عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-2013, 11:03 AM
المشاركة 3
حامد الشريف
كاتب وناقد سعـودي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله
ومازال الوقت مبكرا
نزلت عن سريرها تجري... كادت تتعثر بحذائها الملقى عشوائيا داخل الغرفة... ملابس العمل التي ترتدي تدل على رجوعها متأخرة ليلة أمس... تفحصت حذاءها بإمعان وتحسرت على نصف راتبها الذي انفقته لشرائه – هذا ما نجني من وراء تصفح المجلات-
حتى تتباهى به أمام زميلات العمل واضعة رجلا على أخرى ... عادة سيئة تتوارثها النساء جيلا بعد جيل... رمته أرضا بلا اكتراث فأصدر صوتا بكعبه العالي.
أخذت هاتفها الخلوي وبصديقتها اتصلت ذكرتها بموعد الرحلة... رد عليها صوت ناعم بهدوء ...
لا تقلقي مازال الوقت مبكرا...
لم تتمالك نفسها فهبت فيها صارخة....كيف ذلك ولم يتبقى سوى ساعة على الإقلاع.... لم تمهل صديقتها وقتا للشرح، أقفلت الهاتف ( بنرفزة)
فلتتحملي نتيجة استهتارك بالوقت...
أخذت حماما سريعا... أعادت فتح حقيبة سفرها مرارا حتى تتأكد من عدم نسيان شيء ... خرجت دون أن تتناول إفطارها، صفقت باب شقتها... سمعت صوت زجاج يتكسر ...
- ربما تلك اللوحة المعلقة على الباب ... لا يهم سأشتري أخرى عند عودتي-.
قفزت عبر السلالم ... لم يتبقى على رحلتها سوى دقائق ... ارتمت في اول ( تاكسي ) صادفته أمامها أوصدت بابه محدثة صوتا ... لم تهتم بزمجرة السائق ... فبالها مشغول باقتراب موعد الرحلة ...حركاتها تظهرعصبيتها ... هاتفها الخلوي لم ينفك عن الرنين... زادها صوته توترا... التفتت للسائق طالبة منه الإسراع أكثر... لكنه رفض متعللا باحترام السرعة القانونية... تأففت من تصرفه
– الآن فقط تريد أن تحترم القانون ... يا لك من...-
نظرت إلى ساعتها لقد حان الوقت ... هاتفها يرن بلا انقطاع ... أقفلته فعصبيتها لا تحتمل سماع رنينه .... لا يمكن أن تقلع الطائرة من دونها... أنفقت كل مدخراتها على هذه الرحلة... رحلة استجمام تستحقها
ـ منذ سنوات لم آخذ إجازة من عملي... سأذهب وصديقتي بعيدا حيث البحر والفنادق الكبيرة والمحلات الراقية بل وحيث الراحة النفسية والجسدية.
لم يعد لدي مال يكفي لشراء بطاقة سفر أخرى.
استفاقت من حلم يقظتها على صوت فرامل قوي ... وكأنها فتحت عينيها للتو ... رأت ذخانا كثيفا يتصاعد، أكد لها السائق أن الدخان من أرض المطار ... انتبهت لضوضاء سيارات الإطفاء والإسعاف ... كاد قلبها يتوقف نبضه ... خرج صوتها مبحوحا مرتعدا مذعورا ... تدافعت نحو بوابات المطار حاول رجال الأمن منعها لكنها لم تهتم لهم ... وها هو المشهد ماثلا أمامها... ألسنة لهب تتصاعد ... إنها طائرتها... وسقطت مغشيا عليها.
لا تدري كم مر من الوقت ، فتحت عينيها أخيرا ... استرجعت الحادثة بعينين دامعتين وقلب مصدوم وعقل لازال لم يصدق ما حدث... رفعت بصرها للسماء وكأنها لأول مرة ترى صفاءها ولون الأمل الذي ينبعث منها شكرت الله سبحان وتعالى على منحها فرصة آخرى فرصة للحياة كما أرادت دوما، لا كما فرضتها عليها الظروف ... ترجلت متعبة نحو النافذة الكبيرة المطلة على حديقة المستشفى ابتسمت ابتسامة اطمئنان ورضى.
... تذكرت صديقتها وانتفضت ... فتحت هاتفها فوجدت عشرات الاتصالات ...ضغطت رقمها بخوف ... أجابها صوت مبحوح -
... لم تكوني هناك... الحمد لله... خلتك... اتصلت عشرات المرات ...-
كان صوتها ينقطع المرة تلو الأخرى مختنقا بدموع صدمة ودموع فرح... بينما في الطرف الآخر ضحكة مٌطمْئِنة....
اهدئي صديقتي ...فما زال الوقت مبكرا.

[justify]
بالفعل هذه القصة هي فاتحة خير لنا وليس لك كما أردت من هذا المعرف المستعار وكنا بحاجة للتعرف على هذه القامة الأدبية التي تنبئ بموهبة قادمة سنرفع لها القبعة احتراماً وإجلالاً .
على العموم الفكرة ليست جديدة فهذه النوعية من القصص تروى دائماً للدلالة على أن لكل إنسان وقت معلوم لمغادرته هذه الحياة وقد تروى للدلالة على أن كرهنا لبعض الأشياء ويكون لنا فيها الخير العظيم .
لكن الجديد في الموضوع هي روعة الصياغة وعذوبة التسلسل للأحداث والغنى الكبير في تفاصيل الموقف والتوظيف الجيد لكل الأحداث والربط الأكثر من رائع للأحداث بالواقع بتفاصيله الدقيقة والتشويق ببعض الاضافات الأكثر من رائعة واستنطاق الأحداث لإيصال رسائل هادفة قد تبتعد عن الهدف الرئيس للقصة لكنها تقترب كثيراً من همومنا المجتمعية .
دعيني في البداية أقف عند الرسائل الهادفة التي حواها النص بعيداً عن الرسالة الكبيرة التي أوصلتها كامل القصة وهي ما عبرتُ عنه بالفكرة الأساسية للنص :
1 ) هناك تطرق للمظهرية غير الجيدة عند الفتيات والتي تستلزم صرف جزء كبير من المال في شراء حاجيات غير ضرورية من خلال موقف بطلتنا مع حذائها وطرحها كسلبية على هامش الأحداث .
2 ) العشوائية التي نعيشها في حياتنا كسلبية قد تفقدنا الكثير وتم الاشارة إليها من خلال تناثر الأغراض في الغرفة وسقوط اللوحة والتأخر في النوم والاستيقاظ وصرفها للمال في ملذات زائلة وتعاميها عن سلم الأولويات في هذا الصرف .
3 ) الانتقاد الحاد للمواقف الجيدة إذا كانت غير موافقة لرغباتنا وتم الاشارة إليها من خلال نقدها غير المبرر لسائق التاكسي الذي التزم بالسرعة القانونية .
4 ) سوء الظن في الأخرين وتظهر هذه السلبية في افتراضها أن سائق التاكسي يمارس الالتزام بالسرعة القانونية اليوم فقط لحاجة في نفسه أو لإغاظتها عقاباً لها على غلق الباب بقوة .
5 ) هدمنا للذوق العام من خلال ممارستها في الركوب للسيارة وغلق بابها بطريقة لا توحي بالاحترام للسائق .
6 ) اهمالنا لبعض التفاصيل في حياتنا قد يكون فيه نجاة لنا من مكروه قد يصيبنا وتتجلى هذه السلبية في انشغالها بالوصول للمطار في الموعد المحدد عن الرد على الهاتف الذي كان سيجنبها خطورة أخرى تترصد لها لو استجاب السائق لطلبها في السرعة الكبيرة ووقوع حادث سير لا قدر الله وهي مكالمة الاطمئنان عليها من صديقتها التي أهملتها وأغلقت الهاتف في وجهها .
بقي أن أشير إلى أن إبداع الكاتبة تجلى في البداية الأكثر من رائعة والنهاية الابداعية التي أظهرت قدراتها العالية في الصياغة والسرد المشوق للأحداث وتوظيفها الرائع للمواقف الملحقة بالنص تحقيقاً للأهداف السابقة .
وكلمة حق ما أحوجنا لقصص هادفة من هذا النوع يتحقق من خلالها كثير من الأهداف المجتمعية بالإضافة لإشباعنا الأدبي .
بدون مجاملة هذه البداية تستدعي منك أن تتوقفي كثيراً قبل أن تقدمي نصك الجديد حتى لا يكون أقل جودة من هذا النص الذي أراه قدمك بشكل رائع للمنابر كقاصة تميل للواقعية في كتابتها وتملك الكثير من الأدوات لوضعها في المراتب الأولى .
كل التقدير لكل أختي بانتظار الجديد منك ... حامد الشريف
[/justify]