عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2010, 02:39 AM
المشاركة 90
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فإذا عرفنا أن لهرمون الأوكسيتوسين الموجود في الرطب والتمر كل هذه الخصائص عند النساء، فهل هو موجود عند الرجال في أجسامهم؟ ولماذا؟

اكتشف العلماء أن هرمون الأوكسيتوسين له تأثير عظيم عند الرجال، فهو المسؤول عن رقة القلب والحنان والعطف والحب والإحساس المرهف ولين العريكة والطبع، وإرهاف الفؤاد، ورقته وطيبته ولينه لدى الرجال، وهو المسؤول عن الحنان والعطف اللذين يظهرهما الرجل تجاه أطفاله، وهو نفسه يولد مشاعر مشابهة لدى المرأة، فهل يوجد أحن من المرأة في اللحظة التي ترضع فيها ولدها؟ وهل يوجد أرق من قلبها في الساعة التي تمسك بوليدها لترضعه؟ أليست هذه هي اللحظة التي يتم فيها إفراز هرمون الأوكسيتوسين ليفرز الحليب جنبًا إلى جنب مع الحنان والحب والعطف والحنو والرقة التي تُكِنُّها الأم لرضيعها، ألم يُشِرِ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن هذه هي أعظم صورة للحنان، عندما قال عن المرضعة: (أترون هذه المرأة ملقية ولدها في النار؟).

ألم يقل رب العزة عن أهوال يوم القيامة أنها تذهل أقوى عاطفة، أقوى حنان، وأقوى حب بين المرضع ووليدها: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ) (2) الحج.

هذا الحنان والرقة والعطف واللين الذي يحمله هرمون الأوكسيتوسين للأجسام التي يسري فيها، هو الذي يفسر لماذا بكى جذع النخلة لما ترك الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاعتماد عليه، وهو يخطب الجمعة، ولم يهدأ روعه إلا عندما عاد إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحضنه وضمه إلى صدره، حتى سَكَنَ كما يُسَكّنُ الطفل.

وهذا الذي يفسر نظام الإسلام في إحياء القلب، وبعث الرقة واللين والحنان والطيب الخشوع والخضوع في هذا القلب في رمضان، وهذا ما يفسر الخشوع التام والدموع السخية والقلب اللين والفؤاد الخاشع في العشر الأواخر من رمضان لمن يصوم ويقوم ويفطر ويتسحر على التمر والرطب، كما هي السُّنَّة، وكما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن جزءًا من هذا اللين عائد إلى الإفطار والسحور على التمر وما يحتويه من هرمون الأوكسيتوسين بخصائصه الملينة للقلب والمرققة للفؤاد، فعن سلمان بن عامر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (
إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم: (نعم سحور المؤمن التمر).

فما أعظم أن نتلقّى هذا الهرمون العظيم، الملين للقلب والفؤاد، والمثير للعاطفة والحنان، والموجود طبيعيٌّا وليس صناعيٌّا (أي لم يطرأ عليه تغيير في خلق الله) في التمر، أن نأكله فطورًا وسحورًا في شهر الرحمة والغفران، شهر رمضان.

وليس الأوكسيتوسين هو الهرمون الوحيد الموجود في التمر والرطب، فقد اكتُشف وجود مواد أخرى تشبه في تركيبها ووظيفتها هرمون الأستروجين إلى حد كبير، فما أهمية هذا الهرمون؟

في الحقيقة أن هذا الهرمون هرمون عظيم، وله وظائف متعددة ومتنوعة كبيرة وعظيمة، يكاد لا يخلو أي مكان في الجسم من وظيفة الأستروجين، من حيث إن له تأثيرًا في وظائف العظام، والثدي، والجلد، وعلى قناة الرحم فالوب، وعلى الهرمون الحاث للجراب fsh، وله دور على الهرمون الصانع للجسم الأصفر (lh) في المبيض، وإن نقصه يؤدي إلى هشاشة العظام، هذا وإن الأستروجين له تأثير على توازن الأيونات والأملاح في الجسم، وعلى دورة بطانة الرحم (الدورة الطمثية)، وعلى توزيع الدهون في الجسم، ومن ثَم تحديد شكل الجسم الخارجي، وعلى توزيع الإشعار، وعلى إفراز هرمون الأنسولين.

كما أن للأستروجين تأثيرًا على الدورة الطمثية، وعلى سن اليأس من المحيض، وله دور أثناء الحمل، ودور في صناعة النطاف عند الرجال، ودور داخل الخلايا، كما أن للأستروجين دور في صناعة الكوليسترول في الجسم ونقله، كما أن له تأثيرات استقلابية متعددة، وله تأثير في تقلص الرحم أيضًا... إلخ.

وفي الحقيقة ـ وكما قلنا ـ فإنه له تأثيرات كثيرة وعديدة ومتنوعة، ولكننا مع ذلك لن نتحدث عن كل هذه الخصائص الفريدة، بل إننا سنتناول ناحية إعجازية عظيمة، أتي بها الذي لا ينطق عن الهوى ـ صلى الله عليه وسلم.

ذلك أن لهرمون الأستروجين تأثيرًا على تطور الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وذلك أثناء الحياة الجنينية لكل من الذكر والأنثى (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) (45، 46) النجم، وأن هذا الاختلاف في الدماغ بين الجنسين في الحياة الجنينية وفي السنة الأولى من العمر، ناجم في جزء كبير منه عن اختلاف نسبة هرمون الأستروجين بين جسم الذكر وجسم الأنثى، وأن اختلاف نسبة التركيز هذه يؤدي إلى اختلاف التركيب، ومن ثم اختلاف سلوك الإناث عن سلوك الذكور، خاصة ما يحدثه الأستروجين من تأثير على الجهاز اللمبي (الطرفي) في الدماغ limbic system، وما لهذا الجهاز من تأثير على سلوك الإنسان، وبالتالي اختلاف سلوك الذكر عن سلوك الأنثى.

ومن الاختلافات التشريحية الموجودة بين دماغي الذكر والأنثى، أن الذكر لديه نصف كرة مخي متطور في الناحية اليمنى بشكل أكبر، أما عند الأنثى فإن الجسم الجاسئ الذي يربط بين نصفي الكرة المخية يكون عندها أكبر، كما أن الملتقى الأمامي يكون عندها أكبر أيضًا، والاتصالات بين نصفي الكرة المخية تكون عند الأنثى أكثر، وليس هذا هو كل شيء، فهناك اختلاف في تركيب المهاد وتحت المهاد بين الذكر والأنثى، وكذلك في الجهاز اللمبي - كما سبق وأسلفنا.

ومن هنا فإننا نقول: علينا ألا ننسى الكمية الجيدة من هرمون الأستروجين الموجودة في التمر، ولا ننسى أن تناول المرضع للتمر يؤدي إلى أن يطرح التمر بجزء من محتوياته وبتركيز ضئيل جدٌّا في حليب الإرضاع الذي يأخذه الطفل الرضيع، وفي الحقيقة فإن الطفل الوليد لا يحتاج إلى أكثر من هذه الكميات الضئيلة من الأستروجين والموجودة في حليب الإرضاع، وذلك من أجل تطور واكتمال نمو جهازه العصبي، وتذكروا ما في التمر من هرمونات مثل الأوكسيتوسين والأستروجين وتأثيرهما على الجهاز العصبي عند كلا الجنسين.

ولعل هذا أيضًا هو ما يفسر لماذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحنِك المولود بتمرة عند ولادته، فقد روى البخاري في كتاب العقيقة عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ، ولعل في التحنيك أيضًا هدف آخر ألا وهو التعقيم والتطهير للفم والجوف والجهاز الهضمي، إذ ثبت أن في التمر مضادات حيوية طبيعية تصل في قوتها إلى قوة البنسلينات والستربتومايسين، والله تعالى أعلم.

والتمر ليس فقط مخزنًا لهذه الهرمونات، بل إنه يحتوي على عنصرين نادرين غاية في الأهمية، ألا وهما المغنيسيوم الذي يعرف باسم (المهدئ)، والمنجنيز والذي يعرف باسم (عنصر الحب)

أما المغنيسيوم فقد عرف باسم المهدئ، وحاز هذا اللقب بجدارة، لأنه وجد أنه يعمل على تهدئة الجهاز العصبي ومنع توتره وهياجه، كما أن له تأثيرًا مليِنًا على المفاصل والأربطة، إذ وجد أنه يزيد من المرونة والليونة والتليين في كل من الأعصاب المحيطية، والعضلات، والأربطة والمفاصل، والأوتار العضلية، والأنسجة المحيطية، كما أنه يؤثر على الغدد الموجودة في الجسم بما فيها الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات، وما لهذه الهرمونات من تأثير مهيمن مركزي، ودور قيادي رائد في الجسم، وعلى نفسية الإنسان كما رأينا، ولكي نتخيل مدى تأثير الهرمونات على نفسية الإنسان ـ نذكر اضطراب نفسية المرأة، وما يعتريها من ضيق وهم وغم وكمد واضطراب في نفسيتها عندما تكون في فترة الدورة الشهرية، بسبب ما يعتري هذه الدورة الشهرية من اضطراب هرموني كبير.

كما أن عنصر المغنيسيوم الموجود في التمر مفيد جدٌّا لقيام الأعصاب بعملية إفراز النواقل العصبية عند نهاياتها، والتي لها دور كبير أيضًا في التأثير على نفسية الإنسان ومن ثم تحديد سلوكه، إذ ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أنه يحدث اضطراب في هذه النواقل العصبية لدى المصابين بكافة أنواع الأمراض النفسية صغيرها وكبيرها، مما يوحي بدورها على نفسية الإنسان وسلوكه.

والمغنسيوم مفيد أيضًا للأغشية المخاطية والمصلية في الجسم.

وقد عرف المغنيسيوم باسم المهدئ لأن نقصه في الجسم يؤدي إلى زيادة عمل الجهاز العصبي بشكل متهيج، وإلى الأرق وصعوبة النوم، والعشى، كما أنه يؤدي إلى ضعف شديد في الذاكرة، والنسيان المزمن، ويؤدي نقصه أيضًا إلى آلام في الأعصاب المحيطية واحتقان في الأعصاب، وإلى مزاج عصبي حاد، وآلام مختلفة في الجسم، إضافة إلى صداعات متكررة، وتصلب في العضلات والأوتار والأربطة العضلية والمفصلية.

ولا ننسى إضافة إلى دور المغنيسيوم المهدئ في الجهاز العصبي، فهو ضروري أيضًا من أجل سلامة العظام والأسنان، كما أنه يسرع في نمو الخلايا، ويزيد مرونة الأنسجة، ويعادل بتأثيره القلوي السموم الحمضية، وهو ضروري جدٌّا من أجل عمل الدماغ والرئتين، كما أنه خافض طبيعي للحرارة ومرطب طبيعي.

وإذا عرفنا الخواص الرائعة لهذا المهدئ العظيم، أدركنا الحالة التي تكون بها المرأة بعد الولادة من إنهاك للعضلات نتيجة كثرة الشد، وتوتر الأربطة والمفاصل، إضافة إلى الضغط النفسي والعصبي والعقلي، والآلام العضلية والعصبية وما يتبع ذلك من تعرق وإجهاد عنيفين، فما أحوج الجسم في هذه اللحظات إلى عنصر عظيم مثل عنصر المغنيسيوم يقوم بإنهاء كافة هذه التوترات على مستوى كافة الأجهزة والغدد، ويا حبذا لو كان بكمية كبيرة، وبصورة سهلة الامتصاص جدٌّا، وهي الصورة المثالية التي يوجد فيها المغنيسيوم في التمر، وهذا ما يفسر قول الله تعالى لمريم بعد مخاضها وولادتها: (وَقَرِى عَيْنًا).

وهذه هي الصورة كاملة (وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا) (25، 26) مريم. بعد أن أرشدها إلى تناول الرطب الذي يتساقط عليها من النخلة.

أما عنصر المنجنيز الموجود في الرطب والتمر بوفرة كبيرة، فلن يتسع المجال لذكر كل وظائفه وتأثيراته في الجسم، ولكني سأذكر بعض وظائفه التي أثبتها العلم، وأهمها وظيفة الحب (فهو يعرف باسم عنصر الحب)، وذلك لأنه وجد أن نقص هذا العنصر عند حيوانات التجربة يؤدي لإهمالها لأولادها، وإلى عدم الاهتمام بهم وبرعايتهم أو إرضاعهم، مع عدم الاهتمام بأي شأن من شؤونهم، وفقدان كل مظهر من مظاهر الحب بين الحيوانات وأولادها، وقد أظهرت الدراسة أيضًا أن حرمان الفئران من المنجنيز في غذائها أدى إلى تحولها إلى فئران عدوانية تجاه صغارها، إذ بدأت تهاجمها لتأكلها.

هذا ويعتبر التمر مَنجمًا كاملاً من المعادن، وأهم المعادن التي يحتويها التمر، الحديد، ولا تنسوا أن حليب الأم فقير بالحديد الذي ينفد من مخازنه بعد الشهر الرابع من الولادة، ويصاب الطفل بفقر دم بنقص الحديد عند عدم تعويض الحديد له بالغذاء، والاكتفاء بحليب الرضاعة الفقير بالحديد، ولذلك فإني أنصح بضرورة إدخال التمر ومنقوعه للطفل الوليد اعتبارًا من الشهر الرابع، مع ضرورة دهن جسمه بزيت الزيتون بشكل دوري.




//


انتهى ..

د. جمال القدسي الدويك