عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2010, 02:36 AM
المشاركة 88
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تأملات في النخلة والرطب

د. جمال القدسي الدويك

لم يذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ شجرة في القرآن، كما ذكر النخل والنخيل، فهي أكثر شجرة ورد ذكرها في القرآن الكريم؛ فقد ورد ذكرها في عشرين موضعًا من القرآن الكريم. ولقد فصلها الله دائمًا عن الفاكهة والزروع والأعناب، فجعلها دائمًا في كفة، وبقية الزروع والأعناب والفاكهة في كفة أخرى، إذ خصها دون غيرها بالذكر. فتأملوا معي هذه الآيات العظيمة، إذ جعل النخل في كفة، والزرع في كفة:

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ)(141) الأنعام. وقال تعالى: (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ) (148) الشعراء.

وتأمّلوا معي أيضًا هذه الآية التي جعل الله فيها النخل في كفة والفاكهة في كفة أخرى.

قال تعالى: (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ) (11) الرحمن.

وتأملوا معي هذه الآيات أيضًا حيث جعل الله تعالى فيها النخل في كفة، والأعناب كلها في كفة أخرى: (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) (19) المؤمنون.

وقال أيضًا: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) (34) يس.

وقال تعالى أيضًا: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (67) النحل.

ومن هنا ندرك لماذا جعل رب العالمين النخيل في كفة وحب الحصيد في كفة أخرى في قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) (9، 10) سورة ق.

فماذا نستطيع أن نستنتج عندما يعطف الله النخل تارة على كل الزروع، وتارة أخرى على كل أنواع الفاكهة، وتارة ثالثة على كل الأنواع من الأعناب، وتارة على كل أنواع الحبوب بما تحويه من غذاء كامل متكامل.

فلا شك أنها من جنس كل هذه الأنواع التي عطفها الله تعالى عليها، ولا شك أنها بذلك تكون شجرة مركزية عظيمة، فيها من الصفات والخصائص والفوائد والمنافع ما يجعلها مهيمنة على كل الأشجار إلا قليلاً. فالنخلة تتصف بخاصية عظيمة رائعة مذهلة، قد يستغرب الكثيرون منها، فهي بالرغم من قوّتها وطولها وثباتها، وتعميرها وشدّتها، إلا أنها رقيقة القلب، لينة، معطاء، مرهفة الإحساس، مطيعة لله خاضعة له، وقد يتساءل البعض: هل للشجرة قلب؟ وهل لها إحساس؟ وهل هي لينة حنون عطوف محبة؟ أقول:

فهذه الصفات تشبه صفات الإنسان المسلم، فهو قوي ثابت في إيمانه واعتقاده الراسخ، وهو شديد على الكفار والمنافقين وغليظ عليهم، ولكنه رقيق القلب، لين العريكة، رحيم عطوف، معطاء، رقيق الإحساس، مفعم بالمشاعر.وهذا هو وصف رب العالمين تعالى لصفات المسلمين إذ يقول عنهم: (
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (54) المائدة.



يتبع ~ ~