منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   العَهْد / بقلم عبدالأمير البكّاء (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7273)

عبدالأمير البكاء 11-26-2011 12:32 PM

العَهْد / بقلم عبدالأمير البكّاء
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أروي لكم أحبتي الكرام أطهرَ قصةِ حب ٍّحقيقية ، عايشتُ كل فصولها منذ شرارتها الأولى ، يوم كنتُ وما زلتُ جارا وصديقا وزميل دراسة لبطلها محمد منذ عِقد السبعينيات من القرن الماضي ، ولم أرغب بتدوين أحداثها على شكل قصة قصيرة إلا لتكون مثالا للإخلاص الروحي بين المحبين ، حين يكون العَهْدُ بينهم شِيكاً غيرَ قابل للتزوير...أرجو لكم طيب المتابعة ..ودمتم بخير وعافية .


• إتصلتْ أم محمد هاتفيا بجارتها الجديدة القديمة ، تطلب

منها أن تعيرها مصيدة ً للفئران ، لتكاثرها في البيت بسبب

سِعة حديقته المتروكة ، وكثرة الحُفر فيها والأعشاب ، بعد

ربع ساعة فقط فتح محمد الباب ليواجه مَصيدتين تحمل

إحداهما الأخرى ! واحدة لصيد الفئران ، والثانية لصيد

القلوب المرهفة ! سألها متلعثما : مَن أنتِ وما اسمك ؟!

فأجابته بابتسامة مشرقة ودَل : أنا إلهام إبنة جاركم الجديد

في البيت المقابل لبيتكم ، إشتريناه منذ أربعة أشهر بالتمام

والكمال ، وإذا لم تصدق قولي هذا فاسأل والدتك ، فهي

تعرف عنّا كل شيء ، لأنها كانت جارة ًوصديقة لوالدتي

منذ الصغر في المدينة القديمة ، خفَّ تلعثم محمد لسلاسة

حديثها وخِفة دمها ، فتشجع ليسألها ثانية : لكنني لم أرك منذ

مجيئكم الى هنا ، بينما بيتنا يقابل بيتكم ، فهل أنت طالبة

مثلي ؟ وكيف تذهبين الى مدرستك كل يوم؟! فقالت: أنا في

مرحلة السادس العلمي ، أنتظر نهاية السنة الدراسية للفوز

بكلية جيدة تليق باجتهادي ومتابعتي العلمية ، أما عجبك من

عدم رؤيتي فهو بسبب تزمُّت والدي وتشدُّده على عدم

الخروج من البيت مهما كانت الأسباب ! فهويأخذني عند

كل صباح بسيارته الى المدرسة ، ويعود بي بعد انتهاء

الدوام ، فلا أنزل من السيارة إلا بعد أن تدخل مِرآبها !

ولم يكن وجودي أمامك الآن إلا لاضطرار والدتي الى إرسالي

اليكم ، ولاطمئنانها من جانبكم .. إنتبه الإثنان بعد ( غيبوبة !

) لذيذة منعشة الى نداء أم محمد وهي تستفهم ولدها عن

الطارق بابهم ، ودّع قلبه قلبها برعشة كهربية ماتعة ، ولم

يغلق بابه إلا بعد دخولها بيتها ! عاد الى داخل البيت قافزا،

وهو يلوِّح بالمصيدة بيده ليحتضن والدته ويمطرها بوابل من

القبلات المتتابعة وهو يصيح : وجدتها وجدتها يا أحلى أم في

الدنيا ! دفعته والدته عنها برفق وسألته باستغراب : مَن هي

التي وجدتها يا محمد ؟! فقال وهو يُرقّص كتفيه فرحا : وجدت

ابنة صاحبة هذه المصيدة التي بين يديك ، قومي وكلمي

والدتها كي يتمَّ بعدها كلام الرجال ! سكتتْ والدته بوُجوم ٍنمَّ

عن أمر خفي لا يعرفه ! فصاح وهو يتهاوى الى الأرض

فاغرا فاه فزعا : ماذا ياوالدتي هل فيهم عيب يمنع الإقتران

بها ؟! فقالت بيأس وإحباط : لا ياولدي ، فهم أفضل الناس

وأشرفهم ، بيدَ انني قبل شهرين قلتُ لوالدتها بحسب مَيَانـَةِ

الأخوات : إبنتك إلهام هذه محجوزة من الآن لولدي محمد ،

لأنهما بكثير من الخصال يشتركان ، فهي وحيدتكما ومحمد

وحيدنا ، وكلاهما بنفس العمر والمرحلة الدراسية ، والأسرتان

ميسورتا الحال والحمد لله ، إضافة للسمعة الطيبة لكلانا بين

الناس ، فماذا تقولين يا أم إلهام ؟ فلم تجبني عن سؤالي بل

غيَّرت الحديث الى حديث آخر لا علاقة له بما سألت ! وحين

ألححتُ عليها بالسؤال قالت لي : والله يا أختي الغالية سوف

لن نجد أسرة أفضل منكم كي نناسبها ، وولدك محمد بما يمتلك

من دماثة الأخلاق ، وحسن السيرة الطيبة ، يجعل كثيرا من

الأسرالمحترمة تتمنى تزويجه بناتها ، لكنني لا أرى في الأفق

ما ترغبين تحقيقه عندنا ! فسألتـُها عن السبب فقالت : لأن

والدها صعب المراس ، قروي النشأة ، يرفض الخوض في

زواج ابنته مادام خاطبها لا ينتسب مثله الى النبي محمد صلى

الله عليه وآله وسلم أو الى آل بيته الكرام ، وبما انكم لستم كذلك

، فإني أرى استحالة تحقيق هذا الأمر بيننا !! فسألتـُها

مستنكرة قولها : وهل غير السادة الأشراف سَيِّؤ النسب

والأخلاق والدين ؟! فأجابتني بتهكم ، لائمة ً إصرار زوجها

على شرطه : إسألي والدها هذا السؤال لو كنت تجرؤين على

مخاطبته بخصوص هذا الأمر ! ...هبَّ محمد هائجا منتفضا ،

وفرائصه ترتعد لا يلوي على شيء ! فلما رأت والدته حالته

تلك ، خافت عليه من الصدمة فتداركته بالتطمين قائلة : يا

ولدي لم تنقضِ على رؤيتك للفتاة إلا دقائق معدودة ، فقررتَ

الإقتران بها من دون معرفة شعورها نحوك ! فهلّا تأكدت من

ذلك ليكون انفعالك وهيجانك في محله ، وعندها سيكون الزمن

كفيلا بالتغيير، ورحمة الله تسع كل شيء ، فلا تيأسَن من

رحمته ما دمتَ مؤمنا بقدرته ورأفته. خفَّ انفعال محمد

وهيجانه مرددا مع نفسه قول الله تعالى ( لاحول ولا قوة إلا

بالله . وحسبي الله ونعم الوكيل ) لكنه وبعد صمت رهيب ، عاد

يقول متحديا : شيء واحد فقط سيقف حائلا بيني وبين

الإقتران بها ، وهو لو تكون منشغلة بغيري من الشباب ،

فعندئذ ستكون لي أختا لا أقرب حِماها إلا بما يُعين الأخُ أخته

على المُلمّات ، أما إذا وجدتها خالية القلب مثلي فلن تكون إلا

زوجة لي أو أبقى أعزبا ما دمتُ حيا !...ولم تكن إلهام إلا

خالية القلب مثله ، وقد أحبته حبا جما مثلما هو .فتعاهدا عهدا

مقرونا بالقسم بالله على الزواج بعد رضى والدها أو البقاء على

العزوبية مدى الحياة ، فلا هي تتزوج غيره ، ولا هو يتزوج

امرأة غيرها ! فبقي القَسَم عهدا ساري المفعول مع بقاء

إصرار والدها على رفض اقترانهما ثلاثين سنة عجافا ،

فشلتْ خلالها كل محاولات الإقناع والترضية من قِبل وجهاء

المدينة ومسؤوليها ، بل بات شيوع تلك العلاقة بين الناس سببا

آخر في إصرار والدها على رفض محمد المتهالك ، الذي

عجز أهله ومحبوه عن إقناعه بالزواج من امرأة أخرى تشغله

عن الوقوف باكيا كل صباح أمام بيت حبيبته التي صارت هي

الأخرى تنتظرلقاءه من بعيد لرؤيته برغم اعتراضات والدتها

المتعاطفة خُفية مع حال ابنتها المزري. ثلاثون سنة انصرمت

و( قيس وليلى ) كما صار يسميهما الناس على تلك الحال من

دون ملل أو كلل ! يقف كلٌ منهما ببابه كل يوم ليرى أحدهما

الآخرثم ينصرفان على أمل اللقاء في اليوم الآتي ! وقد زادت

أوقات ( اللقاء ) اليومي بينهما بعد أن قضى كل أفراد

الأسرتين نحبهم ما عدا والدها المشلول الجالس على كرسي

متحرك ، يُوميء لهاغاضبا بيدٍ مرتعشة كلما طال وقوفها بالباب

!! وفي ذات صباح باكر وقف محمد ببابه منتظرا إشراقة

حبيبته الغالية ليُريها قميصه الجديد، فرأى بابها مفتوحا على

مصراعيه ، والجيران من النساء والرجال يدخلون ويخرجون

من بيتها ، وهم يلغطون بكلام لم يميز فحواه ، فلم يمنع قدميه

من عبور الشارع للمرة الأولى متجها نحو بيتها ، معتقدا موت

والدها، لكنه تفاجأ بلكمة الطبيب القاضية حين سمعه يخبر

الواقفين ، بأنها ميتة بالسكتة القلبية !!! وفي المقبرة ساعة

دَفـْـنها ، عانقني محمد وهو يجهش بالبكاء قائلا : إلهام رحلتْ

عني يا أبا هبة ولم أنعم والله بلمسةٍ من يدها منذ أن رأيتها !!!!

أميرة الشمري 11-26-2011 01:30 PM

قصة واقعية مؤلمة
كثير من الفتيات لم يتحقق لهن الزواج بمن هواه القلب
بسبب تعنت الاهل بأسباب غير منطقية مثل السبب الذي تعنت به والد
هذه الفتاة
أ . عبد الامير
بوركت وبورك المداد

ريم بدر الدين 11-26-2011 03:02 PM

عندما نقرأ عن قصص من واقع الحياة يتجاوز فيها مقدار الوفاء و المحبة ما يعجز عنه أكثر المتخيلين تطرفا في خيالاتهم نسأل أنفسنا : هل ما زال حقا في الناس من يقدر على كل هذا ؟ و يأتي الجواب أنهم يعيشون بيننا و نراهم و قد لا نأبه لهم
كلما قرأت قول شاعر من بني عذرة قبل مماته :
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمت يتبع صداي صداك بين الأقبر
سألت ربي أن يكون فيمن بيننا من هو مثله في وفائه و محبته ربما لكي نشعر أن إنسانيتنا مازالت بخير
مؤثرة حقا هذه القصة و جميلة برغم نهايتها الحزينة . و إن كنت شخصيا أوقن أنها ما انتهت فالأرواح العاشقة لها مستقر في عالم ما بعد القيامة
أ. عبد الأمير البكاء
دوما طروحاتك متميزة
تحيتي لك

إلهام مصباح 11-26-2011 04:19 PM

العهد والوعد والإخلاص والمحافظة على القيم والنفس واحترام رغبة الأهل والصدق والوفاء والتربية الأصيلة معان جميلة قرأتها فيما كتبت.
تحية لك ولمن امتلك هذه الصفات

عبدالأمير البكاء 11-26-2011 07:47 PM

سيدتي الرائعة أميرة الشمري

كثيرات وكثيرون هم الذين فشلوا في الإقتران بمن أحبوا ، لكنهم عبَروا الأزمة وتزوجوا بغير مَن أحبوا ، فصار الأحباب مجرد ذكرى جميلة يشم أريجها المحبون كلما ضاقت بهم الحياة الزوجية ومشاكل الأطفال ! لكن إلهام ومحمد هما حالة استثنائية بكل المقاييس المتعارف عليها بين المحبين ، فلا وجود لمثلهما في عصرنا هذا إلا النزر القليل......دمتِ أختا كريمة لأخيك الذي يسعده مرورك المواكب .

عبدالأمير البكاء 11-26-2011 08:33 PM

أقسم لكِ يا سيدتي المتألقة ريم بدر الدين أن أزمة الحب التي نعيشها في وقتنا الحاضر ، جعلتْ من قصة حب إلهام ومحمد علامة فارقة فيه ، وإلا لما صار الناس يحتفلون كل عام بعيد عالمي أسموه عيد الحب ! فجعلوا له يوما في كل عام بينما الحب مثل الزكام لا ندري متى يهاجمنا فيحتل قلوبنا بأسلحته الشاملة الدمار!......لك مني التحية يالرائعة في كل ما تسطرين*

هدير زهدي 11-26-2011 10:03 PM


لا أبالغ أو أنافق حين أقول أنني أدمعت،
ولا شك أنني كنت لأظنها قصة خيالية اذا لم تبدأ بتلك المقدمة !
ذلك النوع من الحب العذري المتفاني في الصدق والاخلاص قد صار أندر من الندرة في دنيا المادة

ولأن عمر القصة ثلاثون عاما .. مما يرجع شرارتها الأولى للسبعينيات ..
فتبدو لي لهذا السبب واقعية ومعقولة ..
وأكاد أجزم باستحالة وجود مثل هذا العشق تلك الأيام

أسرتني بحروفك سيدي
ولو استطعت لقدمت أكاليل الزهور لصديقك
أعانه الله ورزقه الصبر والسلوان،

تحياتي،
هدير زهدي

أحمد فؤاد صوفي 11-26-2011 10:51 PM

الأديب الكريم عبد الأمير البكاء المحترم

نسمع كثيراً من القصص الواقعية التي تتجاوز بأحداثها وغرابتها القصص التي نكتبها . .
نحتاج فقط إلى تصديق أنه مازالت هناك قلوب محبة يمكنها أن تعطي عهداً للوفاء وتحتفظ به طول الزمن . .
قصتك هنا مؤثرة أليمة . .

تقبل تحيتي وتقديري . .
دام يومك بهيجاً . .

** أحمد فؤاد صوفي **

عبدالأمير البكاء 11-26-2011 11:48 PM

لو كانت واحدة من هذه المعاني بيننا الآن نحن البشر لكانت الدنيا بألف خير يا إلهام مصباح

شكرا لمرورك الذي شرفني ، وأعاذك الله من مصير إلهام بطلة قصتي !

عبدالأمير البكاء 11-27-2011 12:18 AM

سيدتي الكريمة هدير زهدي

لا أخفيك سرا لو قلت لك أن دموعي تندفع جارية لوحدها ، كلما زرت محمدا في بيته ، لأني أجده جالسا وحده،

فينظر لي برهة ثم تنزل دموعه على خديه وهو يقول لي باللهجة العراقية ( شفت أبو هبة دموعي نزلت وحدهه ، والله

ماتدخلت آني بنزولهه بس هي ذكرتْ إلهام ونزلتْ تسألْ عليهه ) ! شكرا جزيلا لمرورك بي سيدتي الرائعة


الساعة الآن 06:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team