منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الآداب العالمية. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=38)
-   -   فرح - قصة قصيرة للكاتب انطون تشيخوف – ترجمة د. زياد الحكيم (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=13253)

د. زياد الحكيم 04-07-2014 03:50 PM

فرح - قصة قصيرة للكاتب انطون تشيخوف – ترجمة د. زياد الحكيم
 

كانت الساعة الثانية عشرة ليلا.

اندفع ميتيا كالداروف الى شقة والديه متنقلا من غرفة الى غرفة بوجهه المهتاج وشعره المتطاير. وكان والداه قد استسلما للنوم. وكانت اخته قد استلقت في سريرها لتقرأ الصفحة الاخيرة من رواية. وكان اخواه، تلميذا المدرسة، قد استغرقا في النوم.

صاح ابواه في ذهول: "اين كنت؟ ماذا دهاك؟"

_ "لا تسألا. لم اكن اتوقع ما حدث. لم اتوقعه على الاطلاق. انه امر لا يصدق."

ضحك ميتيا وغرق في كرسي، وقد غمره احساس بالسعادة الى درجة انه لم يعد يستطيع ان يقف على رجليه.

_" انه امر لا يصدق. ليس بامكانكما ان تصدقاه. انظرا."

قفزت اخته من السرير، ولفت نفسها بلحاف، واقتربت منه. وصحا اخواه من النوم.

-"ماذا في الامر؟ لا تبدو كعادتك."

-"هذا لاني مسرور سرورا عظيما يا امي. هل تعلمون ان روسيا كلها تعرفني الان؟ روسيا كلها. حتى اليوم كنتم وحدكم تعرفون ان ثمة موظفا صغيرا اسمه ديمتري كالداروف. اما الان فان روسيا كلها تعرف ذلك يا امي. يا الهي."

ونهض ميتيا وراح يذرع الحجرات ذهابا وايابا. ثم جلس من جديد.

-"انكم تعيشون مثل الحيوانات البرية ولا تقرأون الصحف ولا تلاحظون ما ينشر فيها. وهناك الكثير مما هو مهم في الصحف. فاذا حدث شيء فان الصحف تجعله معروفا على الفور. ولا تخفي الصحف شيئا. كم انا سعيد. يا الهي. هل تعلمون ان الاشخاص المهمين تنشر اسماؤهم في الصحف. والان نشرت الصحف اسمي."

-"ماذا تعني؟ اين؟"

شحب وجه الاب. ونظرت الام الى الصورة المقدسة ورسمت اشارة الصليب. واقترب الصبيان من اخيهما وهما في ثياب النوم.

_"اجل. نشر اسمي. والان روسيا كلها تعرف من انا. احتفظي بالصحيفة يا امي للذكرى. سنقرأها في يوم من الايام. انظروا."

واخرج ميتيا من جيبه نسخة من الصحيفة واعطاها لابيه واشار باصبعه الى فقرة رسمت حولها دائرة بقلم ازرق.

-"اقرأها."

وضع الاب نظارته على عينيه.

_"اقرأها."

ونظرت الام الى الصورة المقدسة ورسمت اشارة الصليب. وتنحنح الاب وبدأ القراءة: "في الساعة الحادية عشرة من التاسع والعشرين من ديسمبر كان الموظف المعروف باسم ديمتري كالداروف..."

-"اسمع. اسمع. اتمم القراءة."

-". . .كان الموظف المعروف باسم ديمتري كالداروف خارجا من احدى الحانات في منطقة برونايا الصغرى وهو في حالة سكر. . ."

-"هذا هو انا. ومعي سيميون بتروفتش. كل شيء موصوف وصفا دقيقا. واصل القراءة. اسمعوا."

-"وهو في حالة سكر، فانزلق ووقع تحت حصان عربة تابعة لفلاح من قرية دوريكينو اسمه ايفان دروتوف. فاصيب الحصان بالذعر وركل كالداروف وجر العربة فوقه وكان في العربة تاجر من موسكو اسمه ستيفان لوكوف، حاول الفرار ولكن حمالين امسكوا به. نقل كالداروف الذي كان في حالة اغماء الى مخفر الشرطة حيث عرض على طبيب. والاصابة التي تلقاها في مؤخرة رأسه. . ."

-"كان ذلك بسبب الجزء الامامي من العربة يا ابي. واصل القراءة."

-". . .تبين انها ليست اصابة خطرة. وسجل الحادث حسب الاصول. وتلقى المصاب العناية الطبية اللازمة."

-"قالوا لي اني يجب ان ابلل مؤخرة رأسي بالماء البارد. هل قرأتم كل شيء الان؟ انتم ترون اذن ان روسيا كلها تعرف ذلك. اعطني الصحيفة."

امسك ميتيا بالصحيفة، وطواها، ووضعها في جيبه.

-"سأسرع الان لاطلع اسرة ماكاروف على الخبر. وسأطلع اسرة ايفانتسكي. واسرة ناتاسيا. واسرة فاسيليتش. سوف اسرع. الى اللقاء."

وضع ميتيا قبعته على رأسه وانطلق الى الشارع باحساس غامر بالفرح والانتصار.


zedhakim@yahoo.co.uk

فاتحة الخير 04-07-2014 06:06 PM

السلام عليكم ورحمة الله


ربما كانت إصابة ديميتري أكثر خطورة مما شخصها الاطباء، مما جعله يصاب بهستيرية الشهرة.
وربما أن الإحساس بالاهتمام حتى لو كان هذا الاهتمام مجرد خبر صغير في زاوية بعيدة في صحيفة ما، يولد الشعور العارم بالفرح وكما ذكر المؤلف " بالانتصار" أي الانتصار ربما على النظرة الدونية للآخر اتجاهه أو ربما تغير نظرته هو لنفسه، كشخص عادي وفي فلتة من فلتات عجلات عربة، خلد اسمه في صحيفة.


شكرا لك دكتور زياد حكيم، على تعريفنا بنمط من أنماط الأدب الروسي.

د. زياد الحكيم 04-07-2014 06:52 PM

الاستاذة فاتحة الخير – شكرا للاهتمام والتعليق
الذي وضعت فيه يدك على النقطة الرئيسية في القصة.
انطلق ديمتري الى الشارع باحساس غامر بالفرح والانتصار
ليخبر كل من يعرفه بانه صار انسانا مشهورا في روسيا كلها.
ولكن اي فرح واي انتصار؟
تشيخوف هنا يستعمل التعبيرين "الفرح" و"الانتصار"
في كثير من السخرية والمرارة. ففي الوقت الذي يشعر فيه ديمتري بالفرح والانتصار
يشعر ابواه بالخوف والفزع والعار
ليس فقط لانه عرض نفسه للخطر تحت عجلات العربة
وهو خارج من الحانة في حالة سكر ولكن لانه ايضا يشعر
بالفخر والفرح لما حدث. وديمتري لا يدرك ان اسمه قد ذكر
بالصحيفة لانه ارتبط بالعار والجريمة. لهذا يغادر بيت ابويه
في الليل ليخبر الجيران بما حققه من شهرة
نظرا لافتقاره الشديد للحكمة وبعد النظر ولتعطشه اللامحدود للشهرة بأي ثمن.

فاتحة الخير 04-07-2014 07:59 PM

السلام عليكم ورحمة الله


شكرا لك دكتور زياد على الرد المستفيض والذي جعل مغزى القصة وما عناه الكاتب يظهر جليا

لكن ألا ترى معي دكتور أن البطل لديه ثقة كبيرة بالنفس، ولديه جرأة عالية في القفز على سلبيات الحادث والاهتمام أكثر بما يراه هو مناسبا له ولشخصيته ( المهزوزة عند الآخر)
بمعنى ألا يكون هذا الشعور بالزهو والفرح والانتصار نقطة غالبة وفي صالحه والتي ممكن أن تجعل منه إنسانا فاعلا يوما ما، فتحويل حدث سلبي ( برؤية الآخر) لآخر إيجابي ( برؤيته هو) ربما تكون لديه أبعادا أخرى تؤدي بالبطل يوما ما للانتصار والشهرة الحقيقية التي ينشدها.

د. زياد الحكيم 04-08-2014 03:16 PM

الاستاذة فاتحة الخير. شكرا للمتابعة.
نحن نعرف عن البطل ما يقوله لنا الكاتب مباشرة عنه
وما يقوله البطل نفسه وما يفعله وما يقوله عنه الاشخاص
الاخرون في القصة. واذا اخذنا هذه المصادر بعين الاعتبار هل نتوصل
الى ان ديمتري يتمتع بثقة كبيرة بالنفس وانه قادر
على القفز فوق سلبيات الحادث؟ الحادث ليس منفردا.
فنحن نقرأ قصة قصيرة كل كلمة فيها لها مغزاها واهميتها.
وهذا الحادث في القصة القصيرة دليل على نمط الحياة
التي يعيشها ديمتري وهو دليل على ان ديمتري شاب
غير مسؤول: يخرج من الحانات في وقت متأخر، وهو في حالة سكر.
ويعرض نفسه للمخاطر. ويعرض سمعته وسمعة اسرته للمساءلة.
وهو موظف صغير، قليل الدخل، ضعيف الهمة، شديد السطحية.
وهو الى ذلك اناني: يدخل الى البيت كالمجنون في منتصف الليل
وهو يشعر ان من حقه ان يوقظ الاهل والاخوة دون ان يولي ذلك اي اهتمام.
انظري كيف يخاطب اسرته بقوله: انكم تعيشون مثل الحيوانات البرية
ولا تقرأون الصحف ولا تلاحظون ما ينشر فيها. هل في ذلك ما يوحي بثقة بالنفس؟
وهل في ذلك ما يوحي بانه يمتلك قدرة على التسامي فوق سلبيات الحادث؟
ديمتري انسان فج وقصير النظر وارعن.
وهو يريد ان يعوض عن هذا كله بالشعور
بانه اصبح رجلا مشهورا لمجرد ان صحيفة ذكرت
اسمه في خبر عن حادث يكشف عن افتقاره للاحساس بالمسؤولية.

ايوب صابر 04-08-2014 05:24 PM

مرحباً

قرات الحوار هنا حول بطل القصة واتصور ان القصة مكتوبة بلغة رمزية ساخرة من النظام السياسي الشيوعي الذي عاصره الكاتب وهو كما اتصور كان معارضا سياسيا لذلك النظام ومؤشر ذلك عبارة " *انكم تعيشون مثل الحيوانات البرية ولا تقرأون الصحف ولا تلاحظون ما ينشر فيها" وكان الكاتب يقول بان ذلك النظام السياسي الشيوعي لا يعطي مجالا للفرد ليبدع ويسجل اسمه في سجل الخالدين او على الاقل ان ينشر في الصحف وان الطريقة الوحيدة لتحقيق مثل هذه الغاية في ظل ذلك النظام السياسي هي طريق الجريمة او التصرفات البهلوانيه ولذلك اعتبر الشاب ان ذكر اسمه في الجريدة هو انتصار على النظام السياسي لانه حقق حلما مستحيلا حيث برز كفرد .ولو ان ذلك كان من خلال ذلك الحادث الغريب . فالقصة اذا تهدف الى نقد النظام الشمولي وتتمحور حول الصراع بين الفردية والشمولية كأنظمة سياسية .

*

فاتحة الخير 04-08-2014 05:27 PM

السلام عليكم ورحمة الله


شكرا لك دكتور زياد على تفسير المعنى والمغزى للنص، واعذر تطفلي على هذا الأدب العالمي
لكن تطفلي لن يقف عند هذا الحد، بل سأنغمس محاولة الوصول للارتواء.
بصراحة سمعت كثيرا عن الأديب العالمي " انطوان تشيكوف" لكنها المرة الأولى التي يقع بين يدي نص له، وطبعا كان هذا بفضلك دكتور
لذا لن أخفي عنك بعض صدمة، عند قراءتي لهذه القصة القصيرة التي سآخذها بما أنها الوحيدة التي قرأت للكاتب الكبير، وأبني عليها ملاحظاتي التي أثارتني والتي تتعلق بنمط الكتابة عند " تشيخوف"
لا أعرف إن كانت كل قصصه على هذا السياق، لكن ما ظهر لي واستغربت له، وهو أن تكون كتاباته بهذه السهولة، حيث أجد أن هذه القصة، لا مواقف إبهار فيها ولا عقدة ولا حبس انفاس ونهايتها عادية جدا لا جديد فيها ولم تخلق أي صدمة، يعني أن الحبكة الدرامية فيها بسيطة جدا.
( البطل يدخل بيته ليلا، يوقظ عائلته، يريهم اسمه في جريدة ويتبجح أمامهم بأنه أصبح مشهورا، ثم يخرج ليعرف الجيران والمعارف بالوضع الجديد الذي وصل إليه)
فكيف ترى أنت دكتور زياد هذا النمط القصصي، هل يستحق فعلا أن يصل للعالمية رغم بساطة الطرح وبرودة النهاية؟
أم أن السبب في هذا الانبهار هو الحقبة التي كتبت فيها هذه القصة، وربما بداية هذا الجنس الأدبي ( أي القصة القصيرة) التي ربما لم تكن معروفة في ذاك الوقت، وما زالت تبحث لها عن موقع قدم داخل المنظومة القصصية التقليدية ( القصة - الرواية)


سأكرر اعتذاري إن كان طرحي لا يستحق البحث، وشكرا لك

د. زياد الحكيم 04-08-2014 06:43 PM

الاخ الاستاذ ايوب صابر – شكرا للمتابعة والاهتمام.
لم يكن تشيخوف كاتبا سياسيا ولا منظرا اجتماعيا،
ولكنه كان اديبا من الطراز الاول. وقد عاش في فترة سياسية
كانت فيها روسيا امبراطورية مترامية الاطراف خاضعة للقيصر الكساندر الثاني.
وتوفي عام 1904 عن عمر اربعة واربعين عاما،
اي قبل الثورة البلشفية بنحو ثلاثة عشر عاما.
ومع هذا فقد يكون تفسيرك اسقاطا على هذه القصة له جاذبيته من ناحية ما.

د. زياد الحكيم 04-08-2014 06:47 PM

الاستاذة فاتحة الخير - شكرا للمتابعة ولا شك ان طرحك يستحق البحث.
منذ بداية اشتغاله بالكتابة عرف انطون تشيخوف باصالته
الى درجة ان ليو تولستوي قال عنه: انه فنان لا مثيل له
وانه فنان الحياة. واهتم تشيخوف بالاحداث العادية والعلاقات
بين الناس في المدن الصغيرة والقرى. واشتهر باستعماله
عددا من التقنيات الادبية في تصوير اشخاصه وامزجتهم.
وانشأ شكلا ادبيا جديدا وصفه الكتاب من ابناء جيله بانه شكل انطباعي.
ووضع ستة مبادئ اساسية للقصة القصيرة الجيدة هي:

اولا: عدم الاسهاب والاطالة في التنظير السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

ثانيا: الموضوعية الكاملة.

ثالثا: توصيف الاشخاص والاشياء بصدق.

رابعا: الايجاز الشديد.

خامسا: الجرأة والاصالة والابتعاد عن التصوير النمطي.

سادسا: التعاطف والتفهم.

وهذه المبادئ الستة نجدها بشكل او بآخر في جميع قصص تشيخوف بما فيها قصة (فرح) التي بين ايدينا.

ياسر علي 04-08-2014 10:53 PM

السلام عليكم و رحمة الله

شكرا للدكتور زياد الحكيم على ترجمة هذا النص القصصي لأنطون تشيخوف ، وجعله في متناول المنابريين ، و ما يتيحه لهم من تلمس الأدب الروسي و تعرف بعض أعلامه ، وتوسيع دائرة المدارك ، و تنويع مشارب الثقافة والإبداع .
شدني الحوار حول النص الذي يتناول فيه الكاتب بالنقد حالة الشباب الروسي في الحقبة القيصرية ، وذلك بتناوله لحالة "ميتيا كالدروف" ذلك الشاب السكير الذي جاء بعد منتصف الليل وقد تمكن منه السكر حاملا صحيفة تناولت حادثة سير ، كانت تصرفاته سببا في وقوعها ، ليعلن النصر و الفرحة لوجود اسمه في الجريدة وانضمامه إلى لائحة المشاهير .
النص يضع تحت الضوء السكر كجنون يفتك بالشباب ، وينتقص من مسؤوليته ، فنلاحظ أن الشاب ، لا يملك مسكنا وهو موظف ، ولا يزال يعتمد على اسرته في إيوائه ، ونلاحظ كيف قض مضجعهم وهم في حاجة إلى الراحة ، كما نلاحظ الأم و هي تبتهل طمعا ورغبة في انقاذ ولدها من هذا الجنون .
لكن ما يأخذني أكثر في هذه القصص هو درجة التطور المجتمعي عند هؤلاء و الأمر يتعلق بالقرن التاسع عشر ، كيف عالج الأب الموقف بهدوء ، الأخت كانت تقرأ رواية ، الأطفال يذهبون إلى المدارس ، انتشار الجرائد ، الأب يضع نظارتين ، الأب يقرأ ، الأطفال يرتدون ثياب النوم ، الشرطة حررت محضرا ، عرض المصاب على الطبيب ....
من حيث تطور القصة ، أعتقد أن القصة الكلاسيكية تبقى رائدة رغم كل التطور الذي عرفته القصة ، فهناك تناول للزمان و المكان بقوة ، هناك بناء للشخصيات ، هناك حدث رئيسي و أحداث جزئية ، هناك نهاية قوية .....
فلو أخذنا النهاية المفتوحة في هذا النص جاءت على نفس سلوك البداية ، بل ازداد الحماس و الاندفاع ، وضع قبعته بعد منتصف الليل ليعيد نفس القصة مع الأسر الأخرى الصديقة . و هنا يتضح إصرار القاص على نقد هذا التصرف بجعل البطل يتمادى في غبائه و جنونه .


الساعة الآن 03:16 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team