** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟ لا شك أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال , يستغرق الكثير من العمل لتلخيص الخبرات المستقاه من كتب الزمان لنقف على الحقيقة المطلقة لهذا العلم المتفرد .. حيث أن أبجدية فضفاضة وكينونة متأرجحة على سفح الذهن والذاكرة الإنسانية التي اعتمدت الفلسفة كعلم إبداعي بحت متسع الرؤية ويتناول القدرات المعرفية والتجارب الفكرية في كافة مجالات الحياة .. أو بمعنى أكثر شمولية يبحث لمعاني تترسخ في ذوات وعقول حائرة إزاء المفهوم المخصص لماهية الفلسفة التي تماهت ثوابتها مابين معقول وغير مستساغ .. ومن البديهي أن بعتبر العلم المحير لكونه يبحث ثمرات ونتاج الذات البشرية والعقول السامية التي شذبتها التجارب وصقلتها الخبرات .. لهذا نجده على الدوام في حالة تقصي واستنفار قصوى للوقوف على المستجدات الطارئة هنا وهناك .. ولعل ما يثير الدهشة على الصعيد الإبداعي هو النمطية التي تتوخاه الدراسات بدأب شديد لتقديم هذا المصطلح الفكري بما يتوائم مع دلالات العقل البشري الكامل . وإن كان وجوده يعتبر ضربآ من المستحيل , إلا أن بعض النماذج الفلسفية المنتقاه استطاعت الوصول أو الاقتراب من هذا التصور إلى حد ما .. إذن الفلسفة كتحري تاريخي مدروس تغوص دقائق هذا العلم المتداول بين كثير من الرموز بحيث تتفاوت الثقافة حول جدواه ما بين مؤيد ورافض .. وفي محاولة للوصول إلى نقطة إلتقاء فكرية فندت في هذا الصدد خلال سياق المقالات التالية الجل من التعريفات والمقالات السائدة من ذوي التخصص في هذا العلم المعرفي الذي اختص بفئة بدون أخرى من بني البشر , بل وجعل لهم خاصية الصفوة والنخبة دونا عن سائر العام .. ولا شك أن محاولة بلوغ النتيجة النهائية يعد ضربا من المستحيل وذلك لأن الذهنيات البشرية مختلفة بين شخص وآخر .. ولكننا حاولنا الوصول إلى نتيجة وسطية نستعرض خلالها كافة النظريات المتاحة والشائعة .. وذلك لنصل إلى حقيقة مؤكدة حول الفلسفة .. وذلك في الأطروحات التالية .. فكونوا معنا خطوة بخطوة .. ومرحبآ بكم * سحر الناجي |
* مدخـل للفكر الفلسفي إن أول من يتعامل مع مادة الفلسفة يثير فيه الفضول الفكري عدة تساؤلات حول طبيعة الفلسفة وأهميتها، ومنفعتها، وما إذا كانت فكرا يمكنه أن يترجم إلى ممارسات عملية، إلى غير ذلك من التساؤلات؛ وهي – في الواقع – تساؤلات حاول الفلاسفة الإجابة عنها. وبتعبير آخر، إن هذه التساؤلات مرتبطة بتاريخ الفلسفة ذاتها .. ولعل محتويات هذا الدرس كفيلة بإظهار ذلك ؛ وهي في نفس الوقت إجابة مباشرة على بعض التساؤلات التي يطرحها المتعلم على نفسه. فما هي الفلسفة ؟ وما علاقتها بالحياة والمجتمع ؟ من هو الفيلسوف ؟ وما طبيعة شخصيته ؟ ما هي رهانات الفلسفة ؟ * ما هـي الفلسفة ؟ إن الإجابة على السؤال ما هي الفلسفة ؟ ليست إجابة سهلة، لأن طرح السؤال إشعار بالتفلسف ودخول في حبال الفلسفة. فكما يقول هيدغر Heidegger : إن هدف السؤال "هو الولوج داخل الفلسفة والإقامة فيها والتصرف وفقها، أي التفلسف" ؛ فالسؤال يحتم علينا أن "نتحرك داخل الفلسفة، عوض أن ندور حولها"، لأن السؤال ما هي الفلسفة؟ من طبيعته أنه سؤال ماهوي، وسؤال إشكالي. أضف إلى ذلك أن الإجابة المباشرة على السؤال ما هي الفلسفة؟ تعترضها عدة صعوبات، بعضها يرجع إلى غير المتفلسفة، وبعضها يرجع إلى الفلاسفة أنفسهم: فالأوائل تصدر عنهم آراء متضاربة، بعضهم يصف الفلسفة بأنها ثرثرة وكلام فارغ، وبعضهم يعتبرها تفكيرا في الغيبيات، وبعضهم يعتبرها آراء وهمية، إلى غير ذلك من النعوت القائمة على الأفكار القبلية، والمسبقة، التي لا تستند إلى علم بالموضوع.. أما الصعوبات التي يخلقها الفلاسفة فإنها صعوبات تكمن في عدم إجماعهم على تعريف محدد. فحينما يعرف الفيلسوف الفلسفة، إنما يعرف فلسفته الخاصة. وهذا ما يجعلنا أمام زخم هائل من التعاريف قد يصل عددها إلى عدد الفلاسفة أنفسهم، وذلك يرجع إلى عوامل أربعة رئيسة: ا) غياب موضوع محدد: فالفلسفة لا تدرس موضوعا بعينه. فكل موضوع صالح لكي يجلب اهتمامات الفلاسفة مادام يتسم بطابع الإشكالية. لذا يقال إن الفلسفة تدرس كل شيء بما في ذلك نفسها. ب) غياب منهج موحد: لكل فيلسوف منهجه الخاص، يعتقد أنه موصله إلى اليقين. وقد يتأثر الفيلسوف ببعض العلوم فيقتبس منها مناهجها (ديكارت مثلا). لكن، في غالب الأحيان الفلاسفة مناهجهم الخاصة (المنهج التوليدي عند سقراط مثلا). ج) ارتباط الفلسفة بالعصر: إن الفيلسوف مرتبط بقضايا زمانه وعصره، هي التي تملي عليه المواضيع والإشكاليات، وسبل التفكير، وطبيعة المعارف التي سيستخدمها.. ولما كان عصر أفلاطون ليس هو عصر ديكارت، لابد أن نجد اختلافا بين الفيلسوفين سواء في تعريف الفلسفة أو تحديد أهدافها ..إلخ. د) قناعات الفيلسوف الخاصة: يمكن أحيانا أن ينتمي الفلاسفة إلى نفس العصر (الطبيعيون مثلا) أو لعصور متقاربة، لكن هذا لا يمنع وجود الاختلاف بينهم. لأن لكل فيلسوف قناعاته الفردية تكون مسؤولة عن تميزه وتفرده، واتسام فلسفته بالجدة والأصالة. (يتبع ...) |
* القيمة الفعلية للفلسفة إن الإشكالية التي تضعها الفلسفة من خلال تنوعها، تدفعنا إلى طرح السؤال التالي: ما قيمة الفلسفة؟ يجب أولا أن نعلم أن الفلسفة لا تهتم بالقضايا التي تدخل ضمن اهتمامات العلم، بل – كما يقول برتراند راسل B. Russel – "إن موضوعا ما يكف عن الانتماء إلى الفلسفة ويصبح موضوع علم قائم بذاته، بمجرد ما يكون تحقيق معرفة مضبوطة ومحددة عنه أمرا ممكنا." لكن، هل فسر العلم كل شيء ؟ هل وصلت المعرفة العلمية إلى أوجها؟ إن استقلال العلم عن الفلسفة مكنه من أن يحقق تطورا سريعا؛ لكن، ابتداء من القرن التاسع عشر ظهرت في العلم قضايا، وإشكاليات، وأزمات (كأزمة البداهة، وأزمة التجربة مثلا)، أضحى العلم إثرها في حاجة إلى الفلسفة قصد القيام بدراسة نقدية لمبادئه، ومناهجه واستباق نتائجه. وهذا ما أدى إلى ظهور نوع جديد من فلسفة العلوم يسمى "الإبستيمولوجيا". قديما كانت المواضيع التقليدية تنحصر في دراسة الوجود (الأنطولوجيا)، ودراسة القيم (الأكسيولوجيا)، ودراسة المعرفة (الغنوسيولوجيا). وهذا لا يعني أن هذه المواضيع أصبحت متجاوزة، لأن العلم لم يقدم كل الحلول، ولأن العالم سيظل لغزا محيرا للإنسان. قيمة الفلسفة تكمن - إذن - في كونها تستطيع أن تدرس قضايا يعجز العلم عن حلها، بل قد يحتاج إليها العلم لتفسير تحولاته وأزماته. كما أن القضايا الفلسفية قضايا أكثر عمومية كالقضايا المصيرية المرتبطة بالوجود الإنساني، كالموت والحرية ..إلخ. وتكمن قيمة الفلسفة كذلك، في كونها فكر إشكالي يرفض ويحارب الاستسلام للأفكار القبلية والاعتيادية؛ لأنها تخضع كل شيء للنقد، وتضع كل شيء موضع تساؤل. ومن ثمة يتبين أن قيمة الفلسفة لا يمكن حصرها في جانب معين، إنها تظهر بقدر ما تنجح في تحويل الموضوعات إلى قضايا إشكالية. إذا كانت قيمة الفلسفة كذلك، فمن أين نبدأ التفلسف؟ يؤكد إدموند هوسرل E. Husserl أن التفلسف يبدأ بالرجوع إلى الذات قصد تحطيم المعارف المسلم بها والجاهزة، والتي يمكنها أن تكون عائقا إببستيمولوجيا في بلوغ الحقيقة. فعلى الفيلسوف أن ينشئ فلسفة خاصة، قائمة على حدوسه المطلقة، وعلى أسس حجاجية وبرهانية ومنهجية. وعليه كذلك أن ينزع بفلسفته نحو الكونية. لكن عليه أن يتحلى دائما بالتواضع المعرفي، وأن يؤمن باستمرار بحاجته إلى طلب المزيد من المعرفة. من هذا المنطلق يكون الشك المنهجي – الذي أسسه ديكارت – أسوة لكل فيلسوف مبتدئ، وبهذه الطريقة وحدها تولد الفلسفة. من خلال ما تقدم، يمكن أن نستشف، أن صعوبة تعريف الفلسفة لا تعني بالضرورة، أن الفلسفة فكر متعال عن الواقع، أو فكر يصعب إدراكه وتمثله. إنما يعني ذلك فقط أن للفلسفة بعض الخصوصيات التي تميزها عن غيرها،وهذه الخصوصيات يمكن اعتبارها في ذات الوقت آليات مشتركة بين سائر الفلاسفة. ويمكن تلخيص بعضها إجمالا في ما يلي: النسقية: إن مفهوم النسق يفيد النظام والتأليف، ويشير إلى وجود منظومة من العناصر. ومن هذا المنطلق، نقول إن الفلسفة ليست فكرا مرتجلا، وليست شطحات فكرية لا يعرف مصدرها، وليست شذرات من الآراء من هنا وهنالك؛ وإنما هي تفكير منظم، وبنية من الأفكار والنظريات. فقد يتناول الفيلسوف موضوعات متعددة، كالوجود، والمعرفة، والقيم، لكن هذا لا يمنع من اتسام فلسفته بالنظام والتدرج، ولاحتكام إلى صرامة منطقية. العقلانية والتأمل: إن الفلسفة فكر عقلاني تأملي باعتبارها فكرا بعيدا عن الارتجال، وخصوصا لأن العقل وحده يستطيع أن يبحث في القضايا ذات الطبيعة الفلسفية. كما أن الفلسفة تفكير عميق يبتعد عن العواطف الوجدانية حيث يقول هيدغر Heidegger: "فالعواطف، لا تنتمي إلى الفلسفة، والعواطف، كما يقال، هي شيء لا عقلي. والفلسفة، على العكس من ذلك، ليست شيئا عقليا فحسب، بل المدبر الحقيقي للعقل." الشمولية: إن الفلسفة - على خلاف العلم – تترفع عن الجزئيات، حيث لا تهتم إلا بالقضايا الأكثر عمومية، وتتسم بالتناول الكلي للموضوعات.. التجريد: قد تكون الفلسفة وليدة واقع معين، لكنها تحتفظ لنفسها بالمقاربة التجريدية،لأنها ابتعاد عن الارتباط العضوي والمباشر بالمحسوس والجزئي، خصوصا وأنها تسعى إلى بناء معارف ذات طابع شمولي وعام. النقد: إن الفلسفة فكر نقدي لأنها إعادة نظر متواصلة، خصوصا وأنها لا تؤمن بوجود معارف ثابتة ومطلقة. كما أنها تجاوز للاعتقادات الساذجة والبديهية. لذا تتسم بالشك القبلي في وجود معرفة نهائية. التساؤل: إن الفلسفة فكر تساؤلي باعتبارها فكرا إشكاليا نقديا. فالتفكير الفلسفي يجعل من كل شيء موضوع تساؤل ومناقشة وسجال. لذا قال كارل ياسبرس Jaspers : "الأسئلة في الفلسفة أهم من الإجابات عليها، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا". إن الخاصية الأخيرة تدفعنا إلى أن نتساءل : ما هي طبيعة السؤال الفلسفي؟ وما هي خصوصياته؟ ( يتبع ...) |
* طبيعة التساؤل الفلسفي يحددها ألان جورانفيل A.Juraville في ما يلي : (ا) إن السؤال الفلسفي سؤال قصدي، لأنه يروم بناء معرفة تتسم بالشمولية والإطلاقية. (ب) إن السؤال الفلسفي سؤال يتضمن شكا قبليا في الجواب، على اعتبار أن ليست هناك معرفة جاهزة ونهائية (ج) إن السؤال الفلسفي يوجه بالخصوص إلى أولئك الذين يعتقدون امتلاك الحقيقة (سلوك سقراط مثلا)، ليظهر له دونية معرفتهم. فالفلسفة فكر يجند نفسه ضد الوثوقية (الدوغمائية). (د) إن السؤال الفلسفي تساؤل، باعتباره سؤالا يتضمن في الواقع سلسلة متدرجة من الأسئلة: فكل سؤال يستدعي سؤالا آخر؛ وكل سؤال هو بداية لتساؤل جديد (كارل ياسبرس). إن طبيعة السؤال تتحدد وترتبط بطبيعة الجواب ، وتفسر لماذا تتعدد الخطابات الفلسفية. إن السؤال الفلسفي – في العمق – ليس إلا إشعارا بحدوث الدهشة لدى المتسائل. وكما قال أرسطو : " إن الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف". فالإنسان هو أكثر الموجودات دهشة، لأن الدهشة تتطلب درجة عالية من العقل." إلا أن هناك اختلافا بين "الدهشة العلمية" و"الدهشة الفلسفية" ؛ فكما يرى شوبنهاور Schopenhauer : دهشة الفيلسوف هي دهشة أمام الأمور الاعتيادية والتي تكتسي حلة البداهة، وهي دهشة أمام الأشياء ذات الصبغة الأكثر عمومية، وجعلها موضوع التساؤل، وتحويلها إلى قضايا إشكالية. أما دهشة العالم، فهي دهشة أمام أمور جزئية نادرة ومنتقاة، وهي سعي لربطها بقضايا معروفة لديه سابقا، أو بتعبير أدق هي إرجاع المجهول إلى المعلوم. وما دامت هناك أمور تؤلم الإنسان كالمرض والموت، والبؤس، والشقاء.. وما دام الوجود الإنساني ووجود العالم يشكلان لغزا محيرا فستستمر الدهشة الفلسفية وسيستمر التفلسف. ( يتبع ....) |
سلام الله عليك يا سحر موضوعك كبير جداً معك خطوة بخطوة بانتظار ما تبقى تحية ... ناريمان |
** كيف تُصبح فيلسوفا ..!؟
لا شك أن محاولة الإجابة عن هذا السؤال , يستغرق الكثير من العمل لتلخيص الخبرات المستقاه من كتب الزمان لنقف على الحقيقة المطلقة لهذا العلم المتفرد .. يقول ارسطو " تزوج فأن وفقت سرر وان لم توفق اصبحت فيلسوفا". لكن لي وجهة نظر اخرى..ساعود لاطرحها هنا. |
اقتباس:
وعليكِ من العظيم ألف سلام وحضورك كبير غاليتي أيضآ .. سعيدة بمتابعتك ِ.. تقديري |
اقتباس:
أيوب صابر .. أيها القدير البارع .. لا يمكنناسيدي أن نختزل مفهوم الفلسفة في هذه المقولة الضئيلة لأرسطو ..أو لسقراط أو غيرهمامن الفلاسفة .. بالطبع وجودك شرف لمتصفحي .. وفي اهتمام لا يشوبه سوى الفرح أنتظر وجهة نظرك .. تقدير كبير لحضورك الرائع |
* الفلـسفة والحيـاة إن الفلسفة شأنها شأن أشكال الوعي البشري، فهي لصيقة بقضايا المجتمع وهموم العصر الذي أفرزها ؛ وقد قال ماركس Marx في هذا الصدد : "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم". إن الفلسفة – إذن – ليست فكرا مستلبا أو متعاليا عن الواقع الاجتماعي وإنما هي خلاصة عصرها، وتاريخ الفلسفة حافل بالنماذج التي تؤكد ذلك: إن تفكير أفلاطون في "مدينة مثالية" (كتاب الجمهورية) لم يكن إلا محاولة منه لإصلاح المجتمع اليوناني الذي أفسده السفسطائيون. وما تفكير الفارابي في "مدينة فاضلة" إلا محاولة لإرجاع الدولة الإسلامية إلى أمجادها البائدة. لكن الفلسفة تختلف عن السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا. لأنها ليست دراسة علمية موضوعية لقضايا مجتمع معين ؛ وليست مجرد تشخيص لبعض الأمراض الاجتماعية. إن الطابع العام والشمولي للفلسفة يأبى ذلك. إنها لا تدرس ما هو كائن إلا في إطار ما ينبغي أن يكون. إن طموح الفيلسوف إلى تحقيق الكونية يجعله يترفع عن أن يصبح مجرد مصلح اجتماعي، أو أن يكون على الأكثر عالما اجتماعيا فرضته ظرفية تاريخية. فما هو السبب – إذن – في اهتمام الفيلسوف بقضايا الحياة والمجتمع؟ يكمن جواب ذلك في عاملين متداخلين، أولهما أن الفلسفة بحث عن الحقيقة ؛ والأجوبة التي تقترحها، تبين أنها فحص مثابر وراء الإسهام المباشر في حل المشاكل الإنسانية مهما كانت فرص النجاح ضعيفة. وهنا يبزغ العامل الثاني، والذي يتجلى في الأهمية القصوى التي توليها الفلسفة للإنسان وتعتبره مركز اهتماماتها، حيث لا تهتم بالقضايا إلا بقدر ما ترتبط بالإنسان، لذا قال فيورباخ L. Feurbach إن كل فلسفة تؤسس خارج الإنسان وبمعزل عنه لا يمكن اعتبارها فلسفة.. انطلاقا مما تقدم نطرح السؤال التالي : هل الفلسفة إلزام أم إلتزام؟ يقول ديكارت : "لأن يحيى المرء بدون تفلسف هو حقا كمن يظل مغمضا عينيه لا يحاول أن يفتحهما: والتلذذ برؤية كل ما سيكشفه البصر لا يمكن أن يقارن بالرضى الذي ينال من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة". يتأكد إذن – من خلال هذا القول- أن الفلسفة ليست ترفا فكريا وإنما هي ضرورة. ولعل ضرورتها تتجلى في الانسياب الفكري الذي تطلبه؛ وفي رفضها كل حدود للعقل. إن الطابع الإشكالي والنقدي للفلسفة يحتمان عليها إعادة النظر في كل شيء، وفي كل قضايا الحياة، وبالتالي إخضاعها للمساءلة. والفلسفة، كذلك، التزام لأنها اندماج وانصهار في كل ما من شأنه أن يساهم في سيرورة الحياة، وبالتالي الانطلاق بها إلى فضاء أرحب وأوسع. ومن هذا المنطلق نفهم لماذا تتجند الفلسفة ضد جميع ضروب العنف محاولة منها نشر ثقافة التسامح والانفتاح على الغير. لأن العنف يعتبر من المسارات الخسيسة التي بإمكانها أن تجهض حركية الحياة، وتقتضي على طموح الإنسان في بلوغ غايات نبيلة. فالفلسفة تحارب العنف لأنه ليس مجرد سلوك فردي ينحصر في أخذ ثأر أو إنزال عقوبة أو قصاص؛ ولكنها تحاربه لأن العنف – كما يقول إيف ميشو Y. Michaud – يوجد "عندما يحطم واحد أو عدد من الفاعلين شخصا آخر، مباشرة، أو بصفة غير مباشرة، دفعة واحدة أو بالتدريج، أو يمسهم في كيانهم الجسمي أو النفسي، في ممتلكاتهم، أو في انتماءاتهم الثقافية أو الرمزية المختلفة. ليس العنف فقط مسألة جروح أو قتل، إذ يمكن أن يكون التحطيم سيكولوجيا، بواسطة التعذيب أو النفي، أو الإيذاء في الممتلكات، أو يلحق لغة الجماعة، أو ثقافتها أو معتقداتها، أو يعني الحرمان من العمل ..إلخ". بناء على هذا، نستطيع القول إن الفيلسوف ضد العنف لأنه، كما يعتقد إريك فايل E. Weil، سلوك لا عقلي يهدف إلى النيل من كرامة الإنسان وبالتالي النيل من إنسانيته. إن الفلسفة ضد العنف لأنه يقوم على كل الأفكار السلبية التي تحاربها كالتسلط، والظلم، والبؤس والشقاء والحرمان ..إلخ. وعلى الفلسفة أن تتنبه للعنف لأن خطورته، اليوم، تكمن في أنه سلوك ممنهج يهدف إلى إخفاء أبعاده وخلفياته وبالتالي إخفاء أساليبه وآلياته، أو كما يقول إيف ميشو : "… إن ما يميز العنف المعاصر عن أشكال العنف التي عرفها التاريخ، هو التدخل المزدوج للتكنولوجيا والعقلنة في إنتاجه". ولعل ذلك ما يجعلنا نقول إن العنف أصبح اليوم سلوكا لا عقليا أنتجه العقل. ماهي الفلسفة ؟ الفلسفة لفظ استعارته العربية من اللغة اليونانيّة، و أصله في اليونانية كلمة تتألف من مقطعين: فيلوس Philos وهو بمعنى (صديق أو محب)، والثاني هو سوفيا Sophia أي (حكمة)، فيكون معناها (محب الحكمة). وبذلك تدل كلمة (الفلسفة) من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة أو إيثارها، وقد نقلها العرب إلى لغتهم بهذا المعنى في عصر الترجمة. وكان فيثاغورس (572 _ 497ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل. وعلى هذا أضحى تعريف الفلسفة بأنها: العلم الذي يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية. تجدر الإشارة إلى أن كلمة (الفلسفة) استُعملت في معاني متعددة عبر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأسرها، فيما تقلص هذا المعنى في مراحل أخرى فاستُعمل عند البعض كما في التراث الإسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص. |
* الأسس الفلسفية وفروعها : يمكن القيام باستقصاء فلسفي في أي موضوع، لأن الفلسفة تتناول كل ما يوجد في الكون وكل ما له ارتباط بالمعرفة. على أنه من أجل تحقيق أغراض الدراسة، قد جرت العادة أن تُقسم الفلسفة إلى خمسة فروع، وكل فرع ينتظم فيه البحث حول عدد من المسائل المتميزة. هذه الفروع هي:تناولت الفلسفة عبر عصورها الممتدة _ بدءاً بنشأتها إلى عصرنا الراهن _ مسائل كثيرة، استوعبت فيها تمام المعارف البشرية، وان استقلت منها بعض المعارف والعلوم منذ عصر النهضة في أوروبا، ومن أبرز القضايا التي انبسط عليها البحث الفلسفي: 1 ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا): علم يدرس الواقع والوجود من حيث طبيعتهما الأساسية، كما يدرس ماهية الأشياء. ومن الباحثين من يقسم علم ما وراء الطبيعة إلى ميدانين: علم الوجود، وعلم الكون. فعلم الوجود يدرس الموجودات؛ أما علم الكون فيدرس الكون الطبيعي ككل. كما أن علم الكون يُقصد به ذلك الفرع من العلوم الذي يدرس نظام الكون وتاريخه ومستقبله. يتناول علم ما وراء الطبيعة مسائل من نوع: ما الواقع؟ ما الفرق بين الظاهر والواقع؟ ما المبادئ والمفاهيم العامة التي يمكن بموجبها تأويل تجاربنا وفهمها؟ هل لدينا إرادة حرة أم أن أعمالنا مُسيرة بأسباب ليس لنا فيها خيار؟ لقد أوجد الفلاسفة عددًا من النظريات في علم ما وراء الطبيعة وهي: المادية، والمثالية، والآلية، والغائية. إن المادية تؤكد أن المادة وحدها هي التي لها وجود حقيقي، وأن المشاعر والأفكار وغير ذلك من الظواهر العقلية إنما هي ناتجة عن نشاط المادة. وتقرر المثالية بأن أي شيء مادي إنما هو فكرة أو شكل من أشكال الفكرة،-وبمقتضاها فإن الظواهر العقلية هي وحدها المهمة والمطابقة للحقيقة. أما الآلية فتؤكد أن كل الأحداث إنما هي-ناتجة عن قوى آلية محضة، وليس عن غاية معينة، بل لا يعقل أن نقول إن الكون في حد ذاته من ورائه غاية معينة. أما الغائية، فهي على العكس، تقرر بأن الكون وكل شيء فيه يتصف بالوجود والحدوث من أجل غاية معينة. 2 المنطق: يتناول بالدراسة مبادئ وطرائق المحاكمة العقلية؛ فهو يستكشف كيفيات التمييز بين المحاكمة القويمة والمحاكمة السقيمة. ويُسمَّى المثال المستخدم في المحاكمة البرهان أو الاستدلال. يتمثل البرهان في جملة من الحجج تسمى مقدمات، وهذه تقترن بحجة أخرى تسمى النتائج التي من المفروض أن تستند إلى المقدمات أو تنبثق عنها. إن البرهان القوي يكون سندًا للنتائج، بعكس البرهان الضعيف. 3 نظرية المعرفة: نظرية المعرفة: هدفها تحديد طبيعة المعرفة وأساسها ومجالها، كما تستكشف الطرائق المختلفة المؤدية إلى المعرفة وجوهر الحقيقة والعلاقات بين المعرفة والإيمان. إن نظرية المعرفة تطرح أمثال الأسئلة الآتية: ما العلامات الدالة على المعرفة الصادقة من أجل تمييزها عن المعرفة الكاذبة؟ ما الحقيقة، وكيف يمكن أن نعرف الصواب والخطأ؟ هل هناك أنواع مختلفة من المعرفة؟ وهل لكل واحدة منها حُجج وخصائص؟ وعلى هذا تدرس في نظرية المعرفة المسائل التالية: أ مصدر المعرفة. ب قيمة المعرفة. ج طبيعة المعرفة. د حدود المعرفة. 4 الأخلاق: لها علاقة بسيرة الإنسان وشخصيته وقيمه، فهي تدرس طبيعة الصواب والخطأ، وتميّز بين الخيروالشر. فالأخلاق تستكشف خصائص العدل والمجتمع العادل، وكذلك واجبات الإنسان نحو ذاته ونحو غيره ونحو المجتمع. تطرح الأخلاق أمثال الأسئلة الآتية: ما وجه الصواب في العمل الصائب؟ وما وجه الخطأ في العمل الخاطئ؟ ما الخير وما الشر؟ ما القيم الخاصة بالحياة؟ قد تبرز المشاكل في مجال الأخلاق، لأننا كثيرًا ما نجد صعوبة في إدراك ما يلزم القيام به. وفي العديد من الحالات تتعارض واجباتنا، أو تبدو لنا غامضة فضلاً عن كون الناس كثيرًا ما يختلفون حول ما إذا كان عمل من الأعمال أو مبدأ من المبادئ، صائبًا أو خاطئًا من الناحية الأخلاقية. 5 فلسفة الجمال: علم الجمال: يبحث في الإبداع، وكذا في المبادئ التي يقوم عليها الفن والجمال، كما أنه يدرس أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا حينما نرى ونسمع ونطالع شيئًا جميلاً قد يتمثل في شيء جميل، كالأثر الفني، مثل الرسم أو السيمفونية أو القصيدة، أو غروب الشمس أو غيره من الظواهر الطبيعية. فضلاً عن ذلك، فإن علم الجمال يستقصي الخبرة التي اكتسبها من يمارس بعض الأنشطة المختلفة مثل الرسم بأنواعه المختلفة والتمثيل السينمائي والمسرحي. 6 فلسفة الدين: علم يهتم بدراسة وتحليل طبيعة المعرفة الدينية وما تنطوي عليه المعتقدات، ونوع الأدلة والبراهين التي تستند إليها تلك المعرفة وتحاول تحليل التجارب الإيمانية والبحث عن منابعها وتجلياتها وأحوالها. 7 فلسفة العلم: فلسفة تُعنى بفهم وتفسير ظاهرة العلم فهماً يعمقها، فتبحث في التنظيم الأمثل لمناهجه، ومعرفة خصائصه ومقوماته، ومحاولة حل مشكلاته التي تخرج عن دوائر اختصاص العلماء. وهناك مسائل أخرى تناولتها الفلسفة من قبيل: فلسفة القانون، وفلسفة التاريخ، وفلسفة التربية، وغيرها. بقلم : حسن بلقائد |
الساعة الآن 02:29 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.