أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما
عائشة بنت أبي بكر عبدالله بن أبي قحافة من قريشي من بني تيم ,
( 9 ق . هـ - 58 هـ ) الموافق ( 613 - 678 م ) . ورسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش من بني عبد مناف , أي أنهما من قريش ولكن من بطنين مختلفين . وأم عائشة , رضي الله عنها , هي ( أم رومان ) بنت عامر بن عويمر وهي كنانية وليست من قريش . ولدت عائشة رضي الله عنها في السنة التاسعة قبل الهجرة وعقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنها , قبل الهجرة بثلاث سنوات , أي أن العقد على عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنوات , وكانت قد خُطبت لجبير بن المطعم بن عدي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأن خولة بنت حكيم زوج عثمان بن مظعون هي التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذا الزواج بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وقد عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها مدة طويلة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذ توفيت سنة ( 58 هـ ) في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما , ولم تنجب عائشة , رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وعائشة رضي الله عنها , هي الفتاة البكر الوحيدة التي تزّوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الغاية من زواجها زيادة أواصر الموّدة مع صديقه أبي بكر الصديق , رضي الله عنه , الذي قدّم وضحّى الكثير من أجل الدعوة الإسلامية . وُلدت عائشة رضي الله عنها في الإسلام وكانت تقول : لم أعقل أبوي َّ إلا وهما يدينان الدين ( أخرجه البخاري ) وأسلمت أمُّها قديما ً , وهاجرت , وتوفيت في المدينة سنة ست ٍّ للهجرة . وتصف لنا رضي الله عنها , يوم أُدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم , فتقول : تزوجني النبي ّ صلى الله عليه وسلم , وأنا بنت ست سنين , فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج , فوعكت فتمزّق شعري فوفى جميمة , فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي , فصرخت بي فأتيتها , لا أدري ما تريد مني , فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار , وإني لأنهج حتى سكن بعض نَفَسي , ثم أخذت شيئا ً من ماء ٍ فمسحت به وجهي ورأسي , ثم أدخلتني الدار , فإذا نسوة من الأنصار في البيت , فقلن : على الخير والبركة , وعلى خير طائر , فأسلمتني إليهن ّ , فأصلحن من شأني , فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأسلمتني إليه , وأنا يومئذ ٍ بنت تسع سنين ( متفق عليه ) . قالت رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتك في المنام , يجيء بك المَلَك في سَرَقة ٍ ( قطعة ) من حرير , فقال لي : هذه امرأتك . فكشفت عن وجهك , فإذا هي أنت , فقلت : إن يك ُ هذا من عند الله يُمضِه ) . ( متفق عليه ) . وفي رواية للبخاري : ( أُريتك في المنام مرتين ) , وفي رواية لمسلم : ( أُريتك في المنام ثلاث ليال ٍ ) . هذه الرؤيا المتكررة للنبي صلى الله عليه وسلم , يعني بأن الزواج كان بأمر من الله تعالى لأن رؤيا الأنبياء وحي من الله . وعائشة رضي الله عنها , هي البكر الوحيدة التي تزّوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد راعى صغر سنّها , وقد وصفت رضي الله عنها هي ذلك فقالت : كنت ألعب بالبنات ( لعب على شكل بنات ) عند النبي صلى الله عليه وسلم , وكان لي صواحب يلعبن معي , فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا دخل يتقمّعن منه , فيُسَربُهُن َّ إلي ّ فيلعبن معي ( متفق عليه ) . وفي حديث أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم , بعد قدومه من غزوة تبوك أو خيبر سنة ( 7 أو 9 من الهجرة ) كشف الستر على بنات ( لُعب ) لعائشة رضي الله عنها فقال : ( ما هذا يا عائشة ؟ ) قالت : بناتي , قالت : ورأى فرسا ً مربوطا ً له جناحان , فقال : ( ما هذا ؟ ) قلت : فرس , قال : ( فرس له جناحان ؟ ) قلت : ألم تسمع أنه كان لسليمان عليه السلام , خيل لها أجنحة ؟ فضحك . النبي صلى الله عليه وسلم |
وكانت عائشة أحب الناس إليه , صلى الله عليه وسلم , وكان يُصرح بذلك إذا سئل , وهذا ما حدث عندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه إذ قال : قلت : أي الناس أحب ّ أليك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( عائشة ) , فقلت من الرجال ؟ قال : ( أبوها ) ( متفق عليه ) . ولقد بات هذا الحب لعائشة معروفا ً من قِبل الصحابة , فإذا كان عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله , صلى الله عليه وسلم , انتظر حتى إذا كان في بيت عائشة بعث هديته إليه . قالت عائشة , رضي الله عنها : فاجتمع صواحبي ( يعني زوجات النبي ) إلى أم سلمة , فقلن : يا أم سلمة , والله إن الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة , فمُري رسول الله , صلى الله عليه وسلم , أن يأمر الناس أن يُهدوا إليه حيث كان , أو حيث ما دار قالت : فذكرت ذلك أم سلمة للنبي ِّ , صلى الله عليه وسلم , قالت : فأعرض عني , فلما عاد إلي َّ ذكرت له ذاك , فأعرض عني , فلما كان في الثالثة ذكرت له , فقال : ( يا أم سلمة , لا تؤذيني في عائشة , فإنه والله ما نزل علي ّ الوحي وأنا في لحاف امرأة ٍ منكن غيرها ) ( أخرجه البخاري ) . |
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر نساء الأمة فقها ً , وأعلمهن على الإطلاق , وكان كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرجعون إلى قولها ويستفتونها . وكانت على ذكاء كبير وقد أتاحت لها ملاصقة حجرتها للمسجد أن تكون على صلة دائمة بخطب الرسول , صلى الله عليه وسلم وأحاديثه وأحكامه تحفظها , وتسأل عما غاب عنها , وكانت على معرفة بأسباب نزول الآيات , ومناسبات ورود الأحاديث , الأمر الذي يَسّر لها ملكة فقهية ً قل ّ نظيرها وكانت عائشة , رضي الله عنها , امرأة بيضاء جميلة ً , ومن ثَم َّ يقال لها : الحُميراء , ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا ً غيرها ولا أحب امرأة حبها , ولم تنجب له . ثم هي أطول نسائه صبحة ً له , صلى الله عليه وسلم , وهذا يدل ُّ على كثرة الأحاديث التي روتها بالنسبة إلى بقية نسائه . روت عائشة رضي الله عنها : 2210 أحاديث . روت أم سلمة , رضي الله عنها : 378 حديثا ً . روت ميمونة , رضي الله عنها : 76 حديثا ً . روت أم حبيبة , رضي الله عنها : 65 حديثا ً . روت حفصة , رضي الله عنها : 60 حديثا ً . روت صفية , رضي الله عنها : 10 أحاديث روت زينب بنت جحش , رضي الله عنها : 9 أحاديث . روت سودة بنت زمعة , رضي الله عنها : 5 أحاديث روت جويرية بنت الحارث , رضي الله عنها 5 أحاديث . وأضافت عائشة رضي الله عنها إلى ذلك معرفة بالشعر , والأنساب , والطب , حتى كان عروة بن الزبير وهو ابن أختها أسماء يتملكه العجب من إحاطة خالته عائشة رضي الله عنها بهذه العلوم كلها , فيقول لها متعجبا ً : إني لأتفكر بأمرك فأعجب , أجدك من أفقه الناس , فتقول : ما يمنعني ؟ زوجة رسول الله وابنة أبي بكر , وأجدك عالمة ً بأيام العرب , وأنسابها وأشعارها فتقول : وما يمنعني ؟ أبي علاّمة قريش . ولكن إنما أعجب أن وجدتك عالمة ً بالطب , فمن أين ؟ فتُجيب السيدة عائشة , رضي الله عنها , فتقول : يا عُرّية إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر من أسقامه , فكان أطباء العرب والعجم يصفون له فتعلّمت ذلك . قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - ما أشكل علينا - أصحاب رسول الله - حديث قط , فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما ً ( أخرجه الترمذي ) قالت عائشة رضي الله عنها : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي , والحبشة يلعبون بالحِراب في المسجد , وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم , ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف , فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن , الحريصة على اللهو . |
شأن الإفك : كان في غزوة بني المصطلق سنة 6 هـ . عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد سفرا ً أقرع بين نسائه . فأقرع في غزوة بني المصلطق فخرج سهمي , فخرجت معه بعدما نزل الحجاب , وأنا أُحمل في هودج ٍ , وأُنزل فيه , فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل , ودنونا من المدينة , آذن ليلة ً بالرحيل , فقمت حينئذ ٍ , فمشيت حتى جاوزت الجيش . فلما قضيت حاجتي , أقبلت إلى رحلي , فإذا عَقْد لي من جَذع ظَفَار قد انقطع , فالتمسته , وحبسني التماسه , وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي , فاحتملوا هودجي , فرحلّوه على بعيري وهم يحسبون أني فيه , وكانت النساء إذ ذاك خِفافا ً لم يُثقلهن اللحم , إنما يأكلن العُلقة من الطعام , فلم يستنكروا خِفة المَحْمِل حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن , فبعثوا الجمل وساروا , فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش , فجئت منازلهم وليس بها داع ٍ ولا مجيب , فأممت منزلي الذي كنت فيه , وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ّ فبينا أنا جالسة غلبتني عيني , فنمت . وكان صفوان بن المُعطَّل السُّلمي , ثم الذكواني من وراء الجيش , فأدلج , فأصبح عند منزلي , فرأى سواد إنسان نائم ٍ , فأتاني , فعرفني حين رآني , وكان يراني قبل الحجاب , فاسترجع , فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت . فخمّرت وجهي بجلبابي , والله ما كلمني كلمة ً , ولا سمعت منه كلمة ً غير استرجاعه , فأناخ راحلته , فوطئ على يديها فركبتها , فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين ( شدة الحر ّ ) في نحر الظهيرة , فهلك من هلك في َّ وكان الذي تولى كِبر الإفك عبدالله بن أُبي بن سلول . |
فقدمنا المدينة , فاشتكيت شهرا ً , والناس يُفيضون في قول أهل الإفك , ولا أشعر بشيء ٍ من ذلك , ويَريبُني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي , إنما يدخل علي ّ , فيسلّم , ثم يقول : ( كيف تيكم ؟ ) . ثم ينصرف ( فذلك الذي يربيني ) ولا أشعر بالشر ّ , حتى خرجت بعدما نقهت , فخرجت مع أم مِسطَح قبل المناصع , وهو مُتبَّرزنا . وكنا لا نخرج إلا ليلا ً إلى ليل , وذلك قبل أن تُتَّخذ الكُنُف قريبا ً من بيوتنا , وأمرنا أمر العرب الأول من التبرُّز قبل الغائظ , وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا . فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف , وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أُثاثة بن المطلب , فأقبلت أنا وهي قِبل بيتي , قد فرغنا من شأننا , فعثرت أم مِسطح في مِرطها , فقالت : تعس مسطح , فقلت لها : بئس ما قلت ! أتسبين رجلا ً شهد بدرا ً ؟ قالت : أي هَنْتاه , أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما ذاك ؟ فأخبرتني الخبر , فازددت مرضا ً على مرضي . فلما رجعت إلى بيتي , دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلّم , ثم قال : ( كيف تيكم ؟ ) فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ وأنا حينئذ ٍ أريد أن استيقن الخبر من قِبلهما , فأذن لي , فجئت أبوي , فقلت : يا أمتاه , ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوّني عليك , فوالله لقلّما كانت امرأة وضيئة عند رجل ٍ يحبّها لها ضرائر إلا كثّرن عليها , فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ٍ , ثم أصبحت أبكي , فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد , حين استلبث الوحي , يستأمرهما في فِراق أهله , فأما أسامة , فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله , وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود ّ , فقال : يا رسول الله , أهلك ولا نعلم إلا خيرا ً . وأما علي ّ فقال : لم يُضيّق الله عليك والنساء سواها كثير , واسأل الجارية تصدقْك , فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بُريرة , فقال : أي بريرة , هل رأيت من شيءٍ يريبك ؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق , إن رأيت عليها أمرا ً أغمِضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ّ , تنام عن عجين أهلها , فيأتي الداجن فيأكله . |
فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستعذر من عبدالله بن أُبي بن سلول ( رأس المنافقين ) فقال وهو على المنبر : ( يا معشر المسلمين , من يعذِرُني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي , فوالله ما علمت على أهل بيتي إلا خيرا ً , ولقد ذكروا رجلا ً ما علمت عليه إلا خيرا ً , وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) . فقام سعد بن معاذ , فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه , إن كان من الأوس , ضربت عنقه , وإن كان من إخواننا من الخزرج , أمرتنا , ففعلنا أمرك . فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج , وكان من قبل رجلا ً صالحا ً , ولكن احتملته الحمية , فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعَمْر ُ الله , لا تقتله , ولا تقدر على قتله . فقام أُسيد بن حُضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال : كذبت لَعَمْرُ الله لنقتلنّه فإنك منافق تُجادل عن المنافقين . فتثاور الحيّان : الأوس والخزرج , حتى همّوا ان يقتتلوا , ورسول الله صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر , فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت . قالت : فبكيت يومي ذلك وليلتي , لايرقأ لي دمع , ولا أكتحل بنوم ٍ , فأصبح أبواي عندي , وقد بيكت ليلتين ويوما ً لا أكتحل بنوم ٍ ولا يرقأ لي دمع , حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي . فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي , استأذنت علي ّ امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي , فبينما نحن على ذلك , دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلّم , ثم جلس , ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل , ولقد لبث شهرا ً لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت : فتشهد ثم قال : ( أما بعد , يا عائشة , فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا , فإن كنت بريئة ً , فسيُبرِّئُك الله , وإن كنت ألممت بذنب ٍ فاستغفري الله , وتوبي إليه , فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب , تاب الله عليه ) . فلما قضى مقالته : قَلَص دمعي حتى ما أُحس ُّ منه قطرة ً , فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال , قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله , فقلت لأمي : أجيبي رسول الله , فقالت : ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت وأنا يومئذ ٍ حديثة السن لا أقرأ كثيرا ً من القرآن : إني والله لقد علمت , لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر َّ في أنفسكم , وصدّقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدّقوني بذلك , ولئن اعترفت لكم بأمر ٍ , والله يعلم أني بريئة لتُصدقني . والله ما أجد لي ولكم مثلا ً إلا قول أبي يوسف : ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18) ) يوسف . ثم تحوّلت , فاضطجعت على فراشي , وأنا أعلم أني بريئة , وأن الله تعالى يُبرئني ببرائتي , ولكن والله ما ظننت أن الله يُنزل في شأني وحْيا ً يُتلى , ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في ّ بأمر ٍ يُتلى , ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله , في النوم رؤيا يُبرئني الله بها . قالت : فوالله ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا خرج أحد من أهل البيت حتى نزل عليه الوحي , فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات ٍ , من ثقل القول الذي ينزل عليه , فسُري عنه وهو يضحك , فكان أول كلمة ٍ تكلم بها : ( يا عائشة , أما والله لقد برأك الله ) , فقالت أمي : قومي إليه . فقلت : والله لا أقوم إليه , ولا أحمد إلا الله . وأنزل الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) ) النور . |
فلما أنزل الله هذا في براءتي , قال أبو بكر وكان يُنفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا ً أبدا ً بعد الذي قال لعائشة . فأُنزلت الآية : ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ) النور قال : بلى والله , إني لأحب أن يغفر الله لي , فرَجع َ إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه , وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ً . قالت : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب بنت جحش عن أمري , فقالت أحمي سمعي وبصري , ما علمت إلا خيرا ً وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع , وطفقت أختها ( حمنة ) تُحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك . وقالت عائشة - رضي الله عنها - لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصة التي نزل بها عذري على الناس نزل فأمر برجلين وامرأة ٍ , ممن تكلّم بالفاحشة عن عن عائشة , فجُلدوا الحد ّ . |
وفي مسند أحمد بن حنبل عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كنا بـ ( تربان ) - بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال , وهو بلد لا ماء به , وذلك من السَّحر , انسلّت قلادة من عنقي , فوقعت , فحُبس علي ّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - لالتماسها حتى طلع الفجر , وليس مع القوم ماء , فلقيت من أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف . وقال : في كل سفر ٍ للمسلمين منك عناء وبلاء , فأنزل الله الرخصة في التيمم , فتيمم القوم , وصلّوا . قالت : يقول أبي حين جاء من الله الرخصة للمسلمين : والله ما علمت يا بنية إنك لمباركة , ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر . - عن هشام بن عروة عن أبيه , عن عائشة رضي الله عنها قالت : سابقني النبي ّ صلى الله عليه وسلم - فسبقته ما شاء , حتى إذا رهقني اللحم , سابقني , فسبقني , فقال : ( يا عائشة هذه بتلك ) . - عن عاصم بن كليب , عن أبيه قال : انتهينا إلى علي ّ - رضي الله عنه - فذكر عائشة , فقال : خليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وعن عمارة بن عمير عمن سمع عائشة : إذا قرأت : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) ) الأحزاب بكت رضي الله عنها حتى تبل ّ خمارها . ندما ً على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل . |
وفاة رسول الله , صلى الله عليه وسلم : مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أواخر شهر صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة وبقي في مرضه ثلاثة عشر يوما ً ولما تعذّر عليه الخروج للصلاة , قال : ( مروا أبا بكر فليُصل ّ بالناس ) . ونالت السيدة عائشة , رضي الله عنها , شرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم , وتمريضه في الأيام الأخيرة من حياته , فما إن شعر صلى الله عليه وسلم - بالمرض حتى أخذ يسأل : ( أين أنا غدا ً ؟ أن أنا غدا ً ) حرصا ً على بيت عائشة , رضي الله عنها واستأذن عليه الصلاة والسلام , زوجاته أن يمّرض في بيت عائشة , فأذِن َّ له أن يكون حيث أحب ّ . قالت عائشة - رضي الله عنها - : مات - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي كان يدور علي فيه , وهو يوم الاثنين , فقبضه الله عز ّ وجل , وإن رأسه لبين سحري ونحري وخالط ريقه ريقي . رواه البخاري . وبينت السيدة عائشة رضي الله عنها , كيف خالط ريقه ريقها , فقالت : إن من نعم الله علي ّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتي , وفي يومي , وبين سحري ونحري , وأن الله جمع بن ريقي وريقه عند موته , دخل أخي عبدالرحمن وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته ينظر إليه , وعرفت أنه يحب السواك , فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم , فتناولته , فاشتد ّ عليه , وقلت : أليّنه لك ؟ فأشار برأسه نعم , فلينته , وبين يديه ركوة , أو علبة فيها ماء , فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه , ويقول : ( لا إله إلا الله , إن للموت سكرات ) . ثم نصب يده فجعل يقول : ( إلى الرفيق الأعلى ) حتى قبض ومالت يده . متفق عليه واللفظ للبخاري وبقيت عائشة - رضي الله عنها - في هذه المرحلة التي مرت بها رابطة الجأش على الرغم من شدّة سكرات الموت التي عاناها صلى الله عليه وسلم , حتى كانت تقول : ( مات رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي - أي على صدرها فلا أكره شدة الموت لأحد ٍ بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري واللفظ للنسائي . ومن ثباتها وهدوء نفسها أنه عندما اشتد ّ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم , كانت تقرأ المعوّذات وتنفث عليه وتمسح بيده لأنها تذكرت أنه صلى الله عليه وسلم , كان إذا مرض فعل ذلك بنفسه . صحيح البخاري |
قالت عائشة - رضي الله عنها - لما قُبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر عند امرأته حبيبة بنت خارجة بـ ( العوالي ) فجعلوا يقولون : لم يمت النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي , فجاء أبو بكر , فكشف عن وجهه , وقبّل بين عينيه , وقال : أنت أكرم على الله أن يميتك مرتين , قد مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر في ناحية المسجد يقول : والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس ٍ من المنافقين كثير , وأرجلهم , فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصعد المنبر فقال : من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد مات , ومن كان يعبد الله فإن الله حي ٌّ لا يموت , ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) ) آل عمران . قال عمر : فكأني لم أقرأها إلا يومئذ ٍ . توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى يوم الا ثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول , السنة الحادية عشرة للهجرة , ودُفن في حجرة عائشة . رضي الله عنها , في المكان الذي توفاه الله فيه , فوقع في حجرتها القمر الأول , وكانت رضي الله عنها قد رأت في نومها كأن ثلاثة أقمار ٍ سقطن في حجرتها , فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن صدقت رؤياك دُفن في بيتك ثلاثة من خير أهل الأرض . فلما مات النبي ُّ صلى الله عليه وسلم , قال لها أبو بكر : خير أقمارك يا عائشة , ودُفن في بيتها أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وكان عمرها , رضي الله عنها , عشرين سنة . وفاة عائشة رضي الله عنها : مرضت عائشة , رضي الله عنها في شهر رمضان سنة 58 للهجرة , واشتد ّ عليها المرض , وتوفيت رضي الله عنها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من شهر رمضان , وصلّى عليها أبو هريرة , رضي الله عنه , ودُفنت في البقيع حسب وصيّتها في الليلة نفسها التي ماتت فيها بعد صلاة التراويح والوتر , وقد بلغت من العمر السابعة والستين ( 9 قبل الهجرة - 58 للهجرة ) . وصدق الله تعالى إذ يقول : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ (6) ) الأحزاب المرجع : كتاب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لـ محمود شاكر . |
الساعة الآن 02:15 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.