عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2010, 02:37 AM
المشاركة 89
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وقال تعالى أيضًا واصفًا سيد المسلمين، وسيد الأنام ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومن معه: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) (29) الفتح.

ويؤكد الله تعالى على الّلين الذي يجب أن يتميز به الإنسان المسلم، متبعًا بذلك قدوته سيد المرسلين ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ إذ يقول فيه رب العالمين: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم (4).

ويقول أيضًا: (وَلَوْ كُنتَ فَظٌّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضّ من حولك) آل عمران: 159.

فكما أن المسلم في شدته ورقته، وفي قوته وحنانه، وفي عنفوانه وعطائه، كذلك هي النخلة أيضًا، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بجمّار فقال: (
إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم). فأردت أن أقول: هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم فسكت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة). متفق عليه.

وكيف لا تكون هذه الشجرة لينة وجذعها الشامخ الطويل الصلب الثابت القوي، قد لان بأمر الله تعالى لامرأة ضعيفة لا تقوى على مجرد القيام من مكانها بعد الولادة، ألا وهي مريم بنت عمران ـ عليها وعلى ابنها السلام ـ وقد سجل الله تعالى لين النخلة، وخصائص ثمرها الرطب، الذي يتميز بأنه يثبّت الفؤاد، ويُجلي الهم والحزن عن القلب الحزين والمفؤود، ويزيل الاكتئاب، ويشرح الصدر ويفرح القلوب، وسطّر ذلك في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: (
وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا) (25، 26) مريم.

وكيف لا تكون هذه الشجرة لينة، رقيقة القلب، وقد أنّت وبكت عندما فارقها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن كان يستند إليها في خطبة الجمعة فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم) فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه وهي تئنّ أنين الصبي الذي يُسَكّن، قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) متفق عليه.

وورد في حديث في إسناده نظر: (أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم)

وقد يتساءل البعض: ما السر في هذا اللين ورقة القلب والعطف والحنان الذي جعله الله في النخلة وفي ثمرها، سواء أكان بَلَحًا أم رُطَبًا، أم تمرًا.

لقد اكتشف العلماء مادة في التمر تشبه هرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يفرز عادة من غدة ما تحت المهاد ويخزن في الفص الخلفي للغدة النخامية، وهو عبارة عن هرمون يتألف من تسعة أحماض أمينية، وهو بهذا التركيب ذو خاصية فريدة عند المرأة والرجل على حد سواء، فقد وجد أنه عند المرأة وأثناء الحمل تقوم الهرمونات التي تفرزها المشيمة، (وأقصد بذلك الأستروجينات)، تقوم بزيادة قدرة ما تحت المهاد على صنع هرمون الأوكسيتوسين، كما تقوم بمضاعفة حجم الغدة النخامية، وزيادة قدرتها على تخزين هرمون الأوكسيتوسين، كما أنها تزيد من المستقبلات التي تستقبل هرمون الأوكسيتوسين والموجودة في عضلة الرحم وفي الخلايا العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي.

وما إن يبدأ المخاض حتى يفرز الأوكسيتوسين من مخازنه في الغدة النخامية بكميات عالية، ويتحد مع مستقبلاته الموجودة في الرحم وفي الخلايا العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي، تمامًا كما يتحد المفتاح بقفله ويتطابق معه.

فأما في الرحم، وبعد اتحاد هرمون الأوكسيتوسين مع مستقبلاته، فتبدأ التقلصات العضلية الإيقاعية المنتظمة بشكل تدريجي، والتي تؤدي إلى انمحاء عنق الرحم، وتوسعه ومن ثم حدوث عملية الولادة، ولا يقتصر دور هرمون الأوكسيتوسين على هذا الحد، بل إنه بعد زوال المشيمة من الرحم، فإنها تترك سطحًا مليئًا بالدم في جدار الرحم، لأنه يحتوي على أوعية دموية دقيقة صغيرة تبقى مفتوحة ونازفة بعد ولادة المشيمة، هذه الأوعية الدموية تكون بين الألياف العضلية الملساء والتي تكون متشابكة كالشبكة في الرحم، وما إن يتابع هرمون الأوكسيتوسين تأثيره بعد الولادة، حتى يزداد انطمار الرحم، ويزداد انقباض أليافه العضلية والمتشابكة مع بعضها مثل الشبكة، وتقلص هذه الألياف المتشابكة بهذا الشكل يؤدي إلى صغر فتحات هذه الشبكة والتي تحتوي بين عيونها الأوعية الدموية الدقيقة النازفة، الأمر الذي يؤدي إلى ضغط الألياف العضلية الملساء في جدار الرحم والمتشابكة على هذه الأوعية النازفة، مما يؤدي إلى إيقاف النزف تدريجيٌّا.

ولا يتوقف تأثير هرمون الأوكسيتوسين على ذلك، فالرحم الذي تمدد خلال تسعة شهور من الحمل ليستوعب ما مجموعه اثني عشر كيلو جرامًا من وزن الجنين والمشيمة والسوائل الملحقة بهما، يجب أن يعود إلى حجمه الطبيعي، والذي يعادل حجم حبة الكمثرى، ولا يكون ذلك إلا بانقباض ألياف الرحم التدريجي المتتالي تحت تأثير هرمون الأوكسيتوسين، والأكسيتوسين فقط.

ولا يقتصر تأثير هذا الهرمون على الرحم فقط، بل يتجاوزه ليقلص أيضًا الألياف العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي، الأمر الذي يؤدي إلى إدرار الحليب عند تقلص هذه القنوات وما تحتويه من حليب، ومن ثَم إكمال عملية الرضاعة عند الطفل.

وهذه الخصائص المهمة جدٌّا لكل من الحامل والمرأة التي تلد، وللنفساء والمرضع، والتي يحتويها هرمون الأوكسيتوسين، تفسّر عظمة التمر والرطب الذي يحتوي في تركيبه على مادة شبيهة جدٌّا بهرمون الأوكسيتوسين من حيث تأثيرها، وتفسر لماذا جعل الله تعالى غذاء السيدة مريم العذراء، الرطب فقط من الغذاء، إذ قال تعالى: (
فَأَجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيٌّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيٌّا * وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا...
) مريم (23-26).



يتبع ~ ~