عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2010, 02:35 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: تعلم كيف تـُربي .. وتعلم كيف تـُنشئ
" منذ عدة أشهر وفى وسط مدينة القاهرة تعرضت عشرات الفتيات لاعتداءات وتحرشات جماعية من بعض الشباب ولم تجد الفتيات سبيلا لانقاذهن لا من المارة ولا من الشرطة التى أتت بعد الأوان .. ومثل هذا التصرف الذى مر مرور الكرام لو حدث منذ نصف قرن فقط فى نفس المكان لقتل المارة فى الشوارع أى معتدى يحاول أن يقرب أى امرأة تسير فى أمن وأمان تحت حماية القيم التى هانت اليوم "

والسبب الطبيعى هو التغريب الذى حل بالبلاد والعباد ليشوه العالم العربي وينزع عنه كل صفاته التى صنعت منه كيانا متماسكا .. وكل هذا تحت دعاوى استيراد حضارة الغرب ..

فلا نحن أصبحنا عربا كما كنا ولا صرنا غربا كما هم بالغرب .. ولم يبق لمن أراد التربية السليمة الأبنائه إلا الانكباب على خويصة نفسه على حد قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وتطبيق حدود التربية الاسلامية داخل محيط أسرته

والتربية الاسلامية لا تعتمد فقط على دور الأب أو الأم أو المجتمع فقط .. بل يلزم هنا أن ندرك مقومات النجاح فى تربية النشئ تربية صالحة وتنقسم تلك المقومات إلى نوعين ..

نوع غيبي لا سلطة للمربي فيه ولا علاقة له بالناشئ .. ونوع آخر يعتمد كليا على ممارسة المربي لشروط التربية الاسلامية ويقع أثره على الناشئ

أما النوع الذى لا سلطة للمربي فيه .. فهو الذى عرفناه من الآية الكريمة
" وليخشي الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا "

وهو شرط جوهرى بدونه لا مجال لانتظار النتيجة المرجوة بالنجاح فى التربية .. فلابد للأب المربي أن يتقي الله بالمعنى الحقيقي للتقوى وينطق لسانه بالقول السديد إذا أراد لتجربته أن تنجح فى بنيه ..

فمهما حرص الأب على تطبيق القواعد التربوية لن يخرج الثمر اليانع بينعه أبدا ما دامت التقوى غائبة مع القول السديد لأن الغرس يعتمد على نشاط الغارس مقرونا بتوفيق الله ولن يكون هناك توفيق بدون الشرطين السابقين ..

وبالنسبة للنوع الثانى فيكن إجماله فى الشروط التالية والتى تم تقسيمها إلى ثلاثة مراحل عمرية مختلفة لكل مرحلة طريقة فى التعامل مع الناشئ وهو الأمر الذى تحدث عنه أشرف الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى الحديث الشهير الذى تحدث فيما معناه

" لاعب سبعا وأدب سبعا وصاحب سبعا ثم اترك الحبل على الغارب "

ففي خلال السبع السنوات الأولى لا يكون مطلوبا من الأب إلا المتابعة فقط وليس مطلوبا نهائيا أن تكون هناك أدوات منع أو حظر بالنسبة للطفل الذى يجب تركه على سجيته وحريته إلى أقصي مدى لاشباع عناده الطفولى الغريزى لأن عدم إشباع العناد هو الذى يتسبب فيما بعد فى تمرد الطفل بعد أن يطرق مرحلة الفتوة والشباب

وإضافة إلى المتابعة .. يجب أن يكون فى ذهن الأب المربي حقيقة دامغة وهى نظرة طفله إليه يكون مؤداها أنه قادر على كل شيئ وأى شيئ فمنتهى بصر الطفل فى تلك المرحلة يقع عند أبويه .. فيلزم الحرص الكامل معه فى تلك المرحلة لاجابة طلباته من ناحية والأهم إجابة استفساراته بطريقة بسيطة تناسب سنه مع توخى الحذر الشديد وعدم الاستهانة بعقل الطفل وإظهار الاستهانة أوالسخرية من تساؤلاته لأنها فى الواقع تكون تساؤلات معضلة فى أغلب الأحيان

" مثلا سؤلت من طفل لم يبلغ الرابعة من عمره عن ما هية الجماد فأجبته بأنه كل ما لا يأكل ولا يشرب ففاجأنى بسؤال أفدح عندما استفسر منى قائلا إذا هل يعتبر الله من الجماد لأنك قلت لى من قبل أنه لا يأكل ولا يشرب !! "

وتاتى المرحلة التالية وهى السبع السنوات المضروبة للتأديب وهى مرحلة أخطر من سابقتها لأنها مرحلة الالزام الجبري باتباع قواعد معينة وتدشين العقيدة فى عقل الطفل بممارسة الصلاة والعبادات واجباره عليها إن أبي .. وتلك المرحلة تبدو سهلة أو واضحة فى كونها تقتضي تلقين الطفل العبادات المطلوبة والبدء فى تغذية عقله بالمعلومات .. وكل هذا بسيط لكن ما يجدر الالتفات إليه هو ضرورة أن يتضاعف حذر الأب أمام طفله فى تلك المرحلة لأن استيعابه وذاكرته تكون أشد ألف مرة من ذاكرة والده فضلا على أن عقل الطفل يبدأ فى التفتح لاستقبال المثل العليا وأولهم والده ..

ويجب أن يعرف كل أب أن طفله فى تلك السن سيقرن أى أمر يتلقاه بموقف والده إزاء نفس الأمر وستكون الرقابة بينهما متبادلة .. وتصبح كارثة بالطبع إن طالب الأب ولده بالصلاة والانتظام فيها وهو نفسه مقصر بها .. وكذلك أن يـُعاقب الوالد على الكذب ثم يراه الطفل فى نفس الموضع ..

ومعيار الخطورة هنا أن الطفل تحت تأثير خوف العقاب لن يجرؤ على مصارحة والده بانتقاده له لكنه سيكتمه ويفسره على أن الشيئ الوحيد الذى يجبره كطفل على الانصياع لتلك الأوامر القاسية هو كونه صغير السن وتحت ولاية الغير وبالتالى عندما يشب عن الطوق سيكون من حقه ترك تلك القواعد كما فعل والده .. !!

فضلا على أمر بالغ الأهمية يتاناساه معظم الآباء وهو ضرورة أن تكون الأفعال المحظورة التى يحذر الأب المربي منها أبناءه هى أفعال مـُجرَمة مع التبرير لا بمجرد إصدار الأمر بعدم فعل
وأخطر أمثلة هذا الأمر هو ما يفعله الآباء لتبرير شيئ ما دون منطق مقنع للطفل تصرفات منتقدة يمنعون منها أبناءهم ويقرورونها لأنفسهم كالتدخين مثلا .. بعض أولياء الأمور يضطر إلى نزع صفة العادة السيئة أو الضارة عن التدخين لكى لا يبدو أمام طفله مقصرا أو مخطئا ..

وتلك كارثة لأن الطفل سيختزن هذا بذاكرته ولن يجد مانعا أمامه من ممارسة نفس الشيئ وسينمحى منطق الوالد فى ثورته على ابنه المدخن ولن يجد أمامه إلا اتهامه باساءة الأدب عندما يسأله الابن بمنطق بسيط ان كان التدخين فعلا سيئا فلم تفعله وان كان مباحا فلم تمنعه عنى ؟!..

فيضطر بعض الآباء هنا إلى الهروب من المأزق بتقرير حقيقة أن التدخين للكبار مباح وللصغار ممنوع .. وهى كارثة أخرى سيجنى الأب سوء ثمرتها فيما بعد عندما يدخل الابن المرحلة الثالثة وهى الأخطر والمسماه بمرحلة المراهقة ..

والحل الوحيد أمام فعل التدخين أو غيره مما يضطر الآباء إلى ارتكابه أمام أبنائهم ليس إنكار حرمة تلك الأفعال بل تقرير حرمتها والاعتراف أمام الأبناء بالتقصير لتأكيد قيمة الحق فى أعماقهم ومبرر الآباء فى منع الأبناء من تلك التصرفات هو منع الخطر عنهم بسبب أفعال تمت تجربتها ولم ينجح الآباء فى الخلاص منها

وإن انتقص هذا من قدر الوالد فى شيئ أمام طفله فهذا أهون كثيرا من إسباغ المشروعية على أفعال غير مشروعة فضلا على أن نطق الوالد أمام طفله بالحق دائما هو السبيل لاعلاء قيمة الحق والاعراف بالخطأ أمام الأبناء

وتبدأ أيضا قدرة القراءة والاستيعاب فى تلك المرحلة .. وهى التى يجب أن يقوم الوالد فيها بدور الأب ودور المعلم فى نفس الوقت تفاديا لقصور دور المدرسة فى تنشئة الأبناء للأسباب السالف ذكرها .. لا سيما مع نظم التعليم الحديثة التى ضربت الجوانب التربوية فى مقتل بتقريرها للغات الأجنبية مثلا فى مرحلة التعليم الابتدائي وهو الأمر الذى يضر أبلغ الضرر باللغة العربية التى يلزم تلقينها للطفل من البداية ولفترة كافية بشكل منفرد لأسباب تعليمية وعقائدية أيضا لأن تلك الفترة هى فترة تعليم ممارسة العبادات وأولها الصلاة واللغة العربية السليمة هى بوابة الاجادة فى تلك العبادات التى يجب أن يتشربها وعى الطفل قبل البدء فى شغل عقله بلغات أخرى ستحل محل العربية لسهولتها من ناحية وأيضا لكونها شيئا جديدا ومثيرا يلفت انتباه التلميذ ويدفعه إلى السعى خلفه ..
إضافة إلى أن تلك المرحلة تكون مرحلة التدريب للسعى خلف المعلومة واكتسابها لأن عقل الطفل فى تلك المرحلة يكون مؤهلا لتسجيل ما يراه فى ذاكرته التى تتسع لمعارف ضخمة تؤسس شخصيته فيلزم هنا للأب أن يتولى تعميق هواية المطالعة واكتساب المعلومات لدى طفله بشكل شيق لا يمثل إلزاما بحيث تبدو تلك المعارف عبارة عن فترات لهو ولعب لا فترات تعليم وإجبار تنفر الطفل بطبيعتها الالزامية وهو الذى يعانى من إلزام المرحلة الدراسية والعبادات

وتوفير هذا أمر بسيط للغاية يتمثل فى اصطحاب الوالد لطفله إلى رحلات ترفيهية منوعة زاخرة بشرح من الوالد لما يراه الطفل أمامه فتقترن المعلومة بالمشاهدة ونفس الأمر بالنسبة لطبائع المجتمع حيث يجب أن يتولى الوالد شرحها خلال تلك الفترة بأسلوب شيق يبين للطفل فيه الجوانب الايجابية والسلبية آثار كل منهما على المستقبل بشكل بسيط يستوعبه الطفل بيسر وسهولة

بهذا الشكل سيحفز الآباء فى الأبناء حب تلقي المعلومات وهو الطريق الذهبي للقراءة والتى تعد أمرا لا غنى عنه فى تلك الفترة ويجب أن يتعامل معها الآباء كضرورة لا كموهبة يشجعونها إن توافرت ابتداء فى أبنائهم .. ولتعميق حب القراءة على الآباء اجتلاب القصص المسلية والمصورة المعدة خصيصا للأطفال وهذا وحده كفيل بتحقيق هدفين هامين ..

ونتابع ..
.