الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
03-07-2013, 05:07 PM
المشاركة
936
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية-
15
- الزيني بركات
–
لـ جمال الغيطاني
–
مصر
-
يتخذ
جمال الغيطاني الشكل التاريخي نمطا للإبداع و التخييل لسد الثغرات ومساءلة الواقع
والبحث عن الأسباب و النتائج بالغوص في أعماق الزمن واستقراء لحظات التاريخ و نبش
أغواره العميقة واستنطاق ملامح الخارجية.
-
ترتكز الرواية ذات العنونة الشخوصية على
الزيني بركات باعتباره شخصية مركزية تحوم حولها الشخصيات الأخرى وتلتقي عندها
الأحداث المتشابكة لتصوغ بنية روائية متوترة .
-
يحمل عنوان الرواية مفارقة بين الشعار الاسمي (الزيني
بركات) و الممارسة الفعلية .
-
بني المتن الروائي على سبع سرادقات و مقدمة و خاتمة
.
والسرادق هو المكان الذي تعقد فيه الحفلات مثل خيمة يجمع فيها الناس، وهذا إن دل
على شيء فإنما يدل على التركيب السينمائي لهذه الرواية ، إذ يمكن توزيعها إلى سبع
مناظر مشهدية أو فصول درامية إما أنها متعلقة بالمكان (كوم الجارح في السرادق
السابع ) أو الشخوص (ظهور الزيني بركات في السرادق الثاني و السرادق الأول و
السرادق الرابع ) أو الأحداث (انعقاد مؤتمر البصاصين في القاهرة في السرادق الخامس
...
-
تبلغ عدد صفحات الرواية مائتين و سبعا و ثمانين (287
)
صفحة من الحجم المتوسط. و يتبين لنا أن الغيطاني لم يقسم روايته إلى فصول ، بل
اختار السرادقات بمثابة لوحات فنية مستقلة يمكن بسهولة تقطيعها و تركيبها في مونتاج
روائي يخلخل السرد ويكسر خطية الزمن واستمراريته الرتيبة لخلق أفق جديد لقارئ
الرواية
.
-
أخذ الغيطاني طريقة تقسيم المتن إلى السرادقات من
ابن إياس الذي وزع كتابه تاريخ مصر المشهور بـــاسم"بدائع الزهور في عجائب الدهور
"
حسب السرادقات .
-
أما لماذا اختار الغيطاني ابن إياس دون غيره من المؤرخين لمحاكاته
و التخييل من خلال ما كتبه؟ فيرجع ذلك إلى سببين ، الأول : إن ابن إياس كان يتمتع
باستقلال الرأي نظرا لأنه ميسور الحال، كما أنه لم يتقلد وظيفة من وظائف السلطنة ،
كما أنه كان ينحدر من أصل جركسي ما سهل له الاتصال برجال الدولة و
كبرائها
.
2
و الثاني : أن ابن إياس " ينفرد عن
غيره من مؤرخي ذلك العصر في أنه عاش عصرين وشهد أحداث جيلين : أواخر العصر المملوكي
و مستهل العصر العثماني . و كان شاهد عيان لما وقع فيهما من أحداث، و تمتد الفترة
التي أرخ وقائعها من سنة 872 م /1468هــ إلى سنة 928م/1522هــ
"
-
اختار
الغيطاني كتاب ابن إياس للتفاعل معه حوارا ومساءلة قصد بناء تاريخ حقيقي لفهم
الحاضر و ذلك بالسفر إلى قلب الزمن المملوكي لتصوير المجتمع و الإنسان و التاريخ في
علاقة بالسلطة لمعرفة أوجه التشابه و الاختلاف بين الماضي والحاضر . ومن هنا، يسقط
المبدع الماضي على الحاضر و يقرأ الماضي بالحاضر و العكس صحيح أيضا ما دامت هناك
جدلية الأزمنة و تقاطعها وظيفيا و فنيا
.
-
يستعير جمال الغيطاني
من ابن إياس المادة التاريخية المتعلقة بالهزيمة و معركة مرج دابق كما يأخذ منه
البنية السردية التراثية لغة و بناء و تركيبا و تفضية و تزامنا .
-
يقوم التفاعل
بين النصين : النص الأصلي ( كتاب ابن إياس حول تاريخ الديار المصرية )، و النص
الفرعي ( الزيني بركات لجمال الغيطاني ) على المحاكاة الساخرة والباروديا والتهجين
و التناص و الحوارية و المفارقة والمعارضة و السخرية و التحويل و التشرب
الإيديولوجي من خلال استعارة التركيب و الصيغ المسكوكة للبنية السردية التراثية .
- هو بذلك لا يعيد كتابة تاريخ مصر المملوكية بل يسائل هذا التاريخ و يبين فجواته و ثغراته و يقرأ لا شعور السلطة و خلفيات الاستبداد و يفترض الأسئلة و الأجوبة من خلال منطق الافتراض و التصور و التقدير على الرغم من حقيقة الأحداث و الشخصيات التاريخية و دقة صحة المعلومات الواردة في متن الرواية
-
يختلف هذا النمط من
الكتابة عن الرواية التاريخية المعروفة كما تقول سيزا قاسم في أن هذا النص : " يقيم
موازاة نصية من خلال المعارضة الشكلية اللغوية للنص التاريخي، فجمال الغيطاني يحاكي
قول ابن إياس التاريخي ، أي إنه لا يلجأ إلى استخدام " محتوى" تاريخي يصوغه في لغة
عصره ، بل ينتقل بنصه الخاص إلى الحقبة التاريخية
السالفة
"
-
ترى سامية أحمد أن"الزيني بركات
رواية – لا رواية تاريخية – (....) تتناول أحداثا وقعت في عهد السلطان قنصوه الغور
ي.
-
يصرح الغيطاني
في شهاداته أنه لم يكتب " زيني بركات" كرواية تاريخية ، و هي لم تعتبر كذلك رواية
تاريخية " في كل اللغات التي ترجمت إليها هذه الرواية سواء في الروسية أم الفرنسية
أم الانگليزية، لم يعاملها أحد على أنها رواية تاريخية ، إنما عوملت على أساس أنها
رواية ضد القمع و ضد قمع الإنسان في أي زمان و مكان
"
-
من ثم ، فرواية ( الزيني بركات
)
رواية التخييل التاريخي تستعير التاريخ مادة و صياغة لتحويله إلى أسئلة و أجوبة
باستقراء العلاقة الموجودة بين المتسلط والمحكوم من النواحي النفسية و الاجتماعية و
الإنسانية و افتراض مجموعة من العلاقات خاصة ما يتعلق بالجوانب الجنسية و الشذوذ و
الحب و الإجرام وزيف الدين ، و فهم النواحي الخفية عند السلاطين والأمراء
والمستبدين و نقط ضعفهم إلى غير ذلك من الأمور التي لا تذكر في التاريخ الرسمي ، و
يركز عليها التاريخ الشعبي والمجتمعي على حد سواء
.
-
رواية
"
الزيني بركات" لجمال الغيطاني رواية تراثية تندرج ضمن التخييل التاريخي، وتتخذ من
زمن المماليك قناعا رمزيا لإدانة حاضر الستينيات في مصر .
-
وهي رواية
طليعية و جديدة لبنيتها السردية التراثية التي تقوم على خلخلة البناء المنطقي
والزمني للأحداث و اللجوء إلى تعدد الرواة و الرؤى السردية والإثراء اللغوي
الأسلوبي لخلق رواية بوليفونية ، وتوظيف الوثائق و الخطابات السردية و عتاقة
الأسلوب التراثي لخلق حداثة سردية و صوت فني متميز
.
-
يبدو لنا أن الغيطاني لم يكتب رواية
تاريخية حرفية أو موثقة من أجل التوثيق الموضوعي، بل استحضر التاريخ ليسائله و
يحاوره ويبرز نقط ضعفه و يحدد الأسباب و يشخص المظاهر ليصل إلى النتائج بطريقة
جمالية و فنية رائعة
رد مع الإقتباس