عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2012, 01:50 PM
المشاركة 364
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة في رواية طائر الحوم... لحليم بركات


قراءة منقولة عن مدونةكتب..


أتمنى لكم قراءةممتعة..


المصدر : الانترنت والمؤلف غير معروف.


الرواية تعد سيرةذاتية ( تحدث عنها الكثيرون باعجاب شديد وقلة من تمكنت من قراءتها لعدة اسباب تتعلقبانتقال الكتاب عبر اشواك الحدود العربية ) وهذا النوع من الادب قليل جدا في ادبناالعربي أصلا ، ويعاني من احجام اعترافات المبدعين وتخوفهم من اظهار تجاربهم وحياتهملعيون الناس ، وقد تم طرح هذه الاشكالية للسير الذاتية في الكثير من وسائل الاعلامالمقروءة ولكن يبدو ان حياتنا العربية ما زالت تخاف البوح


وانتشيت ايضا لأنيلمحت رائحة تأثر هذه الرواية وبتأثر مؤلفها بنيرودا .. وهكذا نجد انفسنا في دائرةالتأثر والتاثير .. ولذلك يصير الأدب انساني كوني بروح الانسان فيه


كتاب يثيرالكثير من الموضوعات منها على سبيل المثال لا الحصر : غياب السير الذاتية كجنس ادبيابداعي ، معاناة المثقف العربي وتغييب دوره في حياتنا العربية


اضافة الى الصراعالانساني مع الحياة والموت ، وكلاهما يتحولان الى رموز يومية تتنفس معنا



عنوان الكتاب ” طائـر الحوم



المؤلف : حليم بركات


الطبعة رقم 1


الناشر: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع


159 عدد الصفحات :



في هذه الرواية يقدم لنا حليم بركات بأسلوب شاعري أخاذ ،تقريراً صادقاً عن حياته الشخصية ، ففي رواية قصيرة ذاتية ومركزة يستعيد بركاتماضيه كله ويزودنا بوثائق أصيلة عن رحلة حياة طويلة في الاقتلاع والحنين إلى الوطنوالإغتراب والنفي الأبدي ، مما يجعل القارئ يلهث وراء الكاتب في رحلته القاسيةوالشديدة الانحدارات محاولاً أن يجد أجوبة لتلك الأسئلة الصعبة التي طرحتها الرواية .



لكن تجربة الكاتب الشخصيةسرعان ما تتحول إلى بيان عام أشمل يتجاوز واقع كاتبها لينسحب على المفكرين العربالذين يعانون الاضهاد والنفي يأتي كل هذا بأسلوب اعترافي يفصح عن تجارب شخصية غايةفي الخصوصية ويكشف بصراحة متناهية عن أفكار مغيبة في لا شعور الكاتب ويسلط الضوءعلى خمسين سنة من تاريخه وأحداث حياته .



وبركات الذي هو داعية من دعاة التغيير السياسي والإجتماعيفي العالم العربي وعربي قومي معروف ، إذ يركز على حياته الشخصية ويعرضها أمامناعارية إنما يقوم من خلالها بكشف عري العالم أجمع وعري علاقاته في آن معاً . وفيكتابته المهووسة بحنين جارف لقريته وطفولته ووطنه وأبيه وأمه يسيطر اللاوعيواللاشعور على قلمه فيستحضر أحداثاً دفينه من الماضي ويستدعي أحلاماً وذكريات غيبهاالنسيان سابقة ومستترة في النماذج البدئية واللاوعي الجمعي للفرد والأمة على السواءفيكسر قشرة أسراره منذ الطفولة ويمليها في واقع راهن فتأتي في مشاهد ملونة ومأساويةمعاً . وقد قال فيها الروائي الكبير عبدالرحمن منيف إن هذه الرواية ” تذكر وبوحوتأمل .. وكتبت بدماء القلب ” . تبدأ بنقطة إرتجاع سينمائية وتنفتح على مشهد منالماضي هو ” الكفرون ” قرية الكاتب ومسقط رأسه إذ تظهر في السماء أسراب من طيورالحوم الوديعة الرائعة الجمال تتأمل رحيلها إلى مناطق دافئة بعد أن إنتهى موسمالصيف وبدأ فصل الخريف . وسرعان مايتحول هذا المشهد الهادئ الجميل إلى مشهد دموي إذيطلق الصيادون الأشرار نيران بنادقهم فجأة على الطيور البريئة فتسقط مضرجةبجراحاتها بأجنحة مترنحة ويتناثر ريشها الأبيض والأسود فوق رؤوس الأشجار ثم يسقط فيالنهر حيث يمتزج ماؤه بالدماء . وأمام هذا المشهد يقف الطفل الراوي مراقباً بجزعوخوف الطيور الصامتة البريئة وهي تنتظر موتها البطئ . ومنذ هذه اللحظات يتوحد الطفلبطائر الحوم ليصبح عنده ، فيما بعد ، رمزاً للمفكر العربي المظهد ، المحاط بكل قوىالشر والطغيان ، الذي يدور إلى الأبد حول الكرة الأرضية ولا يجد مواطئا لقدمه ،باحثاً على الدوام عن الحرية والخلاص لنفسه ولأمته في آن معاً ، وناشداً الحلوللتناقضات الكون الحادة في الفرح والحزن ، في الفقر والغنى ، في الحب والكراهية ، فيالشرق والغرب ، وفي البحث عن معنى الحياة والموت .



بات الطفل الرواي الذي شهد عدوان الصيادين وشر الناس معذبروح الطفولة نتيجة الظلم والعدوان الممارس ضد الطيور والمنطبق على الأفرادوالمجتمعات والأمم . كما بات مشحوناً بكراهية شديدة لبشاعة هذا العالم ، الذي ينذرنفسه داعية للتمرد والحرية والثورة في كل مجالات الحياة ، على مستوى الفرد والمجتمعمعاً . ويؤمن بشكل عميق بأن أبيات بابلو نيرودا – التي أوردها في الصفحة الأولى منالرواية :



، هذه هي الأرض التيأغرقت



جذورها فيشعري



عمقها فيداخلي



كما في تلك البحيرةالمفقودة



تسكن رؤية طائر،



تنطبق على العالم العربيوبشكل أكثر تحديداً يؤمن بأن نيرودا ماهي إلا رؤيته هو والتي تنشد الخلاص وتسعىإليه .



وحقيقة أن بركات يتصدىفي روايته هذه لموضوعات صعبة ومعقدة وتنسحب بالتالي على الماضي والحاضر والمستقبل . وأبعد من هذا فانه يأخذ طريق الخلاص وذاك عن طريق مايقدمه الكاتب من رؤى وإضاءاتتستشرف المستقبل . والواقع أن مثل هذه المواقف القومية ليست بالغريبة ولا بالجديدة . فسبق للشعراء والروائيين العرب أن حملوا أنفسهم مهمة تصوير وتأريخ ويلات شعوبهمبما فيها وقائع الظلم التي يعيشها شعب فلسطين ، ووقائع التعسف التي يقوم بها القادةالعرب ضد شعوبهم ، وأوضاع التفتت والإنقسام في الأمة العربية . إلا أن بركات يخرجعن إطار مسؤوليته تجاه الوطن العربي ويتجاوزها إلى العالم كله إذ يتوحد بشعبافريقيا في جوعه وفقره ، وبأطفال اليابان في مأساتهم إثر ويلات القنبلة الذرية فيهيروشيما كما يتوحد بالأقلية السوداء في الولايات المتحدة في نضالها لإنهاء سياسيةالتميز العنصري . إنه باختصار يتوحد بكل الضعفاء والمقهورين والمظلومين في العالموبكل العاجزين الذين لا صوت لهم . إن مثل هذا التوحد الإنساني مع المسحوقين ومثلهذا التعاطف الكوني معهم إنما يأخذ مثالية عالية مليئة بصيحات تبشرية متواصلة تحضعلى التمرد والرفض والمقاومة .



وفي مشهد آخر يستعرض بركات ذكرى أليمة عصفت به وهو طفل حين يقف برعبوهول أمام فراش أبيه الذي كان يواجه الموت في آخر لحظات احتضاره ، فتأتي كلماتهبالغة التأثير قوية ، خارقة للروح وباعثه على البكاء . ولا بد لنا أن نسجل هنا أنماكتبه بركات في هذا الصدد يعتبرمن أكثر الكتابات قوة وتأثيراً في الأدب العربيالحديث . إضافه إلى أن وصفه لشخصية أبيه ، هذه الشخصية التي طغت على الرواية وتسربتفي ثناياهها ، تدخل وعي القارئ ولا تخرج منه . لقد رسم صورة رائعة ، صورة أب أصيلمن أيام الدنيا الغابرة ، مثالي ، ذي وقار وذي هيبة يمضي عمره في خدمة زوجتهوأولاده ، مجبول بالحب والتضحية



وهذا الطفل الذي فقد أباه في الكفرون والذي شهد موته المفاجئ الأليموالذي فقد صورة المثال الأعلى ، والقدرة على الحياة ، هذا الطفل يكبر ثم يرحل إلىأمريكا ويصبح أستاذاً جامعياً . لكنه في البلد الذي هاجر إليه يعود لمواجهة الموتمن جديد . هذه المرة يواجه موت أمه الطاعنة في السن ، إلّا أن التجربة هنا تختلففهذه السيدة الفاضلة النبيلة والتي كان الكاتب قد أهداها أحد أعماله الروائيةبالعبارة التالية ” إلى الملحمة التي كانت حياتها سلسلة عطاء ومحبة ” .هذه الأم هيمريضة الآن بأكثر من مرض ومصابة فوق ذلك بالنسيان وأمست في حالة فقدان وعي دائم وتتأرجح مابين الحياة والموت . ومع تأرجحها المرير هذا يتأرجح الكاتب معها بين هذينالعالمين . فالكاتب المعذب بعذابات أمه وآلامها يعيش من جديد تجربة موت أبيه ويقفممزقاً وعاجزاً عن فعله أي شيئ إلا الدعاء لله أن يأخذ أمه إليه رأفة بها وبه ، وفيهذا المشهد يغوص الكاتب في معاني الموت والحياة ويطرح فيها أسئلة كونية وأن كانتكلماته في موت أبيه حادة ومؤثرة إلا أن كلماته في وصف صورة أمه القديسة لا تقل قوةوحساسية عنها بل تنحفر بعمق في وعي القارئ وتبقى خالدة .



لاشئ يموت ولاشئ يتلاشى فيذاكرة الكاتب ، فها هو يستعيد مشهد آخر لشخصية من أيام طفولته تعمل أثراً في النفسلا يمحى . إذ كان في القرية شخص معتوه يدعى مخول ، كان غريباً ومشرداً وعجيب الخلقة . لا أحد يعرف من أين جاء أو أين ولد ، لذا كان عرضة مستمرة لتهكم أطفال القريةوإهاناتهم غير المحدودة ، يضحكون منه ويلاحقونه بالعصي والحجارة على مر السنين . ويأخذ المشهد بعداً مؤثراً حين يتذكر الكاتب أن أباه كان في إحدى الأمسيات يغنيبصوته الدافئ أبيات العتابا بلحن عاطفي حزين ، وكان في الشارع وخلف الدار يقف مخوليجهش بالبكاء وتنهمر الدموع بمرارة على وجهه ، لقد اخترقت أبيات العتابا روح ذلكالمعتوه وأثارت شواجنه الدفينة وعواطفه المقموعة في داخله . أزاء هذا المشهد يحدثوعي فجائي عند الطفل الراوي تجاه مخول ويتعاطف معه ، وينذر نفسه للدفاع عنه ضدأطفال القرية .



ربما كانت أعظمخدمة قدمها بركات في روايته هذه هي تخليد قريته ومسقط راسه كفرون ، فهذه القريةالمغمورة الصغيرة في سوريا والتي لم يسمع بها كثيرون تصبح فجأة ذات شأن ومعروفة فيالعالم أن حب الكاتب الشديد لها واخلاصه الهائل لها ووصفه الحي لأشجارها وكرومهاوطرقها وأوديتها وأناسها والذي سيطر على الرواية كان ذا أهمية بالغة في تحويلها إلىمكان تاريخي ذي دلالة خاصة ، وفي جعلها بطلاً رئيسياً في الرواية .



إنه لمن المفارقة أن نجدالكاتب يطلق لفظ حبيبتي على زوجته طوال الرواية ، إلا أنه لم يستطع ان يعطيها وصفاًغنياً أو رائعاً كما هو الحال في معظم شخصيات الرواية ، ونجد أن الحوار والجدالبينهما لم يكن إلا وسيلة وأداة فنية هدفها استدعاء الأحلام واستحضار ذكريات الماضيوأثارة التساؤلات حول المستقبل ، وعلى طوال الرواية بأسرها تبدو علاقته بها ، وكذلكعلاقتها به ، علاقة فكرية محورية المركز دون أن تكون علاقة حب حقيقي بين شريكين . إلا أن ” طائر الحوم ” تبقى واحدة من اقوى الروايات في الأدب العربي الحديث ومنأكثرها شفافية وحساسية . وهي في حقيقة صراحتها وأسلوبها الاعترافي نادرة ومميزة ،أنها رواية مليئة بالمشاعر وبالألتزام الحميمي وبروح المقاومة .



انها حقاً بمثابة مرآة لروحهذا الكاتب وسجل حافل بتاريخه الشخصي ، وسجل تاريخي خالد لقرية كفرون ، إنها تبدوكشجرة علقت على أغصانها أحداث أجيال متعاقبة ، وأنها بحق إنجاز كبير آخر يضاف إلىأعمال هذا الروائي وشهادة ميلاد وجواز سفر .



وتبقى الرواية إسهاماً قيماً وهاماً في الأدب . لقد جعلتناننظر إلى الأشياء بعين مختلفة وبطريقة مغايرة وفوق كل شيئ وفرت لنا فرصة لنتفحصحياة هذا الكاتب العربي ، وأود أن أختم هذا الشرح بعبارة للشاعر السوري شوقي بغداديإذ يقول

” إنها رواية تعصر القلب وتغسل الروح