكررت عندنا اليوم. نفس الأحداث ونفس الأسلوب مع اختلاف الجاني و الأسباب... ما اختلف أن الجاني ابتعد لمنع كشفه كما حدث في الحادثة الماضية، وتغطى بستار الظلام.
-فداء: أي قصة؟
-شهد: لا تتظاهري بالبراءة. كنت حاضرة يومها.
-فداء: مع أني لم أكن حاضرة لكن لن أجادلك... تابع أخي.
-على كل حال... مع أن احتمالية كون ما جرى مجرد صدفة ضعيف جدا، إلا أنه وارد على كل حال. قالت أمي أنها طلبت من فداء التأكد من انطفاء شعلة البخور... فداء هل فعلت؟
-فداء: أجل وكانت لا تزال مشتعلة فطلبت من الشهد التأكد منها قبل أن تخلد الى لنوم.
-جود: وأنت يا شهد، هل تأكدت منها؟
-شهد: لا، لم أفعل.
-فداء: ولم لا... ألم أطلب منك فعل ذلك...ألا تشعرين بالمسئولية.
-شهد: لأني لا أهتم... أخي إن كان ما حصل مفتعل، فأنا خارج الموضوع... سأذهب الى غرفتي.
-فداء: لا أصدق... أنت بهذا تتهمينني.
-شهد: ليس بعيد عنك.
-فداء: ليس بعيد عني!! هل تعتقدين أنني لا أملك قلبا... كيف لي أن أضر الصغار... أتظنين أن قتل روح أمر سهل!
-شهد: يقتلني تظاهرك بالبراءة. ألم تقتلي طفلا من قبل!
أثار ما قالته شهد غضب جود و فداء فوقف جود ممسكا بذراع شهد بشدة وصرخ قائلا: ما الذي تقولينه... كيف تتهمين فداء بذلك! أي طفل هذا الذي قتلته!
دفعت شهد جود بعيدا واتجهت الى غرفتها وهي تقول: أنت وأمك... قتلتم طفولتي... دمرتم سعادتي مع أسرتي التي أحبها... ليس صعبا عليكم إزهاق روح إن كنتم أزهقتم أمله.
دخلت شهد غرفتها ودموع فداء منهمرة مما سمعته وقد سمعت بأذنها مقدار الكره الذي تكنه شهد لها و لأمها.
-جود: هل يعقل أنها تجاهلت تفقد عود البخور عمدا لتتهمك!
-فداء: لا يا جود لا تقل ذلك... ربما شهد تكرهنا لكنها لن تقتل أحدا... ربما هذا مجرد حادث.
-جود: وماذا عن التطابق في الأحداث؟ هاذا ليس الحادث الأول... لقد تكرر حدوث هذه القصص في منزلنا... قصص أنا قصصتها لكم، تحصل بتطابق تام.
-هل تعتقد أنها حمقاء لتلفت الانتباه لنفسها إن كانت هي الفاعلة!
-لا، إلا إذا خططت لاتهامك أو اتهام أمي.
-جود، شهد لا تفعل ذلك... أنا أعلم كم تحبها كيف لك أن تتهمها!
-هل تعتقدين أنني سعيد بذلك! قلبي يكاد ينفطر... حين رحل أبي أخبرني أنها عادت لتشعر بالحب و السعادة بيننا... لقد قال أنه رآها تبكي. صدقته حينها لأنني أردت أن أرى شهد على طبيعتها الجميلة التي حدثني عنها أبي.
-هي كذلك... لكنها تحاول إخفاء الأمر.
-لا، أظن أنها لاتزال باردة المشاعر لا قلب لديها... أظن أن ما رآه أبي مجرد وهم... ربما بسبب اشتداد المرض واقتراب أجله، صور له الحلم السعيد الذي تمنى العيش فيه.

زهرة الروسان 09-05-2017 04:59 PM

طبيب نفسي

اتجه جود الى غرفة شهد بعد ليلة عصيبة... فعيناه لم تتذوقا طعم النوم طوال تلك الليلة... اعتاد حين يمر بوقت مرير أن يحدث شهد عما يؤلمه. لكن الأمر مختلف فألمه هي شهد بحد ذاتها... طرق باب غرفتها وقد عزم على الاعتذار و عنده أمل في محاولة إقناعها بالمثول أمام طبيب نفسي، فأمه أقسمت أن لا تسكت عن الأمر، ولن تغلق الموضوع وتطوي الصفحة إذا ما عاندت شهد... وهو يعلم كم هي عنيدة.
-جود: صباح الخير. هل تسمحين لي بالدخول؟
-شهد: لا.
-حسنا، سأدخل دون إذن. كيف كانت ليلتك؟ أعلم أني كنت قاسيا جدا أمس... جئت لأعتذر لك عما بدر مني.
-لا بأس. أنت أخي الصغير، إن لم أسامحك فلن أسامح نفسي.
-هذه هي أختي المفضلة... لقد تحدثت لأمي و تريد.....
-تريد أن تعرضني على طبيب نفسي أليس كذلك! لا بأس. لا مانع عندي.
-حقا... بهذه البساطة! كم أنت رائعة... أعلم الآن كم تهتمين لسعادتي.
-الآن! على كل حال هذا ليس من أجلك... بل من أجلي.
-من أجلك! هل تشعرين أنك تحتاجين لطبيب؟
-لا، هل جننت! لكني أكتب رواية وأفتقر لبعض الأحداث المهمة.
-اجل فهمت، حلم طفولتك... ألم تحلمي أن تصبحي ساحرة شريرة؟ أظنك حققت حلمك بجدارة.
-أنا حلمت بذلك... يا لك من كاذب.
-أنت قلت ذلك... قلت أحلم أن أكون ساحرة شريرة تأكل حلوى الأطفال ليلا... هل تذكرين! على كل حال... الطبيب القادم هو صديق لي، ربما هو عجوز مثلك لكنه طيب... شرحت له ما حدث وتفهم الأمر وسيتعاون معنا.
-أنا في الثلاثينات... لست عجوزا... هذه هي ذروة شبابي.
-ممممم بل أنت عجوز... المهم، أعلم أنك ستضربينني إن لم اتوقف عن وصفك بالعجوز... سألتني فداء عن سبب التحاقي بقسم التحقيق... انت ذكرت ذلك أمس أتذكرين.
-وهل أخبرتها؟
-لا، اضطررت للكذب وأخبرتها أنك تريدين معرفة والدك الحقيقي.
-ماذا؟ كيف تقول ذلك!
-هذا ليس هو المهم... المهم أنها أخبرتني أنها تبحث عنه منذ عدة أشهر.
-جود، أخبرها أن تنسى الأمر... أنا لن أخرج من هذا المنزل ببساطة، هل تفهم.
-من طلب منك الخروج! على كل حال سيصل الطبيب قريبا لذا تهيئي.
بعد ساعة وصل الطبيب وجلس ينتظر شهد في غرفة الاستقبال مع الجود... كان شابا في أواسط الثلاثينات، هادئ الملامح و قوي البنية، يرتدي نظارة صغيرة تخفي عينيه. وصلت شهد وعلا محياها ابتسامة سخرية... ألقت التحية وجلست بجانب أخيها.
-الطبيب: مرحبا، أنا نبيل صديق جود... سررت بمعرفتك.
-جود: سأحضر الشاي لن اتأخر... يمكنكما التحدث. إن أردت أي شيء فأمي تجلس مقابلكما هناك، تستطيع سؤالها.
-الطبيب: شكرا لك. آنسة شهد، أنا طبيب نفسي. بارع في كشف مشاعر الآخرين. نظارتي هذه هي أداتي لكشف ما يخفيه الإنسان من أسرار. فكما تعلمين عين الإنسان لا يمكنها كتمان الأسرار، فالعين ثرثارة جدا... غير أني ماهر في جمع النقاط.
-شهد: أي نقاط؟
-الطبيب: نقاط الابتسامات... خلال ساعة سأجمع منك ما يزيد عن ثلاثين نقطة... إي بمعدل بسمة لكل دقيقتين.
-شهد: أرني مهارتك.
-الطبيب: هذه أول نقطة.
-شهد: أنا حتى لم أبتسم.
-الطبيب: لقد وصلت وانت مبتسمة... صحيح انها ابتسامة سخرية، لكن أقبلها... مع ان ابتسامة الرضا أجمل... هل تعلمين أن الابتسامة تزيد من جمال الوجه وصحة القلب.
-شهد: أنت شخص ثرثار.
-هذه هي الفلسفة يا آنسة، أنا فيلسوف... ابتسامة أخرى. رائع، نقطة أخرى.
-شهد: هذه البداية وحسب.
-الطبيب: لن تتمكني من هزمي... فأنا هو صانع البسمات.
-شهد: هراء، أنت لا تصنع بل ترسم البسمات.
-الطبيب: هذا اعتراف وبداية هزيمة... هل نبدأ؟
-شهد: تفضل.
-الطبيب: أحب أن أبدأ حديثي بما حدث أمس... أخبرني جود أن أختك فداء طلبت منك التأكد من انطفاء البخور ولكنك لم تفعل... أهذا صحيح؟
-شهد: أولا فداء ليست أختي... أن كان جود قد حدثك عن الأمر فمن المؤكد أنك تعلم شكل علاقتي بها... وأجل لم افعل فأنا لا أهتم.
-قد حدثني جود عنك كثيرا... أكثر مما تتخيلين... عن طفولتك وصباك وحتى شبابك. حدثني عن والديك وعن جدتك، عن علاقتك بفداء وخالتك. عن كل شيء... أنا أعرفك من قبل أن اراك... هل حقا أنت لم تتفقد البخور!
-لا.
-متأكدة! أنت تفقدته لكنك لا تريدين الاعتراف... أنت تحبين الصغار صحيح! من ما قاله جود فالحادث لم يقع بالصدفة، كنت من عالج الرجل الذي حاول احراق اطفاله. أخبرني بأنه دفع كرة البخور المشتعلة فسقطت على الأرض... انتم تستخدمون اعواد البخور سقوط الرمد الناتج عن الاحتراق سيسبب ثقبا صغيرا في السجادة... يحتاج الأمر لنار أقوى لإحداث الحريق... لذا أنا متأكد أن لا دخل لك في الأمر... بالمناسبة قال لي جود أنك تخفين سرا منذ زمن، لكنك لم تبوح به لأحد... حدثيني، اعتبريني شخصية خيالية في إحدى قصصك-أنت كاتبة صحيح-بوحي لي بسرك واعلمي أن هذه الشخصية الخيالية لا يسعها البوح بأسرار مبدعها.
-إن حدثتك بسري، فأنا واثقة أنك لن تتمكن من النوم حتى تبوح به لشخص ما... فهو ثقيل على أقسى الرجال. لن تتمكن من كتمانه. حتى الأبطال الخياليون في رواياتي باحوا بسري لشخص قريب.
-كيف تمكنت أنت من كتمانه؟
-لا خيار لي بالبوح به. ما كان ليصدقني أحد... لا دليل أثبت به ذلك الآن. وقد دفعت ثمن كتماني.
-أي ثمن؟
-يكفي أنني جالسة مع طبيب نفسي... أبي اعتقد أنني فقدت مشاعري.
-لا أظن أن هذا صحيح... أخبرني جود أن عيناك لم تعودا تسخيان بالدمع... لكني لا أظن ذلك.
-حقا!
-يكفي أنك تشعرين بالسعادة... الآن على الأقل... ألست محقا! عيناك باحتا لي بحجم سعادتك الآن، مع أنك حزينة لجلوسك مع طبيب.
استمر حديث الطبيب الى شهد ساعة كاملة ثم ذهب ليطمئن الأم وأكد لها أن شهد لم تكن لتؤذي الصغار، وأن ما حصل في الليلة الماضية هو حادث على الأغلب... قرر لها عددا من المقابلات لترتاح الأم. وخرج وكله ثقة بأن شهد لا تحتاج الى طبيب بل لأعمق من ذلك بكثير... هي تحتاج لمن يفهمها ويقاسمها حزنها قبل فرحها.

زهرة الروسان 09-10-2017 04:12 PM

قلب حزين
استفاقت شهد على صوت طرق شديد لباب غرفتها. وإذا بفداء تقف لدى الباب والسعادة تغمرها...
-شهد: ما بك، لم أيقظتني في هذا الوقت الباكر و بهذا الشكل المريع.
-فداء: آسفة جدا لكني أحمل لك خبرا رائعا... كنت أبحث عن والدك منذ زمن لكن دون جدوى... تذكرين الصورة التي التقطناها قبل عدة أعوام حين تخرج جود من الجامعة... لقد وضعتها كغلاف لصفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي... راسلتني سيدة تعمل في دار للمسنين، أخبرتني أنهم يرفهون عن نزلائهم بمساعدتهم في تصفح الأنترنت... رجل عجوز كان يتصفح مواقع التواصل تحت إشرافها... أندفع باكيا حين رأى الصورة، وقال أن فتاة في الصورة نسخة طبق الأصل عن طليقته المتوفاة... تلك الفتاة هي أنت يا شهد... ذلك الرجل الكهل هو والدك الحقيقي.
بقيت شهد صامتة دون أن تنطق حرفا واحدا، وفداء تنتقل من باب لآخر، مرة توقظ أمها وأخرى توقظ جود ثم تعود وتهز شهد وهي تتراقص فرحا بمعرفة مكان الوالد وكأنه والدها هي. اجتمع أفراد الأسرة ينتظرون رد الشهد التي آثر السكوت على إبداء أي شعور.
جود: شهد، متى ستذهبين لزيارته؟
-فداء: اتفقت مع السيدة أن تذهب شهد غدا للقائه في دار المسنين؛ فهو لا يستطيع الخروج فقد كبر في السن ويحتاج كرسي متحركا للتنقل.
-الأم: هذا رائع. جود لما لا تذهب معها... فقد تحتاجك في لقائها الأول مع والدها.
-جود: لا أدري، أظن أن علينا منحها بعد الخصوصية... ما رأيك يا شهد؟
-شهد: أنا لن أذهب الى أي مكان... ولن أقابل أحدا.
-فداء: ما الذي تقولينه... إنه والدك... ألست مشتاقة لرؤيته؟
-شهد: لم يشتق لرؤيتي لأكثر من ثلاثين عاما... لذا لا، لست مشتاقة لرؤيته... ألم يتركني وأمي وحيدتان في بلد غريب، قبل أن أتم أسبوعي الأول! هو من تركنا بلا سبب... وبلا مأوى.
-الأم: لكن يا ابنتي، إنه والدك. وبما أنه طلب رؤيتك... فهذا يعني أنه يحتاجك. من المؤكد أنه لم يعد لديه سند، لذا لجأ لمأوى العجزة... وأنت ابنته الوحيدة. أنت بصيص الأمل لمتبقي له ليعيش.
-شهد: ألم يتزوج بعد أمي! لم لا يذهب لزوجته.
-جود: لو أنها حية لما كانت لتتركه وحده... هو يحتاجك.
-شهد: قلت لن أذهب.
رن هاتف المنزل فأجاب جود فإذا به الطبيب نبيل يعتذر عن الحضور لجلسة شهد العلاجية، فقص عليه جود ما حدث وطلب منه اقناعها... وبعد وقت وجيز عادت شهد وجلست.
-جود: ماذا قررت يا شهد؟
-شهد: لا، لن أذهب.
-جود: ألست بحاجة لأحداث لقصتك الجديدة؟
-شهد: لا، شارفت القصة على الانتهاء... إن زدتها ستصبح مملة.
-جود: لكنها أحداث مهمة.
-شهد: تعلم، أقنعتني... فبطلة القصة لا تعرف والدها... ستكون إضافة مثيرة... كن جاهزا عند التاسعة صباحا... إن تأخرت سأغير رأيي.
خرجت شهد فقالت الأم: هاذا النبيل له أثر كبير على أختك.
-جود: أجل مع أنها كانت ترغب بالذهاب لكنها تتظاهر بالرفض، وتريد من يقنعها.
في صباح اليوم التالي تجهز كل من شهد وجود واتجها نحو دار المسنين... استقبلتهما سيدة عند باب الدار وأخذتهما مباشرة الى غرفة الوالد... كان رجلا عجوزا يغطيه غبار الزمن، جالسا على سريره وهو يضع وشاحا صوفيا قديما، وبجانبه كرسي متحرك...وكان حاد الملامح... كما شهد.
دخلت شهد الغرفة بوجه مبتسم... جلست على كرسي بجانب سرير والدها، وجود الى جانبها.
-شهد: أنا شهد... وهذا أخي جود. سررت بمعرفتك
-الأب: أهلا بكما. شهد عزيزتي، أنت تشبهين أمك تماما.
-شهد: شكرا لك.
-الأب: حبيبتي حدثيني، كيف كانت حياتك؟ و عمك، هل هو لطيف معك؟ وماذا عن زوجته؟
-شهد: كل شيء على ما يرام... عاملني عمي كابنته تماما... لم يكن يفرق بيني وبين جود.
-جود: لقد كان يدللك أكثر مني.
-الأب: دائما ما تحظى الفتيات بالدلال و المحبة أكثر من الفتيان... أليس كذلك يا بني! وكيف حال والدك الآن؟
-جود: رحل والدي قبل عدة أعوام.
-الأب: رحمه الله... كان رجلا صالحا... أحب أمكما و رعاها أكثر مني... لقد ربى لي ابنتي.
-شهد: هل كنت تعرفه؟
-الأب: نعم، لقد زرتك عدة مرات بعد زواج أمك.
-جود: حدثني يا عم، هل لشهد إخوة؟
-الأب: ثلاث... ثلاث أبناء.
-شهد: يبدو أنك حصلت على ما أردت تماما... لكن أين هم؟ ولم أنت في هذا المكان؟ وماذا عن زوجتك؟
-الأب: هل حدثتك أمك عن سبب طلاقنا؟
-شهد: القليل... أعلم أنك تركتنا بعد أن أنجبتني أمي بأسبوع لأنها أنجبت أنثى... وتركتها في المدينة وحيدة. هذا ما أعرفه... عندها وجدها أبي... كانت مريضة جدا و متعبة. عالجها و طلب من جدتي رعايتها ريثما يتصل بأسرتها... حينها جاء خالي فادي لأخذنا... بعد عام جاء الينا وطلب الزواج من أمي.
-الأب: تنادينه أبي... هذا لطف منك.
-جود: عمي، أين أبنائك و زوجتك؟
-الأب: آه يا بني... لو تعلم ما أصابني، نصيحة لك يا بني مهما حصل لا تقبل أن توقع ظلما على أحد... مهما كان السبب. سأحدثكم بقصتي من البداية... تزوجت في بداية حياتي من فتاة في نفس عمري، كنت حينها في أواسط العشرين... عشنا معا عامين ولم نرزق خلالهما بأي مولود... فطلبت مني أمي أن أطلقها فقد ظنت أنها لا تنجب. بعد أن طلقتها تزوجت وامك... وعمرها خمسة عشر عاما. انجبت طفلا بعد عام من الزواج، لكنه مات سريعا... بعد عامين أنجبت آخر، ومات أيضا... لحظة ولادته. كانت أمي قد نفذ صبرها فهي تريد رؤية طفلي فأنا ولدها الوحيد... كنت أحاول تهدئتها لعدة أعوام فقد أخبرني الطبيب أن زوجتي لا تزال صغيرة وجسمها لا يحتمل وعلى الأغلب أن المولود في كل مرة لا يكتمل نموه فيموت... في العشرين من عمرها أنجبتك... وأخبرني الطبيب أنك سليمة تماما ولا مؤشرات قد تؤدي الى رحيلك باكرا... سعدت كثيرا ورحت أزف الخبر لوالدتي. فانفجرت غاضبة، فهي ارادت صبيا بعد كل هذا الانتظار... وطلبت مني ترك والدتك،، والزواج من غيرها... وكأن الذنب ذنبها. ابقيت أمك أسبوعا كاملا في المشفى وأنا أحاول اقناع أمي في تغيير رأيها لكن دون جدوى... عندها أقسمت بالله إن لم أطلقها، فلن تكلمني مجددا... حتى أنها منعتني من تسديد تكلفة يوم آخر لها في المشفى... لم يكن لدي خيار. اتصلت بأحد أصدقائي وطلبت منه حجز غرفة لها في فندق والاتصال بأسرتها لاصطحابها وتسليمها ورقة الطلاق، وأعطيته المال للتكفل بالأمر... وتزوجت فتاة في الرابع والعشرين من عمرها أنجبت لي ثلاث أطفال بلا مشاكل... لكن عيبها أنها كانت تحب المال بشدة وتطالبني بكسب الكثير من المال لتربية أبنائنا ليكونوا ناجحين وهذا ما حصل... في تلك الأعوام علمت أنك أتممت عامك الثاني فذهبت لزيارتك وأمك... أخبرني حينها عمك أن صديقي قام فقط بتسليم ورقة الطلاق، وأخذ المال لنفسه وترك أمك وحيدة في الطريق. بعدها عدت لأسرتي ولأبنائي كنت حينها قد رزقت بطفل الأول.. ثم رزقت الآخرين وأنا أفني حياتي بجمع المال... بعد أن رزقت طفلي الثالث وصتني رسالة من عمك أن والدتك رحلت وأنه سيهتم بك لأنه كان بحاجتك بجانبه وأنه لا يضمن أن ترعاك زوجتي. في الواقع لم تكن زوجتي لترعاك... فهي حتى لم ترع صغارها. فبعد عدة أعوام طلبت الطلاق... لتأخذ مؤخر الصداق الغال... وتتزوج من شاب عرفته حديثا. وتركت لي أبنائي لأربيهم ولم أرها منذ ذلك اليوم. أبنائي كبروا وتزوجوا جميعهم وتركوني في المنزل وحدي بعد أن صرت عاجزا عن العمل... ذات يوم زارني طبيب وخرج معلنا أنني غير قادر على اتخاذ قراراتي لأنني مصاب بمرض الزهايمر... أخذوا نصف ممتلكاتي ووزعوها بينهم، وتركوني هنا في دار المسنين... من الجيد أنني كتبت لك منزلا لا يعرفون بوجوده... كتبته لك في اليوم الذي رحلت به أمك. فقد ظننت أن عمك لن ينصفك... آسف ابنتي، أرجوك سامحيني
-جود: لا بأس يا عم... شهد تحبك، صحيح أختي.
-شهد: أجل أبي أنا أحبك وأريدك أن تسامحني لأني لم أهتم بك من قبل... سأطلب من مدير هذه الدار أن يسمح لي بأخذك.
-الأب: لا بأس يا ابنتي، فأنا لا أريد لإخوتك أن يعرفوا بوجودك... حين أرحل، طالبيهم بحقك في الميراث. ولا تتنازلي عنه أبدا.
-شهد: لا تقل ذلك أبي... ستبقى معنا أنا وجود سنرعاك.
-جود: أجل يا عم... أنا وشهد سنرعاك... فأنا ابنك أيضا.
-الأب: بني، هل أنت أخو شهد بالرضاعة؟
-جود: لا، أنا أخوها من أمها.
-الأب: هذا مستحيل... من هو والدك؟
-جود: محمد، الرجل الذي تزوج أم شهد ورباها.
-الأب: لا يمكن، هناك خطأ ما فأنت لا تشبه أي منهما.
-جود: هذه قصة طويلة... شهد علينا المغادرة. سيصل نبيل قريبا.
-شهد: ألم يعتذر؟
-جود: اعتذر عن الجلسة وليس عن الحضور... إنه قادم لخطبة فتاة ما أنا لا أعرف من تكون.
-شهد: أجل... جاء لخطبة سندريلا.
-جود: ليست سندريلا، أنت تفهمين من أعني... سأشغل السيارة... عمي سنأتي قريبا لأخذك الى منزلنا لكن علينا استأذن أمي أولا. الى اللقاء.
-شهد: جود، أخي لا تقلق... قريبا سأنفذ ما وعدت به أمي، ولن تقلق حيال شيء مجددا.
-جود: لا بأس سأكون بخير.
-الأب: من نبيل يا ابنتي؟
-شهد: إنه شاب ماهر في رسم البسمات يا أبي... وهو صديق جود. حين تأتي لمنزلنا سنعرفك به... هو لطيف جدا.
-الأب: بالتوفيق يا ابنتي. كما قلت لن أخرج من هنا إلا الى القبر. لا تتعبي نفسك. لكن أخبريني، هل أنت واثقة أن جود أخوك؟

زهرة الروسان 09-14-2017 11:34 AM

دليل قاطع

تقدم نبيل لخطبة شهد، لكن شهد رفضت الزواج منه أو من أي إنسان آخر. مضت عدة أسابيع وشهد مصرة على الرفض مع أن جود يثق تمام الثقة أنها لن تجد أفضل من نبيل، فهو يفهمها جيدا و يجيد التواصل معها أكثر من جود نفسه... حين أعلم جود نبيل برأي شهد، لم يتفاجأ كثيرا، وطلب السماح له بمقابلة شهد و إقناعها بالموافقة... وافق جود على طلب نبيل. وفي اليوم التالي طلب من شهد التحضر للمقابلة، بشرط أن يجلسا في غرفة الضيافة تحت إشراف خالتها... وافقت شهد على المقابلة وراحت تنتظر قدومه بفارغ الصبر... وصل نبيل في موعده المحدد. القى التحية، وجلس الى شهد ليقنعها... لاحظ أثناء حديثهما أنها لا تحتاج للإقناع، فلم يكن صعبا أن يرى بوضوح نظرة السعادة تعلو وجهها الجميل... فكلما شعرت شهد بالسعادة، ازدادت عيناها اتساعا. ايقن أن سبب رفضها لا يتعلق به، وإنما هو أمر تخفيه... لربما ذات الأمر الذي حدثه عنه جود. فسألها محاولا دفعها للحديث: هل أنت سعيدة؟
-لا، أنت من يبدو سعيدا جدا... ما الذي يسعدك؟
-يكفي أنني أعلم أنك لم ترفضي الزواج بسببي... لكن أخبريني لم لا تريدين الزواج؟
-إنه أمر خاص. يخصني وحدي... أمر يصعب شرحه، أو حله.
-ربما وحدك لن تتمكني من حله... لكنني معك وربما أتمكن من مساعدتك.
-قصتي يصعب حلها... لكانت حلت قبل أكثر من عشرين عاما.
-وما شأن هذه القصة بزواجنا؟
-هي الشأن بحد ذاته... لو أنني عشت طفولة عادية، لو أنني أعيش مع أسرتي الحقيقية، لو أن أمي مازالت حية أو على الأقل تمكنت من تربية ابنها ولم يتزوج أبي... لو أنني لم أقابل هذه الأسرة من الأساس لكان الأمر مختلف... هل تذكر، في آخر لقاء علاجي، حين أحضر جود عمال لتصليح المكيف واضطررنا للجلوس جميعنا في المطبخ!
-طبعا أذكر.
-في ذلك اليوم قمت وغسلت الأطباق بدلا من خالتي... وقلت لي مداعبا بعد أن مدحت عملك أنك مستعد لغسل الأطباق عني بأجر مرتفع... أنا لم أتمكن من نسيان نظرتك تلك لكن أنا لا أستطيع دفع هذا الثمن بهذه الظروف...لا أستطيع ترك جود هنا... هو أمانة من أمي ولا يمكنني تركه.
-هو لم يعد طفلا... أمك حملتك أمانة الاهتمام به ولم تطلب منك ملازمته للأبد. سيأتي يوم يتزوج فيه ويتركك، لن يبقى معك طوال حياتك.
-أنت لا تفهم يا نبيل. لو أنني مؤتمنة على تربيته وحسب لحلت المشكلة... أنا أحمل ثقلا على كاهلي، حرمت من نوم ليال كثيرة، كان علي تسليم الأمانة منذ أن رحلت لكني لم أفعل.
-لماذا؟ لم لم تسلمي الأمانة؟
-لقد خفت. منذ رحيل أمي وأنا أستيقظ ليلا فزعة بشكل مستمر وذلك الكابوس يراودني وأنا أرى تلك النظرة الخائفة في عيني أمي وهي تحاول إخفائي... لا يمكنني نسيان الأمر... كنت هدأت بعد رحيل أبي... وما عاد الكابوس يراودني بتلك الكثافة. وقد كدت أن أنسى... لكن، منذ أن رأيتك، و علمت بطلبك، عاودني هذا الكابوس... يوميا. وكأن أمي أرادت تذكيري بذاك الحمل.
-شهد، تخفيك من ماذا؟
-تخفيني!...لا شيء... لا تهتم. لقد انقضى الأمر منذ زمن.
-تبدين خائفة شهد... حدثيني علي أتمكن من مساعدتك... من حمايتك.
-ما دمت اخفي الأمر عن الجميع فأنا بخير. لا تقلق علي أبدا.
-وكيف ستحلين المشكلة؟ كيف ستزيلين هذا الحمل دون أن تتأذي... ومن الذي سيؤذيك؟
-لا أعرف كيف أحلها... فأنا لا أملك دليلا قاطعا... الدليل هو ما سيحميني.
-ربما أنت تملكين الدليل، لكنك لا ترينه بوضوح... ترين هذه النظارة، هي طريقتي لكشف ما يخفيه من أحدثه... فهي تخفي نظراتي وتوضح لي نظرات الآخرين... لكنه تخفي عني أشياء أحتاجها ومع ذلك تكون عادة حولي.
-لا أظن ذلك... نبيل، أنا... موافقة على الزواج.
-حقا!
-أجل، لكن بشرط... جد لفداء زوجا جيدا يسعدها ويأخذها بعيدا.
-بعيدا! لماذا؟
-هي أرادت ذلك، أخبرتني مرة أنها تحلم أن تكون كسندريلا... تحلم بأمير يأخذها بعيدا على فرس أبيض... ويبعدها عن هذا العالم.
-هذه ليست محبة أليس كذلك!
-في الواقع لا، لكنه أحد الحلول ليساعدني على ازالة الحمل عن كاهلي.
-وما شأن فداء بالأمر؟
-لا شأن لها، لكن علي تقليل عدد أصحاب القرار في المنزل لحظة إخبارهم الحقيقة.
-كما تريدين. مع أنني لا أفضل تركك دون حل المشكلة.
-لا بأس... مضت أعوام وها أنا بخير ولن يكون عام آخر بالأمر الجلل.
خرج نبيل من المنزل محتارا حول شرطها الغريب... وازداد فضولا لمعرفة القصة. فمن يرى قوة شهد و صمودها لا يمكنه تخيل أنها من الممكن أن تخاف من شيء مهما كان

زهرة الروسان 09-21-2017 11:09 PM

حقيقة
استيقظت شهد صباح اليوم التالي على صوت جود وهو يناديها ويستعجلها. وعندما نهضت اتجهت نحو المطبخ حيث جود و خالتها، فطلب منها جود التجهز لتخرج مع خالتها لتذهبا لزيارة والدها. فقد طلب رؤيتها بأسرع وقت... أسرعت شهد بالتجهز لرؤيته... عندما وصلتا تفاجأت بوجود نبيل في انتظارها في غرفة والدها.
الأب: ابنتي، هل هذا صانع البسمات الذي حدثتني عنه؟
-نبيل: هل اعترفت بلفظ صانع البسمات... هذا رائع.
-الأب: ابنتي، جاء هذا الشاب إلي اليوم ويتقدم لخطبتك... أخبرني أنك وضعت شرطا للموافقة، لكن طلبك صعب يا صغيرتي... ربما لم يكتب الله لتلك الفتاة الزواج، الآن على الأقل. لا تقرني مستقبلك ومستقبل هذا الشاب بطرف ثالث ربما مستقبله في مكان آخر.
-شهد: لكن يا أبي، هذا الحل الوحيد.
-نبيل: أخبرتك يا شهد، ربما يكون الحل أمامك لكنك لا ترينه وحسب.
-الخالة: عزيزتي شهد، أعلم أنك لم تعتبريني يوما كوالدتك، لكن هذا الرجل والدك الحقيقي... لو أنك رأيت سعادته حين جاء نبيل وطلب يدك منه هو.
-الأب: أجل يا ابنتي، لقد حققتما لي حلما لطالما تمنيت عيشه... لأول مرة أشعر بقيمتي كأب. أخوتك الثلاثة تزوجوا دون مشورتي أو موافقتي... لقد أشعرتني بمعنى الأبوة.
-نبيل: ماذا قلت يا شهد؟
-شهد: حسنا... أنا موافقة.
-الأب: مبارك يا عزيزتي.
-نبيل: فالتعلم يا عم، حين نتزوج لن أقبل أن تبقى هنا... ستأتي لتعيش معنا... لقد اشتريت بيتا كبيرا سترتاح فيه معنا. أليس كذلك يا شهد!
-شهد: طبعا لن نقبل ببقائك هنا.
-الأب: أين أخوك جود؟ أنا لا أراه.
-نبيل: قال أن عنده عمل في مختبر القسم... شيء بخصوص أحماض نووية، ربما يعمل على إحدى القضايا.
في طريق العودة الى المنزل استلمت الخالة قيادة السيارة، فقد كان المطر شديدا وشهد لا تجيد القيادة في المطر. كانت شهد في قمة سعادتها فقد كانت ولأول مرة تشعر بحنان خالتها... في ذلك الوقت كانت حبات المطر وكأنها تتراقص فرحا أمامها على النافذة... ترسم فرحا عميقا في قلب شهد، صوته كألحان جميلة تدفئ روحها التي لطالما كانت تشعر بالبرد.
-شهد: شكرا لك لما فعلته من أجلي... في الواقع أنا آسفة جدا. لطالما صببت خوفي وحزني لفراق أمي عليك، مع أن الذنب ليس ذنبك... أنا حقا آسفة.
-لا بأس عزيزتي، لطالما شعرت أنك ابنتي، وعلمت أن الوقت الذي ستزيلين فيه قلقك مني و تحبينني فيه قادم لا محالة... تذكرين يوم قصصت خصلة من شعري لتضعيها في صندوقك الصغير؛ في ذلك اليوم شعرت أنني أقرب إليك أكثر، لكنك أمسيت تبتعدين عني أكثر فأكثر.
-أجل ذلك الصندوق، كدت أنسى أمر وجوده معي.
فجأة قالت شهد بحماسة: الصندوق... أجل هذا هو الحل.... أمي أنت رائعة... أين هاتفي علي الحديث الى جود بسرعة.
في تلك الأثناء، كان جود ينتظر نتائج تحليل الحمض النووي مع صديقه...
صديق جود: جود، ربما ما سأخبرك به... غريب و صعب التصديق، لكن عليك أن تعدني أن تتمالك نفسك... مهما كانت النتائج.
....
-شهد: جود لا يجيب على هاتفه.
-الخالة: كرري المحاولة... ربما لم يلحظه.
- لقد حاولت عدة مرات.
-ربما هو مشغول جدا... سمعت ما قاله نبيل.
-لا يا أمي، الأمر مختلف. جود لم يسبق أن تجاهل مكالمتي مهما كانت ظروفه... على الأقل، كان ليرسل رسالة يخبرني أنه مشغول.
-عزيزتي... هذه أول مرة تناديني فيها بأمي.
-ماذا!.... لا ليس تماما، لقد فعلت من قبل... هل نسيت؟
-لم أنس، لكنك كنت تسخرين... أم أنك أنت من نسيت ذلك؟
-لا بأس ستعتادين على هذا النداء بدء من اليوم... ما بالك، لم لا تخففين السرعة عند المنحنيات؟
-لا أستطيع، المكابح لا تعمل بشكل جيد...يبدو أنني... أنا... أفقد السيطرة.
صرخت شهد محذرة الخالة: انتبهي أمامك منحنا شديد....
كان جود يقف بلا وعي أمام صديقه، الذي كان يحاول تخفيف أثر الصدمة التي أصابته بنتائج التحليل.
صديق جود: أسمعني جيدا، أعلم أن هذه النتيجة غريبة لكنها صحيحة... أتمنى لو أنني مخطئ، لكن الأمر غير قاب للجدال... النتائج صحيحة بالكامل، فكما أخبرتني أن العينات قد فصلت بعناية تامة ولا مجال لأي خلل... كل هذه الأحماض لا تطابق حمضك... إلا واحد... الآن عليك العودة لعائلتك، و مصارحتهم بالحقيقة... عليك أن تفهم ما حدث، يبدو أن والدك كان محقا تماما..... عفوا، هاتفي يرن... إنه الطبيب نبيل، مرحبا... أجل أنا مع جود الآن... ماذا تقول؟ هل أنت جاد! متى حصل ذلك؟ حسنا سأخبره حالا... شكرا لك...أعلمني بالتطورات أولا بأول... مع السلامة... جود، لقد وقع حادث في المدينة، اصطدمت سيارة بحافة أحد المنحنيات الحادة وأصيب راكبوها بضرر كبير... لقد كانت أسرتك يا جود، نقلوا الآن الى مشفى العاصمة.
تلقى جود الخبر كأنه صفعة قوية أيقظته من صمته، و أسرع للمشفى للاطمئنان على أسرته... حين وصل استقبله الطبيب و أخبره أن عائلته نجت بأعجوبة من الموت المحتم... فعزم السائق أخرجهم من المأزق، وأعلمه أنه يمكنه رؤيتهم بعد التحدث الى رجل الشرطة الذي عاين الحادث، فالأم أصيبت ببعض الكسور، بينما إصابة شهد أقل وطأ فقد كسرت ساقها وحسب ، فوسائد الحماية في السيارة قلل من شدة الصدمة عليها، بينما لم تعمل في مقعد الأم.... وعندما التقى برجل الشرطة، أخبره أن سبب الحادث هو خلل في المكابح، وعلى ما يبدو أن هناك من عبث بها، وهطول المطر زاد الأمر سوء... مما يعني أن الحادث مدبر وعليهم معرفة الفاعل... طلب جود من الشرطي اعطائه الوقت لفهم ما حصل. واتجه بدون تردد الى غرفة شهد، كانت ما تزال متعبة من أثر الحادث، وبالكاد تتحدث... جلس الى جانبها وهو يرمقها بنظرة غضب.
-شهد: ما بك؟ لم تنظر إلي بهذا الشكل؟... هل هذه نظرة القلق خاصتك؟... أهكذا تقلق على أختك!
-حين أخبرتني أنك ستفعلين ما وعدت به أمك، لم أتخيل أن يكون الأمر بهذا الشكل... هل أردت قتلها وقتل نفسك؟ هل هذا جزاء من اهتمت بك و بأخيك مذ كنت صغيرة!
-ما الذي تتحدث عنه...لست أنا من عبث بالمكابح. جود، اليوم شعرت لأول مرة بدفء الأسرة... هذا الشعور الذي افتقدته منذ أن رحل أبي... كيف لي أن أفسد سعادتي بيدي... هل ذهبت لرؤية أمك؟
-ليس بعد... أريد كشف بعد الحقائق أولا.
-كما قلت لك، لم أكن من عبث بالمكابح... لكني أريد إخبارك بالأمر الذي دفعك للانضمام الى قسم التحقيق.....
في تلك الأثناء كان الطبيب يتفقد حال الخالة، التي لم تتوقف عن السؤال عن حال شهد وعن باقي أبنائها.
-شهد: لا أرى أنك متفاجئ بما سمعت! هل كنت تعلم؟
-في الواقع، لقد شك والدي أو عمي لا أدري ما أسميه بالأمر بسبب الشبه... وأخبرني بشكوكه قبل وفاته بلحظات... واليوم قررت التأكد. في الواقع أخذت الصندوق الخاص بك، وعرفت الحقيقة... لكن كيف حدث هذا؟ هذا ما أريد معرفته... ولم لم تخبري عمي بالأمر؟
-جود، إنه والدك... مهما حصل فهو من رباك....

زهرة الروسان 09-26-2017 02:30 PM

رحيل

الخالة: بني، كيف حال شهد؟
-هي بخير أمي، كسرت ساقها وأصيبت ببعض الرضوض. أنت كيف حالك؟
-أحسن حالا من قبل. الحمد لله... صار بإمكاني التحرك.
-هناك موضوع مهم علي التحدث معك حوله... لكن عليك أن تكوني هادئة و أن لا تنفعلي... فأنا أبحث عن إجابات.
-ما الأمر بني؟ أقلقتني....
اتجه جود نحو المنزل مسرعا بعد أن عرف الحقيقة وتأكد أن من عبث بالمكابح هي من تدعي اللطف وتتظاهر بالبراءة... دخل المنزل ليجد فداء جالسة على كرسي قرب المدفئة وهي تحمل كأسا من الشاي الساخن وتتأمل المطر في الخارج.
-فداء: عدت يا جود... كيف حال أمي... وشهد؟
-هما بخير، فداء أخبريني لم فعلت ذلك؟
-ماذا فعلت؟ أنا لم أفعل شيء.
-لا تحاولي خداعي فقد عرفت كل شيء.
-ما الذي عرفته؟
-عرفت حقيقة موت أخيك الصغير... وحقيقتي... عرفت ما فعلته قبل أربع وعشرين عاما. عرفت اليوم لم كانت شهد تبعدني عنك كل تلك السنين... فهمت أخيرا حقيقة الانتقام الذي تسعى إليه... الذي حققته.
-ماذا تعني؟
-ألا تذكرين، ما أخبرتك به حول ما قالته شهد بشأن الانتقام... بشأن حرمان من تسبب بألمها من معاني الحب... أنت حقا لا تعرفين معنى المحبة يا فداء، لم تتذوقي طعم قلق الأم، أو اهتمام الأخ. لم تعيشي بين أخوتك الصغار رغم أنك الكبرى. لم تداعبي أخويك... ربما كثيرا ما اطعمتهما واخذتيهما الى السرير وتفقدت لباسهما... لكنك لم تعطهم الاهتمام الحقيقي بل كان كل ما فعلته بعد طلب من أمي... أنت لم تبادري. مشاعرك باردة اتجاهنا جميعا.
-أسعيد أنت بما فعلته شهد... لطالما حذرت والدتي من ذلك... لطالما أخبرتها أن حرماني منك يسبب انقطاعا بيننا... أسعيد بالظلم الذي عشته بسببها.
-ظلم! أي ظلم هذا! أخبرتك أنني قد عرفت حقيقتك... كيف حرقت قلب أم على طفلها مع أنه حي في الغرفة المجاورة... كيف سلبت حياة طفل ببساطة... دون أن تشعري بأي ذنب.
-هذا كذب.
-ليس كذبا... قالتها شهد كثيرا من قبل، هي لم تكن نائمة لحظة رحيل أمها... لقد سمعت كل شيء... لقد شهدت قسوتك.
- لا أصدق هذا... كيف هذا... لقد كانت تكذب.
-سأخبرك القصة كما روتها لي شهد. في ذلك اليوم أنجبت أمها طفلا رائعا، ولأول مرة لم يمت... حملته بسعادة و هي تتأمل وجهه الصغير، أرضعته وخلدت الى النوم؛ فقد كانت متعبة جدا. عندها أسرعت شهد للعب مع أخيها لتجده نائما، فتمددت بجانب والدتها وغفت وهي تنتظر استيقاظهما... بعد مدة من الزمن استفاقت على صوتها وهي ترجو فتاة أن تعيد لها صغيرها وهي تبكي. مع أنها كانت تحمله بيد وتحاول إخفاء شهد تحت الغطاء بيدها الأخرى... نظرت شهد للفتاة من خلف ذراع والدتها... لترى نظرات مظلمة ومخيفة. عندها أخبرت الفتاة الأم أن الصغير قد مات، وأنه لا فائدة من إعادته لها، وخرجت من الغرفة وهي تضع الطفل في حقيبتها وكأن شيء لم يكن. أدركت شهد أن الطفل الذي تحمله أمها ليس أخوها... وأنها كانت تحاول إخفائها كي لا تؤذيها الفتاة.
طلبت أم شهد منها الإسراع في مناداة والدها... فاتجهت نحو الباب فإذا بأمها تصارع مع سكرات الموت... فعادت اليها لتساعدها، فهي لم تكن تدرك أن كل هذا الألم هو ألم الرحيل... أمسكت أمها يدها بلطف محاولة التقليل من خوفها و طلبت منها أن تخبر والدها بالأمر وأن تعيد الطفل لعائلته... ذلك الطفل كان أنا... طلبت منها إعادتي وأخبرتها أن هذا واجب عليها وأمانة برقبتها، طلبت منها أن تكون قوية ولا تسمح للخوف من احتلال قلبها، وأن لا تسمح لدموعها من زعزعة قوتها... أمرتها أن تكون صلبة لا تلين... ثم رحلت وهي تحدثها عن روعة والدها وحبه لها، وعن فخرها بكون شهد ابنتها الوحيدة... بعد رحيل الأم، خافت شهد من أن لا يصدق والدها القصة، ثم تعود الفتاة وتؤذيها وآثرت النوم بجانب أمها الميتة، فجسدها الساكن كان أكثر مكان قد يحتمل غزارة دموعها.
حين جاء أبي وطلب من أمي إرضاعي رأتك شهد تبتسمين له ببراءة. ورأت تلك النظرة التي لطالما وصفتها بالبلهاء تعلو وجهك... وبعد أن قرر أبي الزواج من أمي، لم تجد شهد سبيلا لتلبية رغبة والدتها سوى بالانصياع للأمر... فأعيش مع أمي الحقيقية و تتمكن هي من الانتقام منك.
-لا أصدق... كيف لهذا أن يحصل...هذا أكثر من أن أصدقه. لكنك فسرت لي سبب كره شهد لي... عليك أن تعلم يا جود أني لم أقتل الطفل عمدا... في ذلك اليوم سمعت الأطباء يتحدثون عن سيدة فرصة نجاتها قليلة بسبب الجهد الكبير الواقع على جسدها بسبب الولادات المتكررة... وأنها مع علمها أن الطفل ربما لن ينجو، و أنها قد تموت بسبب الإجهاد... إلا أنها وافقت على الحمل و الولادة. تابعتهم الى غرفة السيدة، و تأكدت أن زوجها حي؛ فقد كانت أمي أرملة وتمنيت أن تعود لحظات الفرح الى بيتنا، ففكرت أنه إن ماتت تلك السيدة وولدها لن أستفيد من شيء... وأخي-الذي هو أنت- لم يكن هناك تهديد على حياته... ففكرت أن آخذ الطفل قبل موته الى أمي وآخذك الى السيدة. عندها سيموت الطفل وتظن أمي أنك من رحلت، وتموت السيدة ويضطر زوجها للزواج حتى يهتم أحد بصغاره، سيدة ترضع طفله...وأمي ستكون ثكلى و ستكون أول شخص قد يفكر فيه زوج السيدة.
انتظرت أمي لتنام وأخذتك الى غرفة السيدة ووضعتك على السرير، وحملت ابنها وفي لحظات سمعتها تناديني... فوضعت الطفل في الحقيبة دون أن تلحظ ذلك... طلبت مني أن أقرب لها صغيرها لترضعه فقد كانت منهكة وجدا ولا تستطيع الحراك... حملتك وبدأت ترضعك ، فاتجهت للباب للخروج فإذا بها توقفني وتقول أن هذا ليس ابنها، لا أدري كيف أدركت فقد كان كلاكما كومة من اللحم الأحمر... على ما أظن أن الطفل في الحقيبة كان يحتضر لأنه بدأ بالحراك بشكل غريب مما أثار انتباهها وعلمت أنني وضعته في الحقيبة... حاولت اقناعي بإخراجه لكنني رفضت فلم أكن أعلم أنه يحتضر، حاولت الصراخ لتنادي الطبيب، لكن صوتها كان خافتا بسبب التعب.
بعد أن أخذت الطفل لأمي كان قد مات، لم أهتم بالأمر لأنني ظننت أنه مات من تلقاء نفسه... لكن عندما جاء الطبيب أخبرنا أنه اختنق من شيء ما... أدركت أنه قد اختنق في الحقيبة... حاولت تجاوز الأمر... حاولت نسيانه... لكن لا، نظرات شهد تستمر في إعادتي الى تلك اللحظات المؤلمة... كلما نظرت إلي أرى أمها وهي ترجوني أن أعيد الصغير... كلما شعرت بالهدوء النفسي أسمع صوتها الهادئ يزلزل قلبي... حاولت اجباركم على ابعادها عن المنزل... في كل مرة تحدث شهد عن قصة بوليسية. أنفذ أحداثها لتعتقدوا أنها مختلة وتخرجوها من المنزل... لكنكم كنتم تجدون حلولا أخرى.
-كيف فعلت ذلك! هل أنت أو حتى الأطباء من يقرر كم سيعيش الطفل أو أمه... لربما عاشا كلاهما ولم يحدث كل ذلك... وهذا يعني أن شهد محقة... أنت من كان يؤذي الصغار.
- لا يا جود... في كل مرة أرتب لحادث ما، أتأكد أن الطفلين لن يتأذيا. في يوم الحريق، علمت أن شهد سترفض الاعتراف بأنها استمعت لي وتفقدت الصغار... فعدت من بعدها وأشعلت البخور وألقيته على الأرض لتشتعل الغرفة... وبقيت واقفة الى أن اشتدت النار قليلا لأقنعكم بالأمر عندها صرخت لتهبو الي و تنقذوا الصغار.
-وأنت من عبث بالمكابح؟
-أجل... قررت أن أنهي الأمر اليوم، برحيل إحدانا على الأقل... عبثت بالمكابح و أفسدت وسادة الأمان في مقعد السائق.
-لكن أمي هي من كانت تقود. ولم ترحل أي منكما.
-كيف ذلك؟ لقد اتفقتا أمامي أن تقود شهد.
-أجل، هذا قبل هطول المطر... فشهد تخشى القيادة في المطر.
- وهل أمي بخير؟ هل أصابها مكروه؟
-كما قلت سابقا... أصيبت ببعض الكسور.
-حمدا لله. كم هي محظوظة هذه الفتاة، هطل المطر كي لا تتأذى. لطالما احبت المطر. ماذا الآن يا جود؟ هل ستسلم أختك الوحيدة للعدالة؟
-أختي الوحيدة! أنت لم تكوني لي أختا حقا كما كانت شهد... واليوم فهمت الأمر.
-أي أمر؟
-أنت لست أختي.
-هذا واقع يا جود، لا يمكن للمشاعر تغير الحقائق وتبديل الأنساب.
-طبعا لا تبدلها... لكنني لا أصف أية مشاعر... قد صدمت بالحقيقة ولم أرد التصديق فالحقيقة مؤلمة... قمت اليوم بعمل تحليل للحمض النووي لجميع أفراد هذا المنزل... بعض العينات من صندوق شهد، لأمها، أبيها، لأمي ولها... لم يكن من الصعب الحصول على عينات لك و للتوأم.
حمضي النووي تطابق مع أمي و أخوي بشكل كبير... أما أنت فلا.
-ماذا تعني... لا جود هذا كذب، لعلك خلطت العينات أو أنك أخذت عينة شخص غيري.
-لا، حين أخبرت أمي بالنتائج، لم تتفاجأ وأخبرتني بالأمر...
-أنت تكذب... أنا أختك... أنها أمي... أنتم عائلتي، وشهد فقط الغريبة عنا.
-ألا تذكرين يوم زارتنا صديقات أمي... قالتا أنك لا تشبهينها أبدا.
-لكنك قلتها في ذلك الوقت... هن يجاملن وحسب.
-أجل، جاملن شهد وقلن أنها تشبه أمي حين اعتقدوا أنها ابنتها... لكنك تذكرين الرسالة... قالت إحدى السيدات أن أمي أخبرتها أنها تزوجت رجلا وتبنت ابنته... وهي حبلى بمولود، من زوجها الجديد.
-هذا حصل... تزوجت والد شهد وتبنتها.
-وأين الطفل؟
-التوأم.
-لقد كنت بالعاشرة... لقد ولد التوأم قبل وفاة أبي بثلاث سنوات... هذا ليس منطقيا، أليس كذلك... هل لاحظت أن أمي تحب شهد وتهتم لها، كما تحبك أو ربما أكثر قليلا... وتحبني كما تحب التوأم تماما؟
-هي تحاول أن ترضيها وحسب.
-ما كانت لتحبها حقا كما تحب ابنتها... هذه هي غريزة الأم. لا يمكن لها أن تفضل أي شخص على ابنها الحقيقي حتى لو ارادت ذلك... مثلما ميزت أم شهد أنني لست ابنها من مجرد النظر... كما قلت، حين حدثت أمي بالنتائج، أخبرتني بالحقيقة.
-وما هي؟
-كان عمرك عام ونصف، حين تسبب جدي بحادث سير أودى بحيات والدتك... رأى جدي أنه المسئول عن فقدانك والدتك، وشعر بالذنب حيال ذلك. فقدم أمي للزواج من والدك لتعوضك عن حنان الأم الذي فقدتيه بسببه... في ذلك الوقت كانت أمي لا تزال صغيرة في السن... ووالدك كان كبيرا بعض الشيء، مع ذلك كانت سعيدة معه وراضية بتربيتك كابنتها. عندما أتممت الخامسة، رحل والدك بسبب مرض ألم به... تزوجت بعده والدي و توفي قبل ولادتي بشهور، كنت في الخامس عشر من العمر... هذه هي القصة.
-مستحيل، أنا لا أذكر هذا.
-لأنك كنت طفلة غير واعية، لو أنك كنت أكبر قليلا لربما تذكرت ذلك... أو على الأقل، لتذكرت شكل والدك الحقيقي... فأمي أتلفت صوره بعد زواجها من أبي حتى لا تعرفي الحقيقة... فهي شعرت بأنك ابنتها حقا... لا أقول أن ما فعلته أمي كان صوابا، لكنه واقع وعلينا التعايش معه.
-إذن يا جود، هذه هي النهاية... فأنا لست أختك في نهاية الأمر.
-لا يزال الوقت باكرا على النهاية. فشهد وأمي طلبا مني التجاوز عن الأمر... شهد شعرت بأنك تتألمين وأنها قست عليك أكثر من اللازم... فهي تراك أختها فأنت بجانبها منذ الصغر. قد تمكنت من إقناع الضابط أنني قد أخطأت في اصلاح المكابح حين كنت أتعلم من صديقي طريقة إصلاح السيارات... وقد اقتنع، ولن يقاضي أحدا... سيسجل الحادث بأنه عرضي وسيرفق شهاداتنا كإثبات . سأدفع غرامة مادية لإصلاح السياج المحطم وكلفة علاج شهد وأمي. لن نسلمك لأحد، فأنت لا تزالين أختنا مهما حصل. لكن عديني أن تكوني الفتاة الرائعة التي كنت تحلمين بالعيش مثلها.
-جود، أخبرتك أنه على إحدانا الرحيل.
-فداء أرجوك. لطالما تشبهت بسندريلا... كوني مثلها لأجلي.
-رأيت من اللطف ما حطمني، لأول مرة يا جود يكون اللطف قاسيا... اللطف الذي يلين القلوب كسر لي قلبي و حطمه. حتى أسرتي التي دمرت لأجلها سعادة آخرين تبين أنها كذبة، لذا علي الرحيل... لقد قلدت كل الحوادث الذي رويتها لنا إلا واحدة... قضية الملح المسموم، أتذكرها. لكن الملح لا يوضع في القهوة.
-ما الذي تتحدثين عنه! فداء أنت لم تضعي لنفسك سما صحيح؟ أرجوك قولي أنك لم تفعلي.... بهاء كرم أحضرا الهاتف بسرعة...
-بهاء وكرم ليسا هنا... أرسلتهما الى أمي مع الطبيب نبيل... خاطب المدللة شهد. لكي لا يريا جسدي هامدا أمامهما... لقد تأخرت يا جود.
-أين الهاتف... ها هو.... ..
ترنحت فداء أمام جود من ثم سقطت أرضا بلا أي حركة، بعد وقت وجيز وصل رجال الإسعاف ونقلت الى المشفى... وكانت تلك، هي نهاية قصة الألم... وبداية حياة معتدلة تخلو من الأحقاد والآلام، تبشر بمستقبل واعد.
هذه حكاية فتاة لم تكن كسندريلا، فسندريلا كما يقال في الحكايات، أنها تميزت بالقلب الطيب والتسامح... بالمناسبة لدي صديقة عبر مواقع التواصل اسمها سندريلا، تتميز بهذه الصفات... اسمتها أمها بهذا الاسم لأنها حلمت أن تكون كسندريلا، و ظفرت بهذا الحلم، عاشت حياة قاسية، مع زوجة أبيها-التي لم تكن قاسية بالمناسبة- من ثم تزوجها رجل نبيل... ليس نبيل أبي، بل هو نبيل من الداخل، وأخذها بعيدا عن هذا العالم القاسي- كما تقول-....ماذا؟ هل اعتقدتم أنني سأضع نهاية حزينة؟ هذا ضد مبادئي... فأمي علمتني أن النهايات السعيدة هي طريقة بسيطة لإسعاد القراء، حتى لو بدا لهم عكس ذلك، ففي أعماقهم هم سعداء... في الواقع هذا من أثر أبي على أمي، فهو يلقب بصانع البسمات... فأمي جعلت عيونها كغيم لا ينقطع غيثه، لكن أبي يسارع في صناعة بسمة جميلة تعلو وجهها ليخالط دموعها لمسة سعادة سحرية... وما عادت تضع نهايات مأساوية بعد الآن.

زهرة الروسان 09-27-2017 04:33 PM

تصحيح في النص لبعض الأخطاء:

في جزء قلب حزين

-جود: لا أدري، أظن أن علينا منحها بعض الخصوصية... ما رأيك يا شهد؟




-الأم: لكن يا ابنتي، إنه والدك. وبما أنه طلب رؤيتك... فهذا يعني أنه يحتاجك. من المؤكد أنه لم يعد لديه سند، لذا لجأ لمأوى العجزة... وأنت ابنته الوحيدة. أنت بصيص الأمل المتبقي له ليعيش.


-الأب: نعم، لقد زرتك عدة مرات بعد زواج أمك.
-جود: حدثني يا عم، هل لشهد إخوة؟
-الأب: ثلاثة... ثلاثة إخوة

-جود: عمي، أين أبنائك و زوجتك؟
-الأب: آه يا بني... لو تعلم ما أصابني، نصيحة لك يا بني مهما حصل لا تقبل أن توقع ظلما على أحد... مهما كان السبب. سأحدثكم بقصتي من البداية... تزوجت في بداية حياتي ............................... كنت أحاول تهدئتها لعدة أعوام فقد أخبرني الطبيب أن زوجتي لا تزال صغيرة وجسدها لا يحتمل وعلى الأغلب أن المولود في كل مرة لا يكتمل نموه فيموت... .......... بعدها عدت لأسرتي ولأبنائي كنت حينها قد رزقت بطفلي الأول.. ثم رزقت الآخرين وأنا أفني حياتي بجمع المال... بعد أن رزقت بطفلي الثالث وصلتني رسالة من عمك أن والدتك رحلت وأنه سيهتم بك لأنه.......


في جزء دليل قاطع


-هي الشأن بحد ذاته... لو أنني عشت طفولة عادية، لو أنني أعيش مع أسرتي الحقيقية، لو أن أمي مازالت حية أو على الأقل تمكنت من تربية ابنها ولم يتزوج أبي... لو أنني لم أقابل هذه الأسرة من الأساس لكان الأمر مختلف... هل تذكر، في آخر لقاء علاجي، حين أحضر جود عمالا لتصليح المكيف واضطررنا للجلوس جميعنا في المطبخ!
.............


-أنت لا تفهم يا نبيل. لو أنني مؤتمنة على تربيته وحسب لحلت المشكلة... أنا أحمل ثقلا على كاهلي، حرمت من نوم ليال كثيرة، كان علي تسليم الأمانة منذ أن رحلت أمي لكني لم أفعل.
-لماذا؟ لم لم تسلمي الأمانة؟
-لقد خفت... تلك النظرات تلاحقني... لو رأيت سعادتها في ذلك اليوم حين وجدنا والدي... لم أعد أميز هل هي جيدة أم لا. منذ رحيل أمي وأنا أستيقظ ليلا فزعة بشكل مستمر وذلك الكابوس يراودني وأنا أرى تلك النظرة الخائفة في عيني أمي وهي تحاول إخفائي... لا يمكنني نسيان الأمر... كنت هدأت بعد رحيل أبي... وما عاد الكابوس يراودني بتلك الكثافة. وقد كدت أن أنسى... لكن، منذ أن رأيتك، و علمت بطلبك، عاودني هذا الكابوس... يوميا. وكأن أمي أرادت تذكيري بذاك الحمل.


جزء رحيل
لا يزال الوقت باكرا على النهاية. فشهد وأمي طلبا مني التجاوز عن الأمر... شهد شعرت بأنك تتألمين وأنها قست عليك أكثر من اللازم... فهي تراك أختها فأنت بجانبها منذ الصغر، غير أنها شعرت بسعادتك حين وجدت لها والدها. قد تمكنت من إقناع الضابط أنني قد أخطأت في اصلاح المكابح حين كنت أتعلم من صديقي طريقة إصلاح السيارات... وقد اقتنع، ولن يقاضي أحدا...


هذه أخطاء لاحظتها بعد آخر قراءة ويمكنني أن أعتبر هذه الرواية انتهت

ايوب صابر 09-28-2017 03:36 PM

ادعو المهتمين بادب الرواية القراءة النقدية لهذه الرواية حيث ان الأستاذة زهرة حريصة كل الحرص على الاستفادة من ملاحظات الزملاء في تطوير مهوهبتها الكتابية.

ياسر علي 12-15-2017 11:09 PM

الأستذة زهرة حتما سيكون لي رد على هذا العمل
وغالبا تعتبر الرواية أقرب الأعمال إلى ذائقتي
لكن أرجو أن تمنحيني بعض الوقت وإن طال فغالبا أفي بوعودي.


تقديري


الساعة الآن 02:24 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team