الموضوع: سحر والضباع
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
7577
 
الضيف حمراوي
من آل منابر ثقافية

الضيف حمراوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
9

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Apr 2012

الاقامة

رقم العضوية
11047
04-11-2013, 08:51 PM
المشاركة 1
04-11-2013, 08:51 PM
المشاركة 1
افتراضي سحر والضباع
[overline]
سحر والضباع
[/overline]

كانت سحر في طفولتها وصباها مدللة، موفورة الصحة، جميلة؛ حيوية إلى حد الشقاوة أحيانا، تقضي يومها سعيدة؛ ترى كل ما حولها مشروع لعبة، من حقها أن تعبث به كيفما شاءت؛ وأينما شاءت، وتمزقه أو تحطمه أو ترميه متى ما شاءت.
وحين نضجت كانت محط الأنظار ؛ غير أنها تزوجت زواجا عاديا ؛ بزوج متسامح؛ لم يكن في مستوى طموحها وتطلعاتها ، ولكن دون عيوب تشين ، هادئ ، واسع القلب، تغزوه أحيانا نوبات اكتئاب فينطوي على نفسه؛ لأسبوع ؛ أو أسبوعين، وفي الأثناء تفرخ الشكوك في صدر سحر، فتثور؛ وتصرخ؛ وتبكي، وتقيم الدنيا ولا تقعدها دون أن تتحرك شعرة واحدة في رأس زوجها، وكأنه يعيش في عالم آخر.
سمعت سحر بوجود ساحر بارع، يعالج الأمراض المستعصية، ويقرأ الغيب كأنه يراه، ويروض الوحوش الضارية ويتحكم في الجن، فيستدعيه إن شاء وينفيه إن شاء.
جمعت سحر أمرها، وقصدت الساحر، بمجرد أن خرج زوجها قاصد عمله بالمدينة.
جاء دورها، فولجت إلى غرفة الساحر، وحيت، وتربعت بين يديه.
كانت جميلة، ممن يحرك جمالهن كل من رآه، تملاها باشتهاء، وسألها:
- ماذا تريد الجميلة؟
قالت: أريد إصلاح زوجي، ليغدو مركبا سهلا آمنا.
- يضربك ، ويمسح بك البلاط ، ويسحبك من شعرك ؟
قالت : لا
- يمنعك من الخروج ، والتفسح ، وزيارة الأهل والصديقات والجارات؟
قالت : لا.
- يمنعك من اختيار ملابسك ويفرض عليك لباسا معينا أو زيا معينا؟.
قالت : لا بل أنا أضربه ، حين يغضبني ، بالحذاء والشبشب على رأسه ومؤخرته ، ولكنه شديد البنية ويتحمل فلا يظهر عليه أثر الضرب.
- فلم تريدين إذن سحره ؟
قالـت : يا سيدي هادئ وسهل القياد ، ولكن أحيانا تنتابه نوبات غضب غير مفهومة ولا مبررة ، وحين يثور؛ يصير مظهره مخيفا مرعبا ، ورغم أنه يهدأ؛ أو يفر من وجهي حين أصرخ في وجهه ؛ إلا أنه كثيرا ما يطوف بخيالي حينئذ أنه يقوم بخنقي.فأبقى مريضة لعدة أيام.
- هل أفهم من قولك هذا؛ أنك تغضبين منه لأنه ليس جميلا بما فيه الكفاية؟.
قالت وهي تضحك باحتشام : بل جميل؛ و وسيم ، و ودود، وهادئ ، ولكن تنتابه أحيانا حالات غضب ؛ يصبح فيها كما وصفت لك ، وإلا فما علة هذا الحرص عليه ؟.
- لا تنزعجي من أسئلتي ، فهي من صميم إجراءات العلاج ، و المعلومات لهم أكثر مما هي لي ، وأنا مجرد ناقل.
قالت: لا عليك ياسيدي ، ورضاهم دين علينا ، اللهم أرضيهم ورضيهم علينا ، آمين. وقبلت ظهر يدها.
- لقد فزت برضاهم ؛ ولكن في حالة زوجك ، من الصعوبة بمكان ترويضه أكثر مما هو مروض ، إلا بوجود مواد يعز الحصول عليها
قالت ما هي؟.
قام بحركات ، وتمتم بتعويذات ، وأدار وجهه يمينا وتفل ، ثم أدار وجهه يسارا ثم استدار إلى الخلف ؛ وتفل ثلاث مرات ، وألقى بشىء كان بيده التي أخرجها من عباءته ، في كانون جمر كان أمامه ، فارتفع الدخان ، وضج الجو بروائح بخور؛ تدير الرأس وصرخ: يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم .
وفتح كتابا أصفر. وتطلع فيه ، ثم زوى عينه اليمنى ،وترنم بلحن فيه شئ من الحزن، والرهبة ، ورسم بيديه دوائر في االفضاء أعلى رأسه ، ثم اهتز جسمه كله برعدة ظاهرة للعيان ، كل ذلك بحركات متناسقة ؛ ومنسجمة لها أثر غريب. ونظر إلى المرأة و قال :
- إذا أردت ترويض زوجك إلى درجة الاستعباد ، فلابد أن تحضري شعر ضبع رمادي ؛ تنزعينه بيدك من رقبته ، وهو حي ، وألا تلمسه يد أخرى سوى يديك ألجميلتين ، أو يداي.
وباقي ما سنحتاجه بعد ذلك من الخليط موجود ، ومتوفر عندي ، ولكن عليك أن تدفعي ثمنه مسبقا إذا صح عزمك على الذهاب في المهمة إلى نهايتها.
قالت : ألا يوجد عقار آخر غير هذا ؛ تنجز به سحرك ؟
- لا
ترددت قليلا فعاجلها : إذا كنت عازمة فلا تترددي ، ولا تضييعي الوقت ، النتيجة ستكون مضمونة وأكيدة ، فلا تضييعي وقتي ...
أدخلت يدها في صدرها ، وأخرجت حافظة نقودها ، وسحبت منها أربعة أوراق مالية ؛ من ذات الألف دينار ؛ ودفعتها له فأمسكها ، وسرعان ما عاد فألقاها في حجرها ، وهو يردد مسرعا : وتري، وتري ، زيدي ورقة ، وتري . الله وتر يحب التوتير.
فزادته ورقة.
قالت : وقد أحست أنه خدرها وأخذ منها مالم تكن ترغب في دفعه بسهولة ، ألا ترى أنك تريد أن تلتهمني الضباع.؟.
- لا تخافي - وكان قد أبصر ما بقي في حافظة نقودها - عليك فقط ؛ أن تدفعي ثمن تعويذة أعدها لك ، بعد منتصف الليل ،، لتحميك من الشر والأشرار ، والمخاطر والأضرار ، في اليابسة والبحار ، أناء الليل وأطراف النهار ، ما دمت في رحلة بحثك عن بغيتك ، على ان تبيتي الليلة هنا ، وتعليقينها مع الفجر.
قالت : لا أستطيع المبيت لأن زوجي لا يعلم أنني جئت لزيارتك ، ولا ينبغي له أن يعلم.
- : إذن سأعدها ، وأرسلها إليك ، أو تأتين لأخذها ، وتعلقينها فجر اليوم الموالي.
قالت: وكم أدفع فيها؟
- هات ورقتين ، وسنضبط الحساب في العملية الكبرى.
غادرت وفي طريقها قالت تحدث نفسها : ألا يمكن أن يكون الساحر يرغب في التخلص مني ليخلو له زوجي. فيخطفه غنيمة لإحدى قريباته ؟
ثم أليس عارا أن تأكلك الضباع يا سحر، فيقول الناس أن سحر أكلتها الضباع؟ إذا عشت أعيش وأنا أمتطى مركبا آمنا؛ وإذا مت فليقل الناس ما شاءُوا فلن تبلغني أقوالهم في بطون الضباع، ثم انفتح أمامها باب واسع رأت من خلاله الحل.
حين وصلت إلى البيت؛ أعدت غذاءها ، وتناولته، وهي تستعيد في خيالها ما ستفعله، ثم غيرت ثيابها، وعمدت إلى جحش لديها، فأوثقته وأحكمت وثاقه، ومرت بخنجر حاد على رقبته فخر على الأرض وأكملت ذبحه، تم قامت بتقطيعه، وعبأت كيسا من لحمه ثم ربطته، وانتظرت حتى استعادت رباطة جأشها.
وحين راحت الشمس تجنح نحو المغيب من خلف قطع السحاب المتدافعة، وبدأ الغسق يتحفز ليملأ المكان، حملت كيس اللحم على ظهرها، وحملت معها بخاخ المخدر، وعصا، مستغلة هبوب رياح غربية ، ودمدمة رعود كانت تهدر بعيدا في طرف الأفق، واتجهت متخفية بأشجار الزيتون نحو الكهوف؛ وسط الأحراش؛ على طرف الغابة، وهي تشكو حظها.
كان الجو مثيرا للمشاعر، لكن الثورة التي كانت بصدرها شغلتها عما سواها.
يا لسوء حظك يا سحر؛ كتبت عليك الاقدار أن تعيشي أزهى أيام حياتك بين الضباع؛ ضبع في البيت، وفي الدشرة ضباع، وفي الاحراش والغابات ضباع ؛ وأنت تهربين من ضبع إلى أخر.
يا لسوء حظك، فحين فكرت في إصلاح أحوالك لم تجدي عونا سوى الساحر، ولم يجد الساحر دواء آخر سوى شعر الضبع، تأخذينه من رقبته وهو حي، ما أتعسه حظا.
وهل بمقدورك أن تروضي ضباع البشر في البيوت ؛ وضباع الحيوان في الأحراش؛ أم ستكونين طعاما سائغا لإحداها؟؟
ثم تساءلت وكأنها تتشاجر مع نفسها : لكن لماذا لا أكون كبقية النساء الخانعات القانعات القابعات.؟
لماذا أريد أن أحكم؟
هل سمعتِ حاكما ؛ أو رئيسا طرح على نفسه هذا السؤال السخيف؟ طبعا أحكم لأرضي نفسي ؛ وأشبع نزواتي فأسعد .هل يوجد هدف آخر غير ذلك يمكن أن يقتنع به عاقل. طبعا أحكم لأكون أنا الذات وغيري الوسائل والأدوات.
لأبد أن يكون زوج المرأة رهن إشارتها، لابد أن يجتو أمامي، أن يغسل جسدي بكل رقة ورهافة حس حين أكون متعبة، وبقوة تعبر عن خشونة الرجل، حين أكون في قمة نشاطي، وأن يدلك جميع أعضائي راغبا، بشكل يحقق لي كل ما أبغيه من متعة وراحة، وان يخشى غضبي أكثر مما يخشى أي شيء آخر.
اقتربت من الأحراش ؛ حيث تكثر مغاور الضباع، فغزتها الرهبة ، واجتاحها الخوف ، وبدأت تتردد واضطربت مشيتها، وأخذت رجلاها تتخشبان ؛ بل وتخشب جلد جسدها بكاملة تصلبت أطرافها ، وجف ريقها، فراحت تتحسس أعضاءها وتصفع خديها بكفيها ، وتلمست بخاخ الخدر وكأنها تعد سلاحا رادعا لتواجه به ضباع الكون قاطبة ، وتسربت رائحة الضبع إلى أنفها ، فأدركت أنه على مقربة منها ؛ وأن لم تره، واستجمعت شجاعتها من جديد، وقالت: سحر؛ كوني المرأة الحديدية التي تتهشم على صلابتها أنياب كل الضباع.
مسحت المنطقة بنظرة متفحصة، وأخيرا رأته هناك، كان يهم بالوقوف على قائمتيه ليتأكد من وجودها ، ويحدد استراتيجية المطاردة، بينما كانت مؤخرته مازالت ملتصقة بالأرض في حالة المتربص الذي لا يرغب في أن لا تكتشفه فريسته قبل أن ينقض عليها.
تظاهرت من جهتها بأنها لم تره، بينما كانت تضغط بكل قواها على أسنانها المصطكة من شدة الخوف، ولاحظت أنه شرع في الهرولة حين بدأ يقترب ،تفاقم خوفها و شعرت بالبلل يكتسح فخذيها ، وبسرعة أخرجت قطع اللحم وألقتها في طريقه، ثم حملت الكيس وجرت هاربة. وصل الضبع حيث كانت قطع اللحم الطازجة ملقاة، فأقعى واحتضنها وراح يلتهمها بنهم، استراحت سحر، وتنفست الصعداء، وعادت إليها الحياة، أنتهى الضبع مما بين يديه، ورفع رأسه نحوها فلوحت له بقطعة أخرى، والقتها وابتعدت.
قالت وهي تنتظر منه إكمال ما بين يديه ، لتلقي له قطعة أخرى، وتجري مبتعدة أمامه: ما أقبح صورتك، فأنت لا تقل بشاعة وخسة عن الساحر، لا شيء فيكما في موضعه ؛ فلا سير متزن مستقيم، ولا سيرة محمودة، ولا طيب ريح؛ ولا وجه حسن؛ فكلاكما خسيس، ملهوف لا يشبع ، ويا ويح من وقع بين أيديكما
أًصبحت سحر والضبع على مقربة من مسكن الساحر، وكان الظلام قد بدأ يلون المنطقة بسواده، وبدأت عينا الضبع تلمعان كمصباحين، ثم ظهرت عيون لامعة عديدة في الخلف مقبلة ‘.
وضعت سحر قطع اللحم القطعة بعد الأخرى في خط أخر قطعة فيه في ساحة بيت الساحر، واندفعت كالسهم فدخلت
عليه وهو منهمك في إعداد الخائط. لزبائنه.
نظر إليها متعجبا نظرة من وقعت بين يديه غنيمة ثمينة لم يكن ينتظهرها وقال : ألم تذهبي كما طلبت إليك؟ بدون وبر الضبع لن أستطيع أن أفعل لك شيئا. أم جئت لأخذ التميمة؟
قالت: لا يا سيدي، لكنني لم أعرف من أي مكان في رقبة الضبع بالضبط ينبغي أن أجز الوبر المطلوب، فجئتك بالضبع نفسه، وكان الضبع قد اندفع داخلا إلى ساحة الدار منقضا على القطعة المرمية بجانب الساحر الذي بهت ، ثم دخلت ضباع كانت قد جلبتها رائحة اللحم، فقالت المرأة مرعوبة : وأسرته أيضا جاءت معه ، جاءت دون أن أدعوها ، ولعلك في حاجة إلى وبر كثير.
صرخ الساحر مرعوبا وضاعت منه الطريق ، وراح يحاول الوصول إلى السلم والإمساك به.
فقالت سحر: اقرأ عليها مما تحفظ، أنسنها؛إذا كنت ساحرا حقيقة لا أدعاء.
ندب الساحر: وأخيرا اجتمعت كل المفاسد في بيتي.
وأردفت من وراء شباك الباب الحديدي الذي أوصدته بإحكام: استعمل سحرك بسرعة، ثم واصلت : يبدو أنك لا تختلف عن زوجي المسكين في شيء؛ ويبدو أن الضباع يستحيل استئناسها وهي لن تكف عن دورها في تنظيف البيئة.
ثم أخذت تولول وتلطم خديها وهي تقفز في مكانها: يا لسوء حظك يا سحر، لم تأكلك الضباع ولكنها أكلت حمارك ونقودك، وبقي زوجك على طباعه كما كان.

الضيف حمراوي 10/04/2013