منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   نقاش حول كتابة الرواية .. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=22451)

صبا حبوش 05-28-2017 04:06 AM

نقاش حول كتابة الرواية ..
 
كتب الناقد مسعود عمشوش مقالة جامعة ومبسطة للتعريف بفن الرواية :

"الرواية جنس أدبي خيالي حديث. يعتمد السرد والنثر. وتجتمع فيه مجموعة عناصر متداخلة؛ أهمها الراوي والأحداث والشخصيات والزمان والمكان.

وتتميز الرواية عن الملحمة القديمة باعتمادها النثر وتصويرها للإنسان والمجتمع الواقعي واستبعادها للخوارق والغيبيات. وتتميز عن السيرة (الذاتية) بطابعها الخيالي، وعن القصة القصيرة بطولها، وعن المسرحية باعتمادها السرد وليس التقديم المباشر.

والرواية، قبل أن تكون جنسا أدبيا، تعد شكلا من أشكال الثقافة الحديثة. واستنادا إلى جورج لوكاتش، ارتبط تطورها بظهور المجتمعات البرجوازية في الغرب. فالرواية جاءت لتصور الأزمة الروحية – على حد وصف لوكاتش لها- للإنسان الحديث الذي يعيش موزعا بين واقع حقيقي مليء بالتناقضات، وواقع افتراضي مثالي يحلم به.

ومن المعلوم أن جنس الرواية قد ازدهر في الغرب في القرن التاسع عشر حينما برزت أسماء كبار الروائيين مثل بلزاك وستاندال وشارلز ديكنز وفلوبير (وقبل ذلك ظهرت في الغرب بعض المحاولات الروائية الشهيرة بأقلام الإسباني سرفانتس مؤلف دون كيشوت والانجليزي دانيل ديفو مؤلف روبنسن كروز)

ويعد اتصال العرب بالغرب الحديث منذ مطلع القرن التاسع من العوامل الحاسمة في ظهور عدد من الأجناس الأدبية الحديثة في الأدب العربي ومنها الرواية. فطوال ذلك القرن ترجمت وعربت الآلاف من الروايات الغربية.

وشهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر أولى محاولات التأليف الروائي في اللغة العربية. منها محاولة سليم البستاني، في كتابه “الهيام في جنان الشام” سنة 1862، ومحاولة علي مبارك (علم الدين)، وروايات جورجي زيدان التاريخية. ومن أبرز تلك المحاولات (حديث عيسى بن هشام) التي نشرها محمد المويلحي مسلسلة في مجلة مصباح الشرق بين سنة 1900 وسنة 1902. ولأنه كان محافظا- فقد أراد أن يستخدم القالب الروائي لتصوير التناقضات التي كان المجتمع المصري الحديث يعاني منها آنذاك، لكن مع اعتماد لغة نثرية تذكرنا أسلوب المقامات العربية. واليوم هناك إجماع في الأوساط النقدية أن رواية (زينب) التي نشرها محمد حسين هيكل سنة 1912 هي أول رواية عربية ناضجة.

عناصر الرواية: يتميز جنس الرواية عن غيره من الفنون السردية بطوله وتشابك الأحداث فيه وكذلك بتعدد الشخصيات والأماكن والأزمنة فيه، ومن أهم العناصر المكونة للرواية التقليدية:

أ‌) الأحداث وطريقة بنائها أو (الحبكة) وتتمثل في:

•المقدمة: أو التمهيد وغالبا ما تكون وصفا للمكان أو الزمان تمهيدا لسرد الأحداث ولإطلاق التأزم فيها.

•عرض الأحداث وتناميها: وتكون عادة حدثا رئيسا وأحداثا فرعية أخرى تتنامى إلى جوار الحدث الرئيس.

•العقدة : وهي قمة تأزم الأحداث والصراع بين شخصياتها ووصولها إلى الذروة.

•الحل: وهي الخاتمة التي تضع نهاية الأحداث أو الشخصيات .

ب) أسلوب السرد ( تتداخل الأساليب التعبيرية الفنية في الرواية لتشكل في النهاية الحبكة الفنية والتي تشكل البناء القصصي للرواية) ومن هذه الأساليب:

* السرد بضمير الغائب أو بضمير المتكلم: ويكون على لسان راوٍ شاهدٍ على الأحداث كما الحال في رواية يحيى حقي (قنديل أم هاشم ) ويكون الراوي نفسه أحد شخوص الرواية، كما هو الحال في السير الذاتية

* الحوار: ويكون بين شخصيات الرواية ويعمد إليه الروائي ليكشف عن شخصياته وأبعادها النفسية ,كما أنها تعينه على بناء الحبكة القصصية .

* المناجاة : وهي حوار مع النفس ,تكثر المناجاة في السير الذاتية والروايات ذوات البعد النفسي. وتكون المناجاة حين تتأزم الأحداث فتتكشف لنا من خلال مناجاة الشخصية لنفسها أسباب أزمتها

* الوصف: يعمد الروائيون إلى الوصف لغايات منها : التمهيد للأحداث بخلق البيئة الزمانية والبيئة المكانية .ومنها تحديد وتوضيح معالم شخصيات الرواية . كما أنهم يعمدون إليه ليكون لرواياتهم مدى أطول.

* التعليق : يعمد بعض الروائيين إلى التعليق على بعض المواقف التي تتعرض لها الشخوص خاصة الشخصية المحورية ، ومن هذه التعليقات تتبدى لنا اتجاهات الكاتب السياسية أو الاجتماعية أو العقائدية . ومن الإبداع ألا يلجأ الروائي إلى البوح صراحة بهذه الآراء بل يجعلها تتكشف للمتلقي من خلال الحبكة القصصية.

ج) الشخصيات: تتضمن الرواية شخصيات تدور حولها الأحداث أو تحرك الأحداث وهذه الشخصيات إما أن تكون شخصيات محورية ( شخصية واحدة أو أكثر ) تتمحور حولها الأحداث وشخصيات رئيسة تصنع الأحداث وتحدث الصراع فهي إما شريرة أو خيرة ، شخصيات مع الشخصية المحورية أو ضدها. كما تتضمن شخصيات ثانوية تستكمل بها الخلفية للأحداث دون أن يكون لها تأثير في سيرها أو نموها

وفي دراستنا للرواية علينا أن نتعمق في فهم الشخصيات وتفسير تصرفاتها والكشف عن دوافعها النفسية وطباعها، وذلك من خلال الحوار أو المناجاة.

د) الزمان والمكان (الفضاء الروائي): تسير خطوط الرواية وإن تعددت وتشابكت في مكان يكون اتساعه أو ضيقه وفق تنوع الأحداث وتواليها ومن المألوف أن تتعدد الأمكنة في الرواية ، كما يتمدد المكان في الرواية يتمدد الزمان بحيث يستغرق في بعض الروايات حياة الشخصية المحورية كلها، وعلينا ألا نهمل دراسة المكان أو الزمان في الرواية فربما يتضمن كلاهما تفسيرا لكثير من الأحداث فيها وكشفا لتنامي شخصياتها."

صبا حبوش 05-28-2017 04:15 AM

محاولة كتابة رواية ليس بالأمر السهل ، أتمنى أن نجد بعض النصائح والإرشادات من الأساتذة الروائيين في المنبر هنا ..
كبف نحوّل الفكرة إلى رواية ؟
المخطط الفصلي ، وتقسيم الأحداث حسب الفصول، الخطاب الأكثر تأثيرا في القارئ.
عوامل نجاح الرواية و شد القارئ لإنهائها..

صبا حبوش 05-31-2017 12:57 AM

ميلان كونديرا.. كواليس وموسيقىربما يكون الروائي التشيكي ميلان كونديرا من أكثر الروائيين الذي تحدثوا وأجابوا عن سؤال "كيف تكتب رواية"، من خلال ما نقرأه في ثلاثيته الشهيرة "فن الرواية"، و"الوصايا المغدورة"، و"الستارة".
كونديرا في كتبه تلك يقيم علاقات غريبة بين البناء الروائي والبناء الموسيقي، كما يكشف ملامح خفية من أسرار نصوصه، فيبدو في الوقت الذي يحاول أن يقول فيه رأيه في الرواية ككل يقول أسرار مطبخه ورواياته.
في كتاب "فن الرواية" الذي كتبه في 1986، يتحدث عن ثلاث نقاط تتعلق بآلية كتابة الرواية الأوروبية، في الفصلين الأول والسابع يتحدث كونديرا عن فن الرواية الأوروبية، بينما كان الفصلان الثاني والرابع مخصصين لحوارين أجراهما كونديرا، يتحدث في الأول عن فن الرواية، وفي الحوار الثاني عن فن تأليف الرواية، وكيف تكتب رواية. أما الفصل السادس فهو قاموس شخصي يتضمن واحدًا وسبعين كلمة، الفصول الثلاثة السابقة تتحدث عن التجربة الروائية الشخصية لصاحب "كتاب الضحك والنسيان"، أما الفصلان الثالث والخامس فخصصهما لدراسة التجربة الروائية لكل من فرانز كافكا وهرمان بروخ.

صبا حبوش 05-31-2017 12:59 AM

غابرييل غارسيا ماركيز.. دزينة أحلام


لم يكتب ماركيز كتابًا مكرسًا للرواية، لكنه فعل ذلك في مقالات متفرقة، قام صالح علماني بجمع دزينة منها تحت عنوان "كيف تكتب الرواية؟" وهي مقالات نُشرت في فترات متباعدة في عدد من الصحف الأمريكية اللاتينية والإسبانية.
يوجّه ماركيز حديثه إلى الكتاب المبتدئين الراغبين في كشف السر عن سؤال "كيف تكتب رواية"، وهو يعني بذلك من يعتقدون أن "الأدب هو فن موجه لتحسين العالم"، أما الآخرون الذين "يرون أنه فن مكرس لتحسين حساباتهم المصرفية فلديهم معادلات للكتابة ليست صائبة وحسب، بل يمكن حلها بدقة متناهية وكأنها معادلات رياضية".
وعن آلية الكتابة الروائية يرى ماركيز صاحب "مائة عام من العزلة" أنّ "القصص القصيرة أمر لا مناص منه، لأن كتابتها أشبه بصب الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك: إذ من الممكن العود للبدء فيها من جديد. وهذا ما حدث معي الآن. فلا الإيقاع، ولا الأسلوب، ولا تصوير الشخصيات كانت مناسبة التي تركتها نصف مكتملة. وتفسير هذه الحالة هو واحد أيضًا: فحتى أنا نفسي لم أقتنع بها".
بالإضافة إلى كل ما يقدمه "غابو" من أفكار ثاقبة، تحضر في مقالاته هذه روحه الصاخبة التي نقرؤها من خلال ولعه بالرواية اليابانية، وتمنيه لو أنه صاحب رواية "الجميلات النائمات" التي حاكاها في روايته "ذاكرة عاهراتي الحزينات". كذلك تحضر روح السخرية والتهكم في مقال "بيجي أعطه قبلة" و"الريف: ذلك المكان الرهيب حيث الدجاجات تمشي نيئة". قراءة أعمال ماركيز ومقالاته شرط لا غنى عنه لكل باحث عن سؤال: "كيف تكتب رواية".

صبا حبوش 05-31-2017 01:00 AM

ماريو بارغاس يوسا.. دودة الكتابة الشريطيّة

في كتابه "رسائل إلى روائي شاب"، يقدم ماريو بارغاس يوسا من خلال اثنتي عشرة رسالة إلى روائي شاب مفترض طرقًا مختلفة يمكن استخدامها في الكتابة الروائية، مستشهدًا بنماذج مختلفة في أسلوب روائيين عالميين، من خلال الأسلوب والزمن والمكان والواقع الروائي، ليساعد في تقديم إجابة شبه شافية عن سؤال الكتاب الشباب عن "كيف تكتب رواية".
يصف يوسا في رسالته الثانية طريقة كتابة الرواية بأنها "تعادل ما تقوم به المحترفة التي تخلع ملابسها، أمام الجمهور، حتى تظهر جسدها عاريًا. غير أن الروائي يمارس العملية في اتجاه معاكس"، مشبهًا إياه بـ"الكاتوبليباس" المخلوق الذي يلتهم نفسه بنفسه، من حيث أن الروائي يقوم بـ"النبش في تجربته الحياتية الخاصة، بحثًا عن دعائم ومرتكزات لكي يبتكر قصصًا". وعلى صلة بالتشبيه الأخير، يرى يوسا أن الكاتب يجب أن يشعر أن الكتابة دودة وحيدة، تمتص خلاصة حياته.
ميزة كتاب يوسا وإجابته عن سؤال "كيف تكتب رواية" هو أنه ينتمي إلى تطوير إبداعي لكتابات يوسا النقدية التي يكتبها بشكل منهجي كما في كتابه "حقيقة الأكاذيب"، لكنه هنا يتحول إلى ما يشبه راويًا لحكاية وتقنيات الكتابة، بعد اختراع ندّ افتراضي هو القارئ الشاب. وعمومًا يحفل تاريخ الأدب بكتابات إلى شباب، بعضها حقيقي مثل رسائل ريلكه، وبعضها الآخر متخيل مثل قصيدة محمود درويش "إلى شاعر شاب".

صبا حبوش 05-31-2017 01:01 AM

أورهان باموك.. الروايات هي الدرس


يفتتح أروهان باموك كتابه "الروائي الساذج والحساس"، بجملة يعتمدها عتبة أساسية لباقي فصول الكتاب، يقول فيها "هذا الكتاب هو كل متكامل يضم معظم الأشياء المهمة التي عرفتها وتعلمتها من الرواية". يستعير باموك عبارة "الساذج والحساس" من الألماني شيلر، ويعني بها الموهبة والصنعة، والروائي الجيد بالنسبة له من يجمع بين الاثنين. يعتمد باموك في كتابه على العديد من الأسماء الروائية مثل فرجينيا وولف، وفلاديمير نابوكوف، وهوميروس، والفردوسي.. وآخرين كثر، لتقديم رؤيته الشخصية للكتابة الروائية مع الشخصيات الأدبية، الحبكة والزمن الروائيين، وطريقة استخدامه الكلمات والصور والأشياء روائيًا، من خلال تجربته كقارئ رواية، وككاتب رواية في الوقت نفسه، ليكون كتابه من أهم ما يلزم الكاتب المبتدئ للبدء في الإمساك بطرف إجابة عن سؤال "كيف تكتب رواية".
قارن أورهان باموك صاحب "اسمي أحمر" بين الرسم والسينما والرواية، وبين المتحف والرواية. في نهاية الكتاب يقول: "أردت الحديث عن رحلتي الروائية، عن الوقفات التي صنعتها على طول الطريق، ماذا علمني أسلوب وشكل الرواية، عن القيود التي فرضوها عليّ، كفاحي مع هذه القيود وارتباطي بها". لا يجد باموك ما ينصح به الكتاب الشباب الذين يسألونه عن كيف تكتب الرواية إلا أن يقول لهم: "أفضل طريقة لدراسة الرواية هو قراءة روايات عظيمة والرغبة في كتابة شيء مشابه لها".

صبا حبوش 05-31-2017 01:05 AM

أمبرتو إيكو.. جريمة الكتابة


بعد صدور روايته "اسم الوردة" عام 1980، وصلت إلى الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو العديد من الرسائل والاتصالات مستفسرة عن العديد من الوقائع والأشياء المتعلقة بروايته التي كتبت بالاعتماد على مجموعة من الوثائق والكتابات المرتبطة بالعصور الوسطى، حيث اعتمد على أدب الجريمة كتكنيك ليخوض رحلة استكشاف كبرى للفلسفة في القرون الوسطى، والتاريخ واللاهوت والمنطق أيضًا. وبسبب إلحاح الرسائل وغزارتها وجد إيكو نفسه يكتب "حاشية على اسم الوردة"، وينشرها في العدد 49 لمجلة ألفابيتا الإيطالية عام 1983. ثم سيتم التعامل مع الدراسة بوصفها كتيّبًا مستقلاً.
يجيب إيكو في هذه الحاشية، على العديد من الاستفسارات التي وصلته حول الرواية البوليسية، وكيف تكتب الرواية من ناحية العنوان والمعنى والسيرورة الكتابية، وكيفية بنائه لعمارته الروائية، وطريقة اعتماده على مراجع ووثائق تعود إلى العصور الوسطى، والحبكة البوليسية التي يصفها بـ "السؤال الأس في الفلسفة (كما في التحليل النفسي، كذلك)، هو نفس السؤال الذي نجده في الرواية البوليسية: من المذنب؟".
يقول مترجم الكتاب سعيد بنكراد في المقدمة: "إن إيكو وهو يحكي سيرورته لا يتوقف عند تأويل أو تفسير لحدث ما، ولكنه يومئ إلى ما يقف خلف هذا الحدث ويحيط به ويبرره ويمنحه معنى: دوافع اختيار هذه الفترة التاريخية دون غيرها، دوافع اختيار المحقق، إحالات على قراءة الإمارات، صراع بين أجنحة الكنيسة، غطرسة التفتيش الكنسي.. إلخ، وهو في كل هذا لا يوحي بأنه يريد أن يضمن نصه معرفة (عالمة)، ولكنه يبث المعرفة في الحدث والشيء والشخصية".
وهكذا نجد كل كاتب عظيم يقدم إجابة منفردة وفريدة من وحي تجربته الخاصة عن سؤال "كيف تكتب رواية"، وهو سؤال يكون نابعاً من فضول معرفي لدى بعض القراء، كما يكون نابعاً من أمل وحرص من قبل بعض الكتاب الشباب الباحثين عن إشارات تهديهم في تلك الطريق الطويلة للرواية وعالمها الفذ.

صبا حبوش 05-31-2017 01:08 AM

في أغلب الأيام يستيقظ نيكولاس بيكر في الرابعة صباحا، ليكتب في بيته في برويك الجنوبية بولاية مين. يترك النور مطفأ، ويجعل صفحة الكمبيوتر سوداء، والكتابة بالرمادي؛ فلا تكسر الشاشة عتمة المكان. وبعد ساعتين من الكتابة في هذه الحالة التي يصفها بالحلمية، يعود إلى الفراش، ثم ينهض في الثامنة والنصف ليقوم بتحرير ما سبق وكتب.
كتب روايته الأولى “الطابق المسروق” أو The Mezzanine عبر إملائها على كمبيوتر مزود ببرنامج للتعرف على الصوت. أما روايته الأخيرة “المحرر” The Anthologist فهي رواية مروية بضمير المتكلم، والمتكلم فيها شاعر محبط يكافح كي يكتب مقدمة مختارات شعرية جديدة. أطلق لحيته تشبها ببطل روايته، وارتدى قبعة لينة بنية، وثبت كاميرا فيديو على حامل ليصور نفسه وهو يلقي محاضرات في الشعر. ومن بعد قام بتفريغ أربعين ساعة من التسجيلات، فصار بين يديه قرابة ألف صفحة من الملاحظات والتفريغات. قال بيكر إن خلق صوت البروفيسير المحبط كان “أمرا تحتم عليَّ أن أعمل عليه كثيرا حتى أصل إلى إحساس الضياع”.
وبرغم ذلك، رأى بيكر المسودة الأولى منظمة أكثر مما ينبغي. فقسَّم الرواية إلى مقاطع مرقومة، ثم ذهب إلى أحد مواقع الإنترنت المتخصصة في الترقيم العشوائي، ورتب المقاطع بناء على أحد أنظمة الترتيب العشوائي التي أمده بها الموقع. وإذا بالرواية فوضى شاملة. فكان عليه أن يعود إلى النظام الأصلي، برغم أن بعض التوزيعات العشوائية بدت نافعة. “كان علي أن أدفع نفسي دفعا إلى الترتيب القديم”.

صبا حبوش 05-31-2017 01:12 AM

غالبا ما يقوم الروائي التركي الحائز على نوبل في الأدب أورهان باموق بإعادة كتابة السطر الأول في روياته من خمسين إلى مائة مرة. “أصعب شيء دائما هو الجملة الأولى ـ هي المؤلمة”، هكذا يقول باموق الذي صدرت له مؤخرا باللغة الإنجليزية رواية “متحف البراءة” ـ وهي قصة حب تدور في اسطنبول في السبعينيات من القرن الماضي.
يكتب باموق بالقلم، على كراسات رسم، يكتب في صفحة، ويترك المقابلة لها فارغة للتعديلات، ويدرج ما يشبه البالونات الحوارية المعهودة في القصص المصورة. ثم يرسل كراساته إلى طباع يعيدها إليه مخطوطات مطبوعة، فيدخل عليها تعديلاته، ثم يعيدها إلى الطباع، وتستمر هذه العملية من ثلاث مرات إلى أربع.
يقول باموق إنه يكتب في أي مكان يأتيه فيه الإلهام، في الطائرات، في غرف الفنادق، على أرائك الحدائق. ومع ذلك، فهو لا يستسلم لاندفاعات العفوية حينما يتعلق الأمر بحبكة قصة أو ببنيتها. يقول باموق “إنني أخطط لكل شيء”.

صبا حبوش 05-31-2017 01:16 AM

تحب الروائية البريطانية هيلاري مانتل أن يكون أول ما تفعله في صباح كل يوم هو الكتابة، قبل أن تنطق بكلمة، أو تأخذ رشفة من فنجان قهوة. بسرعة تدون أفكارا وملاحظات مستقاة من أحلامها. “وأنزعج جدا إذا لم أفعل هذا”.
هي مهووسة بتدوين الملاحظات ودائما معها دفتر مخصص لهذا الأمر. العبارات الغريبة، شذرات الحوارات، والأوصاف التي ترد على خاطرها، جميعا تنتهي مدونة على لوحة معلقة في مطبخها، وتبقى هنالك إلى أن تجد لها مانتل مكانا في رواية لها.
قضت هيلاري مانتل خمسة شهور في البحث وفي الكتابة قبل أن يثمر ذلك عن روايتها الفائزة بالبوكر “قاعة الذئب”، وهي دراما تيودرية تدور أحداثها في بلاط هنري الثامن والتي تصدر طبعة منها هذا الشهر في الولايات المتحدة. كان التحدي الأكبر أمامها هو أن تأتي روايتها مطابقة للتاريخ. فكان أن أعدت كتالوج بالشخصيات مرتبة إياها ترتيبا ألفبائيا. كل شخصية تحتل بطاقة توضح في أي الأماكن بالضبط كانت تتواجد في تواريخ بعينها.
تقول “هناك حاجة حقيقية إلى معرفة مكان تواجد دوق سفولك في لحظة معينة. فلا يمكنك أن تقول إنه كان في لندن بينما تاريخيا هو كان في مكان آخر”.
في أحد الأيام، كانت مانتل تمر بحالة من الاهتياج لعجزها عن إدراج كل ما تريد قوله في الرواية. فأخذت حماما، وتلك وسيلتها المعتادة لتصفية تفكيرها، وإذا بها تندفع من الحمام قائلة “إنهما كتابان يا هيلاري”. وهي الآن تعمل على رواية تالية تنتهي أحداثها بقطع رأس كورنول عام 1540.

صبا حبوش 05-31-2017 01:17 AM

منذ أن كان مراهقا وحتى أصبح في منتصف العشرينيات والروائي كازو إيشيجيرو يحاول دون أن يصادفه النجاح أن يجعل من نفسه كاتب أغنيات. وكان ذلك السعي المبكر هو الذي ساعده على تكوين أسلوبه السردي الموجز المعتمد على ضمير المتكلم حيث يبدو الراوي على معرفة بأكثر ما يقوله أو تقوله.
إيشيجيرو ـ صاحب الروايات الست ومن بينها “بقايا النهار” الحائزة على جائزة بوكر ـ “يقضي سنتين في البحث من أجل كتابة رواية، ثم يكتبها في سنة. ولأن رواياته تروى بضمير المتكلم، فإن النبرة تكون عاملا في غاية الأهمية، ولذلك فهو “يقيم روايته صوتيا” عن طريق كتابة بضع فصول من وجهات نظر بضع شخصيات. وقبل أن يبدأ في تسويد المسودة الأولى، يعد ملفات من الملاحظات والخرائط التي لا تكتفي بعرض الحبكة الأساسية بل وملامح السرد الدقيقة، وعواطف الشخصية وذكرياتها.
الهوس بالتجهيز “يمنحني فرصة لجعل شخصياتي تخفي معنى وتداري آخر حينما تقول شيئا وهي تعني شيئا آخر”. يجمع إيشيجيرو ملاحظاته ويكتب مسودة أولى بالقلم الرصاص. ويراجعها بالقلم الرصاص، ثم يطبع النسخة المنقحة على الكمبيوتر، وفي هذه النسخة الرقمية ينقح مرة أخرى، وفي هذه المرة قد يحذف كتلا ضخمة ربما تصل إلى مائة صفحة.
وبرغم كل العمل الأولي هذا، فإن بعض الروايات تتأبى على الاكتمال، ومن ذلك رواية تدور أحداثها في بريطانيا العصور الوسطى. “عرضت على زوجتي جزءا منها نقحته بعناية فقالت لي: إنه بشع. عليك أن تتبين اللغة التي يتكلمون بها مع بعضهم البعض، إنهم يتكلمون لغة بلهاء”.

صبا حبوش 05-31-2017 01:18 AM

يتبع ......

ياسر علي 05-31-2017 01:47 AM

سيبقى الشكل والمضمون حاضرا بقوة عندما تريد كتابة رواية، من حيث الشكل ربما دخلت إلى أساليب الكتابة، الأسلوب الخبري التقريري ، الأسلوب الحجاجي، الوصف، الحوار، السرد،الحبكة" مدخل الرواية و مخرجها و ليس المتن الحكائي" الطريقة التي يتم بها الربط ، الكتابة المسترسلة، الفصول، متى تزرع فكرة، متى تلمح متى تصرح، المزاوجة بين الأفكار، موقع البطل، اختيار العنوان .......
هل الشكل يغني عن المضمون، أكيد أن الرواية لن تحدث الفرق إن كان المضمون بسيطا، قد تكون الحكاية بسيطة و في بساطتها تكمن المتعة، لكن ما تطعم به الرواية من أفكار " هواجس اليوم" هو ما يعطي للرواية مضموناحقيقيا، وجود رؤية بين رؤى تحاول الظهور، لا تصل إلى درجة الوضوح المكشوف.

شكرا على هذا الموضوع القيم وننتظر المزيد.

تقديري أستاذة صبا حبوش.

صبا حبوش 06-03-2017 01:21 AM

وشكراً على مرورك أستاذ ياسر ..
أنرت وأفدت ...

صبا حبوش 06-03-2017 01:23 AM

يفضل الروائي الحائز على جائزة بوكر مايكل أونداتجي الدفاتر المسطرة التي تنتجها شركة موجي. وفيها، وبخط اليد، يكمل المسودات الثلاث أوالأربع الأوليات، وفي بعض الأحيان يقوم ـ حرفيا ـ بالقص واللصق، حيث يستخدم المقص والمواد اللاصقة في نقل بعض الفقرات أو الفصول من مواضعها. حتى أنك تجد في بعض دفاتره صفحات مكونة من أربع طبقات.
تتوارد الكلمات في سلاسة على الكاتب، ويبقى القدر الأكبر من العمل متمثلا في ترتيب الجمل وإعادة كتابتها. “أنا شخصيا لا أفهم ما يسمونه بالنضوب”. هكذا يقول أونداتجي الذي يعمل حاليا على رواية جديدة. “فلو حدث ووقفت، أعمل على مشهد آخر”.
بدأ أونداتجي شاعرا، ويقول إن الحبكات تأتيه على هيأة “ومضة موقف صغير”. روايته الصادرة عام 1992 بعنوان “المريض الإنجليزي” بدأت من رؤية صورتين: إحداهما لمريض راقد في فراشه يكلم الممرضة، والثانية للص يسرق صورة له.
وأحيانا يمر بمرحلة “فوضوية”، فيحذف شخصيات أو يعيد ترتيب مشاهد. “بعض الكتاب يكونون على علم بما ستكون عليه آخر جملة قبل أن يشرعوا في الكتابة، أما أنا فلا أعرف أبدا كيف ستكون الجملة التالية”.

صبا حبوش 06-03-2017 01:25 AM

يكتب دان تشاون المسودة الأولى على بطاقة ملونة يشتريها من أوفيس ماكس. ويقول إن أفكار كتبه تأتيه على هيأة صور وعبارات، لا على هيأة حبكات أو شخصيات أو مشاهد. يبدأ بتدوين سريع لهذه الصور، دون أن تكون في ذهنه قصة تنتظم فيها. ويظل يقلب الصور في رأسه المرة بعد الأخرى إلى أن تظهر الشخصيات والثيمات.
بدأت أحدث رواياته ـ وعنوانها “في انتظار ردك” وتتناول ثلاث حكايات متداخلة عن انتحال الهوية ـ بصور مبعثرة لمنارة في برية، وسيارة منطلقة باتجاه القطب الشمالي تحت شمس ليلة، وصبي وأبوه في سيارة إلى مستشفى بينما يد الصبي مكسورة ومحاطة بالثلج. وصف دان تشاون كلا من هذه المشاهد في بطاقة منفصلة، ثم بدأ يكسوها بالحبكة، متنقلا بين البطاقات الملونة بالأزرق والوردي والأخضر وهو يتنقل بين القصص الثلاث.
خلال المراحل الأولى للكتابة، يملأ جيبه بالبطاقات أينما كان، وفيما تتراكم البطاقات يرتبها في كتالوج اشتراه من مزاد أقامته إحدى المكتبات. وينقضي في الغالب نحو سنتين قبل أن يتكون شيء شبيه برواية. وأخيرا يكتب البطاقات على الكمبيوتر ويظل يكتب باهتياج من الحادية عشرة مساء وحتى الرابعة صباحا.
“كنت أحسب أن معدلي ككاتب قصة قصيرة هو قصة مكتملة من كل عشرين قصة”، هكذا يقول دان تشاون، مضيفا أن معدله في الإنجاز تحسن مع اكتاسبه للخبرة. ويقول إن “لدي على الأقل روايتين أظنهما ميتتين، وقد تصبح ثلاثة لو توقفت الرواية التي أعمل عليها الآن قبل أن تكتمل”.

صبا حبوش 06-03-2017 02:01 AM

كانت كيت كريستنسن قد قضت سنتين وكتبت مائة وخمسين صفحة من روايتها “في العتمة” ـعن سكير يعمل كاتبا من الباطن ـ قبل أن تكتشف أن الرواية في حقيقتها كانت عن شيء مختلف تماما، فما كان منها إلا أن فككت المسودة الأولى، ورمت قدرا كبيرا من صفحاتها وبدأت من جديد. وتكرر الأمر نفسه في روايتها الثانية، والثالثة، والرابعة. أما روايتها في 2009 بعنوان “مشكلة” ـ وفيها قصة لامرأتين شبيهة بمغامرة فرار ثيلما ولويز إلى المكسيك ـ فتوقفت بعد بدايتها مباشرة. تقول كيت كريستنسن ـ التي تعمل في بيتها بـ تريبيكا ـ إن أغلب وقت الكتابة لديها هو وقت عدم الكتابة. في صباح معظم الأيام، تكون مشغولة في الأعمال المنزلية وكتابة الرسائل الإكترونية وإجراء المكالمات في محاولة لتجنب الكتابة. في الماضي كانت تلعب سوليتير ثلاثين مرة قبل أن تكتب الجملة الأولى.
في الشهر الماضي، بدأت تكتب رواية جديدة بعنوان “النجم” عن شاعر في السابعة والخمسين من عمره تطرده زوجته ويحاول استرداد ابنه من براثن جماعة تستولي على عقله. تقول كيت كريستنسن “إن الأمور في البداية ـ وأنا الآن في البداية ـ تكون مرعبة، حيث لا تكون للرواية حياتها الخاصة”. الرعب إذن هو ما تشعر به الحاصلة في العام الماضي على جائزة بن فوكنر.

صبا حبوش 06-03-2017 02:12 AM

ضع يدك اليسرى على المنضدة، وضع يدك اليمنى في الهواء. ولو بقيت طويلا على هذا الوضع، ستأتيك الحبكة. ذلك كان رد مارجريت آتوود حينما سئلت من أين تأتيها الأفكار. وحين سئلت عما إذا كانت لجأت شخصيا إلى هذا التكنيك قالت إنها “لم تضطر إلى هذا”.
نادرا ما تعاني آتوود من النضوب. لقد كتبت حتى الآن ثلاث عشرة رواية، بجانب الشعر والقصص القصيرة والأعمال غير القصصية. حين تخطر لها فكرة، تدونها بسرعة على دفتر، أو فوطة مائدة، أو قائمة طعام في مطعم، أو في هامش صفحة من جريدة. تبدأ بفكرة عامة جدا عن الكيفية التي ستسير عليها الرواية، و”عادة يتضح أنها فكرة خاطئة”. تراوح ما بين الكتابة بالقلم والكتابة بالكمبيوتر. وحينما يبدأ قوس سردي في التشكل، تطبع الفصول وترتبها كومات على الأرض، وتلعب في ترتيبها من خلال تحريك الكومات على الأرض.
حدث لها مرتين أن تخلت عن كتابين بعد كتابة أكثر من مائتي صفحة في كل منهما، مرة في أواخر الستينيات، وأخرى في مطلع الثمانينيات. لم تستطع أن تستخلص من أحد الكتابين غير جملة واحدة، ومن الآخر استطاعت أن تستخلص قصتين قصيرتين إحداهما بعنوان “سرعة الدوامة”.
على مدار عمرها الإبداعي البالغ أربعين عاما، انتقلت مارجريت آتوود من القص واللصق باستخدام المقص، إلى التعامل مع العصر الإلكتروني. بل إنها مؤخرا استخدمت المدونات والتويتر لترويج روايتها الأخيرة “سنة الفيضان”.

روان عبد الكريم 06-03-2017 02:17 AM

كيف تكتب الرواية؟؟
قرأت مرة ان الرواية تكتب نفسها .قد يكون على الأمر على هيئة عنوان .فقط عنوان ثم يأتى بناء النسيج وظهور الأبطال تلو الاخر وقبلهم طبعا بطلين لابد من ظهورهما قبل اى شئ
الرواى وقد يكون بضمير المتكلم او ضمائر متكلمين او السرد المباشر

البيئة وهى المعول الرئيسى للرواية وهى لن لم تظهر بوضوح تضعف الرواية لمجرد خكى وسرد بين متكلمين فالتفاعل مع البيئة المحيطة امر ضرورى وهام ومؤئر .حتى تغير الفصول لابد من ظهوره لأنه يؤثر على المشاعر الأنسانية ويطوعها

وهناك عنصر هام الا هو سحر الرواية.زعناصر الجذب فكم قرأت من روايات اضجرتنى وتوقفت عند المنتصف من الرغى والسرد الغير مطلوب وافتقار التشويق والمشاعر وانتظار القادم وللأسف منها روايات فائزة ببوكر العرب

وقد يتوفر لرواية ذاك السحر الذى يشد الانفاس ويخلب العقل كروايات واسينى الاعرج الان واسينى يفتقر الى الحكى نفسه ..تخرجين من الرواية مشبعة بأسلوبه الرائع فى الحكى لكن الحكاية نفسها ضائعة او غير مبتكرة

وهناك نقطة أخرى يعرفها الروائين الذين يتعايشون مع روايتهم لسنوات أنه فى خضم الكتابة تظهر لك شخصيات ليست فى حسابنك وتفاجئك وكأنها ولدت من قلب الأحداث

وشخصية الكاتب وفكره واتجاهاته وهويته يجب ان تظهر فى الرواية فمبدأ الحياد الذى ينتهجه النقاد العرب فى أن الكاتب لا يفرض وجهة نظره ولا مكونات ضميره تجاه القضايا الأنسانية والسياسية خاطئة

هوجو فى البؤساء لم يكن محايد..ديكنز فى قصة مدينيتن لم يكن محايد
وحتى محفوط فى ثلاثتيه الشهيرة لم يكن محايد
ولنا عودة مرة اخرى

صبا حبوش 06-03-2017 02:34 AM

شكراً لمداخلتك أستاذة روان ..
نتمنى المزيد منها ...

صبا حبوش 06-04-2017 11:17 PM

من أقرب المقالات لقلبي هذه السطور ،
حين سُئل الكاتب سعود السنعوسي " كيف أصبحت كاتباً؟"...
كانت هذه المقالة الجميلة ..




كلما اقتربت من الحديث عن تجربتي، بدايتها أو بدايتي، أنكمش.. أتضاءل.. حتى أكاد أختفي. تجربتي قصيرة جدا، وإن امتدت، بشكل أو بآخر، إلى ولادتي. أهرب دائما من الحديث عنها. ربما لأنني لا أملك ما يستحق الحديث حوله.. أو لأنني أخشى أن أفتح نافذة في عالمي الصغير، يخرج من خلالها الهواء القديم.. تختنق الذكريات، وتموت! أقول ربما.
ماذا عساي أن أقول؟ نشأتي؟ حياتي الخالية إلا من عائلتي؟ أم كيف أصبحت كاتبا؟ حسنا.. من سؤالي الأخير أبدأ. أصبحت كاتبا بعدما فتحت، في مراحل مختلفة من عمري، بوابات ثلاث.. بوابة الخيال.. بوابة القراءة.. بوابة الكتابة.


بوابة الخيال:
وُلدتُ في “البيت العود” بيت العائلة. بيت كبير عموده جدَّة. عمود يستند إليه الكثير من الأبناء، والكثير الكثير من الأحفاد، والكثير الكثير، الكثير من القصص والحكايات. علاقتي بجدّتي وراء كسر حواجز الواقع في مخيلتي والانطلاق إلى عوالم الخيال اللا محدودة. في حضرة جدّتي أكون.. كما أنا دائما، صغيرا.. صباحا، في الوقت الذي ينصرف فيه أفراد العائلة إلى أعمالهم.
في حضرتها تتكلم الحيوانات.. تمشي الأشجار.. تستحيل النساء إلى زواحف أو طيور الزرزور. في حضرتها وحسب كان العالم الذي أحب. استمعتُ إلى حكايات الجنيات. حملتني على بساط ريح. سقتني الماء من “البُرمَهْ”. غسلتني بماء “الحِبْ”، وأطعمتني عشبة الخلود.
في حديقة البيتِ الصغيرة، في أرجوحتي أجلس، تدفعني من الخلف، أطالبها أن تزيد قوة الدفع. تضحك.. تزيد.. تردد: “هذي زيادة”.. أجيب: “كذاب”..
– عبدالسادة..
– كذاب!
– طَلَّق مرته..
– كذاب!
– عاف عياله..
– كذاب!
نفرغ من ترديد الأغنية الشعبية. ألتفتُ إليها: جدَّتي! ما حكاية عبدالسادة؟ تخبرني بظروفه مع زوجته وأولاده. ومنذ ذلك الوقت وأنا أتوق لأن تكون لي قصتي الخاصة يرددها الناس كما يرددون قصة.. عبدالسادة!


بوابة القراءة:
لم يتوقف الأمر على هذا النحو في البدء. ففي البدء كان الكتاب، أوراق تضمها جلدة سميكة، لا أعرف القراءة بعد، قبل دخولي إلى المدرسة. أعجبت بالكتاب شكلا. شكلا وحسب، ففي الكتاب كان كل شيء، الأفكار والحلول والخيال وعوالم لا تنتهي.
لماذا تفتقت تلك الصورة في ذهني حول الكتاب وعالمه السحري وأنا لم أتعلم القراءة بعد؟ قد يبدو الأمر طريفا إن قلت، بكل جدية، إن مرد الأمر إلى بابا سنفور وسنو وايت وطائر البوم الحكيم. في أفلام الكارتون التي كنت أشاهدها صغيرا. كان بابا سنفور يحل مشكلات مملكة السنافر بالعودة إلى مكتبته. الساحرة في سنو وايت تدبر مكائدها بالرجوع إلى كتابها السحري تقرأ الطلاسم والتعويذات. وطائر البوم الحكيم لا يسدي نصيحة قبل أن يتصفح كتابا قديما يحمله تحت أحد جناحيه.
أصبحت أجمع الكتب صغيرا في “البيت العود” حيث أمضيت جل سنوات عمري. كتب المناهج المدرسية التي تحتفظ فيها أمي المعلمة. كتب أعمامي وعماتي المدرسية. نسخ من القرآن الكريم. المجلات. دليل الهاتف ودليل التلفزيون الأسبوعي وما إلى ذلك من مطبوعات ورقية. هيأتُ لي مكتبة صغيرة في صالون البيت تتكون من رفين أو ثلاثة، وأصبحت أقضي وقتا بين كتبي المكدسة/المقدسة، أبتدع المشاكل في مخيلتي الصغيرة وأبحث لها في كتبي عن حلول. أمرر أصبعي الصغيرة على السطور وأنا لا أفقه الكلمات، ولكنني أقرأ ما تمليه عليّ المخيلة.
كنتُ أتحرَّق شوقا لدخول المدرسة. ليصبح لي كتابي الخاص، مثل كتب أبناء عمومتي الذين يكبرونني. أنظر في أول صفحاته إلى جملة أسمعها ولا أتمكن من قراءتها: “مع حمد قلم”. كنت أمسك بكتبهم. أنظر إلى صورة حمدٍ وقلمه، أصبو إلى يوم أقرأه فيه. دخلت المدرسة. الصف الأول ابتدائي. أمسكت بكتاب اللغة العربية أبحث عن حمد، ولكن لا حمد ولا قلم، أصابتني وزارة التربية بخيبة تغيير المنهج، لتلقنني أول جملة لا تمتُّ للقلم بصلة: “أنا آكلُ وأشربُ لأعيش وأكبر”!
أكلتُ كثيرا.. عِشتُ طويلا.. كبرتُ. تعلمت القراءة. أدمنت قصص الأطفال من سلسلة “المكتبة الخضراء” الصادرة عن دار المعارف وسلسلة “ليدي بيرد” ذات العلامة الشهيرة بالدعسوقة المرقطة. تفتق ذهني على عوالم أتمنى استعادتها اليوم، عوالم لا تحدها حدود، سبرت أغوارها في كتب الأطفال وقصص جدتي وحكاياتها. امتلأتُ قراءة مثل شهيق طويل لا بد وأن يتبعه زفير، وكانت الكتابة زفيري. في سن صغيرة بدأت في الكتابة لي.. لأمي وأبي.. أسرتي ووطني. كتابات بسيطة؛ بل وربما ساذجة ولكنها حتما كانت.. صادقة.


بوابة الكتابة:
بدأت في الكتابة، حين وجدت أن لدي شيئا أقوله. ومع تقدّمي في العمر، خرجت من محيطي وذاتيتي في الكتابة حين تنبهت لوجود الآخر، فالحياة ليست أنا وبيت العائلة. الحياة هو.. هي.. أنتم وهُمْ.
لم أنتبه إلى وجود الآخر إلا بعدما وجدتني وحيدا متورطا بأسئلة لست أملك لها إجابات. اكتشفت أن الكتب لا تجيب على الأسئلة، ولا تقدم لنا الحلول كما أوهمني بابا سنفور وساحرة سنو وايت وطائر البوم الحكيم. إنما الكتب تثير المزيد من الأسئلة، وتحفِّز العقل حد الإرهاق للبحث عن تفسير أو يقين.
بدأت في الكتابة إلى الآخر حين عجزت عن إيجاد تفسير لـ.. لأشياء كثيرة، لربما وجدت لديه الحلول، أو.. لألقي عليه شيئا من حملي الثقيل وحسب، أو لأن لديّ ما أقوله له. تطوّر دافع الكتابة لدي، أو تغير، من الكتابة لأن لدي ما أقوله، أو للبحث عن إجابات أرهقني التفكير فيها دون جدوى، إلى الكتابة لأن هناك من يريد أن يقول، ولكنه لا يملك ما أملك من وسيلة تعبيرية، لذا ارتديته.. تقمصته.. أصبحت أنادي بصوته بعدما آمنت بعدالة قضيته.
في الكتابة، كنت أواجهني بي، بشتاتي وتناقضاتي، أتعرَّف إليَّ أكثر، أصفعني، أُفهمني وأَفهمني، أرى بوضوح، ثم يتغيَّر شيءٌ ما لا أعرفه، ولكنني أتخفف من شيءٍ.. شيء لست أدريه. لذا أصبحت أتوق لأن أكرر تجربتي، ولكن، على المتلقي، يقرأ نفسه في أوراقي، أواجهه بتناقضاته، أعرِّفه إليه إكثر، لربما أساعده على رؤية الأشياء بوضوح، ولربما استطعنا، أنا وهو، أن نغيّر بعد أن نتغيَّر.
بحثا عن الحرية
كنت أحدثكم عن الكيفية التي أحالتني كاتبا عبر المرور بالبوابات الثلاث. كيف أصبحت كاتبا. بقي السؤال الأهم، وهو لماذا أصبحت كاتبا؟
أنا أكتب بحثا عن الحرية، والحرية بمفهومي هي أن أكون أنا، وأنا.. بقدر ما أستطيع.. أحاول أن أكون. هي ليست أحجية، وإن بدت بهذه الصورة. حياتنا مجموعة لا نهائية من القيود. قيود الأعراف والقوانين والمجاملات والتخفي وراء أقنعة فرضها الواقع علينا وقبلناها حتى كدنا ننسى ملامحنا. إذن.. أنا أكتب بحثا عن حريتي. بحثا عني، لعلني أجدني ذات يوم وإن كان ذلك، مبدئيا، على الورق. ولأنني لست بمعزل عن الآخر، فحريته جزء أصيل من حريتي، أبحث عنها، من أجله ومن أجلي.
وهنا يأخذني الحديث إلى تجربتي الروائية “ساق البامبو”، حكاية المنبوذ هوزيه أو عيسى، تحررت خلالها من أشياء كثيرة، حين أصبحت هوزيه ميندوزا.. عيسى الطاروف.. أو السنعوسي بصورة أخرى.. أتلقى ردود الأفعال قبولا وتأييدا واستحسانا، أو رفضا قاطعا. أستمع إلى البعض يتساءل: حكاية من هذه؟ حكاية هوزيه أم سعود.. هل قام بتأليفها حقا أم اكتفى بترجمتها.. وأنا أمارس صمتي في.. صمت.
أتابع فضولهم في اكتشاف سرّي والبحث عن حقيقةٍ في صفحات الرواية، وإذ بهم لا يخرجون منها سوى بحقائق مؤلمة، تواجههم بهم، وهذا ما أريد. أقرأ اليوم.. أشاهد وأسمع الحديث عن “ساق البامبو” سلبا أو إيجابا، حبّا أو كراهية، تشجيعا أو…
لا ألتفت كثيرا لكل ما يقال. لا أفكر في شيء سوى أن البعض يتداول ويسأل عن حكاية هوزيه ميندوزا، أو عيسى راشد الطاروف أو حكايتي.. كما كنت صغيرا أردد وأسأل جدّتي عن حكاية:
“عبدالسادة.. طَلَّق مرته.. وعاف عياله”
دار الآثار الإسلامية – الكويت
كانون الأول (ديسمبر) – 2013

صبا حبوش 06-05-2017 12:00 AM

وعن روايته " ساق البامبو " كان حوار آخر ...أقتطف منه هذه السطور :


* كيف خطرت في بالك الرواية؟
- يمكنني أن أقول إن جذور الرواية واقعية إذ كان معنا أثناء الدراسة في الفصل شاب من والدة آسيوية يعاني من العزلة رغم أنه كويتي مثلنا إذ كان هناك حاجز بينه وبين الآخرين بسبب شكله الآسيوي الفلبيني على وجه التحديد. كنا ننظر إليه باستغراب، ولا نسعى إلى الاندماج معه. قبل أن أفكر في الهوية، وهي الفكرة التي اشتغل عليها، كان بودي أن أرى الآخر وأتعرف عليه أكثر من زملائي الآخرين، إلى أن وصلت إلى أن الشخصية التي أنا بصددها نصفها فلبيني ونصفها الآخر كويتي. لم تكن لدي فكرة سلبية أثناء التحضير لفكرة الرواية ولم أطرح السؤال: هل أنا قادر على الكتابة عن الهوية؟ لذلك وضعت نفسي مكان الآخر. وبدأت الأسئلة السريعة تداهم ذهني: كيف يمكن تقمّص هذه الشخصية، وأرى بعيونها بعد أن رجعت من زيارة لي إلى الفلبين. وبدأت أرصد ما يدور في الشارع بعين الآخر. وأطرح الأسئلة: لماذا هذا السلوك السلبي؟ لماذا هذه النظرة إلى الآخر؟ إنها حالة من التقمّص التي لا بد منها للكتابة عن صورتنا في الآخر.


* كيف بدأت عملية التقمّص التي سبقت عملية الكتابة؟
- وصلت درجة التقمّص إلى أنني جعلت بيت البطل هوزيه أو خوسيه أو عيسى بيتي، وبدأت بتأثيث البيت روائيا كما نقول، وهو يسكن في المنطقة نفسها، والمعهد الديني يبعد عن بيتي أقل من 100 متر. غرفتي أصبحت غرفة هوزيه. الجدة تنزل من السلم. الرواية تلبستني. كل ذلك قبل الكتاب، ومن حينها لم أتوقف عن الكتابة إلى أن أنجزتها. كنت أتصور المعايشة هي التي تدفع للكتابة كأنني أكتب سيرتي الذاتية، بحيث أصبحت قصة هوزيه ميندوزا تعشعش في ذهني إلى أن أصبح كائنا حيا من لحم ودم.


* إلى أي حد نجحت في تقمّص الشخصية؟
- لقد تقمصت شخصية البطل بكل أبعادها وبكل ما لدى الآخر من خزين ثقافي وإنساني وعاطفي، فتابعت الأغاني والصحف والتلفزيونات الفلبينية وترجمت إلى العربية بعضا من إبداع هذا البلد عن الإنجليزية، وقد عشت هذه الحالة على مدى أعوام حتى إنني كنت أنظر إلي بعيني تلك الشخصية، ولذلك تقصّدت أن أوجع القارئ، لكني لم أجد حلا لهذا الذي يوجع، ولم أجد إجابة تفي عن سؤال «من نحن؟ ومن الآخر؟».


* هل شغلتك مشكلة الهوية في كتابة روايتك؟
- بالتأكيد. حاولت التركيز على فكرة الصراع داخل الشخصية وصراعها مع البيئة المحيطة في آن واحد. لذلك عثرت على بطلي الذي نصفه فلبيني ونصفه الآخر كويتي، وهو عنصر مرفوض من المجتمع الكويتي. لكن صراعه يبعث على التأمل. والبطل يظل طوال الرواية يبحث عن هويته الضائعة لأنه ينتمي إلى ثقافتين مختلفتين، هو نتاج لهما. إنها معضلة الزواج من خادمة آسيوية. وأسئلة الهوية تتشظى في الثقافتين. ولطالما شغلتني هذه الصورة السلبية في مجتمعنا شئنا أم أبينا. أتيحت الفرصة أن أعمل مع جاليات عربية وغير عربية. وحاولت على الدوام اكتشاف الأمور بنفسي من خلال أسفاري. وجود الآخر أمر ضروري بنا لنكتشف ذواتنا. كنت أرفض هذه الصورة منذ أن تشكل وعيي. على الصعيد الشخصي تغيرت أحوالي، وحاولت أن أصلح هذه الصورة السلبية عن الآخر لأنني أشعر بالألم والذنب بسبب هذه الصورة. أنا لست مجتمعي أنا مجرد فرد. لا أبحث عن العلاج. ليس دوري ككاتب أن أعثر على العلاج، ولو عرفته لكتبته في مقالة. على القارئ أن يبحث عن العلاج. توجد لدينا ازدواجية النظر إلى الآخر.. إما بدونية أو بفوقية.


* هل تعتقد أن بطلك نفسه وجد العلاج؟
- تعيش الرواية في جغرافيتين مختلفتين في الكويت والفلبين. لقد عاد البطل إلى بلاده كما تعلم، إذ إن أمه صورت له بلد والده جنة على الأرض، وهو كساق البامبو حتى لو نقطعها من أي جزء من الساق، ونضعها في أرض أخرى، تنبت لها الجذور. هذا ما أراد هوزيه أن يعمله لكنه لم يفلح.



* لاحظنا أنك لم تتعمق إلا بشخصية البطل وأهملت الشخصيات الأخرى؟
- كل الشخصيات مرتبطة بالبطل، ليس عائلته فحسب بل حتى الشخصيات الفلبينية. كان بودي أن أتعمق بالشخصيات. لا أطلق الأحكام على شخصياتي. وهي ليست طيبة أو شريرة، سوداء أو بيضاء. هوزيه، البطل هو الضحية، والآخرون أيضا، حتى المحيطون به، الشخصية التي تعمل في حقوق الإنسان أو الشخصية التنويرية أو الأخرى المتأثرة بالدين. إنه يكتشف زيف ممارسة المجتمع ويتساءل أين أقوال مثل «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى»؟ إنه يعيش في قاع المجتمع مع الخادمات. الجدة تتخيل ابنها وهي تسمع صوت الحفيد هوزيه. ولكنها لا تعتني به كما يجب، العائلة بأكملها ضحية.


* هل كانت لديك مراجع أخرى في كتابة الرواية إضافة إلى السفر والمعايشة؟
- أنا لست من النوع الذي يقرأ لكي يكتب رواية. لذلك أركز على المعايشة بالدرجة الأولى، حتى عندما تتبعت البطل في الفلبين لم أقصد السكن في الفندق بل ذهبت إلى بيت صغير مصنوع من سيقان البامبو، وبدأت أرصد حياة البطل بتسجيل ملاحظاتي. حين عدت إلى الكويت، لم أستفد من تلك الملاحظات، لكنها بدأت تظهر أثناء الكتابة، ربما خرجت من العقل الباطن. وكذلك بالنسبة لمواقف كثيرة ظهرت في الرواية، من رائحة الأطعمة إلى سلوك الشخصيات.


*عملك كلاسيكي من حيث السرد ولكنك ضمنته فكرة أن الرواية مترجمة؟
- استخدمت تقنية الترجمة لكي أوحي بأنها سيرة ذاتية مكتوبة بقلم فلبيني. بطريقة ما وضعت رواية داخل رواية، إنها مجرد لعبة روائية لإثارة القراء ليس إلا.


* كم استغرقت في كتابة هذه الرواية؟
- استغرقت سنة كاملة في كتابتها وهي فترة قصيرة لمثل هذا العمل، خاصة أن لي عملا آخر غير كتابة الرواية. لكنني أفضل البقاء في البيت بعد انتهاء عملي في شركة للتغذية.


* تبتعد روايتك عن اللغة الشعرية وتقترب من «الحكي» المر الذي يميز أغلب النتاج الروائي العربي؟
- كانت تشغلني أحيانا اللغة فأضبط نفسي وقد تورّطت في مجازات وتشبيهات شعرية لكنني كنت أعاود النظر فيها لأنني إميل إلى البساطة.

صبا حبوش 06-07-2017 12:58 AM

حين يكون في منتصف رواية، يقوم كولم مكان أحيانا بطبع فصل أو اثنين بخط كبير الحجم، ويقوم بتدبيسه على هيأة كتاب، ويمضي به إلى حديقة سنترال بارك، وهناك يبحث لنفسه عن أريكة هادئة ويقرأ كأنما الكتاب لشخص غيره.
في أحيان أخرى، وحينما يقوم بمراجعة حوار أو النظر في صوت إحدى الشخصيات، يعمد إلى تصغير حجم الخط المستخدم، “وذلك يرغمني على تأمل كل كلمة لأفهم سر وجودها”. ويقول كولم مكان ـ في رسالة إلكترونية ـ إن تغيير الشكل الفيزيائي للكلمة بعطيه مسافة نقدية.
في أثناء قيامه بالبحث قبل كتابته روايته “فليدر العالم العظيم حول نفسه” ـ والتي نافست على الفوز بالجائزة الوطنية للرواية ـ كان عليه أن يقابل قتلة وضباطا وينصت إلى عاهرات وحملة تاريخ شفوي عساه يقبض على روح نيويورك السبعينيات التي تتناولها روايته.
غالبا ما تأتي أصعب لحظة في نهاية المشروع، حين يكون قد استنفد نفسه عاطفيا، وبات يخشى أنه لن يكتب رواية أخرى. وفي تلك اللحظات يذكر نفسه بنصيحة صمويل بيكيت “ليس مهما. جرب ثانية. افشل ثانية. افشل ثانية”.

صبا حبوش 06-07-2017 01:01 AM

حين كانت تعمل على روايها الأولى “حوار مع مصاص الدماء”، في مطلع السبعينيات، كانت آن رايس تنقح كل فقرة تكتبها على آلتها الكاتبة قبل أن تنتقل إلى التالية لها. أما في هذه الأيام، وقد انتقلت إلى العمل على الكمبيوتر، فقد أصبحت المراجعة فورية وأكثر سلاسة.
تكتب فصلا كل يوم، لتكون على ثقة من وحدة النبرة والأسلوب، وهي في الغالب تعمل لثماني أو تسع ساعات متواصلة حين تكون مشغولة بكتابة رواية. وهي تقضي في بعض الأحيان من عام إلى اثنين في البحث قبل أن تبدأ في كتابة المسودة الأولى.
تكتب بحجم خط 14، وتجعل المسافات بين السطور مضاعفة، وتستخدم ماكنتوش حجم شاشته ثلاثون بوصة، بحيث يكون مجالها البصري كله ممتلئا بالكلمات. تقول رايس المشغولة حاليا في كتابة الرواية الثالثة من ثلاثيتها عن الملائكة: “كلما كبر حجم الشاشة كلما ازداد التركيز”.
تقوم باستمرار بتحرير ما تكتبه، مرجئة بعض التغييرات الطفيفة للمرحلة النهائية. “وحتى حينما تنتهي من ذلك كله، تجد من يأتي بعدك، ليجد خطأ مطبعيا فيتهمك بالسذاجة”.

صبا حبوش 06-07-2017 01:11 AM

قواعد جوناثان فرانزين العشر للكتابة:
1. القارئ صديق، ليس عدوًا ولا متفرجًا.
2. الخيال إن لم يكن رحلة الكاتب الشخصية الى الرعب أو المجهول، فلا يستحق الكتابة إلا من أجل المال.
3. لا تستخدم أبداً كلمة “ثم” لربط الجمل ببعضها ــ لدينا “و” لهذا الغرض. استبدالها بــ “ثم” كسل أو لهجة صماء لكاتب ليس لديه حل لمشكلة الكثير من الــ “و” على الصفحة.
4. اكتب من منظور الشخص الثالث ما لم يكن صوت الشخص الأول المميز الحقيقي يفرض نفسه بشكل لا يمكن مقاومته.
5. عندما تصبح المعلومات مجانية ومتاحة للجميع، تقل بنفس القدر قيمة البحث الطويل للرواية.
6. أغلب أدب السيرة الذاتية يحتاج ببساطة إلى افتراء محض. لا أحد يكتب قصة سيرة ذاتية أكثر من “التحول”.
7. ترى عند الجلوس والهدوء أكثر مما ترى عند المطاردة.
8. أشك بأن أي شخص لديه اتصال بالإنترنت في مكان عمله يكتب بشكل جيد.
9. الأفعال المشوقة نادراً ما تكون مشوقة جداً.
10. عليك أن تحب قبل أن تكون قاسياً.

صبا حبوش 06-07-2017 01:23 AM

عشرون نصيحة في الكتابة من تيري ماكميلان:

تيري ماكميلان (18 اكتوبر 1951) كاتبة أمريكية ــ أفريقية، أصبح أسمها معروفاً من خلال “Waiting to Exhale “، ” How Stella Got Her Groove Back”، و” Disappearing Acts” تحولت جميع كتبها الى أفلام. آخر كتاب صدر لها هو رواية “Who asked You?”




1) اكتب كما لو أن لا أحد سيقرأ لك على الأطلاق.
2) حاول ألا تقرأ، تنقح أو تعيد كتابة ما كتبته حتى تمنح كتابتك فرصة أن تنضج.
3) لا تصدق أفراد عائلتك، أصدقاءك أو محبيك عندما يقولون لك: “هذا رائع!”، ماذا سيقولون غير ذلك؟
4) لا تحاول أن تفكر بفكرة من أجل قصة جيدة. في الحقيقة، أترك عقلك يخرج منها.
5) اكتب عما يخيفك. عما تجده محيّراً. مثيرًا للقلق. أكتب عما يحطم قلبك، وما ترغب في تغييره.
6) اكتب كما لو أنك تحكي قصة لصديق قديم لم تره منذ سنوات. هذه هي الطريقة الوحيدة لتكتشف أسلوبك.
7) اقرأ للكتّاب الذين تحترمهم وتحبهم. لكن لا تحاول تقليدهم.
8) أنت تريد للقارئ أن يرى ما على الورقة، ولا يقرأ الكلمات، لذا ارسم صور مؤثرة.
9) لا تقارن كتاباتك بكتّاب معروفين. هم كانوا في مكانك يوماً.
10) تذكر أن القصة تدور حول شخص ما يريد شيء ما، وشخص آخر يمنعه من الحصول عليه. أياً كان هذا الشيء.
11) كلنا لدينا عيوب. مرر بعض عيوبك الى شخصياتك!
12) تريد من القارئ أن يهتم بشخصياتك، يقلق بشأنهم، ويأمل أن يخرجوا من الفوضى التي وضعتهم بها أنت.
13) تحتاج الى صراع في قصتك. حتى الحكايات الخرافية والرسوم المتحركة تحتاج الى ذلك.
14) حتى لو رُفض عملك السابق، لا تقسُ على نفسك. فهذا لا يعني أن عملك غير جيد. لكن ربما غير مهيأ بعد.
15) إذا شعرت بنفس الشعور الذي شعرت به عندما بدأت الكتابة وبعد انتهائك منها، فهذا يعني بأنك قد ضيعت وقتك.
16) الرواية هي أسلوب لصنع كذبة قابلة للتصديق.
17) اكتب نوع القصص التي تحب قراءتها.
18) اقرأ كل ما تكتب بصوت عال. الحيوانات الأليفة مستمعون عظماء. ولا يصدرون أحكاماً.
19) لا تنسى أن القصة يجب أن تؤكد الحياة. هناك ما يكفي من السلبية في العالم كما هو.
20) اروِ القصة من وجهة نظر شخصياتك بدلاً من وجهة نظرك أنت.

صبا حبوش 06-12-2017 03:14 AM

بعض النصائح التي ستساعدك علي إدماج الكتابة في يومك:
(ترجمه للعربية محمد أبو الفتوح):


*ضع الكتابة في جدولك :
مع أنني أعلم جيدا أنه ينبغي عليّ أن أكتب يوميا، لكنني لازلت أضع الكتابة في الجدول اليومي. في الحقيقة لا أعرف ما السبب الذي يجعل من الأمور المكتوبة أمورا أكثر قابلية للتحقق، لكن هذا هو الواقع فعلا.



*قدِّس وقت الكتابة :
كان لدى معلما في المدرسة يقول دائما أن وقت الكتابة أشبه بشعيرة دينية يومية، وعندما تحيله إلي ذلك، ستفعله يوميا بنفس الإخلاص، وستدخل نفسك في الجو العام بسهولة. كمثال علي ذلك: شغِّل موسيقاك المفضلة .. حضر فنجان قهوتك أو شايك، أشعل شمعة، ثم اجلس إلى مكتبك وابدأ في الكتابة، ثم عندما تنتهي.. انفخ في لهب الشمعة لتطفئها.




*حدد هدفك من الكتابة مسبَّقا:
إذا جلست أمام الكمبيوتر قبل أن تحدد عن ماذا سوف تكتب، ربما أضاع هذا الكثير من وقتك، ولذلك في نهاية كل جلسة كتابة .. وبل أن ينقطع تيار الإبداع، خذ دقيقة لتحدد موضوع كتابتك القادمة، و من ثَمَّ حينما تفتح هذه المسودة ستعرف بالضبط عن ماذا ستكون كتابتك ، دون أدنى إضاعة للوقت.
ما يفعله الكُتَّاب أنهم يكتبون، حتى و إن كان توفير الوقت لذلك صعبا جدا، و النجاح – كأن ترى كتابك مكتملا – يحتاج إلى أن تفعل كل ما بمستطاعك لتستمر في الكتابة، و كلما كتبت أكثر .. كلما ازداد الأمر سهولة.

صبا حبوش 06-12-2017 03:21 AM

قواعد راي برادبيري السبعة للكتّاب:



هنا سبع نصائح أعتقد بأنها ستساعد:
1) اكتب باستمتاع
إذا كان هناك ما يميّز برادبيري عن الكتّاب الآخرين، فهو المتعة. وتتواجد هذه الميزة بوفرة لدى برادبيري.
على الكاتب أن يكون مؤلفاً مُدهِشاً. حبكته قد تكون معقدة، معتمدة على مبدأ المؤامرة. لكن إذا افتقرت الكتابة إلى المتعة، ستكون غير حيّة تماماً، ووفقاً لمبدأ برادبيري: ” إذا كنت تكتب بلا لذّة، بلا استمتاع، بلا حب، بلا مرح، فأنت نصف كاتب فقط. وهذا يعني أنك مشغول جدا في متابعة أسواق المال، أو الاستماع إلى ما تقوله الزمرة الطليعية، حيث أنك لا تكون نفسك. أنت لا تعرف نفسك حتى. يجب على الكاتب أولاً، أن يكون متحمّساً “




2) في العجلة الحقيقة
يؤمن برادبيري بأن الأمر إذا تعلّق بالمسوّدة الأولى، فلا تفكّر، اكتب وحسب. اكتشف برادبيري أهمية الابتعاد عن الناقد الداخليّ أثناء الشروع في بداية عمل إبداعي – قبل أن يثبت علم الأعصاب الإدراكي ذلك بوقت طويل.
” كلّما أفضيت أسرع، كتبتَ أسرع، صرتَ أصدق. في التردد التفكير، في التأخير تجتهد في الأسلوب، في حين أن القفز إلى الحقيقة هو الأسلوب الوحيد الذي يجب علينا اقتناصه. “
اسمح للسرعة بأن تكون صديقتك، اكتب بنشاط. بسرعة. حتى إذا كانت النتيجة سيئة، لا تقلق. بإمكانك دائماً أن تستدعي الناقد الداخلي أثناء التنقيح.






3) اكتب من أنت
من أشهر النصائح للكتّاب (وربما أكثرها ابتذالاً): “اكتب ما تعرفه”، لكن إذا اتبّع جميع الكتاب هذه النصيحة، فسيتم تقييدهم في عالم الخبرة اليومية (وليس في عالمٍ يضاهي الخيال العلمي). بالنسبة لبرادبيري، يجب على الكاتب ألا يستمدّ الإلهام من العالم الذي يعيش فيه بل من العوالم التي يستطيع تخيّلها، وكأنها من تجاربه الشخصية ومغامراته.
” لا تسمح – حبا بتلك المطبوعات الفكرية المتباهية – أن تبتعد عن نفسك. عن المادة التي تكوّن فرادتك، وتجعلك لا تعوّض بالنسبة للآخرين”.
كتاب مثل (الأوصاف المريخية)، هو بلا شك مدين بشيء ما للعالم الذي نشأ فيه برادبيري، ولكنّه يدين بأكثر من ذلك لتفرّد الخبرة لدى برادبيري، لخياله، وللشغف الدائم. بصيغة أخرى: من تكون هو ما تعرف. لذا لا تخشى كتابة ذلك.






4) لا تكتب من أجل المال أو الشهرة
المال والشهرة ليست أشياء سيئة بحد ذاتها، ولكن بالنسبة لبرادبيري يجب ألا تكون هذه الأشياء هي الدافع الرئيسي للكتابة. في الواقع، لقد قام بالتحذير من مطاردة هذه الإغراءات التي تسببّت في تدمير العديد من الكتّاب الموهوبين.
” فقط لو أننا نتذكّر بأن الشهرة والمال هي هدايا تعطى لنا عندما نهدي العالم أفضل ما نملك، حقائقنا الوحيدة، المتفردة. ” المكافآت الإضافية جميلة، لكنها يجب أن تبقى في مرتبة ثانية بعد المكافآت المنبثقة من روح العمل الإبداعي.






5) أطعم ربة الإلهام يوميا:
يرى البعض أن ربة الإلهام The Muse خرافة عتيقة لشحذ الإلهام الفني، لكن برادبيري تعاطى مع هذا الأمر بجدية بعض الشيء. فبالنسبة له، ربة الإلهام لا تقدّم خدماتها مجاناً، في المقابل، يجب أن تتم مكافأتها يومياً، بجهد متواصل. يجب أن تكتب يومياً، أن تقرأ يومياُ، فتدريب عضلات الإبداع يشابه كثيراُ الطريقة التي يمرّن بها الرياضيون عضلاتهم الجسدية.
” بالحياة الجيدة، بملاحظة الأشياء في حياتك، بالقراءة وملاحظة ما تقرأ، تكون قد غذّيت ذاتك المبدعة. بالتمرّن على الكتابة، بتكرار التمارين، بالمحاكاة والقدوة الحسنة، تكون قد وفّرت بيئة مضيئة ونظيفة لربة الإلهام، مساحة يمكنها الرقص فيها. ومع استمرار التدريب، ستكون أقل توترا بحيث تكف عن التحديق بفظاظة كلما حضر الإلهام إلى الغربة.”
ربة الإلهام المُشبَعَة هي ربة سعيدة. ربة الإلهام التي تتضوّر جوعاً ستفسد الأمر، وغالباً ما ستكون متعبة جداً عندما تكون بحاجة لمساعدتها.






6) لا تخف من اكتشاف الغرفة العلوية
برادبيري – الذي افتتن طوال حياته باللاشعور – يؤمن بأن لكل منا “غرفة مظلمة ” في عقله. ممتلئة بالأسرار والمخاوف التي نخشى مواجهتها. لكن بالنسبة لبرادبيري، في هذا المكان تحديداً يستطيع الكاتب أن يجد أفضل أفكاره.
مخاوفنا تحمل مفاتيح إبداعنا، وعند مواجهة هذا ” الشيء الذي في أعلى السلالم”، نستطيع حينها فقط، أن نأمل بابتكار شيء جديد وموثوق به. يقترح برادبيري لائحة من الأفعال التي تسهّل هذه العملية، وتُدرج ضمن أسلوب تيار الوعي.
“استحضر الأسماء، أيقظ الذات السريّة، تذوّق الظلام. ذلك الشيء الذي يخصك يقف منتظرا، هناك في الأعلى، في ظلال الغرفة العلوية. إن تحدّثت بلطف، وكتبت الكلمة القديمة التي تريد أن تثب من أعصابك إلى الورق.. فإن شيئك الخاص، الذي يقف عند نهاية السلالم، في ليلتك الخاصة، يمكن أن ينزل أيضا..”






7) فاجئ نفسك:
العديد من الكتب المتخصصة في الكتابة تنصحك بأن تخطط مسبقاً لكل تفاصيل روايتك. لكن برادبيري يؤمن بأنه من الأفضل أن تكتشف قصتك أثناء كتابتها وتفاجئ نفسك. ” نبيذ الهندباء مثل معظم كتبي، كان مفاجأة. ببساطة، أنهض كل صباح، أخطو لطاولتي، وأكتب أي كلمة أو مجموعة كلمات كانت تجول في رأسي. “
مرة أخرى، يضيف برادبيري المزيد من الإيمان باللاشعور على حساب التخطيط الأولّي. وهذا لا يعني أنه لا يؤمن بالحبكة، لكن بالنسبة له، الحبكة شيء ثانوي، وتحدده شخصية الرواية.
“الحبكة ليست سوى آثار أقدام تُركت على الثلج الذي ركضت عليه شخصياتك الهاربة في طريقها إلى مصائرها الخارقة.” الحبكة تأتي بعد الحقيقة، لا قبلها.
باختصار: إذا كنت تودّ مفاجأة القراء، على الأرجح عليك أن تفاجئ نفسك أولاً. اتبع آثار الأقدام فقط، وترقّب إلى أين سوف تأخذك.







• قاعدة إضافية:
قم بالعمل الذي وُلِدتَ للقيام به، وليس عمل شخص آخر.
في خاتمة “تأمل في فن الكتابة” ضمّنَ برادبيري مجموعة من القصائد عُنونت إحداهن بـ” ما أفعله هو أنا، لهذا أتيت.” كتب فيها:

لا تكن الآخر. كن النفس التي وضعتها في دمك
لقد أعطيتك أكثر هدايا القدر سريّة: جِد قَدَراً ليس لآخر،
لأنك إن فعلت، ما من قبر عميق كفاية ليأسك
وما من بلد بعيد كفاية ليخفي خسارتك.

رجل الأفكار الروحية العميقة، برادبيري، يؤمن بأن كل واحد منّا قد بُعِثَ إلى هنا بوصيّة إبداعية محدّدة، ومهمتنا الأولى – إن كنا مستعدين لها – هي معرفة هذه الوصيّة الإبداعية، من ثم تنفيذها. أن تنفذ وصيَة شخص آخر – أن تعيش مصير شخص آخر – ليس خطأ وحسب: بل بالنسبة لبرادبيري، إنه حاجز للروح والإبداع. بالمقابل، كن مَن أنت. شارك عطاياك الفريدة مع العالم، وتأكد بأنك إن رحلت، لن يكون هنالك شخص يشبهك أبداً.
قضى برادبيري أكثر من 50 عاماً يؤمن بهذه المعتقدات. لم يكن بخيلاً مع مواهبه. لم يسمح للأنواع والألقاب والاتجاهات الأدبية بأن تحدّ من إبداعه. قام بأداء الأعمال التي أرسل للقيام بها، نفّذَ وصيّته الإبداعية.
وكما يعرف جمهوره جيداً، لن يكون هنالك شخص آخر مثله.

صبا حبوش 06-12-2017 03:25 AM

نصائح جورج أورويل في الكتابة:

ترجمة: أحمد بن عايدة.


استحقَّ جورج أورويل أن يُعتبر أحد الكتّاب الأرفع في اللغة الإنجليزية، وذلك من خلال أعماله، مثل رواية «ظ،ظ©ظ¨ظ¤» و «مزرعة الحيوان» و «صُعْلوك في باريس ولندن» ومقالاته، مثل “رمْيُ فيل بالرصاص”.
استفظع أورويل الحكومات الاستبدادية في أعماله، غير أنه لم يكن أقلّ شغفًا بالكتابة الجيّدة. وبالتالي، قد تود سماع بعض من نصائح أورويل الكتابية.*
الكاتب صاحب الضمير اليقظ يسأل نفسه، في كل جملة يكتبها، أربعة أسئلة على الأقل، هي بالتالي:
ما الذي أحاول قوله؟
ما هي الكلمات التي ستعبّر عنه؟
ما هي الصورة أو التعبير الذي سيجعله أكثر وضوحًا؟
هل هذه الصورة مستجدّة إلى حد كاف ليكون لها تأثير؟
وقد يسأل نفسه سؤالين آخرين:
هل يمكنني صياغته بشكل أقصر؟
هل قلتُ أي شيء قبيح قابل للتجنّب؟
غالبًا ما قد يكون المرء في شك حول تأثير كلمة أو عبارة، فيحتاج إلى قواعد يمكنه الاعتماد عليها إذا ما خابت غريزته. وأعتقد أن القواعد التالية ستغطّي معظم الحالات:
لا تستخدم أبدًا استعارة، أو تشبيه، أو أي مجاز قد اعتدت على رؤيته في الصفحات.
لا تستخدم أبدًا الكلمة الطويلة حيث تصلح الكلمة القصيرة.
إذا كان بإمكانك الاستغناء عن كلمة، فاستغنِ عنها دائمًا.
لا تستخدم أبدًا المبني للمجهول حيث يمكنك استخدام المبني للمعلوم.
لا تستخدم أبدًا عبارة أجنبية، كلمة علمية، أو أعجمية، إذا ما تمكنت من العثور على ما يرادفها في اللغة اليومية.
فلتُقدم على كسر أي من هذه القواعد قبل أن تقول أي شيء على نحوٍ همجي صارخ.

صبا حبوش 06-12-2017 03:38 AM


فيليس دوروثي جيمس (ف. د. جيمس) تعيش في بانثيون، الكُتّاب العظماء في أدب الجريمة. أكثر ما اشتهرت به هو خلقها شخصية المحقق المفتش “آدم دالغليش” في ساحة اسكتلندا، والذي ظهر في العديد من الروايات.
بوسع المرء قراءة أعمالها، بسبب حبكاتها الشيطانية الذكية، وبصيرتها التي تلج في طبيعة الانسان. تمتلك براعة أدبية نادرة بين كُتّاب هذا النوع.
وفيما يلي خمس قطعٍ من نصائح الكتابة لفيليس دوروثي جيمس:
1- زِد من قوة كلماتك. الكلمات هي المواد الخام لحرفتنا. متى ما تعاظمت ثروتك اللغوية صارت كتاباتك مؤثرة أكثر. نحن الذين نكتب بالإنجليزية محظوظون بحيازة أكثر لغات العالم تنوعاً وثراء. احترموها!
2- اقرأ بتوسع وبتمييز. الكتابات السيئة مُعدية.
3- لا تكن ممن يخطّط للكتابة فقط -اكتب! إذ بالكتابة وحدها – لا بالحلم بها – نطوّر أسلوبنا الخاص.
4- اكتب ما تحتاج لأن تكتبه، لا ما هو شعبيّ حالياً أو ما تظن بأنه سيبيع!
5- افتح عقلك للتجارب الجديدة، خاصّة تلك التي ترتبط بدراسة الناس الآخرين. لا شيء مما يحدث للكاتب – سواء كان سعيداً أو تراجيدياً، يضيع.

صبا حبوش 06-12-2017 03:45 AM

قواعد إلمور ليونارد العشر للكتابة:

ترجمة : أحمد العلي.






كتبت: ماريا بوبوفا
في 16 يوليو 2001، بنى إلمور ليونارد (أكتوبر 1925- أغسطس 2013) مجده الخالد بمساهمته في حقل الكتابة عن الكتابة، والتي قدمها على شكل قطعة قصيرة لصحيفة نيويورك تايمز يُعدّد فيها عشرة قواعد يلتزم بها حين يكتب. استلهمت صحيفة الغارديان من إلمور هذه الفكرة و قامت بإصدار سلسلة قواعد مشابهة يقدّمها كُتـّابٌ مرموقين من بينهم زادي سمث، مارغريت آتوود، و نيل غيمان.. و التي انتهت إلى جمعها في كتاب قواعد إلمور ليونارد العشر للكتابة (المكتبة العامّة) – كتابٌ ضئيل، مطبوعٌ بأناقة و بشروحاتٍ كتبها جوي سارديالو برفقة قواعد إلمور الخالدة.
يبدأ تقديمه لقواعد الكتابة بتنويهٍ قصير:
إلتقطتُ هذه القواعد طوال مشواري، لتساعدني على أن أكونَ غير مرئيٍّ كراوٍ في الكتاب الذي أكتبه، لتُعينني على مَسرحة ما يجري في الرواية، لا حكايته بصوت الراوي. إذا كانت اللغة طيّعة بين يديك، إذا كان خيالك ملكك ونبرةُ صوتك في الكتابة تُعجبك، فليس الاختفاء هو ما تبحث عنه وتحتاجه، وتستطيعُ لذلك أن تتخطّى هذه القواعد، إلا أنه يُمكنك أن تُطِلّ عليها فقط.






1. لا تبدأ كتابك أبداً بالحديث عن حالة الطقس!
إلا أن يكون الحديث عن حالة الطقس ضرورياً لوجود شخصية تتفاعل معه، لا تستطرد في الحديث عن حالة الطقس إذا كنت تريد خلق شعورٍ للجو. يميلُ القارئ للاندفاع في القراءة بحثاً عن الشخصيات. هناك بالطبع استثناءات. إذا حَدَثَ و كنت بيري لوبز، الذي يستطيع وصف الثلج و الجليد بطُرُقٍ أكثر من تلك التي لدى أهل الأسكيمو، تستطيع أن تكتب تقاريرَ عن الطقس ما بدى لك.




2. تجنّب الافتتاحيّات.
قد تكون مزعجة، خاصة إذا جاءت بعد تصديرٍ يسبقه تقديم.. لكنها عاديّة في كل الكتب إلا الروائية منها. إن الافتتاحيّة في الرواية هي الخلفيّة الدراميّة لها، و لذلك، تستطيع أن تضعها في أيّ مكانٍ تريده من الرواية.
هناك افتتاحية في كتاب Sweet Thursday لـ جون ستينبك، لكنها رائعة! لأن هناك شخصية في الكتاب نطقت بالهدف الذي أريده من قواعد الكتابة هذه، إنها تقول: “أحبُ كثرة الأحاديث في الرواية، ولا أُحب أن يُخبرني صوتٌ مُبهمٌ لا يعود إلى أيّ شخصية في الرواية عن شكل الرجل الذي يتحدث فيها.. أُريد أن أكونَ قادراً على تخمين شكل الشخصية من أحاديثها، و طريقة تفكيرها من كلامها. يُعجبُني وجود بعض الشروحات لكن ليس الكثير منها. أحياناً، اُحبُ أن تكسرَ الكتابَ حزمةٌ من الفصول التي لا تحتاجها الرواية “Hooptedoodle”.. قد تستطيع فعل ذلك بتدوير بعض الكلمات الرنّانة أو حتى أن تُغنّي أغنية. هذا رائع. لكني لا أزال أتمنّى أن توضع هذه الكلمات التي تكسر سرد الرواية في فصول لوحدها لكي لا تختلط مع القصة الرئيسية.”




3. لا تستخدم أيّ فِعلٍ غير “قالَ/ قالَت” في المحادثات و تبادل الحوار، أبداً.
أسطُر الحوار مُلكٌ للشخصيّة الروائية، و الفعل التنويهي ليس سوى أنف الروائي محشوراً فيها. تبدو “قالَ” أخف في تطفلها على الشخصيّة و حديثها من “شَكَا” و “تذمّر” و حذّر”. مَرَرْتُ مرّةٌ على سطر حواري لـ ماري مكارثي كتبت فيه “أَعلـَنَ بقـَسَمَ”، فاضطررت للتوقف عن القراءة لكي أفتح المُعجم.




4. لا تستبدل الفعل “قالَ” بوصف حال المتكلّم
.. “عاتـَبـَهُ باستماتة”. استخدام ظرف الحال بهذه الطريقة ( وبأيّ طريقةٍ كانت) هو خطيئةٌ مُميتة. حينها، يكونُ الكاتب قد كَشَفَ عن وجوده بشكل لافت بدل أن يختفي، لقد استخدم كلماتٍ أفسدت تناغم الحوار و اتزان تبادل الحديث. عبّرتُ عن هذه الفكرة على لسان إحدى شخصياتي التي وَصفـَت اشتغالها على الرومانسيات في التاريخ: “إنها مليئة بحالات الاغتصاب و الظروف!.”




5. أَبقِ علامات التعجُّب تحت سيطرتك
مسموحٌ لك بين كل مئة ألف كلمة من السّرد أن ترمي بعلامتـَي تعجُّب أو ثلاثة. أمّا إذا كنت تملك موهبة اللعب بها كما يفعل توم وولف، فارمها على الصفحات بملئ كفـّك.




6. لا تستخدم كلمات مثل “فجأة” أو “قامت الدنيا ولم تقعد”.
لا تحتاج هذه القاعدة إلى تعليق. لاحظت أن الكُتّاب الذين يستخدمون كلمة “فجأة” يميلون لإفلات زمام التحكم بعلامات التعجب.




7. استعمل باعتدال اللهجات المحليّة والكلمات العاميّة.
فورَ أن تبدأ بكتابة الكلمات في حوارٍ ما كما يتم نُطقها صوتياً، و تبدأ بتعبئة الصفحة بالفواصل، لن تستطيع التوقف. لاحظ كيف استطاعت آني برولكس أن تلتقط أصوات الـ وايومنغ في كتيّبها القصصي Close Range.




8. تجنّب الشروحات المطولة عن الشخصيات.
هذا ما غطّاه جون ستينبك في Sweet Thursday. وأجبني، في Hills Like White Elephants لـ إرنست هيمينغواي، كيف يبدو شكل “الأمريكي والفتاة التي معه”؟ الوصف الجسدي الوحيد في القصة كلها هو: “خلَعَت قُبَعتها و وضعتها على الطاولة”.. ولا زلنا في قراءتنا للقصة، نعرف أصوات هذا الزّوج و نميّز نبرتيهما بلا أيّ استخدامٍ مباشر لظروف الحال.




9. لا تستطرد في التفاصيل الواصفة للأمكنة و الأشياء.
إلا إذا كنتَ مارغريت آتوود و تستطيع أن ترسُمَ المَشَاهِد بالكلمات، أو أن تكتب المناظر الطبيعية بأسلوب جيم هاريسون. و حتى لو كنتَ ماهراً في ذلك، فأنت لا تريد أن تتخلّق أحداث الرواية من التفاصيل الواصفة، و إنما من جرَيان الحكاية نفسها.




و أخيراً:
10. حاول أن تترُك كتابة القِطَع التي يميلُ القـُرّاء إلى تخطّيها.
جاءت هذه القاعدة إلى ذهني عام 1983. فـَكـّر بما تتخطّاه في قراءتك لروايةٍ ما؛ فقرات طويلة من السّرد تمتلئ بكلماتٍ كثيرةٍ جداً. مالذي فَعَله الكاتب فيها؟ إنه يرتكب إثم كَسر السّرد الروائي بما لا يخدم القصة “Hooptedoodle”؛ رُبما بأخذ جُرعةٍ أخرى من وصف الطقس أو بالإنسلال إلى رأس إحدى الشخصيات، و القارئ إمّا أن يعرف بـِمَ تُفكّر به تلك الشخصية أو أنه لا يهتم. أُراهنُ على أنك لا تتخطّى قطعة حواريّة.
و أهم قاعدة لدي، و هي الواحدة التي تُلخّص العَشر: إذا كان ما قـُمتَ به يُدعى كتابةً، فأعد كتابته.
أو، إذا كان الاستخدام الأمثل لكلمةٍ ما هو المُتعارَف عليه، فأزحها عن طريقك. لا أستطيع السّماح لما تعلّمناه في حصص اللغة الإنجليزية بأن يُعَكّر نغمة السّرد و صوت الحكاية.. إنها إحدى محاولاتي في أن أبقى غيرَ مرئيٍ في الرواية بألّا أكشف عن وجودي للقارئ عِبر استخدام طُرُق الكتابة المتعارف عليها (قالَ جوزف كونراد شيئاً عن أن الكلمات نفسها تقف في طريق محاولتك لقول شيئٍ ما.)
إذا كنتُ أكتُب المَشَاهِد دائماً من وجهة نظر شخصية معيّنة في ذلك المشهد، تلك التي يُمَكـّنها موقعها من أن ترى الأحداث وبالتالي روايتها كأنها تنفُخُ فيها الحياة، فأنا إذاً قادرٌ على التركيز في أصوات الشخصيات المختلفة و هي تُخبرك عن نفسها و عن مشاعرها تجاه ما تواجهه و مالّذي يجري حولها، و رغم ذلك.. قادرٌ على أن أبقى غير مرئيٍّ و في الخفاء.
الّذي فعله جون ستينبك في Sweet Thursday هو أنه عَنوَنَ فصول روايته بما يدُل على محتواها، لكن بشيءٍ من الغموض؛ “الذين يُحبونهم الآلهه يُصابون بالجنون” إحدى تلك العناوين، “أربعاءٌ مُصابٌ بالقـَمل” عنوانٌ آخر. و قد كان عنوان الفصل الثالث: “1Hooptedoodle ” أمّا الفصل الثامن والثلاثين فقد كان عنوانه: “2Hooptedoodle” كتحذيرات للقارئ، و كأن جون ستينبك يقول: “هذه فصولٌ ستجدني أترحّلُ فيها بالكتابة إلى عوالم فانتازية، و لن تؤثـّر أبداً في مجريات الرواية. تستطيعُ أن تتخطّاها إذا شئت”.
تمّ إصدار رواية Sweet Thursday عام 1954، عندما كنتُ أحبو في عالم النشر، و لم أنسَ أبداً افتتاحية الرواية.
هل قرأتُ وقتها فصول الـ”Hooptedoodle”؟ كلمةً كلمة.


صبا حبوش 06-14-2017 05:35 AM

حين سُئلت الروائية أليف شافاق في إحدى حواراتها عن قواعدها في الكتابة ،
كانت السطور - الرائعة -التالية :



إليك قواعدي في الكتابة:

1. الكتابة هي الضريبة التي ندفعها لقاء عزلتنا و توحدنا مع ذاتنا : هي اختيار العالم الجواني بدل الخارجي و تفضيل الساعات و الأيام و الأسابيع و السنوات من الوحدانية- على المتع و الحياة الاجتماعية الصاخبة . قد يحب الكاتب أحيانا النميمة مع صديق حول أحدهم أو الانخراط في حفلة مجنونة ، لكن يبقى فعل الكتابة ينبع دوما من عزلة خالصة .



2. الطريقة الوحيدة لتعلم الكتابة هي بممارسة فعل الكتابة : الموهبة مهما بدت متوهجة لا تساهم بأكثر من 12% في عملية الكتابة . العمل الدائب و الصبور والمتواصل هو ما يساهم في 80% من التطور و الارتقاء الكتابي و الـ 8% المتبقية يمكن نسبتها إلى " الحظ " أو بصورة أدق إلى تلك العوامل التي تقع خارج نطاق إرادتنا و قدرتنا في التأثير .



3. اقرأ كثيرا و لكن لا تقرأ لذات الكتاب دوما : اقرأ بتنوع كبير و بلا ترتيب معقلن كثيرا متى ما كان هذا ممكنا . لا يمكن اختزال كتابة الرواية إلى محض وظيفة محددة في أطر ضيقة و صلبة .



4. اكتب الكتاب الذي لطالما وددت قراءته : إذا كنت تحب ما تكتب ( و هذا لا يعني انك لن تعاني كثيرا في كتابته ) فهذا يعني على الأغلب ان الناس ستشعر تجاه ما كتبت بنفس ما شعرت أنت . إذا ما انعدمت المحبة بين الكاتب و ما يكتب لن يكون ثمة ما يدفع القارئ لمواصلة ما كتبه الكاتب .



5. لا تخش الاكتئاب : فهو جزء مهم من عدة السفر اللازمة للولوج في طريق الكتابة ، و لكن لا ينبغي أبدا أن نتعامل مع هذا الاكتئاب برومانسية مفرطة فنكون كمن يتلذذ بهذا الاكتئاب ، فقط تعامل معه كروح حرة و كصديق غير موثوق به يأتي و يذهب متى شاء!!



6. لا ترحم ذاتك في العمل : اقطع ، الغ ، نقح ما شاء لك مما تكتب بلا رحمة . الغ صفحات كاملة مما كتبت . الكتابة السيئة كمثل العلاقة السيئة لذا لا تدمن عليها لمجرد انك اعتدت وسائلها السهلة و المريحة و المطروقة لك فحسب .



7. لا تكن قاسيا مع شخصياتك : لا تقلل أبدا من قدرهم و مكانتهم . وظيفتنا ليست ان ندينهم بل ان نفهمهم و نساعد الآخرين على فهمهم أيضا . التعاطف هي الكلمة المفتاحية السحرية في علاقتك مع شخصياتك .



8. لا تبح أبدا بالرواية التي تكتبها أو تنوي كتابتها لأي كان : فمتى ما بحت بهذا ستخسر الطاقة الروحية اللازمة للاندفاع بالعمل إلى نهايته .



9. انس أمر القراء و النقاد : انس أي أحد . اطرح عن بالك فكرة أنّ ثمة كونا خارجيا يقبع خارج ذاتك .



10. انس أمر كل واحد من قواعدي في الكتابة : فليس ثمة من قواعد للكتابة و ذاك هو الجمال الكامن في فعل الكتابة ، و تلك هي الحرية الثمينة التي لنا امتياز امتلاكها و التي لا ينبغي ان نسمح لكائن من كان ان ينتزعها منا.

صبا حبوش 06-14-2017 06:06 AM

" هذه الرسالة وجهها الكاتب سعود السنعوسي للأستاذ عبدالله الداوود ،من كتاب “ طقوس الكتابة عند الروائيين” الصادرعن دار كلمات للنشر والتوزيع ، الكويت 2015 "




عزيزي عبدالله ،

تأخرتُ كثيراً في الرّد على سؤالك حول طقوسي الكتابية؛ أين ومتى وكيف؟ في السطور الأخيرة من هذه الرسالة سوف تعرف السبب.. ولك أن تعذرني أو..
يتكرر السؤال كثيراً عن طقوسي في الكتابة. أتردد قبل أن أجيب: “لا طقوس!”، كي لا أحبط السائل الذي توقع أمرا مغايرا. لا أستغرب السؤال حقيقة، فلطالما سكنتي الفكرة منذ تفتّحت عيناي على القراءة بشكل جدّي: كيف كان فيكتور هوغو يكتب “البؤساء”؟ في أي جوٍّ كتب نجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل”؟ في أي مكان كتب جوزيه سارماغو“العمى”؟ غابريل غارسيا ماركيز، ليو تولستوي، تشارلز ديكنز، هيرمان ملفل، الطيب صالح ويوكيو ميشيما. كل أولئك الذين قرأتهم مبكرا، كيف كان مزاجهم أثناء الكتابة، ماذا يفعلون، وكيف يكتبون؟ كيف كانت الإضاءة.. ماذا كان على سطح المكتب عدا القلم والأوراق.. هل كان قلما أم آلة كاتبة أم.. لو كان قلما، حبرا أم رصاص.. في أي وقت من النهار أو الليل.. هل من موسيقى في أجوائهم الكتابية أم انها أجواء صامتة؟ أسئلة كتلك دفعتني، في وقت ما، لزيارة بيوت بعض الروائيين الذين تأثرت بهم في مرحلة مبكرة. أقترب من عوالمهم وراء الأوراق، لربما تعرفت على شيء من طقوسهم، أو المكان الذي مارسوها فيه.




كان اهتمامي ذاك في أوجِهِ عندما كنت قارئا وحسب. أقرأ الروايات. أفتن بها وبمؤلفيها. تشغلني كواليس أعمالهم. شيء من ذلك الاهتمام حول طقوس الكتابة لم يعد يشغلني بعدما أحالتني القراءة، مع مرور الوقت، كاتبا. كل عمل يفرض عليّ حالة من تلقاء نفسه. لا أفكر في طقس. لا شيء ثابت، ككوب قهوة، مثلا، أو شاي أخضر، أو الاستماع إلى سيمفونية، أو إشعال شمعة أو حرق كسرة بخور. قبل أن أكتب لا أهيئ طقسا عدا العزلة، والعزلة حالة أكبر من طقس. أعني العزلة بمعناها الحقيقي عندما تكون دافعا وحيدا للتأمل. وإذا ما اعتمدت على العزلة والتأمل كطقس كتابي فهذا يعني انني أعيش الطقس ليس أثناء الكتابة وحسب، إنما منذ بدء تشكل الفكرة وتخلقها أثناء التحضير لها. أمارس طقسي، إن جاز لي التعبير، بعيدا عن الكتابة وقبل الشروع فيها بشهور، كأن أستحضر شخصيات العمل قبل بثِّ الروح فيها ورقيا. أتأملها. أتعرَّف إليها أكثر.. ملامحها أو ما يميزها.. ندبة على الجبين، تأتأة في اللسان، تجاعيد في الوجه، جمال صارخ أو دمامة فظيعة. أحدد أعمارها.. ثقافاتها.. علاقاتها ببعضها وكيف ينظر أحدها إلى الآخر.. بل وحتى أصواتها. أحاور نفسي متشظياً بين الشخصيات. أسألني بصوت غليظ. أجيبني بصوت ذي بحّة ثقيل اللسان ينطق الراء واوًا. ورغم عزلة أفرضها على نفسي لا أشعر أني وحيد أبدا، بين شخصيات متباينة تنتظر دورها، في طابور طويل، للظهور على الأوراق أحيانا، وعلى شاشة الحاسوب أحيانا أخرى. يتمكن بعضها من الظهور فعلا. بعضها يتأجل ظهوره إلى رواية أخرى. وربما بعضها، بحزن شديد، يموت قبل أن يكتمل. أجدني متخما بالتفاصيل. بالأفكار. بالأحداث والأحاديث. لا أفكر في الكتابة أبدا لئلا أخلق كائنا ناقصا. أعايش شخصياتي طويلا من دون كتابة، ولا بأس من تدوين بعض الملاحظات الملحّة إن دعت الحاجة. مع خلق الشخوص، وتركها طويلا في رأسي كي تنضج، أكون قد هيأت البيئة الحاضنة للعمل، تلك المتمثلة في المكان. ولأنه لا يمكن تهيأة المكان بمعزل عن الزمان، أستحضر كل الأحداث المهمة في زمن الرواية، حتى وإن لم تظهر تلك الأحداث في العمل بشكل مباشر، لأن فهم الزمن، كما أؤمن، ينعكس تلقائيا على الجو العام ونفسيات الشخوص وتوجهاتها في الرواية. أما بالنسبة للمكان فغالبا ما أستعين بمكان أعرفه. أضيف غرفة، أزيل أخرى، أزرع شجرة، أهدم جدارا، أو أنقل بيتا بأكمله من منطقة إلى غيرها، ولكن يبقى المكان مألوفا في الغالب.




ربما تستعجلني: “حدثنا عن طقوسك أثناء الكتابة!”
سوف أفعل. أمهلني قليلا!
هذا بالنسبة إلى الشخصيات المحيطة بالشخصية المحورية وبيئتها. أما بالنسبة إلى شخصية الراوي فهي أكثر ما يتعبني، تعب ماتع، لأنني أستحيل، أثناء عزلتي تلك، إلى هذه الشخصية بكل أبعادها متخليا عن سعود تماما.
هناك بعض الممارسات، أو الطقوس إن شئت تسميتها، التي تصاحب كل عمل أحضِّر لكتابته؛ لاحظ انني أقول “أحضِّر” لكتابته، وليس عمل “بدأتُ” فعليا في كتابته. سواء تلك الأعمال التي توقفت عن المضي في كتابتها لسبب أو لآخر، أو تلك التي تمكنت من نشرها. كل عمل، بالنسبة لي، يفرض عليّ الدخول في حالة أو طقس لا يشبه الحالة في عمل آخر. على سبيل المثال، في عمل لم أتمكن من إنجازه، كان الراوي الضمني قد فقد البصر في مرحلة ما من عمره. موضوع كهذا يحتاج إلى دراية كبيرة، لا أعني الحصول على معلومات حول الموضوع، فالقراءة وزيارات مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة كفيلة بإمدادي بما أريد، ولكن هناك حالة لا يمكن تجاوزها إذا ما سلّمنا ان الراوي فاقد البصر. وأنا، سعود، أتمتع بنظر سليم، وأنا أعني الحالة الشعورية المكتسبة من المعايشة.




طقسي الأهم أثناء “التحضير” وقبل الشروع في فعل الكتابة، عدا العزلة التي تعد عاملا مشتركا في كل عمل، هو المعايشة، إذ ان كل عمل يفرض عليّ طقسا بعينه. ومعايشة ظروف كل عمل تعدُّ طقسا فريدا. في عملي ذاك كنت قد استخدمت غطاء العينين فور استيقاظي من النوم في عطلة نهاية الأسبوع، لأقضي حوالي ثمان وأربعين ساعة في ظلام قبل أن أخوض تجربة الكتابة. أغسل أسناني وأغير ملابسي وأعد طعامي وأستخدم الهاتف المحمول كفاقد للبصر. لا أزيل الغطاء عن عينيّ إلا وقت الاستحمام، وفي ذلك الوقت أكون مغمض العينين لئلا أفقد شعوري بفقدان البصر. أستعيض بحاسة الشمّ للتفريق بين “الشامبو” و”البلسم” أو “معجون الأسنان” و”جِلّ الحلاقة”. في روايتي الأولى، ولأن الراوي فيها يتحدث عن موت أمه، كان لزاما عليّ أن أقترب من الشعور بالفجيعة. زرت المقبرة أشيّع امرأة ميتة، أصلي عليها مع الجموع وأنا أتخيلها والدتي بملامحها التي أحب. أحمل نعشها مع أقربائها. موقف صعب وشعور قاس، ما كان لي أن أكتب عنه بالصورة التي ظهر عليها لولا جلوسي على ركبتيّ، أخلط الماء بالتراب، كاتما شهقاتي، أعجن الطين، أشكل كراتٍ أناولها رجلا داخل القبر يدسّها في الفراغات حول جسد الميتة قبل أن أهيل التراب على قبرها. وربما الحالة أو الطقس الأصعب هو ذلك الذي سبق كتابة رواية “ساق البامبو” قبل منتصف عام 2011، لأنني كنت أمام تحدٍ من نوع آخر. أنا لا أكتب مشهدا هنا، أو مرحلة من مراحل حياة الراوي. أنا أكتب عملا كاملا يعدُّ سيرة ذاتية يكتبها شخص لا يشترك وسعود بأي شيء على صعيد التجربة الإنسانية. أنا أمام طقس أمارسه لمدة عام كامل. طقسٌ يفرض عليّ نمط حياة جديد لا يشبه حياتي الاعتيادية في شيء عدا احتياجات الإنسان ليبقى على قيد الحياة. عزلتي كانت مضاعفة لأتخلى عن كل ما يذكرني بأنني كويتي، لأصبح، في تلك الأثناء، نصف كويتي نصف فلبيني مثل بطل الرواية الذي قضى معظم حياته في بلاد أمه الفلبين. انقطعت عن التواصل مع كل أصدقائي وأقاربي لمدة عام كامل. حتى ان أهلي الذين يشاركونني في البيت لا ألتقيهم إلا نادرا. وحده العمل الوظيفي كان حائلا دون اتمام العزلة بالشكل الذي أردت. طقسٌ كهذا يضم في جنباته طقوسا عدة. ما كان للعمل أن يظهر بصورته لولاها. السفر من أجل المعايشة. السكن في بيت تقليدي بين أشجار استوائية، يشبه بيت البطل المتخيَّل، في قرية بعيدة، بين السكان المحليين، تضج بالأصوات الجديدة، سواء في اللغة أو أصوات الطبيعة. آكل من طعام بطل روايتي. أتنفس هواءه. أنام على سريره. أرتدي شورت وقميصا بلا أكمام وأنتعل نعلا مطاطية كما يفعل الرجال مِن حولي، وأمشي في الشوارع التي يمشي بها بطل الرواية، أفتعل صلاةً في كنيسة أو معبد بوذي، متخليا عن كل شيء يربطني بهويتي. لا اتصالات ولا مكالمات هاتفية ولا قراءة صحف أو متابعة أخبار محلية عبر الانترنت. أعود إلى بلادي بروح بطل الرواية، هوزيه ميندوزا. منذ وصولي إلى مطار بلادي أشعرني غريبا.أرى بعينيه. أتعايش مع غربة خلقتها بنفسي. أتخلى عن كل القنوات التلفزيونية العربية في بيتي، مفسحاً مجالاً للقنوات الفلبينية مستعينا بقمرٍ آسيوي. رغم جهلي للغةٍ أشعرني أنتمي لها. تتكرر زياراتي إلى الفلبين كلما شعرتُ بأنني على حافة الخروج من الطقس الطويل. أجدد انتمائي. وإذا ما عجزت عن السفر لسبب ما، أجدني محيلاً غرفة المكتب، حيث أكتب في أحيان كثيرة، إلى بيئة قريبة من البيئة التي عايشتها هناك. إضاءة خافتة. ضرورة طغيان اللون الأخضر على بقية الألوان. عشرات من سيقان البامبو تنتشر في الزوايا. قرص مدمج موصول بالسمّاعات في سقف الغرفة يطلق أصواتا ليست موجودة حيث أعيش؛ نقيق ضفادع وأصوات صرصار الليل، وشاشة التلفاز أمامي تعرض برامج أجهل لغتها.. وأنا في عزلتي تلك لا أمارس عدا التأمل، سابرا أغوار عالمٍ أوشك على خوضه كتابةً بعد خوضه معايشة، حتى وإن كانت معايشة ذهنية مع شخصيات العمل وبيئته.


عزيزي عبدالله،،
أدري بك تنتظر مني إجابة حول طقوسي “أثناء” الكتابة. أدري أني لم أجب على سؤالك حتى الآن، لأن إجابتي قد تكون منقوصة. قصيرة جدا تبدأ بالنفي. لن تكون واضحة من دون المرور بالطقوس الـ “ما قبل كتابيّة” في السطور أعلاه.
إذا ما اكتملت الحالة، الخاصة في كل عمل قبل كتابته، بكل ممارساتها وطقوسها في المعايشة؛ أنا أكتب.. أكتب وحسب.
أكتب بلا طقوس..
أكتب على ورقة، أو منديل ورقي، أو على كفِّ يدي.. أكتب إلكترونيا على شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول. أكتب في غرفة المكتب.. في مقرِّ عملي الوظيفي.. في مقهى أو مطار أو بهو فندق.. أو أكتب، تسجيلا صوتيا، في هاتفي المحمول إذا ما كنت أقود سيارتي أو في مكان لا أجد فيه فرصة كتابة ورقية.. أكتب في أي مكان أو وقت دونما الحاجة إلى طقس بعينه طالما مارست طقوسي كاملة قبل الفعل الكتابي.. أكتب في عزلة حقيقة وإن كنت في أماكن عامة تضج بالناس.
والآن أقول،،
كنتَ قد لجأتَ، في جزأي كتابك، الأول والثاني “طقوس الروائيين”، إلى عنوان فرعي: أين ومتى وكيف يكتبون؟
ربما لا يشملني العنوان تماما، لأنني، أثناء الكتابة أكون.. معلَّقًا في الهواء خارج الزمن، لا أين لدي، ولا متى..
كل ما أملك هو “كيف”، وقد حدَّثتك عن كيفي في هذه السطور.
ولأن لا طقوس “أثناء” الكتابة عندي.. تأخرتُ في الرّد على رسالتك.
ولك أن تعذرني أو..




سعود السنعوسي
ديسمبر2013

صبا حبوش 06-14-2017 06:16 AM

مقتطفات من حوار مع الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، نشر في صيف 1992 في
مجلة (باريس ريفيو):



“ان قابلت نجيب محفوظ ستجده شخصًا محافظًا، ولكنه صريح ومباشر.يرتدي بدلة قديمة الطراز، ذات لون أزرق داكن، يغلقها حتى الزر العلوي. يدخن، ويحب أن يشرب قهوته خالية من السكر.”
  • الصحفية:متى بدأت بعملية الكتابة؟
محفوظ: بدأت عام 1929، رفضت جميع القصص التي كتبتها. سلامة موسى- محرر المجلة الجديدة- كان يقول لي :”أنت تمتلك الموهبة، ولكنك لا تتقن الكتابة، بعد”. في أيلول من عام 1939-وأذكر هذا التاريخ جيدًا لأنه كان بداية الحرب العالمية الثانية- نشرت (عبث الأقدار) كنوع من هدية مفاجئة من المحررين في (المجلة الجديدة)، كان هذا حدثًا مهمًا للغاية في حياتي.




  • الصحفية:هل تكتب وفق جدول منتظم؟
نجيب محفوظ: دائمًا ما كنت مضطرًا للعمل وفق جدول منتظم.من الثامنة صباحًا حتى الثانية ظهرًا أكون في العمل، ومن الرابعة حتى السابعة أمارس الكتابة، أما من السابعة حتى العاشرة فأقرأ. هكذا كان جدولي اليومي باستثناء يوم الجمعة. لم أحظ بالوقت الكافي لأمارس الكتابة، ومع ذلك توقفت عن الكتابة قبل ثلاث سنوات تقريبًا.




  • الصحفية:كيف تأتي بالشخوص والأفكار في حكاياتك؟
نجيب محفوظ: سوف أوضح الأمر بهذه الطريقة؛ عندما تقضي الوقت برفقة الأصدقاء، ما الذي تتحدثون عنه؟ هذه الأشياء التي تترك انطباعًا في نفسك لذلك اليوم أو الأسبوع…أنا أكتب بهذه الطريقة. الأحداث التي تحصل في البيت، المدرسة، العمل أوالشارع، هي الأساس الذي تقوم عليه الحكايات. بعض التجارب تترك أثرًا عميقًا في داخلي، مما يدفعني لتحويلها إلى رواية بدلًا من الحديث عنها في النادي أو مع الأصدقاء.
على سبيل المثال، قضية المجرم الذي قتل ثلاثة أشخاص،هنا في مصر.سأبدأ مع هذا الحدث البسيط وأفكر انطلاقًا منه بعدة خيارات لكيفية كتابة هذه القصة. قد أفكر-مثلًا- في رواية الأحداث من وجهة نظر الزوج، الزوجة، الخادم أو المجرم نفسه. وربما، سأتعاطف مع المجرم أيضًا. هذه الخيارات هي التي تجعل كل قصة مختلفة عن الأخرى.




  • الصحفية: عندما تبدأ بالكتابة، هل تسمح للكلمات بالتدفق أم تضع الملاحظات أولًا؟ وهل تفكر بالموضوع قبل البدء بالكتابة؟
نجيب محفوظ: بالنسبة للقصص القصيرة التي أكتبها، فإنها تأتي من القلب مباشرة. أما باقي الأنواع الأدبية، فتحتاج للبحث أولًا. مثلًا قبل أن أبدأ بكتابة (ثلاثية القاهرة)، أجريت بحثًا مكثفًا وأنشأت ملفًا خاصًا بكل شخصية. من دون ذلك كنت سأضيع تمامًا وأنسى شيئًا ما يتعلق بالشخصية. في بعض الأحيان، يظهر الموضوع بشكل طبيعي من خلال الأحداث في الحكاية، وأحيانًا أختار الموضوع قبل البدء بالكتابة.




  • الصحفية:كم مرة تراجع وتعيد الكتابة حتى تكتمل القصة من وجهة نظرك؟
نجيب محفوظ: أقوم بمراجعات متكررة، أحذف الكثير من الجمل، وأكتب على كافة أنحاء الورقة حتى الجزء الخلفي منها. غالبًا، أقوم بمراجعات أساسية وجذرية. وبعد أن أنتهي منها، أعيد الكتابة وأرسلها للناشر. ثم أمزق جميع المسودات القديمة وأتخلص منها.




  • الصحفية: ألا تحتفظ بأي من المسودات؟ يحتفظ الكثير من الكتاب بكل كلمة! ألا تعتقد بأنه من المثير للاهتمام دراسة أسلوب الكاتب من خلال الاطلاع على المسودات التي يتركها؟
نجيب محفوظ: قد يكون الأمر كذلك، ولكنه ببساطة ليس جزءًا من ثقافتي، لم أسمع بكاتب احتفظ بمسودات أعماله. كما أنه يجب التخلص من هذه المسودات والملاحظات الورقية حتى لا يفيض منزلي بها! الى جانب ذلك، خطي رديء جدًا.




  • الصحفية: ليس للقصة القصيرة أو الرواية جذور في تراث الأدب العربي. كيف تفسر النجاح الذي وصلت إليه في هذه الأنواع الأدبية؟
نجيب محفوظ: لقد قام الأدباء العرب باستعارة المفهوم الحديث للقصة القصيرة والرواية من الغرب، ولكنها أصبحت الآن جزءًا من الأدب الخاص بنا. وصلت إلينا الكثير من الترجمات في الأربعينيات والخمسينيات؛ وقمنا باستخدام الأسلوب الموجود فيها للكتابة.استخدمنا الأسلوب الغربي للتعبير عن القضايا والحكايات الخاصة بنا. ولكن تراثنا يتضمن أعمالًا مثل: (أيام العرب) والتي تضم العديد من القصص، من بينها، قصة (عنتر وعبلة) وقصة (قيس وليلى) وبالطبع حكاية (ألف ليلة وليلة).




  • الصحفية: ما هو الموضوع الأقرب الى قلبك والذي تهوى الكتابة عنه؟
نجيب محفوظ: الحرية. الحرية من الاستعمار، الحرية من الحكم المطلق للملكية، والحريات الأساسية في السياق الاجتماعي والأسري.هذه الأنواع من الحريات مرتبطة ببعضها ويؤدي كل منها إلى الآخر. في الثلاثية -على سبيل المثال- بعد أن قدمت الثورة الحرية السياسية، أصبحت أسرة (عبد الجواد) تطالبه بالمزيد من الحرية في السياق الاجتماعي.




  • الصحفية: ماذا عن مفهوم (البطل)؟ لا وجود للأبطال في حكاياتك أو في حكايات أي من كتاب جيلك ؟
نجيب محفوظ: هذا صحيح، لا وجود للأبطال في الحكايات التي أكتبها، فقط شخصيات متعددة. لماذا؟ لأنني أنظر الى المجتمع بعين ناقدة ولا أرى أي شيء استثنائي في الأشخاص من حولي. تأثر جيل الكتاب الذي سبقني باندلاع ثورة 1919 ، لقد شاهدوا أعمالًا بطولية، أشخاص بسطاء استطاعوا التغلب على عقبات غير اعتيادية.
قام كتاب آخرون بالكتابة عن الشخصيات البطولية، مثل توفيق الحكيم، محمد حسين هيكل، إبراهيم عبد القادر المازني. ولكن بشكل عام، جيلنا لامبالي، ومفهوم (البطل) أصبح نادر الوجود؛ لا يمكنك أن تضع بطلًا في رواية إلا إن كانت عملًا خياليًا.

صبا حبوش 06-16-2017 12:53 AM

كيف تشكّل قصتك؟..ستيفن كوتش
( ترجمة : نها الرومي).


يحاط الروائيون في بداياتهم بشتى أنواع الارْتياع، وأرى من خبرتي أن الخوف الأوحد الأكثر ضراوة هو الخوف من رواية القصة نفسها. شهدت هذا الخوف يهاجم ويحطّم ثقة كتّابٍ يانعين مئة مرة، حتى -بل وأحيانا على وجه الخصوص- أصحاب المواهب الفذة.
كتابٌ يافعون، كانوا يحلقون عاليا على فكرة جديدة حين رأيتهم آخر مرة، متحمِّسين وملهَمين ومنهمكين في العمل، يأتون مكتبي مرارًا شاحبين، يوصدون الباب وراءهم، ويجلسون متسمرين للبوحِ بسرهم المصون، أن شيئا ما يُفتقد من بقجة موهبتهم الأدبية: لم يقدروا على صنع قصة. مجرد الكلمة “قصة” تشلّهم كما تشلّ مصابيح السيارة العلوية الغزال، الكلمة المهيبة أحادية المقطع في الانجليزية Plot /الحبكة، تؤثر فيهم كما يفعل الكريپتونايت، ما إن يلمحوها حتى يتقهقروا عاجزين.


بدا اعترافهم مغلفًا بالخزي، أكانوا يخدعون أنفسهم؟ روائي لا يقدر على ابتداع رواية إنما هو أضحوكة، كسبّاحٍ لا يعرف الغطس، أو موسيقي لا يستطيع مواكبة لحن.
وأكاد أجزم أنني أحيانا أخرى ألمح التماعة إباء في أعينهم، ما الضير إن كانوا يواجهون صعوبة في الحبكة؟ ألا تحمل رواية القصص طابعًا دونيّا على أية حال؟ أليس للنثر ذي الحبكة المسيّرة سمعة -لنقل- دعائية؟ لربما كان ذلك القصور في رواية القصة دليلٌ على حسن ذائقتهم. وفي نهاية المطاف، ألم يصف هنري جيمس شخصيا الحبكات بالابتذال؟ قد لا يهمهم حقًّا تحويل مشروعهم إلى رواية.




كنت في سنوات تدريسي الأولى، وبعدما شهدت تكرر هذا الخوف المدمِّر وتسويغه قرابة خمسين أو ستين مرة، أدركت أن الأمر لا يتعلق بخللٍ افتراضي في كل هؤلاء الموهوبين الشبان، بقدر ما يتعلق بمشكلة مشتركة أكبر، معضلة محيرة في الفن بحد ذاته.
هنا، حيث منظومة من مختلف الروائيين اليافعين، الموهوبين، يحزنون لنفس المصاب. لم أستطع أن أصدق أن جميعهم يعانون من عجزٍ فطريٍّ كرواة، رغم أنهم ما انفكوا يرددون: “لا أقدر على الحبكة”، فلم يكن ذلك إلا نبوءة ذاتية التحقّق.
إلا أن الأمور كانت تسير على نحو سيء، فظلوا يطوفون حول موقف ما، أو شخصية، أو صورة، أو هاجس لاح لهم بقصة، لكنهم لم يستطيعوا الشروع فيها قدما مهما حاولوا. كان دخانا، كلما طالوه اختفى، حتى شتتهم.
أغلب أولئك الناشئين، يعتقدون أنَّ الروائيين الحقيقيين -القلة السعيدة- يؤلفون القصص بطريقة سحرية تستعصي على البشر ضعاف الشأن أمثالهم، وأن القصص توحى “للروائيين الحقيقين” -تلك النخبة الغامضة- كاملة ومثالية وبليغة من وهلة الإلهام الاولى فصاعدًا.




ما عليهم إلا أن يتمنوا قصة، وستطير بهم هبتهم “الحقيقية” على أجنحة البصيرة الأسطورية نحو رواية بديعة. لا ينتهي بهم الأمر أبدا في مكتب ما، قابضين على كومة من الورق دون قصة، وفوضى لا تثبت سوى انهم ليسوا روائيين “حقيقيين” على الإطلاق.
أحسَّ طلابي بالخيانة، كادوا يكونون “حقيقيين”، قريبين بلا جدوى، بكيفية ما، سقطت تلك الهبة المصيرية سهوًا من تكوينهم الجيني، افتقروا الى أحوج ما يحتاجون.
ودائما ما لا يكون هذا إلا هترًا، لم يعاني هؤلاء الكتّاب من أي دغل في موهبتهم، ولم يعانوا حتى من غياب القصة، بل من الحضور المغيظ والمُجن لقصة عجزوا عن إمساكها في قبضتهم. إنهم يعذّبون بدنوّ رواية لم يستطيعوا صياغتها او تعريفها إلا في أكثر الأشكال إبهامًا. إن يكادوا ليملكوا قصة غير متاحة لهم، حتى اللحظة.
لقد بدأوا بداية جيدة، استثار خيالهم موقف أو شخصية أو مكان ما، أحسو أنه قد يحمل في ثناياه قصة، وانهمكوا فيه. وأخذت الأشياء الجيِّدة في الحدوث، ظهرت شخصيات وتجمعت صفحات، وكان النثر مثيرا للإعجاب حقًا، لحظات قوية، وسطور متينة، ولا شيء يذكر من قصة بعد.




بدأ عمل كل يوم ببعض من قصة، وانتهى كئيبًا دون زيادة تذكر. وبمُضي عددٍ كافٍ من أيام كهذه، يبدأ الإلهام بالتداعي ثم يختلج ليصير خوفًا. يخبرون أصدقاءهم أنهم يكتبون شيئًا، ويسألهم أصدقاؤهم عما يكتبون، ولم يعرفوا تمامًا ما يقولون: “إنها قصة عن.. عن..”، ويتلعثمون. يتصاعد عذر واهٍ الى شفاههم. يحدِّقون في وجوه حائرة. كان مخزيًا، لم يستطيعوا حتى ان يأتوا بسطر عنها. كان يقودهم للجنون، ويُلبس إلهامهم القيّم حُلّة الهُراء.
هلع القصة، قنوط القصة! الذي دفعهم لزيارتي. في الفصل الأول اوضحنا ان الاصل اللاتيني لكلمة Invent ( أي: يستحدث / يخترع)، هو Discover أي: يكتشف. الكُتاب لا يختلقون القصص، بل يجدونها، يكشفونها، يكتشفونها. يجدونها أحيانا في العالم الواقعي، وأحيانا أخرى في غوْر خيالاتهم. وفي كلتا الحالتين يؤلفون القصص بإيجادها، والعكس صحيح، يجدون تلك القصص ذاتها بتأليفها، ما الذي يأتي أولا؟ هنا مكمن الحيرة، التأثير المتبادل بين اختلاق القصة والتنقيب عنها. ولن يفرق خيالك دومًا بينهما.




أخفق زائرو مكتبي في استيعاب ذلك أو تذكّره، قد نسوا في ذعرهم أن صناعة القصة هي تحرًّ، وعوَضا عن ذلك حاولوا صناعتها من السراب. ولم يجدوا في السراب قصة تنتظرهم؛ وحيث أنهم لم يبحثوا في المكان الصحيح، كان من الطبيعي أن لا يجدوا شيئا مطلقًا.
البحث عن قصة مسألة مسايرة تمهيدية متأنية وهادئة وحذرة، لمجموعة من العناصر: شخصيات أو أماكن أو مشاهد أو آمال أو مخاوف، احتمالات الدراما الخفية المخبأة في طيات ما نعرف. ما إن يُحفَّز خيالك، حتى تعرف أو تشعر بحضور تلك العناصر التي تتكتّل حول ما تعرفه حدسيّا بطريقة مستترة وخرساء ساكتة. تحتاج كل واحدة أن تخرج وتصاغ بروية وعناية.




إنها مسيرة استكشافية وقلّما تحدُث بسرعة وسهولة. وغالبا ما تكون المرحلة الأبطأ والأطول والأدق في عملية الكتابة كلها. لم يعرف طلابي الوجلون حتى مرحلة متأخرة، أن الكُتّاب “الحقيقيين” على الأرجح ما زالوا ينقّبون عن العناصر الأساسية في قصة مراوغة ومبهمة. يضيفون لمسات حاسمة وحتى تغييرات جذرية في لحظات العمل الأخيرة. يواجه الفُصَحاء صعوبة بالغة في تحمل عجزهم عن التعبير أمام ما يثيرهم. والجالسون في مكتبي فصحاء مُخرسون أمام قصة لم يتمكنوا من صياغتها، بعد؛ لكنهم لم يعلموا أن سرد الرواية -كل الرواية- يبدأ تحديدًا من هذام الوجوم.

صبا حبوش 06-16-2017 01:21 AM

تشانغ راي لي: كيف أكتب؟
(ترجمة : ميادة خليل)




• أعرف بأنك درست في أكاديمية اكستر. حدثني عن تجربتك هناك.
الكتابة وجه لوجه، اكستر كانت المكان الذي ذهبت اليه حباً في الكتابة. لست متأكداً من أن هذا حدث في دراستي الثانوية. اكستر تروج للكتّاب ونحن دائماً لدينا مجموعة منهم: غور فيدال، جورج بليمبتون، جون ايرفينغ. قرأنا جميع أعمال جيمس أجي لعام دراسي. إنه مكان لتبجيل الكتب والكتّاب. كنت دائماً قارئا نهما، لكن هناك بدأت التركيز على الكتابة.




• كانت هناك لحظة اختراق بالنسبة لك، عندما شعرت للمرة الأولى بأنك كتبت شيئا ترغب في نشره؟
بعد التخرج من الجامعة كنت أعيش في نيويورك وكتبت بشراسة، رواية ضخمة كنت أعرف بأنها فاشلة. تمنيت أن ينجح الكتاب، لكن حتى أكون صادقاً أعتقد أني كنت أعرف بأن الكتاب لن ينجح أبداً، حتى عندما انتهيت من كتابته. عرفت أنه كان معيباً للغاية. مجرد أن الكتاب لم يكن جيداً بشكل كافٍ. عندما التحقت بالدراسة الجامعية بعد ذلك بوقت قصير أتذكر أني كتبت الفصل الأول من روايتي الأولى، ” Native Speaker” في ورشة كتابة. بعد كتابتها، وحتى قبل أن يقول لي أي شخص أي شيء، شعرت بأنني استفدت من شيء أساسي، شيء درسته لفترة طويلة ولم أعِ ذلك. لم أعرف هل ما كتبته جيد أم سيء، لكني كنت أعرف بأنه كان حقيقياً. هل هذا يعقل؟...يمكن أن يكون مجرد نوع من الشعور الغريزي بأن هناك حقيقة تحدث هناك. ليس “حقيقة” بشعور واقعي، لكن شيء عاطفي حقيقي.




• كنت تُدرس الكتابة الإبداعية في جامعة برينستون. أخبرنا عن نهجك في تعليم الكتابة. هل لديك درس مفضل لطلابك؟
نهجي الأساسي هو إجبار الطلاب على قراءة حقيقية جداً، جداً، جداً لنصوصنا، القصص القصيرة التي أحددها لهم، وحتى أعمال زملاؤهم. لا أُفضل استخدام واجب إجباري للكتابة، أو تدريبات. أعتقد أيضاً أن أغلب الناس يكتبون بشكل مريح بهذه الطريقة، لكن لا تذهب الى كتابة رواية تتألف من تدريبات كتابة قصيرة. يمكنهم تحديد الأفكار وتحفيز شكل معين، لكن المهارة ليست في أن تبدأ، ولكن في أن تستمر. تحتاج في الحقيقة الى فهم وشعور كبير لكيفية توظيف أسلوبك أو سردك الخاص. أعتبر ورشة الكتابة التي أُدرس فيها على أنها صف قراءة ودي. نتوقف عادة، لنتحدث عن بداية قصة قصيرة، وأحياناً يقضي الدرس كله في الحديث عن المقطعيين الأوليين فقط .. أعتقد بأنني ساعدت الطلاب على التوغل في خيارات الكاتب. ليس لمعرفة ما كان يقصد، ولكن لمعرفة كافة الأحتمالات. معرفة وتجربة هذه الأحتمالات قد تساعدهم لاحقاً في كتابة قصصهم.




• صف لنا روتينك الصباحي، في يوم تريد أن تكتب فيه.
أستيقظ مبكراً، حوالي الساعة 6:30. أحضّر الفطور للأولاد. أضع قهوتي. وهذا مهم جداً. كوب واحد فقط. أتناول فطوري، أوصل الأولاد الى المدرسة. ربما أغيّر ملابسي، وأرتدي ملابس الكاتب اليومية … زوج من السراويل المريحة للكتابة. لدي الكثير من السراويل للكتابة. لا أحب ارتداء الملابس “التضييقية” … لو كان بإمكاني استخدام هذه الكلمة. قد يكون سروال رياضة، أو بيجامة، نوع صوفي… الأمر يتغير.




• لكن لا تكتب وأنت ترتدي جينز أزرق.
لا، لا أكتب وأنا أرتدي جينز أزرق. لا أكتب وأنا أرتدي البدلة. ربما في الصيف أكتب وأنا أرتدي سروال قصير. ثم أجلس الى مكتبي حوالي الساعة 7:30 أو شيء من هذا القبيل، وأكتب حتى وقت الغداء. ثم آخذ قسطاً من الراحة، أو أمارس الرياضة لساعة. ثم أعود الى الكتابة لبضع ساعات أخرى، حوالي ثلاث الى ثلاث ساعات ونصف.




• هل هناك أي شيء مميز حول مكان الكتابة أو روتينك للكتابة، الى جانب السراويل الكتابية التضييقية؟
نموذجي جداً. أكتب على الكمبيوتر. أثناء الاستراحة أصنع لنفسي الشاي أخضر. لا أرغب في تناول شيء يحتوي على الكثير من الكافيين. لاأثق بالزيادة الكيميائية لكتاباتي. أشياء بسيطة. ولكن لا شيء مجنون.




• إذا كان يمكنك أن تعيد شخص متوفى الى الحياة، من سيكون ولماذا؟
سيكون والدتي بكل تأكيد. توفيت أمي في 1991، عندما كان عمري 25 سنة. في ذلك الوقت كنت أعمل على روايتي الأولى الفاشلة التي تحدثت لك عنها. لذا، هي ماتت وهي تعرف بأنني أحاول أن أكون كاتباً، لكنها لم ترَ نجاحي في ذلك. وكانت قلقة بشأن هذا الأمر. وعن قصدي هنا، أحب أن أراها مرة ثانية، لأنها ماتت وهي شابة نسبياً، لكن أعتقد أنها تحب أن ترى أنني استمريت بمهنة الكتابة.




• ماذا تحب أن يكتب على قبرك؟
ربما ” بحثت دائماً عن الجمال”.



صبا حبوش 06-16-2017 01:27 AM

كيف تحوّل الحياة الواقعية إلى رواية؟ ...سوزان بريين
(ترجمة : موسى بهمن)



يضحك الناس دائماً عندما أخبرهم عن فكرة روايتي الخيالية، والتي تدور أحداثها حول امرأة تجاهد في سبيل علاج علاقتها الصعبة مع أمها. وكانت هذه المرأة تعطي دروساً في الروايات الخيالية لمجموعةٍ متنوعة الفئات في مانهاتن. ما المضحك في هذا؟

حسناً، كنت أعاني بسبب علاقتي المتوترة بأمي، أعطي دروساً في الروايات الخيالية لمجموعة من الكتّاب في مانهاتن. وكما هو واضح فأنا كنت اقتبس الرواية من حياتي الشخصية. التي قد تبدو مفبركة بعض الشيء. كم ستكون صعبة هي الكتابة عن مواقف مررت بها فعلاً؟ أليس هذا ضرب من اللامبالاة؟


ما تبين لي، من خلال ذلك، هو أن اقتباسك لقصص أناس تعرفهم قد يكون خادعاً بعض الشيء. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الناس لا يميلون إلى معايشة الحياة السردية. فمعظمنا يكرر الأفعال نفسها يومياً باختلاف بسيط بين يوم وآخر، كما نخضع لخيارات متعددة ونواجه لحظات مثيرة، وهذه اللحظات لا تأتي دائماً في مكانها الحقيقي ضمن الرواية الجيدة. هذه أكثر مسألة شغلتني عند كتابتي عن أمي وعلاقتنا المتوترة، وتقدّم هذا التوتر لسنوات وسنوات حتى لم تعد هناك لحظات مثيرة في سوء تفاهمنا. لم أصفع رأسي وأقول: “آها! الآن فهمت.” بدلاً من ذلك، ومع مرور الوقت، تحسّنت علاقتنا شيئاً فشيئاً. هكذا هي الحياة، لكن كيف يمكنك أن تستخرج قصة من هذا؟


دعوني أطلعكم على القليل. كنا أنا وأمي على وفاق تام، لكنها عندما مرضت أصبحت بحاجة لرعاية صحية على مدار الساعة وكان من مصلحتها أن أقوم بنقلها إلى دار الرعاية. هذه الخطوة جعلت والدتي تشعر بالغضب وأنا شعرت بالذنب ونتيجة ذلك كان هناك الكثير من التوتر. كل زيارة لها كانت بمثابة تعذيب. لكن ذلك كله تغيَر، ًبشكل غير متوقع، عندما حصلت على وظيفة تدريس في ورشة عمل للكتاب.


كنت أعطي درساً واحداً في الأسبوع، ولكنني كنت أحب هذا الدرس وأحبت والدتي السماع عنه، وبشكل غير متوقع، عمَّ السلام بيننا من خلال مناقشات مختلفة حول الخيال والكتابة والأحلام. بعد وفاة والدتي، كنت مفطورة القلب، لكنني شعرت أيضاً بالمباركة التي منحتها لي عندما أتاحت لي فرصة ثانية كي نكون صديقتان.
أردت أن أسرد قصتنا، كوسيلة لإبقاء والدتي على قيد الحياة، حتى وإن اقتصرت هذه الحياة على الورق، ولأنني كنت مُستَهلَكة من قِبل هذه التجربة برمّتها. شعرت بأن عليّ أن أقول شيئاً، وأنا على يقين من أن الرواية ستتدفق مني على نحو جيد – كيف لا وأنا بهكذا حماس؟ – جاءني العنوان فورًا: الأمُّ التي لي (The Mother of Mine).


كتبت خمسين صفحة في أسبوع. وبعد ذلك وصلت الى النهاية. ولم يكن هناك ما يقال أكثر. كانت لدي بعض المشاهد الجيدة، ولكن لم يكن هناك أي محرّك لهذه القصة، قراءتها كانت تشبه قراءة اليوميات كثيرًا. إنها من النوع الممل. فيها كثير من المبالغة، ابتعدتُ عنها لفترة. لكن بعد ذلك، وجدت نفسي أعيد بناء الشخصية الرئيسية، التي كانت بطبيعة الحال، تشبهني إلى حد كبير..


في النسخة الأولى من الرواية؛ باتسي: “نعم، كان ذلك فعلاً أخرقاً بعض الشيء، لكن هذا ما أسميتها به” عمرها 46 سنة، متزوجة، ولديها أربعة أطفال. بصراحة، لم أوليها الكثير من التفكير، اعتقدتُ بأنني لست بحاجة للقيام بأي ملفات شخصية لأنني كنت أعرف ما هي ردة الفعل التي سأقوم بها في كل وضع مختلف. لم أكن بحاجة للتفكير في شيء، أليس كذلك؟ لكن الآن وجدت نفسي مصابة بالإحباط بسبب القيود المفروضة على الكتابة عن نفسي وكنت أرغب في التقدم أكثر من ذلك. بعد ذلك برزت فكرة غريبة في رأسي. ماذا لو كانت الشخصية الرئيسية تحمل اسماً لا يشبه اسمي بتاتاً، اسم مختلف جداً عن باتسي، أو سوزان، هذا قد يغير طريقتي في النظر لها. ماذا لو كانت تحمل اسماً غير مناسب تماماً؟ اسم مثل، أرابيلا.


لطالما أحببت روايات جورجيت هاير وكانت رواية أرابيلا هي المفضلة بالنسبة لي، لكنني كنت أرى كيف يصيب الإحباط من تلقبّها والدتها باسم كهذا. خاصة إذا كانت الشخصية شديدة الحساسية. قد يكون شيئاً محرجاً أن تلقّب بـ أرابيلا خاصة إذا لم تكن تعيش حياة رومانسية. ثم فكرت؛ كيف يمكن لأم أن تسمّي ابنتها اسم كـ أرابيلا قد يوحي بعدة معاني، وقد يكون من الصعب على ابنتها العيش بهكذا اسم أيضاً. لكن مجرد تغيير بسيط في التفاصيل ساعدني في الحصول على بعض المسافة بيني وبين الشخصية، ومنذ أن حظيت بتلك المسافة، كان بإمكاني البدء في رؤية احتمالات أخرى ومؤثرة كثيراً.


ماذا لو لم تكن أرابيلا متزوجة وأم لأربعة أطفال، وكانت عزباء وأصغر سناً؟ ماذا لو أنها كانت وحيدة بلا أخوة؟ في الحياة الحقيقية، لدي شقيق يهتم بي، ولكن من خلال إخراجه من القصة، سلبتُ من أرابيلا بر الأمان، حيث يجب عليها الاعتماد على نفسها. إذا ما ساءت معها الأمور. وبعد ذلك، لو كانت عزباء، فهذا سيفتح لها آفاق من الاختيارات. لديَّ الآن حبكة واقعية بخيارات عديدة ولا تشابه واقعي فعلاً. أصبحت عندي الآن شخصية تشبهني بما يكفي لأستشعر إحساساتها بشكل جيد، ومختلفة عن حقيقتي بشكل كافٍ.


والآن، بعد أن حققت بعض النجاح في شخصية أرابيلا، بدأت أنظر إلى الأم. ماذا لو أنها لم تكن تماماً مثل والدتي. كيف سأحافظ على أطباعها التي أرغب في المحافظة عليها، مثل شجاعتها، مشاكساتها، روحها المرحة. ولكن هل ستكون هذه الصفات مؤثرة في الرواية؟ في واقع الحياة، أمي تحب القراءة، لكنها ليست مهتمة في كتابة القصص. بينما هذه الأم الخيالية قد ترغب في كتابة شيء ما، خاصة إذا كانت حياتها تفتقد للسرية وكانت تتصارع لفهم حياتها كاملة. والدتي الحقيقية لم تذهب قط إلى عرّاف؛ لم تتَح لها الفرصة التي أتيحت لأمي الخيالية في المكسيك، لكنه كان حقيقياً بالنسبة لي، كان هذا تخمين لأشياء قد فعلتها -أمي الحقيقية- فعلاً.


أما أكثر الأفكار براعة وجدتها عندما بدأت في التفكير حول صف الكتابة الذي تقوم أرابيلا بتدريسه. في البداية كنت أتوقع أن صفّها سيأخذ نفس المجرى الذي سلكه صفّي، حيث أنني على وفاق مع الجميع. لكنني بدأت بالتساؤل، ماذا سيحدث لو كانت هناك خلافات بين أرابيلا وصفّها. ربما لم يكن طلبتها متواضعون مثل طلبتي، لذا يتحتّم عليها أن تعاني معهم، ويجب عليها من خلال هذه المعاناة أن تقوم باكتشاف نفسها. على سبيل المثال، غالباً ما تكون هناك طالبة في الصف تعتقد أنها تعرف أكثر من الذي أعرفه أنا (وقد تكون على حق). ولكن ماذا لو جعلتُ هذه الطالبة عدوانية، واحتدم النقاش بينهما في أحد الدروس. كيف ستتصرف أرابيلا إزاء ذلك؟ في جعل شخصيات الطلاب أكثر تطرفاً، أكون قد أعطيت أرابيلا جرعة تتطور من خلالها.


ميزة الكتابة عما تعرفه تكمن في أنك تكتب حول أشياء تشعر بها بشدّة، وعيبها هو أنك تتعمّق في الموضوع لدرجة تشعر معها بالرتابة والسطحية. بواسطة اللعب بصفات الشخصيات الحقيقية التي تعرفها، يمكنك بعث حياة جديدة في شخصيات روايتك، وأخذ قصتّك لأماكن غير متوقَّعة.

ياسر علي 06-16-2017 07:33 PM

الأستاذة صبا حبوش

يتسع الموضوع يوما عن يوم، وكلما اتسع ازدادت مقاربة كتابة القصّة وضوحا، وتلاقحت الرؤى وتكاملت ممهدة لرؤية كبيرة لمن أراد دراسة قيّمة عن العمل الرؤائي و كيفية إبداعه.

أحيي فيك هذا النشاط

صبا حبوش 06-19-2017 12:12 AM

أشكر متابعتك أستاذ ياسر ..
أرجو أن يعود الموضوع بالفائدة على جميع من يمر به..

صبا حبوش 06-19-2017 12:33 AM

كيف تكون كاتباً؟.. ريبيكا سولنت
( ترجمة : علي الضويلع )



1-اكتب: لا عوض عن ذلك، اكتب عما أنت شغوف بالكتابة عنه أكثر، لا أقصد كتابة التدوينات، ولا المواضيع في منتديات على الإنترنت، ولا التغريدات أو كل ما له علاقة بتلك الفقاعة القابلة للتصريف والتي هيأتها لنا الحياة الحديثة. لكن، ابدأ صغيرًا اكتب جملة جيدة، ثم فقرة جيدة، ولا تحلم أول الأمر بكتابة تلك الرواية الأمريكية العظيمة، ولا تفكر بما سترتدي في حفل تكريمك ككاتب، لأن هذا ليس ما تعنيه الكتابة وليست هذه الطريقة في مسألة كيفية الوصول من هنا إلى هناك. الطريق كله مصنوع بالكامل من الكلمات. اكتب كثيراً. ربما في البداية ستكون مثل طفل يتعلم للتو أول خطواته –ستكون مُحبطاً في هذين العامين الفظيعين بشكل جزئي لأنك ترى أنك أذكى من مهاراتك الحركية أو اللفظية، وتريد أن تلون الصورة، أن تطلب لعبة كطفل، وتتلعثم، كلامك مفكك ولا أحد سيفهمك، لكن تلك لن تكون المرة الأخيرة التي يحرز فيها الفتى التقدم أو مزيدًا من التعقيد والمهارة، هذا هو الجهد وهذه هي الممارسة. اكتب أشياء سيئة لأن الدرب للكتابة الجيدة يصنع من كلماتٍ ليس بالضرورة أن تكون جميعها كلمات مرتبة جيدًا.


2-
تذكر أن الكتابة لا تعني الطباعة: إنها تعني التفكير، البحث، التبصُّر، التحديد، التوليف في عقلك وفي مسوداتك، ثم قد تكون نوعاً من الطباعة، ومع المراجعات المستمرة، والمزيد من المراجعات، الحذف، التنقيح، الإضافة، الاستبطان، ترك ما تكتب جانباً ثم العودة إليه من جديد، لأن الكاتب الجيد محرر جيد دائمًا لعمله الذاتي. الطباعة هي النقلة الصغيرة التي تأتي في الوسط بين عمليتين عظيمتين. هناك شئ اسمه مراجعة زائدة عن الحد-لقد رأيت أشياء مدهشة في المراجعة السابعة عشرة جرى الاستغناء عنها في المراجعة الثالثة والعشرين- لا شيء يولد كاملاً. حسنًا، بعض الأمور تقريبًا تكون كذلك، لكنها غرائبية. وقد تتحصل على تلك القطع المثالية الساحرة إذا كنت تكتب كثيرًا، متضمنًا ذلك كل الأشياء التي ليست سحرًا يتوجب حذفه، إعادة التفكير به، مراجعته، فحص الحقائق، وأخيراً نص جاهز.


3-
اقرأ. ولا تقرأ: اقرأ كتابات جيدة، ولا تعش في الحاضر. عش في عمق التاريخ، مع لغات من القرآن أو التراث السحري الويلزي؛ أو الأم غوز أو ديكنز أو ديكنسون أو بالدوين أو أي شيء يتحدث إليك بعمق. الأدب ليس مرحلة الثانوية العامة وليس ضروريًا فيه أن تعرف ماذا يرتدي كل من حولك، وفيما يتعلق بالتأنق، وأن تتأثر بالناس الذين يُنشر لهم حاليًا في هذه اللحظة بحيث يجعلك تأثرك مجرد شبيه بهم، وهو غالبًا ليس قرارًا جيدًا على المدى الطويل لتكون نفسك أو لتصنع أثرًا له معنى. في أي نقطة في التاريخ هنالك موجة عظيمة من الكُتاب يشتركون بالنبرة ذاتها، يندفعون كموجة إلى الأمام، ويندفعون من الوراء، وتبقى نجمة البحر والقواقع الغريبة تبقى وراءهم. ألق نظرة على قوائم أفضل الكتب مبيعًا لأبريل 1935م أو أغسطس 1978م إذا لم تصدقني. الأصالة أمر يتكون من حصولك على تأثيرك الخاص: إقرأ السير الذاتية العظيمة أو العهود الدينية القديمة، اعثر على استعاراتك من حيث لا أحد ينظر، لا تنتمِ. أو انتمِ لعالم ليس هو عالمنا هذا تمامًا، عالمٍ ترسل منه رسائلك. تخيل هيرمان ميلفل في ورشته عام 1849م وأقرانه يقولون له إن عليه استبعاد كل تلك المعلومات والاستطرادات وإن كتابه عن الحوت ممل والسبب أنه يستغرق الوقت الطويل للوصول إلى النقطة التي يريدها. وفي الحقيقة كان كتابه فشلًا ذريعًا في حينها. لذا اقرأ كل شيء كان قد نشره هنري ديفيد ثورو، وما كتبت إيميلي ديكنسون مع أنها نشرت القليل فقط من القصائد في حياتها رغم أنها كتبت الآلاف منها.


4-
اصغ ولا تصغ: رجع الصدى مفيد، سواءٌ من المحرر، أم من الناشر، أو من القراء، أومن الأصدقاء أو من الزملاء، لكن هنالك أوقات تعرف حينها تمامًا ماذا يجب أن تفعل ولماذا، فالرضوخ لهم يعني أن تخرج عن تناغمك مع ذاتك. اسمع صوتك الخاص وتذكر أنك تمضي إلى الأمام بأخطائك وعثراتك وقصورك بكل الطموح أيضًا. أصغِ لما يجعل شعر رأسك يقف لنهايته، ولما يذيب قلبك، وما يجعل عينيك تتسعان، لما يوقفك وأنت في مسارك ويجعلك تختار أن تعيش، من أي جهة جاءك، وارجُ أن تترك كتاباتك هذا الأثر نفسه مع الآخرين. اكتب للناس الآخرين، لكن لا تسمع لهم كثيرًا.


5- اعثر على صوتك الداخلي: إن مسألة الموهبة مبالغ في تقديرها، وهي تتعارض عادة مع الأسلوب اللطيف. الشغف، والصوت الداخلي، والرؤية، والتفرغ كلها أشياء نادرة، وستأخذك لتجاوز النقاط القاسية في أسلوبك وذلك عندما لا يمنحك أسلوبك سببًا للاستيقاظ في الصباح والبدء في التحديق في المخطوطة لليوم المئة على التوالي أو حتى تعطيك موضوعًا مفترضًا للكتابة عنه. إن لم تكن شغوفاً بشأن الكتابة وبشأن العالم وبالأشياء التي تكتب عنها، إذاً لماذا تكتب؟ يبدأ الشغف بالأصل قبل أن تبدأ بالكلمات. نحن نريد أن نقرأ لأناس حكماء، عميقي التفكير، جامحين، لطفاء، ملتزمين، متنورين، نابهين؛ يجب أن تكون مثل هؤلاء الأشخاص. لطالما كنت في صف الدفاع عن الأسلوب دومًا، لكن فقط فيما يخدم رؤيتي.


6- الوقت: تحتاج لبعض الوقت. ذلك يعني أنك تحتاج لإيجاد الوقت. لا تكن اجتماعيًا جدًا. عش أقل مع الآخرين وحافظ على عدد علاقات متواضع (الأشخاص الذين يتمتعون بالثقة والأسباب الأخرى الداعية للراحة: أنا لا أتحدث إليكم، مع أن المال كثيرًا، وكثيرًا ما يسهل الأشياء، وغالبًا، يصعب إيجاد النداء الداخلي والشغف). أنت غالبًا تحتاج للقيام بأمر آخر من أجل العيش في الخارج أو على الدوام، لكن لا تطور عادات صرف أو هوايات استهلاكية. أعرف نادلة ظنت أن قدرها يمنعها من استمرار العمل على رسوماتها ولكن الاختبار كان: لو استمرت أن تكون الشخص الذي يذهب لتناول البوريتو بدلًا من طلب أنواع النبيذ الغالي في المطعم لكان لديها يوم إضافي مجاني في الأسبوع للعمل على فنها.


7- الحقائق:
تأكد منها دائمًا. معلومة خاطئة بشأن نحلة طنّانة في قصيدة أمر مزعج بما يكفي. إن عدم الدقة في الكتب غير القصصية والرواية هو خطيئة جوهرية. لن يثق أحد بك إذا جانبت الصواب في الحقائق، وإذا كنت تكتب عن أحياء أو أحياء رحلوا منذ وقت قريب أو سياسيين فيجب عليك ألا تحرف بشكل مطلق. (اسأل نفسك: هل يعجبني أن يكذب الناس بشأني؟) أيًا كان الشيء الذي تكتب عنه، عليك الالتزام لتحقيق الصواب فيه، من أجل الأشخاص الذين تكتب عنهم، من أجل القراء، من أجل التوثيق. هذا سبب إخباري للتلاميذ أن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ليس له علاقة بالقرارات التي اتخذت بشأن غزوه. إن أردت الكتابة عن زوج أم قام بأشياء لم يفعلها زوج أمك، أو كررت حوارات لا تتذكر تفاصيلها، فاحرص على وسم ما تكتبه بدقة. تعمل القصص والروايات وفق قواعد مختلفة لكنها تشتمل على حقائق أيضًا، ومصداقيتك تتكئ على دقتها. (إن أردت اختلاق الحقائق، مثل أن إيميلي برونتي كانت بطول تسع أقدام وتستخدم أدوات كان يتورع عن ذكرها أصحاب العصر الفكتوري بدافع التأدب، تذكر أن تجلب معلومات حقيقة عن إسكافيها وعن نوع القبعات الذي كان كان يُرتدى في ذلك الزمن، واكتب أنها ترتدي قطعة حجر نفيس على نحرها يتدلى من على بعد سبع أقدام ونصف عن الأرض تحتها).


8- البهجة:
تواجه الكتابة أعمق مخاوفك وكل فشلك، بما في ذلك مدى صعوبة أن تكتب لوقت طويل ومسألة قدر بغضك للشيء الذي كتبته للتو وأن تكون ذلك الشخص الذي ارتكب تلك الجمل الخاطئة (كتاب كُثر، يا إلهي، أعرف أني منهم، يقلقون بشأن الموت قبل القيام بمراجعة النسخة السيئة جدًا، ذلك من أجل ألا تعرف الأجيال الجديدة كم كانت كتاباتٍ مروعة). عندما تكون المسألة مقرفة جدًا، توقف، انظر عبر النافذة (لابد دومًا أن تكون هناك نافذة) وقُل: أنا أقوم بالضبط بما تمنيت القيام به. أنا أقضي الوقت مع اللغة الإنجليزية (أو اللغة الإسبانية أو الكورية). أستطيع استخدام كلمة فيروز أو ذوبان أو نجم متوهج الآن لو أردت. أتفق مع شيللي، الذي يقول إن الشعراء هم مشرعون غير معترف بهم لهذا الكون، وأنا لا أبيع أشياء لا فائدة لها إلى كبار سن وحيدين ولا أقوم بافتعال الضرر تجاه الإنسانية. أوجد اللذة والبهجة. ربما عليك حتى صنع قوائم لما يبهجك من أجل حالات الطوارئ. عندما يفشل كل شيء، اسمع أنشودة “اسرق فرحي”؛ غن برتابة “لن أدع أحداً يسرق مني البهجة”. لا أحد، حتى ذاتك. لكن الأمر ليس متعلقًا بالبهجة فقط، إنه عن العمل، ويجب أن يكون هناك نوع من البهجة في العمل، نوع من بين الأنواع الكثيرة، بما في ذلك بهجة الحقائق الصعبة المنطوقة بصدق. لا يقول النجارون إننا لا نشعراليوم برغبة في القيام بما نقوم به، هكذا، أو إننا لا نهتم للدرج وفيما لو وقع الناس منه؛ كيف تشعر هو شيء لا يمكنك أخذه على محمل الجد جدًا في طريقتك بالقيام بشيء ما، والقيام بشيء ما له معنى يتعلق بألا تكون عالقًا في شعورك. هذا هو، هنالك نوع من سبر الأغوار المتمرغ والعالق، وهنالك نوع ينتقل إلى ما بعد المكان إلى المكان الذي هو الداخل الأعمق حيث الظواهر الكونية تتحدث إلى بعضها البعض. لقد كتبت أشياء في خضم المعاناة البشعة، على الرغم من أن الأمر كان صعبًا، لكن مع ذلك، الصعب ليس مستحيلًا، وأنا لم ألتزم بآمال قد تكون سهلة.


9- ما ندعوه نجاحًا هو شيء لطيف ويأتي مع تبعات نافعة، لكن النجاح ليس الحب
،
أو على الأقل في أحسن حالاته نتيجة لحب العمل وليس حبك أنت، لذلك لا تخلط الأمرين. تهذيب الحب من أجل الآخرين وربما استقبال بعضه لنفسك هو أمر آخر مهم. عملية صنع الفن هي عملية أن تكون إنسانًا بالوكالة، بتفكير مستقل، منتج للمعنى عن أن يكون مستهلكًا للمعاني التي قد تحملها روحك، قدرك، وإنسانيتك، وهكذا لا يوجد أي نوع من النجاح في أن تكون الضمير الذي يؤخذ بالحسبان وهذا يعتمد عليك أنت ولا أحد سواك وهو في متناول يديك.


10- الأمر برمته يتعلق بك: لكن إذا كنت تعرف أنك تعرف كل شيء آخر، مع ذلك فأنت ما تزال بحاجة لمعرفة شيء ما آخر في ظروف من الانزعاج والصخب القلق وكل المؤثرات الخارجية، شاملة هذه التوجيهات.



الساعة الآن 07:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team