الموضوع: موت الناقد
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
5900
 
خا لد عبد اللطيف
قاص وروائي مغربي

خا لد عبد اللطيف is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
80

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2006

الاقامة

رقم العضوية
2006
06-27-2012, 01:02 PM
المشاركة 1
06-27-2012, 01:02 PM
المشاركة 1
افتراضي موت الناقد





" موت الناقد"


لم تعد الأسئلة النقدية التي فتحت آفاقا جديدة في تحليل الخطابات الفلسفية والإبداعية والفكرية موجودة بيننا اليوم لأن الناقد الذي كان يضيء عوالم النص ويخترق عتماته،ويسبر أغواره الجوانية ،ويميط اللثام عن المسكوت عنه قد مات إكلنيكيا وسريريا،ودق آخر مسمارفي نعشه،ولم يعد هناك من أمل في القول أن موت الناقد هو موت رمزي أوسوريالي،بل هو موت ثقافي أملته تساقطات امبراطوريات المعرفة التي احتفل بظهورها سابقا جهابذة النقد، بدء بالبنيوية والبنيوية التكوينية مرورا بالسيميائيات واللسانيات والدلائلية والتداولية،والنظريات النفسية والفلسفية .وخلال هذه المراحل كان الناقد يصول ويصول معززا تواجده بامتلاكه لناصية كل حقول المعرفة،متمكنا من أدوات اشتغاله،غارفا من المناهج الحديثة،متعمقا في ميكانيزمات التحليل النفسي والسيموطيقا والبويطيقا وفرسانه في هذا المجال(بيير زيما وتودوروف ورولان بارن بارت وجاك ديريدا،ولوسيان كولدمان وجيرار جينيت وهنري ميوشينيك وميخائيل باختين والقائمة طويلة)وبسرعة البرق تلقف نقادنا في المغرب هذه النظريات،ووظفوها أولا في البحث العلمي بالجامعة،خلال فترة السبعينات،ثم وجدت طريقها في الملاحق الثقافية للجرائد الحزبية (ملحق جريدة العلم والاتحاد الاشتراكي وملحق بيان اليوم الثقافي) خلال فترة الثمانينات إلى حدود أواسط التسعينات،لكن مع ظهور خطابات العولمة ،أعلن عن موت الناقد وانهيار خطاب السرديات،وموت المؤلف والإهتمام بنظرية العتبات،وتلاشت كل مكونات النقدية بسبب ظهورالكتب الالكترونية والشعراء والروائيين الافتراضيين.
لم يعد من شك إذا قلنا أن البحث العلمي بالمغرب دخل مرحلة الاحتضاربسبب موت الناقد من جهة،وبسبب تراجع فعل القراءة الأكاديمية لدى الجيل الجديد من "أساتذة الجامعة" بسبب اتكاليتهم المباشرة واعتمادهم الكلي على الشبكة العنكبوتية،ولعل الإحصائيات المخجلة والمتدنية في كوننا شعب لايقرأ،كما أن سرقات البحوث الجامعية الرصينة قد سارت بذكرها الركبان،ووصل غسيلها الى جرائدنا الوطنية.
لقد أصبح من النادر أن تجد ناقدا رصينا يقوم بقراءة نقدية لهذا العمل أو ذاك.إلا أنه في ظل هذه الندرة المفقودة،هناك جوقة أخرى من النقاد المدفوعي الأجر مسبقا الذين يجوبون مدن المغرب يتأبطون لغة المدح لكتب ردئيئة لم يقرأوها مقابل توفير المرق والمشروبات الروحية والنزول في فنادق خمسة نجوم،تلك الجوقة قتلت الناقد الحقيقي،وشدت العزم على تهريب الندوات الثقافية والمهرجانات الشعرية في أقبية سردية ودهاليز مظلمة.
لقد آن الأوان لكي نحيي الناقد الغيورعلى ثقافة بلده،وأن نتصدى لتلك الوجوه التي تشبه البصمة المتكررة بلغة التشكيليين،لقد تعبنا وتعب القراء من هذه الأقنعة المزيفة من الغربان والبوم التي تصر على أن تكون الوصي الثقافي الوحيد على استقلاليتنا وابداعتنا،كما حان لوقت لهدم نظرية المركز..وتمركز الذات في قطب واحد.
إن السلطوية الثقافية المستبدة لن تنتج غير خطاب ضعيف وحبط،وزرع اليأس في جيل مهزوز لن يقوى على مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهه،فضلا عن عدم قدرته على تحقيق ثقافة المجابهة والمواجهة،وبهذه السلطوية الجائرة لنخبة فاسدة سيظل قدر الناقد هو الموت الحتمي حتى إشعار آخر.

خالد عبداللطيف.
روائي وقاص مغربي.

البريد الالكتروني:abdellatif2004@gmail.com