عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2011, 02:31 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المصدر الثانى : الجهات الخارجية

الإتجاه الثانى المتمثل فى الجهات الأجنبية , هو مصدر معروف ومتفق على تورطه وإن كان كل من هب ودب ينسب إليه خرافات لو كان يمتلكها فعلا لما كان فى حاجة إلى حياكة المؤامرات ,
ومؤامرات أجهزة التخابر ليست بتلك السذاجة التى يُصورها البعض بحيث يكتشفها كل قائل , لا سيما مع غياب فقه الدليل , وفقه الأدلة هو الذى يُمكنه تمييز الغث من السمين
وتقوم أجهزة الإستخابارات الغربية عبر أقسام كاملة معدة لهذا الغرض .. تقوم على مبدأ الحفاظ على الحال بالنسبة للشرق الأوسط حيث وصلت الولايات المتحدة والغرب عموما إلى أقصي درجات الرضا واستقرار سياساتها بالشرق الأوسط سواء بالإحتلال العسكري المباشر الذى تتحمل نفقاته الخزانة العربية ! أو من خلال زرع مناصريها وعملائها على رأس كافة النظم العربية وضمان أن سياستهم إن هى إلا سياسة خدمية تقوم على تفعيل السياسة الأمريكية وفق مخططاتها المعروفة والمعلنة حتى بمذكرات قادتها ..
وسبق أن أوضحنا أن وجود قوات الإنتشار السريع فى محيط الشرق الأوسط كان مخططا له منذ حرب أكتوبر 1973 حسب ما كتبه الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون فى مذكراته التى صدرت بعنوان ( نصر بلا حرب ) وهو يهدف إلى أن وجود القوات الأمريكية بالقرب من منابع البترول هو الحل الوحيد لضمان مصادر الطاقة الأمريكية والسيطرة عليها والدفاع عنها دفاعا مباشرا ضد أى محاولة للتخلص من الهيمنة الغربية على نحو ما حدث فى حرب أكتوبر عندما تجرأ العرب ومنعوا إمدادات النفط عن الولايات المتحدة والغرب واستخدموا البترول كسلاح ضغط سياسي ..
فاستقرار أوضاع الشرق الأوسط ـ لا سيما بعد تغير اتجاه السياسة المصرية ــ واحتلال العراق كان هدفا عزيزا وغاليا وجب الحفاظ عليه بعد أن تمكنت القوة الأمريكية من إماتة أى مصدر للخطر أيا كان ..
فالخطر المتمثل فى أكبر ثلاثة جيوش بالمنطقة وهى الجيوش المصرية والسورية والعراقية تم إماتة مصادر الخطر فيه بطريقة عملية إما عن طريق لعبة المفاوضات التى لا تنتهى وألعاب السيرك السياسي القائم على القبول بالأمر بالواقع , وإما عن طريق تغيير استراتيجية القتال واعتبار نشوبه أمرا مستحيلا , وإما بالإحتلال المباشر ..
أما عن أخطار استخدام البترول كسلاح استراتيجى مستقبلا فقد تم منعها للأبد وبتكلفة عربية مائة فى المائة تحت زعم الدفاع عن مصادر البترول من خطر جيرانه العرب ! وها هى القوات الأمريكية ترتع فى حرية كاملة بمناطق نفوذها على نحو يستحيل معه تكرار تجربة حظر اكتوبر 73 فى أى حرب مستقبلية

ولأن وجود أنظمة متسلطة ورءوس حكم فاسدة فى المنطقة العربية هى أساس عمل النظام الأمريكى للحفاظ على مصالحه , فقد أصبح من الثوابت البدهية أن الولايات المتحدة ستعمل بكل قوتها على رفض التغيير للأنظمة الحاكمة ورفض التجربة الديمقراطية أو تجربة الشورى ومنعها بأى شكل من الوجود فى المنطقة العربية ..
لماذا ؟ ..
لأن وجود حياة ديمقراطية سليمة على إثر الثورات العربية معناه ببساطة أن الشعوب العربية ستكون مالكة لأمرها وليس هناك ولى متجبر للأمر يمسك بزمام الأمور ليصبح ألعوبة فى يد السياسة الأمريكية لتوجهه كيف شاءت , ولما كان من المستحيل على الولايات المتحدة أن تسيطر على مقدرات أى شعب فى العالم بغير وجود حاكم ديكتاتورى مطلق على رأس هذا الشعب , صار من لوازم السياسة الأمريكية أن تدعم بكل قوتها قيام الثورة المضادة على نحو ما نفذته فى إيران بالقرن الماضي عندما دعمت المخابرات الأمريكية انقلابا عسكريا أعاد شاه إيران للحكم بعد أن انتفض الشعب ضده بقيادة رئيس الوزراء محمد مصدق ,
ونجحت الجهود الأمريكية بقيادة رجلها روزفلت فى إعادة الشاة عن طريق عملائها فى الجيش واستغلت الإنقسامات الحادثة فى نسيج الشعب الإيرانى لإعادة عميلها الأثير فى المنطقة ..

وخطوة إعادة الشاة بطريق الإنقلاب العسكري المباشر هى أحد وجوه الحل لتحافظ الولايات المتحدة على استقرار مناطق نفوذها وهى طريقة لا تصلح لمناصرة عملائها ورءوس الأنظمة الموالية لها فى كل الأحوال , ولكنها لكى تنجح فى ذلك لابد لها من وجود تفتت فى نسيج المجتمع يمنع اجتماعه على كراهية النظام الحاكم ..

والطريقة الثانية التى تتبعها السياسة الأمريكية
هى طريقة التخلى التام عن العميل الديكتاتور وتركه لمصيره , والبدء فى عمل الثورة المضادة من داخل الشعب وهذا إذا كانت الثورة الشعبية هى التى قامت لخلع الدكتاتور على نحو اجتمعت فيه كلمة الشعب فى كلمة واحدة وعلى نحو يستعصي معه تجريب الإنقلاب العسكري المباشر لأنه لن يفت فى عزيمة الشعوب مهما سقط منه من ضحايا ..
فيكون الحل الأيسر عن طريق نفاق هذه الشعوب والظهور بمظهر المناصر لحق الشعب الثائر فى تقرير مصيره والتخلى التام عن الدكتاتور المخلوع ومحاولة القفز على الثورة من عملائها ودعمهم لتشويه صورة قيادات الثورة أو لاستمالتهم ..
وهذا ما نفذته الولايات المتحدة حرفيا فى إيران عندما قامت الثورة الثانية فى نهاية السبعينات ,
فقد تخلت تماما عن الشاه ــ وهو نفس الحاكم الذى أعادته لعرشه فى الخمسينيات بانقلاب خططته المخابرات الأمريكية ـــ وذلك بعد أن فقد حريته وفقد فرص الحفاظ على نظامه الدكتاتورى بل وبلغ التخلى عن الشاه أن الولايات المتحدة رفضت منحه تأشيرة دخول لأراضيها سواء للهجرة أو للعلاج !
واستدارت الولايات المتحدة إلى الشعب الإيرانى تخطب وده وكأنها لم تكن فى يوم من الأيام أكبر مناصري سياسة الشاه والداعم الأول له وانطلقت تحاول أن تجند قيادات الثورة أو تشوه أولئك الرافضين لها مثل الدكتور موسي الموسوى وتعمل على فتق نسيج الشعب الثائر لينشغلوا بصراعاتهم الداخلية عن بناء الدولة الحرة الحقيقية التى تمتلك مصيرها وقرارها ..

نفس المعادلة فعلتها الولايات المتحدة وإسرائيل فى مصر ..
في بدايات الأحداث ناصرت الولايات المتحدة مبارك ــ عميلها وكنزها الإستراتيجى ــ وبعدها بأيام وعندما أفلت الزمام من مبارك بعد موقعة الجمل فى 2 فبراير انطلقت الولايات المتحدة تجرب خطتها الثانية القائمة على نفاق الشعوب وكثرت تصريحات الخارجية الأمريكية عن حق الشعب المصري فى تقرير مصيره وتصريحات أخرى تدعو مبارك للتنحى !
وكأن الولايات المتحدة اكتشفت فجأة أن مبارك كان دكتاتورا يعمل لغير صالح شعبه اعتمادا على نظامه البوليسي السافر ! ,
ولأن الثورة الشعبية المصرية كانت أول ثورة فى العالم ــ بعد ثورة تونس ـــ تقوم بغير قيادات بارزة لها على الأرض , فقد احتارت السياسة الأمريكية فى كيفية السيطرة عليها أو التعامل معها ولهذا جندت كل قوتها لدعم الثورة المضادة بمصر عن طريق تشويه بعض الفصائل المعارضة التى شاركت فى الثورة بهدف الإيحاء أن هذه الفصائل عميلة للسياسة الأمريكية وهو ما أخذه إعلام مبارك ليتغنى به طيلة الشهور الماضية بالتعاون مع جهاز أمن الدولة الذى يعمل من الباطن ويسرب التقارير المزورة لتشويه صورة الثورة ,
وهذا ما سيعجزون عنه بإذن الله لسبب بسيط جدا لن يتمكنوا إطلاقا من تلافيه ..
ألا وهو أن الثورة الشعبية المصرية التى خرج فيها عشرين مليون مواطن ليست لها أى قيادة على الأرض وكل الحركات الثورية أو حركات المعارضة التى شاركت فى الثورة كبقية الشعب إنما جاءت مشاركتها بدور لا يختلف عن دور أى مواطن حر فى البلد خرج لينادى بالعدل والحرية وإسقاط الظلم ..
ولو أن الحركات الثورية ــ التى يبذل الإعلام جهده لتشويهها ـــ كانت جميعا بالفعل من عملاء الغرب ـــ وهذا ما يمكن أن نعتبره من أحلام اليقظة ــــ لما نال ذلك من وطنية الثورات بمقدار خردلة ,
وهذا لسبب بسيط أن دور هذه الحركات لم يتعد رجالها الذين هم بالعشرات وتأثيرهم على الشارع محدود للغاية ,
ولو كانت حركة كفاية أو حركة 6 إبريل أو الجمعية الوطنية للتغير تمتلك رصيدا مهولا كهذا الذى يطنطن به مطلقوا الإتهامات , إذا لاستولوا على البرلمان على الأقل
وهذا ما لم يحدث ..
فلم يفز أيا من فصائل الثورة بأى موطئ قدم على الإطلاق بل جاءت الانتخابات بعكس ذلك مما يثبت بشكل قاطع أن هذه الفصائل والحركات ليس لها أى نفوذ على الشارع لتكتسب مقعدا فى مجلس الشعب فما بالنا بتحريك عشرين مليون مواطن فى الميادين !!

وعليه فدوافع الغرب معروفة ومفهومة أيضا سواء فى دسهم المتعمد لأخبار ملفقة تنال من وطنية بعض رموز المعارضة ضد نظام مبارك أو فى سكوتهم عن الإشاعات التى تلاحق هؤلاء المعارضين أو فى نصبهم الفخاخ الإعلامية لبعض شباب الثورة الذين لا يدركون أهداف هذا الإحتفاء وأهداف تلك الجوائز العالمية التى يرشحونهم لنيلها , حيث تقوم السياسة الأمريكية ــ فيما بعد الثورة ــ بالإحتفاء الشديد بشباب الثورة طمعا فى أن ينال منهم هذا الإحتفاء فى أوطانهم ولو كان شباب 6 إبريل أو حركة خالد سعيد من ذوى الخبرة والتعقل لرفضوا تلك الترشيحات والمقابلات التى أنشأتها الولايات المتحدة لهدف واحد ألا وهو دعم اتهامات العمالة لهؤلاء المعارضين !

ولو أن هناك ذرة عقل فيمن يستمع إلى هذه الإتهامات ولا ينكرها , لتأمل جليا وتساءل بسؤال منطقي بالغ البساطة ...
هل يوجد عميل لأى نظام مخابرات معادى فى العالم يقوم الجهاز الذى جنده بنصرته على هذه الصورة الساذجة ؟!
بمعنى أن مصر مثلا عندما جندت رفعت الجمال وعمرو طلبة وغيرهم هل ناصرتهم إعلاميا ورشحتهم للجوائز ومنحتهم اهتمامها أم أنها تجاهلت وجودهم تماما وقطعت كل صلة بينها وبينهم حتى لا تنبه أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى حقيقة نشاطهم ..
وحتى فى تجنيد الشخصيات العامة ,
لا يمكن أن يكون العميل الإعلامى ذو صلة وطيدة أو صلة من أى نوع بالغرب لكى لا يفتقر إلى المصداقية حيث أن المصداقية فى الشعوب العربية مبنية على العداء ــ ولو ظاهريا ــ لسياسات الغرب فى الشرق الأوسط
ولو أن وائل غنيم وشباب 6 إبريل وغيرهم من شباب الثورة كانوا عملاء ومنفذين للسياسة الأمريكية ! , هل كانت السياسة الأمريكية تعمد إلى دعوتهم علنا لقبول جوائزها وزيارة أراضيها والإحتفاء بهم احتفاء الأبطال !
أم كانت ستمارس عليهم أقصي درجات التعتيم الإعلامى باعتبار أن العمالة والعلن لا يتفقان وفق أبسط منطق أمنى معروف ؟!
ولا عزاء لأصحاب العقول ؟!

يتبع فى بقية المصادر ..