منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   يوتوبيا الشياطين.......... (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=15499)

عمرو مصطفى 12-29-2014 03:30 PM

يوتوبيا الشياطين..........
 
تمهيد




لقد تعلمت أن الرجل الحقيقي هو الذي يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ..ولقد صمت طويلاً .. وأرى أنه قد حان الأن وقت الكلام ..


***

أنا اللواء متقاعد مجدي محمد سليمان ..
حينما كنت ضابطاً صغيراً في الخمسينيات كلفت بالخدمة في قرية كفور الصوالح إحدى قرى الوجه البحري..وكان هذا النفي بالنسبة إلي نفياً زمانياً أكثر منه نفياً مكانيا... لأن القرى في ذلك الوقت كانت بكراً لم تفض بكارتها معاول الحضارة بعد..ولا تندهشوا إن صارحتكم أنني كنت سعيداً بهذا النفي لأسباب غريبة بعض الشئ ستعرفونها لاحقاً لكنني وقتها كنت أتظاهر بالعكس تماماً ..
وقتها نظرت لرئيسي المباشر وأنا أحاول كتمان مشاعري
الحقيقية ..ثم قررت أن أتكلم :
- أتمنى أن أكون مفيداً هناك أكثر من طائر أبو قردان ....
شاعت على ثغر الرئيس شبح ابتسامة مقيته وهو يقول :
- لاتغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك ....
- لصوص الماشية والدجاج .. إن لم تخني الذاكرة ....
- قد يكون هذا ترف مبالغ فيه ..
ووقع لي على جواب تحويلي ثم رفع عينيه إلى وقال :
- لا تنس إبلاغ سلامي إلى والدك سيادة اللواء..
كان والدي لواءً متقاعداً له تاريخه الحافل في سجل الشرطة ورئيسي كان يوماً من تلامذته ..ومن يدري ربما أرسله والدي الموقر يوماً ما إلى نفس تلك القرية التي سأرحل إليها وهو اليوم يرد الجميل لوالدي ..شكرته على النفي بحرارة ادهشته.. لكن وقت الادعاء قد فات وحصلت على توقيعه وصرت أنتمي إلى هناك ..وقمت لألملم أوراقي وانصرفت دون تحية لأنني لم أكن ارتدي الزي الرسمي ..لكن من الغد سأعود للزي الرسمي ..وليس
أي زي رسمي ..إنه زي الأقاليم الكاكي الذي يذكرني بكاسترو ...
كنت في تلك الفترة التي تلت ثورة يوليو مفعماً بالأفكار الثورية مقبلاً على كتب اليسار .. أظن أن العالم ما هو إلا كوكباً من القرود بحاجة إلى ترويض وأنا ومن هم على شاكلتي الأدميون على الحقيقة والمروضون الفعليون لهذا الكوكب البائس
الناس ما هم إلا ألات .. بل تروس..بعضهم مجرد ترس في ألة عملاقة الكل يعمل من أجل الكل الكل يمكلك ما يملكه الكل ..إنها الشيوعية يا صاحبي في خضم مجدها وإن قلمت أظافرها وإن شئت قل مخالبها ..لتصير إشتراكية ... لأن بلادنا التي مازالت تحتفظ بتراثها القديم لم تكن لتقبل الشيوعية في صورتها الفجة لكنهم شربوا الاشتراكية حتى النخاع حتى صارو يعتقدونها ديناً لكنني لم أكن شاباً جامعياً ولا كاتباً صحفياً ولا حتى أديباً ألمعياً كنت ضابط شرطة عمله ينحصر في ضبط الأمن ومطاردة الجريمة وإن كنت أثق اننا نتبع الأسلوب الخاطئ ..هناك جريمة لأن هناك تفاوت ..هناك جريمة لأنه لا توجد مساواة .. وحينما تطبق الشيوعية البحتة لن تكون هناك جريمة ولن نحتاج لشرطي أصلاً... مازال مجتمعنا تفصله مفاوز وقفار حتى يصل إلى اليوتوبيا الكاملة ..المدينة الفاضلة كما يطلقون عليها من باب التمويه على العوام المتدينين لكنني أعرف كغيري ممن تتلمذوا على أفكار ماركس حقيقة اليوتوبيا وأحيا من أجلها .. ما أجمل الحياة من أجل هدف ..
حتى وإن كان في نظر البعض تجديف وإلحاد ..وكثيرا ما كنت اتخيل الرفيق كارل ماركس اليهودي المرتد وهو يشد على يدي مشجعاً ويقول :
- أنت ..أنت ..
فأقول له في تواضع :
- مجتمعنا صعب المراس ..والطريق شاق وطويل ..
- قطرات الماء تفتت الصخر ولو بعد حين ..

***

وحينما حملت حقيبة السفر ووقفت على باب المنزل استعداداً للخروج من عالم المدنية ومستقبلاً ذلك العالم الجديد البكر الغامض الملوث بروث الماشية ورائحة الحقول جاءت أمي لتطبع قبلة على خدي الأيمن ولتلقنني أدعية السفر..
وأغلق والدي المصحف الذي يقرأ منه ونظر إلى نظرة فاحصة.. كم أخشي تلك النظرة البوليسية المتهمة التي لم تفارقه حتى بعد الخروج على المعاش ..يقولون انني ورثت نفس تلك النظرة .. وهذا كان مما يثير رعبي أكثر ...
والدي من النوع المتدين بالأخص بعد المعاش ووالدتي كانت تبعاً لوالدي وسطوة الأسرة كانت أقوى من محاولتي الأنفصال عنهم ..والزواج على طريقتهم يعني الخروج من قيد إلى قيد ربما يكون أشد ..دعك من كوني لا أجد في الفتيات المرشحات ما يناسبني ..كنت أريد فتاة من نوع خاص وهم يأتونني بالنوع المثقف الذي تقترب أفكاره من أفكاري وهذا هو ما كنت أرفضه ولا أصرح به ...لماذا ؟ ربما تعرفون قريباً ...
- قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..
أغمضت عيني متوقعاً العطية التقليدية في مثل تلك المناسبات .. وسرعان ما دس أبي المصحف المزركش في يدي التي مددتها له مصافحاً وعانقني في قوة كعادته كأنما يصارعني وهمس في أذني:
- حاول أن تثبت أنك أبني حقا ..
- ألم تثبت هذا في شهادة ميلادي ..؟
ابتسم لدعابتي وهو يداعب وجنتي بأنامله الخشنة وقال وهو يحاول أن يداري مشاعره :
- أنت تذكرني بنفسي حينما خدمت لأول مرة في الصعيد ..كانت أيام ..لكنك أفضل حظاً من والدك ..أكتفو بنقلك لقرية من قرى الوجه البحري ..
- الحقيقة لا اجد فارقاً ..ربما الفارق الوحيد في المسافة ..لكن كل القرى تتشابه .
هنا تذكرت والدتي موضوعها الأثير الذي لا تجيد الحديث في غيره وذكرتني بواحدة من أولئك الفتيات المنتقيات بعناية لتتناسب مع شخص مثقف مثلي ..ربما كان اسمها سوزان أو سوسن لم أعد أذكر جيداً من كثرة الأسماء .. المهم انني وعدتها حينما أخذ أول أجازة ان اذهب معها للقاء ثريا هذه ....هنا صاحت مستنكرة :
- أسمها كاميليا ..
قلت لها في دهشة مصطنعة :
- كاميليا ..!! ولماذا لم تحدثيني عنها من قبل ؟
اتسعت عيناها في دهشة وقد صدقت كلامي كالعادة لابد انها الان تلوم نفسها ألف مرة ..
قلت لها :
- على العموم إن شاء الله حينما أعود مع اول أجازة سنذهب سوياً إلى فانيليا..
- كاميليا ...
- سأردد الأسم طوال الطريق حتى لا انساه ..
هنا تدخل والدي قائلاً في جدية :
- دعيه حتى لا يتأخر على ميعاد القطار ..
هنا وكأن والدي قد ضغط على زراً خفياً في نفسها بدأ صوت أمي يتهدج منذرا بهطول الأمطار الساخنة ..وكان على ان انصرف لأن هذه العائلة تذكرني بأنني مازلت أملك قلباً يرق وعين تزرف العبرات .. الكل ترس في ألة الكل يعمل من أجل الكل ..لا أسر لا روابط ..هكذا كانت تدوي في أذني التعاليم التي تلقنتها من كتب اليسار...
ونظرت للمصحف الذي حصلت عليه اليوم قبل أن أغلق حقيبة السفرعليهما وأسترخي في مقعدي بالقطار ..كان يمكنني التخلص منه بشتى الطرق لكن شيئاً ما وقف حاجزاً بيني وبينه .. ولم احاول كثيراً ان أفسر ذلك الحاجز ..وقلت هو ربما ذلك الرهاب الذي زرعوه فينا منذ الصغر ..ربما ..وهدرت محركات القطار وعلا الضجيج .. بشر ..بشر .. تروس عديدة تمر بجوار نافذة القطار ..تروس تتكلم ..تروس تشتكي تروس تتشاجر وتتبادل السباب .. وأغمضت عيني ورحت في نوم عميق ..تخللته احلام عن عالم ملئ بالحقول والمحاريث والروث وأبراج الحمام ..

***

يتبع إن شاء الله.

عمرو مصطفى 12-29-2014 03:35 PM

(1)

تلك القرية


النقلة الحضارية كانت مذهلة بحق ..لقد عدت للوراء عدة قرون .. لا عشرات الكيلومترات ..
تشممت الهواء النقي الذي يدغدغ رئتي وأنا أتامل عالمي الجديد
من نافذة سيارة النقطة التي تنهب الأرض مثيرة خلفها عاصفة من الأتربة ..
القرية المصرية الأصيلة كما يقول الكتاب.. الحقول والقنوات التى تغذيها كالأوردة والفلاحين محنيو الظهور يقلبون الأرض بالفؤوس القصيرة ..البيوت الطينية المتناثرة هنا وهناك .. الأطفال الملوثين بالأوحال والخولي العتيد الذي يركب الحمار ويرتدي طربوش على منديل قماش أصفر ينسدل على كتفيه يتقي به حر الشمس وهو يزعق في هذا وينهر هذا ...
والكل ينظر لسيارة النقطة التي استقلها بنوع من الرهبة والتوقير
ورفع الأكف لتحيتنا بطريقة عسكرية مضحكة.. هنا قطع أفكاري صوت الشويش ديريني الذي يقود سيارة النقطة حيث قال وهو يرسم على وجهه الصخري أشنع ابتسامة يمكنك أن تراها واهتز شاربه الذي يقف عليه طائر الرخ :
- نورت كفور الصوالح يا فندم ..
أومأت له برأسي في غير اكتراث وسألته وأنا أرمق أبراج الحمام:
- هل هناك غيرك في النقطة ..؟
- الشويش عبد الرحيم يا افندم ..لكنه في أجازة يا افندم..
نقطة قوتها مكونة من ثلاثة أفراد .. تحمي قرية تعدادها حوالي خمسمائة نسمة .. كان ذلك نوع من الترف المبالغ فيه ..هبطنا من سيارة النقطة وجرى دريني ليحضر حقائبي على حين وقفت واضعاً كفيا في خاصرتي أتأمل نقطة كفور الصوالح..مقر عملي ومقر اقامتي كذلك ..مبنى حكومي بائس مدهون بالجيرمن طابقين الطابق الأرضي هو النقطة الفعلية والطابق الثاني غرفة الاستراحة ومقر الضباط القادمين من محافظات أخرى مثلي .. وجاء دريني مهرولاً بحقائبي ليبدأ سلسلة من التعارف بيني وبين النقطة ..
الرفيق ديريني لا يكف عن الثرثرة بعبارات الترحيب التي يجيدها القرويين والتي لا أدري من أين يأتون بها .. لكل كلمة رد مناسب منمق كنت بحاجة لمفكرة أكتب بها مصطلحات الرفيق ديريني التي قد أحتاج إليها يوم ما ..كنت منهكاً من الرحلة فأمرته أن يضع حقائبي وينصرف لحاله .. تأملت الاستراحة التي صارت مقري الدائم هنا في كفور الصوالح فراش عليه ملاءة مليئة بالرقاع والبقع البنية والصفراء وخزانة ثياب تشبه توابيت مصاص الدماء بجوارها ستارة يبدو أنها تداري وراءها مطبخ أو جثة متعفنة لعلها سبب تلك الرائحة ..هناك نافذة تشبه نوافذ الزنازين تطل على الحقول الممتدة إلى مالا نهاية الرائحة كانت تدير رأسي حتى أنني بحثت عن الدلو العتيد الذي يضعونه للمساجين لقضاء حاجتهم .. فلم أجد فتنفست الصعداء .. لم يصل الأمر لهذا الحد بعد ..لكن ..إذا لم يكن هناك دلو فأين الحمام إذن..؟
نظرت في ذعر للبقع الصفراء التي تلطخ ملاءة السرير .. وهززت رأسي مستبعداً الفكرة المقززة ..جلست على المقعد المجاور للفراش يبدو أنه يستعمل كأريكة للاستلقاء والاستمتاع بقرص الناموس والبراغيث في الليالي المقمرة ..وتأملت الستارة التي تغطي شئ ما وراءها ..ترى هل هذا هو المطبخ أم ..مددت يدي إلى الستارة بجوار الفراش وأزحتها ثم أطلقت شهقة فرح عارمة ..
لقد وجدت الحمام يا سادة ...

***

ولقد جاء هذا الكشف في وقته تماماً... والكشف التالي كان بعد عدة أيام وجاء صادماً ..

الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ولعلك بحاجة إلى قطعة من الطباشير كي تميز بها بين الأيام التي تترى .. كل شئ يتكرر بحماس منقطع النظير ..حتى المشاكل التي قد تدخل في نطاق عملك .. نفس المشاكل ونفس الوجوه ونفس الإدعاءات ونفس النهايات .. في النهاية يتعانق الفلاحان المتشاجران وهما يلعنان الشيطان الذي أوقع بينهما .. وتجد نفسك مضطراً لتمزيق المحضر بدلاً من تمزيقهما وأنت تردد من بين أسنانك : الأيام في كفور الصوالح تشبه بعضها بعضاً كحبات الخرز في مسبحة ..
حتى دعوات عمدة القرية هي سلسلة من الدعوات الروتينية المليئة
بأصناف الطعام الدسم الذي يعطيك نفس إحساس البنج ..وتتسائل كيف يستطيع هؤلاء الحركة بعد كل هذا الدسم .. العمدة كان عبارة
عن خمس عمد تم حشرهم في جبة وقفطان ..ومع ذلك كان خفيف
الحركة والروح كذلك وهو كسائر أهل القرية طيب القلب لكنهم
يهابونه هنا بشدة ويتحاشون النظر إليه ..

وفي المساء أعود للنقطة متخماً لأنصت على ضوء القمر إلى حكايات الديريني التي يصدع بها رأسي وهو يصب لي الشاي الأسود القاتل ..لكنها تبدو كذلك كحكاية واحدة تتم روايتها في كل مرة بشكل مختلف ..
وهي في غالبها تتراوح بين حكايات النداهة التي جعلت خاله يجن ويلقي بنفسه في الرياح .. وعن خاله مرة أخرى الذي قابل جنية يوما عند الرياح وهو عائد من الحقل ..و لعله بدا لها فاتناً وهو عائد من الحقل ملطخاً بالطين لأنها عرضت عليه الزواج ..قلت له وأنا أرشف رشفة قوية من الشاي الأسود القاتل :
- خالك جن من النداهة ؟ أم عرضت عليه الجنية الزواج ...؟
- لا لا .. يا فندم ..خالي الذي جن غير خالي الذي عرضت عليه الجنية الزواج ..أنا لي أربع أخوال ..
- وكلهم حمقى ..؟
نظر لي مفكراً في بلاهة كأنما يجري عملية حسابية لعدد الحمقى في عائلته ثم قرر أخيراً أن ينفجر ضاحكاً على دعابتي بافتعال لا شك فيه وهو يثني على خفة دمي التي لم يعهدها مع الضباط السابقين الذين خدموا في القرية ..ثم عاد ليذكر لي حكاية عمه الذي مات ثلاثة أيام ثم عاد للحياة من قبره ..
وهكذا يأتى الديريني على كل أقاربه فلم يبق منهم أحداً لم تخطفه جنية الرياح أو جن بسبب النداهة أو اشتعل به الحمام لأنه قرر شرب الدخان وإلقاء عقب السيجارة في الحمام فوقع على قفا أحد الجان ..
هذه الحكاية بالذات جعلتني أخشى حمام غرفتي وأفكر جدياً في أستعمال الدلو كبديل مؤقت ..

تباً لذوق القرويين ..
أي تسلية تلك في ليل الحقول التي تترامى أمامك بلا نهاية حيث تلعب الظلال لعبتها الأبدية ..
لم أكن أومن بتلك الأشياء لكنني لم اتخلص بعد من موروثات الخوف الطبعي الأولي الذي ورثناه عبر القرون ..
الخوف ..الخوف ..ذلك الشئ الأبدي الذي لا مفهوم له يتحرك تحت جلدك محدثاً القشعريرة الشهيرة ويتحول جلدك لجلد أوزة .. وينتصب الشعر في مؤخرة رأسك .. تباً لك يا ديريني الكلب ...
وأخذت أذرع غرفتي جيئاً وذهاباً وأنا أقرأ في كتب الشيوعية والماركسية بصوت مسموع ..كنت أول من استعمل تلك الكتب بحسب علمي في طرد الجن والأرواح ..جن وأرواح ..!!
لكنني لا أومن إلا بالمادة التي لها وزن وكثافة .. هنا ظهر لي ماركس بثيابه التي لا تمت لواقعنا بصلة وكان يرغي ويزبد :
-

هل جئت ههنا لتغير أم لتتغير ..
توقفت في منتصف الغرفة متسائلاً :
-

بماذا تنصحني إذن كي اتغلب على مخاوفي ..
أشار عبر النافذة إلى الحقول المترامية وقال في حزم :
-

تحدى الخوف ..
وتسمرت عيناي على النافذة المطلة على الحقول الانهائية ..
ولم لا ..

***

من الذي يخشى الحقول في الليل ..؟
من قال أن الحقول تخيف في الليل .. ؟ ها أنا ذا أسير وسط الحقول الممتدة إلى ما لا نهاية ..
أنا لا أخشى شيئاً ..مجدي سليمان لا يخشى أساطيركم يا أهل كفور الصوالح .. صوت صرصور الغيط ونقيق ضفادع القنوات كأن لسان حالها يتسائل عن ذلك الأحمق الذي يظن نفسه ليس كذلك .. القمر يشرف على المشهد ويضفى عليه لمسة ساحرة .. فلولاه لصارت الرؤية مستحيلة ههنا ..لاشئ سوى صوت صرصور الغيط ونقيق الضفادع ..
هل هذا هو كل مالديك يا كفور الصوالح .. ؟ صراصير وضفادع ..
أين شياطينك ونداهتك وعنقائك إن كنت تعرفين شيئا كهذا ..؟
أين ذلك الأحمق ديريني ليرى أن ...
أعووووووووووووووووو ..
ازدرت لعابي متحسساً مسدسي الميري القابع تحت أبطي ..ذئاب !
هذا هو التجديد الحق يا كفور الصوالح ..حقول بدون ذئاب مثل صحراء بدون عقارب .. هنا سمعت صوت حفيف ..توقفت.. فعلاً صوت الحفيف قادم من هذه الجهة .. و ..و رأيته .. مشكلة تلك الكلاب السوداء التي تبرز لك من بين الحقول .. مشكلة حينما تظهر ومشكلة حقيقية حينما تختفي كانها لم تكن هنالك .. عقلي عجز عن التفسير لكن فيما بعد رجحت أنه خداع بصري ناتج عن الخوف الطبعي ..لكن قل لي هل جربت الهرولة في الليالي المقمرة وسط الحقول ..؟
إذن فاتك الكثير يا رفيق .. أنا جربت ..جربت جداً
وشعرت أنني سأصاب بالذبحة الصدرية لو لم اتوقف عن الجري..لابد أن أتوقف ..حتى صرخات كارل ماركس لم تجعلني اتوقف ..المشكلة يا رفيق في كيفية إقناع ساقيا بالتوقف ..؟
مرت دقائق كأنها ساعات وأيام وسنوات لعل الشيب انتشرفي شعري وانا أعدو كالمجانين ..أخيراً قررت ساقيا الاستجابة والتوقف ..هنا لمحته قادماً من الاتجاه المقابل .. كان الشويش ديريني قادماً ومعه كلوب في يده اليمنى ومعلقاً بندقية على كتفه وعلى وجهه أثار النوم ولما لمحني واقفاً ألهث صاح في جزع :

- خير يا فندم ..لقد لمحتك وأنت تتجه بمفردك للحقول ..هل حدث لك مكروه ..؟
قلت له بأنفاس متلاحقة :
- لا شئ يا ديريني .. كنت أقوم بجولة ليلية ..
- بمفردك يا فندم ..هذا خطر جداً ..
قلت في شمم :
- أنت لم تعرفني بعد يا ديريني ..
ثم تحركت في تؤدة متجهاً جهة اليسار فصاح بي ديريني :
-

الطريق من هنا يا فندم ..
قلت له في شمم :
-

تمويه يا غبي ..
كانت هذه ليلة استثنائية من ليالي كفور الصوالح ..كسرت فيها حاجز الملل ..وتصورت أنني سأعود مرة أخرى لرتابة أيامي
وكنت واهماً .

***


يتبع إن شاء الله

زياد القنطار 12-29-2014 04:48 PM

على أهبة شغف نتابع
نسبر معك غور كفور الصوالح ...
نلتقي عند اكتمال العمل .
خالص التقدير

خالد العاطفي 12-29-2014 06:57 PM

رائع جدا متابع معك
بشغف ايضا ،،
ننتظرك
،،

فاطمة جلال 12-29-2014 07:33 PM

الأديب الراقي عمرو مصطفى

وإننا على موعد مع الجمال والابداع

في انتظار جديدك ان شاء الله


عمرو مصطفى 12-30-2014 11:18 AM

(2)

تلك الفتاة


حسناً كنت أقول أن الأيام في كفور الصوالح تتشابه كحبات خرز في مسبحة ..
لذا في الأيام التالية – رغبة في كسر حاجز الملل - كنت أذهب في ساعات مبكرة للصيد عند أطراف القرية حيث تنشط الطيور البرية وحيث أنني أحضرت معي بندقية الصيد من القاهرة ..
وفي مرة من المرات كدت أفقا عين فلاحة من الفلاحات برصاصة طائشة ..ولا تسألني كيف أخطات الطائر الذي في السماء وكدت أصيب تلك الفلاحة على الأرض هذة أشياء تحدث ..صدقني ..
كان صدى الطلقة يتردد في نفس الوقت الذي كانت الفتاة تصرخ وتولول وتلطم خديها معتقدة أن الطلقة أصابتها في مقتل.. صبراً يا حمقاء لقد كدت تقتليني رعباً ..لكنها هيستريا النساء في أوجها ..
- أهدئي يا ..... الطلقة لم تصبك ..
تحسست جسدها بحركة هستيرية سريعة ثم فوجئت بها تتغير مائة وثمانون درجة ..الهرة الخائفة تحولت لنمرة شرسة ..كانت تتوعدني بالويل والثبور وعظائم الأمور وأنني لو مسستها فلن أجد مكان في القرية يحول بيني وبين انتقام أهلها ..كان يمكنني إسكاتها بمجرد الإعلان عن هويتي لكنني لسبب ما كنت مستمتعاً بشراستها .. قلت لها بتهذيب :
- دعيني أصحح خطئي ..
- كيف ..؟
- سأتزوجك ..
بالطبع صدمتها عبارتي الساخرة و تورد خداها خجلاً وهي تلوح بكفها في وجهي متهمة إياي بقلة الحياء .. وأن أهلها سيحولوني إلى (كفتة) لو علموا ما حصل مني .. قلت لها في بساطة متجاهلاً ثورتها :
- مالذي أتى بك ههنا ..المكان هنا نائي وخطر بالنسبة لفتاة مثلك ..
- لا شأن لك بي أيها الغريب ..
قالتها في غل وعيناها تقدحان الشرر ..ثم أدركت أنها قد أطالت معي الحديث أكثر من اللازم ً فاستدرات مبتعدة لا تلوى على شئ .. هرة ساذجة كانت ..
- انتظري حتى أوصلك ..؟
- لا شأن لك بي أيها الغريب ..
ووقفت وحدي أردد أسم فاطمة بنت الحاج جابر الصوالحي ..
كأنما ألوك الاسم مستطعماً مذاقه ..المسكينة لم تكن تنتبه إلى أنها أخبرتني باسمها كاملاً ..المسكينة لم تنتبه إلى أنني رامي بارع وأنني لا أخطئ هدفي أبدا ..لقد أصبت هدفي و بمهارة ..

و حملت بندقية الصيد على كتفي وعدت إلى مكتبي بالنقطة مكتفياً بصيد اليوم !!

***

ألم أقل لكم بعد ..؟لقد عاد الشويش عبد الرحيم من الأجازة محملاً بالبط والفطير بالسمن ..وكان عود أحمد وبحق وكالعادة اتوقف بعد اللقمة الثالثة أو الرابعة ولا استطيع تحمل كل هذا الدسم ..هذة مشكلتي مع الفطير بالسمن .. لا أستطيع أن أشبع منه أبداً من فرط الدسم ..الشويش عبد الرحيم نحيل وله شارب ينافس شارب ديريني ..الشارب هنا مهم جداً وبه تقاس رجولتك .. لذا فشاربي المتواضع يجعلني أبدو كمراهق بالنسبة إليهما ..كان عبد الرحيم يسكن في بلدة مجاورة لكفور الصوالح وهو يتناوب الراحات مع ديريني الذي يسكن معه في نفس بلدته لعل اسمها طانطور أو حنطور ..لا أذكر حقيقة .. المهم أن زوجته تجيد صنع الفطير (المشلتت) والبط ..لكن أين البط أيها الوحوش ..؟
- على الغداء يا فندم ..
قالها عبد الرحيم مبتسماً بفم ملئ بالفطير والبيض ..إذن موعدنا مع البط سيكون في وجبة الغداء .. لا فرصة لديك لتناول طعام بيتي ههنا إلا مع نزول أحد الرجلين للراحة ..
وهذا يعني وجبة بيتية كل أسبوع تقريباً .. هذا أفضل من انتظار ولائم العمدة ..
كما أنني لا استطيع طلب أجازة بهذة السرعة ولا أريد حقيقة كما لكم ان تتصورا.. رغماً عن اشتياقي لطعام السيدة الوالدة ونظرات والدي البوليسية المرعبة ..
لابد أن أنفض عن رأسي تلك المشاعر السخيفة فتتهاوى تحت حذائي الميري ...
ووقفت اتأمل قوة النقطة المهيبة .. فخر الجندية .. كانا يفتكان بالفطير بالسمن والجبن بجوار باب مكتبي بكل رضا عن النفس .. ديريني وعبد الرحيم..سأغزوا بكما العالم ..
لكنني الأن كنت بحاجة لإجراء خطوة أولية بخصوص مستقبلي ههنا في كفور الصوالح ..
فاطمة بنت الحاج جابر ..لم أنس الأسم ولا مذاقه الخاص رغم لقيمات الفطير (المشلتت) بالسمن .. لا .. لا تذهب بعيداً من فضلك
أيها الرفيق ماركس فأنا لا أعرف دوراً للقلب الذي أملكه سوى أنه يضخ الدماء ..مجرد طلنبة تضخ الدماء .. فاطمة بالنسبة إلي كانت الفتاة التي أبحث عنها لتصير زوجتي ..وقد وجدتها أخيرا .. فهمت الأن لماذا أبعدت حينما أقحمت القلب في الموضوع ..!! المسألة مسألة زواج فقط يا صاحبي ..نواة لمجتمع اليوتوبيا الذي أحلم به ..
وكنت كذلك بحاجة إلى أن .. أحم ..ألبي نداء الطبيعة ..
لو جاز لي التعبير ولا سبيل لذلك في مجتمعنا سوى بالزواج .. ولما لم يكن من الزواج بد .. فلتكن رفيقتي إذن فتاة قروية من وراء الجاموسة كما يقولون .. نعم يا سادة هذة هي فتاة أحلامي .. لو صح التعبير فمحسوبكم لم يكن يوماً حالماً لكنني أحاول التقريب ..
أريد تلك الفتاة ..تلك الأرض البكر التي لم تحرث بعد .. هذه هي فتاة أحلامي يا سادة ولا تعقيب من فضلكم ...
لست على استعداد للزواج من سوزان أو سوسن .. فلا أريد لزوجتي ان تكون قريبة مني في ثقافتها ..أريد أن يكون بيني وبينها مفاوز وقفار .. أريدها ان تنظر لي دائماً من أسفل لأعلى نظرة انبهار ... هل فهمتم الأن لماذا أنا هنا ..؟

تأكدت أن اسم الفتاة حقيقي وهي بالفعل من أعيان القرية .. قلت لديريني بلهجة حاسمة :
- أريدك ان تذهب للحاج جابر هذا وتعلمه أنني أريد زيارته الليلة..
- خير يا فندم ..؟
حمرت لهً عيناي كي يرتدع فهب واقفاً وأدى التحية قبل أن يستدير منطلقاً إلى بيت الحاج جابر ..
أما أنا فكانت الفكرة المجنونة التي داهمتني واستولت على مقود عقلى تتبلور وتنضج وتأكل كل لافتات التحذير في دهاليز عقلي التي تقول لي : تمهل يا أحمق .. وصيحات ماركس الهادرة المتوعدة تقول لي :
- لم يبق لك سوى أيام في كفور الصوالح ولم تشاهد الفتاة سوى مرة واحدة .. لا تدمر مشروع اليوتوبيا بخطوة متهورة .
لكنني كنت قد اتخذت القرار الذي ستبدأ معه مأساتي في كفور الصوالح ... سأتزوج فاطمة بنت جابر الصوالحي ..
ولتزأر العاصفة .. وصاح ماركس صيحته الأخيرة :
- لقد انذرتك ......

***
وحينما جن الليل توجهت لمنزل جابر الصوالحي أو دواره كما يطلقون عليه ههنا وكان لا يختلف كثيراً عن سائر الدور ..فقط هو انظف قليلاً لأن حظيرة المواشي منفصلة عنه .. ولا يختلف كثيراً من حيث الأثاث ..كنت أجلس في حجرة الضيوف حيث الدكة العتيدة التي تعاقبت عليها أجيال وربما مات عليها العشرات من أجداد جابر الصوالحي .. (الكليم) الرمادي والطست والأبريق النحاسي .. ذكر البط الذي يرمقك في شك وفضول ..قبل أن يعلن عن رأيه فيك وبصراحة : (كوااااااك...) من ثم تكشر له أنت عن أنيابك فيفر مرفرفاً بجناحية وقد تأكد أنك مجنون تماماً ..لا أحد عاقل يفعل هذا مع ذكر بط أبداً ..!!
ثم يظهر أخيراً رب الدار..
هاهو ذا الحاج جابر يمد إلي كفاً ناعمة ليست كسائر الأكف التي صقلتها الفؤوس ..هذا رجل كف عن الشقاء..ملامحه تنبئ بشيء من وسامة مضت وأتت عليها تجاعيد حفرها الزمن بمحاريثه التي لا ترحم.. وتذكرت وجه فاطمة ..الفتاة التي رأيتها بالأمس وجئت اليوم لأطلب يدها .. ترى كيف سيكون رد فعله إزاء طلبي المفاجئ .. ولمحت ركن فمه يختلج وهو يرحب بي ثم صفق بكفيه طالباً واجب الضيافة .. وعاد ينظر إلي نظرة زائغة ..الرجل منزعج جداً من زيارتي ولا يرحب بي البته لكنه مضطر لمراسم الاستقبال والضيافة كما يقتضي الدين والعرف .. وإلا ..فهو يعتبر زيارة ضابط النقطة عمل مشين يهدد سمعته خصوصاً حينما يأتيه بعربة النقطة ..
- خير يا حضرة الضابط .. ؟
فتحت فمي لأتكلم لكن خرتيتاً أدمياً اقتحم الحجرة حاملاً صفحة عليها كوبي شاي ..علمت فيما بعد أن هذا الخرتيت احد ابناء الحاج جابر يدعى مداح ..
- اتفضل شاي ...
قالها الخرتيت وهو يضع الصفحة أمامي فتناولت كوباً وأنا ألعنه في سري ..لقد بعثر الوغد ما قضيت الليل في نسجه من كلمات .. لكن لا بأس ..لنرتجل .. رشفت رشفة من كوب الشاي ..
وانسلت من بين شفتي كلمة :
- جئت بخصوص ابنتك فاطمة ..
كان الحاج جابر يتناول كوب الشاي لكنه لسبب ما قرر التخلى عنه في اللحظة الاخيرة ليسقط على الكليم وينتثر الشاي ورأيته يقف في حدة وهو يردد في جزع :
- فاطمة ...
نظرت له مستغرباً ردة فعله! .. على حين نهض الخرتيت محاولاً إصلاح ما أفسده أبوه لكن هيهات ..اكملت في بساطة متجاهلاً الخرتيت العاكف على تنظيف الكليم والذي صار لونه بنياً – أعني الكليم طبعاً - :
- نعم يا حاج جابر.. فاطمة.. جئت أطلب منك يدها ...
هنا برك الحاج جابر على مقعده واضعا كفه على جبهته متنفساً الصعداء ولعله أطلق سبة أو ما شابه لكن لا استطيع الجزم حقيقة ..كما أن عندي من الأسباب ما يجعلني اتجاهل ردود أفعاله الأن ..
وتوقف ولده عن التنظيف وصاح في بلاهة :
- يد فاطمة أختي ..!!
ابتسمت له في مقت متحاشياً ركله ثم التفت إلى الحاج جابر منتظراً رده ..
أخيراً استجمع الحاج جابر شتات نفسه وبدأ يتكلم عن أشياء فاجئتني حقيقة .. لا أحد يتقدم لخطبة فتاة دون وجود لأهله في الموضوع ..وأسقط في يدي حقيقة .. لقد نسيت أمر الوالد والوالدة تماماً !!.. الأخيرة ستصاب بفالج حينما تعرف أن ولدها فضل قروية على كاميليا ..
كان لابد من إقصاء أبواي من الصورة حتى يتسنى لي اتمام تلك الزيجة ..
وهكذا صرحت للحاج جابر أنني مقطوع من شجرة كما يقولون ..
لكنك يا حاج جابر ستناسب رجلاً .. وليس الرجل من قال هذا أبي ولكن الرجل هو من سيقف إلى جانبك لو فكر ضباط ثورة يوليو في التعرض لأملاكك .. ولم يكن الحاج جابر ليقاوم ..
لو كنا في اليوتوبيا الحقة لكان طلب الزواج شيئاً مشيناً ..
"أيها الرفيق جابر أنا بحاجة لرفقة أبنتك فاطمة لنكون نواة لليوتوبيا ."
"تفضل يا ولدي وهل أجد لابنتي رفيق خير منك .."
"هذا هو العشم يا رفيق جابر لن أؤخرها عليك ..
"لا عليك يا بني ..
لا يوجد رفاق كثر اليوم يمكنك أن تردها وقتما تشاء .."
وهكذا تمضي الأمور دون تعقيدات مجتمعنا الرجعي !!..
لكن ما باليد حيلة ..
- الحقيقة أننا نتشرف بهذا النسب يا سيادة الضابط ..لكن علينا أن نأخذ رأي البنت أولاً ..

- بلاشك يا حاج جابر ..تفضل تفضل ...
وابتسمت في خبث .. كنت أحاول تخيل رد فعلها حينما تكتشف حقيقة عريس المستقبل .. لكن ما حدث بعد أدهشني ..
جاءت على استحياء ودون أن ترفع طرفها عن الأرض قالت الكلمة التي سحرتني :
- الذي يراه والدي يكون ..
وغداً ..ستقولين ما يراه زوجي يكون .. هذه هي فتاتي .. لقد نسيت أنها رأتني أو تناست لا أدري حقيقة ..ربما لم تعرفني في زي الشرطة وربما عرفتني لكنها مثل سائر الفتيات ..لا يرفضن عريساً تقريباً ..والحمد لله أننا في الوجه البحري حيث يسهل قبول عريس قاهري مثلي لو كنت في الصعيد الأن لما خرجت حياً تقريباً من دار الحاج جابر ..لم تكن المسافة فقط هي الفارق الوحيد بين الصعيد والوجه البحري كما كنت أتصور .. صدقت يا والدي العزيز ..

بالفعل أنا الأسعد حظاً منك ..والأيام التالية ستؤكد ذلك ..!!

***

عمرو مصطفى 12-30-2014 12:33 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 185430)
على أهبة شغف نتابع
نسبر معك غور كفور الصوالح ...
نلتقي عند اكتمال العمل .
خالص التقدير

خالص الشكر والتقدير للمتابعة والتعليق يا أخي الكريم ..
أرجو أن تظل القصة عند حسن ظنكم ..حتى نهايتها ..

عمرو مصطفى 12-30-2014 12:35 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد العاطفي (المشاركة 185435)
رائع جدا متابع معك
بشغف ايضا ،،
ننتظرك
،،

شكراً لرأيك ومتابعتك .. تم نشر فصل جديد والحمد لله ..

عمرو مصطفى 12-30-2014 12:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة جلال (المشاركة 185437)
الأديب الراقي عمرو مصطفى

وإننا على موعد مع الجمال والابداع

في انتظار جديدك ان شاء الله

جزاكم الله خيراً على المبالغة الرقيقة في وصفي
واتمنى أن تنال القصة رضاكم .. وأن يصل هدفها للجميع ..

عمرو مصطفى 12-31-2014 01:33 PM

(3)
ذلك الدجال



اتفقنا على موعد الزفاف وعلى مقر السكن كذلك .. والذي سيكون في شقة قمت باستئجارها في البندر الذي تتبعه القرية .. وهذا طبعاً بعد جدال طويل حيث يعتبر هنا السفر للبندر نوع من المجن والخلاعة فما بالك بالسكنى ..
وأخيراً انتهت المفاوضات .. واندلعت الزغاريد التي تشبه أصوات أجهزة الأنذار من كل شق في بيت الحاج جابر ..
الأيام التالية سيكون على أن أمارس دور الخاطب الولهان الذي يهرول كل يوم جمعة إلى منزل خطيبته حاملاً كيس الفاكهة المعطوبة أو علبة الشيكولاتة الحجرية في يد وباقة من الورد في الكف الأخرى.. طبعاً لغة الورود غير رائجة هنا وكذلك الشيكولاتة فساكتفي إذن بكيس الفاكهة لحين إشعار أخر ..من يدري ربما أدخل عليهم يوماً بقفص طيور !! المهم كان كل شئ يمضي بسهولة ويسر وإيجابية وشعرت أن أيامي صار لها مذاق خاص مرهف ..وعبير مميز .. كل شئ صار مصبوغاً باللون الوردي .. باختصار ..كانت هناك مصيبة في الطريق تتجه أنت إليها كالأبله أو تتجه هى إليك ..لايهم .. المهم أن بداية الغيث كانت في منزل الحاج جابر في إحدى الزيارات الأسبوعية...كان موعد الزفاف يقترب ...
ومع اقترابه بدأوا يتوترون ..من الطبيعي أن تضرب فاطمة الفتاة البكر المقبلة على الزواج لكن لماذا هم يضطربون ..ما سر ذلك القلق .. وهل هناك سر ما يخفونه عني ..
أذكر جيداً كيف جاء الحاج جابر ووولده مداح وجلسا إلى جواري .. وكيف قامت فاطمة وأخلت لنا حجرة الضيافة ..المصيبة قادمة إذن لا محالة .. بعد دقائق من الإقبال والأدبار تكلم الحاج جابر :
- هناك شئ لابد منه قبل الزفاف يا بني ...
ابتلعت ريقي منتظراً القادم.. قلت من بين اسناني :
- اعتقد اننا اتفقنا على كل شئ ...
- هناك شئ مهم حتى يتم الزفاف بسلام ..
بدأ صبري ينفذ ..ماذا تريدون مني الأن .. ؟
- هل قصرت في شئ ..؟
- حاشا لله ..هذا أمر عرفي في قريتنا دأبنا عليه من قديم ..
وتنهد الحاج جابر قبل أن يقرر إفراغ ما لديه دفعة واحدة :
- لابد أن تذهب للشيخ علوش قبل الزفاف ..
رددت الاسم في عدم فهم ..ثم قلت في سذاجة :
- هل تذهبون هنا للمأذون بدلاً من أن يأتي هو ..
تبادل الحاج جابر النظرات مع ولده مداح ثم قرر أن يوضح ..
الشيخ علوش ليس مأذوناً يا ولدي .. الشيخ علوش هو شيخ القرية
الذي يلجأ إليه الفلاحون حينما يقرر أحدهم أنه ممسوس أو أن زوجة عمه صنعت له عمل ..والأهم هنا هو أنه لا يجرؤ شاب مقبل على الزواج الدخول على زوجته قبل أن يعطي شيئاً للشيخ علوش .. وإلا فالويل له ..الشيخ علوش بكل بساطة يا رفاق هو .. دجال القرية ..
- متى ستذهب يا بني ..؟
نهضت مكوراً قبضتي مكشراً عن أنيابي .. لابد أنني بدوت كالمسوخ بالنسبة للحاج جابر لأنه نظر إلي في رعب متوقعاً الأسوأ ..
- في أقرب وقت يا حاج جابر .. لكن ليس لدفع الأتاوة لدجال قريتكم ..بل لاعتقالعه ...
نهض الحاج جابر و نهض مداح تبعاً له من باب الاحترام ..ورفع الأول كفيه في محاولة لتهدئتي :
- يا ولدي ..الشيخ علوش رجل واصل ..
- واصل ..!!
قلتها بتوحش ..قلتها كأني اتقيأ ..قلتها وكل خلجة من خلجاتي تنتفض .. ودوت في دهاليز عقلي كلمة رئيسي قبل أن يوقع على قرار نقلي لكفور الصوالح ..
(( لاتغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك .. ))
نعم .. الأن أدري.. الان انطلق من بيت الحاج جابر وسط توسلات الأخير ونظرات فاطمة التي تقول لي الكثير ..
يا بلهاء سألقن هذا الدجال درساً وأعود إليك ..فلماذا تشيعيني بنظراتك الملتاعة كأنني لن أعود..صبراً أيها الدجال ...
- ديريني .. عبد الرحيم ...
- افندم ...
جلت فيهم ببصري ثم قلت في صرامة :
- أريد الشيخ علوش هذا عندي ههنا ..
- من ..؟!
نطقاها سويا ووجوههم تقطر ذعراً ..ومرة اخرى تدوى عبارة رئيسي المباشر في دهاليز عقلي ..
(( لا تغتر بالريف .. من يدري مالذي قد تواجهه هناك ..))
الرجل الكريه يسيطر على عقول العامة اكثر من الخرافات التي تملا رؤوسهم .. الرجل الذي تهابه حتى قوة النقطة ..
هذا هو راسبوتين كفور الصوالح ..
إنهم يعالجون الخرافة بالدجل .. لكن كل هذا سينتهي ..لقد جاءكم مجدي سليمان يا أهل كفور الصوالح..
لقد ولى عهد الخرافة .. ارتجف شارب ديريني وهو يقول في وجل :
- الشيخ عـ..علوش .. لكنه لا يذهب لأحد ..
جذبته من تلابيبه صارخاً :
- من الشيخ علوش هذا .. ؟
تدخل الشويش عبد الرحيم قائلاً :
- لا أحد يجسر على إيذاء الشيخ علوش ..بل إنهم يخافون ذكره بسوء حتى من وراء الجدران ..
- عندما نقبض عليه بتهمة الدجل ونطوف به القرية ويصير أضحوكة الأطفال .. ستنهار أسطورته ..
جحظت عينا ديريني ودارت في محجريهما ورفع كفيه كأنما يتقي عدواً وهمياً :
- سلم يارب سلم ..لا لا يا فندم .. ستحدث فتنة كبيرة .. سلم يارب سلم .. الشيخ علوش رجل واصل ..
الدماء تغلي في عروقي .. ترى هل سيدفع الخوف ديريني وعبد الرحيم لعصيان أوامري لو طلبت منهم القبض على علوش هذا الدجال يمثل سلطة موازية لسلطة الحكومة في هذة القرية..
سألت ديريني عن حال الضباط السابقين الذين خدموا هنا مع الشيخ علوش .. !! وكان علي أن أسمع المزيد من مسببات غليان الدم ..بعض الضباط الذين احتكوا بالشيخ علوش كان يعود ليكتب طلب نقله إلى أى مكان أخر .. والبعض استيقظ ليجد النار قد شبت في ثيابه دون سابق إنذار .. ولم يستطع الخروج من النقطة وكلما أحضروا له ثياب جديدة تشتعل فيها النيران وتتحول إلى رماد .. وفي النهاية استسلم الضابط وأعلن التوبة عما بدر منه تجاه الشيخ علوش .. بعض الضباط سب الشيخ علوش سباً شديداً أمام مريديه ..وفي اليوم الثاني فوجئ المريدون بالضابط يدخل على الشيخ علوش عاري كيوم ولدته أمه ..وكالمنوم جثي على ركبتيه مقبلاً قدم الشيخ وهو يهذي كالمحموم .. طبعاً بعدها لم يعد هذا الضابط يصلح لشئ ..

لقد ترك كفور الصوالح والخدمة كلها ... وكثير من الحكايات على هذا المنوال بعضها لا استطيع حكايته حتى لا أجرح مشاعركم لكن ما مضى وما سيأتي يكفيني ويكفيكم ..لقد كنت واهماً حينما تخيلت سهولة مهمتي هنا في كفور الصوالح .. لقد بني الشيخ علوش جداراً صلباً من الخوف بينه وبين الناس.. ولن يكون هدمه سهلاً .. لكنه ليس مستحيلاً..
أين أنت يا ماركس الأن ..؟ كنت بحاجة ماسة إلى نصائحه ..
لكنه توقف عن زيارتي بعد أن قررت الزواج من فاطمة ..ولا أدري لماذا أخذ هذا الموقف مني ..الأن علي أن أتدبر شئوني بنفسي ..
وكانت الحكمة تقتضي التمهل .. هذا الوغد العجوز يملك شخصية نافذة تستطيع الإيهام بجدارة .. هكذا فسرت كل ما سمعت من حكايات مزعجة ..الإيهام والإيهام وحده كان الحل العقلي المنطقي .. ولن ينجح ذلك المأفون معي لأنني لن أسمح للإيهام بالتسرب إلى روحي .. وعلمت انني لو قررت القبض على الشيخ علوش فسيكون هذا بمفردي لأن قوة النقطة لن تنصاع لأوامري .. ولا أحد يتوقع ساعتها ردة فعل العوام ..
كان لابد من هدم اسطورة هذا العلوش في قلوبهم قبل أن تنال منه أيديهم ..لذا قررت زيارة علوش هذا في عقر داره وتوجيه أول صفعة إلى هيبته بين العوام ..
***
((أين أنت يا ماركس ؟))
كان بيته في أطراف القرية .. قريباً من المكان الذي قابلت فيه فاطمة لأول مرة ..
توقفت وجذبت نفس عميق وأنا أجول ببصري في أرجاء المكان الخالي .. قطعة خالية من البيوت ومن الحقول .. رقعة جرداء بائسة لها رائحة نتنتة لا ادري سببها ..
رقعة كئيبة محزنة تتوسطها دار الشيخ علوش .. كانت داره من طابق واحد بالطوب اللبن ..وأمام الدار يجلس ما يشبه الحاجب
يرتدي ثياب بالية متسخة ويتناول العطايا من الزوار ويدخل بها الدار ثم يعود بعد قليل ليسمح لصاحبها بالدخول على حضرة الشيخ علوش .. وسمعتهم ينادون ذلك المسخ بعطوة ..
كان أهل القرية قد اعتادوا على وجهي بعد الفترة التي قضيتها في القرية لذا فقد تعرفوني حينما توجهت إلى عطوة وطلبت منه مقابلة علوش ..
وتجاهلت نظرات مريدي علوش من أهل القرية التي أعرف فحواها
لقد جاء البيه الضابط بنفسه للشيخ علوش ليطلب منه البركة قبل الزواج .. الشيخ علوش سره باتع ..بركاتك يا شيخ علوش ..
حتى الضباط القادمون من مصر يخشونه ..
وابتسم مساعده الوغد ابتسامة منتصرة قبل أن يستدير ليعلم سيده لكنني استوقفته وقلت ضاغطاً على حروف كلماتي :
- اخبره أنني انتظره هنا ..
ثم استطردت في اشمئزاز حقيقي :
- لن اتقدم أكثر فالرائحة لا تطاق ..
هنا تجمد الحاجب ولم يعلق ولا أدري هل صدم من الإهانة أم لكوني أجد المكان كريه الرائحة .. استدار ودفع الباب واختفى هناك
عيون المريدين تقول الكثير .. كنت بالنسبة لهم اسير في طريق نهايته معلومة من خبرات سابقة مع من سبقوني من ضباط .. صحت فيهم باشمئزاز :
- كيف تتحملون تلك الرائحة ..
انتفض الجلوس وهم بعضهم بالقيام لكنني أشرت لهم في صرامة
- أن اجلسوا .. العرض لم يبدا بعد يا سادة ..
ومرت دقائق عديدة حتى انفتح الباب ثانية ..وهبت رياح عفنة جعلتني اتراجع شاعراً بالغثيان .. وشهق الجلوس غير مصدقين أن علوش بنفسه خرج لملاقاة الضابط القادم من مصر ..
- خير يا بيك ...
صوت متحشرج من حنجرة مصابة بالسرطان أو هي في سبيلها
لذلك .. ووجه متغضن علته السنون أسنان نخرة وقامة غاية
في القصر وحتى تزداد الطين بلة كانت عينه اليمنى عوراء .. وثيابه بلغ منها القذر والوسخ مبلغه ..
المكانة هنا على قدر الوسخ فيما يبدو .. لقد كان الحاجب نظيفاً طيب الرائحة بالنسبة لسيده المبجل القادم من مجرور ...شئ أخر كان بادياً عليه للوهلة الاولى ..هذا الدجال يكرهني وبشدة كانما هو يعرفني منذ سنين طوال ..
وضعت كفي حول أنفي قائلاً :
- أنت إذن علوش ..؟
ازداد الوجه تغضناً ففهمت أنه مستاء .. وبعينه اليسرى السليمة رمقني في فتور .. لسان حاله يقول : من أين اتت تلك الذبابة الحمقاء لتقف في وجه طوربيد مثلي ...قال باقتضاب :
- بعينه ..
- هل أخبرك ذيلك من أنا ..؟
أجاب بصوت خالي من المشاعر :
- أنت غني عن التعريف يا بك ..
ابتسمت في مقت قائلاً :
- لقد أخبرت أنك دجال تستغل هؤلاء المغفلين ..خصوصاً المقبلين على الزواج ..هه
وضع بعض الجلوس كفه على صدره وسرت همهمات الدهشة
ونضح الذعر من الوجوه .. لابد أنهم يترحمون علي الأن في نفوسهم .. صبراً يا حمقى ..
- أنا خدام لأهل القرية أعالج السحر والمس والحسد ..
ثم مصمص بشفتيه كما تفعل المصريات المحترفات قائلاً :
- دجال ..سامحك الله يا بيك ..
العجوز البالي يجيد السخرية بطريقة الحواري .. هنا بدأ صوتي يعلو :
- لا تسيء فهمي يا شيخ علوش .. فأنا مقبل على الزواج وبما انك مهم جداً لأهل القرية فيمكننا اعتبارك من أعيانها لذا جئت كي أدعوك لحفل زفافي .. فهل ستأتي .. ؟
تبادل العجوز النظرات مع ذيله ثم عاد ليقول لي بنفس الطريقة الباردة الخالية من أي مشاعر :
- هذا واجب يا حضرة الضابط ..
لوحت له بكفي صائحاً :
- سأنتظرك يا شيخ علوش ..
قال مؤمناً وهو يشير إلى عينه العوراء :
- عيني ..
ثم أخرج من بين طيات ثيابه لفافة مريبة لوح بها لي في بطء مستطرداً :
- وهذا حجاب مجاني إكراماً للحكومة ..
نظرت إليه وقلبي يغلي حقداً .. كنت قد قررت أن انهى تلك المهزلة .. قبضت على يده الممسكة بالحجاب المزعوم وقلت له ضاغطاً على حروف كلماتي :
- شيخ علوش..سأعطيك مهلة كي تبحث لك عن نشاط أخر غير الدجل في كفور الصوالح لأنني لن أسمح لك بذلك ..
- ًأنا لا أوذي أحداً ..
- هذا لأنك لا تفهم معنى الإيذاء أصلاً ..
ثم التفت إلى القوم الجلوس الذين تجمدوا في أماكنهم واستطردت في تقزز :
- متخلفين ..
قلتها ثم استدرت مبتعداً عن ذلك المكان الكابوسي ..
رباه كيف كان يرمقني الشيخ علوش في تلك اللحظة وقد اوليته ظهري .. لقد اهنته وتحديته امام أهل القرية وليصنع أقصى ما عنده ..وليركب أعتى ما لديه من خيل دجله وشعوذته ولنرى .. ساتزوج فاطمة ولن يحدث شئ وساعتها سيدرك العامة مقدار حمقهم واستغفال علوش لهم ..
وتنهار اسطورته .. وحينما أمر ديريني وعبد الرحيم بالقبض عليه فسينفذان بكل الغل والحقد الذي خلفته سنين الخوف من علوش .. كان هذا هو ما خططت له .. ولم اكن أعرف ما تخبئه لي الأيام .. لكنني أراني الأن عائداً إلى النقطة مختالاً كالطاووس
الأحمق الذي استفز لتوه ذئباً جائعاً لا يرحم ...
لم يحدث لي شئ بعدها كما توقع لي أهل تلك القرية وعلى رأسهم
فاطمة وأهلها .. لكن لسان حالهم كان يقول : الانتقام موعده يوم الدخلة .. حينها سيقرر الشيخ علوش أن يسلب الضابط القادم من مصر فحولته وسيخرج في اليوم التالي مثل الطائر المنكس منتوف الريش ..
وكنت أنا أقابل كل هذا بابتسامة هادئة غير مهتمة .. لكنني كنت أفكر في ذلك الكابوس الذي ظل يلاحقني في تلكم الأيام التي تلت لقائي بعلوش ..
***
الحقل والظلام وصوت العواء إياه وكنت مازلت أعدو لكن ليس فراراً من ذئب هذه المرة .. وإنما فراراً من شئ
أخر يطاردني وهو يلهث والزبد يتطاير من شدقيه ..كيان أسود
أشبه بكلب ..ولم يكن له ظل ..كيف ادركت هذا في الحلم وانا اجري أمامه ؟..
لا ادري لكن هذا هو ما بثه الحلم في عقليً ..
ولم تدم المطاردة طويلاً ..سرعان ما لاح لي ذلك البيت الطيني
وشممت الرائحة الخبيثة إياها ..منزل علوش في الحلم يبدو كالكابوس داخل كابوس .. ولا مناص إلا بالدخول فراراً من الكلب الأسود الذي لا ظل له ..وبالفعل دفعت الباب ودخلت ..
كان هناك يبتسم بعينه الواحدة ويشير لي ان هلم ..
حاولت ان اقول شيئاً لكن صوتي لم يغادر حنجرتي .. كانت هناك مائدة خشبية عليها ساعة رملية غريبة الشكل .. في أعلاها سائل أحمر كالدم ينساب ببطء للجزء السفلي ..ما معنى هذا .. صرخت ..
وكالعادة لم يخرج صوتي للفضاء .. كررت الصراخ .. حتى تحررت صرخة مدوية ادركت على إثرها انني تحررت من ذلك الكابوس وعدت إلى عالمي حيث حجرة الاستراحة القابعة فوق النقطة ..
ما معنى هذا الكابوس .. ؟ ومن قال ان للكوابيس معنى ..هذا تجده عند العوام أما عندي فلم يكن هذا سوى نتيجة حتمية للقائي بعلوش
وتأثر عقلي الباطن بذلك .. وهكذا عدت أغوص في فراشي من جديد ..والعد التنازلي ليوم الزفاف يصل إلى الذروة .. وتأتي ساعة الحسم ..
***

عمرو مصطفى 12-31-2014 02:20 PM

(4)

ذلك الشيء



وها أنا ذا أبتسم في بلاهة لوجوه المعازيم التي تتأملني بنظرات تتقلب بين الفضول والحسرة .. من العمدة عظيم الكرش وحتى عوضين مجذوب القرية..
فضول وحسرة على الشاب الذي سيدخل عش الزوجية بعد قليل وبعدها سيخرج منكس الرأس حيران..
لكنني تجاهلت كم النظرات الفضولية وبحثت عن وجه الشيخ علوش نعم .. لقد وعدني أنه سيأتي ..ترى هل يفي الدجاجلة بوعودهم ..
لكن دعوني اصارحكم ..كنت أراه بزاوية بصري في كل ركن من الأركان يرمقني بعينه المتبقية بنظرة خاوية ..
وحينما التفت لا أجد شيئاً .. تكرر هذا عدة مرات ثم قررت أن أنفض الفكرة عن رأسي حتى لا أبدو معتوها أمام العيون المتربصة ..لقد حقق علوش وعده بالمجئ للعرس وإن لم يكن له وجود حقيقي فالوغد قد عبق المكان بروحه الثقيلة الخبيثة ..
ويمضي الزفاف كأي زفاف تقليدي .. كقطار بطيء يمر على أعصابك ذاتها ..
متى سأجد نفسي وحيدا مع شريكتي الجديدة في مشروع اليوتوبيا .؟
ما زال أمامنا طريق ليس باليسير حتى نصل لعش الزوجية في البندر .. وهذه في الحقيقة كانت حجتي حتى أخذ فتاتي وانطلق بعيداً بعيداً عن كل هذا الصخب والأعراف الغريبة وعبارات المجاملات المنمقة التي لا أدري كيف يحفظونها ..
وحينما انغلق الباب علينا التفت لفاطمة فوجدت وجهها أحمراً مثل ثمرة الطماطم .. ولم يكن هذا بفعل الزينة ولكن وجهها كان على وشك الانفجار بدماء الحياء ..
- هل تذكرين يوم تقابلنا لأول مرة ..؟
- مممم ..
- هل كنت تتصورين أن ينتهي بنا المطاف للزواج ..؟
- مممم ...
- إجاباتك بليغة للغاية ..
وحينما اقتربت منها رفعت كفها في إشارة تحذيرية واضحة ..
- ماذا بك ..؟
- لا تقترب اليوم ..
- نعم ..!!
ابتلعت ريقها كأنما تبحث عن كلام يعبر عما تريده .. ثم كان ما قالته عبقريا :
- اليوم .. لا .. لأن ..لا ..يصلح .. لأنه .. اليوم .. و..
فككت ربطة عنقي وخلعت سترتي وشمرت عن ساعدي وظللت لساعة أحاول توصيل كلماتها المتقطعة كي أفهم ..
وأخيراً فهمت ..
الفتاة قررت ممارسة نشاطها الفسيولوجي المعتاد قبل الأوان بسبب التوتر .. ووقفت في شرفة الشقة أرقب النجوم وأردد في حسرة :
- فقط لو كنا في اليوتوبيا ..لما كان هذا عائقا ..
لكنني قررت استثمار الليلة بنشاط بديل ..قضيت طوال الليل في محاولة شرح النظرية اليوتيوبية لزوجتي المبجلة فاطمة ..!! ولما لا .. فلا يوجد لدينا الأن سوى الثرثرة لحين إشعار أخر .. كنا واقفين عند مكتبتي الخاصة التي ألحقت بها كل الكتب التي جئت بها من القاهرة وكنت أحدثها أحياناً وأقرأ لها أحياناً فقرات من بعض الكتب وأحاول شرحها وتقريبها إلى فهمها وكانت فاطمة تنظر إلي في إنبهار طوال الوقت .. لقد ظفرت بزوج متنور كما تحب أن تقول .. كنت بالنسبة إليها كائن فضائي هبط عليها من عالم يسبق عالمها بملايين السنين الضوئية ..
هذه الفتاة الساذجة المثيرة للشفقة .. لم أشعر يوماً بالمسئولية عن شخص ما كما شعرت اليوم بالرغم من أنني رجل شرطة مسئول ..
هذه الفتاة الحمقاء الطيبة كيف سيمكنها السير ثلاث خطوات دون أن تتعثر ويدق عنقها ..
- لماذا تنظر إلي هكذا ..؟
انتزعتني عبارتها الخجول من تأملاتي فتنحنحت قبل أن أقول :
- ولماذا لا أنظر إلى زوجتي ..
- أشعر بالحرج من نظرات الأخرين..
- أنا لست كالأخرين .. أنا زوجك ...
اطرقت إلى الأرض متمتمة :
- مازلت لا أصدق أنني صرت زوجة ..
حككت أنفي قائلاً :
- عملياً نعم ..
ثم قررت أن أوجه دفة الحديث بعيداً فقلت لها مداعباً :
- لقد مر يومان حتى الأن ولم يحدث لي شئ ..هل فقد الشيخ علوش قدراته أم ماذا .. ؟
رفعت طرفها إلي وبدت مترددة في الإفصاح عن شئ ما .. ثم قررت أن تتكلم :
- الشيخ علوش ليس شريراً كما تتصور ..
ابتسمت بركن فمي قائلاً :
- ربما أكثر مما أتصور ..
- هل .. هل ستظل تكرهه لو علمت أنه السبب في زواجنا ..
شعرت برجفة تسري في عروقي .. وقبضت على ساعدها لا شعورياً قائلاً :
- ماذا تعنين ..؟
ابتلعت ريقها بصوت مسموع وساعدها يرتجف في قبضتي فأرخيت قبضتي معتذراً لها .. لكنني كنت بحاجة إلى أن تكمل ..
ساعتها طلبت مني حفظ ذلك السر .. فوعدتها وقلبي يدق بعنف...
فبدات تحكي لي ما دار يوم ذهبت سراً بطلب من والدتها إلى علوش ..لماذا ؟! طبعاً ليصنع لأخيها عمل دون علم أبيها ..قصة معتادة في قرية كفور الصوالح لكنها تمسنى وبشدة ..

***

لقد عادت فاطمة لتأخذ العمل الذي سيصلح من شأن أخيها مداح ..لكنها فوجئت بعلوش يضع في كفها لفافتين ..ولما تسائلت ابتسم لها فبدت لها أسنانه النخرة وهو يجيب :
- الأخر في اللفافة البنية هدية لك من عمك علوش حتى يرزقك الله بالزوج الصالح ..
تورد خدها ولم تدر بماذا ترد .. قبضت على العملين واستدارت لتنصرف فاستوقفها قائلاً :
- ولا كلمة شكر ..
لكنها لم تلتفت ولم ترد ..كانت من داخلها تشعر بمزيج من الخجل
والسعادة .. لقد سعت في خدمة اخيها مداح فعادت بعملين ..لها ولأخيها.. ستفرح امها كثيراً ..فهي لم تفكر في فاطمة لانها جميلة والعرسان ياتونها ليل نهار لكن فاطمة كانت كسائر الفتيات تفكر لماذا حتى الأن لا يطرق بابها ابن الحلال الذي يأخذها على حصان أبيض ويطير دون أن يتعنت والدها ..

ظلت تفكر في هذه الأشياء حتى عادت إلى دوار أبيها وهناك ادركت ان هناك ضيوف بالدار .. ولم تتصور أن الشيخ علوش سره باتع لهذا الحد إلا حينما أخبرتها امها أن الضيف ما هو إلا عريس جديد يطرق بابها وليس أي عريس ..إنه ضابط النقطة شخصياً هذه المرة ..

ساعتها ناولت لأمها العمل الخاص بأخيها ثم هرولت إلى حجرتها وهي تحتضن العمل الثاني ..وهنالك اخذت ترسم ألف صورة وصورة لضابط النقطة الذي جاء يتقدم لخطبتها .. لكنها شعرت بامتنان تجاه الشيخ الطيب علوش
لقد كانت تنقبض كلما رأته .. والأن ..كم تتبدل الأمور لم يعد علوش ذلك المقبض أعور العين .. وأسفت كثيراً لأنها حتى لم تكافئه ولا حتى بمجرد الشكر ...
كانت فتاة طيبة وساذجة إلى أبعد الحدود ..

***

استمعت إليها في صبر ..ثم ابتسمت في إشراق .. ولم يعد قلبي يدق بعنف بعد أن عرفت أنني تزوجت فتاة حمقاء .. وأن علوش هذا أحمق منها .. وأنا الذي انتظر منه الشر كل الشر الذي يدعيه ..الأن يتوجب علي أن ألقنها دروساً مكثفة تحصنها من سيطرة الأفكار الخرافية التي تسيطر على مداركها ..

أعرف ان هذا لن يكون سهلاً لكنه ليس مستحيلا .. ساستغل أيام حيضتها في غسيل دماغها من كل الأدران التى علقت بها سأفرغ عليها كل ما تعلمته من فكر تقدمي شمولي .. أنت أول براعمي يا فتاة الريف الساذجة ويبدو أن شيئاً غريباً قد بدأ يتخلخل جدار الصلب الذي يضخ الدم إلى رأسي .. ذلك الشئ يعرفه ابناء البيئات المحافظة بالميل ويعرفه الشاعريون بالحب .. وأعرفه أنا بالمغناطيس الجاذب لنقيضه ..وهكذا تمضى بنا طبائع الأشياء ..


***

ياسر علي 12-31-2014 08:51 PM

أهلا الأستاذ عمرو مصطفى

نص ممتع حقا ، فيه لمسات إبداعية هائلة ، وتشويق جارف

في انتظار المزيد تقديري لقلمك الوهاج .

نجوم وتثبيت

جليلة ماجد 01-01-2015 01:09 PM

حبكة جميلة و قصة مذهلة ..

# متابعة لك بالتأكيد ..

عمرو مصطفى 01-04-2015 10:48 AM

(5)

ذلك النزيف


وحينما حان وقت انحسار شلال الطبيعة الانثوية أخيرا وبعد طول انتظار عدنا إلى حيث بدأنا في ليلة الزفاف ... ابتسمت لها في إشراق فأطرقت خجلى .. ثم رفعت وجهها وقالت في بطء :
-لا ..
-ماذا ..؟
-مازال ...
هرشت مؤخرة رأسي وسألتها محبطاً :
-وهل هذا طبيعي ..؟
-لا أدري ..
-الطبيب يدري ..
هنا انفتحت أبواب الجحيم - إن كان هناك واحداً – وخرجت الشياطين تغزو سحنة الفتاة البريئة ..والزبد يتطاير من شدقيها :
-تريدني أن أذهب لطبيب ..هذا محال .. هذه معرة كبيرة ..
كيف ..؟ كيف ..؟
وضع عندك عشرات من (كيف ) حتى تصل إلى المريخ ..
غاية ما هنالك هو أن والدتها ستستدعي الداية والتي سيكون اسمها – غالبا - أم شئ ما .. كي تفحصها وهو ماكان سيثير جنوني حتما ..هذا ما كان ينقصني ..علوش أخر في قالب انثوي ..
تباً للريف الذي يتعامل مع جسد الانثى بتلك الحساسية المفرطة الموروثة من القرون الغابرة ..!! قيود وعقد نفسية ذكورية لا أكثر.. !!
الواحدة من هؤلاء تتصور نفسها مطمعاً لكل ذكر متحمس حتى وإن كان طبيب لا يعبأ غالباً إلا بفاتورة الكشف الفلكية التي سيدفعها الزوج .. كنا في القاهرة قد تحللنا بقدر كافي من تلك القيود الشرقية بفضل الانفتاح على العالم المتحضر !! لكن المجتمع الريفي مازال يرسف في أغلال الماضي !!
وكان يوم عرضت فاطمة على الطبيب يوماً مشهوداً وأسوداً في تاريخ أل جابر الصوالحي ..
الفتاة عادت منهارة كأنما تعرضت لاغتصاب ..وعدت أنا محتاراً مشوشاً تدوي في أذني كلمات الطبيب :
-لا شئ .. زوجتك تتدلل عليك ...
-والدماء ...؟
-الفتيات يتحججن بما هو أكثر لتأخير اللقاء ..
هل هذا هو ما كان .. ؟ هل خدعت الفتاة القروية ضابط النقطة
الفذ .. وهذا كان يعني بالنسبة إلي قرار واحد .. لقد ولى عهد
الدبلوماسية وأتى عهد الحديد والنار ..
لم تكن بحالة مزاجية جيدة بعد زيارة الطبيب لكنني كنت حانقاً جداً ومصراً جداً .. سمعت كثيراً عن مكر الفلاحين ..لكنني اليوم أعاينه وأراه متجسداً في تلكم الفتاة التي تدعي السذاجة والبراءة الخادعة .. لكنني لم أكد أمسك كتفيها حتى انهارت كالبالون الفارغ من الهواء وانفلتت من بين ذراعي وخرت إلى الأرض..
لكنني لم أقبل أن اخدع مرتين فأهويت إليها حانقا وقبل ان اتفوه بكلمة ارتطمت عيني ببقعة الدماء التي تتسع وتتسع من تحتها ..
فرفعت بصري ملتاعاً إلى وجهها فهالتني الصفرة التي بدأت تغزو بشرتها ..تباً .. حتى المتنورون أمثالي يرتكبون الحماقات
القاتلة ..
(( لا شئ ..زوجتك تتدلل عليك ..))
ترددت الكلمات في عقلي وأنا اتحرك أمام غرفتها ذهاباً وأيابا
لقد تركتها بالداخل ومعها أمها ..لقد حضرت مع والدها الحاج جابر نزولاً عن رغبتها في استدعاء أمها لتكون بجوارها ..الفتاة في تلكم الاحوال تفتقد والديها وتحن إليهم .. لكنني غير مستعد لحلول أمها الخرافية ..لست مستعداً ولن أحتمل.. عقلي قد تحول إلى خلية نحل نشطة لا تكف عن الطنين ..
ترى مالذي يجري لي .. ماذا اصاب فاطمة .. النزيف يأتي أحياناً
للمتزوجين حديثاً لكننا لم نتزوج عملياً بعد ..
الطبيب يعلن لي انه لا سبب منطقي لذلك النزف .. وهل علي أن ابحث عن سبب خارج حدود المنطق .. لكن الحاج جابر عاجلني
بالضربة القاضية..

***

-علوش ..
التفت إليه في حدة .. كان جالساً على أحد المقاعد وقد اراح رأسه على كفيه المشبكتين واستطرد بصوت متحشرج :
-هذا انتقام علوش منا ...لأنك لم تذهب إليه ..
كنت قد نسيت ذلك الاسم تماماً كانه لم يوجد إلا في مخيلتي ..
وهاهو ذا يقتحم على حياتي في أحلك الأوقات ..فقط ليزيد الطين بلة ..
وتداعت في ذهني ذكريات كابوس لم تندمل اثاره في نفسي بعد ..مطاردة كلب أسود لا ظل له .. بيت طيني ورائحة خبيثة ..وجه علوش المرحب والمائدة الخشبية .. و.. والساعة الرملية التي تحوي سائلاً أحمرا كالدم ..لا بل هو دم ..دم ينساب من أعلى لأسفل ..
لا اااااااااا .....
لا يمكن أن يكون هو وراء كل ذلك ..أنا الذي تحديته وكان ينبغي له أن يوجه سهامه إلي ..لا إلى فاطمة ..هذا لو كان يملك سهاماً أصلاً .. إنها الصدفة تلعب لعبتها مع العقول التي عششت فيها الخرافة وباضت وفرخت ..
-ولماذا لم يجرب حظه معي ..
قلتها في حدة فنظر لي باحثاً عن رد مقنع ثم أطرق إلى الأرض في أسى .. لعله يلعنني الأن في نفسه ويلعن اليوم الذي تزوجت فيه ابنته ..ألعني كما تشاء فقناعاتي لم ولن تهتز ..
لكن الأيام التالية وجهت لي المزيد من اللطمات ..
النزيف لا يأتي إلا حينما أحاول الاقتراب.. مجرد التفكير في ممارسة حياة زوجية طبيعية يعني عودة النزيف مرة أخرى ...
الطب النفسي ..؟ فكرت فيه وأخذتها بالفعل إلى واحد أعرفه
دون أن اخبر احداً حتى هي لم تفهم لأنني لا أريد المزيد من الاعتراضات التي يغذيها نازع الجهل لديها والذي يعتبر عيادة الطبيب النفسي هي عش للمجانين ..لذا تصورت انه طبيب أخر من أولئك الذين فحصوها من قبل ولم يقدموا لها سوى الحيرة وبالفعل لم يشأ الطبيب النفسي كسر القاعدة وعدنا للدار بخفي حنين ..
لا شئ يفسر ما نحن فيه ..تفسيراً علمياً منطقياً .. الجنون .. أحدهم يدفعنى لحافة الجنون ..أحدهم يغلق كل الأبواب ويترك لك باباً واحداً ..
باباً واحداً لكنك تتجنب حتى مجرد التفكير فيه ..
ووقفت أرمق أرفف الكتب المصفوفة في مكتبتي المتواضعة
كتب اليسار التي غرقت فيها حتى شحمة أذني ..وكأني انتظر منها الجواب .. لكن لا جواب .. لا فائدة ..حتى ماركس امتنع عن الظهور لي منذ قررت الزواج من فاطمة ..ولا أدري لماذا ؟..
حتى أنت يا ماركس تخليت عني ..
وطاشت يدي في الرفوف وتناثرت الكتب على الأرض لتدهسها قدمي بكل الحقد والغيظ .. لقد كفرت بمبادئي بعد كل هذا الزمن ووطئتها بقدمي ..
ونظرت لاهثاً لارفف المكتبة فوجدت كتاباً واحداً قد تبقى صامداً
لم يهتز ولم تطله بطشة يدي ..وتذكرت..
(( قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..))
أغمضت عيني متوقعاً العطية التقليدية في مثل تلك المناسبات .. وسرعان ما دس أبي المصحف المزركش في يدي..نعم اتذكر
الكتاب الوحيد الذي لم يتهاوى مع بقية الكتب ..
لكن لماذا .. ؟
ولماذا احتفظت به رغماً عني وكأن هناك قوة ما دفعتني للإبقاء عليه .. وسط كل هذا الكم من الكتب التي تتنافى أفكارها مع
ثوابته ...ترى ما كنه تلك القوى ..وهل لديها حل لمعضلتي ..
كنت موشكاً على الجنون .. والفتاة تزداد اصفراراً وفرقاً كلما اقتربت منها ..
لقد تحول عش الزوجية إلى حفرة من حفر جهنم .. وصرت عصبيا انفجر عند أدنى كلمة ..وكنت كالصخرة التي تتدحرج حثيثاً نحو هاوية بلا قرار ..
-انا لا أصدق أن الشيخ علوش هو السبب ..
نظرت إليها بعينين منتفختين بسبب الإرهاق وقلة النوم..
علوش مرة أخرى ..حتى في الساعات المتأخرة من الليل ..لم أعد أحتمل .. ولم أرد عليها ..لأني لا أضمن أن يفلت الزمام من قبضتي ..و..
لكنها تابعت بحذر :
-لم يكن ليؤذيني فهو الذي جلبك إلي ..
- تباً لك ولعلوش ..
بعدها لم أشعر بنفسي ..المسكينة تلقت شحنة الغضب التي ما كان لها أن تتلقاها .. وما كان لها أن تحتمل صفعات وركلات ضابط شرطة محنك مثلي ..
وحينما تهاوت على الأرض لمحت بقعة الدماء التي انطبعت عبر ثيابها وأدركت الكارثة .. لقد عاد النزيف هذة المرة ليشترك معي في القضاء عليها ..هززتها عدة مرات لكنها لم تستجب .. صرخت في أذنها لكنها لم تستجب وضعت أذني على صدرها لأسمع دقات قلبها ..لكن دقات قلبها لم تستجب..
صرخت في أذنها لكنها لم تستجب.. دفنت وجهي في صدرها واستجديتها ..لكنها لم تستجب .. فاطمة البريئة الندية .. الشئ
الطيب الوحيد في حياتي .. فاطمة التي أشعرتني بأدميتي وأن لقلبي وظيفة أخرى غير ضخ الدماء ..
فاطمة الزهرة اليانعة التي سحقتها يد قاسية ..
فاطمة البسمة الرقيقة سقطت ضحية للعند والكبر والقسوة ..
ذئب ضاري لا يرحم هذا هو ما كنته.. لافرق بيني وبين علوش..
علوش .. الباب الذي رفضت طرقه .. والأن أنا مستعد لما هو أكثر ..
وحملتها حملاً إلى حيث غرفة النوم ووضعتها بحرص على الفراش ..وكان هناك خيط أحمر يتبعني حيث سرت .. تباً
الفتاة تتفلت مني ..تماسكي يا فاطمة حتى أعود..تماسكي أرجوك..وغادرت هائماً على وجههي قاصداً البيت الذي ظل يطاردني فترة في أحلامي ..

***
بيت علوش مرة أخرى لكنها ليست كالمرة السابقة ..
قمت بتوجيه أقسى ركلة ممكنة للباب الذي لم يحتمل وانفتح على مصرعيه فإذ بالشيطان يعدو في فزع ناحية باب أخر خلفي ..لكن رصاصة مدوية استقرت في فخذه جعلته يبرك كما يبرك الجمل أمام الباب .. ونهض مساعد الشيطان عطوة مذعوراً من نومه وعقله لم يستوعب بعد ما يجري وحينما رأني فتح فمه ليقول شيئاً لكنني عاجلته بطلقة هشمت أسنانه وخرجت من قفاه.. وحينما هوى كالحجر تجاوزته بخطوة لأصل إلى علوش الذي صرخ حينما قبضت على ياقته وجررته إلى منضدته الأثيرة ..
دفعته ليرتطم بالمنضدة فانقلبت وتناثر من تحتها موقد كيروسين
وبعض اللفائف من ورق وجلد ومساحيق لا أدري كنهها ..
وشئ أخر أثار عند رؤيته الرجفة في أوصالي .. الساعة الرملية
التي رأيتها في الكابوس .. بيد مرتجفة رفعتها وتأملتها عن قرب
لقد قرب السائل الأحمر في أعلاها على النفاذ ..
-لم يكن مجرد كابوس إذن ..
ثم التفت إلى علوش مستطرداً :
- كنت أنت السبب في كل ذلك ..وإن كنت لا أدري كيف ..ودفعت فاطمة ثمن عبثك ..لكنك ستخبرني كيف اتخلص من تلك اللعنة ..
سعل العجوز مرتين ..وعض شفته السفلى في ألم وهو يتحسس فخذه
ثم رفع طرفه إلي في مقت مستطرداً :
-إذن فقد أمنت أخيراً انني لست مجرد دجال هه ..
تلقى ركلة عاتية في فخذه المصابة فشق صراخه سكون الليل
وصدع جنباته .. وجذبته من شعره الجعد وضربت رأسه بالمنضدة صائحاً :
-سوف أجعلك تنزف كل قطرة من دمك أمام عينيك.. لولم توقف نزيف فاطمة ..
قال لاهثاً :
- الساعة الرملية وسيلة لا يتوصل إليها إلا المحنكون أمثالي الساعة الرملية المليئة بسائل خليط يشبه سائل الحياة .. نوع من الأعمال السفلية التي تصنع للنساء كي تظل الواحدة منهن تنزف دون سبب كلما اقترب منها زوجها ..النهاية محتومة ..الموت نزفاً .. كان هذا هو انتقامي ..ولم يعد هناك فائدة لن يستطيع أحد إنقاذها ..هه .. لم يعد باستطاعة أحد إنقاذها ..
دفعت فوهة مسدسي في ثقب الطلقة الغائر بفخذه فصرخ كالنساء .. وهدر صوتي كهزيم الرعد في أذنيه :
- سأقتلك ألف مرة يا علوش لو كررتها ..
- لـ ..لا فائدة ..قلت لك لم يعد باستطاعة أحد إنقاذها ..
أظلمت أمامي الموجودات ..هل فقدت فاطمة إلى الأبد ..؟
ذلك الكلب يعرف ما يتكلم عنه جيداً ..
وإذا كانت فاطمة قد رحلت ..فما جدوى بقاء الكلب الذي عقرها ..
وصوبت إليه سلاحي فصاح فزعاً :
-ألم تسأل نفسك لماذا لم أوذيك أنت ؟
صمت برهة وأنا اتردد في نسف جمجمته..نعم أيها الشيطان
ربما مازالت بحاجة إليك كي أفهم .. قلت له في مقت :
-تكلم ؟
هنا قرر الكلب أن يكف عن اللهاث ويتكلم ..


***

عمرو مصطفى 01-04-2015 11:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر علي (المشاركة 185563)
أهلا الأستاذ عمرو مصطفى

نص ممتع حقا ، فيه لمسات إبداعية هائلة ، وتشويق جارف

في انتظار المزيد تقديري لقلمك الوهاج .

نجوم وتثبيت

تقبل شكري وتقديري للنجوم والتثبيت ..
منتداكم ذكرني بالأيام الخوالي .. في منتديات ما قبل طوفان الفيسبوك..

عمرو مصطفى 01-04-2015 11:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جليلة ماجد (المشاركة 185586)
حبكة جميلة و قصة مذهلة ..

# متابعة لك بالتأكيد ..

يشرفني متابعتك للقصة بكل تأكيد .. وتم إضافة فصل جديد أرجو أن ينال استحسانكم..

عمرو مصطفى 01-05-2015 12:52 PM

(6)
تلك الحقيقة


منذ سنوات عديدة ظهر علوش في أطراف القرية ..
البحث الدءوب عن مكان خرب مليئ بالقاذورات والنجاسات كانت بغيته .. ولم يكن هناك أفضل من ذلك البيت الطيني الخرب في اطراف القرية .. القاذورات في كل مكان حوله والرائحة خانقة لا تطاق تلك الأشياء مهمة جداً لما سيقوم به .. وتلك الرائحة بالنسبة له كانت كعبير الياسمين ..الطقوس ستكون بالليل..
أشعل مصباح الكيروسين واخرج ادواته من جعبته التي جاء بها للقرية .. كل شئ سيتم بهدوء ويسر وليحالفه الحظ وليلقى رضا الأسياد .. وهكذا استل مديته وقام بذبح أرنب وفرق دمه على شكل
نجمة خماسية على الأرضية .. وجلس ينتظر ..
وفي الليلة الأولى لم يلقى استجابة .. كان هذا متوقع .. فالأسياد يحتاجون إلى ما هو أكثر .. تضحيات أكثر ..
وهكذا عاد في الليلة التالية بكبش سرقه من أحد بيوت الفلاحين في غفلة من أهله .. دماء أكثر لكن بلا استجابة ..
الأن لم يعد هناك مفر من الخطوة التالية .. الضحية البشرية ..
لن يستطيع اختيار ضحية بشرية من أهل القرية سيقلب هذا القرية رأساً على عقب .. عليه أن يستدرك طفل من قرية مجاورة ..
يقوم بتخديره ويحمله في جوال إلى حيث البيت الطيني الخرب الذي سيصير مقره فيما بعد ..
ذبح البشر ليس سهلاً ..خصوصاً الأطفال لكنه تعلم أن قلبه مجرد مضخة تضخ الدماء وتبقيه على قيد الحياة ولا أثر لأي مشاعر من تلك التي تشعرك بأدميتك .. المجد ينتظره وعنق هذا الطفل هي مفتاح العبور لذلك المجد ..
لذا فقد تناول المدية الحادة وقام بشحذها عدة مرات على قطعة حجر
وتوجه إلى الجوال وقام بفك ربطته وإخراج الطفل فاقد الوعي ..
ما حدث بعد ذلك كابوس اتركه لخيالك ..
المهم أن الضحية هذة المرة أثمرت .. حيث سمع العواء الطويل الحزين بالخارج .. وتهلل وجهه وهو يرنوا جهة الباب ..
- يا مرحب بالأسياد ..
بالخارج جاء يمشي حثيثاً ..أسوداً كالليل البهيم .. عيناه جمرتان من جهنم ..أسنانه تبرق كالماس تحت ضوء القمر ..
كلب أسود بلا ظل ..
وخر الرجل على ركبتيه في تبجيل مستقبلاً ذلك الذي وفد عليه من الجحيم .. أخيراً لبى الأسياد نداءه ..
مر الكلب بجواره وتجاوزه متجاهلاً إياه ..ثم اتجه حثيثاً ناحية جثة الطفل المذبوح ..
دار حولها وهو يتشمم الدم .. ثم ولغ فيه فتوهجت عيناه ..ثم دار على أربع وانصرف كان لم يكن ..
إنها علامة القبول ..
وأغمض الرجل عينيه وقلبه موشك على التوقف .. وبدأ يهذي بكلمات بلغة الأسياد ..ورأسه يتمايل يمنة ويسرة ثم صاح بصوت مرتجف دون أن يفتح عينيه :
- ستجدونني خادم مطيع .. خادم مطيع ..
شعر بشئ بارد يتحسس وجهه ففتح عينيه على اتساعهما وهو يلهث محاولاً السيطرة على ردود أفعاله ..لم يكن هناك شئ ..فقط هواء بارد يداعب وجنتيه ..قال بصوت مبحوح :
-أنا خادم الأسياد المطيع..
وشعر أن جدران البيت الطيني كأنها تتموج ..وبرودة تسري في اطرافه
-أنا خادم الأسياد الـ...
هنا بدأ يهتز كأنما مسه ألف جان ..وبدأ يهذي كالمحموم :
-أنا خادم الأسياد .. بحق طارش لم يسبق لي أن عقدت صفقة مع الأسياد من قبل ..؟
ثم بدأ يزوم مثل القط :
- هووووم ..فعلت.. كل الموبقات فعلت..كلها .. حتى أكل لحوم الموتى في قبورهم ..فعلت ..هووووم ...لم يعد لي قلب ..هووووم ولا ينبغي لي أن يكون ...هووووم ...مستعد للتضحية في سبيل رضاكم عني ..هووووووم .. لقد بذلت كل ما بوسعي ..
هووووم ..
ثم فجأة تبدل صوته إلى صوت أنثوي حاد :
-عينك اليمنى أيها الفاني ..عينك اليمنى .......
وحينما استعاد علوش وعيه بعد اللقاء الحميم مع الأسياد شعر بذلك الألم الحارق في عينه اليمنى وسائل الحياة اللزج يلطخ وجهه وثيابه وأنه لا يرى بعينه اليمنى و..
دوت صرختة مجلجلة طويلة ملتاعة ..
صرخة رجل نزع عينه ليضعها في طبق ..قرباناُ للأسياد ..

***

وبعد أيام من تلك الوقعة الحافلة بدأ في البحث عن معاون له فيما هو أت ..فظهر له فتى يدعى عطوة وهومثال جيد لمساعد الشيطان ..هو يريد لقمة ونومة ولن يسألك عن شئ بعدها ..وهذا هو ما يريد ..لا يريد أسئلة كثيرة فقط يريد سمع وطاعة بلا نقاش ..
الزبائن تترى من أهل القرية وربما القرى المجاورة لقد ذاع صيته منذ عقد الصفقة مع الأسياد .. البداية كانت معالجاً للسحر وبعد مرور سنوات صار كابوساً جاثماً على قلوب أهل كفور الصوالح ..
كانت الأمور تمضي على وتيرة واحدة حتى علم أن ضابطاً جديداً جاء إلى القرية ..هو لا يحب الحكومة ولا رجالها القادمون من مصر .. لقد حدثت له مشاكل كثيرة معهم على مدار السنون وكانت تنتهى دائماً بتعهد عدم تعرض من الجانبين ..
أنت في حالك ونحن في حالنا .. فقط لا تخالف القانون ..
وهذا القادم الجديد سيحتاج إلى فترة حتى يصل معه لنقطة اتفاق ..
من قال أن كفور الصوالح تحتاج للحكومة .. هو كان السلطة الزمنية المتحكمة فعلياً بأهل القرية ..هو المنبع والمصب .. من يجرؤ اليوم على الزواج دون زيارته .. ومن يجرؤ اليوم أن ينجب ويستهل ولده صارخاً قبل أن يضع الحلوان في حجره .. بل من يجرؤ على أذية جاره خوفاً من لجوء جاره للشيخ علوش ..
العمدة زوج ولده الشهر الماضي ولقد وضع في حجره مبلغاً يسيل
له اللعاب غير المواشي والطيور ..فقط .. دع ولد العمدة يتزوج في سلام .. بعدها بعدة أشهر سيدعه كي ينجب وكي (يسبع) وكي.. وكي ..
وكل كي بكية .. وابتلع ريقه الذي سال ..ثم تذكر ضابط النقطة
وتمنى لو طلب من الأسياد إزالة النقطة من الوجود ..
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه والأسياد لا يفعلون شئ دون مقابل ..
متى سيحتك به البك الضابط ؟.. وكيف ؟..
فليدع هذا للأيام ..
-شيخ علوش ..
التفت في حدة إلى مصدر الصوت ..صوت أنثوي يثير رجفة في قلبه ..لماذا .. لأنه صوت فاطمة ..
-شيخ علوش ..
غادر الدار الطينية فوجدها واقفة على بعد ثلاثة أمتار من الدار..
فاطمة جاءت إليه اخيراً بعد طول انتظار .. وبرقت عينه الوحيدة
وارتعشت شفتيه :
-خطوة عزيزة يا فاطمة ..
قالت له في رهبة وهي تضع كفها على صدرها :
-أمي تريد منك خدمة ..
-أنا خدام ..
-تريد عمل لأخي مداح كي ينصلح حاله.. ولك الحلوان ..
ابتلع ريقه وهو ينظر لها بعينه الوحيدة في ثبات :
-بدون حلوان يا فاطمة .. يكفي تشريفك ..
لوحت له بكفها أن لا ..ثم أخرجت صرة من جيبها ورفعتها إليه قائلة :
-امي تريد هذا سراً ..انا هنا بدون علم أبي ..
تناول الصرة منها دون ان يرفع نظره عنها متمتماً :
-سرها في بئر بلا قرار ..
هنا استدارت فاطمة دون مزيد كلام .. وانطلقت مبتعدة دون سابق انذار .. ووقف هو يتبعها بعينه الوحيدة ..
لقد وجد قلبه أخيراً في فاطمة وظيفة جديدة غير ضخ الدماء ..
لكن هذا لن يعجب الأسياد .. تمخط وبصق بصقة محترمة قبل أن يقول في اعتداد :
-تباً للأسياد ..
بعمل واحد من أعماله السفلية فاطمة ستاتي إليه راكعة ..
لأول مرة سيستعمل سحره لنفسه .. العطف .. كثيراً ما عمل العطف لرجال ونساء ولم يفهم سر طلب الناس أن يحبهم فلان ويهيم بهم علان .. وما فائدة الحب أصلاً .. لكنه حينما قابل فاطمة فهم .. صحيح أن فرق السن وطبيعة عمله تجزم أنه ليس عريساً مناسباً لواحدة من الأحياء لكن من قال أن الأمور هنا تخضع لقانون الناس .. قانون علوش سيمضي ولن يعترض عليه أحد .. وبالفعل عادت الفتاة لتأخذ عملين بدلاً من عمل وانطلت عليها خدعة علوش ..لقد قرر أن هذه الفتاة له وليست لأحد غيره .. والويل كل الويل لمن تسول له نفسه الاقتراب من طرف ذيلها

***
لكنني ظهرت وطمعت فيما هو أكثر بكثير من ذيلها ..
ووصلته الأخبار بسرعة فهو المصب لكل المعلومات في القرية حتى الأمور بالغة الحساسية لا تخفى عليه ..دعك من أن مثل هذه الأشياء ينقلها الهواء قبل أن تتناولها الألسن ..
فاطمة ستتزوج ضابط النقطة .. البك الضابط الذي جاء من مصر ليخطف فاطمة على حصان أبيض..ولم يتوقع علوش أن يكون الصدام بينه وبين ضابط النقطة من أجل فاطمة ..
لابد أنه شاب ووسيم .. .. ومغرور كذلك ..لايمكن أن يتصوره إلا هكذا .. كما أنه لا يتصور نفسه إلا عجوزاً قبيحا ضحى بعينه اليمنى كي يرضي الأسياد ..
ً والأن ماذا حدث للعمل الذي أعطاه لفاطمة .. هل أخطأ في شئ ..
هل ألقت الفتاة العمل بمجرد أن مرت على ترعة..؟
لايمكن لفتاة في مثل سنها أن تفعل وقد اخبرت أن في تلكم اللفافة يقبع عريس المستقبل .. إذن ماذا حدث ..؟
-هل أصرف الزبائن بالخارج ..؟
التفت إلى عطوة بوجه خالي من التعبيرات وتمتم :
-أصرفهم ..
لا زبائن بعد اليوم .. سيكرس مجهوده كله في حل ذلك اللغز ..
ترى هل تخلت عنه الأسياد ..؟ بعد كل ما فعل .. أي شيطان جاء من مصر كي يعكر عليه صفو الأيام .. سيقضي الليل كله متفنناً في إيذاء ذلك الضابط .. سيخرج كل مواهبه الشيطانية فيه كي يجعله عبرة لمن يعتبر .. سترتجف من هول ما سيكون جدران البيوت في كفور الصوالح و ..
لكن عليه أولاًً أن يتأكد من أن الأسياد مازالو في صفه ..
وهكذا جلس أمام صفحة مليئة بالرمل وبدأ يخط عليها ثم أغمض عينيه وبدأ يقرأ ..
يهتز ويقرأ .. يحرك رأسه يمنة ويسرة ويقرأ ..
اخيراً تشنجت قبضته وهي تقبض قبضة من الرمل مصدراً انيناً كأنما يعذب في سقر .. ثم فتح عينه السليمة حمراء كالدم وهو يردد في حنق :
-لكن لماذا هو ..؟
و ضرب صفحة الرمل بقدمه فتناثر الرمل في كل مكان ورفع عقيرته إلى السماء صارخاً :
-لماذا ....؟

***

نعم لماذا ..؟
السؤال الذي يتردد بداخلي ويعصف بكياني .. والتمعت عينه الباقية في تلذذ ..هو مستمتع بإثارة الرعب في نفسي ..لكن هل كنت أبدو حينها خائفاً ؟
لقد تغيرت مائة وثمانون درجة يا مجدي .. وغرقت حتى أذنيك في مستنقع عالم لم تتخيل يوماً أن له وجود واقعي وليس في مخيلة العجائز .. ولفح صوته المتشهي أذناي :
-بعد رفض الأسياد التصديق على إيذائك وجعلك عبرة ..
قررت أن اكرس انتقامي من تلك التي فطرت قلبي حين تزوجتك ..
- لـ ..لماذا رفضوا إيذائي ..؟
قلتها كطفل تائه تركه أبواه في دهاليز عالم مزدحم بالطلاسم والأحاجي .. وكان صوت علوش هو المرشد لي في تلك المتاهة :
-لأنك .. لأنك مهم جداً بالنسبة إليهم ..
-لا أفهم ..
صاح علوش في جشع متلذذ :
-بل تفهم وتدرك في قرارة نفسك ..لكنك تكابر .. كل منا يخدم الأسياد بطريقته الخاصة .. وجهان لعملة واحدة .. لكن يبدو أنك في الوقت الراهن الأهم بالنسبة إليهم ..

***
حينما كنت صغيراً كانت أمي تنهرني إذا أكلت بالشمال وتخبرني أن ذلك فعل الشيطان ..وإذا كذبت تنهرني وتخبرني أن ذلك من وسوسة الشيطان .. وأن علي ألا استجيب لنداءات الشيطان التي يبثها في روحي فهو يجري في عروقي مجرى الدم وإلا صرت من حزبه وفريقه المخلد في النيران .. وعلى أن استجيب لنازع الخير..
الملاك الذي يرشدني إلى الخير كي اصير من اهله لكنني بالرغم من التحذيرات كنت اتلذذ بكل الموبقات التي يقع فيها طفل من سني ثم أنسب ذلك إلى الشيطان ..وما ذنبي أنا إنه الشيطان..
ولما كبرت وداهمتني أفكار اليسار أمنت أنه لا غيب وبما أن الملاك والشيطان غيب فهما لا وجود لهما على الحقيقة .. وكل ما يصدر مني هو مني ولا دخل لعوامل أخرى خارجية ..والخير والحق والعدل امور نسبية تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ..
هل عشت قرابة الثلاثين عاما في خدمة الشيطان ..وتذكرت ماركس وحواراتي معه ..هل كانت محض خيال أم وساوس شيطان مريد ..

هل كنت مهندساً في معمار الأسياد المسمى يوتوبيا ..؟
وهل يمكن أن اعود بعد قرابة الثلاثين عام إلى نقطة البداية مرة أخرى .. الإيمان بوجود نازع الخير ونازع الشر ..؟
الملاك والشيطان ..وما فوقهما من تدبير كوني ..بيد الله..
الله ..
كلمة لم أرددها منذ زمان ..
رباه ..لقد كان بإمكاني إنهاء عذابي ..فقط لو كنت لجئت إليك ..
لقد وقعت فاطمة البريئة الندية ضحية لذئبان ضاريان لا مكان للرحمة في قلبيهما ..؟
علوش أيها التاريخ الحافل بالإيذاء ..الأن بعد أن فهمت .. وعرفت حقيقتي لم أعد بحاجة إليك.. ودون تردد صوبت مسدسي الميرى إلى عين علوش المتبقية قائلاً في برود :
-كلانا يعرف في قرارة نفسه أنه يستحق ..
ولمحت شبح ابتسامة باهتة تغزو تجاعيد وجهه الشاحب وهو يتمتم :
-نعم ..
و ضغطت الزناد ..

***

عمرو مصطفى 01-05-2015 12:54 PM

خاتمة

وقفت مشدوهاً اتأمل اللوحة الدموية التي رسمتها بنفسي في قلب بيت علوش الطيني .. الدم وشظايا الجمجمة ورقائق المخ البيضاء تلطخ الجدار الطيني وراء علوش .. علوش الذي كان منذ ثوان يتأملني في تلذذ ..
الأن جاء دوري كي اتلذذ ولأول مرة في حياتي بقتل إنسان
صحيح أن علوش لم يكن إنساناً لكنه يبدو كذلك وهو ميت ..
جثة تعسة فقدت عينها اليمنى مقابل صفقة مع الأسياد وفقدت اليسرى بطلقة من مسدس خادم أخر من خدامهم ..دجال أخر وإن كان من نوع خاص ..
الأن لقى المجرم الاول عقابه ..وحان وقت عقاب المجرم الأخر
الذي يستحق القتل عشرات المرات ..
هنا لمحته .. بالفعل لم يكن له ظل وهو يعبر الباب المهشم ويتجه حثيثاً إلى حيث جثة علوش ..لقد حكى لي الأخير مشهداً مماثلاً يوم عقد الصفقة مع الأسياد .. الكلب الأسود الذي يلغ في دم الأضحية التي يتقرب بها للأسياد ..ترى هل قرر الأسياد اعتبار دم علوش مقدم لصفقة جديدة .. معي ..
ولما لا .. إن الإغراء يبدو شديداً ..ذلك العالم المجهول الذي
يفتح أبوابه أمامك لتدخل ..
- لكنك تملك خيار الرفض كذلك ..
التفت لمصدر الصوت .. كان ماركس يستند إلى الجدار في لامبالاة وهو يستطرد :
- ضغطة واحدة على الزناد وتتحرر من كل القيود ..
نعم ..ربما حان الوقت لقطع الصلة بينك وبين الأسياد .. وللأبد ..
ملمس الفوهة الساخنة التي يفوح منها رائحة البارود بدت وكأنها لمسة الموت ذاتها .. أغمضت عيناي ..
مداعبة يسيرة للزناد وتغادر ذلك العالم الغامض ..
لكن إلى أين ..؟ ربما لعالم أشد غموضاً ورهبة .. و..
وتذكرت ..
كانت أمي تنهرني إذا أكلت بالشمال وتخبرني أن ذلك فعل الشيطان ..
وإذا كذبت تنهرني وتخبرني أن ذلك من وسوسة الشيطان ..
وأن علي ألا استجيب لنداءات الشيطان التي يبثها في روحي فهو يجري في عروقي مجرى الدم .. وإلا صرت من حزبه وفريقه المخلد في النيران ..
وعلى أن استجيب لنازع الخير ..الملاك الذي يرشدني إلى الخير كي أصير من أهله..
وصرخت موقفاً تداعي سيل الذكريات :
- لا ...
لقد اختفى الكلب الأسود اللعين ..لكن كارل ماركس ظل واقفاً مستنداً للجدار بلامبالاة .. لو كانت النظرات تحرق لتحول ماركس إلى رماد الأن..
- لن أطيعكم ..
بالفعل كانوا هم المستفيدين في كلتا الحالتين .. إما أن أكون عبداً لهم وإما منتحراً هالكاً في سقر..
قال ماركس :
- لقد انذرتك منذ البداية ..لكنك ركبت رأسك ودمرت كل شئ ..
همست من بين أسناني :
- كنت شيطاني منذ البداية وأنا الذي حسبتك ملهمي ..
ابتسم في تواضع قائلاً :
- كنت ملهمك بالفعل ..ومازلت ..
جذبت نفس عميق وأنا أنظر إليه في غل ..
- لا ..
كان علي أن أخيب ظنه وأخالف وساوسه .. ولو لمرة واحدة..
وتناولت موقد الكيروسين ..
- ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟..
تجاهلته وقمت بإفراغ الموقد على كل شئ تقريباً في ذلك البيت الشيطاني الكريه ..
- أنت تدمر اليوتوبيا ..
التفت إليه ممسكاً بعود ثقاب مشتعل وقلت ببرود :
- نعم ...
هل هذه أصوات صرخات ..؟ لن أرتجف .. هل هذه أصوات توسلات .. ؟ لن استجيب ..
لقد تحررت منكم يا سادة الجحيم .. وحينما وقفت بالخارج
اتأمل النيران وهي تأكل البيت الشيطاني كنت أشعر في الحقيقة أنني
لا أحرق بيت علوش ..
بل أحرق شيء أخر عشت أسيراً له منذ نعومة أظفاري.
وأذكر وقتها أنني كنت أردد على أصوات طقطقة اللهب :
- فلتسقط اليوتوبيا ...
***
ومع أول شعاع للشمس عدت لداري ..
الدار التي تركت فيها فاطمة غارقة في دمائها ..لابد للمجرم أن يعود إلى موضع جريمته كي ينال عقابه ..
اتجهت إلى الفراش وانحنيت عليها وطبعت قبلة على جبينها الوضاء..لم أعد أملك إلا مراقبتها وهي تموت .. ودوت كلمات الكلب العقور في أذني ..
(( لم يعد باستطاعة أحد إنقاذها ..))
((لم يعد باستطاعة أحد إنقاذها..))
هنا رأيتها تفتح عينيها ببطء.. وسمعتها تهمس :
- مجدي ..لقد عدت ..
- نعم يا حبيبتي ..
تمتمت في وهن :
- حمداً لله على سلامتك ...
ساعتها لم اتحمل كل هذا القدر من الطهر والنقاء ..لقد نست ما جرى وما كان من بطشي بها ولم يشغلها إلا سلامتي ..
وبكيت بين يديها كطفل ..يوشك أن تفارقه أمه للأبد ...
- مجدي أنا بخير ..
رفعت طرفي إليها وشهقت مستجمعاً أنفاسي المتلاحقة :
- ستكونين بخير .. بمشيئة الله ستكونين بخير ..
نعم ..
فاطمة لن ترحل وما كان لها أن ترحل وتتركني وحدي لأكمل الرحلة رحلة الإيمان ..
سأقضي جوارها الليل والنهار بين يدي مصحف أبي ..
((قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..))
((حاول أن تثبت أنك ابني حقا ..))
نعم يا أبي ..الأن فقط صرت ابنك حقاً.. بيد مرتجفة افتح المصحف ..
(( لم يعد باستطاعة أحد إنقاذها ..))
كذب علوش .. لقد انساه سحره إرادة الله ..
كما انستنيها أفكار اليسار ...

وبصوت مرتعش من أثر الرهبة .. قرأت..
((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ..
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ..
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ))
ستشفى فاطمة.. بإذن الله ستشفى ..هذا هو رجائي في الله .. وهو لن يخذلني ..
بعد أن خذلتني زبالات أفكار البشر ..
الله وحده هو القادر على شفاء فاطمة ..
ولا يأس مع الإيمان ..

***
كان خبر احتراق بيت علوش قد شاع وصار حديث الناس ..
و تردد بينهم أن البيت احترق بفعل فاعل ..لكن من ..؟ هنا لا استطيع أن أجزم أنني خرجت من دائرة شكوكهم ..خصوصاً أهل أهل فاطمة لكن من يستطيع أن يثبت شيئاً ..ومن الذي ينكر على من يقتل ثعباناً.. لقد ذهبت مع ديريني وعبد الرحيم إلى موضع البيت المحترق ..وكان كلاهما لم يتخلص بعد من رهاب علوش .. مازال يخيفهم وإن صار كومة من الرماد..
أخذا يرددان بعض الأيات القرأنية وأنا معهما كذلك مما أثار الدهشة في عيونهما.. لكنني لم التفت.. كنا قد أبلغنا المركز وعملنا الإجراءات المطلوبة .. لقد تنفس رجال كثيرون الصعداء بموت علوش حتى رجال المركز فقد قال لي وكيل النيابة وهو يغلق ملف احتراق بيت علوش :
- لا شك أن الحادث لا يخلوا من شبهة جنائية ..لكن لو كان الأمر بيدي لأعطيت للفاعل نيشاناً ..
وبعد فترة قصيرة تمت ترقيتي فابتسمت متذكراً كلام وكيل النيابة
لقد تغيرت كثيراً جداً .. وأنا الذي جئت لأغير تلك القرية البكر
التي نظرت إليها يوماً باحتقار ..فغيرتني وكشفت لي حقيقتي..
كنت أشعر بسعادة غامرة وطمئنينة لم أشعر بها من قبل ..
فقد بدأت فاطمة تتعافى بالفعل ..لقد زال عنها سحر علوش ..
صار بإمكاني الاقتراب منها ولمسها ومداعبة وجنتيها فيتوردان خجلاً وقد زالت عنهما الصفرة المقيتة وغزاهما دم الحياء ..والحياة ..
وغداً أخذها لزيارة عائلتي ..
نعم ..
نعم يا فاطمة لقد كنت كاذباً حينما ادعيت أنني مقطوع من شجرة .. فلدي عائلة .. وسأفخر جداً حينما أقدمك إليهم ..
وسأظل أفخر بك حتى وأنا بالمعاش ..حتى وأنا أدون تلك الذكريات.. وإلى جوار افتخارى بك سأكتب : أنني كنت الأحمق الذي تحدى الدجل بالإلحاد..واجه الشر بالشر..
انكرت الشمس في وضح النهار ..وكان الدرس قاسياً ..
كنت أقول أن الرجل الحقيقي هو الذي يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ولقد تكلمت كثيراً جداً وأرى أنه قد آن الأوان ..كي ألوذ بالصمت..
وإن كنت موقناً أن صدى كلماتي سيظل يتردد عبر ردهات العقول وفي أقبية الأذهان..

***

تمت


عمرو مصطفى

انتهيت منها بفضل الله ومنته وكرمه في
الأحد 21 شعبان 1434- هـ
30 يونيه 2013 – م

زياد القنطار 01-05-2015 03:19 PM

مدهش هذا النفس الروائي ,والمدهش أكثر هو سبك أوثق عرى النص فجاءت الحبكة لتمسك بيد القارئ آخذة إياه بحنو هذا الحرف وسلاسته إلى روض ذائقة يسره النظر إليه أين التفت ..لغة باذخة وعذبة ...هذا النص بحاجة لوقفات متأملة إلا أنني استعجلت المرور للثناء على هذا العمل المائز الذي أثرى وأوقد لذائقتنا ...
خالص التقدير دام لحرفك هذا الجمال .

عمرو مصطفى 01-05-2015 04:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد القنطار (المشاركة 185751)
مدهش هذا النفس الروائي ,والمدهش أكثر هو سبك أوثق عرى النص فجاءت الحبكة لتمسك بيد القارئ آخذة إياه بحنو هذا الحرف وسلاسته إلى روض ذائقة يسره النظر إليه أين التفت ..لغة باذخة وعذبة ...هذا النص بحاجة لوقفات متأملة إلا أنني استعجلت المرور للثناء على هذا العمل المائز الذي أثرى وأوقد لذائقتنا ...
خالص التقدير دام لحرفك هذا الجمال .

حقيقة لا أدري ماذا أقول ..
أرجو أن تعود لقراءة القصة كاملة وأن تجدها ربع ما وصفت ..
خالص تقديري لرأيك السريع .. الذي أخجلني حقيقة ..
وإلى أن تعود مرة أخرى على مهل..

ياسر علي 01-05-2015 09:54 PM

هنيئا على هذا العمل الجيد أستاذ عمرو مصطفى ، رواية قصيرة بنيت على أسلوب السيرة الذاتية في بدايتها لاستدراج القارئ و احتضانه ثم تدخل به عوالم الحيرة و الخيال الفسيح دون التفريط في الواقعية ، رواية قصيرة عنوانها الأبرز ، سرد قوي و حبكة مكتملة .

قد تكون لي عودة إن شاء الله بعد إعادة قراءة الرواية و القصص الأخرى وربما مزيدا من أعمالكم أستاذي الفاضل .

شكرا .

عمرو مصطفى 01-06-2015 11:52 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر علي (المشاركة 185771)
هنيئا على هذا العمل الجيد أستاذ عمرو مصطفى ، رواية قصيرة بنيت على أسلوب السيرة الذاتية في بدايتها لاستدراج القارئ و احتضانه ثم تدخل به عوالم الحيرة و الخيال الفسيح دون التفريط في الواقعية ، رواية قصيرة عنوانها الأبرز ، سرد قوي و حبكة مكتملة .

قد تكون لي عودة إن شاء الله بعد إعادة قراءة الرواية و القصص الأخرى وربما مزيدا من أعمالكم أستاذي الفاضل .

شكرا .

بارك الله فيك .. سعدت بمرورك ورأيك في القصة يا أستاذ ياسر الكتابة على الشبكة العنكبوتية تجعلك تؤثر الاقتصار ..
فالقصص القصيرة تجد حظاً أكثر من غيرها .. ولدي قصص أطول نوعاً من تلك القصة يسر الله لي نشرها ..
المهم رحابة صدركم لأخيكم ..
وإن شاء الله تكون لك ولي عودة..

ايوب صابر 01-07-2015 07:46 AM

اقتباس "الرفيق ديريني لا يكف عن الثرثرة بعبارات الترحيب التي يجيدها القرويين والتي لا أدري من أين يأتون بها .. لكل كلمة رد مناسب منمق كنت بحاجة لمفكرة أكتب بها مصطلحات الرفيق ديريني التي قد أحتاج إليها يوم ما ..كنت منهكاً من الرحلة فأمرته أن يضع حقائبي وينصرف لحاله .. تأملت الاستراحة التي صارت مقري الدائم هنا في كفور الصوالح فراش عليه ملاءة مليئة بالرقاع والبقع البنية والصفراء وخزانة ثياب تشبه توابيت مصاص الدماء بجوارها ستارة يبدو أنها تداري وراءها مطبخ أو جثة متعفنة لعلها سبب تلك الرائحة ..هناك نافذة تشبه نوافذ الزنازين تطل على الحقول الممتدة إلى مالا نهاية الرائحة كانت تدير رأسي حتى أنني بحثت عن الدلو العتيد الذي يضعونه للمساجين لقضاء حاجتهم .. فلم أجد فتنفست الصعداء .. لم يصل الأمر لهذا الحد بعد ..لكن ..إذا لم يكن هناك دلو فأين الحمام إذن..؟
نظرت في ذعر للبقع الصفراء التي تلطخ ملاءة السرير .. وهززت رأسي مستبعداً الفكرة المقززة ..جلست على المقعد المجاور للفراش يبدو أنه يستعمل كأريكة للاستلقاء والاستمتاع بقرص الناموس والبراغيث في الليالي المقمرة ..وتأملت الستارة التي تغطي شئ ما وراءها ..ترى هل هذا هو المطبخ أم ..مددت يدي إلى الستارة بجوار الفراش وأزحتها ثم أطلقت شهقة فرح عارمة .."

- فاتني ان اتابع هذه الرواية الرائعة من البداية لكنني الان أستدرك ما فاتني . هذه رواية رائعة بحق ، كتبت باسلوب سردي مذهل ومن نمط الخيال السحري كالذي وجدته في رواية "مائة عام من العزلة "، حتى انني ظننت بان كفور الصوالح هي من صنع خيال الكاتب على شاكلة بابلو كايلو ، رغم ان الراوي يدفعني كمتلقي للاعتقاد بان القصة مبنية على اساس تجربة ذاتية اي انها قصة اقرب الي السيرة الذاتية فالأحداث تبدو واقعية والشخوص أيضاً .
وأين كان فإنني وجدت اسلوب القاص مذهل خاصة في قدرته على الوصف السحري كما في الفقرة اعلاه وكذلك في حشد ادوات السرد للتشويق ودفع المتلقي لان يغرق في متابعة الاحداث. *
كل هذا ولم اقرأ حتى الان الا التمهيد والجزء الاول وانا متشوق جدا لمتابعة القراءة واتصور انني ساجد متعة استثنائية في متابعة السرد الذي يبدو ان القاص محوره حول صراع نفسي داخلي وهو ما أعطى السرد قيمة عالية حيث جعل النص ينبض بالحياة التي تقوم على الصراع في مختلف اشكاله .
طبعا هناك عناصر قوة عديدة شملها الاسلوب السردي مثل الاهتمام في التفاصيل ومنها إتقان بناء الشخوص ومنها أيضاً ادخال عناصر التأثير مثل ذكر الألوان والحواس والأرقام والتصوير الفذ حتى ليظن المتلقي بانه يشاهد فلم سينمائي وليس قصة سردية .
*كما اجد بان القاص جعل نصه مفعم بالحركة ولذلك فهو مفعم بالحياة وهذا لوحدة عنصر جذب وتشويق وادهاش .

سرد رائع بحق واسلوب غاية في التشويق وحتما تستحق هذه الرواية القصيرة ان نضعها تحت مجهر القراءة النقدية الفاحصة لنبين سر هذه المتعة الهائلة التي يتحسسها المتلقي وهو يتابع قصة هذا البطل المتقاعد؟؟؟!!!

عمرو مصطفى 01-10-2015 11:58 AM

بارك الله فيك أستاذ أيوب صابر .. سعدت بمشاركتك وتعليقك على الجزء المقتبس من القصة ..
حقيقة وصفت أسلوب السرد بطريقة لم تخطر على بال الكاتب .. وهذا يدفعني دفعاً وأنا الذي كتبت أن اعود لقراءة القصة وهي خصلة في لا أجد منها ملجأ .. وهى أنني أكتب ثم أعود فأكتشف خفايا وخبايا بين سطور ما كتبت
لم تخطر لي على بال .. فلعل ما ذكرت من هذا الباب ...وانتظر منك تفاصيل نقدية أخرى..

(ملاحظة) : لاحظت أن بعض من رد لم يقرأ القصة كاملة حتى الأن
ومع ذلك أجد أحكام مسبقة حتى وإن كانت إيجابية ..
أرجو منكم قراءة القصة كاملة ونقدها وذكر الإيجابيات والسلبيات كذلك..
ولا تقطعوا عنق أخيكم بالثناء .. بارك الله في الجميع ..

ايوب صابر 01-10-2015 12:39 PM

الاستاذ عمرو

تحيتي لك واشكرك على هذه الرواية السحرية وانا اقول هذا وقد انجزت قراءة كامل الرواية بل كررت قراءة بعض الأجزاء اكثر من مرة وما كنت لانتظر كثيرا فقد أتممت القراءة في اقل من 48 ساعة لان عنصري التشويق والشد في النص لم يكن ليتيح لي مجال للانتظار لكنني بصراحة اجلت قراءة ذلك الجزء قبل الاخير من ساعات الليل المتأخرة الى نهار اليوم التالي من شدة الخوف الذي انتابني وانا اقرأ الحدث الذي نجحت باسلوبك الرهيب من توصيله لي وكأنه واقع .
اقتباس " ما حدث بعد ذلك كابوس اتركه لخيالك ..
المهم أن الضحية هذة المرة أثمرت .. حيث سمع العواء الطويل الحزين بالخارج .. وتهلل وجهه وهو يرنوا جهة الباب ..
- يا مرحب بالأسياد ..
بالخارج جاء يمشي حثيثاً ..أسوداً كالليل البهيم .. عيناه جمرتان من جهنم ..أسنانه تبرق كالماس تحت ضوء القمر ..
كلب أسود بلا ظل ..
وخر الرجل على ركبتيه في تبجيل مستقبلاً ذلك الذي وفد عليه من الجحيم .. أخيراً لبى الأسياد نداءه ..
مر الكلب بجواره وتجاوزه متجاهلاً إياه ..ثم اتجه حثيثاً ناحية جثة الطفل المذبوح ..
دار حولها وهو يتشمم الدم .. ثم ولغ فيه فتوهجت عيناه ..ثم دار على أربع وانصرف كان لم يكن ..
إنها علامة القبول ..
وأغمض الرجل عينيه وقلبه موشك على التوقف .. وبدأ يهذي بكلمات بلغة الأسياد ..ورأسه يتمايل يمنة ويسرة ثم صاح بصوت مرتجف دون أن يفتح عينيه :
- ستجدونني خادم مطيع .. خادم مطيع ..
شعر بشئ بارد يتحسس وجهه ففتح عينيه على اتساعهما وهو يلهث محاولاً السيطرة على ردود أفعاله ..لم يكن هناك شئ ..فقط هواء بارد يداعب وجنتيه ..قال بصوت مبحوح :
-أنا خادم الأسياد المطيع..
وشعر أن جدران البيت الطيني كأنها تتموج ..وبرودة تسري في اطرافه
-أنا خادم الأسياد الـ...
هنا بدأ يهتز كأنما مسه ألف جان ..وبدأ يهذي كالمحموم :
-أنا خادم الأسياد .. بحق طارش لم يسبق لي أن عقدت صفقة مع الأسياد من قبل ..؟
ثم بدأ يزوم مثل القط :
- هووووم ..فعلت.. كل الموبقات فعلت..كلها .. حتى أكل لحوم الموتى في قبورهم ..فعلت ..هووووم ...لم يعد لي قلب ..هووووم ولا ينبغي لي أن يكون ...هووووم ...مستعد للتضحية في سبيل رضاكم عني ..هووووووم .. لقد بذلت كل ما بوسعي ..
هووووم ..
ثم فجأة تبدل صوته إلى صوت أنثوي حاد :
-عينك اليمنى أيها الفاني ..عينك اليمنى .......
وحينما استعاد علوش وعيه بعد اللقاء الحميم مع الأسياد شعر بذلك الألم الحارق في عينه اليمنى وسائل الحياة اللزج يلطخ وجهه وثيابه وأنه لا يرى بعينه اليمنى و..
دوت صرختة مجلجلة طويلة ملتاعة ..
صرخة رجل نزع عينه ليضعها في طبق ..قرباناُ للأسياد .."



للعلم فقط أنا لا اثني او أمدح اذا لم يكن هناك ما يستحق الثناء والمدح وما قلته بعد قراءة الجزء الاول والتمهيد استطيع ان اثبته بعد ان انجزت القراءة. بل اقول ان قدرتك السردية اذهلتني وانا على قناعة بان هذه الرواية راقية جداً ومن نمط قصة " مائة عام من العزلة " واتصور ان بامكانك فعل ما فعله كايلو في روايته وهو عدم إقفال القصة حيث قفلتها بل ان تجد طريقة لاستمرار الصراع بين الشيطان الذي يمثله علوش وبطل النص وان يستمر ذلك الصراع لعدة اجيال وانا اضمن لك ان تمكنت من فغل ذلك بنفس النفس السردي جائزة نوبل للأدب على هذا النص الرائع .
طبعا سأعود للحديث التفصيلي عن بعض الجوانب وارجو ان يشارك الأخوة في نقد النص وإيضاح نقاط الضعف والقوة للفائدة العامة .

عمرو مصطفى 01-13-2015 03:12 PM

الأستاذ أيوب..
رأيك يشرفني بالتأكيد .. وأنا لم أقرأ مئة عام من العزلة.. حتى يمكنني النفي أو الإثبات..
فلدي مشكلة مع الأدب المترجم وهو أنك تقرأ للمترجم لا للكاتب .. وبحسب نفس المترجم
يكون رأيك في القصة والذي قد يظلم الكاتب أحياناً كثيرة ..
أما جائزة نوبل فهي ليست لأمثالي مهما بلغت براعتي في الكتابة مبلغها ..
وهذا ليس لعظم شأن الجائزة .. ولكنني لابد أن اتحول لعلوش أخر وأبيع روحي للشيطان
كي أنالها بجدارة ..
شكراً لك جداً على المتابعة والتحليل .. وبانتظارك من جديد ..

ايوب صابر 01-25-2015 03:40 PM

استاذ عمرو
يحزنني ان استشف من كلامك نبرة احباط. ويبدو انك تقلل من شأن قدراتك على الكتابة السردية الرائعة.

ربما يكون كلامك صحيح حول الترجمة لكن مهما كانت الترجمة سيئة فهي تنقل لك روح النص وحبكة الكاتب الاصلي والمهم في هذه الرواية التي ذكرتها لك هو ان الكاتب تمكن بخياله السحري من اختراع قرية غير موجودة في الواقع في بلده كولومبيا واخترع ابطال وكتب عن اجيال منهم حتى صار لديه رواية بدلا من قصة قصيرة.

اتصور ان لديك فرصة بأن تفعل مثل ما فعل فالادب تقليد للتلقيد وتقليد للحياة كما يعرفه الاكاديميون، حتى وان كانت قصتك تميل الى الواقعية السحرية اكثر منها خيال سحري.

وهذا طبعا لا يعني ان تقلده بحيث يكون عملك نسخه طبق الاصل عنه ولكن يمكنك مثلا خلق استمرارية بطريقة مختلفه وباسولبك الرائع بان تجعل مثلا بطل النص يظل في صراع مع وريث ذلك الشرير بأن تجعله ينجب من ماعز مثلا ؟! او ان تدخل شخصية جديدة هو ابنه من زوجة اخرى في بلد أخر كان قد نسي امره؟! وهكذا وهذا يعود لك انت وحدك.

المهم ان نصك جميل للغاية في تقديري ويستحق ان تعمل على تطويره لنص روائي. ولا بد في هذه الحالة من اجراء تعديل على الخاتمة ولعلني اقول المزيد عن ذلك حين اعود خاصة فيما يتعلق بالجزء التقريري او الارشادي المتمثل في النص القراءني فيمكنك ايصال الرسالة دون ان تميل الى الكتابة المباشرة والارشاية وكأننا في حصة وعظ وارشاد رغم تفهمي لغايتك ودوافعك من واقع الحوار الذي قرأته في منبر الحوارات حول المدجنون.
اما بخصوص الفوز في جائزة نوبل فالمقصود هو انك لو سعيت الى تطوير النص ضمن ما وصلني كمتلقي من روعة الاسلوب تكون قد انتجت نصا عالميا من حيث المستوى يستحق الفوز بجائزة نوبل لو كانت اللجنة المشرفة محايدة وعادله. اتفق معك بأن نوبل مسيسة ومتحيزة وهذا خلاصة بحث اجريته انا شخصيا هنا في منبر الدراسات ضمن بحوثي حول العلاقة بين اليتم والكتابة الابداعية العبقرية وفي اعلى حالاتها.

و بالمناسبة ومن واقع دراساتي اتصور ان كل من يكتب بخيال سحري او واقعية سحرية مؤثرة على شاكلة ما تكتب انت غالبا ما يكون قد مر في طفولته بتجربة ماساوية مثل اليتم او اي حالة من حالات الفقد ...فهذا ج. ر. ر تولكن تمكن بخياله السحري من وضع افضل الروايات على الاطلاق بل لقد تمكن من وضع لغة للجن وكان متفردا في ذلك وما كان ليتمكن من فعل ذلك لولا انه كان يتيم الاب والام!

لا بد ان ذهنك يمتلك مثل هذه القدرة وحتما انت قادر على انتاج المزيد من السرد الرائع وتوقفك عن توليد مثل هذا النص الرائع يرتقي الى مستوى الجريمة بحق نفسك وحق الادب السردي.

عمرو مصطفى 01-26-2015 03:09 PM

لست محبطاً ..
فقط لماذا نعتبر التفوق والإبداع صكاً بيد الغرب..
حتى إذا أردنا مدح عمل ما نقرنه بجائزة نوبل .. موسوعة جينيس ..الخ ....
هى أشياء ترسخت في وجداننا ولم نتخلص منها بعد ..
اتمنى أن يكون صك الإبداع والتميز بيد إسلامية عربية نظيفة..
تقبل تقديري لكل ما كتبت عن قصتي ولا تعبأ بنظرتي المكفهرة ..
بوركت يا أستاذ أيوب


الساعة الآن 05:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team