عرض مشاركة واحدة
قديم 08-23-2010, 10:37 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وقع فى يدى مجموعة قصصية ضمها دفتى كتاب بعنوان "أحلام صغيرة"(1) للشاعر والأديب عبد الرحمن الشرقاوى ، وفى المقدمة إهداء للبدوى ــ وعجبت ، وفى نفس الوقت شعرت بالفرحة الغامرة تهز كيانى ، وفاء من أديب كبير رحمه الله ــ يقول فى المقدمة ؛
"... وظلت الحياة موضوع الفن بشكل ما ، عبر حكايات الجاحظ ، وانتفاضات يعقوب صنوع والنديم ومغامرة المويلحى ومحمد تيمور ومحمد السباعى .
حتى أشرقت تجربة محمود البدوى ، تضىء أمام العين والفكر والقلب كثيرا من آفاق حياتنا المصرية المعاصرة ، وشعت من كلماته الصادقة تلك الحرارة الحلوة التى تعطى الدفء والنبض لكثير من الأشياء الصغيرة التافهة!..
فإلى محمود البدوى ، الكاتب الجسور ، الذى علمنى منذ نشر مجموعته "رجل" فى سنة 1935 كيف أحب حياة الناس البسطاء ، وكيف اهتز لما فيها من روعة وعمق وشعر ..
إلى محمود البدوى .. وإلى كل هؤلاء الذين يعملون بأمانة على إثراء تجربة التعبير فى مصر ويضيفون بكتاباتهم المخلصة كنوزًا جديدة إلى تراثنا الفنى .. إلى هؤلاء الذين لم تزغ قلوبهم من الزيف ، ولم يخطف أبصارهم بريق العملة الأجنبية ....
إليهم جميعا .. وهم الأمل العزيز لمصر .. أقدم تحية صديق .. وثقة مواطن..
وحين سئل الأديب والشاعر عبد الرحمن الشرقاوى ، أثناء إستضافته بالبرنامج التليفزيونى أتوجراف عام 1977 عمن تأثر به فى كتابة القصة المصرية القصيرة من أدباء مصر قال : رائدى فى كتابة القصة القصيرة وتأثيره علىَّ فى مطلع حياتى الأدبية هو الأستاذ الكبير محمود البدوى الذى يعتبر بحق أول رائد للقصة القصيرة فى مصر " ... ودار الحوار طويلا حول شخصية البدوى وأخلاقياته وسلوك تعامله مع مجتمعه ومع المسئولين عن الفن والثقافة فى مصر ، وقال الشرقاوى إن من أولى خصائص القصاص الرائد محمود البدوى هى كبرياؤه الشديدة وعزوفه عن الوقوف بأبواب هؤلاء المسئولين ليطلب منهم شيئا(1) .
* * *
إسترعى نظرى وشد انتباهى ووقفت عنده طويلا ما ورد بجريدة المساء الصادرة فى 30 مايو 1963 مقالة بقلم عاشور عليش يقول فيها ، سألت محمود البدوى لماذا لم تكتب قصة حياتك ؟ فأجابنى بقوله ؛ إن قصة حياتى مكتوبة كلها فى قصصى ، فما من قصة إلا ولها أصل فى حياتى ، أو تعبير عن تجربة فى حياتى " .
وفى مجلة القصة(2) دار حوار بين الأديب والناقد محمد قطب وبين محمود البدوى ويسأله "أنستطيع أن نستقرئ حياتك فى أدبك " فيجيب :من يقرأ قصصى قراءة متأنية سيفهم حياتى دون توجيه سؤال" .
وفى حديث أجراه الأديب يوسف القعيد(1) يقول البدوى ".. لا أتصور كاتبا ينقب فى حياتى بعد موتى ، وحتى إن حاول أحد ذلك ، لن يجد فى بيتى ولا فى أهل بيتى ما يعينه على فهم أى شىء " .
وتوقفت عند الكلمات التى كتبها الأستاذ الناقد فؤاد دوارة(2) "خطر ببالى وأنا أقرأ هذه المجموعة من القصص القصيرة(3) أن أعرف شيئا عن كاتبها "محمود البدوى" ولكنى لم أستطع أن أذكر أنى قرأت عنه شيئا فيما ينشر كثيرا فى الصحف والمجلات عن أدبائنا وعن القصاصين منهم بصفة خاصة ، وكل ما تذكرته هو تلك الكلمات الضاحكة التى قدمه بها "نعمان عاشور" فيما يشبه الصورة الكاريكاتورية فى مجلة "أخبار الثقافة" وكان أبرز ما علق بذهنى منها أنه أديب محب للعزلة بعيد كل البعد عن المجتمع الأدبى والثقافى ، وقد أيد هذا الرأى ما قرأته بعد ذلك عن رفضه حضور الندوة التى قدمها البرنامج الثانى ونوقشت فيها إحدى قصصه فى برنامج "مع النقاد" مكتفيا ببرقية شكر أرسلها إلى السيدة "سميرة الكيلانى" مقدمة البرنامج وللنقاد الذين ناقشوا قصته ، أما غير ذلك من الحقائق المتعلقة بالكاتب القاص، فلا يستطيع أحد الاهتداء إليها بسهولة ، ولا شك أن العزلة التى إختارها "محمود البدوى" لنفسه لها ما يبررها ، بل هى ضرورية بالنسبة لكل أديب يريد أن يهيئ لنفسه ظروف الخلق والإبداع ، ولكن الإسراف فى هذه العزلة والمبالغة فيها على هذا النحو يجنى على صاحبها بعض الشىء ويبعده عن قرائه ، ويصعب على النقاد مهمتهم فى فهم إنتاجه وتفسيره التفسير الصحيح ، وربط بعض عناصره بحياته ، وتجاربه ، وثقافته ، هذا الربط الذى يعتبر جانبا أساسيا من جوانب النقد المنهجى المتكامل" .
وقد حاول الأستاذ الناقد علاء الدين وحيد ــ وهو من الأصدقاء المقربين لمحمود البدوى ــ إقناعه بكتابة سيرته الذاتية ، ولكنه لم يبح منها إلا عن القليل ونشرت فى الصحف والمجلات المصرية والعربية .
وفى كتابة(1) المعنون باسم "محمود البدوى" قال الناقد علاء الدين وحيد ــ نقلا عن كتاب "فى الأدب المصرى للأستاذ أمين الخولى" وكم نحن فى مسيس الحاجة إلى دراسات جاده عن حياة أدبائنا أنفسهم لنفهم أصل هذه الصورة المنعكسة فى مرايا قصصهم وكتاباتهم .. وهؤلاء الأدباء الذين صنعوه ، لم نفهم حياتهم ، فنفهم بذلك آثارهم ، وتستبين أغراضهم ، وتتضح مآرب هذه الاتجاهات والنزعات إلى نفوسهم " .
* * *
أخذت على عاتقى بمساعدة زوجتى ليلى مسئولية البحث والتنقيب عن حياة محمود البدوى منذ ولادته والبيئة التى تربى وعاش فيها والجو المحيط حوله ، فسافرنا إلى القرية وتقابلنا مع الأهل من الشيوخ والأقارب الذين كانوا على صلة به للوقوف على بعض ما غمض فى حياته ، وبعد عودتنا من هذه الرحلة ، عكفنا على دراسة ما فى مكتبته الخاصة من الكتب وما قاله وما قيل عنه بالصحف والمجلات ، وتصفحنا ما كتبه بخط يده بالقلم الرصاص على الأوراق . ( قبل إهداء المكتبة إلى دار الكتب والوثائق القومية ) .
وبعد إطلاعى على الأوراق والمستندات وجدت لزاما علىَّ أن أحكى قصة حياته ليعرف القراء والباحثين والأدباء هذا الأديب الذى بفضل كلماته المكتوبة ، تعلمت كيف أعبر عما فى نفسى .

على عبد اللطيف