منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   كيف ترد الشبهات .. بالحوار العقلي وحده ( حلقات مسلسلة ) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=19755)

محمد جاد الزغبي 02-09-2016 01:10 AM

كيف ترد الشبهات .. بالحوار العقلي وحده ( حلقات مسلسلة )
 

كيف ترد الشبهات .. بالحوار العقلي وحده ( حلقات مسلسلة )

هذا الكتاب وهذه الفصول ..
صبرت على إخراجها شهورا طويلة كانت الساحة فيها مليئة بتطبيق عملى فاجع لنبوءة النبي عليه الصلاة والسلام فيما روى عنه ( فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا .. وإعجاب كل ذى رأى برأيه .... )
وبعد أن أصبح الدين والعقيدة والتاريخ والوطنية ومقدرات الناس , أشبه بحلبات التنافس فى ميادين كرة القدم , وصار العبث بالثوابت مهنة من لا مهنة له , وصارت الكتابة والنشر من أردأ السلع فى أسواقنا الآن ..
ورغم كل هذا فالميدان الحقيقي فى نفوس الناس لا زال فيه من الخير الكثير , شهدته ويشهده العشرات , ويتلخص هذا المشهد فى نفوس حائرة تواقة لمصادر المعرفة ,
ومصادر المعرفة بعصرنا الحالى ــ رغم غزارتها الرهيبة وسهولة التوصل إليها ــ إلا أنها كالبحر المحيط فيه من سباع البحر وقروشه أضعاف ما فيه من أسماك ..
وفى ظل هذه الحيرة القاتلة ــ حتى لبعض المثقفين ــ قلنا مرارا وتكرارا أن الردود ومناقشة الشبهات بنفس الأسلوب العلمى الراسخ الذى تعلمناه من مفكرينا وعلمائنا , هذا الأسلوب يصلح لمستويات نخبوية من عوام العصور السالفة , لكنه الآن صعب الإستيعاب على جهابذة النخبة فى الإعلام بعد أن قضي التغريب فى الوطن العربي على أبسط المبادئ التى يقوم عليها أى نقاش وأصبحت اللغة العربية أشبه بالطلاسم بالنسبة لمثقفي اليوم فما بالنا بلغة وأسلوب رد الشبهات المعتاد من كبار العلماء !
لهذا فالقياس العقلي ومحاولة تبسيط النقاش بأمثلة معاصرة هى السبيل الوحيد لتوضيح ألغاز اليوم ولعل الله ينفع بهذه البذرة فتشجع كبار متخصصينا على اتباع نفس النهج , فما أحوجنا إليهم اليوم وما أحوج الناس

كيف ترد الشبهات بالحوار العقلي وحده ؟!

تمهيد ..
بعد أن قارنت مقارنة سريعة بين الإسلام عندنا نحن العرب فى العصر الحالى , وبين إسلام أهل الشرق والغرب , فى آسيا وافريقيا وأوربا وأمريكا , خرجت من فمى عبارة تلقائية وهى :
إذا أردت أن تجد الإيمان غضا كما نزل , فابحث عنه فى غير أرض العرب
فالذى يشاهد مثلا الداعية أحمد ديدات رحمه الله , وتلميذه الدكتور ذاكر نايك ويلحق بهم على منهجهم الداعية الكويتى الأشهر عبد الرحمن السميط وغيرهم من آلاف الدعاة ويري فيهم مدى العزة والفخر الذى تنبض به كلماتهم عن الإسلام , لا فخرا بأنفسهم بل فخرا بالإسلام واستصغارا لشأن أشخاصهم أمامه ويري فيهم الحرقة والهمة العالية والتضحية
ثم يقارن هذا بميوعة ووجل وضعف المصالح عند بعض المنتسبين إلى الإسلام عندنا , يدرك بالفعل أن تيارات المهاجمين للإسلام الآن كادت أن تنجح فى أن تجعل المسلم العربي يخجل من ثوابت دينه إما كراهية لأفعال عملاء الغرب من جماعات الإرهاب , أو انسحاقا أمام دعاة التغريب من العلمانيين ,
وبالطبع لا يعنى هذا أن كل من عندنا كذلك , ولكن المشكلة أنك عزيزى القارئ إذا قارنت عدد الدعاة اليوم بعدد المخلصين الظاهرين المتجردين حقا , فستجد أن المتجردين استثناء وقلة بعكس أولئك المنضمين للإسلام فى غير أرضنا
المقارنة مؤلمة وموجعة حقا ..
والذى يشاهد مدى القوى والإخلاص والتجرد فى مسلمى أقاصي الأرض يتخيل أنه يشاهد مثالا حيا على ما كان عليه الصحابة ! , والكارثة المخجلة لنا ـــــ نحن العرب فى العصر الحديث ـــــ هى النظرة التقديسية التى ينظر بها هؤلاء الأكابر لنا نحن , فمسلمى ماليزيا وتلك المناطق يظنون أن العرب جميعا هم أحفاد الصحابة , ويظنونهم نسخة من أجدادهم !!

وبالتالى ينظرون لهم نظرتهم إلى الصحابة , وربما ظلت تلك النظرة قائمة لولا التطور الهائل الذى حدث فى وسائل الإتصال والتواصل فجعل مسلمى الشرق والغرب يروننا على حقيقتنا , ووسائل الإتصال ذاتها هى التى جعلتنا نرى هؤلاء الناس ! , وكيف أن إسلامهم ممزوج باللحم والعظام فتشعر أنهم يتنفسون بالعقيدة الغضة , لا يهتمون بالمظهر الخارجى إطلاقا مثلما نفعل نحن ونفتخر على بعضنا البعض بطول اللحية أو قصر الجلباب أو بصلاتنا وصيامنا أو أعمالنا القليلة التى نـُــفسدها دوما بالرياء سواء كان رياء معلنا أو مكتوما بين المرء ونفسه , وترى الداعية منّـا يظن نفسه نبيا جديدا لمجرد أن يخرج على الشاشات فلا يدرى هل أصلح الناس أم أفسدهم ؟! ,
هل دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة , أم بغـّــضهم بالفرقة والتفرق
لأن معظم الدعاة ــ حتى من حسنى النوايا ــ وقع فى فخ التبغيض من حيث لا يدرون , فالشدة والغلظة والمواجهة المتحمسة لا تكون فى مواجهة عوام الناس المضللين فى أى فرقة أو ديانة , بل تكون تلك الشدة فى مواجهة دعاتهم الذين تسببوا فى إضلالهم , لأن هؤلاء الدعاة غالبا ما يعلمون أنهم على باطل ويدعون إلى باطل "[1]" وهم منافقون يكيدون للإسلام عامدين رغم إقامة الحجة عليهم
أما عوامهم فينبغي لنا التيقن من أن الغالبية العظمى منهم قد تلقت الدين من أكابرهم بصورته المبتدعة على أنها الصورة الحقيقية للإسلام , ومعظم العوام معذورون قطعا بالجهل مهما فعلوا ومهما بدت منهم الكراهية تجاه أهل السنة لأنهم تعلموا من نعومة أظفارهم أن المسلمين السنة هم أعدى أعدائهم , وكذلك الحال بالنسبة لعوام الديانات الأخرى , بل حتى لبعض المضللين من المثقفين الذين غرتهم العلمانية ..
فإذا قمنا باستخدام الشدة والغلظة والتجريح والمعايرة مع عوام الناس فسيثير هذا فى قلوبهم عصبية الجاهلية , وسيكرهون الوجه الصحيح للإسلام بسبب كراهيتهم للداعين إليه , وهذا أسوأ ما يمكن أن يفعله داعية !
ناهيك بالطبع على أن الكثير من دعاتنا فى أرض العرب يعتبر الدعوة لمذهبه الخاص أو قناعاته الخاصة أو رؤيته الخاصة أو جماعته أو حزبه أو منهجه فى الفتاوى هى الممثل الرسمى للإسلام وبالتالى يستكبر على غيره وتأخذه العزة بنفسه وبالإثم فيجمع حوله أنصارا وأتباعا ليضيف إلى حلقة التفرق والتحزب فرقة جديدة !
فأين هذا من الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ؟!
فهل يعنى هذا ألا يغضب الداعية أبدا مهما رأى من الكفر والنفاق ,
كلا بالطبع .. ولكن يظل الغضب هو الإستثناء , والرفق هو القاعدة , وللغضب نفسه قاعدة لا تنقدح أبدا , وهو ألا يغضب المرء لنفسه أبدا وهو فى مجال الدعوة , وللأسف ما نراه اليوم متحققا و أكثر ما يكون مطابقة لواقع هذا الحال , فضيّــق البعض ما وسع الناس من رحمة الله
لم يغضب النبي عليه الصلاة والسلام قط إلا فى أمر الله عز وجل , رغم أنه النبي وصاحب الرسالة وهو بشخصه حجة فى الدين , والعدوان عليه ولو بشطر كلمة عدوان على الدين , ورغم هذا فلم يغضب لنفسه قط , مهما تلقي من أذى أو هجوم وجعل الغضب محصورا فقط فى الشدة على المنافقين والمكابرين , وحتى فى هذا لم يشتد ولم يغضب إلا بعد استنفاذ وسائل الرفق والدعوة مرارا وتكرارا ..
كما أن للغضب فلسفة عميقة فى منهج النبوة , فقد رأينا النبي عليه الصلاة والسلام يترفق بالجاهل والعامى ولو كان كافرا , مهما صدر منه من أفعال , لأنه معذور بفعله , بينما وجدناه أشد ما يكون غضبا مع الصحابة رضي الله عنهم إذا صدر من آحادهم تصرف أو عبارة يفترض ألا تخفي دلالتها , وقوة النبي عليه السلام فى البيان عند تلك الحالة نابعة من أهمية البيان ذاته حتى ينتبه الصحابة ــ وهم ورثة الدعوة ــ لخطورة الأمور وترتيب الأولويات
ولهذا غضب النبي عليه السلام فى حادثة قتل أسامة رضي الله عنه لأحد الكفار المحاربين بعد نطق الشهادة , وكذلك غضب عندما جاءته شفاعة فى حد من حدود الله .. وهكذا
لكننا ما رأيناه غاضبا وهو يواجه غلظة الكفار وأفعالهم وحربهم , بل ما غضب حتى من آحاد الناس من المسلمين ممن فيهم جلافة الطبع والتصرف وعذرهم .. فعليه أفضل الصلاة والسلام

وهذا هو منهج الأنبياء , والعلماء من بعدهم , فابن تيمية ــ الذى ظلمه أتباعه وأعداؤه معا ــ حذر أشد التحذير من أن يتخذ المرء شيخا أو شخصا يوالى ويعادى عليه , مهما كانت مكانة هذا الشخص لأن التولى التام والموالاة والمعاداة إنما تكون فى سبيل الله وحده والحجة الوحيدة هنا النبي عليه الصلاة والسلام ومجموع الصحابة من بعده , فإن جعلها المرء لشخص داعية أو شيخ أو جماعة أو حزب فهذا هو طريق الشرك والعياذ بالله !

فإذا نظرت إلى واقع أحوالنا نحن العرب .. وجدت عجبا ,
بالقطع لا عتب ولا عتاب عمن يدافع عن أشراف العلماء والصحابة من قبلهم , فالدفاع عنهم دفاع عن الدين , لأنهم هم حَمَلته إلينا , ولكن هذا الأمر مشروط بالضوابط السابقة وأولها أن يكون الغضب لكل عالم ولكل صحابي بل لكل إنسان تم انتهاك سيرته أمامك بغير حق , بمعنى ألا نفرق بين المسلمين والأئمة فى الدفاع ضد الظلم , ولا يكون الغضب والعصبية رهنا بشخص واحد أو مجموعة معينة , فضلا على وجوب أن يكون غضبا خالصا لله , وليس لنصرة النفس أو غلبة الخصم أو لمجرد الرغبة فى الظهور , كما أنه ليس من الغضب المشروع رفض الإقرار بالحق وترويج الباطل أو الدفاع ضد الشتائم بالشتائم , وألا يكون الغضب نابعا عن الكراهية إلا كراهية أفعال الأشخاص لا كراهية ذواتهم , وبالتالى ففرحة الداعى للحق بالهداية التى يكتبها الله على أى ضال يجب أن تكون أكبر وأعلى من فرحة النصر على أهل الباطل لو ظلوا على باطلهم
ولا أجد فى عالمنا المعاصر من حقق هذه الفضيلة أكثر من دعاة الإسلام فى الخارج

تجد دعاة الإسلام فى تلك البلاد النائية يتعامل مع المسلمين كأنه خادمهم ويتعامل مع نفسه وكأنه ما أدى واجبه بعد , وربما كان من بعض أعماله فقط إدخال الملايين ــ لا أقول الآلاف ــ بل الملايين إلى الإسلام ويتعامل مع هذا الأمر فى بساطة مذهلة وكأن هذا الإنجاز هو الحد الأدنى من واجب كل مسلم ــ وهو كذلك بالفعل لكننا نحن من ينسي ــ ,
لكن هؤلاء الدعاة يطبقون ـــــــــــ وياللمفارقة ــــــــــ ما كان عليه حال آبائنا نحن بينما جئنا نحن بعدهم فمشينا على الخط العكسي ,
ولقد استمعت إلى دعاة العرب , ودعاة البلاد القاصية فما وجدت والله مجالا للمقارنة , فرغم أن دعاتنا أغزر علما بمراحل , إلا أن الدعاة من غير العرب تعلموا القليل فكثر فى أيديهم بالتطبيق العملى , فلم أجد منهم داعية غليظ القلب أو مكفهر الوجه , بل ما وجدت أحدهم غاضبا قط لنفسه ــ حتى لو تعرض لأقسي الهجوم ــ بل وجدتهم غاضبين مهاجمين فقط فى الدفاع عن الدين , وحتى فى غلواء غضبهم لم أعثر لواحد منهم على كلمة أو لفظ بذئ , فكان من الطبيعى جدا أن يؤمن على أيديهم أشد المعادين المتطرفين للإسلام !
أو على الأقل تجد المتعصب من هؤلاء ينزوى خجلا ويخاف مواجهة الجماهير الحاضرة

سمعت وقرأت لذاكر نايك وأحمد ديدات وعبد الرحمن السميط , ومن قبلهم من العرب من كانوا حقا على منهجهم , ما وجدت أحدهم ثائرا أو متأثرا بما يسميه الهجوم على شخصه حتى لو كان هجوما فى حق أو انتقادا فى خطأ !
كما يفعل دعاة اليوم فيصرخ فى الناس بأن الحاقدين كثير وأن لحوم العلماء مسمومة !
رغم أن معظم الانتقادات الموجهة لدعاة اليوم بعضها يعتبر من الجرائم والطوام , وحتى بغض النظر عن الإتهامات فيكفي أن يشاهد الجمهور كيف يتناطح هؤلاء الدعاة كالديكة ويرمون بعضهم البعض بأفظع التهم صراعا على كعكة الدنيا ثم يخرجون للناس مرددين بأن الحرب عليهم هى حرب على الدعوة وعلى الإخلاص !
وسمعت وسمع العالم كله قصة المناضل الإفريقي المسلم مالكوم اكس ..
هذا الرجل بالتحديد يعتبر هو الحجة الواضحة على دعاة اليوم وعلى العلمانيين فى نفس الوقت !
فتجربة الرجل تعد حجة بالغة على العلمانيين وأضرابهم من الطاعنين فى السنة والتاريخ الإسلامى لأنه ــ وغيره بالآلاف عبر العالم ــ آمنوا بالإسلام من القرآن والسنة بمجرد معرفة مبادئ هذا الدين , وهو إيمان حر تام الحرية لا شبهة فيه لتأثير خارجى من البيئة المحيطة او غيرها , بل إن البيئة المحيطة على العكس كان من المفترض أن تدفعه للكفر بالإسلام والمسلمين مع حملات التشويه المنظم
ورغم هذا اسلم الرجل لانه كان كمناضل باحث عن الحرية وسط الاستعباد الأمريكى لم يجد ضالته إلا فى الإسلام فآمن به وهو الذى لم يسمع به فى حياته السابقة قط ..
فهو وسط نضاله لاستعادة الحرية لبنى جنسه من السود لم يقبل أبدا بأى دين يدفعه للعبودية ويفرق تفرقة عنصرية بين وبين غيره من البشر , وبالتالى كفر بالأديان كلها حتى هداه الله تعالى إلى الإسلام بمجرد معرفته بقيمة الحرية فيه وأن العبودية لله وحده , وأنه لا فضل لعربي على أعجمى أو لأبيض على اسود إلا بالتقوى ..
وهذه هى الحجة الأولى على كل من اتهم الإسلام بالعنصرية بينما الغرب وأنصاره هم أساس العنصرية فى العالم اجمع للدرجة التى جعلت الولايات المتحدة تقمع الزنوج حقوقهم حتى سنوات قليلة مضت وهم يروجون ــ رغم ذلك ــ باعتبارهم حملة لواء الحرية والمساواة والديمقراطية فى تناقض لا مثيل له
ومالكوم اكس حجة على العلمانيين ودعاة التغريب وعلى المتاجرين بالإسلام أيضا من ناحية أخرى أهم وأكمل .. تعتبر دليلا عمليا على عمق وصدق وحى ورسالة الإسلام
فمالكوم اكس اسلم على يد داعية لم تكن صفاته الشخصية تتناسب مع قيمة الدين الذى يدعو إليه , وعندما فوجئ مالكوم اكس بان الرجل الذى دعاه للإسلام يتناقض مع مبادئ الدين للدرجة التى عايره بها خصومه , هنا لم يترك مالكوم اكس دينه لأجل ذلك ,
وهذا لسبب بسيط ..
أن أول المبادئ الإسلامية التى تعلمها هى أن الرجال ليست حجة على الدين بل الدين هو الحجة البالغة , وبالتالى إن كان هناك فى الإسلام من لا يصلح لشرف رسالته فالعيب ليس فى الإسلام قطعا بل هو فى المنافقين , ولان مالكوم اكس أراد إثبات هذا عمليا , فقد ترك الولايات المتحدة متجها صوب مكة لأداء فريضة الحج حتى يري مجتمع المسلمين فى أكبر تجمع للمسلمين وهو موسم الحج , وهذا التجمع مع غزارة التنوع كان هو هدف مالكوم اكس كى يقطع الشك باليقين , ويعرف هل هذا الدين يؤمن أتباعه بالمساواة فعليا ويطبقونها عمليا أم أنها مجرد شعارات كشعارات الرأسمالية والشيوعية ..
وعندما نتأمل شهادة مالكوم اكس عن رحلته للحج ندرك تماما من خلال ملاحظاته وانبهاره أن شهادته المحايدة تلك تمثل طعنة نجلاء فى قلوب الحاقدين والمتربصين , فالرجل سجل فى شهادته انبهارا غريبا بأشياء عندنا نحن المسلمين تعتبر من قبيل الثوابت التى لا تلفت نظر احد
ورغم ذلك استوقفته وأثارت انبهاره وكان انبهاره اكبر دليل إدانة على مدى الجبروت الامريكى حكومة وشعبا ومدى عنصرية هذه الدولة التى قامت على جثث عشرين مليون هندى احمر , وتسببت فى قتل واستعباد عشرة ملايين إفريقي
قال مالكوم اكس أنه انبهر عندما وجد أناسا وخليطا من كل أجناس الأرض لا يربطهم أى رابط إلا رابطة الإسلام , وكلهم بلا استثناء يرتدون رداء واحدا ويسبحون ويصلون ويتوجهون بالدعاء لخالق واحد , ويتعاملون مع بعضهم البعض بنفس الأسلوب على نحو يستحيل آن تميز فيه بين غنى وفقير أو بين بشرة وأخرى حيث عبر مالكوم اكس مندهشا أنه وجد معاملة رفاقه فى الحج معه معاملة عادية طبيعية ليس فيها أدنى استعلاء أو استكبار !!

وربما كان هذا الكلام مدهشا لنا نحن المسلمين لكن الدهشة تزول إذا علمنا أن عنصرية الغرب نحو السود هى داء مجتمعى طافح عندهم مهما تغنوا بالمساواة وهناك من الطبيعى أن يلاقي الزنوج احتقار وازدراء غيرهم رغم كل ما حدث من تطور فى هذه العلاقة , وهذا أمر طبيعى إذا أدركنا أن السود فى بدايات النهضة الأمريكية كانوا أقل مكانة من الحيوانات بكل ما فى الكلمة من معان
وبالتالى ..
عندما يجد مالكوم اكس هذه المساواة الفطرية فى التعامل يحق له الإندهاش ولنا أن نتخيل ردة فعله عندما قرأ فى التاريخ الإسلامى وعلم مكانة وقيمة وقامة بلال بن رباح مؤذن الرسول عليه السلام وهو الصحابي الوحيد الذى لا يمكن لمسلم فى أى جيل ألا يعرفه لأنه مقترن بأهم شعيرة من شعائر الإسلام وهى الصلاة .. , وناهيك عن مكانة وقامة العديد من كبار الصحابة ممن كانوا فى فضلهم عند الله وبين المسلمين أكبر بكثير من ذوى الأحساب الرفيعة ومثالهم صهيب بن سنان الرومى وكذلك سلمان الفارسي ومكانة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقد كان رقيقا فى الجاهلية بل ومكانة وحشي بن حرب الذى كان عبدا حبشيا فى الجاهلية لجبير بن مطعم وكان هو من قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فى معركة أحد ,
ورغم هذا عندما أسلم وحشي لم يجد من النبي عليه السلام إلا المودة والرحمة كسائر من دخلوا فى الإسلام , فلا كراهية ولا ضغينة رغم أنه قاتل أحب الناس إلى قلب النبي عليه السلام وواحد من أبطال الإسلام المغاوير فضلا على شرفه ونسبه وحسبه , كل هذا لم يمثل عائقا قط أمام وحشي كى يصبح من أفراد المجتمع النبوى ..
وبالتالى ..
لنا أن نقارن ــ إذا جازت المقارنة ــ بين حضارة ورقي وأخلاق مجتمع الإسلام وبين دعاة الحضارة الغربية على مدار تاريخها العنصري البغيض !
بل إن انهاره وإيمانه تحول ليقين لا يتزعزع عندما أدرك أن الإسلام لا يساوى فقط بين الناس بغض النظر عن ألوانهم أو أحسابهم بل إن الإسلام اعتبر التفاخر بالأنساب والأموال وغيرها من نواقض الإيمان حيث نص النبي عليه السلام أن مثل هذا التفاخر والتمايز هو من قبيل الجاهلية المحضة التى ما جاء الإسلام إلا لدحضها

هذه هى تجربة مالكوم إكس وهو واحد من آلاف مؤلفة عبر القرون دخلت الإسلام من بوابته الرئيسية وهى بوابة الحرية الحقيقية المتمثلة فى الخلاص من كافة أنواع استعباد البشر للبشر وإفراد الخضوع لله وحده
وهى كما قلت تجربة تمثل حجة على دعاة اليوم أيضا , فهذا الرجل الإفريقي المؤمن حقا عندما نادى بالحرية ورزقه الله بالإخلاص كانت تجربته نبراسا يُحكى فى التجرد من كل غرض شخصي , ولهذا سبب انقلابا وصداعا غير مسبوق للغطرسة الأمريكية وتبعته الملايين ولم يجد النظام الأمريكى مفرا من اغتياله , رغم أنهم قاموا بتلبية مطالب تعديل القوانين لتهدئة المتظاهرين , وهذه سياسة معروفة فى الحكم حيث أن النظام الغربي إذا وجد نفسه مضطرا للإستجابة لضغوط تخالف نظامه فالحل عندهم هو الإستجابة الفعلية لها ولكن مع القضاء المبرم على من تسبب فى تلك المطالب كى يعطوا لجماهيرهم درسا فى أن النظام وإن استجاب للضغط لكنه لن يسمح لمن يفجره أن يظل حيا كى يتخذه الآخرون قدوة , وبالتالى تعلم الجماهير أن قيادة الثورة على الظلم لها ثمن فادح فلا يجرؤ عليها أحد بعد ذلك إلا من كان داعية مخلصا بالفعل لدعوته

ومصيبتنا فى دعاتنا اليوم أو أغلبهم هو انكسار التجرد بالأغراض الشخصية والحزبية المختلفة والتى ربطت ربطا مقيتا بين الدين والأشخاص وبين أهداف الدعوة التى يلزمها التجرد التام وبين المزج بين مطالب الدعوة وبين المصالح الفردية وهى الأمور التى منحت الخصوم جواز المرور للطعن فى ثوابت الدين عن طريق الطعن فى أشخاص المتجرين بالإسلام طمعا فى الحكم والنفوذ أو الأموال

وقد تأملت فى إمكانيات من يتصدون للدعوة اليوم , وأنا هنا لن أتحدث عن الإمكانيات المتوافرة فى عموم أرضنا وتذهب فى الملذات , بل سيكون حديثي عن الجانب الخيّر فينا
وعدد الدعاة والعلماء عندنا يكاد يتفوق على مجموع سكان بعض دول إفريقيا ! , وعدد مواقع الإنترنت والمنتديات وطلبة العلم والجامعات يكفي لتغذية تعليم المليار مسلم حول العالم
ومع هذا فالجهل والرياء والشرك والتكفير والتخوين هو المحصلة الكبري والأعظم لكل هذه الجهود !
فأين الخلل ؟!
تأملتُ بعض الإحصائيات حول الأموال التى يتبرع بها المسلمون كزكوات وصدقات ودعم فى سبيل الله فأخذتنى الدهشة والذهول حقيقة !
فانظروا لأرض العرب أرضنا كلها , , يوجد عندنا آلافالمؤسسات الخيرية لها تبرعات فى مجموعها تكاد أن تكوّن ميزانية دولة متقدمة , وهناك حتما من بين هذه المؤسسات من يعمل بالفعل فى سبيل الله وإنقاذ وإعانة المحتاجين , ولكن هل كافة من يتاجرون بالتبرعات ويطلبونها عبر إعلانات مصطنعة يفعلون ذلك بالفعل ؟!
مع هذه الإمكانيات وقيمة التبرعات تكاد تتخيل أنه لا يوجد فقير أو صاحب حاجة , فإذا تأملت الواقع وجدت الفقراء يزيدون فقرا ويزدادون عددا !!!
فأين الخلل ؟!
وهناك ــ للطامة الكبري ــ قسم كبير من هذه الملايين لا يعلم أصحابها أن أموالهم تذهب لتغذية وتمويل العمليات الإرهابية تحت زعم الجهاد فى سبيل الله !
تلك العمليات التى يذهب ضحيتها المسلمون وهى ترفع شعار تحرير القدس ومحاربة اليهود بينما التمويل والسلاح لا يأتى لدعاة الإرهاب إلا برعاية اليهود والغرب !
وفى المقابل ..
رجل واحد مثل عبد الرحمن السميط بدأ بلا إمكانيات من أى نوع وقام باستغلال كل فلس فى التبرعات المحدودة التى جمعها , ثم ترك بلده المترف وهاجر لإفريقيا أربعين عاما تحمّل فيها الأمراض والمعيشة الضنك فى سبيل الدعوة للإسلام ومحاربة التنصير ..
فماذا كانت النتيجة يا ترى ؟!!
والله لو أنى ذكرت إنجاز هذا الرجل أمام أى مؤسسة منصفة ولو كانت لا تؤمن بدين لدخلوا الإسلام لفرط التأثر بالإنجاز وحده
رجلٌ واحد يا عباد الله , أخلص فقط فى النية وانطلق وليس معه إلا حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فأسلم على يديه 11 مليون شخص !
وأسس آلاف الجامعات والمعاهد الإسلامية والدعوية وآلاف المساجد فضلا على آلاف الجمعيات الخيرية التى تربط الدعوة بالتنمية
ورغم كل ما فعله إلا أنه ما ضُبط متلبسا بالدعوة إلى نفسه , ولا استغل أتباعه فى معركة سياسية أو منفعة شخصية أو دعم حاكم , بل إنه أصلا لم يسمح بأن يتكون له أنصار وأتباع يهتفون باسمه أو يسيرون على منهج خاص يحدده لهم بل كان كل ما فعله أنه قدم لهم دعوة الإسلام والسنة , وقدم دعم المعيشة بدون أدنى مقابل حتى كلمة الشكر !!"[2]"
وهذه الإنجازات أيها السادة أقول لكم ــ وأنا المصري من بلد الأزهر ـــ أن مؤسسة الأزهر الدعوية بأكملها وبكل إمكانياتها الضخمة احتاجت عشرين عاما لتحقق إنجازا مماثلا لما حققه السميط بمفرده !!

وأحمد ديدات ــــ وما أدراك ما أحمد ديدات ـــ ففي الوقت الذى كــنـّــا فيه نحن العرب غارقون فى تكفير بعضنا البعض , كانت جبهة التنصير تنفق مليون دولار يوميا لنشر التنصير فى إفريقيا فجاء هذا الرجل وحده وعكف على الدراسة فى العقيدة بلا أى مؤهلات ولم يكن معه إلا الإبتدائية فتعلم العقيدة الصافية من القرآن والسنة رأسا , ثم جلب كافة الأناجيل وكتب القساوسة والمبشرين ودرسها ومحصها , وانطلق للدعوة ...
فماذا كانت النتيجة ؟!
النتيجة لا يمكننى أن أحتويها بمقال أيها السادة إنما يكفي أن أقول لكم أنه أذل ناصية الفاتيكان بأسره وكان كالشوكة فى حلوقهم وحتى عندما مات رحمه الله وضع مكانه تلميذه ذاكر نايك الذى يماثله إبداعا وعلما وبلغ من تأثيرهم الرهيب أن ندواتهم على مواقع الإنترنت يدخل الناس بسببها للإسلام يوميا , أى أنهم تسببوا فى دخول الناس لدين أفواجا حتى بغير دعوة مباشرة !
وأتحدى أى شخص سواء كان مسلما أو غير مسلم أن يدلنى على فائدة شخصية أو نفع شخصى مادى أو معنوى حصل عليه أحمد ديدات أو ذاكر نايك واللافت للنظر أنهم رفضوا حتى المكسب الحلال الزلال وقاموا بتوزيع كتبهم ومحاضراتهم بالمجان ودون أى حقوق محفوظة بل أتاحوها للمسلمين فى أقطار الأرض , رغم أنهم بذلوا من أقواتهم لخدمة مسار الدعوة
بل على العكس رحل أحمد ديدات مثل عبد الرحمن السميط بعد رحلة مع الأمراض بسبب النشاط الغير طبيعى , ورفضوا مبدأ الراحة وظلوا حتى آخر نفس على نفس خطى طريق الأنبياء , فأسأل الله عز وجل أن يرفع ذكرهم فى الدنيا والآخرة بحق ما ضربوا لنا الأمثلة وحفزوا المسلمين على اتباعهم

فماذا فعلنا نحن يا ترى ؟!
بغض النظر عن أننا فرّقنا مجتمعاتنا نفسها , فضلا على بقية العالم , إلا أننا لم نتدبر فى أفعال وتجارب هؤلاء الدعاة ..
كعادتنا الأثيرة طبعا , افتخرنا بهؤلاء الدعاة واستخدمناهم فى إغاظة المخالفين وكأننا أصحاب الإنجاز ! , وهذا ليس غريبا علينا , ألسنا نحن أيضا من ظل يفتخر بحضارة الإسلام ورجاله دون أن يكلف نفسه إحياء فضيلة واحدة من فضائلها , ألسنا نحن من نحفظ القرآن والسنة عن ظهر قلب , ونكاد لا نطبق منهما إلا الأساسيات على مضض !

أما البلية الكبري وشر البلية ما يضحك ..
فهى أننى استغرقت فى الضحك عندما جاء دعاة آسيا وأوربا لبلادنا فإذا ببعض السائلين يسألهم إلى أى فرقة أو مذهب ينتمون !!!
خيبة الله عليكم وعلى من قصّر فى تربيتكم حتى أصبحتم لا ترون الدين إلا من خلال الأشخاص , وحتى عندما رأيتم المثال النموذجى للمسلم الحق , فإذا بكم تريدون دفعه دفعا ليصبح مثلكم , وكان من الطبيعى أن يشعر الدعاة مثل أحمد ديدات وذاكر نايك ويوسف استس وغيرهم بالدهشة وهم يواجهون هذه الأسئلة , لكنهم أجابوا بإجابة لو كان السامعون لها يملكون ذرة خجل لجلدوا أنفسهم بالسياط , ذلك أنهم أجابوا فى بساطة بأنهم مسلمون على القرآن والسنة يحترمون كل العلماء لكنهم لا يتعصبون ولا يتسمون بأسمائهم فهكذا أمر القرآن وهكذا أمرت السنة !!
فيا ليت أجيالنا المعاصرة من الشباب تتخذ من هؤلاء العمالقة أمثلة ورموزا .. فهم الأجدر بأن يكونوا أبناء الصحابة , بل هم بالفعل أبناء الصحابة , فالإسلام والعلم رحمٌ بين أهله
استحضروا تجارب هؤلاء الدعاة من الأعجميين وكيف جندوا أنفسهم للدعوة بالعمل لا بالعلم وحده بضرب نموذج الأخلاق لا بالحديث عنها وفقط , فصار وجودهم فى حد ذاته هاديا لمجتمعاتهم
بالذات فى عصرنا الحالى بعد أن أصبح اليوم فرض عين على كل مسلم أن يكون داعية للإسلام والسُنة بعد أن يتسلح ــ بعد النية الخالصة ــ بالحد الأدنى من ثوابت العلم والكثير من أدبيات المنطق الحوارى , لأن الهجمة هذه المرة جاءت من عدة جبهات فلا يصلح لها العلماء والدعاة وحدهم بل يجب أن تشمل الجميع وكلٌ فى نطاق أسرته ومجتمعه , حتى لا يجد المرء نفسه وأهله قد انقسموا بين دعاة للإرهاب باسم الدين , وبين دعاة للإلحاد باسم رفض الإرهاب
ولهذا السبب خرج هذا الكتاب كمحاولة أسأل الله تعالى أن يفيد بها ولو بمثقال ذرة )

الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]ــ رجاء مراجعة كتاب سفراء جهنم ــ الجزء الأول للكاتب ــ مكتبة صيد الفوائد
[2]ــ قارنوا هذا بالله عليكم بما فعلته التيارات الإسلامية على خلاف توجهاتها , ماذا فعلوا بأتباعهم وماذا فعلوا بالإسلام ؟!

محمد جاد الزغبي 02-09-2016 01:21 AM


ضربة البداية : من هم الذين يهاجمون التراث والحضارة الإسلامية , ولماذا ؟!

فى إحدى المشاهد الساخرة ــ والمأساوية فى نفس الوقت ــ وقف الفنان حسن عابدين رحمه الله فى المسرحية يخاطب ابنته متحدثا عن أحوال عن البلد قائلا :
( البلد دى يا صفية عاملة زى اتنين بيلعبوا مع بعض لعبة شد الحبل )
فقالت صفية : ( واحنا بقي اللى بنتفرج يا بابا )
فقال لها : ( لا , احنا الحبل اللى بيلعبوا بيه يا صفية !! )

فى ظل الهجمات المتتالية على الإسلام وتاريخه وحضارته وعلومه , على عدة جبهات , إما بسبب جماعات الإرهاب المسلح التى تنسب نفسها إليه , وإما بسبب هجمات دعاة التغريب والتغييب الذين يستندون لأفعال المجرمين لتبرير الهجمات حتى على القرآن فضلا عن السنة والتاريخ , متسترين خلف دعاوى التجديد والتنوير التى أصبحت بوقا لكل طاعن , بينما هم يهدفون إلى إماتة كل ما له علاقة بالإسلام فى نفوس الناس , وهم فى هجماتهم يتهمون التشريع والتاريخ الإسلامى بمخالفة العقل , والتناقض , ويستغلون فى ذلك أن الناس فى جـُملتهم لا طاقة لهم باستيعاب معظم كتب الرد على الشبهات , بسبب ارتفاع مستواها العلمى ونظرا لعدم إلمامهم بالقواعد التى تستند إليها علوم الشريعة , وبالتالى فلن يستوعبوا معظم ما يتم طرحه عليهم من توضيح ,

فى ظل هذه الهجمات استخدام الجانبان أسلوب الإرهاب ــ مع اختلاف الوسيلة ــ
فالخوارج الجدد يستخدمون السلاح ضدنا , وخوارج الإعلام يستخدمون الإرهاب الفكرى والاغتيال المعنوى , فإذا نطقنا بآرائنا التى تعبر عن ملايين المصريين فى رفض الجانبين , كــفّرنا الطرف الأول , وهاجمنا الطرف الثانى واتهمنا بأننا من الدواعش والإرهابيين وحرض ضدنا الدولة !!
لهذا .. وكتعبير عن فكر الكثيرين من شباب هذا الجيل
خطرت لى فكرة كتابة فصول هذا الكتاب وهو تجميع لمناقشات مطولة بينى وبين بعض من أربكتهم الشبهات المطروحة , واتفقنا فى الحوار على أن يكون النقاش معتمدا على أساس الإقناع والمنطق العقلي المجرد بدون الدخول إلى معمعة التفاصيل العلمية التى تحتاج إلى الحد الأدنى من الدراسة وفهم المنهجية العلمية ,
وذلك حتى يكون أمام القارئ خياران لمطالعة الردود على تلك الشبهات ,
خيار القناعة العقلية فى مثل هذه الحوارات التى تعطى ردا فكريا يستطيع استيعابه كل الناس دون حاجة للتخصص فى علوم الشريعة ,
وخيار الإقناع العلمى وهو متوفر فى كتب رد الشبهات لمن يستطيع أن يقرأ ويتابع أقوال أهل العلم وهى مكتوبة بلغة المتخصصين , يوجد بها ردود مستفيضة على كل شبهة بلا استثناء
وقد نتج عن هذه الحوارات نتائج إيجابية فى أنها أظهرت تناقض العلمانيين أنفسهم ومخالفتهم لمبادئ المنطق الذى يتشدقون به , كما ظهرت من قبل تناقضات مؤيدى الإرهاب عندما انقلبوا على ثوابتهم التى تاجروا بها ,, والله المستعان

أما كيف ومتى نشأت أمثال هذه الحوارات .. فلهذا قصة ..
ف
نحن كعادة شباب جيلنا , اتخذنا من المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعى جامعات افتراضية بديلة , ليس فيها أساتذة متجبرين وتلاميذ مقهورين , بل فيها متخصصون فى كل فن نستمع إليهم ونكلفهم بإرشادنا , وقرّاء ومثقفون لا يسلمون إلا للدليل والحجة , وتنعقد حلقات المناقشة فى مختلف العلوم والمعارف والآداب , ونحرص فيها على رفض الأقوال المبنية على الحزبيات أو القناعات المسبقة , كما أننا نعمل ونؤمن بأن كل إنسان فيه الخير وفيه الشر , وحسب تغلب أحدهما على الأخر يتحدد الحكم على الإنسان بالخير أو الشر , ويتحدد أيضا مدى عطائه بحسب تاريخه وإسهاماته , وما أصاب فيه وما أخطأ , مع مراعاة ظروف مجتمعه الذى عاش فيه , لأنه من المستحيل أن نحاكم بحيادية أى شخصية عامة فى أى عصر بمقاييس غير مقاييس عصره
ولهذا فقد قرأ جيلنا التاريخ كله بحيادية فعلية , ولم نسلم بعصمة أحد بعد النبي عليه الصلاة والسلام ومجموع الصحابة , ولم يعنينا أبدا فى الأجيال التى تعاقبت على الأمة حتى يومنا هذا , لم يعنينا ولم يزعجنا أن يكون فى الأئمة والعلماء والمفكرين والحكام , عيوب وأخطاء نقول أنهم أخطئوا فيها , لأننا لا نعتقد فى كل شخصيات التاريخ وجوب أن يكون الإنسان مبرأ من كل عيب حتى نصدقه ونقدره ونكبره ! , فكل نجم من نجوم التاريخ له أخطاء لا تؤثر فى حكمنا عليه طالما أن أخطاءه معدودة , وفضله وافر متسع
كما أننا لم نحكم على من أجرموا فى حق الأمة بالشر المطلق إلا عندما لا يكون لهم من عطاء الخير نصيب , فإن كانت له حسنات ذكرناها وإن كانت لا تؤثر فى حكمنا العام عليهم ,
ولهذا لم ندخل إلى القراءة وقلوبنا تحمل الحب المسبق إلا لأجيال الأمة الأولى , لأن القرآن والسنة بين أيدينا أوضحوا لنا أن حبهم إيمان .. ولم ندخل بالكره المسبق لأحد بخلاف ما اجتمعت عليه الأجيال الأولى فحكمت عليهم بأنهم كانوا أعداء لنا ,
ومع ذلك قرأنا عن هؤلاء وهؤلاء حتى يكون حبنا وكرهنا مبنيا على أساس من الواقع ..
وبعدها قرأنا وحاكمنا تاريخنا وتاريخ الغرب من العهد الأول وحتى العصر الحديث , وكان قياسنا فى الحكم عليهم هو مبدأ الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات ,
ليس فى التاريخ العام وحسب , بل حتى على مستوى الفكر , فلم ندخل فى القراءة ونحن نردد ما صدعونا به فى سنوات تعليمنا الأولى من أن فلان هو رائد كذا وكذا , وأن فلان هو علامة كذا وكذا ..
فقد فضلنا أن نرى بأنفسنا ثم نحكم حكما موضوعيا ,

وقد يسأل البعض كيف لكم ذلك وهذه الأحكام تحتاج المتخصصين فى عشرات المجالات ؟!
فنقول بأن أجيالنا خرج منها ــ من ناحية العدد ــ أكبر كم من المتخصصين فى كل مجال , وعدد حاملى الماجستير والدكتوراة فى أجيالنا يتفوق على عدد طلبة الجامعات فى أجيال من قبلنا ,
ومن ناحية الكيف , فقد توهمت الأجيال السابقة أن فساد التعليم ــ الذى كانوا هم السبب فيه ــ جعل من حامل الدكتوراة اليوم أقل علما من طالب الجامعة فى أيامهم , وهو قول مردود وإشاعة روجتها ضدنا تلك الدوائر التى شاخت فى مواقعها ــ على حد تعبير هيكل ــ , وهم يعايروننا بما تسببوا هم فيه , دون أن يدركوا أننا لم نقتصر على ما علموه إيانا من التعليم المنقوص , بل استخدمنا أدوات عصرنا وسهولة المصادر لنعيد تعليم أنفسنا ونتخصص أكثر وأكثر
فلم يعد مهندس الكمبيوتر فى جيلنا يكتفي بالبكالوريوس أو حتى الدكتوراة , بل ذهب ليحصل على شهادات الخبرة العالمية ويتوافق مع مستويات عصره
ولم يعد طالب الحقوق أو الشريعة يكتفي بالماجستير أو الدكتوراة , بل استخدم هذه الشهادات كوسيلة لمعرفة طرق البحث فى كتب السابقين ووسيلة لإبداع الجديد الملائم للواقع , فلم يجعل شهادته غاية يتوقف عندها
بل ولم يكتف جيلنا بالإغراق فى تخصصه فحسب , بل طبق مقولة العقاد فى تعريف المثقف المتوازن وهو ( الذى يعرف كل شيئ عن شيئ ــ أى مجال تخصصه ــ ويعرف شيئ عن كل شيئ ــ وهو مجال ثقافته ــ )
وعرفنا من قراءة التاريخ أن المفكرين هم قادة تربية الرأى العام , فقررنا تربية مفكري جيلنا على طباعنا قبل أن نسمح لهم بأن يربونا على فكرهم ,
وقد أتاحت تعدد وسائل التفاعل والتواصل أن نحتك بمن يكتبون , ونجبرهم على أن يواصلوا البحث والتعلم لكى يقدموا لنا فى كل مرة شيئا جديدا ,
وفى المنتديات الثقافية ..
كنا ننتخب الموضوع ونوع الموضوع الذى يؤرقنا , وبعد تحديد التخصص ,, يقوم جمهور الحاضرين بالسؤال , ويتكلم المتخصصون حسب كل موضوع النقاش , ثم يتغير الموضوع فيتغير المتكلمون ويأتى المستمعون من المتخصصين فى الموضوع الجديد ليصبحوا هم الأساتذة , ويصبح من تكلم سابقا هو المستمع هذه المرة , وهكذا دواليك , فكلنا يمر عليه الدور ــ حسب تخصصه ــ ليصبح متكلما أو مستمعا ليعود النفع على الجميع
ولم يكن المحاضرون والأساتذة من جيلنا فقط ,
بالعكس
فقد فوجئنا ونحن فى شبكة الانترنت والمنتديات الثقافية بانضمام علماء كبار , وأساتذة جامعات سابقين , وفقهاء متخصصون , ومفكرون ــ كلهم كان قد التزم بيته ـــ بعد أن فرغت ساحة الإعلام ممن يعرف أقدار العلماء فيبحث عنهم , وجاء الانترنت وسيلة جديدة لجئوا إليها لنشر علمهم مجانا على الشباب , وعلى حد قول أحدهم لى ــ وهو اللواء أحمد سعد الدين ــ "[1]"
أنه عندما فكر فى دخول عالم المنتديات الثقافية كان يهدف لإنشاء موقع غير تفاعلى ينشر فيه العلم ولا يسمح لأحد بالتواصل معه لأنه لم ير فى الأجيال الجديدة ــ كما كان يظن ــ أى أمل فى حب العلم ومُدارسته , كما كان يظن أنهم مثلما يروج الإعلام ليس لديهم صبر أو فضول تجاه العلوم والتاريخ
ففوجئ بعد الاحتكاك بالشباب بآلاف الرسائل تنهال عليه طلبا للمزيد , فدخل إلى الشبكات الثقافية الكبري مثل شبكة العز الثقافية , وشبكة بوابة العرب , ووجد تفاعلا لم يتوقعه أبدا من شباب فى العشرينيات والثلاثينيات تسأل بثقافة واسعة , وبشكل يعطى تصورا عن سابق ثقافتهم فى تلك المجالات , وكان من أكبر ما أثر فيه ــ باعتباره من أبطال أكتوبر ــ أنه رأى هذا الجيل الذى لم يحضر الحرب يكاد يعرف عنها وعن أبطالها كل شيئ ,
وبالتالى ,,
خصص الرجل ــ بعد تقاعده ــ أكثر من عشر ساعات يوميا لينشر علمه ويجيب ويدل ويرشد كل من يسأله , وهذا الأمر تكرر كثيرا مع متخصصين كبار مثله بالذات منذ عام 2002 م , وكانت المنتديات هى النشاط الرئيسي على الانترنت لكافة المجالات , فلم تكن وسائل التواصل الاجتماعى قد ظهرت بعد , ولم ينسحب البساط من المنتديات والمدونات إلا مع عام 2011 م ,
وفى تلك الفترة احتك كل شاب هاو للقراءة , بشيوخ فى مهنة النقد والفكر لا يعرف لأعلام عنهم شيئا مثل أستاذنا الدكتور البدراوى زهران رحمه الله , أستاذ الأدب العربي فى عدد من الجامعات المصرية , وهو من جيل شوقي ضيف ومحمود شاكر ,
ولشدة تواضعه كان يستقبلنا فى بيته ويكتب لنا تحقيقات أدبية على أعمالنا ــ وهو الذى كان ينقد لفطاحل الأدب من قبل ــ وكانت سعادته فوق الوصف وهو يشاهد شبابا حديث السن لا يقرأ فقط الأدب الجاهلى والعباسي والأموى بل يستمتع به ويستخرج منه الصور البلاغية ويناقش الأعمال الأدبية عروضيا ولغويا ويستدل بفطاحل النحو والبلاغة فى نقده
وأستاذنا الدكتور أحمد أبو رحاب أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإسكندرية ــ رحمه الله ــ كان يشارك معنا كعضو عادى وينشر أعماله وينتقد أعمالنا ــ كما لو كان فى مثل عمرنا ــ وعندما عرفنا بقيمته وقامته , هرعنا إليه نعاتبه ونتمنى منه أن يفرد لنا من وقته ليعلمنا , وكان الرجل فياضا فى عطائه لا يرد طلبا , والأمثلة كثيرة ومتعددة ,
فالتاريخ الضخم والكم الهائل من المناقشات منذ عام 2002 م , يكاد يتفوق على العطاء العلمى لبعض الكليات المتخصصة , ونحمد الله أنه متوفر على النت ومنتشر بشكل يحميه من الضياع ..

وهذا الكتاب يضم بعض الحوارات التفاعلية , هى تسجيل لبعض محتوى تلك المناقشات المستمرة بلا انقطاع ,
ولعدم التشتت , تعاملت فى الكتاب على أن السائل أو المحاور فى النقاش كان شخصا واحدا , رغم أن المـُــناقشين كانوا مجموعة كبيرة , وبأسئلة مستفيضة
وكانت البداية عبارة عن مناقشة قصيرة تخص تحذيري للمجموعة من القراءة فى الفلسفة الغربية , وأن مجال الفلسفة الغربية ليس كما يظنونه عنوانا وحيدا للفكر والثقافة
فلما اعترض أحدهم على تحذيري قلت له أنا لا أمنعك , ولكنى أقول خذ حذرك من فلسفة الأديان ــ تحديدا ــ لأنها ضلالات محضة , فكان شرطه للعمل بالتحذير أن يقتنع بالسبب ,
فقلت له بأن العلماء حذّروا من تلك الكتب , فقال بأن الفقهاء لا علاقة لهم بالفكر والفلسفة !! ,
فعلمت أن الحوار سيطول , وسيحتاج إلى موضوعات أخرى يجب مناقشتها قبل أن نصل إلى تفاصيل القضايا , فعرضت عليه أن نتحاور بطريقة السؤال والإجابة العلمية البحتة ,
فقال مشاغبا : الإجابة العلمية المحضة يفهمها أهل التخصص , إن كان العلماء الأقدمون ــ كما تقول ــ كانوا أصحاب منطق وحجة فحاورنى بالعقل وحده ,
فقلت له : لقد أنصفت , ومعك كل الحق , ولكنى لن أحاورك فقط فى قضية التحذير من فلسفة الإلهيات , بل سأحاورك فى الشبهات المنتشرة هذه الأيام والإتهامات المتناثرة حول العلماء والتاريخ والثوابت , وسنجعل المحاورة عقلية فقط دون الدخول فى تفاصيل علوم الشريعة , ولن أحيلك إلى كتاب علمى متخصص إلا إذا طلبت أنت بنفسك هذا الطلب وسأنوه لك عن المصادر كى تكون أمامك فرصة التنقيب بنفسك إذا أردت ..
فقال فى حماس : اتفقنا , وسأجمع كل ما يعرض لى وما قرأته لأواجهك بأسئلتى
فقلت له : ما هى طبيعة الشبهات التى ستجمعها ؟
قال : الشبهات التى نسمعها هذه الأيام حول السنة النبوية والتجديد والتاريخ ولم نكن نسمعها من قبل بهذه الضراوة ..
فقلت له : ولماذا تغفل عن الشبهات والإساءات التى على الجانب الآخر , فالطعن فى السنة والسيرة بل وفى القرآن هو من العلمانيين وأضرابهم , لكن لا تنسي أنه هناك جانبا آخر نعانى منه أشد مما نعانى من هؤلاء وهو الجانب الخارج عن فقه السنة , أو هم الفئات التى تستند فى فهمها للدين إلى فقه الخوارج أو الجمود التام
فقال متسائلا : ولكن هؤلاء هم من يصارعهم العلمانيون ويردون عليهم
قلت موضحا : بالعكس , العلمانيون يصارعون الدين والتاريخ كله وعلى رأسهم أهل السنة , أما أهل السنة هم الذين يردون ويتصدون لكلا الجانبين معا منذ فجر التاريخ الإسلامى , جانب الإفراط وجانب التفريط , والسنة الحقيقية هى بين هؤلاء وأولئك , وهى التى تمثل من هم مثلي ومثلك ومثل سائر عوام المسلمين , فنحن لسنا علمانيين ندعو لهجر كل ما يخص الشريعة , ولسنا أيضا من المبتدعة ندعو لإظهار الإسلام على أنه دين الإرهاب , بينما الله عز وجل سماه وسمى رسوله عليه السلام رحمة للعالمين
فقال : إذا سنبدأ النقاش بأن توضح لى هذه الفكرة , لأنها لو صحـّــت أعتقد أنها ستحل الكثير من ألغاز الحيرة التى تـُــشقينا
فقلت محذرا : ولكن لى شرط واحد ألا يكون الأمر أشبه بالتحدى والتناطح لأن هذا سيمنعك من قبول الحق ولو كنت مقتنعا به ,
فقال : بل على العكس أنا سعيد بالنقاش المنتظر طالما أنه سيرد بطريقة الإقناع المجرد على أمور تحيرنى ولكنى فى نفس الوقت أرفضها وأرفض الذى يُــقال فى الفضائيات حول ثوابت الدين ..
وهكذا بدأ الحوار ..

الهوامش
[1]ــ هو اللواء أحمد سعد الدين ــ حفظه الله ــ قائد عسكري سابق , ومفكر اسلامى من طراز رفيع

محمد جاد الزغبي 02-09-2016 01:25 AM

فكان السؤال الأول :
ما معنى الحوار الفكرى والعقلي فقط والذى تدعونى إليه , هل تعنى أنه خال من المعلومات ؟!
قال الكاتب :
كلا بالطبع , فالحوار العلمى هو حوار متخصص يدور بين العلماء وبعضهم البعض , أو بينهم وبين طلبة العلم ويغرق فى تفاصيل ومصطلحات واستدلالات المتخصصين والإقناع فيه للدليل العلمى , أما الحوار الفكرى , فرغم انه يحتوى على المعلومات والمصادر العلمية كأساس للتبادل الحوارى , إلا أن الإقناع فيه للحجة والمنطق العقلي والشواهد , فمثلا العالم أو طالب العلم يكفيه دليلا أن نحتج عليه بنظرية علمية سابقة أثبت العلماء نجاحها ونحتج عليه بأقوال المتخصصين فيقبلها , ولكن المثقف أو المحاور لا يقتنع إلا إذا رأى بعينه أو بعقله صحة ثبات هذه النظرية , لأنه ليس عالما بالمجال نفسه ولا يستطيع تقدير قيمة علمائه
أما أن نقول بأن الحوار الفكرى يخلو من المعلومات أو الشواهد فهذا هو التعريف المثالى للسفسطة والجدل الفارغ
تساءل الشاب :
لا أريد أن أشعب موضوع الحوار , ولكن هناك مسار تاريخى يلزم أن نتعرف عليه ولو بشكل مختصر ,
فعندما تساءلنا جميعا منذ فترة من هو التيار السياسي أو الدينى الذى يمثل الاتجاه الصحيح انتهينا إلى أن كافة التيارات تحمل الحق والباطل بشكل نسبي , فمنها تيارات قائمة على أساس باطل أصلا , ومنها تيارات تتفاوت فيها نسبة الحق , ولكن لا يوجد تيار يعبر عن عامة المسلمين ــ وهم الأغلبية ــ لأن كل التيارات السياسية والدينية تعبر عن مجموعة بعينها مهما ادعت أنها تعبر عن جماهير المسلمين ,
فمتى بدأت أصلا مسألة التفرق إلى اتجاهات وتيارات مختلفة ؟!
قال الكاتب :
القصة طويلة ومتصلة , ولكنها ضرورية ولهذا سأرويها بشكل مجمل وأدع لك المصادر لتتعرف على التفاصيل ,
وقبل التعرف على بداية التفرق , يلزم لنا معرفة الأسباب , فالأسباب المختصرة التى تسببت فى كوارث التشرذم والتى يمكن إجمالها فى ثلاث سطور فقط لا غير , هذه الأسباب هلك المتفرقون حولها وتجاهلوا وصايا القرآن والسنة التى أبرزت وتنبأت بما سيحدث , ولم ينج إلا من قرأ وتدبر وفهم ثم طـبــّــق
فالأسباب على أنواع ثلاثة , سبب عقائدى وسبب تشريعى وسبب سياسي ,
أما السبب العقائدى فهو أن أول فتق فى الإسلام كان بسبب البعد عن السُــنة النبوية "[1]" , واللجوء إلى الإبتداع فى العقيدة , وهو أمر تواتر فيه التحذير بأشد أوامر النهى بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعلها آخر وصاياه , حيث أوضح للمسلمين أنه تركهم على المحجة البيضاء وكانت خطبته عليه الصلاة والسلام دوما ما يتقدمها التحذير من البدع ,
والسبب التشريعى , والسياسي يتمثلان معا فى رهن الشرع والحكم بالأشخاص , وهذه كانت ــ ولا زالت ــ هى قاصمة الظهر , فبمجرد أن انتشرت الفتن وظهرت فرق تقول بأقوال أئمة بعينهم لا تأخذ من سواهم , وفرق أخرى ترى الحكم فى طائفة معينة لا يتجاوز لغيرها حتى تمزقت وحدة المسلمين ,
فأصبح كل تيار لا يري الصواب المطلق إلا فى الإمام الذى يتبعه , ويراه حجة على الدين وليس على العكس , وهذا هو ما قال فيه الإمام الشاطبي بأن هلاك الأمة كان بسبب ترك السنة وإتباع أقوال الرجال , والمقصود هنا بالطبع ليس الأقوال العلمية أو الفقهية بل المقصود هو أن يكون العالم أو الإمام هو مصدر الحق وعنوان المتبعين فلو دققت النظر ستجد أن مسميات الجماعات كلها ترجع في نسبتها إلى أشخاص ينتسبون إليهم وليس إلى منهج السنة , وهذا يضرب أول ثوابت الإسلام فى أن العصمة والحجة محصورة فى النبي عليه الصلاة والسلام وحده , وهذا ما تواتر الأئمة فى التوكيد عليه كأئمة المذاهب ومن جاء بعدهم ,
والغريب أن كل الناس تردد حكمة ( نعرف الحق ثم نعرف رجاله ) رغم أن معظم القائلين بهذا يخالفون هذا المبدأ عند أول اختبار !
ومع تواتر الزمان وتشعب الفرق انتشرت الأحزاب والجماعات وكلها تبنى وتدعو للوحدة حول أفكار مؤسسها وضاع الأساس الحقيقي الذى اجتمع عليه المسلمون جميعا والذى يدين به عوام الناس الآن

فأساس الاجتماع فى جماعة واحدة هى ( جماعة المسلمين ) والتى ورثها ـــ بعد التفرق ــ مفهوم أو مصطلح ( أهل السنة والجماعة ) , هذا الأساس يقوم على الاتفاق التام بين المسلمين فى العقيدة والأصول , على أن يقتصر أى اختلاف مقبول أو سائغ فى الفروع ..
وهذه حقيقة راسخة ملزمة لكافة المسلمين , وتعلو على كل ما عداها من مقاصد الشريعة وكانت أشد وصايا القرآن والسنة , وليس المقصود بعدم الاختلاف هنا عدم وجود وجهات النظر أو الاتجاهات المختلفة , بل المقصود أن ألا يكون هناك خلاف فى الثوابت التى هى بطبيعتها لا تحتمل التغيير والاختلاف من عصر إلى عصر أو من زمن إلى زمن , لأنها أمور عقائدية نزلت بالوحى , وهى أساس الإيمان والإسلام فلا يوجد فيها مجال للاجتهاد أو الزيادة أو النقصان ,
وهى بطبيعتها أمور محدودة ومحددة مثل أركان الإيمان الثمانية وأركان الإسلام الخمسة ومنهج وطريقة تأدية العبادات , والالتزام بالقرآن والسنة الصحيحة المروية عن طريق الصحابة كمصدرين رئيسيين للتشريع ,
أما باقي الفروع , وأمور الحياة فهى رؤية عامة أتاح الإسلام فيها الاجتهاد للعلماء فى ظل الضوابط العامة التى تحكم حياة المسلم ,
وبالتالى ..
فإن أى مسلم ينكر أحد هذه الثوابت وضرورة العمل بها أو يزيد عليها أركانا أخرى يعتبرها من أصول الدين , فهو فى ميزان الشرع مبتدع أى صاحب فرقة , أما الذى يـُــكوّن منهجا فقهيا يتفق فى الأصول مع تلك المصادر ويختلف فى الفروع , فهو هنا مذهب فقهى تحت راية أهل السنة , والمعيار الذى نميز به الفرقة عن المذهب هو معيار موطن الاجتهاد , فإن كان صاحب المذهب يجتهد فى حدود الفروع فقط فهو ضمن جماعة المسلمين , أما إن جاء بأقوال مختلفة فى العقائد تختلف عن ثوابت القرآن والسنة فهو صاحب فرقة ,
وقد تفرعت الفرق المنشقة إلى أكثر من سبعين فرقة رئيسية تحتها مئات الفرق الفرعية كل منها يكفر الآخر , والفوارق الرئيسية بيننا وبينهم , هى أنهم يجتمعون جميعا على تكفير أهل السنة , وجميعهم ينكرون السنة النبوية المروية عن طريق الصحابة , إما إنكار كلى وإما إنكار جزئي , كما أن كل فرقة منهم لها أركان وأصول تختلف عن أركان الإيمان الثمانية وأركان الإسلام الخمسة , وكل فرقة لابد أن تتخذ لنفسها إسما وانتسابا مع مسمى ( المسلم ) وهو المسمى الوحيد أو الانتساب الوحيد الذى يجيزه الشرع إلى جوار الانتساب للسنة النبوية , بدون انتساب آخر إلى أى شخص أو مسمى

قال الشاب :
معنى هذا أن المسلمين تشرذموا ألف قطعة كما حدث مع الأديان السابقة !
قال الكاتب :
كلا , ليس هذا صحيحا بالمعنى الذى خطر ببالك , أى نعم حدثت الفرقة والاختلاف بين المسلمين , ولكن هناك فوارق ضخمة بين أمة الإسلام والأمم السابقة , فالنبي عليه السلام أخبر أن أمة اليهود تفرقت فرقا وواحدة منها فى الجنة والباقي فى النار , وهكذا أمة النصاري , وكذلك انقسمت أمة الإسلام ,
لكن الفارق الرئيسي بيننا وبين السابقين , أن الفرقة الناجية فى الإسلام وهى أمة أهل السنة تمثل الغالبية العظمى من المسلمين فى كل عصر , بينما كافة الفرق المنشقة عنها مجتمعة لا تكاد تصل إلى نسبة 20 % من مجموع المسلمين , وهذا ما لا يوجد فى الأمم السابقة حيث تشرذمت أممهم لعدة فرق متساوية تقريبا , واقتصر وجود الفرق الناجية على جيل الأنبياء وحدهم أو ما يتبعه بقليل ولحق بهم بعد ذلك من ورث بشارة محمد عليه السلام واتبعه
والفارق الثانى ..
أن أول الفرق ظهورا فى الإسلام ظهر بعد نحو أربعين عاما تقريبا من وفاة النبي عليه السلام , وظلت الأمة السنية متماسكة وتمثل الأكثرية حتى اليوم وكتابها وسنة نبيها عليه السلام محفوظون , بينما فى الأمم السابقة انشق اليهود إلى فرقتين فى عهد وحياة موسي عليه السلام نفسه ورفض بعضهم تنفيذ أوامره بفتح القدس , فعاقبهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة , ثم انشقوا إلى فرق مختلفة حتى اليوم وتم تزوير التوراة وتحريفها
والنصاري انشقوا بعد رفع عيسي عليه السلام بفترة وجيزة , وتم تحريف الإنجيل إلى عدة أناجيل وانقسم النصاري إلى فرق شبه متساوية حتى اليوم ولكل منها عقائد مختلفة
وكان أول انشقاق فى تاريخ المسلمين بفرقة , هو انشقاق الخوارج الذين خرجوا على الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه , ثم تبعتهم فرقة الشيعة , ثم الجهمية والمعتزلة , ثم تتابعت الفرق وكل منها يفسر القرآن بالهوى وحسب الأمزجة الشخصية "[2]" , ولهذا رفضوا جميعا العمل بالسنة النبوية المروية عن طريق الصحابة , وحاربوها وحاربوا أهلها لأن السنة النبوية هى التى وقفت عائقا أمام أهوائهم وقراءتهم الخاطئة لتفسير القرآن , فاختار المعتزلة العمل بالعقل المجرد كمصدر رئيسي للتشريع يحاكم النصوص ولا تحكمه , واختارت باقي الفرق ســُـــنة أخرى مروية عن طريق كبار هذه الفرق ومؤسسيها ورفضوا ما سواها , وخرجت معظم هذه الفرق خروجا مسلحا على دولة الخلافة الأموية والعباسية , إلا أنهم لم يستطيعوا هدم الخلافة أو تكوين دولة لهم إلا بعد انهيار الخلافة العباسية وتضعضع الحكم
وحتى بعد انهيار الخلافة التى جمعت المسلمين تحت رايتها ظل أهل السنة والجماعة هم الغالبية من عوام المسلمين تحت حكم أمراء الدول , ثم الخلافة العثمانية , ثم جاء عهد الاحتلال الأجنبي لتختفي الفرق القديمة ويبدأ الاحتلال فى إعادة استغلال أفكار هذه الفرق على يد أفكار متناحرة ومذاهب متضادة تطبيقا لسياسته الشهيرة ( فــرّق تسد )
قال الشاب :
كيف أسس الاحتلال هذه الفرق الجديدة ؟!
أجاب الكاتب :
الاحتلال ابتكر وأسس شيئا جديدا واحدا فقط وهو حملات التنصير الغربي المدعومة دعما هائلا منذ بدايتها حيث أعاد الإحتلال تاريخ الغرب القديم فى التنصير بالقوة كما فعلوا فى أوربا والأندلس , ولكنهم فى العصر الحديث أضافوا غزوات التبشير النصرانى إلى تلك الجهود التى عمدت إلى تنصير المسلمين فى كل بقاع العالم بأساليب الإغراء والدعم المادى وإثارة الشبهات
أما فيما يخص استغلال الإحتلال للفرق فى تكريس التنازع بين المسلمين , فهو لم يؤسس شيئا ولم يتعب نفسه , بل كان يستثمر أفكار الطوائف المختلفة فيناصرها جميعا ويدعمها فتتصارع فيما بينها وتنسي خيار المقاومة والاستقلال , وبريطانيا كانت أول من طبق تلك السياسة فى الهند والشرق الأقصي , ثم بعد انهيار الخلافة العثمانية فى بداية القرن العشرين طبقتها فى الشرق الأوسط بأسهل الطرق , لأن وجود مظلة الخلافة كان مانعا وحاجزا من خروج الآراء والتحزبات المختلفة إلى ميدان صراع
وبالتالى كانت الخلافة منذ عهد الراشدين وحتى العثمانيين , تترك الفرق المختلفة ومعتقداتها , ولا تضطهدها إلا إذا أثارت الشغب أو حملت السلاح , وبالتالى ظلت تلك الفرق منغلقة على نفسها وزعمائها , وكانت الغلبة والرياسة لعموم الناس وزعماؤهم من علماء السنة على مختلف المذاهب دون أى مسمى آخر أو آراء احتكارية أخرى تـُـــفرق جموع المسلمين ..
قال الشاب : وهل أخرج الاحتلال تلك الفرق وساعدها ..
أجاب الكاتب :
الاحتلال البريطانى لم يستثمر الخلافات العقائدية فحسب , بل استثمر كل خلاف طائفي , وكانت الطريقة بسيطة جدا , فالسلطة الجامعة لأى دولة هى التى تحمى الكل تحت مظلتها , فلما ذهبت تلك السلطة سمحت لكل صاحب بدعة وكل صاحب مذهب بالخروج والدعوة لمذهبه , فمزقت الهند بإثارة الصراع بين الهندوس والمسلمين وبقية الطوائف ودفعت ــ فى نفس الوقت ــ ببعثات التبشير النصرانية لاستهداف المسلمين تحديدا خوفا من عنصرين تميز بهما المسلمون فى الهند , وهما قوة العقيدة والثانى الإعتزاز بالأرض وردع العدو الكافر , فكان لابد من شغل مسلمى الهند بصراعات جانبيه تمنع تكاتفهم
ثم مزقت باكستان وجوارها بين الشيعة والسنة والصوفية , ودعمت الفرق الجديدة المُختَرعة مثل القاديانية والبهائية والبريلوية فانشغلت الجماهير "[3]" ــ التى لا يوجد لها تيار يعبر عنها رغم أنها الأغلبية ــ انشغلت بهذا الصراع عن أى دعوة أو تفكير فى مقاومة الاحتلال بل الأنكى من ذلك أن الفرق المتناحرة كان كل منها يستنصر بالاحتلال البريطانى ليدعمه ضد خصمه , وكان البريطانيون يساعدون الجميع ويدعمون الجميع , ثم يجلسون فى استمتاع ليشاهدوا هذه المسرحية !
قال الشاب : وماذا فعلوا فى الشرق الأوسط ومصر .. ؟!
قال الكاتب :
أيضا استغلوا نفس الأمر , ولكن بمعالجة مختلفة , ولكن خطتهم عندنا كانت قمة فى الذكاء والخبث والمكر , وأرجو أن تتابع بتركيز تسلسل الأحداث لأن ما نحن فيه الآن في مصر والعالم العربي هو تكرار لنفس اللعبة بحذافيرها وبنفس حلقاتها الموروثة مع إختلاف شخص اللاعب حيث حل الأمريكيون محل البريطانيين "[4]"
ومن العجيب أن البريطانيين أظهروا ما فعلوه بعد ذلك ببلادنا فى كتبهم ووثائقهم التى خرجت بمقتضي قانون الوثائق البريطانى , وكذلك الأمريكيون بمقتضي القانون الأمريكى , ولهذا فإن ما أخبرك به ليست تخمينات أو استدلالات بل هى معلومات صرفة خرجت بها مراجع كثيرة .. عربية وأجنبية
فهم يعلمون تماما أن الجامع المشترك بين العرب جميعا هو الدين والعروبة واللغة , فهذه العوامل مجتمعة ــ وأكرر مجتمعة ــــ تمثل القاسم المشترك الأعظم بين العرب
وبالتالى أسهل طريقة لتفريق العرب هى ضرب الوحدة بين العوامل الثلاث المشتركة , فإذا ظهرت تيارات مختلفة كل منها يأخذ عاملا واحدا من هذه العوامل , وينادى به أساسا للنظام السياسي فى البلاد العربية وأساس للوحدة بينها , ويترك العاملين الباقيين , عندها سيظهر تناقض هائل بين العوامل الثلاث المتكاملة أصلا والتى من غير المنطقي أن يحدث بها تنافس
وبالتالى تحدث الفُــرقة التى لا جماع لها لأنه لن يخرج أى تيار يعبر عن الجماهير التى تتمسك بالعوامل الثلاث جميعا .. وكان المـُـعـبـّر عن الجماهير فى مصر والعالم العربي هو ( الأزهر ) والذى كان القائد السياسي لمصر ضد الاحتلال وضد تسلط الحكام المماليك من قبلهم , حتى نجح محمد على فى إخراج الأزهر من المشهد كما فعل مع المماليك "[5]" وإن ظلت قيادة الأزهر الروحية موجودة بقوتها حتى ظهور التيار الليبرالى
وجاء البريطانيون وبعد فشلهم الذريع فى إشعال فتنة طائفية قاصمة بين المسلمين والأقباط بسبب التاريخ النضالى المشترك بين الأقباط والمسلمين وعدم قابلية المجتمع المصري لانتشار تلك الفتنة , لجئوا إلى الخطة الأصوب وهى محاولة خلق تيارات تتنازع بين الدين والوطنية واللغة والعروبة , وكل منها يمسك بطرف واحد ضد الآخرين

الهوامش
[1]ــ قيل للإمام أحمد بن حنبل ( أماتك الله على الإسلام ) فقال ( والسنة ) وهذا يدلل على خطورة ترك السنة واللجوء للبدع
[2]ــ مذاهب الإسلاميين ــ عامر النجار ـ الهيئة العامة للكتاب
[3]ـ لمراجعة تفاصيل تلك الفرق برجاء الرجوع لاصدارات الشيخ إحسان الهى ظهير فى كتبه التى حملت نفس عناوين هذه الفرق البهائية والبريلوية والصوفية , وسلسلة الشيعة
[4]ـ بعض خيوط اللعبة مؤيدا بالوثائق ظهر فى كتاب ( التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين ) ــ مارك كورتيز ـ المركز القومى للترجمة والنشر وكذلك كتاب ( لعبة الشيطان ) ــ روبرت دريفوس
[5]ــ تاريخ الحركة القومية ( جزءان ) ــ عبد الرحمن الرافعى ــ مكتبة دار المعارف


يتبع إن شاء الله

عمرو مصطفى 02-09-2016 11:08 AM

متابع مستفيد إن شاء الله ..
بوركت يا أستاذ جاد..

محمد جاد الزغبي 02-09-2016 06:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمرو مصطفى (المشاركة 203551)
متابع مستفيد إن شاء الله ..
بوركت يا أستاذ جاد..

رفيق الدرب عمرو ..
أخيرا خرج الكتاب ونسأل الله تعالى أن يفيد به
ولا تحرمنا متابعتكم

محمد جاد الزغبي 02-10-2016 02:57 AM


ونواصل .....
قال الشاب :
وكيف تمكنوا من فك الترابط بين عوامل الانتماء المتحدة إلى الدين والعروبة واللغة ؟!
قال الكاتب :
عن طريق دعم كل تيار حسب نوعه الذى يتحدد بميله الأكبر ناحية أى عامل من العوامل الثلاثة , فمثلا ظهر تيار الإخوان المسلمين ينادى بإعادة الخلافة التى سقطت , وبالتالى فهم تيار أقرب للدين فركزوا عليه ودعموه فى مواجهة التيار الليبرالى الذى اشتد عوده فى مصر عقب دستور 1923 م , واتخذ الطابع السياسي الغربي الذى يميل للعلمانية ولا يري أى دور للدين فى السياسة بل يري علماء الدين له وظيفة وعظية وفقط , وهذا بالطبع اختزال لدور علوم الشريعة فى الخطابة وحسب , وبالتالى كان من الطبيعى أن يتصادم هذا التيار مع التيار الإسلامى
ومع التعصب انحاز كل تيار إلى المرجعية التى اختارها أكثر وأكثر , فبالغ التيار الإسلامى فى رفض أى مظهر غربي حتى لو تم تمصيره وكان ضروريا لمقتضي العصر بل كانوا هم أول من تطرّفوا وقالوا بأن القومية والوطنية ضد الدين فزرعوا أول بذرة لهذه الفكرة الخبيثة التى تخلق تناقضا بين الدين والوطنية وهذا هو الذى يفسر لك لماذا سمعنا من التيار الإسلامى ــ فى تجربة حكمه ــ أقوال عجيبة تحتقر الانتماء الوطنى وتعتبره من خارج الدين ,
مع أن مرجعية أهل السنة تجعل أرض المسلمين وبلادهم من أساسيات التدين ولا تنبذ إلا التعصب سواء فى للدين أو للوطن
وفى المقابل رفض الليبراليون والعلمانيون أى وجود لعلماء الدين ــ حتى الأزهر ــ فى الحقل السياسي وظهرت فى تلك الفترة أشرس معركة ضد ثوابت الإسلام بدأت بالشيخ على عبد الرازق , وطه حسين , ولويس عوض , وغيرهم من دعاة التغريب لمحو أى هوية حضارية إسلامية وعربية فى مصر .. وجاهدوا لفك العلاقة بين الشريعة الإسلامية والقانون
وسكت الأزهر عن منعه من السياسة ــ بعد أن كان هو قائد الجماهير فى مجال السياسة ومواجهة الاحتلال والحكام ـــ لكنه لم يسكت على اتهامات المستشرقين التى أعاد العلمانيون والمتغربون نشرها والتى كانت تطعن فى وضوح حتى فى قدسية القرآن وأبطلوا هذا التغريب وحافظوا على عقائد الناس , لكنهم اكتفوا بمواجهة تلك الأفكار ولم يتدخلوا بشيئ فى المسائل السياسية إلا إصرارهم على عدم مخالفة الشريعة فى قوانين الأحوال الشخصية والقانون المدنى أو سلوك المجتمع وعدم الاعتراف بالفوضي الفكرية التى دعا لها دعاة التغريب تحت عنوان ( حرية الفكر ) وتصادموا طويلا مع هذا الاتجاه
وأما فى المجال السياسي أنشأ الإخوان وغيرهم من الحركات الإسلامية تكتلات وتيارات تعادى الليبرالية والعلمانية واشتعلت المعركة بين الجانبين ,
وكان الاحتلال البريطانى يدعمهما معا !
وبالطبع لم يكن أحد التيارين يـُـعبر عن مجموع الجماهير , فالجمهور ينتمى للإسلام والوطنية المصرية واللغة العربية فى قالب واحد , ولهذا كان الجمهور ــ غير المستـقطب ــ بعيدا عن هذا الصراع حول الهوية , وحتى المسيحيين فى مصر فى ذلك الوقت كانوا ــ كما هم ــ مندمجين حضاريا فى قالب واحد مع المسلمين بلا تفرقة من قبل ظهور التيار الليبرالى بمئات السنوات , وهذا ينفي ادعاء التيار الليبرالى أنه جمع بين عنصري الأمة , فهذا كذب محض فالمسلمون والأقباط مجتمعون فى وطن واحد منذ الفتح الإسلامى وحتى العصر الحديث ولم يفرقهم حتى زعماء الحملات الصليبية الذين حاولوا استغلال فارق الدين ففشلوا
ولكن فى المجال السياسي المحض ــ بعيدا عن معركة الهوية ــ كان الجمهور يقف مع حزب الوفد وزعمائه سعد زغلول ومصطفي النحاس فى مواجهة الانجليز والقصر والأحزاب التابعة لهم ,
ولو أن حزب الوفد أعطى الاهتمام للانتماء الحضاري الإسلامى بدلا من الإنتماء الثقافي للغرب , لما تمكّن الإخوان من كسب أى أنصار لهم فى الشارع المصري , ولكن لأن شعاراتها استقطبت الحس الدينى فى النفوس تمكنت من تجنيد الكثير من الشباب بل وبعض رجال الأزهر , مع أن اتجاههم السياسي الذى اتخذوه فى بدايات دعوتهم كان كفيلا بسحق أى شعبية لهم بين الجمهور لأنهم ناصروا الملك فاروق ضد الوفد , وناصروا أيضا رئيس الوزراء إسماعيل صدقي المعروف بجلاد الشعب !
واستخدموا الدين فى الترويج لسياسة الملك ورئيس الوزراء وبطريقة فجة , فعندما خرج الشعب يؤيد النحاس فى مواجهة القصر رافعين شعار ( الشعب مع النحاس ) رد الإخوان برفعهم شعار ( الله مع الملك ) , وعندما ثارت الجماهير ضد سياسة إسماعيل صدقي رفع الإخوان شعارات من القرآن لمناصرته ! , ورغم هذا النفاق الواضح إلا أنهم وجدوا أنصارا بسبب هيبة الدين فى النفوس

تساءل الشاب :
هذين التيارين أحدهما يؤيد الدين والآخر يرفضه ويؤيد القومية المصرية , فأين تيار العروبة ؟!
قال الكاتب :
ظهرت حركة القومية العربية كرد فعل على إنشاء إسرائيل عام 1948 م , بعد أن تجمعت أربعة جيوش عربية لتلك الحرب , وقصة الحرب والمؤامرة الغربية فيها منتشرة ومشهورة , "[1]"
لكن القومية العربية كحركة سياسية اكتسبت شعبية ساحقة فى ذلك الوقت , تبلورت على يد جمال عبد الناصر ــ لا سيما بعد حرب 56 ــ ورغم أن القومية العربية كحركة سياسية لا تتخذ الدين عاملا كمعيار مشترك للعرب بل تتخذ العروبة , وبالتالى فهى تصلح لأن تكون عاملا للفرقة لا للتجميع ,
إلا أن الصياغة والإخلاص الذى قاد بهما عبد الناصر تجربته أفشل به مخططات الغرب لفترة طويلة لأنه جعل من الاستقلال عن الغرب رسالته الرئيسية فى الحياة , ونجح فى تجنيد بعض الدول العربية التى تابعته وكذلك دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية لتكوين جبهة موحدة أرهقت الغرب كله , ورغم استناد تجربة عبد الناصر للاتحاد السوفياتى كخصم معضد ضد الغرب إلا أنه حافظ على استقلاله تماما فى مواجهته فمنع استخدام أراضيه كقواعد عسكرية للسوفيات رغم انتشار القواعد الأمريكية فى المنطقة ,
والأهم من هذا ..
أنه ظهر كممثل جديد للكتلة الصلبة من الجماهير التى عانت من صراعات النخبة بين الدين والعلمانية والشيوعية والقومية , فرفض استغلال الدين كأيديولوجيا , وبعد نجاحه فى الصراع بينه وبين الإخوان , حل الجماعة مرة أخرى ولم يكتف باستخدام القوة والاعتقال معهم وحدهم , بل امتد الاعتقال والحكم إلى من يمثلون الليبرالية والرأسمالية وأنصار التغريب بل حتى كل معارض سياسي له , وبالنسبة لمصالح وثروات الكبار فى ذلك الوقت
صادر هذا كله لصالح الدولة التى أعادت تقسيم الثروة من جديد , ثم كانت المفاجأة الغريبة فى أنه عامل الأحزاب الشيوعية فى مصر بقوة أكثر من الجميع رغم أنه كان حليفا للسوفيات , فأنشأ قسما خاصا بمكافحة الشيوعية فى المباحث العامة وتعقبهم كما تعقب غيرهم , وبهذا لم يعد هناك على الساحة خلاف أيديولوجى من أساسه , خاصة أنه فى سنوات ما قبل الثورة كاد الصراع الأيديولوجى ينقلب لحرب أهلية بعد أن استخدمت التيارات المختلفة القوة والسلاح
وفى نفس الوقت ,
أيقن مدى قوة ونفوذ الأزهر كمؤسسة عالمية , ومن أغرب الغرائب حقيقة , أنه أدرك العلة التى تعانيها المجتمعات الإسلامية فقام بتأسيس ( مجمع البحوث الإسلامية ) ونص فى قرار تأسيسه على ما نعتبره اليوم حلما بعيد المنال وأكتفي هنا بنص قرار قانون التأسيس :
( وجاء في قانون تأسيسه نصاً عام 1961 م :
المجمع هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية، وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث، وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي فيما يَجِدُّ من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة“!!)
ولو لم يؤسس عبد الناصر للأزهر سوى هذا المجمع بهذا الهدف .. لكفاه إنجازا , ولو ظل مجمع البحوث الإسلامية بنفس نظامه ونفس نفوذه حتى اليوم لحقق هدف الوحدة بأيسر السبل
كما لم يكتف عبد الناصر بذلك , بل أصدر قرارا باعتبار مادة ( التربية الدينية ) مادة إجبارية فى التعليم العام بعد أن كانت اختيارية , ثم عدّل القوانين المدنية بإلغاء إباحة الدعارة المقننة من العهد الملكى , فضلا على إلغاء إباحة القمار وصدر قراره بغلق كافة المحافل والنوادى والمطبوعات الماسونية "[2]" ,
ثم أقام لأول مرة المسابقات العالمية فى حفظ القرآن الكريم وكانت يعقدها سنويا ويُـسلم فيها ــ بصفته رئيس الجمهورية ــ الجوائز للطلبة
ثم أنشأ إذاعة القرآن الكريم , والتى جعلت لعلماء الدين ومشاهير قراء القرآن ذراعا إعلامية لا يُستهان بها , وفى عهده تمت طباعة الصحف الشريف مترجما بعدة لغات وتم توزيعه على أنحاء العالم بالذات فى آسيا وإفريقيا , وفى عهده أيضا تم جمع القرآن الكريم على أسطوانات مسموعة ترتيلا وتجويدا , ثم أضاف انجازا آخر فى تأسيس المعاهد الأزهرية بكثافة والتى سمحت للطالبات بالدخول إلى الأزهر لأول مرة , بخلاف الإنتاج السينمائي التاريخى , ومعظم الأفلام الدينية المشهورة التى يتم بثها فى المناسبات الدينية حتى اليوم هى من إنتاج فترة الستينات , بخلاف التوسع فى إنشاء المساجد التى بلغت فى عهده 21 ألف مسجد ..
ثم أسس أيضا مدينة البعوث الإسلامية التى فتحت أبوابها لاستقبال الطلاب الأفارقة ومن سائر أنحاء العالم ليدرسوا فى الأزهر ,
كما كـثـّــف إرسال البعثات من الدعاة إلى عمق إفريقيا لمقاومة موجات التنصير الأوربية ونجح فى دحرها ,
خاصة وأنه تنبه لأسلوب البعثات التبشيرية حيث كانت أوربا لا ترسل القساوسة ورجال الدين المحترفين فقط , بل كانت ترسل القساوسة ممن يمتهنون الطب والهندسة ونحوها , ليستقطبوا أهل تلك البلاد بالخدمات المادية والدعوة
,
فأصدر عبد الناصر تعديلا لقانون الأزهر ليضم الجامع الأزهر إلى جواره جامعة فيها مختلف تخصصات العلوم الكسبية يتم تدريسها إلى جوار علوم الشريعة فيتخرجون فى الأزهر علماء ودعاة فى نفس الوقت , ومن الغريب أن معظم شيوخ الأزهر رفضوا هذه التعديلات رغم أن الكليات المتخصصة فى الشريعة بقيت كما هى , إلا أنهم عادوا بعد ذلك بسنوات طويلة يعترفون بصحة قرار عبد الناصر بعد أن وجدوا فى إفريقيا أجيالا كاملة من المسلمين تحفظ لمصر هذا الصنيع ولا تنساه , وكانت هذه الأجيال هى ثمرة الدفعات التى تخرجت فى جامعة الأزهر دعاة وعلماء فى مختلف التخصصات ,
وقد نجم عن هذه العهود أن ارتفعت نسبة الدخول للإسلام فى إفريقيا وآسيا إلى نسب غير مسبوقة أوردها تقرير مجلس الكنائس العالمى بنسبة 7 من كل 10 وصلتهم الدعوة
هذا بخلاف إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى وهى الجامعة الإسلامية التى كانت لها أدوار إيجابية أيضا فى تلك الفترة , "[3]"
أما العيوب الخطيرة فيما انتهجه عبد الناصر فقد تمثلت فى أن قانون الأزهر الجديد سحب ــ وإلى اليوم ــ الإستقلال الأزهرى الذى كان مبنيا على أوقاف الأزهر والتى كانت تكفل الإستقلال المادى والإدارى عن الحكومة , ولهذا أصبح الأزهر لأول مرة منذ نشأته تابعا للحكومة فى الإدارة والأوقاف , وبمعنى أصح لم يسمح عبد الناصر فى نظامه الجديد بوجود أى مؤسسة مستقلة يُـمكنها أن تعطل معاركه أو تمثل نقطة ضعف فى المواجهة مع خصومه
ولهذا السبب بالذات وبسبب اعتقاله للإخوان عقب مؤامرة تنظيم سيد قطب عام 65 تم تصوير عبد الناصر بأنه يعادى الإسلام , وهذا ما لا يمكن قبوله لأن الأهداف هنا سياسية محضة لا علاقة لها بالدين وتجربة الإخوان خير دليل على استخدامهم الدين كمنطقة نفوذ للسلطة بغض النظر عن المبادئ , والنقد الموضوعى لتجربة عبد الناصر يلزم له الحكم على أفعاله مع مراعاة الأجواء التى كانت دائرة فى عصره فلا يوجد حاكم يحمل الخير المطلق ــ بعد الراشدين ــ كما لا يوجد حاكم يحمل الشر المطلق إلا الندرة عبر التاريخ ,
والحكم الموضوعى للأسف يغيب تماما ــ بالذات فى العصر الحديث ــ بسبب الإستقطاب الأيديولوجى
فخلاصة تجربة عبد الناصر مع الأزهر أنه دعم جانبه الدعوى والدينى , ولكنه قضي على دوره السياسي الذى كان يقود به الجماهير قبل فترة محمد على , ولهذا استمر دور الأزهر الدينى كما هو
أكمل الشاب فى سخرية : المصيبة الكبري أننا لم نعرف عطاء عبد الناصر فى المجال الدينى من الناصريين , بل عرفناه من خصومه , بعد أن ظللنا فترة طويلة نصدق أنه كان يحالف الشيوعيين ويعتقد بمذهبهم المضاد للدين , ورغم هذا لم نقرأ كثيرا من الناصريين دفاعا عنه بسرد تلك الحقائق
قال الكاتب :
نعم , لقد ظل جيلنا يعتقد بهذا لفترة طويلة "[4]" ولم نكن نملك مصدرا نعرف به من أنشأ تلك المؤسسات حتى عرفناها من خصومه كما تقول , مع أن المتأمل المحايد كان يدرك ببساطة أن اتهام عبد الناصر باعتناق الفكر الإشتراكى سياسيا ودينيا ــ لا سياسيا فقط ــ يتضاد تماما مع تقويته لدور الأزهر واعتباره مصدرا للنفوذ المعنوى للدولة , بالإضافة إلى أنه مزّق الشيوعيين فى مصر ورفض كل وساطات الاتحاد السوفياتى للسماح لهم بالعمل , بل إنه غامر بالدخول فى مصادمة سياسية عنيفة مع الاتحاد السوفياتى بسبب أن طلبة البعثات المصرية فى موسكو اشتكوا له بأنهم لا يدرسون تخصصاتهم فقط , بل يصر السوفيات على تدريس المنهج الشيوعى لهم رغم أنه قائم على الإلحاد الصريح ويتعارض مع عقيدة الطلبة , فما كان من عبد الناصر إلا أن أصدر قرارا بتحويل الطلبة من الاتحاد السوفياتى إلى الجامعات الأمريكية , وبالطبع وافق الرئيس الأمريكى أيزنهاور ,
وبهذا أدرك السوفيات أن عبد الناصر يصر على موقفه , فأذعنوا واكتفوا بتدريس مواد التخصص لطلبة البعثات دون المنهج الفكرى الشيوعى
تساءل الشاب :
ولكن ما سر ولغز سكوت الناصريين عن الدفاع عن عبد الناصر فى تلك النقطة ؟!
قال الكاتب :
السبب الأول , أن الخلل كان من ناحيتنا نحن الشباب , لأننا وقعنا فى دائرة الاستقطاب فترة طويلة حتى خرجنا منها ,
السبب الثانى , هو أن عبد الناصر لم يكن ينتمى أيديولوجيا لشيئ , وإنما كان يلتزم إلتزام الرجل العامى بدينه ووطنيته وعروبته , لكن القوميين العرب من حوله لم يكونوا كذلك بل كانوا مؤدلجين بالكامل , فمنهم قوميون يساريون أو شيوعيون صرحاء لا يرون للدين دورا فى الحياة أصلا وينادون بفصل العروبة عن الإسلام , وكان منهم قوميون يرون الدين أمر شخصي لا مجتمعى , وكان منهم المعتدلون أيضا ,
والقوميون العرب الذين أحاط بعضهم بعبد الناصر كانوا يستميتون فى جذبه لصفوفهم واتخاذ العروبة واللغة العربية أساسا وحيدا للوحدة العربية , وتنحية الدين خارج اللعبة باعتباره ــ فى زعمهم ــ يفـرّق الناس ولا يجمعهم , والواقع أن أساس الدين هو التجميع لا التفريق لكن هؤلاء ــ فى تلك الفترة بالذات ــ وبدايات عصر الذرة والتقدم العلمى الهائل اعتقد الكثيرون منهم أن الأديان كلها خرافة ! , بالذات فى فترة شبابهم , ورغم أنهم تراجعوا عنها بعد ذلك ولم يعودوا بنفس الفكر , إلا أنهم إلى اليوم لا زالوا يعتبرون العروبة هى أساس الوحدة , "[5]"
مع أنهم لو تأملوا القضية ــ بدون انتماء أيديولوجى ــ لعرفوا أن العروبة نفسها ــ كعامل مشترك من المحيط إلى الخليج ـــ لم تولد أصلا فى التاريخ إلا على يد الإسلام , ولم تتوحد البلاد العربية من قبل قط على مفهوم العروبة وحده , لا فى التاريخ القديم ولا فى التاريخ الحديث ! , وأكبر دليل على فشل دعوة القوميين العرب هو فشلهم الذريع فى تأسيس الدولة العربية المتحدة ــ بينما دولة الخلافة امتدت أكثر من ألف عام ــ لأن الدول العربية التى رفضت موقفهم من الدين دخلت معهم فى خصومات مستعرة حول الرجعية والتقدمية , وحتى الدول العربية التى نهجت نهج القومية دخلت مع بعضها البعض فى صراعات حول مبادئ القومية نفسها فاصطدم الحزب البعثي الشيوعى فى سوريا والعراق واصطدم كلاهما مع الحركة القومية فى مصر .. إلخ هذه المناطحات التى لم تجلب إلا مزيدا من التشتت لأنها تبنت فكرة العروبة وحدها
ولو عدنا لتاريخ الجنس العربي ,
فالجنس العربي كان محصورا فى الجزيرة العربية من قبل الإسلام , وكانوا عبارة عن قبائل مختلفة متناحرة لم يتوحدوا على شيئ أبدا إلا على حج بيت الله الحرام , وفيما دون ذلك كانت المعارك بين القبائل متوالية ومستمرة وصراعات الزعامة كانت تشبه إلى حد كبير صراعات الزعامة بين العرب فى الفترة القومية !
ثم جاء الإسلام كحل سحري ربانى , يقول عز وجل :
( وألف بين قلوبهم .. لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم )
والآية صريحة وهى ــ إلى جوار حقائق التاريخ ــ تقرر أمرا واقعا أن الدين الإسلامى على مفهوم القرآن والسنة هو الذى وحّد العرب وألّف بين قلوب المتخاصمين , وأنه من المستحيل أن تكون العروبة وحدها عاملا للتجميع بل هى إن انفردت فهى عامل تفرقة فى منتهى الخطورة , لأن الدين الإسلامى كان هو السبب الرئيسي فى منع الأقليات العرقية من الصراع مع العرب فى مناطق نفوذهم بعد الإسلام فى آسيا وإفريقيا مثل الأكراد والأمازيغ والترك فكل هؤلاء استوعبهم الإسلام تحت رايته ولم تستوعبهم العروبة , فإن رفعت راية العروبة فسيرفع كل هؤلاء رايات قومياتهم ويحدث التناحر ..
ولهذا قامت الخلافة الإسلامية بجمع كلمة الشعوب فى آسيا وإفريقيا وأوربا وليس فقط فى المنطقة العربية , بل إنه لولا الإسلام , لما خرج العرب وانتشروا فى آسيا وإفريقيا وظل جنسهم محصورا فى الجزيرة , ولكن الفتوحات سمحت لهم بالهجرات المكثفة التى جعلت للسان العربي الجماهيرية الأكبر فى مصر والمغرب العربي والعراق والشام والداخل الإفريقي , وهى البلاد التى ينادى القوميون بالاتحاد بينها
لهذا منذ فترة القومية فى الخمسينات وحتى اليوم دخلت الدول العربية فى صدامات مختلفة مزقتها ومنعتها حتى من مجرد الإتحاد فى المصالح الاقتصادية وإنشاء سوق عربية مشتركة , بينما نجحت أوربا فى تكوين الاتحاد الأوربي رغم أن دول أوربا تحمل فى التاريخ القريب صراعات دموية وحروب أوقعت ملايين القتلى , ورغم هذا نجحوا فى الاتحاد رغم اختلاف الأديان واختلاف اللغة والتراث
وفشلنا نحن لأننا مضينا على الخط الذى رسمه الغرب ففصلنا بين عوامل الاشتراك الثلاث الدين واللغة والعروبة , فتمزقت البلاد العربية بين من ينادى بالدين وحده ــ وعلى فهمه هو ــ كأساس للتوحد , وبين من ينادى بالعروبة وحدها ويفتعل معركة حول الهوية المتجذرة فى التاريخ , وبين القوميات الضيقة التى تفجرت فى السبعينات فخرج من كل بلد من ينادى بفصل بلاده عن محيطها العربي والانسلاخ منه والتوجه نحو أوربا !

وبالمقابل ..
فالتيارات التى تبنت فكرة الإسلام وافتعلت بينها وبين القومية معركة فكرية , سقطت فى فخ التشرذم أيضا لأن تلك التيارات قدمت نفسها على أنها الراعى الرسمى للإسلام ! , وهذا هو عين التفرق لأنه ربط مرفوض بين الدين والأشخاص , وبالتالى فلابد أن يظهر التناحر ,
وجاء التغريبيون والعلمانيون فنبذوا العوامل الثلاث مجتمعة , وقالوا بأنهم متوجهون نحو الحضارة الغربية الحديثة , وليتهم اكتفوا بنقل التقدم العلمى , بل أصروا على أخذ باقة الغرب كاملة فنادوا بالطباع والتقاليد والفنون والآداب الغربية وحاولوا إدخالها لمصر على أن الغرب لم يتقدم بالتكنولوجيا وحدها بل تقدم بأفكار العلمانية والمذاهب المختلفة , فأهملوا التاريخ الحضاري الإسلامى واللغة وغيرها , وتفننوا فى استبدال ذلك كله بالأدب الغربي واللغات الغربية وبالطبع فتح لهم الاحتلال الإنجليزي سائر أبوابه ودعمه ,
واغتر كثيرون بفلسفة الغرب فى تنحية الدين عن مجالات الحياة دون أن ينتبه هؤلاء الحمقي إلى أن الغرب نجح بتنحية الكهنوت الذى كان عائقا للتقدم العلمى , أى أن الدين والكهنوتية هناك كانت سببا رئيسيا للتخلف , بينما نحن فى الإسلام لا كهنوتية عندنا بل الكهنوت محرّم تحريما باتا , والدين كان مقياس ومشعل حضارتنا بالأساس ولولاه لما تكوّن التقدم العلمى العربي ولا الحضارة العربية أى أن الدين عندنا كان سبب التقدم
وهكذا تحقق المراد الغربي الكامل للاحتلال بأن تفرقت الأمة العربية كلها على تلك التيارات الضيقة , وبالتالى انعزلت أكثرية الجماهير عن كل تلك الفرق , لا سيما وأن الإتهامات المعلبة التى صكتها الإتجاهات الأيديولوجية المختلفة كانت تتناثر منهم ضد مختلف خصومهم وكافة من ليس على مذاهبهم , وهى اتهامات مأثورة ومعروفة ولا زالت تثير استخفاف عامة الناس ,
فإذا عاديت أى تيار إسلامى حتى فى المجال السياسي فقط , فأنت بين خيار الكفر والبدعة , وإن صححت لأى تيار أو انتقدت الاتجاهات الفقهية والعقائدية المتناحرة , فلن تختلف التهمة كثيرا
وإن انتقدت القومية والشيوعية فأنت إمبريالى وعميل للمخابرات الأمريكية , وإذا خالفت ووقفت ضد دعاة التغريب والعلمانية فأنت ظلامى وإقصائي وتعبد كتب التراث وترفض التحضر والتجديد !! , وإن ناديت باستخدام اللغة العربية الفصحى وآدابها , ونبذ استخدام اللغات الغربية كأساس للتعامل والثقافة , فأنت متخلف وتخالف روح العصر !!
وهذا بعينه ما تنبأ به النبي عليه الصلاة والسلام للأمة فى آخر الزمان , وكانت وصيته القاطعة هى اعتزال كل تلك الفرق جميعها فى الحديث الشهور :
( عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". وقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟. قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك" )
وقد تحدث العلماء فى ذلك فبينوا أن الاعتزال يكون بالتزام منهج أهل السنة ــ الصحابة ــ فى العقيدة والأصول والثوابت , ثم اعتزال كل المتناحرين الذين ستعرفهم بعلامة توضح لك بسهولة أنهم ليسوا من الجماعة , ألا هى التفرد والتميز عن الناس إما بالعقائد المخالفة أو بفقه مخصوص ينبذون ما سواه أو بشخص ــ أو عدة أشخاص ــ يتخذونهم أئمة لهم دون سائر أئمة المسلمين , أو حتى بسمت وزى وهيئة تميزهم عن عامة المسلمين ..
واعتزالك لكافة المتناحرين وتمتعك بالإستقلال فى مواجهتهم , واتخاذك مبدأ ( معرفة الحق ثم الرجال ) هذا كله سيجلب لك عداوات كافة التيارات دون استثاء , وهذه النقطة بالذات أجدها علامة الطريق الصحيح ــ إن شاء الله ــ لأن أهل السنة ــ عقائديا ــ اكتسبوا عداوة جميع الفرق , وأهل الصواب من عامة الناس ــ سياسيا ــ تلقوا الاتهامات من كافة التيارات التى لا يؤيدون أحدا منها

الهوامش :
[1]ــ حرب 1984 م , هذى من مساخر التاريخ العربي فى الحقيقة وشر البلية ما يضحك , فالبلاد العربية التى أرسلت جيوشها بعتادها مهيض الجناح كانت كلها تقريبا محتلة وتحت سيطرة الانجليز الذين زرعوا اليهود فى فلسطين ,
ومع هذا سمح الانجليز بتحرك الجيوش العربية إلى فلسطين وكانت القيادة معقودة فى ذلك الوقت لعاهل الأردن الملك عبد الله وبالتبعية كانت القيادة الميدانية لقائد الجيش الأردنى الذى هو فى الأصل جنرال بريطانى يدعى جلوب باشا !!
واكتملت المساخر بانسحاب الجيش الأردنى فجأة أثناء المعارك مما أوقع الجيش المصري فى حصار الفالوجا الشهير وانتهت الحرب باستيلاء اليهود على أضعاف المساحة المقررة لهم فى قرار التقسيم الذى رفضه العرب آنذاك
[2]ــ من سخرية القدر أن عبد الناصر ألغى هذا البغاء وعندما جاء الإخوان للحكم قاموا بمد تراخيص الخمور والملاهى لثلاث سنوات بدلا من سنتين فى عهد مبارك بالإضافة إلى زيادة الضرائب عليهما
[3]ــ مقال إحصائي لعصر عبد الناصر نشرته شبكة التجديد العربي فى مايو 2011 م
[4]ــ كاتب هذه السطور وقع تحت الدعاية المضادة لعبد الناصر وكان مجمل الاعتراضات على عصر عبد الناصر تتمثل فى عنصرين رئيسيين , عداؤه للإسلام ( كما كان يروج الإخوان ) , والعنصر الثانى الاستبداد السياسي وتمكين أهل الثقة الذين أشاعوا الفساد فى البلاد , وبعد ظهور حقيقة موقفه من الإسلام لابد أن نعترف أنه كان اعتراضا فى غير محله , وبالتالى تظل مشكلة عبد الناصر وعصره فى القمع والسكوت عن القيادات الفاشلة بالذات فى الجيش وهذا الانتقاد يعترف به حتى الناصريين أنفسهم
[5]ــ من يطالع كتابات وأفكار عمالقة عصر عبد الناصر فى تلك الفترة يصاب بالذهول من الإلحاد الصريح الذين يتكلمون به لكن معظمهم تراجع عن هذه الأفكار وظهر التراجع واضحا فى كتاباتهم الحديثة بعد تقدمهم فى العمر والتجربة

يتبع ..

عمرو مصطفى 02-15-2016 03:09 PM

بانتظارك يا أستاذ جاد..

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 02:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمرو مصطفى (المشاركة 203873)
بانتظارك يا أستاذ جاد..

بارك الله فيك
وعذرا للتأخير فقد تسبب فيه عطل طارئ بالنت

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 02:25 AM

ونواصل ...................

قال الشاب : عرفنا أن عهد عبد الناصر اختفي فيه مؤقتا الصراع الأيديولوجى بالمنع المباشر ولم يخرج فى عهده إلا انتماءات الشيوعية والعلمانية على استحياء ومع ذلك نجح عبد الناصر فى تشريدهم وأبقي على تماسك المجتمع من الفتن والتفرق ووجهه ناحية عدوه الطبيعى , فما الذى أعاد الصراع مرة أخرى ؟!
أجاب الكاتب :
من أكبر مصائب السادات رحمه الله , أنه تصور أن حرب أكتوبر قد أعطته حصانة شعبية وجماهيرية منافسة لعبد الناصر , لكنه غفل عن أهم سبب وأخطر مبرر كان وراء وقوف الجماهير خلف عبد الناصر واستمرار شعبيته لليوم ,
وهذا السبب أن عبد الناصر كان مخلصا فى تجربته ــ رغم أخطائه الكبري ــ فلم يستفد من الحكم شيئا تقريبا , ولا ناور أو داهن أو دلس على الناس بشيئ أو استأثر لنفسه بأى ميزة , ولم يستفد من أموال الدولة شيئا غير راتبه البسيط ,
والأهم من ذلك ..
أنه الحاكم المصري الوحيد فى العصر الحديث ومنذ ظهور الدولة القومية فى عصر محمد على , الحاكم الوحيد الذى نجح فى أن ينتقم للشعب من فئة الخمسة بالمائة التى تستولى دائما على تسعين فى المائة من ثروات البلاد بالتواطؤ مع نظم الحكم المستمرة من محمد على حتى عصرنا الحالى مرورا بفترة الملكية كلها ..

فلم يحدث أن جاء حاكم مصري من قلب الشعب نجح فى أن يجعل مشروع عمره هو استعادة ثروات البلاد المنهوبة فى أيدى الإقطاع أو رجال الأعمال الكبار الذين يتجبرون بالإستيلاء على كافة الثروات وبمنتهى التبجح ليظل الشعب تحت أردأ أنواع الفقر
وفى عهد الملك فاروق ــ أى قبيل قيام ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر ــ لم يكن الشعب يمتلك شيئا قط من ثروات بلاده بل تحكم فيها قلة قليلة جدا من باشوات العهد الملكى ورجال القصر حتى أن بعضهم كان يتملك من الأطيان الزراعية ما يعادل مساحة محافظة كاملة اليوم !!
بخلاف أن أقل شخص بين كبار الإقطاعيين كانت مساحة أملاكه تتعدى خمسة آلاف فدان على الأقل , ولهذا كان من المعهود فى ذلك العصر أن كل قرية ريفية مهما بلغ اتساع مساحتها كانت تدخل فى مسمى ملكية أحد الباشوات وحده , ويسميها بالإسم المألوف ( العزبة ) والعزبة هذه ليست كما نتصورها اليوم مساحة شاسعة وفقط من الأرض بل هى قرية كاملة بكل سكانها وما عليها ومن عليها يمتلكها هذا الباشا بل ويمتلك أرواح العاملين فيها إذا شاء دون أدنى محاسبة أو قانون من أى نوع !
فجاء عبد الناصر وبمجرد خلاصه من قضية الإستقلال العسكري قام من فوره بالإستقلال الإقتصادى وصادر كافة هذه الثروات دونما استثناء , وبجرأة غريبة يحسد عليها , ولهذا وقف الشعب معه وقوفا كاملا وحقيقيا لأنه بالفعل رد الحق لأصحابه , فهؤلاء الإقطاعيين لم يرث أحد منهم أو يمتلك شبرا من هذه الأرض بمقابل مشروع ــ إلا الندرة النادرة ــ بل كانت كلها تدخل فى باب العطايا والهبات , هذا فضلا على أن الشركات الأوربية التى كانت تعمل على الإنتاج الزراعى المصري وتستغله أسوأ استغلال تم اخضاعها جميعا للتأميم ,
والأهم من هذا أن عبد الناصر لم يسمح لنفسه أن يستفيد شيئا من هذه الأملاك بل قام بإعادة توزيعها على الملاك الحقيقيين لها وهم عامة الشعب من البسطاء , واستغل الفائض المالى الضخم الناجم عن مصادرة مصالح الإحتلال الإقتصادى ليدفع بمصر لأول مرة إلى عصر تصنيع جبار أسس به القطاع العام الذى ظل نظام مبارك ينهبه ثلاثين عاما !!

ولهذا وحده نقول أن تجربة عبد الناصر فى هذا الصدد تجربة غير مسبوقة فى جرأتها حيث أنه وقف أمام عتاولة الإقتصاد فى الداخل والخارج واستقل ببلاده استقلالا حقيقيا ولم يكتف بالإستقلال السياسي وحده
كما أنه قام بتصحيح أخطائه بعد النكسة ونجح فى تكوين الجيش على أعلى مستوى , وبسبب إخلاصه صبر الشعب عليه ولم يثر , ولم يكن هذا بسبب سياسة القمع كما يتصور بعض الناس , فسياسة القمع نفسها لم تنفع السادات عندما لجأ إليها بعد ذلك , لأن الناس لم تشعر به حاكما مخلصا بعد أن رآه الناس يخترق كل الثوابت القومية التى أسسها سلفه , فشعبية عبد الناصر كانت على أساس اقتناع الناس به فعلا وأكبر دليل على هذا أن الناصريين مستمرون لليوم فى افـتـتــانهم بالزعيم وحبهم له , وهذا ما لم يحدث مع أى حاكم معاصر فيما أعلم

أما السادات فلم يكن واضحا أو مباشرا مع الناس , بل كان مفتونا بألاعيب السياسة , والشعب المصري له طبيعة خاصة جدا أنه يدرك تماما ألاعيب حكامه مهما أخفوها ويـُـعـبّرون عن فهمهم باستخدام طريقتهم الأثيرة وهى التنكيت ..
ولهذا كان الخطأ القاتل للسادات أنه أفرج عن التيار الإسلامى من السجون ــ ليس بهدف رفع الظلم عن المظلومين منهم ــ بل بهدف استخدامهم سياسيا لمواجهة الناصريين والشيوعيين أصحاب الشعبية فسمح للإخوان والتنظيمات التكفيرية التى تكونت فى السجون بالعمل السياسي لقهر شعبية خصومه عن طريق التشنيع عليهم بتهمة الإلحاد والخروج عن الدين
وبالتالى ,,
وبعد أن نجح عبد الناصر فى قتل الخلافات الأيديولوجية بالقوة حتى لا تفتت الشعب , جاء السادات ــ ولأسباب سياسية ــ ليتفجر مرة أخرى صراع الأيديولوجيات القاتل لتعود نفس الدوامة ولكن مع ظهور طرف ثالث متطرف هذه المرة فبعد أن كان الصراع يدور بين العلمانية وما يشابهها وبين الأزهر , أصبح الصراع ثلاثيا بين العلمانية والتيارات الإسلامية والأزهر ,
وانتهى الأمر بالصراع الدموى المعروف فى فترة الثمانينات وما تلاها ,
ثم جاء نظام مبارك فارتكب الجريمة الكبري عندما استمر فى نفس سياسة السادات وبشكل أفدح , وهو استخدام التيارات الإسلامية كلعبة سياسية يلاعب بها الداخل والخارج أيضا لتحقيق أغراضه فى تثبيت حكمه ,
ولهذا دعم مبارك وحلفاؤه من العرب تسفير وإرسال شباب الجماعات للكفاح المسلح فى أفغانستان برعاية أمريكية , ومن تلك اللحظة انتقلت ولاية التيارات الإسلامية إلى الغرب ــ بعلم القيادات وجهل الشباب ــ ومن تلك اللحظة تكونت عشرات التنظيمات التكفيرية التى صارت ألعوبة فى أيدى الحكومات فى لعبة الإرهاب دون أن يقف أتباع هذه التنظيمات لحظة ليسألوا أنفسهم ماذا يفعلون وبرعاية من يقاتلون ؟!! ,
وكانت الجريمة الكبري الثانية لمبارك هى قتل دور الأزهر وتحجيم شيوخه وترك الساحة للإخوان والسلفيين ومنذ عهد الشيخ طنطاوى لم يستعد الأزهر مكانته بين نفوس الناس , بالذات بعد رحيل الأئمة الكبار كالشعراوى وجاد الحق والغزالى وهو الوضع الذى أدى بنا اليوم إلى حصر الصراع بين أنصار العلمانية وبين أنصار التيارات الإسلامية المختلفة , وغاب دور الأزهر الذى أصبح شيوخه وعلماؤه موظفون تقليديون وانشغلوا بلقمة العيش وصعوبة الحياة وأصبحت الساحة خاوية للتيارات المتناحرة ..
وهكذا عاد الصراع الأيديولوجى بأبشع مما كان ,
وبرعاية الدولة أيضا وتمكن مبارك بهذا من شغل الناس عن خطايا حكمه عن طريق إغراقهم فى تحزبات سياسية ودينية لا نهاية لها , كنا استخدم لعبة الفتنة الطائفية عدة مرات , حتى جاءت بدايات القرن الجديد وتكونت أجيال شابة جديدة انتبهت ــ فيما يبدو ــ لهذا الأمر فرفضوا الجميع وثاروا على الجميع وبهذا انطلقت ثورة يناير ,
ونظرا لأن الشباب عديم الخبرة بتلك اللعبة فقد نجح أطراف الصراع أنفسهم فى سرقة مكتسبات الثورة بنفس الأسلوب وهو أسلوب ( فرّق تسد ) , ولست أدرى حقيقة متى ستنتهى هذه اللعبة القميئة ؟!

سأل الشاب :
بعد هذا العرض الكافي لأساس التيارات المتناحرة , سندخل فى فوارق العلم والفلسفة , ولكنى أريد ابتداء أن أسأل سؤالا مفصليا فى النقاش ولا أصبر على إجابته ,
فى البداية عندما بدأ بعض الإعلاميين يتحدثون عن البخارى وكتب التراث كنا نسمعهم ونؤيدهم , ثم وجدناهم يتجاوزون قليلا فى الأوصاف , ولكن عذرناهم من شدة الغضب على السلفيين والإخوان , ولكن الذى أثار الاستغراب حقيقة أنهم بعد عدة أشهر من بداية الحرب ضد الإرهاب , سمعنا كلاما رهيبا ولم نغضب من الكلام بقدر ما أثار تساؤلنا , لأن الأمر وصل للسخرية من الأحاديث والمناداة بانتقاد القرآن !! ,
ثم كلام متجاوز جدا حتى بحق كبار الصحابة والخلفاء الراشدين ! والمناداة بأن الدين الذى نعرفه ليس الإسلام ولكن إسلام اخترعه جيل الصحابة بعد النبي عليه السلام !
ثم الذى يثير العجب أن الكلام والهجوم بدأ مركزا ومنتشرا جداــ تقريبا كل الصحف والقنوات ــ ورغم أننا دوما نسخر من نظرية المؤامرة إلا أن الأمر مريب بالفعل , ما سر هذه الهجمات الغريبة فى هذا التوقيت ؟!
قال الكاتب :
أنا أولا أحمد الله تعالى أنه حتى الشباب وغير المتخصصين فى علوم الشريعة وحتى أصحاب ثقافة انتقاد بعض كتب التراث , لاحظوا مدى التطاول والتبجح الذى يؤذى كل صاحب فطرة , واتضحت لهم أهداف أصحاب الهجوم لأن الله أعماهم عما يفعلون فلم ينتبهوا وأفصحوا سريعا بحقيقة معتقداتهم
ورغم أن إجابة السؤال ــ تشمل تقريبا موضوع الحوار كله ــ إلا أنى سألخص إجابة مختصرة فى ضوئها ستعرف مع من نتعامل , وستعرف أن من حذروكم من الانقياد لهجمات العلمانيين لم يكونوا متشددين أو يتهمونهم بالباطل , بل إن التحذير من سابق الخبرة فى التعامل معهم , وقلنا ساعتها لا يخدعكم ما يظهرون به على أنهم مجددون ويرغبون فقط فى تقديم صحيح الدين , وعما قريب سيطعنون حتى فى القرآن , فقلتم بأننا نبالغ !
وقلنا لكم ساعتها أنهم يستغلون تجارة الإسلاميين بالدين فى الفضائيات , وعندما ينتهوا من انتقادهم سيلتفتون لكل علماء الإسلام والصحابة , فلم تصدقوا

قال الشاب : يا أستاذ بعض الطاعنين الآن لم نسمع أبدا أنه علمانى أصلا بل كانوا مقدمى برامج دينية وتاريخية فكيف انقلبوا ؟!
قال الكاتب :
وتذكرون ساعتها أن كثيرا من الباحثين قالوا لكم , إن المهاجمين للسنة ليسوا فقط العلمانيين , بل إن أهل السنة تعرضوا عبر التاريخ لهجمات كل التيارات المعبرة عن الفرق المختلفة , واليوم يهاجم السنة كل من ينتمون للعلمانية وللشيعة وللخوارج وللإخوان فضلا على العداء التاريخى القديم لحركة المستشرقين وأذنابهم من دعاة الغرب ,
وستعرف خلال الحوار مفاجأة أعتقد أنها تصيب اليوم كل من كان غير متابع , ولكنى سأشرحها فى حينها ,
فرغم أن العلمانيين فى مصر هم من اعتدنا منهم هذا الهجوم , إلا أن الهجوم المكثف والمنظم هذه المرة لا يمثل العلمانيون فيه رأس الأفعى بل هم الذيل فقط , والرأس المدبر فرقة أخرى تعتبر هى شيطان الشبهات الأكبر على أهل السنة فى هذا العصر ..
فالهجوم هذه المرة يشهد تضافرا فى الجهود من سائر الأطراف , لأن حالة الشرق الأوسط بعد الثورات حالة سيولة كاملة , وكل طرف يهمه أن يكون الوريث للنظم السابقة فى الإقليم
فالطرف العلمانى والتغريبي يستغل عداء الناس للإسلاميين المتاجرين بالدين , والطرف المبتدع من أنصار الشيعة والصوفية يستغلون الأمر للهجوم على السنة ولكنهم لا يظهرون فى واجهة المشهد بل يلعبون كعادتهم من خلف الستار , وأنصارهم يستدرجون الناس بسابق حديثهم المغلف بالتدين , ويكفيك مثالا هذا الذى كان يمدح الصحابة وصنع برنامجا عنهم , انظر ماذا قال عنهم الآن والخلافة الإسلامية كانت كلها ــ حتى بخلافة الراشدين ــ خلافة دموية ووحشية , وليس فيها إلا سنوات عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز !! , فأين خلافة أبي بكر وأين خلافة عثمان وعلى عليهم رضوان الله ؟!
بل بلغت به الوقاحة للعيب فى عمر بن الخطاب ووصفه بأنه لم يكن ذلك الحاكم الملائكى أو المعصوم ونحن لم نقل أنه معصوم بل قلنا أفضل الحكام , والغرب المسيحى جاء منه كاتب اسمه مايكل هارت وضع عمر بن الخطاب ضمن أعظم مائة شخصية فى التاريخ الإنسانى !! وهذا الذى يدعى الإسلام يقول أن لديه اعتراضات على أسلوب حكم عمر !!
سأل الشاب : إذا الأهداف مختلفة باختلاف الأشخاص المهاجمين للدين ..
قال الكاتب :
كلا .. الخصوم متعددون وهدفهم واحد , هو علم الحديث , ولاحظ أننى لم أقل الحديث نفسه أو السنة النبوية أو علماء الحديث بل هدفهم علم الحديث نفسه وعليه تركزت هجماتهم , فهجومهم على البخارى ليس هجوما على كتب السُنة أو كتب الحديث النبوى ,
بل هجوم على علم الحديث ــــــــــــ كمنهج نقل ـــــــــــــ الذى هو الوسيلة الوحيدة التى نقلت لنا كلنا شيئ من العصور السابقة , فهو علم اختصت به أمة الإسلام عن غيرها من الأمم , ولا توجد ضوابط النقل فى علم الحديث عند أى أمة سابقة , ولهذا ضاعت منهم كتبهم المقدسة المنقولة عن الرسل وتم تزويرها ,
أما الإسلام , فقد قام أهله ــ بتوفيق الله ــ بابتكار هذا العلم لينقلوا لعشرات الأجيال من بعدهم القرآن والسنة والتاريخ والأدب وكافة العلوم , نظرا لأن الكتابة فى العصور الأولى لم تكن هى الوسيلة المعتمدة فى النقل وكان المعتمد هو علم الرواية الذى ينقل لك الألفاظ بحروفها وتشكيلها النحوى , ولولا ذلك لوصل القرآن محرفا لو نقلوه بالكتابة فقط , فلم يكن التنقيط والتشكيل معروفا فى ذلك الزمان ..
ولهذا فكل أعداء الإسلام ركزوا على تكذيب المصادر , بدء من كفار قريش الذين قالوا عن النبي عليه السلام أنه كاذب وأنه مؤلف أساطير , ونهاية بما يحدث اليوم مع الصحابة والعلماء
سأل الشاب : إذا طريقة الرواية والأسانيد هى التى نقلت كل شيئ وليس الأحاديث النبوية فقط !
قال الكاتب :
بالطبع , فعن طريقها تم تحديد الرواة لكل رواية فى أى مجال وعن طريق علم ( الجرح والتعديل ) تم وضع التقييم المناسب لكل راو , وبناء عليه يستطيع أى عالم حديث فى أى عصر أن يعرف من دراسة السند إذا كانت هذه الواقعة صحيحة أم لا , وهذا الحديث صحيح أم موضوع .. , ولم يكتف العلماء بنقد الأسانيد وحدها أو اعتمدوا عليها فقط , بل وضعوا مناهج لدراسة المتون أيضا واشترطوا خلو المتن من عيوب الشذوذ والعلل وهذا يتضح جليا من التعريف الذى وضعه علماء الحديث للحديث الصحيح حيث قالوا ( هو الحديث الذى ينقله العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه بغير شذوذ ولا علة ) "[1]"
وهذا يبين لك فى وضوح تعمد المهاجمين اللعب بعقول الناس والترويج لأن علم الحديث يعتمد على الأسانيد وحسب وأن العلماء يصححون المتون الشاذة لمجرد صحة السند , وهذا بالطبع لا علاقة له بقواعد علم الحديث بل إن هناك طريقة علمية يتقنها الراسخون فى علوم الحديث تجعلهم قادرين على تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بدون النظر إلى السند أصلا , ولكنها طريقة لا يستطيعها ولا يتقنها إلا فطاحل هذا العلم ممن اكتسبوا الخبرة الهائلة بلغة وتعبيرات النبوة , وقد شرح الإمام ابن القيم هذه الطريقة فى كتاب شهير بعنوان ( المنار المنيف )
وبالتالى نجح العلماء فى تحصين الأحاديث عن طريق تحصين طرق النقل والنقد الحديثي , فهو الأساس لكافة علوم الشريعة وبغيره لا يبقي شيئ منها
ولهذا ركز المستشرقون هجماتهم من البداية على علم الحديث وحاولوا بشتى الطرق إيجاد الثغرات فيه , فعجزوا , واليوم يأتى الطاعنون ويسيرون على نفس الدرب , لأنهم لن يـُـتـعبوا أنفسهم فينتقدون الفقه ثم الحديث ثم التفسير ثم العقيدة ثم التاريخ ,
فكل هذا يتحقق تلقائيا إذا نجحت فى الطعن والتشكيك فى علم الحديث , وشككت فى صحة منهج نقل العلماء والرواة الذين نقلوا , وبهذا ينهار الدين له , وحتى التاريخ والأدب أيضا
ولهذا اجتمعت الخصوم على علم الحديث بالذات
,
فالمستشرقون الغربيون يهدفون لهدم الدين كله , والعلمانيون والشيعة والخوارج والفرق البدعية يهدفون إلى إلغاء السنة النبوية الصحيحة التى نقلها الصحابة والتابعون وتابعيهم , وذلك ليـَـحْلوا لهم تفسير القرآن على هواهم وتحريف فهمه دون أن تمنعهم السنة من الاختراع فى تفسير آيات الأحكام , وهذا كله يتحقق بضرب أصول علم الحديث ,
ولتقريب الأمر بمثال ,
فالكتاب السياسي المعتمد فى عصرنا مثلا هو الكتاب الذى يعتمد على التوثيق لكافة المعلومات الواردة فى متن الكتاب والذى يبنى الكاتب عليها تحليله , فإذا نجحت أنت فى إثبات كذب أو تزوير الوثائق انهدم محتوى الكتاب وما يتضمنه من تحليلات حتى لو كانت صادقة
أما مسألة توقيت الهجمات على السـُــنة ,
فهذه تجربة مكررة للعلمانيين وخصوم السنة , فهم يصطادون فى الماء العكر دائما , فالناس كلها الآن تواجه التشدد والإرهاب بنقد أفكار الإرهابيين وهؤلاء يستغلون الفرصة لنشر فكرهم الإرهابي المقابل القائم على شيطنة مجرد ترديد شهادة الإسلام أو الالتزام بفرائضه وأوامر الله ونواهيه , وقد فعلوها مرارا من قبل , فعندما واجهت الدولة إرهاب السبعينات وما تلاها , كان علمانيو اليوم وأساتذتهم لا يكتفون بمهاجمة شيوخ الإرهاب بل ضموا سائر شيوخ الأزهر ودعاته وعلى رأسهم الشعراوى إلى قائمة الهجوم والطعن واتهامه بدعم أفكار الإرهاب !!
قال الشاب : وما دخل مواجهة الفكر المتطرف بالهجوم على الشعراوى أو من كان مثله ..
قال الكاتب :
الهدف تنحية الدين نفسه عن حياة الناس بحيث يصير من حقهم هم ممارسة كل أنواع الزندقة والفجور , ولا يحق لك أنت مجرد تقدير الإسلام أو احترام أركانه أو القول بحرام على أى فاحشة وإلا فأنت إرهابي !

قال الشاب : إذا الهجوم ليس على الجانب السياسي وتاريخ الخلافة فقط
قال الكاتب :
يا صديقي تعال نحسبها بالمنطق المجرد , بغير أى قناعات , وأخبرنى ما الذى يزعج هؤلاء من تاريخ الخلافة الإسلامية , واتهامها بأنها ضيعت المسلمين , مع أن المسلمين عندما كانوا فى الخلافة المتحدة كانت حضارتهم تجوب الشرق والغرب , ليس سياسيا وعسكريا فقط , بل ونهضتهم العلمية لم يكن لها مثيل , وعلى المستوى السياسي كــنـّـا سادة العالم ,
والعلمانية لها فى مصر والعالم العربي قرابة قرن كامل , فأخبرنى بالله عليك ما هو حال المسلمين فى عهدهم التنويري ؟!!
وما النجاح الذى حققوه سياسيا أو أدبيا أو تاريخيا أو علميا منذ بدء الفترة الليبرالية وحتى يومنا هذا ؟!
قال الشاب : ولكن فكر الخلافة هو ما ينادى به الإخوان وجماعات العنف ؟
قال الكاتب :
هؤلاء المتخلفون لا ينادون بفكر الخلافة كأساس لوحدة عربية أو إسلامية متدرجة القوة , بل ينادون بمسماها فقط تحقيقا لأهداف شخصية أو أهداف غربية ,
فما شأنى أنا إذا جاء هؤلاء المتخلفون فتاجروا بشعار الخلافة أو قالوا بأن الخلافة هى اللحية الطويلة والجلباب الأسود ونبذ العلوم والحضارة واتخاذ السبايا والجوارى ؟!
وما شأنى إذا انتشر عبر العالم مخرفون ودجالون يقولون أنهم يعرفون المستقبل باستخدام علم الفلك , فهل نـُـبـْـطل علم الفلك كله ونلغيه لأن هناك من يتاجر به ؟!
وإذا جاء غاوى شهرة أو نصّـاب من النصابين وقال بأنه يعالج الناس بالطب الطبيعى والعشبي فهل معنى هذا أنه لا يوجد طب طبيعى حقيقي تم برعاية العلماء واعتمدوه
؟!
وهل وجدت أحدا يهتم بالاسم والمسمى من كلمة الخلافة أم أن المهم هو المقصود الأساسي وهو التحالف والاتحاد والنهضة العلمية والحضارية والتخلص من التبعية للغرب سياسيا وفكريا بغض النظر عن المسميات ؟!
ولو قامت فى الغد دولة عربية متوحدة المصالح ــ حتى بدون التوحد الفيدرالى ــ واتخذت لنفسها أى مسمى حديث بعيد عن مسميات الخلافة لكانت فى حكم علماء المسلمين خلافة متكاملة الأركان , فالعبرة ليس فى الألفاظ والمبانى ولكن العبرة بالمعانى والمضمون "[2]"
لكن العلمانيين يغفلون هذا الفهم عمدا رغم أنه الفهم المتواتر عن أهل السنة , ويصرون على نقد لفظ الخلافة وشكلياتها باعتبارنا نُـصر على هذه الشكليات كما يفعل مجانين التيارات الإرهابية , وبالتالى فهُم هنا ينتقدون فينا ما لا نعتقده أصلا , ويصمون الدين نفسه بالتخلف باعتباره يعتنى بالشكليات ولهذا يدعون لهجره وهجر حضارته باعتبارها لا تناسب العصر
وأنا أتعجب صراحة لعبقرية العلمانيين الفريدة فى حل المشكلات , فالحل من وجهة نظرهم إذا استغل الإرهابيون الدين , أن نلغي الإلتزام بالدين أصلا , !
وهذا حل فريد من نوعه للمشكلات , فدعونا ــ وفقا لمنطقهم ــ أن نلغي استخدام السيارات والطائرات لحل مشكلة حوادث وسائل النقل , والحل لتلوث الطعام أن نوقف استخدام الطاقة ونوقف الأكل !!
وهم يتهمون المسلمين بالتخلف لتمسكهم بعظمة تاريخهم , ولا يعيبون على الغرب تمسكهم بتاريخهم المحرف
!!
أين كلام هؤلاء المتخلفين من تاريخ الإسلام الذى حفل بآلاف الاختراعات العلمية كتب عنها وعن فضلها الغرب أكثر مما كتبنا نحن , ولو أنك عدت لفلم وثائقي مهم أنتجته قناة ألمانية بعنوان ( علوم الإسلام الدفينة ) ستعرف أى جريمة يرتكبها العلمانيون , فالفيلم يقول صراحة فى نهاية استعراضه لعلوم الإسلام فى الطب والرياضيات والفلك أن أساسيات هذه العلوم جاءتنا من المسلمين , وأن هذه الأساسيات انتحلها بعض علماء الغرب متعمدين , أى اتهموا رموزهم بالسطور العلمى على إنتاجنا , الأغرب أنهم حددوا بالاسم من هم هؤلاء العلماء "[3]"
قال الشاب : وماذا عن احتجاجهم بحقوق الإنسان ؟
رد الكاتب قائلا :
سأتركك تحكم بنفسك , ما هى أخبار حقوق الإنسان فى دولة العلمانيين يا ترى ؟! وما هى أخبار حرية الرأى فى فرنسا وأوربا مهد العلمانية ؟!
هل يستطيع أكبر كاتب أو أكبر عالم أن يخرج هناك وفى عصرنا الحالى فينكر الهولوكوست أو يحارب إرهاب الغرب وحكوماته لتحقيق مصالحه ؟! وما أخبار حقوق الإنسان فى تعامل الغرب معنا ؟!
وما هى أخبار حقوق الإنسان فى المجازر الحيوانية التى ارتكبتها دولة الغرب فى عهدها العلمانى ففاقت فى وحشيتها تاريخ أجدادهم فى عهد الكهنوت ؟!
وهل سمحت فرنسا للمسلمات ــ حتى من مواطنيها ــ بارتداء الأزياء المحتشمة التى يعتقدون بها ؟! وبالمقابل هل منعت اليهود من ارتداء رموزهم الدينية فى الملابس ؟!
وإذا كان هذا يحدث فى عصرنا الحالى فكيف يمكنك تصور توافر حرية الرأى ــ كما يتصورها العلمانيون ــ فى القرون الماضية ,
مع ملاحظة أننا نملك فى تاريخ الخلافة الراشدة وخلافة عمر بن عبد العزيز نموذجا متكاملا لحقوق الإنسان لم يصل الغرب حتى الآن إلى مستواه , فكان عهدا من العدل المتكامل لا توجد فيه سيطرة لطبقة على طبقة أخرى لا بمسمى رجال الأعمال ولا بمسمى العائلات الحاكمة , بينما الغرب حتى فى عصره الحديث لا يملك هذا النموذج , وطبقات رجال الأعمال فى أعرق الديمقراطيات تتحكم فى كل شيئ فعليا فى تلك الدول
وحتى تاريخ الخلافة فى عهد الأسرة الأموية والعباسية وأمراء الدول كان التعرض لحقوق الإنسان فيها وجبروت السلطان مرهون فقط بمن ينازع السلاطين حكمهم , وما عدا ذلك كانت العدالة مفتوحة لآحاد الناس أمام القضاء وهناك حوادث أكثر من أن نحصيها لقضاة اقتصوا لعوام الناس ضد أشرافهم بل وضد الحكام أنفسهم والقضاء فى الإسلام باب مستقل فى التاريخ يحتشد بمئات الأمثلة على نزاهة الحكم والأحكام ,
ولولا هذا لما مكنهم الله من هذا الملك العريض ,
ولولا وجود هذا الجو من العدالة والرفاهية للشعب الإسلامى ما خرج هذا الإبداع وخرجت هذه الحضارة , فمن المستحيل أن تخرج الحضارة والإبداع فى جو من الإرهاب كما يصورونه !
بل الأهم من هذا وذاك ما كانت جيوش دولة الإسلام تنتصر فى كافة معاركها مع القوى العظمى فى ذلك الوقت لو لم تكن الحكومات حكومات تحقق على الأقل العدالة الكافية للشعب كله , فالديكتاتورية تهدم الحضارات ولا تبنيها , كما أن الدكتاتورية تخلق جوا مريعا من عدم الإنتماء فتنهزم الجيوش مهما بلغت قوة عتادها , ولا يوجد جيش فى العالم ينتصر فى معارك خارجية وجبهته الداخلية ممزقة
فهل يمكن لعاقل أن يتصور الوحشية والدكتاتورية كأساس لحكم الخلافة بينما قواتها جابت الأرض شرقا وغربا وردت سائر الهجمات المنظمة التى تميزت بقوات هائلة وتحالفات عدة دول , بل إنه حتى فى فترات الضعف وتفرق الإمارات الإسلامية لم ينجح الغرب بالحملات الصليبية فى النيل من الدول الإسلامية رغم تكراره الأحلاف العسكرية لسبع مرات فى فترة الحملات الصليبية !
وفى نفس الوقت فى أوربا , كان ملوكها يلقون بخصومهم للأسود الجائعة , بل يتسلون بحفلات جماعية للمصارعة بين العبيد لابد أن تكون نهايتها بالموت لأحدهم ؟!
وفى محاكم التفتيش التى تم عقدها للمسلمين فى أوربا ابتكروا أساليب تعذيب تثير شفقة الشياطين على الضحايا !
واتحدي أى علمانى أن يأتى لى بسابقة شبيهة أو حتى مقاربة لذلك فى تاريخ الخلافة الإسلامية وعلى يد حكامها وبمباركة علمائها كما حدث فى الغرب , وكل ما يروجون له , ستجده بين أمرين إما أنه افتراءات محضة جلبوها من قصص الخرافات بلا مصادر مسندة , وإما أنها حوادث تمت فى فترات التفرق والتحزب والفتن التى تخللت التاريخ المستقر للخلافة
وعندما تسأل العلمانيين ما هو مبرر كراهيتكم لفترة الخلافة وهى باعترافكم كانت عصور علم وأدب وثراء وسيادة , لن يجيبوا أبدا لأن حقيقة كراهيتهم لها هى فقط كونها خلافة إسلامية أى مرتبطة بالدين !
ولو كانت هناك دولة ناجحة أو حتى ظالمة فى تاريخ المسلمين لكنها ليست مرتبطة بأهل السنة فسيعظمونها مهما كانت جرائمها ووحشيتها , وهذا يوضح هدفهم تماما أنهم يقصدون السنة وأهل السنة بالذات

الهوامش :
[1]ــ إختصار علوم الحديث ـ الإمام بن كثير ــ بتحقيق العلامة أحمد شاكر
[2]ـ قاعدة أصولية فى علم أصول الفقه
[3]ــ علوم الاسلام الدفينة ــ فلم وثائقي ـ أنتاج ألمانى ـ موقع يوتيوب

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 02:46 AM


قال الشاب : كيف ذلك ؟!
قال الكاتب :
سأعطيك مثالا صارخا واضحا يثبت لك ذلك بوضوح تام ,
مثلا إبراهيم عيسي .. سيد الطاعنين هذه الأيام فى الشريعة والسنة وأهل الحديث , والذى لا يعجبه طريقة حكم عمر بن الخطاب نفسه ! , هل تصدق أنه عندما سُئل عن السفاح الروسي ( ستالين ) الذى حكم الاتحاد السوفياتى بالحديد والنار , هل تعلم ماذا قال عنه ؟!
قال إنه حاكم عظيم !! ,
فلما سأله المُحاور فى دهشة : ولكنه قتل عشرين مليون مواطن فى فترة حكمه ؟!
أجابه إبراهيم عيسي : لكنه جعل من الاتحاد السوفياتى دولة عظمى !
والمصيبة الكبري أن محاوره لم يعلم بالعدد الحقيقي لضحايا ستالين فقد تسبب بوفاة أكثر من 50 مليون إنسان بين عامي 1927 و1953 فيما يزيد بخمس عشرة مرة على ضحايا هتلر في أوروبا و4 مرات على خسائر روسيا في الحرب العالمية الثانية و40 مرة على خسائرها في الحرب العالمية الأولى وهى مجازر ارتكبها ستالين بعد الحرب العالمية الثانية لفترة طويلة وبقيت سرية حتى فضحها خلفه نيكيتا خروتوشوف عام 1956 م , فى الجلسة الشهيرة لمؤتمر الحزب الشيوعى الحاكم آنذاك
قهقه الشاب ضاحكا فى دهشة : ما هذا ؟! ستالين السفاح عظيم لأنه أسس دولة عظمى وخلفاء المسلمين ليسوا كذلك وهم من حكموا العالم شرقا وغربا ؟!
قال الكاتب :
هل رأيت ؟!
المشكلة ليست مع هؤلاء فى الحكم والسياسة بل مشكلتهم فى نسبة أى شيئ عظيم للإسلام والمسلمين , وهذا الرجل المادح لستالين لكونه جعل دولته إحدى دولتين عظميين فى العالم لمدة ستين سنة فقط , وقتل فى مقابل ذلك 50 مليون آدمى , يذم الخلافة الإسلامية من عهد الراشدين وحتى عهد العثمانيين , بينما عدد المواطنين فى عهد أى خلافة لا أعتقد أنه سيتجاوز عدد ضحايا ستالين وحده ! ,
بالإضافة إلى أن إبراهيم عيسي يتجاهل تماما التاريخ الوحشي لدول وحكومات الرافضة التى حكمت بعض الأقطار الإسلامية فى فترات التمزق , رغم أنها حفلت بتاريخ دوى وإبادة عرقية للمخالفين , فلم نره مرة يذكر بالذم دولة العبيديين فى مصر , ولا دولة الصفويين فى إيران والتى أجبرت شعبا كاملا على التشيع بالقتل والقهر والتعذيب الممنهج ونراه فقط يركز على دول أهل السنة
وفى مقابل هذا التاريخ الدموى حكم المسلمون السنة العالم كله قرابة ثمانية قرون كقوة عظمى وحيدة ومنفردة أيضا ثم كقوة عظمى هى الأكبر بين قوى العالم حتى انهيار الخلافة
قال الشاب : قوة وحيدة !
أجاب الكاتب :
هل نسيت أن الخلافة الراشدة أسقطت القوتين الأعظم فى ذلك الوقت معا الرومان والفرس , وحاربتهما معا , وهزمتهما هزيمة ساحقة فى آسيا وأوربا وإفريقيا , وهو ما لم يحدث مع أى دولة فى التاريخ المكتوب كله , وجاءت الخلافة الأموية , فحكم سليمان ابن عبد الملك أكبر إمبراطورية فى التاريخ , فدولته كانت حدودها من الصين شرقا حتى الأندلس غربا وهى أكبر رقعة من الأرض استطاع حاكم بشري أن يسيطر عليها فى وقت واحد !
وجاء العباسيون فحكموا نفس الرقعة وخرجت الأندلس فقط لتظل تحت حكم الأمويين وهى خلافة إسلامية عظيمة أيضا , ووقف المسلمون عند حدود بلاد الغال ( فرنسا الحالية ) ,
بل كاد الأندلسيون أن يجتاحوا سائر أوربا ويحتلوا الجزر البريطانية لأول مرة فى التاريخ فى عهد القائد الأندلسي العتيد الحاجب المنصور
ثم جاءت الدول الإسلامية التى حكمت نفس الرقعة من الشرق الأوسط ولكن على إمارات منفصلة , ثم جاء العثمانيون وأسسوا خلافتهم التى اكتسحت أوربا وإفريقيا لمدة ستة قرون , حتى سقطت فى بداية القرن العشرين ! ,
أى أن تاريخ الخلافة الإسلامية بين قوى العالم دار بين ثمانية قرون حكموا فيها العالم منفردين وبين أربعة قرون حكموا العالم فيها كقوة عظمى متقدمة على غيرها فى دول أوربا
فهل تعلم كيف سقطت الخلافة العثمانية ومتى بدأ الانهيار ؟!
قال الشاب : متى وكيف ؟!
قال الكاتب :
كان العثمانيون يشعرون بالعزة الشديدة بالإسلام , خاصة عندما تحققت فيهم بشارة النبي عليه السلام , وفتحوا عاصمة الروم ( القسطنطينية ) وغيروا اسمها إلى ( إسلام بول ) وهى اسطنبول الحالية , ولهذا , ورغم أنهم من جنس الترك إلا أن انتماؤهم الإسلامى دمجهم حتى مع العرب , وكانوا يعاملون ملوك أوربا معاملة الخاضعين لهم , وقد دخلت الجيوش العثمانية فاكتسحت جيوش بلجيكا لأن ملك بلجيكا قتل رسول الملك سليمان القانونى !
وظلت الخلافة عصية على الغرب حتى مرت أربعمائة عام , وبدأت المظاهر الأوربية تغزو حياة العثمانيين , وبعد مائة عام فقط , تركوا نظام الحكم الإسلامى جزئيا وأخذوا ببعض القوانين من النظام القانونى الفرنسي والانجليزي وبعدها صارت دولة العثمانيين مرتعا للغربيين وانهارت قيمتها حتى تم تدميرها فى الحرب العالمية الأولى
فانطبقت عليها مقولة عمر ابن الخطاب ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , وبه ننتصر على أعدائنا وليس بقوة السلاح , فإن تركنا الإسلام , تساوينا بهم فانتصروا بقوة السلاح علينا )
بل إن كثيرا من المؤرخين الآن يغفل عن أن انهيار الخلافة كان السبب الرئيسي فى نشأة التنظيمات الإرهابية بصورتها المعاصرة , لأن المسلمين تجاوبوا مع حركة الإخوان وأمثالها لأنهم رفعوا شعار الخلافة وتاجروا به , وفى نفس الوقت كان العلمانيون والليبراليون قد ظهروا فى السيطرة على الواقع المصري وتراجع دور علماء الأزهر , ولم يكن الناس قابلين لهذا التحول الغربي وثقافتهم ترفضه ,
قال الشاب : تريد أن تقول أن انتشار العلمانية كان سببا رئيسيا فى تحقيق التيارات الإسلامية لشعبية بين الناس
قال الكاتب :
احكم أنت بنفسك وأخبرنى ..
ماذا كانت ردة فعل الشعب أيام حكم المجلس العسكري بعد ثورة يناير عندما وقف العلمانيون بقوة فى الإعلام لصالح رفض التعديل الدستورى ,
استغل الإخوان والسلفيين اجتماع العلمانيين على القول برفض التعديلات , ليروجوا بأن كل من يرفض التعديلات هو من أتباع العلمانيين الذين يريدون إلغاء المادة الثانية !
ورغم أن هذا لم يكن مطروحا أصلا فى الاستفتاء , إلا أن الناس صوتوا بنعم عنادا فى أبواق العلمانية التى دأبت على الطعن فى الثوابت لمجرد أنهم قالوا بلا , رغم أنها الخيار السياسي الصحيح ! , وهذا يدل بوضوح على مقت الشعب لاختيارات العلمانيين حتى لو كانت صوابا
وعندما انكشف أمر بيع الإخوان للثورة بعد أن أوصلهم الشعب لمجلس الشعب وشاهد أداءهم المزرى ,
انقسم الشعب بين التيار الإسلامى وبين فلول الوطنى لشعورهم بتفاهة الجبهة المدنية ولم يضعوها كخيار ثالث أصلا
ولهذا قال العقلاء مرارا وتكرارا , بأن إخراج العلمانيين من دائرة الحرب الفكرية على الإرهاب يوفر ثلاثة أرباع الجهد فى هذه المعركة , فالذين ينضمون أو حتى يتعاطفون مع التيارات الإرهابية لا يفعلون ذلك اقتناعا بفكرهم بل لمجرد النكاية فى العلمانيين وأضرابهم لوقاحتهم البالغة ضد القرآن والسنة ,
والإخوان تستغل ذلك فتردد فى كل مناسبة أن إسقاطهم كان إسقاطا للإسلام فى مصر , وكنا ــ ولا زلنا ــ نسخر من وقاحتهم تلك لأننا لم نر منهم إسلاما ولا حتى ليبرالية , ولكن بعض الناس صدقت ذلك , كيف لا , وهم يسمعون فى كل يوم من يقول بأن كتب التراث الإسلامى قذارة وانحطاط ووحشية , وأن الصحابة والتابعين جاهدوا لبناء إمبراطورية ولم يجاهدوا لنشر الإسلام , وأن الشريعة الإسلامية مصطلح لا وجود له فى القرآن والسنة , وأن الإرهاب ليس صناعة أمريكا بل هو من صناعة الأزهر وأن القرآن هو نص تاريخى وبعض نصوصه كانت ملزمة لزمن النبي عليه السلام وحده !!

قال الشاب
: قالوا ذلك بالفعل , والمفاجأة أننى عرفت هذه الأقوال من مواقع الإخوان وصفحاتهم , ولكن ما هو دور الفرق الأخرى غير العلمانيين ؟!
قال الكاتب :
ربما تأخذك المفاجأة بشدة إذا علمت أن المصدر الرئيسي للهجمة المنظمة الآن على التاريخ الإسلامى وتراثه , ليسوا هم العلمانيين أو دعاة الغريب ,
فهؤلاء فقط يمثلون أدوارا فرعية إلى جوار اللاعب الرئيسي الذى نزل للملعب العربي بقوة وعنف عقب أحداث الثورات , وأعنى بهم النظام الإيرانى والذى يعتبر نظاما كهنوتيا بامتياز حيث يتم تسخير موارد الدولة على كافة المستويات لخدمة المد الشيعى فى المنطقة ..
تساءل الشاب : هذا قول غريب إذا سمحت لى ! , فالمفترض أن العلمانيين هم أصحاب الإتجاه الرئيسي لتنحية الحضارة الإسلامية ..
أجاب الكاتب :
العلمانيون فى بلادنا يا صديقي قوم مهيضو الجناح جدا , وإمكانياتهم ورسالتهم فى الحياة لا تتعدى إلى شيئ إلا تنحية الدين عن واقعنا المعاصر , لكنهم لا يهتمون كثيرا بالتاريخ الإسلامى , ولا يعنيهم أن يهاجموه إلا عندما تتعارض وقائع التاريخ مع طموحاتهم , بل إن بعضهم قد يمتدح التاريخ الإسلامى ولكنه يقول بأن العصر الحالى لا يناسب فكر الماضي ,
باختصار ,
هدف العلمانيين ومن سايرهم كاليساريين ودعاة التغريب هو تقليد المنهج الأوربي فى كل شيئ , وهؤلاء ليست عندهم مشكلة حتى فى التدين الشخصي للأفراد , طالما أن هؤلاء الأفراد لن يعترضوا على علمنة المجتمع , ولا يعنيهم إطلاقا أن نظل معتزين وفخورين ومتمسكين بتاريخنا وتراثنا طالما أنه لن يتعارض مع ما يخططون له
لكن الهجمة المنظمة الحالية على التراث الإسلامى تفوح برائحة مختلفة تماما عن الرائحة المعتادة من النشاط العلمانى ,
ولا يدرك الفارق الدقيق بين الحالتين إلا من له خبرة التعرض لأنواع العداوات التاريخية لأهل السنة , فإذا تأملت الهجمة الحادثة منذ إسقاط الإخوان ستجد عدة ملحوظات تلفت النظر بالفعل ..
أولها : الهجمة هذه المرة مكثفة وشديدة التنظيم وتفجرت فجأة فى عشرات الصحف والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت , على نحو يشي بالتدبير وبأن مصدرها واحد ومن المستحيل أن تكون من قبيل الصدفة ,
ثانيها : الفارق الدقيق الذى لفت نظر المتخصصين فى العقيدة أن الهجمات التى تبدو علمانية الهوى تميزت هذه المرة بهجوم كاسح على أفراد بعينهم فى التاريخ الإسلامى , مثل أبي بكر وعمر من الصحابة ومن أمهات المؤمنين عائشة وحفصة , ومن العلماء البخارى وابن تيمية , ومن الحكام صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنهم جميعا , ولو راجعت الهجمات عبر الشهور الماضية ستجد أنها حملة منظمة بالفعل على هؤلاء الأفراد بالذات فهناك عشرات المقالات والمعالجات الإعلامية التى تطعن فى هذه الشخصيات بتكرار يثير الريبة ! , أما الذى يكشف الأمر فعلا أن هذه الهجمات على هذه الشخصيات منقولة بالنص من كتب الشيعة سواء القدامى أو المعاصرين
وهذا غريب للغاية ,
فالعلمانيون لم يركزوا هجماتهم من قبل أبدا على شخصيات بعينها فى التاريخ والتراث ولم يجرؤ واحد منهم على ذكر أى شخصية من سيدات بيت النبوة ,
فضلا على هذا أن معظمهم لم يجرؤ على مهاجمة عمر بن الخطاب وصلاح الدين بالذات , نظرا لأن الفاروق عمر لا زال الغرب نفسه يعترف بعدالة حكمه النموذجى , وصلاح الدين يُمثل بطلا قوميا للإسلام وقضية القدس ولهذا يحتفي به حتى العلمانيون أنفسهم فضلا على أن الهجوم على عمر وصلاح الدين لا يخدم القضية العلمانية فى قريب أو بعيد .. هذا بالإضافة إلى أن العلمانيين وحتى دعاة التغريب تتخذ من عمر وصلاح الدين نموذجا غير قابل للتكرار ويعلمون تماما حجم شعبيتهم الكاسحة ولهذا لا يقتربون منهما
أما بالنسبة لابن تيمية والبخارى فالعلمانيون لم يخصصوا هجومهم من قبل على علماء محددين , بل من عادتهم إنتقاد نصوص القرآن والسنة نفسها , ولو تحدثوا عن العلماء فلا يخصصون أحدا بعينه , بل يتحدثون عن عموم العلماء السُــنة , ولو خصصوا الهجوم على عالم بعينه فهم يهتمون دائما بنقد الإمام الشافعى بالذات وهذا لأن الشافعى هو الشوكة فى حلق العلمانية باعتباره الذى ابتكر وأسس أصول الفقه وأصول الحديث أيضا , مما جعل من علوم الفقه وعلوم الحديث علوما محددة القواعد كاملة البناء نجح العلماء بعد ذلك فى ترتيبها وتبويبها وتفريعها لفروع أصغر فأصغر حتى تكاملت علوم الشريعة بملايين الكتب والمصادر فصعب اختراقها بالشبهات
نخلص من هذا إلى أن الهجمة الحالية لا يمكن أن يكون السبق فيها للعلمانية وحدها ,
فمن الذى يقف خلف هذا الهجوم يا ترى ؟!
ومن الذى يمتلك الأدوات المادية التى تمكنه من اختراق وتجنيد الإعلام لهذه الهجمات ؟! ومن الذى لا يشغله شيئ فى الدنيا إلا الطعن فى الشخصيات سالفة الذكر
؟!
والجواب واضح وضوح الشمس لكل من يمتلك أدنى خبرة بالشيعة الإثناعشرية والنظام الإيرانى ,
فالشيعة الإثناعشرية تحديدا لا تعادى أحدا أو تمقت شخصا قدر مقتها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه , وبعده أبو بكر وعائشة وحفصة حتى أن دعاتهم يلعنون هؤلاء بالذات وبالإسم واحدا واحدا قبل أن يتمموا اللعن على سائر الصحابة وسائر أهل السنة , فضلا على أن الشيعة تعتبر صلاح الدين بالنسبة لها أعدى لهم من إبليس , لأن صلاح الدين هو الذى قضي على حكم العبيديين الشيعة فى مصر وهى الدولة المعروفة خطأ باسم الدولة الفاطمية "[1]" ولم يكتف صلاح الدين بهذا بل قام بغلق كافة المعاهد الشيعية مثل الأزهر والأقمر والأنور , وأعيد فتح الأزهر بعد ذلك ليصبح أكبر معهد لعلوم السنة بعد أن كان المرجعية الكبري للشيعة , وبالتالى فصلاح الدين مزق أحلامهم بعد أن نجحوا فى تحقيق أكبرها على الإطلاق وهو حكم مصر , ومن المستحيل أن ينسوا له صنيعه هذا
أما البخارى وابن تيمية ,
فالأول هو أمير المؤمنين فى الحديث وكتابه الصحيح شوكة فى حلق الشيعة ليوم الدين , والسبب فى ذلك أن الشيعة عاجزون عن اتباع المنهج السنى فى علوم الحديث والإسناد وكتبهم كلها طافحة بالروايات الموضوعة زورا على آل البيت ,
أما ابن تيمية فلا عجب ولا غرابة فى عداوة الشيعة له , فقد كان رحمه الله حائط صد رهيب ضد الشيعة والصوفية والجهمية فى زمانه , ومؤلفاته فى هذا الباب نجحت فى دحر أهل البدع جميعا فى عصره , بالإضافة إلى أن هذه المؤلفات مثل كتاب ( منهاج السنة النبوية ) لا زال إلى اليوم يعتبر المرجع الرئيسي لكل مهتم بفنون الرد على شبهات الشيعة "[2]"
أضف إلى هذا أن نشاط التمدد الإيرانى فى العالم السنى تضاعف منذ بداية الثورات العربية , والشيعة فى مصر بالذات لهم محاولات مريرة منذ بداية القرن الماضي لاختراق الأزهر ومصر بشتى السبل , وفى كل مرة يعجزون عن ذلك بسبب توفيق الله للعلماء والباحثين فى كشف نواياهم , لكنهم يستعينون بالدعم المادى الهائل فى اختراق ضعاف النفوس سواء فى الأزهر أو الأحزاب السياسية أو الإعلام
قال الشاب : إذا هذا هو ما يفسر تخصيص الهجوم على خلافة الراشدين والبخارى والمقالات المتعددة التى تطعن فى سيرة صلاح الدين بلا أى مناسبة ؟!
قال الكاتب :
هو بالضبط كما تقول , ولاحظ أنك قلت فى عبارتك ( هجوم على صلاح الدين بلا مناسبة ) , فدهشتك تلك هى مربط الفرس فى كشف مصدر الهجوم , لأنه بالفعل لا يوجد أى مبرر عند أى مسلم ــ عدا الشيعة ــ للهجوم على صلاح الدين بالذات , فهو بخلاف إنجازه التاريخى فى تحرير القدس ودحر الصليبيين , لا يمتاز عن غيره من حكام عصره بشيئ يبرر كراهيته , فلماذا خصص الإعلام اليوم مقالات متعددة للهجوم عليه ولماذا لم يهاجموا قطز مثلا أو بيبرس أو حتى حكام المماليك فى فترة ضعفهم , ولماذا لم يهاجموا الحكام السفاحين من دولة العبيديين كالحاكم بأمر الله رغم تاريخهم الوحشي ؟!
هذا مع الوضع فى الاعتبار أن الهجوم على صلاح الدين بالذات يعتبر خيانة فى عرف كل عربي ومسلم لأن الرجل مرتبط فى أذهان الناس بتحرير القدس كما أن الغرب يـُـكن له عداوة شديدة بلغت من الوقاحة أنه عندما تمكن الغرب من إعادة احتلال القدس جاء قائد الاحتلال إلى قبر صلاح قائلا : ها قد عدنا يا صلاح الدين ,
فالرجل صار رمزا لقضية القدس اليوم منذ احتلالها , والأطفال تتغنى بسيف صلاح الدين الأيوبي بالذات طمعا فى مجيئ قائد آخر مثله يحقق حلم المسلمين فى استعادة أقصاهم الشريف
لكن مع الشيعة .. الأمر مختلف ,
لأن عقيدتهم قائمة على كراهية هذا الرجل الذى أحبط مخططاتهم التاريخية ,
تساءل الشاب : ولكن المهاجمين اليوم لا يعلنون أنهم شيعة ؟!
قال الكاتب :
بالطبع , لأنهم بالفعل ليسوا من الشيعة , فالشيعة المصريون الذين أعلنوا تشيعهم معروفون , وهؤلاء لن يقبل الناس منهم صرفا ولا عدلا وقد فقدوا فاعليتهم تماما بعد هزيمتهم عدة مرات فى المناظرات العلنية على مدار الأعوام السابقة , أما حصان طروادة الجديد للشيعة فهم هؤلاء المأجورون من المحسوبين على أهل السنة وتنحصر مهمتهم فى تحطيم هيبة تاريخ أهل السنة دون الإفصاح عن تأييدهم أو حتى تعاطفهم مع الشيعة وإلا فسدت مهمتهم
وعندك فى مصر والعالم العربي ثلاثة أو أربعة من أشهر المروجين لهذه الهجمات بهذا الأسلوب , وهؤلاء يهمهم فقط هدم تراث السنة حتى لو لم تروج لمعتقدات الشيعة ,
فبعد يأس الشيعة فى إيران من فاعلية المناظرات مع علماء السنة , لجئوا لطريقة مبتكرة فعلا تحقق هدفهم دون أن يضطروا للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة انتقاد علماء السنة العـنيف , خاصة وأن كتبهم ليست فقط تحتوى الطعن فى القرآن وتكفر الصحابة وأمهات المؤمنين , بل أيضا لأن كتبهم مثل كتب الصوفية فيها خرافات وروايات لا يمكن أن تكون من نتاج البحث العلمى بل هى أقرب للبحث الجنائي ومباحث المخدرات !
لذلك كانوا يحتاجون لوسيلة تجعلهم يهاجمون كتب السنة دون أن يبادلهم أهل السنة الهجوم على كتبهم , أو على الأقل ينشغل أهل السنة بالدفاع عن أنفسهم ويتركوا كتب المنهج الرافضي فتخلو لهم الساحة للاختراق
فاستغلوا بعض المنسوبين للسنة ودعموهم , فخرج هؤلاء يقولون بأنهم من أهل السنة ويريدون التجديد ــ نفس النغمة العلمانية ــ, وأشهر هؤلاء الدعاة حسن فرحان المالكى فى السعودية , وعدنان إبراهيم الفلسطينى المغترب فى النمسا , وبعض أضرابهم على المنتديات وشبكات التواصل الإجتماعى , ولكنهم وقعوا فى حماقات أظهرت نواياهم سريعا

الهوامش :

[1]ــ أطلق الإمام السيوطى على العبيديين اسم الدولة العبيدية الخبيثة فى كتابه تاريخ الخلفاء
[2]ــ بلغ حقد الشيعة على هذا الكتاب أن علماءهم يحضون أتباعهم على حرق نسخ هذا الكتاب إذا أرادوا أن يستجيب الله لدعائهم !!

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 03:31 AM

فقد كان السؤال المحير عند ظهور هؤلاء الناس
لماذا لم يتعرض الطاعنون فى التراث لكتب التراث الشيعى , ولماذا اقتصر الطعن على كتب وتراث أهل السنة , والأهم لماذا دوما يتخذ الطاعنون المصادر الشيعية فى التاريخ ليأتوا منها بالشبهات على أهل السنة ؟!
وكان جوابهم أنهم لا شأن لهم بالشيعة وغرضهم تنقية كتب أهل السنة ! ,
مع أن كتبنا منقاة وتميز فيها الصحيح والضعيف بعكس كتب الشيعة , فسلم العلماء لهم بذلك من باب الجدل ,
ومضوا معهم إلى آخر الطريق , فقط اشترطوا عليهم أن يجيبوهم على بعض الأسئلة التى ستكون إجاباتها دليلا قطعيا على حقيقة مذهبهم , وفشلوا فى الاختبار طبعا ,
فلم يتفوهوا بما نعتقده نحن أهل السنة من عدالة جميع الصحابة , وتكفير القائل بتحريف القرآن , إلى غير ذلك من الأمور التى لا يجادل فيها مسلم
أما فى مصر فمندوب الشيعة المتخفي هو إبراهيم عيسي , فهو لم يقدم نفسه علمانيا أبدا بل على العكس ادعى أنه ذو ثقافة إسلامية وقدم بعض البرامج الفضائية التى يروى فيها حكايات من التاريخ الإسلامى ليس من بينها حكاية واحدة صحيحة ! ,
ثم فوجئنا بتكرار هجومه على البخارى , وعلى الخلافة الإسلامية ــ حتى الراشدة ــ وزادت الريبة بظهوره فى قناة شيعية منذ بضع سنوات يردد نفس مفتريات الشيعة فى التاريخ , ثم ظهر وانكشف تماما فى الأيام الأخيرة ,
قال الشاب : كيف ؟!
أجاب الكاتب :
فى نفس الوقت الذى يكثف فيه إبراهيم عيسي هجومه على السُـنة ويسفّه لفظ السنة نفسه , فيقول أن النبي عليه السلام لم يكن سنيا !!! , وبغض النظر عن جهالة وحمق الكلمة , إلا أن حجة إبراهيم عيسي كانت ادعاء العقلانية
فاتهم كتب التراث بأن بها ما يناقض العقل , فى نفس الوقت الذى ينشر فيه بجريدته الجديدة ( المقال )"[1]" تحقيقا كاملا عن أشهر وأوثق كتب الشيعة على الإطلاق , وهو كتاب ( الكافي ) لشيخهم الكلينى , ويقول فى بجاحة منقطعة النظير أن كتب الشيعة أكثر ثقة وعقلا من كتب أهل السنة !
وأنا لن أدعوك لقراءة الكتاب , بل فقط أدعوك لقراءة فهرس عناوين فصول الكتاب , الفهرس فحسب , ولن تجد فقط تكفير الصحابة وتحريف القرآن , وأن ثلثي القرآن ضاع , بل ستجد الأعاجيب التى يصفها إبراهيم عيسي بالعقل وهى صفات أئمة الشيعة , وهى صفات تعدت أوصاف سوبرمان ولا يمكن أن تتحقق لبشري , بالرغم من أن من يدّعون أنهم أئمتهم , هم من أبناء النبي عليه السلام وسيرتهم معروفة عندنا وتاريخهم خال تماما من هذه الخرافات , فيكفيك فقط هذا التناقض لتكشف نواياه ,
وتناقض آخر أفدح ,
ففي نفس الجريدة يروّج للقرامطة , ويصفهم بعنوان كبير أنهم أصحاب أول ثورة اجتماعية فى التاريخ !! ,
فهل تعرف من هم القرامطة ؟!
القرامطة هم فصيل من الشيعة الإسماعيلية , ومن أشرس فصائلهم فى سفك الدماء , وقد خرجوا على حكم الخليفة العباسي وكونوا ميلشيات قطعت طريق الحج , ثم ارتكبوا أفظع جرائمهم عندما دخلوا الحرم المكى وقت الحج , ثم قتلوا جميع الحجيج , ودفنوهم فى بئر زمزم , بهدف تغوير مائها , ثم هتفوا فى صحن الكعبة ( أين الطير الأبابيل .. أين الحجارة من سجيل ) , وقاموا بنزع الحجر الأسود من مكانه وجلبوه إلى عاصمتهم وظل عندهم قرابة سبعين عاما ثم يأتى إبراهيم عيسي ويشيد بهم ويـُــترجم لهم !
فى نفس الوقت الذى خصص فيه أبوابا شبه ثابتة للطعن فى البخارى وصلاح الدين وتهوين شأن الخلافة الراشدة !
أما الممثل الآخر للشيعة فهو ذلك النكرة طويل اللسان , الذى لا يجيد القراءة أصلا ويدعى أنه باحث مصحح , هذا المذيع ظهر على إحدى قنوات الرقص الشهيرة ببرنامج يدعو لإسلام جديد , لست أدرى من أين وحى جاء به ؟!
المهم أن برنامجه التافه هذا يبث بشكل يومى تقريبا فى قناة صاحبها أساسا من رجال أعمال الإعلانات , وهذا يعنى أن وقت البرنامج على الهواء يتكلف الملايين , ومع هذا فليس للبرنامج تغطية إعلانية تسمح بهذا الوقت ولا حتى ربعه ,
والشركة الوحيدة الراعية للبرنامج هى من أثارت الشكوك فيه , فهى شركة رأسمالها مثير للريبة وظهرت فجأة واكتسحت سوق الأغذية , ضمن موجة المال العراقي الذى دخل مع الفارين من حرب العراق
ومع طعونه المتكررة والتى يزعم أنه جاء بها بجهوده اتضحت نواياه , وهو كاذب قطعا لأن شبهاته هذى كان مصدرها كتب المستشرقين تارة وكتب الرافضة تارة أخرى وأحيانا مواقع الإنترنت ,
أما شبهاته تجاه البخارى وكتب الحديث فمنقولة نصا من كتب الشيعة ,
ولم يلاحظ المتخلف أن سرقاته ستنكشف ببساطة , لأنه ظن فيما يبدو أن النقول التى ينقلها باحثو الشيعة من كتبنا هى نصوص صحيحة وموجودة بالفعل , ولهذا كان يتكلم ويصرخ ويهلل , مع أن أصغر باحث فى الشأن الشيعى يعلم يقينا أن الشيعة تزوّر النقول من كتب أهل السنة حتى تتمكن من الطعن فيها ,
ولأننا نعلم هذه المعلومة جيدا , ولكن أغلب أصحاب الشبهات لا يعلمونها لهذا فهم يذهبون إلى كتب الشيعة أحيانا طمعا فى إيجاد ثغرة أو شبهة محبوكة وينقلون هذه الشبهات مسندة إلى كتبنا ــ ظنا منهم أن الشيعة يصدقون فى نقلهم عن كتبنا ــ دون أن يدركوا أن الشيعة معجونة بالكذب إلى حد مذهل , ولهذا يتعرضون دائما للحرج عندما نكشف لهم ذلك
قال الشاب :
ولكن ربما هو نفسه الذى نقل هذه النصوص وكذب فيها ..
أجاب الكاتب نافيا :
كلا , فالباحثون فى الشأن الشيعى فى مصر هذه الأيام كثيرون , ونكاد نحفظ أساليب الشيعة فى طرح الشبهات , كما أنه فى نقله كان ينقل الشبهة ويقول بنفس الاعتراض الذى يعترض به الشيعة , وهذه ليست صدفة !
فمثلا من عادة الشيعة التدليس فى أسماء العلماء المشاهير فيأتون بروايات فظيعة ومستنكرة وينسبونها للطبري فنذهب لتاريخ الطبري فلا نجدها , وإذا بهم لم ينقلوها عن إمام السنة ابن جرير الطبري بل عن المؤرخ الرافضي رستم الطبري , ويقولون مثلا قال ابن حجر , فنذهب لكتب ابن حجر فلا نجد القول , وإذا بهم لم ينقلوها من ابن حجر العسقلانى ــ شارح البخارى ــ بل عالم آخر هو ابن حجر الهيثمى وليس هذا كذاك , وهكذا ..
وعندما لاحظت ذلك تكلمت مع الباحثين الذين لهم نشاط مشهود فى التصدى للتشيع فتواصلوا بدورهم مع مذيعى قناة ( صفا ) الذين خصصوا برنامجهم ( قرار إزالة )"[2]" للرد عليه وقلت لهم أن يتحدوه على الملأ بأن يذكر رأيه فى كتب الشيعة ,
وبالفعل تحدوه أكثر من مرة , فهرب ثم قال أنه لا شأن له بكتب الشيعة وأن كتب أهل السنة ظلمتهم !!

قال الشاب : ولكن هذا المذيع من الممكن أن يكون مأجورا , ولكن ماذا عن إبراهيم عيسي ؟!
قال الكاتب :
أولا أحب أن أنهبك لنقطة هامة للغاية ,
نحن لا يعنينا ابتداءً دوافع صاحب الشبهات , وهل هو مؤمن بما يفعل مأجور أو عميل أو حتى جاسوس متخفي .. فهذه القضايا لا تعنينا بل هى مهمة أخرى لها متخصصون آخرون هم أقدر منا على تحديدها والتعامل معها ,
فالقضية هنا ليست شخصية على الإطلاق ,
بل هى قضية مبنية على الآثار والنتائج وما يتردد من شبهات , ونحن إن ركزنا على تصنيف صاحب الشبهة فهذا ليس لشخصنة الموضوع بل بغرض كشف مصدر الشبهة الأصلي , لأن هذا يفيدنا فى إيضاح أهدافه للناس فلا يشغلنا بعد ذلك بتتبع شبهاته وأقواله فى كل مرة , فإذا نجحنا فى بيان ذلك عزف الناس عنه بعد تبين أغراضه ..
بل إن بيان طبيعة الشبهات ومصدرها قد يكون له فائدة تعود على من يردد تلك الشبهات , لو كان مثلا قرأ أو سمع أو احتك بهذه الشبهات فأثرت فيه فاعتقد صحتها , فإذا كان حسن النية ورأى بعينيه مصدرها الحقيقي ومدى كذبها وتدليسها وأهداف مروجيها فقد يعود عما يعتقده فيها ..
قال الشاب : هل تعنى أن هناك مدفوعون بالأجر لتأدية هذا الدور وهناك آخرون يفعلون ذلك مقتنعين رغم كونهم أشبه بالعملاء لغيرهم ؟!
قال الكاتب :
وما مفهومك أنت للعمالة , هل هى فقط عندك العمالة مقابل أجر , هذه أهون صورها يا صديقي ,
العمالة هى المفهوم الأوسع للجاسوسية , فالتجسس هو الصورة التقليدية للعمالة التى تتم بأجر , أما العمالة بمفهمها الواسع فقد تكون بلا أجر أصلا , وتتخلص فى أنها النشاط الذى يخدم العدو أيا كان حتى لو كان صاحبه لا يدرك ذلك !
فالذى يعود لتاريخ أجهزة المخابرات الحديثة سيجد أن أساليب تجنيد العملاء تتم عن طرق محددة وهى طريق استغلال ضعفهم تجاه المال أو الجنس أو الشهرة , أما أخطرها على الإطلاق العمالة بسبب الاتفاق الأيديولوجى , أو بسبب عداوة العميل لنظام بلده السياسي أو توجهه الفكرى
فالعمالة نظير المال والمقابل المادى هذه يسهل كشفها والسيطرة على العميل وتجنيده كعميل مزدوج , أما العمالة بسبب الاتفاق الأيديولوجى والعداء للنظام الحاكم , فهذا مستحيل , لأن العميل هنا تم تجنيده من العدو بسبب أنه يناصر الفكر الدينى أو السياسي للعدو , فى نفس الوقت الذى يعادى فيه الفكر الدينى أو السياسي فى بلده , ولذلك فهؤلاء ليس من الضرورى حتى أن تجندهم أجهزة المخابرات أو تدفع لهم مقابلا ماديا بل معظمهم يتبرع بالخيانة طوعا , لأنه يفعل هذا عن اقتناع ولا يراها خيانة أصلا , وعبر التاريخ كان هؤلاء العملاء أصحاب أكبر الأدوار فى تهديد الأمن القومى لبلادهم ,
وأشهر جاسوس سوفيتى فى العالم , والرجل الذى نجح فى تغيير مسار الحرب لصالح الحلفاء , كان هو الدكتور ريتشارد سورج "[3]" الألمانى الذى كان حاصلا على دكتوراة العلوم السياسية وأهملته ألمانيا وعجز أن يحصل فيها على وظيفة , فكره ألمانيا ونظامها , وتعاون مع السوفيات مخلصا , لمجرد النكاية فى بلده وكان سببا رئيسيا فى هزيمة الألمان
وكذلك ( كيم فيلبي ) وهذا الرجل المصيبة يمثل فضيحة فى تاريخ المخابرات البريطانية , لأنه كان يشغل منصب نائب مدير المخابرات البريطانية , والنكتة أنه كان يشغل قبلها منصب رئيس قسم مكافحة الشيوعية , وكان شيوعيا مخلصا وجاسوسا فريدا للسوفيات وآمن بالشيوعية كأيديولوجية ومذهب , وكاد البريطانيون يصابون بالجنون عندما اكتشفوا أمره , لكنه نجح فى الفرار إلى موسكو ,
فتخيل ما الذى يدفع رجلا فى مثل هذا المنصب وبدولة عريقة كبريطانيا , وهو بالفعل يمتلك كل ما يحلم به إنسان , بينما السوفيات منغلقون اقتصاديا وليس مسموحا لأحد فى بلادهم بالرفاهية أو الحرية , ومع هذا ضحى الرجل بكل هذا ورضي بالعار الذى سيلحقه وعائلته , فى سبيل اقتناعه بالمذهب الشيوعى
فالعمالة ليست بصورتها التى تقدمها السينما بل هى أعمق من هذا بكثير , والاقتناع الوجدانى يجعل الإنسان يدخل للخيانة وهو فخور بنفسه ! , أو على الأقل يدخلها وهو يتصور أنه ينتقم من بلده التى أهملته ولم تقدر عبقريته !
قال الشاب مندهشا : ليس لهذه الدرجة !
قال الكاتب :
يا رجل هل تتخيل أن العلمانيين والمتغربين والإخوان , هل تتخيل أن كل من ينتمى إليهم هو بالضرورة عميل بالمعنى الحرفي للكلمة بمعنى أنه يتقاضي الثمن ويعلم أنه خائن سواء لدينه أو لوطنه أو لحضارته , كلا بالطبع
العملاء بالصورة التقليدية فى تلك التنظيمات والاتجاهات لن تجدهم يخرجون عن كبار القيادات , وليسوا كلهم أيضا , بل بعضهم فقط , والباقون يأتون بأفعال الخيانة وقلوبهم راضية تماما عما يفعلون ,
ففي حالة العلمانية والمتغربين الذين يروجون للتغريب فى مصر منذ مطلع القرن العشرين , هؤلاء لم يشترهم أحد ويدفعهم لما يقولون , بل استقطبهم الغرب بتقدمهم المادى ,
وكانت هذه الشخصيات من البداية كارهة لأوطانها بواقعها الحالى , وساهمت النظم العربية فى تكريس هذه الكراهية , فخرج هؤلاء المتغربون كافرون بالوطن والوطنية لأنهم خلطوا بين الدولة والنظام , فأنت كمواطن يمكنك محاربة نظام الدولة السياسي وتصبح بطلا لكن محاربة دولتك نفسها وتهديد أمنها هى خيانة صريحة ,
وهو ما لم ينتبه له المتغربون فهم يرون أنفسهم أهل تميز يستحقون التقدير المناسب "[4]" , ويتعاملون مع شعوبهم على أنها عبيد لا ينفع فيها التغيير , فهاجروا للغرب ودرسوا وأبدعوا فالتقطهم الغرب عازفا على هذا الوتر وأعاد تصديرهم إلينا ليروجوا للديمقراطية والإصلاح كما يراها الغرب وأول مبدأ فى ذلك تحطيم مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء لأنها مؤسسات لن ينفع فيها الإصلاح , وهذا هو المطلوب ..
أو يدعموهم عندما ينادون بهجر التراث والثوابت باعتبارها عوائق التقدم العربي , وعليه يقومون بهذه المهمة مخلصين دون أن يشكّوا لحظة كيف اتفقت أهدافهم الإصلاحية مع ما ينادى به الغرب أصلا , ومنذ متى كان الغرب يريد الإصلاح والديمقراطية للعرب وهم أساسا من زرعوا بذرة الديكتاتورية والانشقاق منذ اتفاقية سايكس بيكو
!
والمناداة بالإصلاح والديمقراطية لابد أن يكون من داخل الأوطان لا من خارجها وبطريقة أهلها لا بطريق أعدائهم ,
فإن قلتم بأن الشعوب لا تريد أن تقتنع بمفاهيمكم وأنتم بداخلها , فكيف سيقتنعون وأنتم ترددون تلك الدعوات من الغرب ومن بلاد تحالفت ولا زالت تتحالف على مصالحنا ؟!
وبالنسبة للمناداة بالإصلاح الدينى المزعوم , لم يسأل العلمانيون ما هو سبب الاتفاق بينهم وبين الغرب فى المناداة بالتطوير الدينى الذى يعنى سلخ الدين من نفوس الناس , وكيف يتفق هذا مع دعم الغرب للجماعات الإرهابية ؟! وكيف يتفق هذا مع إيواء الغرب لقادة أعتى التنظيمات الإرهابية فى العالم ؟!
والإخوان وأضرابهم , حدثت معهم نفس القصة , فالقيادات العميلة تدفعهم من الخارج للتهلكة , وهم هناك فى الخارج حيث النعيم المقيم , ومع هذا صدّقهم أتباعهم رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحض أصحابه على الهجرة وبقي هو فى وطنه , وعندما قرر الهجرة للمدينة كان آخر من هاجر بعد أن اطمئن على وصول الجميع سالمين
بينما هؤلاء القيادات آمنون فى الخارج ويقفون صفا واحدا مع اليهود فى رغبتهم بتدمير الجيش المصري ؟!
بل بلغت بهم الخيانة لينادوا بضرب الأمريكيين لمصر , تطبيقا لمقولة أحد قياداتهم , وهؤلاء يعيدون ملة الخوارج من جديد , فقد قتل الخارجى ابن ملجم , إمام الأئمة على ابن أبي طالب رضي الله عنه , وهو يهتف ( الله أكبر إن الحكم إلا لله ) !!

الهوامش :
[1]ـ جريدة المقال ــ عدد الأحد 15 فبراير 2015
[2]ــ برنامج قرار إزالة من أروع الردود على العلمانيين , ومتوفر باليوتيوب
[3]ــ وللجاسوسية فنون ــ د. نبيل فاروق ــ دار سبارك للشر والتوزيع
[4]ـ طبعا لا ينطبق هذا على أكثرية المهاجرين العرب للغرب , فمعظمهم هاجر من بلاده وهو يحمل فى أعماقه إنتماؤه لدينه وبلده مهما تعرض للظلم والإقصاء أما الفئة القليلة منهم فهى التى وقعت فى فخ التغريب

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 03:54 AM


قال الشاب : ولكن أليس غريبا أن تبرئهم من العمالة الواضحة وتقصرها على القيادات فقط دون الأتباع , وتقول بأنهم مؤمنون بالضلال ولهذا يظنون أنهم على حق !
قال الكاتب :
من الحماقات الكبري التى نرتكبها جميعا أننا نخلط بين الأشخاص والأقوال , والعلمانيون والإرهابيون وأذناب التشيع عندما يفعلون ذلك , فهم يفعلونه لأنهم على باطل وينتهجون معنا الكذب والافتراء للتشويه , وبالمثل يقوم بعض الأطراف باستحلال اختراع التهم لهم , مع أننا لا نحتاج أصلا للافتراء لأنهم يرتكبون من المصائب ما يغنينا عن ذلك , فضلا على أن ديننا ينهانا عن الافتراء والظلم حتى للظالمين , فنحن لسنا مثلهم
بالإضافة أننى ــ كمسلم ــ المفترض ألا يعنينى من أشخاصهم شيئ أصلا , فلا توجد علاقة شخصية أو نفع شخصي أو ضرر شخصي أصابنا منهم بل الضرر كان عاما وجارفا للمجتمع سواء كان من العلمانيين أو الإرهابيين , وبالتالى فمشكلتنا ليست مع ذواتهم , ولهذا فلو أن أحدهم تراجع عما يفعل فلن يكن له منا إلا احترام هذا التراجع ,
إنما يعنينا الأفكار التى يروجونها ضد الدين والوطن والتاريخ ..
وهذا هو منهج أهل السنة من علمائنا القدامى , فأحدهم قيل له أنه يشتد فى نقد كتب الفيلسوف الصوفي محيي الدين بن عربي , فما يدريه أن ابن عربي ربما كان فى أعلى الجنان الآن ؟!
فرد العالم ردا مفحما , حين قال ما مؤداه :
( وما يعنينى من شأن ابن عربي نفسه سواء كان عند الله فى منزلة الأنبياء أم فى منزلة إبليس , أنا يعنينى فقط كتبه التى تركها , وأفكاره التى نشرها فى حياته , وربما كان قد تاب وتبرأ منها , ولا أحد يدرى ذلك , لكن الناس لم تعرف بتراجعه ــ على فرض وجود التراجع ــ وبالتالى فنحن لا نملك إلا نقد هذه الأفكار وبيان كفرياتها لأنها منتشرة بين الناس , )

كما أن هناك دليلا من تاريخ أهل السنة يوضح لك كم كانوا منصفين ,
فالإمام أبي الحسن الأشعري الذى ابتكر مذهب الأشاعرة فى العقيدة , هذا الرجل له تجربة فريدة فى تاريخ الفكر والعلم , فهو الرجل الوحيد الذى ابتكر مذهبا وتبعه كثير من الناس , ثم تاب عن هذا المذهب وتبرأ منه تماما وعلانية ,
ومع هذا رفض أتباعه تراجعه , واستمروا حتى يومنا هذا يقولون بأنهم أشاعرة على المنهج الأشعري ويرفضون قول أهل السنة من أن زعيم الأشعرية تراجع عن أفكاره علانية وسجلها فى آخر كتاب له هو ( الإبانة عن أصول الديانة ) ويقولون بأن هذا الكتاب مدسوس عليه ! , فلو كان أهل السنة يلفقون الكتب للناس كما يفعل المبتدعة , فلماذا لم يفعلوا هذا مع كافة رؤساء أهل البدع , فيزوروا لزعماء المعتزلة وزعماء الشيعة والخوارج , وغيرهم !!
فليس الافتراء من عادة أهل السنة ولهذا أنصفوا الأشعري وقبلوا تراجعه , ولم يهاجموه بعدها أبدا بل اقتصروا على مهاجمة الأفكار الأشعرية التى تمسك بها أتباعه
وبالمثل فى عصرنا الحاضر ,
نهاجم كتب طه حسين رغم أن هناك إشاعة غير موثقة تقول بأنه تاب عن كتاب الشعر الجاهلى وبقية كتبه , ونحن لا نعرف ذلك ونتمنى حدوثه , لكن العلماء مضطرون لمهاجمة كتبه لأن العلمانيين نشروها على نطاق واسع ويصرّون عليها , فماذا نفعل ؟!
بل إن علماء السنة كتبوا وحذروا من الافتراء على أهل البدع تحت تأثير الغضب مما يفعلون , وذلك عندما لاحظوا أن بعض العلماء يزيد من التشنيع وترويج الاتهامات بلا سند أو قرينة , واشترطوا توافر القرائن للاتهام , وهذا الإنصاف منهج متكامل لدى أهل السنة , ولكن أهل البدع يضطرون اضطرارا للافتراء لأنهم لم يجدوا طريقا غير ذلك للطعن ,
وهناك فارق أشد أهمية ..
فأهل البدع يتحالفون مع بعضهم البعض على السنة , ولا يتبرءون من أى جريمة يقع فيها أحدهم بل يناصرونه فى الحق والباطل , ولهذا قامت قيامة العلمانيين فى مصر للدفاع عن طه حسين ونصر أبو زيد رغم أن هؤلاء لم يقتصروا على الطعن بالدين بل ارتكبوا جريمة علمية متكاملة الأركان , إما بسرقة أفكار المستشرقين وانتحالها كما فعل طه حسين "[1]" , وإما بالوقوع فى الجهل الفادح كما فعل نصر أبو زيد "[2]"
بينما أهل السنة هم أنفسهم من أفردوا الكتب والخطب والمحاضرات فى الرد على بعضهم البعض فى أى أخطاء , بل إن الردود كانت فى بعض الأحيان تتسم بالشدة والغلظة إن كان الخطأ كبيرا ومؤثرا , والعالم الذى ارتكبه عالم كبير يتبعه الناس , ولهذا تجد فى التاريخ مصنفات شهيرة من العلماء ضد الآراء الخاطئة مليئة بالردود العنيفة ولكن مهما بلغ عنفها فهى لا تتجاوز إلى السب الشخصي أو التجريح أو الإسقاط الكلى للعالم للمخطئ
وتاريخ أهل السنة فى الحيادية تغص به الكتب ,
ويثير أبلغ آيات الإعجاب , فلم يمنعهم حتى الاختلاف المذهبي من إنصاف مخالفيهم لو كان من ظلمهم هم أتباعهم أصلا , فتخيل درجة الحيادية ؟!
فمثلا الإمام ابن الجوزى عندما صنف كتابه فى الموضوعات , واتهم بعض أحاديث مسند الإمام أحمد ابن حنبل بأنها موضوعة , ولم ينجح ابن حنبل فى كشفها , قال هذا الكلام رغم أنه ــ أى ابن الجوزى ــ حنبلي المذهب ,
فمن رد عليه ..؟!
الذى قام بالرد عليه وتصدى للدفاع عن مسند ابن حنبل كان هو الإمام ابن حجر العسقلانى رغم أنه شافعى المذهب , فكتب كتابه ( القول المسدد فى الذب عن المسند )
وتطبيقا لتلك المبادئ ,,
فلا يعنينا إن كان إبراهيم عيسي أو غيره يكتبون ذلك عن طريق تحريض غيرهم لهم , أو بسبب مكاسب مادية من أطراف معادية , أو يكتبون ذلك عن اقتناع بالباطل والغرور بالرأى , فكلها سيان , المهم أنهم ارتكبوا الطعن ولا زالوا مصرين عليه

قال الشاب : يبدو أن الموضوع أكبر مما تصورت ..
أكمل الكاتب :
لهذا فليس مطلوبا ممن يتصدى للدفاع عن السنة أو التاريخ أن يشغل نفسه كثيرا بدوافع المهاجمين , إلا لعلة واحدة فقط وهى تصنيف المهاجمين لرؤية من يستحق الرد ومن لا يستحق ,
فالمأجور لأداء دور ما فى مهاجمة السنة فى مقابل أيا كان نوعه أو لمجرد الشهرة , وفى نفس الوقت هو نفسه غير مقتنع بهذه المهاجمة , فهذا لا يستحق حتى ذكر اسمه , لأن يقوم بدور الكومبارس ليس إلا , أى أنه لا يقوم بذلك تحقيقا لرسالة أو نصرة لفكرة معينة فهذا يكفي فقط كشف جهله الذريع وبيان أنه لا يعرف حتى طريقة الهجوم وبالتالى فمن مضيعة الوقت أن نشغل أنفسنا بتعقبه بل يجب أن نعود بالرد على ولاة أمره ودافعى أجره فمن العبث أن نعطى لهؤلاء الشراذم قيمة وحالهم ظاهر لكل مـتأمل ,
وعليه فالرد يكون على من دعمه وأرسله
والنوع الثانى هو الذى يقوم بالدور ابتداء بسبب هدف يسعى إليه , وهذا الهدف إما نصرة الفكر المعادى للسنة اقتناعا به أو نصرته لمجرد الكيد فى أهل السنة وغالبا ما يكون قد وقع لهذا الشخص مع بعض أهل السنة فى خصومة أو أخذ انطباعا معينا عنهم فهذا النوع تدفعه كراهية السنة وأهلها للتعاون ضد كل من يهاجمها
ومواجهة هذا النوع تكون بمحاولة نقاش الشخص نفسه , أو بيان خطورة ما يفعل ومحاولة جره من مستنقع الشبهات , فإن عجزنا اكتفينا برصد تناقضاته والرد على شبهاته لأنه للأسف يفعل ما يفعله اقتناعا بالعدوان ,
والذين يردون على إبراهيم عيسي عن طريق كشف تناقضاته وحسب , هؤلاء أجدى وأوقع فى الرد من الذين ينجرون خلف الشبهات التى يطرحها , لأن الاهتمام بالشبهات له شرط جوهرى وهو أن تكون الشبهات لها قيمة واقعية على الأقل , أى أنها يمكن أن تضل الناس ,
أما إن كان طارح الشبهات من عينة الكذابين والملفقين فيكفينا هنا بيان كذبه المتعمد للناس وتدليسه على كتب التراث بأدلة متوافرة ومتضافرة تبين أن كذبه هنا متعمد ومتكرر وليس سهوا أو خطأ لا, وبالتالى لا نهتم بشيئ يطرحه بعد ذلك ولو ظل لألف عام يشنع على أهل السنة ,
أما إن كان من عينة إبراهيم عيسي ومن سار على دربه , فهنا لا نهتم بما يطرحه بقدر ما نهتم بالتركيز على أسلوبه نفسه ,
نظرا لضحالة مستوى الشبهات التى يطرحها ــ هذا إن جاز تسميتها بالشبهات أساسا ــ فالذى يتأمل نشاطه فى الشهور الأخيرة يعتقد يقينا أن إبراهيم عيسي يخرج على الهواء دون أى إعداد مسبق لما يقول ويفتى بكل ما يجول ما بخاطره ويقفز على لسانه وكأن عقله لا سيطرة له على جوارحه !
والغريب أنه دوما ما يظهر منتفخا بالغرور زاعقا وصارخا ومطالبا للناس بأن تقرأ وتفتح الكتب حتى أن المُشاهد للأسلوب العنترى الواثق الذى يتبعه يظن بالفعل أنه على حق !!!
مع أن عباراته وشبهاته التى يطرحها لا يمكنها أن تصدر عن رجل فتح المصحف نفسه فى حياته ولو لمرة واحدة هذا فضلا عن كتب علوم الشريعة وإلا بالله عليك أخبرنى كيف يمكن أن يخرج عيسي وبمنتهى الجرأة يقول أنه لا وجود للفظ ومفهوم الشريعة الإسلامية لا فى القرآن ولا فى السنة ؟!!! "[3]" ,
وذات مرة يخرج فيقول بأن الحجاب لا أصل له فى الشريعة ولا القرآن , فانظر إلى غباء الإستدلال حيث ذهب إلى المفهوم العامى لكلمة ( الحجاب ) وأنزله على المفهوم الفصيح فى القرآن بمعنى الساتر غافلا عن أن حدود عورة المرأة ووجوب ستر شعرها لم يأت فى القرآن بمعنى الحجاب الدارج فى العامية وإنما جاء بصيغة الأمر بستر العورة
وفى أحد عناوين صحيفته الجديدة يخرج بعنوان أن النبي عليه السلام لم يكن سنيا !! ,
ولست أدرى من أى مدمن مخدرات استقي هذه العبارة ؟! وكيف لم ينبهه داعموه أن هذه العبارة الكاشفة عن حقد دفين لكل ما يمت للسنة بصلة , هى عبارة فى الأصل تمثل فضيحة له فكيف ينتسب صاحب السنة إلى سنته بينما العكس هو الصحيح , وهل يمكن لأحد أن يقول مثلا أن الشافعى لم يكن شافعيا أو ابن حنبل لم يكن حنبليا
!!
ومرة أخرى يخرج فيقول بأن من يزعم أن فى الإسلام ثوابت هو متجمد ولا يعرف عن الإسلام شيئا ولا وجود لقاعدة معلوم من الدين بالضرورة !!
وأنا لا أكاد أفهم كيف يمكن أن يتفوه عاقل بمثل هذا الكلام ؟!
فلو لم يكن فى الإسلام ثوابت فماذا نسمى أركان الإيمان وأركان الإسلام الخمسة والفرائض , هل نسميها متغيرات تخضع للتطوير والتحديث ؟!
وهل يمكن أن يأتى فى هذا الزمن الغريب من ينادى بتطوير وتعديل شهادة التوحيد أو ينكر وجود الوحى أو وجوب الموت على كل حى , أو البعث والحساب !!
وهل يمكن لعاقل يحترم نفسه أو يحترم حتى مشاهديه , أن ينفي وجود الثوابت فى أى مجال من مجالات الحياة , حتى فى مجال الأخلاق والفضائل !
لهذا قلت إن كلام إبراهيم عيسي لا يحتاج إلى علماء أو باحثين فى الفكر الإسلامى للرد عليه بل هو بحاجة إلى طبيب نفسي متخصص ليحاول معالجته من الهلاوس السمعية والبصرية التى يتفوه بها كلما ظهر على شاشة قناته أو امتشق قلما فى صحيفته ,
وبالمناسبة أنا هنا لا أسبه أو أنتقص منه ,
فوالله إنى أتكلم عن واقع حقيقي فالغرور عند إبراهيم عيسي بلغ حد المرض النفسي وعقدة العظمة , بالإضافة إلى أن هذه العقدة أنتجت لديه تناقضات صارخة جعلت حتى عوام الناس من المشاهدين تدرك أن الرجل مصاب بالفصام يعيش كل يوم بشخصية وقناعات تختلف كل ساعة !
قال الشاب متحسرا :
عندما تابعنا إبراهيم عيسي منذ الإصدار الثانى للدستور فى عام 2004 م , كان سر انبهارنا به هو تصورنا أنه ذو مبدأ وثوابت أخلاقية ومهنية لا تتراجع , وحقيقة لا أدرى ماذا أصابه بعد الثورة , فما كان يكتبه قبل الثورة وبعد الثورة خلال حكم المجلس العسكري لا يمكن أن يتناسب مع ما كتبه فى الفترة التى امتدت من حكم الإخوان حتى فترة الإطاحة بهم ! حتى أننا صنعنا له فيديو ساخر نقارن فيه بين تحولاته العجيبة ونفسر هذه التحولات بأن كائنات فضائية خطفت إبراهيم عيسي الأصلي وجاءت بآخر ينتحل شكله ولكن بقناعات مضادة ..
أكمل الكاتب :
ولكن ينبغي ملاحظة أننا لا ننكر على أى إنسان أن يغير مواقفه وقناعاته طبقا لما يتوافر له من معلومات جديدة أو مراجعة خطأ بشرط أن يعلن تراجعه وأسبابه ومبرراته , كما أن هذا التغيير يجب أن يظل فى حدود المتغيرات أما تغيير الثوابت فهذا هو النفاق بعينه أو على الأقل هو اضطراب نفسي لا شك فيه , وإلا فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن كتابات إبراهيم عيسي قبل الثورة التى تم نشرها وتوثيقها فى كتب متتابعة هى ( اذهب إلى فرعون ) و ( لدى أقوال أخرى ) و ( شهادتى عن مبارك وعصره ومصره ) ثم كتاب ( تاريخ المستقبل ) , هذه الكتب إذا وضعتها جنبا إلى جنب مع كتابه ( ألوان يناير ) الصادر بعد الثورة ستضرب كفا بكف !
وليت الأمر اقتصر على هذا بل إنك لو أمسكت بكتاب ( ألوان يناير ) والذى يعالج فيه فترة حكم المجلس العسكري ووضعته إلى جوار مقالاته فى جريدة التحرير وبرامجه المختلفة فى الفترة من منتصف عام 2012 وحتى فترة ما بعد ثورة 30 يونيو , لن تجد أبدا أى علاقة بين هذه المقالات وبعضها , ولا يمكن لأى متأمل محايد أن يقول بأن هذه المقالات هى لشخص واحد !
ولا أدرى حقيقة لماذا يفعل إبراهيم عيسي بنفسه ما يفعل , فهو لا يضر أحدا بجرائمه تلك إلا نفسه , وأجيال الشباب التى صنعت منه نجما وعملاقا صحفيا كانت هى نفس الأجيال التى أسقطته اليوم ومحت عنه كل فضيلة بعد أن تعامل مع شباب الثورة بمنطق الشيطان
( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين )
وهذا بالضبط ما فعله عيسي مع حركة 6 ابريل , فقد كانت الحركة فى بداياتها وطنية خالصة ولا علاقة لها بمنظمات الغرب ولا أنشطتها , وبعد الثورة وانتشار أمرهم استقطبتهم الأذرع الإعلامية والسياسية الغربية وكررت معهم لعبتها الأثيرة بأن جعلتهم نجوما فى الفضاء الإعلامى العالمى ,
وبحسب رواية أحمد ماهر ــ مؤسس الحركة ــ كان إبراهيم عيسي يشجعه على قبول التمويل الأجنبي رغم خشية المهندس الشاب من عواقب ذلك , وأخذ إبراهيم عيسي يقنعه بمختلف الوسائل أن من حقه الحصول على تمويل خارجى أسوة بالحكومة المصرية التى تأخذ هذه المعونات ! ,
وعضّد إبراهيم عيسي كلماته بعدة مقالات قبل وبعد الثورة تسخر من اعتبار التمويل الأجنبي مصدر شبهة أو مصدر اتهام بالخيانة بل بالغ كعادته فى التطرف إلى اعتبار الإستقواء بالخارج سياسيا هو من قبيل النضال المشروع ضد نظام مبارك ! ,
وبعد ثورة يونيو وفور إلقاء القبض على أحمد ماهر وشلته تبرأ منهم إبراهيم عيسي واتهمهم بأنهم شباب غرير بلا رؤية ومُـخترقون , ثم قال فى بساطة مدهشة بأن ثورة يناير أصبحت صنما يعبده أصحاب الهوى , وأن هؤلاء الشباب يمتازون بالسذاجة المطلقة عندما ينتقدون الجيش , رغم أن إبراهيم عيسي نفسه كان أول من قدح زناد هذا النقد أيام المجلس العسكري !!!
وبالطبع لا يمكننا أن نعيب على ماهر وشلته من أن يشدوا شعورهم أو يقطعوا شرايينهم من هذا التحول الخرافي
!

وإبراهيم عيسي فى مقالاته القديمة التى كانت تحترق بالسخرية من حكاية الضربة الجوية لمبارك حتى أنه قال ( ليت مبارك ضربنا نحن بالضربة الجوية وذهب ليحكم إسرائيل ثلاثين عاما ) , كان هو نفسه إبراهيم عيسي الذى أخذ يكيل المدائح لمبارك بعد ذلك باعتباره أحد أبطال أكتوبر وصاحب الضربة الجوية وأن هذه حقيقة شاء من شاء وأبي من أبي !!!
أما النكتة التى أضحكت مصر كلها على إبراهيم عيسي فهى قصة محاكمة القرن ,
فعيسي كان هو صاحب البلاغ الرئيسي الذى يتهم مبارك والداخلية بقتل المتظاهرين فى الثورة , وهذا معناه ــ بالنسبة لمن يفهم ألف باء قانون ــ أن صاحب البلاغ متيقن من صحة اتهامه بغض النظر عن ثبوت الإتهام بعد ذلك أمام المحكمة من عدمه , لكن الفيصل هنا هو قناعة صاحب البلاغ بصحة الإتهام وإلا لما جاز له أن يتقدم به أصلا
وتم الحكم على مبارك بالمؤبد هو وحبيب العادلى ثم تمت إعادة محاكمته وتم استدعاء إبراهيم عيسي للشهادة مجددا ليفجع الجميع بنفي رؤيته لأحداث قتل المتظاهرين , وينفي التهمة عن الداخلية تماما , وهذا معناه نفيها عن مبارك بطبيعة الحال , ثم خرج فى الإعلام هائجا مائجا يبرر ذلك بأنه لا يقبل أن يشهد الزور وأنه نطق بما رآه ولو أن أحدا غيره رأى الشرطة تقتل المتظاهرين فعليه بالشهادة !!!
وبالقطع لنا أن نمسك السماء بأيدينا ونحن نتساءل كيف تقدمت أنت نفسك بالبلاغ واضحا وصريحا فى اتهام الداخلية ومبارك بقتل المتظاهرين ؟!!
فإن كنت لم تر بنفسك حوادث القتل كما تدعى , فهذا معناه أنك كنت تفترى على الداخلية ومبارك لا سيما وأن شهادتك الأولى جاءت بحكم المؤبد للمتهمين , وإن كنت رأيت الحوادث فكيف نفيت هذا فى إعادة المحاكمة ,
فإبراهيم عيسي فى الحالتين شاهد زور لا محالة , بغض النظر عن صحة اتهام مبارك والداخلية بقتل المتظاهرين من عدمه
وأنا لا أريد أن أسرد كمية التناقضات التى تتسع لمجلدات فيكفينا هذه النماذج لنعلم أننا أمام شخص قتلته ذاته وانسحقت شعبيته وسقط من أعين الناس فعليا , وممارساته الأخيرة تجاه الشريعة وعلومها والأزهر ورجاله هى مجرد فصول فى رواية نهايته التى يكتبها لنفسه

تساءل الشاب :
ولكن لماذا يدعمه الشيعة ــ إن صح دعمهم ــ وهو بالفعل من خلال استطلاع موقف الناس منه على شبكات التواصل أصبح فعليا غير مؤثر ..
قال الكاتب مبتسما :
هناك مقولة شهيرة للإمام جعفر الصادق عن الشيعة المنتسبين إليه قالها بعدما رأى حالهم , أن الحماقة من صفاتهم الأثيرة , وأنا هنا لا أعنى العوام منهم , فعوامهم مثل عوام أهل البدع معذورون بالجهل أو التأويل ومن الممكن التماس العذر لهم فى هذه القناعات الغريبة التى يعتقدونها باعتبار أنهم ورثوها معرفيا عن آبائهم وأجدادهم ,,
أما المراجع والقادة والمخططون فهؤلاء لا عذر لهم قطعا لأنهم دخلوا إلى الحوزات وتعلموا فيها وشاهدوا بأعينهم حقيقة دين الشيعة "[4]" , ولهذا فكل منهم يقبل بدوره من الناحية الدنيوية البحتة نظرا لأن المراجع والحوزات تسيطر على أموال الدولة الإيرانية تماما بل وعلى سياستها الخارجية أيضا وفق نظام ولاية الفقيه , هذا فضلا على سيطرتهم التامة على أتباعهم بكل ما يقتضيه هذا من تحصيل وافر للأموال التى يدفعها عوام الشيعة لمراجعهم تحت باب ( الخُمس ) وبالتالى فالدولة الإيرانية الآن لا تنشر التشيع بهدف نشر دينها الخاص أو حتى وفق رؤية الشيعة القدامى للتشيع , فأمر الدين خارج نطاق اهتمامهم الذى ينصب على النفوذ والسيطرة على الحكم فى المنطقة بأكملها , وبالتالى لن يستطيعوا تفعيل هذه السيطرة بغير تفعيل المد الشيعى لأن طبيعة دين الشيعة ذاته قائمة على الطاعة العمياء من الأتباع ,
والمرجع أو العالم الذى يفكر فى أن يغرد خارج السرب أو يستيقظ ضميره فيحاول البوح بما يراه , فمصيره معروف ويتراوح بين القتل والإعتقال إلا لو نجح فى الهروب , وقد هرب بعض الرموز المؤثرين من هذه الدوامة وكتبوا محاولين التصحيح مثل موسي الموسوى وآية الله برقعى والمفكر على شريعتى وأحمد الكاتب ولكن المرجعيات لم تتركهم بالطبع وتعقبت كتبهم وشخصياتهم بالتشهير والإسقاط
ونظرا لأن المراجع تمتلك تحت يديها دولة كاملة هائلة الموارد مثل إيران , فلهذا هم يتوسعون بكافة سبل الإغراء لمواجهة دول السُنة بالذات فى مصر والسعودية , ونفوذهم فى الخليج والهلال الخصيب له ما يبرره لأن هذه المناطق بطبيعتها كان للشيعة فيها وجود تاريخى كما أنها تتميز بتعدد الأعراق والقبليات والعصبيات ,
أما مصر فالأمر مختلف جذريا ..
وقد تعددت محاولاتهم كما قلنا فى العصر الحديث ولم تنجح من بداية القرن العشرين وحتى اليوم , ورغم أنهم تمكنوا من اختراق بعض المؤسسات والطرق الصوفية إلا أن هذه الإختراقات بلا جدوى والسبب فى ذلك هو الغباء المنظم الذى تتميز به خططهم ,
فمصر بلد ذات عرق واحد والمواطنون فيها ــ باعتبارها أقدم دولة فى التاريخ ــ ينظرون للحكومات على أنها مُـعامل الإستقرار وبالتالى لا وجود للعصبيات هنا , كما أن مصر تتميز بميزة متفردة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء , وهذه الميزة هى التى أثنت عليها نصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء , وجلبت لمصر مودة ومحبة كافة العرب والمسلمين , ألا وهى التميز بالإنتماء الفطرى للدين منذ نزول إدريس عليه السلام وحتى دخول الإسلام لمصر ,
وبالقطع ليس معنى هذا أن هذه الميزة صفة لصيقة بالمصريين وحدهم بل هى عامة على سائر بلاد المسلمين , ولكن التميز الذى أعنيه هو الطبيعة الخاصة فى مصر وتاريخها مع التدين
ومقولة أن الشعب المصري متدين بطبعه ــ وهى المقولة التى يسخر منها بعض المصريين الآن ــ ليست مقولة خيالية , ولكن هؤلاء الناقدين لم ينتبهوا لدلالتها , فليس معنى أن الشعب المصري متدين بالفطرة أنه شعب من الملائكة أو أن التدين معناه الإلتزام والبعد عن الفواحش من الشعب بأكمله !!
ليس هذا هو المقصود ..
إنما المقصود أنه رغم أن التدين الفطرى منتشر بين العوام , إلا أن مفهوم الإنتماء للدين موجود حتى بالنسبة لمن يتورطون فى الفواحش والمعاصي , وأعنى به أنهم يحترمون التدين الحقيقي الصادق البعيد عن النفاق , وأعماق الناس هنا فيها غيرة حقيقية على الثوابت الدينية , ولهذا لا يقبلون على أولادهم غير ذلك حتى لو كان الآباء أنفسهم مـُـقصّرون ,
وهذه الصفة بالتحديد هى التى أثارت جنون العلمانية ودعاة التغريب فهم منذ قرن كامل يحاولون تغيير قناعات العوام وبث روح الفوضي تحت مسمى التحرر ومع ذلك لم ينجحوا وظل الناس ينظرون باحتقار لأصحاب المعاصي مهما امتلكوا ناصية الشهرة والإعلام وظلوا أيضا ينظرون بعين التقدير لأى متدين حقيقي مهما كان فقيرا أو مضطهدا , وهذا السبب نفسه هو الذى دعا المصريين لإسقاط الإخوان بعد اكتشاف نفاقهم وتجارتهم بالدين , ولو كان الإخوان صادقون فى ذلك وشعر منهم الشعب بهذا ما أمكن لأحد أن يثير الشعب ضدهم أبدا
ومنذ دخل الفتح الإسلامى بقيادة عمرو بن العاص تجذّرت أصول الفكر السنى فى مصر حتى بين العوام فضلا عن العلماء عبر الأجيال , والصحابة وآل البيت معا مصهورين فى بوتقة واحدة فى قلب كل مصري ولهذا عجزت دولة العبيديين عن نشر التشيع الإسماعيلي فى مصر رغم استخدامهم القهر والإرهاب ,
ولكن الدولة الصفوية فى إيران نجحت فى ذلك وحولت إيران من معقل لأهل السنة إلى دولة شيعية نسبيا بسبب وجود الأعراق المتعددة فى بلاد فارس , وبسبب وجود القومية الفارسية التى تعادى الإسلام بشدة بعد انهيار دولتهم بسهولة لم يتوقعها أحد أمام جيوش المسلمين , فلم يصمدوا مثلما صمدت الإمبراطورية الرومانية
وبالمناسبة ..
ليس الذى يمنع المد الشيعى فى مصر هو وقوف الأزهر وأصحاب النشاط السلفي فى مواجهتهم , فالأزهر وائتلاف الصحب والآل الذى يقوده مجموعة من خيرة شباب الباحثين يمثل فقط رأس الحربة , أما المانع الرئيسي فهو الشعب نفسه , وقد ظهر هذا بوضوح تام فى ردة فعل العوام على محاولات البهائية والشيعة إعلان شعائرهم بعد أن استشعروا القوة , فتدخلت جماهير الناس العادية ومنعوهم بالقوة المفرطة ..
قال الشاب :
هل معنى هذا أن الشيعة الموجودين فى مصر غير مؤثرين أيضا رغم الدعم الهائل الذى يمتلكونه ؟!
أجاب الكاتب ضاحكا :
ربما تندهش لو قلت لك أنه حتى المتشيعون المصريون أنفسهم لا يخدمون التشيع عن قناعة كما يتصور الإيرانيون , وأكاد أقسم أن معظم المتشيعين المصريين لو سقط الشيعة فى إيران وتوقف الدعم الخارجى لهم لنفض هؤلاء أيديهم من الشيعة والتشيع نهائيا , وقد ظهر هذا واضحا فى مجموعة من المنتسبين للتشيع حين قاموا بالإستيلاء على مبالغ طائلة تحت بند نشر التشيع وفروا بها ..
وحتى هؤلاء الذين استلموا الأموال الطائلة بغرض الإنفاق على مراكز بحثية للشيعة ومكاتب لزواج المتعة ومكاتب أخرى تحت زعم البحث العلمى فيها مرتبات منتظمة لمن ينضم إليهم ,
كل هذه الأنشطة لا يعلم الإيرانيون أنها أنشطة شبه صورية , وأن الشيعة المصريين نصابون محترفون يأخذون الدعم الهائل وينشئون به المكاتب المبهرجة ذرا للرماد فى العيون ويبعثون بإحصائيات خرافية عن انتشار التشيع فى مصر بينما الحقيقة على أرض الواقع تقول بالعكس تماما ! ,
بمعنى أنهم يتعاملون بالنظرية العامية الشهيرة فى مصر ( ريـّــح الزبون !! )
وما يثير الضحك حقا أن بعض المراجع فى إيران ولبنان مقتنعون بصدق الإحصائيات الوهمية ويحلمون باليوم الذى يصبح الشيعة فى مصر بالملايين !
وأجهزة الأمن المصرية تعلم هذه الحقيقة علم اليقين ولهذا السبب فهى تتركهم وغيرهم لمعرفتها التامة بحدودهم , كما أن نشاط المخابرات الإيرانية فى مصر مرصود رصدا تاما , ولكن بدون أى إعلان انطلاقا من السياسة الأمنية التى لا تـُــفجر القضايا الكبري إلا إذا خرجت عن حدود السيطرة , أما إن ظل الحال كما هو وظل الشيعة فى مصر تحت مجهر الرقابة والسيطرة فلا بأس من منحهم حرية محدودة للحركة بل وللتمويل أيضا حتى تأتى اللحظة المناسبة وساعتها سيلاقون نفس مصير الإخوان , فالغباء صفة مشتركة بين الجانبين

الهوامش :
[1]ـ سطا طه حسين على أفكار المستشرق اليهودى مرجليوث فى كتابه الشعر الجاهلى وكشف هذه السرقات محقق التراث الشهير محمود شاكر وكذلك الرافعى فى رده على طه حسين
[2]ــ وقع نصر أبو زيد فى جهالات لا يمكن قبولها حتى من طالب بكلية الآداب وذلك عندما هاجم الإمام الشافعى مدعيا أنه نافق دولة بنى أمية بعد أن أغروه بالمناصب رغم أن دولة بنى أمية سقطت قبل مولد الشافعى أصلا بخمسة عشر عاما كاملة !!
[3]ــ أنا إلى الآن لا أستطيع فهم مقصود عيسي من جزمه على عدم وجود مصطلح شريعة إسلامية , والغرابة ليست فقط فى وجود المصطلح ( شرعة وشريعة وشرع ) فى القرآن والسنة , بل الغرابة فى أن النفي ذاته يتصادم حتى مع المنطق إذ كيف يمكن تخيل وجود دين بدون شريعة ووجود قانون بلا تقنين , وماذا نسمى العبادات وقوانين المعاملات هل هى معدومة مثلا أو غير وجودة أم أن هذا الموهوم يعتبرها مجرد خواطر !! ؟!
[4]ــ لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة كتاب ( سفراء جهنم ــ الجزء الأول ) ـ للكاتب ـ موقع صيد الفوائد

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 04:03 AM


قال الشاب :
ومن أين جاءت لك هذه المعلومات وهذه القناعات ؟!
أجاب الكاتب :
بالنسبة لحقيقة نصب الشيعة المصريين على المراجع فى إيران ولبنان هذه مسألة تكررت كثيرا وبعضها تم إعلانه حتى فى الصحف مثل قضية ( صالح الوردانى ) , والخلافات المحتدمة بين الشيعة المصريين أنفسهم كشفت هذا الأمر تطبيقا للمثل الشهير إذا اختلف اللصان ظهر المسروق , كما أن ائتلاف الدفاع عن الصحب والآل لديه وقائع عن تلك الأمور تفوق كثيرا ما تم إعلانه ..
بل لو أردت مثالا معاصرا عن عمليات التغفيل الشيعى ,
فعندك الجريدة الجديدة لإبراهيم عيسي المسماة بالمقال , فهى جريدة ممولة بالكامل كما قلنا لأنها بدون أى إعلانات فضلا على ثمنها البخس وأتحدى القائمين عليها أن يعلنوا عن نسبة توزيعها اليومى فى مصر , ولا يوجد عاقل يقول بأن نسبة توزيع جريدة متخصصة وغير خبرية وغير جالبة للإعلانات وثمنها جنيه واحد , يمكن أن تغطى نفقات إصدارها أو حتى طباعتها بشكل يومى فضلا على مرتبات العاملين !
ولا يوجد أى مطبوعة صحفية فى مصر ــ مهما بلغت شهرتها ــ تغطى نفقاتها ومكاسبها من التوزيع بدون الدعم الإعلانى , بل إن المؤسسات القومية للصحافة رغم إمكانياتها الهائلة وتنوع مصادر دخلها وعراقتها لا زالت منذ عصر مبارك تعانى من خسائر بالملايين !
فإبراهيم عيسي فى الحقيقة يبيع ( التروماى ) لمصادر دعم هذه الجريدة ــ وهم يستحقون على أية حال ــ رغم أنه يدّعى أن الجريدة ذاتية التمويل ولو كانت كذلك فهو حتما يهوى الخسارة !
أما بالنسبة لطريقة ومنهج تعامل أجهزة الأمن القومى المصري مع قضية التشيع , فهذه ليست مبنية على معلومات محددة تخص هذا الملف , بل هى فقط تحليل منطقي يستند إلى معرفة مسبقة بأسلوب المعالجة الأمنية الذى تتبعه مصر من خلال مراجعة وتأمل تاريخ أجهزة أمننا مع قضايا النشاط الدينى , بالإضافة إلى أنه قراءة منطقية مباشرة لعدد من الوقائع التى حدثت فى السنوات الأخيرة لو أننا قمنا بجمعها معا سنخرج بهذه النتيجة بلا شك , وإلا فأخبرنى كيف ومن أين تتسرب فى رأيك الصور والوثائق والملفات التى يتم نشرها سواء فى الصحف أو مواقع الإنترنت لمن يستجيبون لزيارة إيران من العلماء أو الدعاة أو المبتهلين مع أنها زيارات تمت فى نطاق من السرية
قال الشاب :
هل تعنى بأن الشيعة يمكن أن يدعموا مشروعات شبه وهمية يظنونها مؤثرة
قال الكاتب :
ما في ذلك شك فـهُم يعتقدون أنه حتى لو كانت تلك المشروعات والمقالات والدعاية غير مؤثرة فيكفيهم أنها موجودة فى مصر !!
وهذا غباء كبير , فالدعاية السلبية تهدم ولا تبنى , وهى دعاية سلبية لأنهم يتحملون النفقات الباهظة ظنا منهم أن هذه الآلة الإعلامية واستئجار بعض الأقلام ــ التى لم يسمع بها أحد ــ يمكن أن يمثل نشرا وتأثيرا وصوتا إيجابيا للشيعة فى مصر , بينما العكس هو الصحيح على طول الخط ,
فوالله لولا نشاطهم الإعلامى فى مصر لما انتبه المهتمون لنشاط الشيعة وأهدافهم ولما تفرغ بعض الباحثين لتعقبهم , ولما اكتسبوا العداء الكاسح للتشيع بين أفراد الشعب المصري الذى كان يظن الشيعة والتشيع مجرد مذهب تقليدى لا يفترق عن المسلمين فى شيئ إلا فى التقدير الزائد لآل البيت , خاصة لو وضعنا فى اعتبارنا أن حزب الله فتن الناس كثيرا بخيار المقاومة ضد الإحتلال , كما أن الناس فى مصر كانت تتعاطف مع الشيعة بسبب تشدد التيار السلفي تجاههم وكانوا يظنون أن السلفيين يُـشنعون بالباطل على من يختلف معهم مثل الشيعة والصوفية
فجاء النشاط الشيعى بغباء منقطع النظير لينشر القناعات الحقيقية للتشيع فى الصحف والقنوات المصرية فاستفز الناس لمعرفة حقيقة التشيع , وعرفوه بالفعل بعد الواقعة الشهيرة لجريدة حزب الغد التى نشرت تحقيقا مدفوع الأجر بعنوان ( أسوأ عشر شخصيات فى التاريخ الإسلامى ) ووضعت بينهم طلحة والزبير وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم !
وأحد المتشيعين المصريين عض بنان الندم على قبوله للمناظرة فى قناة ( صفا ) لأن أهله لم يكونوا على علم بحقيقة التشيع الذى ينتسب إليه فلما شاهدوه فى المناظرة مضطرا للإعتراف بما ورد فى أمهات كتب الشيعة أمام خصمه السنى , قاموا عليه بثورة وطردوه من منزل العائلة وتبرءوا منه ,
وهذا أيضا ما حدث مع عدد من عائلات المتشيعين المصريين الذين تم تقديمهم للمحاكمة بتهم سب الصحابة وازدراء الأديان وكان شهود الإثبات فى القضية من أبنائهم وزوجاتهم
والسبب الرئيسي فى ذلك يعود لغباء الطرح الشيعى الذى لم ينتبه إلى أن عوام المصريين لا يعلمون عن جرائم الشيعة شيئا , فليس هناك وجود سابق للتشيع فى مصر منذ طرد العبيديين , وبالتالى فالناس لم تكن تتخيل أنها ستسمع مسلما فى يوم من الأيام يسب أو يلعن الفاروق أو أم المؤمنين أو يسب الصحابة .. إلخ ,,
فهذه كلها كانت بالنسبة للمصريين خيال علمى !!
فلما أدركوهم لم يسمحوا لهم أصلا بالدفاع عن أنفسهم أو بمجرد المحاولة لسرد معتقداتهم والدفاع عنها , فالصحابة وآل البيت عندنا مسألة ليست محل للنقاش من الأساس , فأنت إن نزلت إلى أى شخص عامى فى مصر ودعوته للنقاش العلمى فى مسألة إيمان أو كفر عمر بن الخطاب , هل تتصور أنه سيدعوك إلى مائدة الحوار ! أو أنه سيمنحك حتى الفرصة لنطق عنوان الموضوع أصلا ؟!
قال الشاب ساخرا :
لو أننى فعلت هذا فلست أستبعد أن أتحول أنا شخصيا إلى الطبق الرئيسي فى المائدة ! ,
أكمل الكاتب :
بالضبط , ولو اجتمع الناس عليك ضربا واعتداء وجاءت الشرطة وسمعت بما يحدث فلا أستبعد أن يشارك أفراد الشرطة أنفسهم فى الضرب !
وهكذا انقلب المكر الشيعى والدعم المادى وبالا على الشيعة ووفروا علينا جهدا طويلا فى محاولات رد الشبهات
بينما لو اكتفي الشيعة بمجرد الدعوة لمذهبهم بهدوء ونعومة الثعابين وباستخدام التقية لربما نجحوا فى تحقيق بعض أهدافهم , لكننا نحمد الله على ارتداد مكرهم إليهم , وأذناب التشيع بما يفعلوه اليوم يخدمون أهداف أهل السنة فى الواقع ــ سواء أدركوا أو لم يدركوا ــ فيكفي أنهم منحونا الفرصة والشرف الكبير للدفاع عن الحضارة الإسلامية وثوابتها , ويكفي أن ترصد حركة الشباب على مواقع التواصل الإجتماعى الذين تركوا الإهتمام التقليدى بالأنشطة الشبابية وتفرغوا للبحث والقراءة فى التاريخ الإسلامى بعد أن تسبب الإعلام فى إثارة غيرتهم على دينهم
قال الشاب :
لكن من الضرورى أن نعترف أن حملة الشيعة تلك جرت خلفها تيارات أخرى لانتهاز الفرصة بالطعن فى الثوابت , لا سيما والظروف مهيأة بسبب تجربة الإخوان بالغة السوء فى الحكم
قال الكاتب :
وهذا ليس بدعا من الحوادث ,
فهذا هو نفس ما يحدث عبر التاريخ ألا وهو اجتماع الخصوم على أهل السنة من أهل البدع والملل , بل إن أصحاب البدع المتناطحة رغم عداوتهم لبعضهم البعض إلا أنهم إذا حاربوا أهل السنة فى حرب معينة اتحدوا مع بعضهم مهما كان بينهم من الخلافات والاختلافات ..
قال الشاب :
لنحصر إذا المهاجمين اليوم فى الحملة الماثلة أمامنا , وهى الحملة التى تقودها الجبهة الشيعية الإيرانية ويتحالف معها العلمانيون وأصحاب التيارات الإلحادية , فضلا على الخوارج الذين يهاجمون أهل السنة أيضا ويعمدون إلى مهاجمة فقههم الذي لا يخدم أغراضهم فى السيطرة على الحكم , فهل هناك فئات أخرى تهاجم السنة ؟!
قال الكاتب :
لابد أن أنبهك لشيئ هام قبل أن أجيبك عن الفئة الأخيرة التى تحارب معهم,
وهو أن التيارات البدعية والإلحادية التى تهاجم السنة ليس معنى هجومهم عليها أنهم لا يقصدون الإسلام ككل , فمهاجمتهم للسنة إنما هى أصلا لترك القرآن وحده بعيدا عن ضوابط التفسير فى آيات الأحكام , وبالتالى يتلاعبون بالآيات كما يرغبون ويحرفونها عن معناها الصحيح فينهدم الدين , وهذا الفعل يفعله سائر أهل البدع بلا استثناء ,
فالشيعة مثلا تفسر كل آيات القرآن بما يخدم معتقدهم فى عصمة الأئمة وأنهم الأرباب من دون الله , والخوارج يذهبون إلى آيات الكفار فينزلونها على المسلمين , والعلمانيون يذهبون إلى الآيات المُحكمة فيفسرونها بمنطقهم المعوّج تفسيرا يخالف كل الثوابت بل يخالف حتى ظاهر القرآن , وإذا عجزوا عن التأويل ذهبوا إلى القول بأنها آيات مخصصة فى زمن مخصوص لا تـُــلزمهم ,
وبالطبع الشيئ الوحيد الذى يقف سدا أمام كل هذه التفسيرات الباطلة هو وجود السنة النبوية التى تـُـفصّل مجمل القرآن وتوضح معانى الآيات العامة وتفصيلاتها والقواعد فيها والاستثناءات , إلى غير ذلك من الضوابط ..
وهذا الذى قلته لك الآن هو أوضح وأظهر دليل على حجية السنة النبوية وصدق قائلها عليه الصلاة والسلام وصدق نسبتها إليه ..
فلو أنك تركت السنة النبوية فسجد أمامك عشرات الفرق المتناحرة التى تدخل الدين بلا ضوابط معروفة وإنما يتبعون أهواءهم وفق ما يعن لهم , وهم جميعا يقولون بأنهم يحتجون بالقرآن ,
ورغم هذا فكل منهم يأتى بفهم وتفسير يضاد الآخر , والفريق الوحيد الذى يمتلك الضوابط المحددة لفهم نصوص القرآن هو فريق أهل السنة وهم الوحيدون الذين لا يتناقضون فى معانى آيات الأحكام أبدا , لأن الضوابط واحدة ..
ونعنى بآيات الأحكام ,
الآيات المؤسسة للشريعة والتى ليس فيها اجتهاد بشري بل هى آيات محكمة التفسير والتفصيل من النبي عليه الصلاة والسلام , أما باقي آيات القرآن الكريم فتضم اجتهادات عدة وهى موطن الإعجاز فى كل مجال بحيث يقوم المفسرون فى كل عصر بإضافة واكتشاف وجه إعجازى مختلف تحقيقا لقول النبي عليه الصلاة والسلام عن القرآن ( لا يخلق من كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء )
قال الشاب :
هذه ملحوظة جميلة بالفعل , فلو أن هذه الفرق كانت على حق فعلا فى تمسكها بالقرآن فلماذا تناقضوا جميعا فى فهمه ؟!,
حتى أن الخوارج فسروه بما يخدم إرهابهم والعلمانيون فسروه بما يخدم انحلالهم , وهم جميعا لا يؤمنون بالسنة المروية عن طريق الصحابة لأنها تعطل انفرادهم بالتفسير ..
قال الكاتب :
بالضبط ..
أما الفرقة الأخيرة التى انضمت إليهم فهى بعض الأفراد الذين كانوا ينتسبون إلى الإخوان وغيرها من التنظيمات وقضوا فيها فترة طويلة من أعمارهم , ثم اكتشفوا بعد ذلك بطلان أفكارهم فتركوهم ..
تساءل الشاب : ولماذا يهاجمون السنة وقد تركوا هذه الفرق ؟!
قال الكاتب :
هؤلاء ليسوا جميعا فى تلك المعركة , بمعنى أن بعض التائبين من تلك الجماعات بدلا من أن تكون توبته عن أقصي اليمين إلى الوسط , جاءت توبته من أقصي اليمين إلى أقصي اليسار , وهذا الإتجاه له سبب نفسي بالأصل , فالتطرف يولد التطرف بطبيعة الحال , فأنت عندما تتربي عمرك كله على أفكار معينة متطرفة فى اتجاه معين , ثم ينكشف لك زيف هذه الأفكار ينطبق عليك المثل العامى ( اللى اتلسع من الشربة ينفخ فى الزبادى ) ..
وكردة فعل طبيعية تجد نفسك متخذا للجانب المضاد لما كنت عليه من أفكار ,
وهؤلاء الناس ــ ومعظمهم كانت نواياهم حسنة ــ لما عاشوا بين الإخوان وجماعات التكفير معظم عمرهم , ورأوا كيف أن هذه الجماعات تستخدم القرآن والسنة فى غير موضعها , لم يقفوا عند الحد الطبيعى وهو رفض فهم هؤلاء المبتدعة للنصوص وإنما ذهبوا إلى رفض تلك النصوص كلها , فمنهم من ترك الدين بالكلية , ومنهم من لم يستطع ذلك وذهب يفتش عن فكر يريحه من هذه النصوص فاتخذوا الجانب العلمانى الذى يرفض السنة النبوية ويتهمها بالتزوير وأخذوا يتحدثون اليوم فى مقالاتهم ولقاءاتهم الفضائية عما يسمونه الإسلام الجديد الذى يختلف عن إسلام التراث الذى أخذته الأمة من عهد الصحابة إلى اليوم !!

قال الشاب : ولكن ألم ينتبه هؤلاء إلى أن مقولتهم تلك فيها ما فيها من التخريف , فكيف يكون الإسلام محرفا من عهد الصحابة وحتى اليوم لحين ظهور فهمهم الجديد ؟!!
قال الكاتب :
لك أن تتخيل أن أحدهم كتب سلسلة مقالات على مدار شهور طويلة ينكر فيه أوضح وأظهر الثوابت فى الدين , والكارثة الكبري أنه يستدل على فهمه الجديد من آيات القرآن فيبتر بعض الآيات ويفسر بعضها الآخر على هواه , ثم يذهب إلى تفسيرات شاذة جدا ربما لم يسبقه إليها أحد مستدلا بحكايات خرافية لا أعرف مصدرها للآن !! , كما أنكر الفتوحات الإسلامية كلها وسماها خرافة واعتبر أن الصحابة ــ تخيل الصحابة أنفسهم ــ خالفوا أمر النبي عليه السلام وحرفوا تعليماته وقاموا بغزو البلاد بالقوة لتأسيس إمبراطورية دنيوية لهم , وليس لنشر الإسلام , وأن النبي عليه السلام لم يغز بلدا ولم يفتحه وكل حروبه كانت دفاعية !!
قال الشاب : ولكن هذا مخالف حتى لتاريخ السيرة
قال الكاتب :
المشكلة ليست فى ذلك فقط بل الكارثة أن يعتقد بأن الصحابة أنفسهم ــ وهم جيل الرسالة الذين نقلوها أصلا ــ حرفوا الدين وخالفوا أوامر ومقاصد الإسلام فى سبيل الدنيا !! , فلو كان الصحابة بهذه الأخلاق كيف لعاقل أن يؤمن بصحة القرآن الذى نقلوه إلينا , ولماذا لم يقل بأن الصحابة حرفوا آيات الجهاد وأضافوها للقرآن كنتيجة منطقية لاتهامه هذا !! ,
والأخطر من هذا كيف فعل الصحابة هذا والقرآن الكريم أغرق فى مدح الله تعالى لهم , وحفزنا للإيمان بمثل ما آمنوا هم به وذلك بنص القرآن ( فإن أمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ) , أى أن إيمان الصحابة هو عين الإسلام ,
ثم يأتى هذا الرجل فيقول بأن إسلام الصحابة الذي استجابت له الأمة كلها هو إسلام التراث الذى يختلف عن الإسلام الحقيقي !
والقرآن نفسه يقول عن الله تعالى أنه علم ما فى قلوب الصحابة , فهل كان الله عز وجل لا يعلم بأفعالهم القادمة ؟!
سأل الشاب فى صدمة : هل تعنى أنه يؤمن بذلك فعلا ويشكك فى القرآن ؟!
قال الكاتب :
مسألة تشكيكه فى القرآن هى مرحلة قادمة حتما لو استمر على منهجه , والرجل بالفعل يبدو من كلامه أن الشيطان تلاعب به وأوقعه فى حيرة قاتلة , وللعلم فإن العلماء قالوا وحذروا من الانسياق وراء البدع والشبهات ــ مهما كانت ضئيلة ــ بسبب أن مجرد سلوكك طريق البدعة سيفضي حتما إلى الشرك والكفر فى مراحل قادمة , ولهذا على كل إنسان أن يحذر أشد التحذير من رد أى حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة السلام لمجرد عدم استيعابه ,
وليس هذا معناه غلق النقاش ,
بل يمكنك كمسلم أن تناقش وتسأل كما شئت بشرط ألا تنكر الحديث نفسه ــ والسنة كلها من باب أولى ــ وحتى لو لم تجد من يقنعك بفهم مقصود الحديث وفق قناعاتك فلا ترد الحديث واستمر بالبحث حتى يهديك الله وكن واثقا من أن هناك حلا للشبهة ولكنك تعجز عن الوصول إليه
وهكذا هو طريق العلم ــ لا طريق الهوى ــ فطريق الهوى يسلك بك للإنكار فى البديهيات , بينما طريق العلم صعب وطويل وحتى فى العلوم التقليدية لم يذهب العلماء والباحثون إلى إنكار ما عجزوا عن فهمه بل واصلوا البحث وحتى عندما فشلوا تركوا المسألة للأجيال القادمة كى يصلوا للتفسير , مثلما فعل العلماء فى الطبيعة والطب والأحياء وغيرها ,
فمثلا وقف العلماء دهورا طويلة يبحثون عن سر حدوث الأمراض الفيروسية ومن أين تأتى ؟! ,
خاصة تلك الأمراض التى تتشابه أعراضها وتتكرر بانتظام على الرغم من اختلاف المرضي , فهنا اعتقدوا بحتمية وجود سبب واحد نظرا لاتفاق وتطابق الأعراض , ولكنهم لم يعرفوه , ورغم عدم معرفتهم لم ينكروا الواقع ــ وهو حدوث المرض ــ وجاءت الأجيال التالية ليصلوا إلى الحلول العلمية
أما من يجعل إيمانه ودينه أشبه بالإسفنج يستجيب لكل ضغط , فهو حتما سيفعل مثل هذا المشكك وسيستمر فى الإنكار حتى يصل للانسلاخ الكلى من الإسلام ما لم يتداركه الله برحمته
وقد قارب هذا الرجل على ذلك بعدما قرأت له مقالا فى أعياد الميلاد يمتدح فيه عقيدة المسيحيين ويصفها بأنها عقيدة سلام وأمان ومحبة !! ,
وأنا لا اعتراض لدى على وصف المسيحية الحقة وسائر الأديان السماوية بذلك , لكن المصيبة أن تصف المسيحية عموما بهذا رغم التحريفات الواردة فى كتبهم , والمصيبة الأعظم أنك قلت بهذا المدح مباشرة بعد سلسلة مقالات طويلة تصف فيها السنة النبوية ومن اعتنقوها بالإرهاب والدموية , ومقتضي كلامه ذلك هو المقارنة حتما بين العقيدتين !
قال الشاب : ولهذا فقد وقف مع حملة المهاجمين لاتفاق أهدافهم مع أهدافه ..
قال الكاتب :
والكارثة أن يظن نفسه بكلامه هذا داعية للإصلاح والتجديد , ودفعه هواه إلى ما هو أفدح , فنظرا لأنه قليل البضاعة جدا فى علوم التاريخ وعلوم الشريعة , اضطر إلى أن يردد بعض الأفكار التى لا يقولها طفل مسلم تعلم أبجديات الإسلام , فضلا على أنه اضطر إلى أن يقتبس من بعض أفكار المستشرقين وبعض أقوال الملاحدة لأنه لا يجد المصادر التى يغذى بها مقالاته كى تستمر !! ,
وبالطبع وجد من يشجعه ويحفزه ويلصق به ألفاظ العبقرية ليضموه إلى صفوفهم التى تفتقر إلى أى منتسب للإسلام والدعوة , وبئست التبعية , ويكفيه من الخذلان أنه وأمثاله يذهبون إلى كتب الشرع والعلم ــ لا بقصد التعلم ــ بل بنية وقصد البحث عن الثغرات التى يهاجمونها بها !!
قال الشاب :
ولكن هناك سؤال هام فى قولك أن هناك حلولا لأى شبهة حتى لو لم أصل إليها أنا كباحث شاب , ولكن كيف أفرق بين الإقتناع الحيادى وبين الهوى إذا رفضت كل تفسيرات من حولى
أجاب الكاتب :
الفارق بسيط للغاية ــ رغم دقته ــ فالذى يبحث بنية البحث العلمى لكن قلبه مطمئن بالإيمان , ستجده يقبل الحق فور ظهوره له أو يصل إليه بنفسه لو كانت الشبهة جديدة وليس لها حل معاصر , مع أن هذا الأمر صعب للغاية لأن كتب الرد على الشبهات احتوت أساسيات الحلول لكل شبهة تخطر على بالك ,
والباحث عن الحق بصدق حتما سيصل فهذا وعد الله لنا فى قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ويقول أيضا ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
أما صاحب الهوى , فهو نفسه سيدرك فى نفسه أن هذا الحديث أو غيره يمثل له عقبة أمام شهوة يريدها , فهنا الأمر يختلف فهو ليس باحثا حياديا عن صحة حديث لم يستوعبه , بل هو باحث عن غرض معين يريد أن يوجد له طريقة شرعية وبالتالى سيرفض أى تفسير للحديث يعارض هذه الرغبة , وهذا هو الهوى المفضي للباطل
وبالعموم ..لابد للمسلم أن ينظر أين يقف , وهذه الطريقة تصلح لكل العوام ممن لا يستطيعون الخوض فى البحث العلمى , فأنت إن رأيت نفسك تقف على أرض واحدة مع أصحاب البدع أو أصحاب الإلحاد فى مواجهة ما أجمع عليه علماء المسلمين , فلابد لك عندئذ من أن تراجع موقفك سريعا لأنك تعلم بالضرورة أن جانب العلمانيين له أغراضه المعروفة , وهذا يفيدك بجانب الحق حتى لو لم تعلم يقينا حل الشبهة التى تحيرك
وكمثال ,
إذا كنت باحثا متأولا ونيتك حسنة ولكنك كتبت فكرة أو دعوت بدعوى وجدت فيها احتفاء وترحيبا كبيرا من إسرائيل أو الغرب , وعداء شديدا من بنى وطنك , فهنا لابد أن تشك فيما تعتقد حتى لو كنت مقتنعا بنواياك الحسنة لأنك تثق بحقيقة هامة راسخة وهى أن إسرائيل والغرب لن يؤيدوا مصريا أو مسلما فى شيئ يخدم إسلامه أو وطنه

محمد جاد الزغبي 02-19-2016 04:09 AM

تساءل الشاب :
نعم أعتقد أنها علامة صالحة فى شأن العلمانيين وأصحاب دعاوى التغريب لكن هل هناك علامة توضح الحق من بين الدعاة التيارات الإسلامية فى القضايا العامة ؟!
قال الكاتب :
نعم .. هناك علامات قد تحسم لك الطريق دون أن تتكلف دراسة التفصيل العلمى , ولكن ينبغي لك أن تعلم أن هذه العلامات لن تفيدك لو أنك عالجت الأمور من منظور الحب والكره , فلابد من تجهيز نفسك لقبول الحق حتى لو كان ضد من تحبهم , والمشكلة الكبري التى نقع فيها دائما أننا نحاول أن نتخذ جانب من نثق بهم حتى لو كان الخطأ منهم ظاهرا , مع أن اعترافنا بخطئهم نقطة لصالحنا وليست ضدنا , لأنه دليل على صحة منهجنا وهو منهج علماء المسلمين فى التماس العذر لأى عالم صاحب فضل يخطئ فى اجتهاده ,,
قال الشاب :
لكن العلمانيين يقولون ويستدلون بهذا الكلام عندما يتكلمون عن الثوابت ويقولون أخطأ من قالوا بها
قال الكاتب موضحا :
كلا بالطبع , فكلام العلمانيين لا يتحدث فى نطاق أقوال فردية للعلماء بل إنهم يضربون الثوابت القرآنية والثابتة بالسنة النبوية تحت زعم أخطاء الأشخاص , وهذا جهل وتخلف فالثوابت جميعها وردت بنصوص قطعية من القرآن وشرحتها وبينتها السنة المطهرة ثم كللها الإجماع , ولهذا عندما نقبل أقوال العلماء فى الثوابت إنما نقبلها بالنصوص أو بالإجماع , والإجماع عندنا حجة لأن الأمة لا تجتمع على باطل وفق نص الحديث النبوى ,
وينتقد العلمانيون احتجاجنا بالإجماع تحت زعم أن الله ذم الأكثرية فى القرآن , ومدح الأقلية , وينسي هؤلاء المتخلفون أن الأكثرية المذمومة فى القرآن إنما هى الأكثرية فى عموم أهل الأرض إذا تنازعوا ابتداء بين الحق والباطل أو بين الطاعة والعصيان , أما الأكثرية فى نطاق أهل الحق والإسلام فهى بلا شك حجة ودليل , ونحن عندما نحتج بالإجماع إنما نحتج بإجماع أهل العلم والفضل لا بإجماع مطلق الناس , والأكثرية حتى فى علم الإحصاء المجرد هى التى ينبنى عليها العلم التجريبي , فالتكرار والأكثرية فى نتائج التجربة الواحدة تجعل هذه النتيجة قاعدة عامة أما ما يشذ منها فهو استثناء لا يـُــقاس عليه
فمثلا ..
إذا نظرنا للقاعدة العلمية التى تقول ( حيثما وُجد الماء وجدت الحياة ) وهى القاعدة التى لها أصل فى القرآن ( وجعلنا من الماء كل شيئ حى ) , فعندما أخرج العلماء هذه القاعدة واعتمدوها كقاعدة , جاء اعتمادهم نتيجة للتجربة عندما وجدوا الأغلبية العامة من المخلوقات يدخل فيها الماء كعنصر رئيسي للحياة ولا يمكن أن يتخلى عنها مخلوق إلا لمدد قصيرة ,
ثم ظهر للعلماء بعد ذلك عدد محدود من المخلوقات لا يدخل الماء فى تكوينه أو لا يحتاج الماء فى حياته أو يمكنه الاستغناء عنه لمدد طويلة جدا , فهل قام العلماء عندئذ بتغيير القاعدة أو قالوا بأنها غير صحيحة ؟!
كلا بالطبع ..
لأن شاذ القواعد لا يمكن القياس عليه لإبطال القاعدة العامة , وهذا وفقا للقانون البديهى ( لكل قاعدة شواذ ) , ولهذا فالإجماع المعتمد عندنا نحن أهل السنة ليس هو إجتماع أكثرية مطلق البشر وليس مطلق الناس بل هو أكثرية أهل الإختصاص والعلم , فإذا اتفقوا على شيئ جاز له اكتساب عصمة الحق ..
وهم عندما ينتقدون البخارى يقولون بأنه مجرد عالم فرد وليس معصوما ,
فنقول هو نعم عالم فرد ونحن لا نقر بصحة صحيح البخارى استنادا إلى شخصه بل استنادا إلى إجماع علماء الأمة على مدى ثمانية قرون بصحة ما ورد فى الصحيح اعتمادا على ما قام به العلماء عبر ثمانية قرون من جهد فى تحكيم الكتاب ومراجعته كرسالة علمية متكاملة هو وصحيح مسلم ,
فالبخارى ومسلم عندما أخرجوا كتبهم والتزموا فيها بإيراد الصحيح فقط , لم يتقبل العلماء فى عصرهم وفى العصور التالية عليهم قولهم هذا على عواهنه , بل أخذوا فى تحكيم الكتاب كرسالة دكتوراة بلغة العصر , وظهر لهم أن البخارى ومسلم نجحا فى تطبيق ما ألزموا أنفسهم به فى الصحة سندا ومتنا ,
ولو كان العلماء يقبلون كل كتاب يخرجه أى عالم كبير فلماذا أسقط العلماء ثلاثة كتب لثلاثة علماء جهابذة فى نفس المجال أعلنوا أنهم سيلتزمون بالصحيح وحده كالبخارى ومسلم ومع هذا وعندما راجعهم العلماء فى كتبهم كشفوا وجود الضعيف والموضوع وبالتالى لم يعطوهما الإعتماد الذى حصل عليه البخارى ومسلم وهؤلاء العلماء هم ابن حبان وابن خزيمة وكلا منهم أخرج كتابا سماه الصحيح , والثالث هو الحاكم النيسابورى الذى أخرج كتاب المستدرك وقال بأنه سيتبع منهج البخارى ومسلم وشروطهما لإخراج صحاح الأحاديث التى لم يوردها العالمان الكبيران ,

ولكن الحاكم لم ينجح فى ذلك وتم إسقاط أكثر من ثلثي كتاب المستدرك وبالتالى لم يتم تصنيف كتاب فى صحيح الحديث وحده إلا كتابي البخارى ومسلم وحدهما رغم أن عمالقة من العلماء حاولوا ذلك بعدهما ولم ينجحوا , وهذا يوضح لك مدى الدقة والتشدد فى اعتماد الكتب وعدم مراعاة أهل النقد والتمحيص لمكانة العالم مهما بلغت , فالعبرة بقيمة كتابه وحده لا قيمته الشخصية
, فانتقاد العلمانيين هنا للبخارى ومسلم ليس انتقادا لفرد بل هو لسائر علماء المسلمين على مدى الأجيال ولا شك أننا لن نقبل قول هؤلاء التافهين بحق علم علمائنا على مدى القرون ,
الأهم من هذا أن الحجة البالية التى يرددونها بأن البخارى ليس معصوما , فنقول قطعا ليس بمعصوم ولكن ليس معنى هذا أن نقده متاح لأصحاب عقول روضة الأطفال !! , فالذى ينتقد البخارى يجب أن يكون فذا فى مجاله وتخصصه كى يكون أهلا لنقد مثل هذا العالم الجهبذ , فضلا على أن نقد البخارى إنما يجب أن يكون فى مجال وفى ضوء قواعد العلم ذاته وليس إلى الأهواء ,
مثلما فعل بعض العلماء الكبار عبر التاريخ فانتقدوا بعض أحاديث فى البخارى ومسلم وكان منهم الدارقطنى ــ شيخ البخارى ــ ومنهم العلامة الألبانى فى العصر الحديث , فهؤلاء العلماء أسسوا اعتراضاتهم على نفس منهج البحث العلمى الحديثي وقواعده , ورد عليهم باقي علماء الحديث وفق المنهج نفسه وأثبتوا صحة قول البخارى على قولهم
والمضحك حقيقة فى هذا الأمر أن العلمانيين يستدلون بهؤلاء العلماء العمالقة الذين سمحت لهم خبرتهم بمناقشة أحاديث البخارى , فيستدلون من ذلك أنه من حقهم هم أيضا الخوض فى غمار هذا المعترك العلمى بأمزجتهم الشخصية ,
وهذه نكتة حقيقية , فمنذ متى كانت قواعد البحث العلمى فى أى مجال تسمح للعوام ممن لا يحسنون شيئا أصلا بالخوض فى غمار علم تخصصي تفنى فيه الأعمار ليصبح المرء عالما فيه
المهم ..
أن العلامات التى تستطيع بها معرفة طريق الحق , إلى جوار ما ذكرنا , هى أن صاحب الحق عندما يبحث عن حكم مسألة فإنه يذهب إلى مصادر العلم لمعرفة حكمها دون أن تميل نفسه مسبقا إلى حل معين يوافق غرضه ,
أما صاحب الهوى فتجده ينتخب حكما يوافق هواه ثم يذهب إلى الكتب والمصادر ليبحث له عن دليل يؤيد به قوله المعوّج ولا يعنيه إن كان دليلا صحيحا أو ضعيفا , وهذا بالطبع من أبطل الباطل , وهو نفس ما فعله أصحاب البدع فرفضوا الأحاديث المتواترة واستدلوا ببعض الأحاديث الموضوعة لمجرد أنها توافق أهواءهم ,
وهناك أيضا علامة أخرى ..
وهى أن صاحب الحق تجده دائما ليس صاحب غرض أو مصلحة أو مكسب شخصي من وراء رأيه الذى يقول به , فإن عارضه الناس فى ذلك واحترت فى أى الفريقين يقف الحق , فانظر إلى أغراض أصحاب الآراء إن وجدتها متوفرة فى جانب وخالية فى جانب آخر فلا شك أن أصحاب الحق هم من لا غرض لهم ولا منفعة ,
وهناك أيضا دلالة أخرى بسيطة ..
هى أن الباطل دوما ما تجده يجمع بعض فئات من الناس لا يُــعرف عنهم نصرة الحق أو الغيرة على الدين وفى الغالب لا يناصرون الحق إلا إذا كانت لهم مصلحة من وراء ذلك , ولعل هذا كان واضحا فى الصراع بين الإخوان وغيرهم من أهل الأحزاب والإعلام ,
فالمحارب المحايد الوحيد فى هذه المعركة كان هو الشعب , أما الأطراف الأخرى فى الإعلام فقد كان التناحر بينها على الغنائم .. لأن الطرفان المتصارعان إنما هم من العصابات التى استولت على مقدرات البلد وتطاحنت فيما بينها ولولا وجود القوة الوطنية الموحدة متمثلة فى الجيش وخلفه بسطاء الناس لما تبقت لنا دولة فى مصر أصلا
ولهذا وجدنا أصحاب الهجمات الأخيرة على السنة النبوية ظهروا مباشرة بعد إسقاط الإخوان وبهدف محدد هو هدم السنة بزعم الحرب على الإرهاب !
وبالمقابل ..
ستجد بين العلماء والباحثين والدعاة ممن كانوا يحاربون ــ ولا زالوا ــ تنظيمات الإخوان وحلفائهم , هؤلاء الدعاة أنفسهم هم من تفرغوا الآن للحرب على الإعلام فى هجماتهم ضد السنة ,
وهذه ميزة أهل السنة من قديم الزمن , فكما حاربوا تنظيمات التشدد مثل الخوارج والشيعة , حاربوا بنفس القوة تنظيمات التحلل كالمعتزلة والجهمية
,
بمعنى أوضح أن أهل السنة إنما يحاربون الخارج عن السنة أيا كانت هويته , ولا تسمح لأحد الخصوم باستغلال حرب ضد خصم منافس له لمحاولة نشر مذهبه أو الحصول على مكاسب شخصية منه
قال الشاب : نعم هذا صحيح .. وهناك ملحوظة لاحظناها جميعا أن المهاجمين يتمتعون بالقوة والنفوذ ومعهم الإمكانيات الضخمة لترويج أفكارهم , ورغم أن هذا يبدو من أسباب القوة إلا أنه عند التأمل يجعلنا نشك حقا فى الدوافع التى تقف خلف كل هذا التجييش ! ,
أجاب الكاتب :
وهذا ما قلناه من البداية , ولكن لا تدع هذا يقلقك , فهجمات هؤلاء القوم رغم تمتعها بالقوة الإعلامية الجبارة , إلا أنهم ينسون ويغفلون كعادتهم عن حقيقة تاريخية , وهى أن الفكر الإسلامى الأصيل محفوظ بوعد الله لهذه الأمة وأن الإسلام والسنة لا ينتصران أساسا بقوة الإمكانيات المادية , بل ينتصرون بالإخلاص , ويكفينا توفيق الله تعالى فى تجنيد أهل الباطل أنفسهم لتحفيز الناس على العودة للدين , وأعطوا الفرصة للعلماء والباحثين ليس فقط فى نشر الثقافة الإسلامية بين الناس فيما يخص الحديث بل إن دروس الفقه والتفسير والتاريخ أصبحت تلقي رواجا بين الشباب أكثر مما تفعله البرامج السياسية والحوارية
ولهذا دعنا نعد بعد هذه المقدمة , لندخل فى التفاصيل , لتعرف ساعتها باليقين أن العلمانيين والخوارج ودعاة الإرهاب وسائر المهاجمين لا يتناقضون وحسب , بل يلعبون على وتر أننا نجهل ما فى الكتب والتراث , وأننا دوما لا نربط بين الأحداث , وهذا ما يظنونه فى خيالهم !

انتهى الفصل الأول من الكتاب ..

عمرو مصطفى 02-21-2016 10:30 AM

عظم الله أجرك..
متابعين يا أستاذ جاد.. موضوعك القيم الذي ينتشلنا من أوحال الدجل والدروشة والتفاهة..
ويضعنا على الطريق الصحيح لمواجهة تلك الهجمة الشرسة على ديننا وتراثنا..

محمد جاد الزغبي 02-22-2016 04:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمرو مصطفى (المشاركة 204233)
عظم الله أجرك..
متابعين يا أستاذ جاد.. موضوعك القيم الذي ينتشلنا من أوحال الدجل والدروشة والتفاهة..
ويضعنا على الطريق الصحيح لمواجهة تلك الهجمة الشرسة على ديننا وتراثنا..

شكر الله لك أيها الصديق ..
وأسأل الله تعالى التوفيق لى ولك ولكل صاحب كلمة مفيدة فى هذا المجال ..
لعل الله يتقبل منا فيغير ما بنا ..
شكرا جزيلا لتقديرك

عمرو مصطفى 03-15-2016 12:25 PM

أين أنت يا أستاذ.. لتنقذنا من ماسورة العته المنغولي التي طفحت علينا..

محمد جاد الزغبي 03-16-2016 12:54 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمرو مصطفى (المشاركة 205924)
أين أنت يا أستاذ.. لتنقذنا من ماسورة العته المنغولي التي طفحت علينا..

بارك الله فيكم أخى الحبيب ...
سنواصل باذن الله قريبا ,
ولست أدرى إلى متى سيظل الإعلام بهذه الصورة المزرية ..
ونحمد الله تعالى أن قيض الله من علمائنا الكثير ليتصدوا لتلك الترهات ,
وعزاؤنا أن الناس تعلم حقيقة هذا الإعلام وهذه الأقلام

عمرو مصطفى 05-17-2016 01:42 PM

بارك الله في علماء أهل السنة فهم اليوم أندر من الكبريت الأحمر..
بانتظار بقية الفصول.. أعانك الله...

محمد جاد الزغبي 05-20-2016 04:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمرو مصطفى (المشاركة 209629)
بارك الله في علماء أهل السنة فهم اليوم أندر من الكبريت الأحمر..
بانتظار بقية الفصول.. أعانك الله...

اللهم بارك فى السنة وعلمائها جميعا فهم بالفعل كما قلت يا صديقي
ويكفي أننا جميعا تحت ظلالهم نتنسم بعضا من قواعد المنطق بعد أن انتحر المنطق نفسه فى عالم اليوم
سنواصل قريبا باذن الله فالحلقات قيد المراجعة

محمد جاد الزغبي 02-04-2018 05:52 PM

1 مرفق
السلام عليكم ..
صدرت هذه الحواريات فى كتاب يحمل نفس العنوان , وذلك عن دار يسطرون للنشر والتوزيع بالقاهرة ..
والكتاب موجود بمعرض القاهرة الدولى للكتاب حاليا , فى جناح الدار بصالة رقم (2)
وسيكون حفل التوقيع باذن الله يوم الأربعاء القادم الساعة الرابعة عصرا

محمد جاد الزغبي 07-06-2018 03:17 AM

رابط تحميل مباشر لكتاب كيف ترد الشبهات بالحوار العقلي وحده ..
وفيه إكمال الفصول التى تم نشرها هنا ..

http://saaid.net/book/open.php?cat=&book=15842




الساعة الآن 05:46 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team