عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2010, 06:56 AM
المشاركة 140
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عيون في عين:
لعلك شاهدت (فرس النهر) أو بعض تلك الديدان التي نراها فوق سطح الماء، فإن عينها الواحدة مقسمة عدة عيون بحواجز إلى عدة اتجاهات. وفي عينيها أصباغ خاصة تقسم حدقة العين؛ ففي الوقت ذاته في إمكان العين الواحدة أن تنظر فوقها وتحتها، كما أن بعض الحشرات تشاهد ما تحت أرجلها وما فوق رأسها في وقت واحد.
ترى بدون عيون:
وتعال معي إلى بعض الديدان التي لا تجد فيها عيونًا على الإطلاق، وَأَلْقِ عليها ظل أي ضوء تجد أنها تهرب وتنزوي لأن جسمها شديد الحساسية يشعرها بأي اختلاف في الضوء، ومن يدري لعلها ترى بجلدها ما لا تراه بعينك!. ومن الأمثلة البارزة أيضًا (النمل) الذي نراه كل يوم، فعيناه لا ترى الأشياء ولكنها تفرق فقط بين الضوء والظلام، وله حواس قوية جدٌّا مثل الراديو تنقل إليه مظاهر العالم البعيدة والقريبة.
عيون الطيور:
أنت تستخدم النظارة الطبية لتقي بها عينيك وهج الشمس، ولكن عيون الطيور مزودة بنظارات طبيعية تغطي بها عدسات عيونها، ثم تحدق في وهج الشمس فترى كل ما أمامها دون أن تتأثر، هذا الغطاء الشفاف يقي عيونها أيضًا من الغبار والتراب فيوفر عليها عناء الذهاب إلى طبيب العيون للعلاج من أمراض اللحمية والجيوب وغيرها!.. فسبحان من هذا خَلْقُه
عيون الصقر:
إن عيني الصقر هما أقوى عضوين للإبصار في جميع المخلوقات.

يقول العلماء: يستطيع الصقر أن يلمح فريسته من بُعد يزيد على كيلومترين ونصف الكيلومتر. وترجع قوة الإبصار في الصقر إلى ضخامة مُقلتيه، كما أن سُمك شبكية عينيه (وهي الأنسجة التي تسقط عليها صور المرئيات خلف العين) يبلغ ضعف سُمك شبكية عين الإنسان.

وعلاوة على هذا نرى أن شبكية عين الصقر تحتوي على ملايين من خلايا الإبصار متناهية الدقة والصغر، وتستطيع عين الصقر أن تقي نفسها وهج الضوء ولمعانه، وذلك لأنها مبطنة بنقط صغيرة من الزيت لونها أصفر وهذه النقط تؤدي الوظيفة نفسها التي يؤديها مرشح (فلتر) آلة التصوير مع فارق التشبيه، فهذا للتقريب فقط.

وعلى هذا فإن الإنسان يُعدّ قصير النظر إذا ما قورن بمثل هذه الحيوانات. وهذه في حد ذاتها تُعَدّ نعمة من الله تعالى، لأن الإنسان بذلك يستطيع قراءة وتمييز الحروف التي يستخدمها في الكتابة وتبادل المعلومات، فلسنا في حاجة إلى هذه القدرة المعجزة على الإبصار. فالله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق لنا عينين مناسبتين تمامًا للأنشطة التي خُلِقنا لها، ووهب كل نوع من الكائنات على هذه الأرض الأعين المثلى للرؤية في الوسط الذي يعيشه فيه.
عين البومة:
وما دمنا نتكلم عن حدة الإبصار فلا يمكننا أن نتجاهل ذلك الكائن الغامض الذي نطلق عليه اسم (البوم).

إن البوم يرى الأشياء على مقدار من الضوء يقل مائة مرة عما يحتاج إليه الإنسان للرؤية، فعيناه المتجهتان للأمام خُلِقَتَا للتحديق إلى ظلمة دامسة، وعلى غرار البشر يتمتع البوم بنظر مزدوج.

وتقول الأساطير: إنك إذا أردت أن تقتل بومة على شجرة فما عليك إلا أن تدور حول الشجرة لأن البومة في هذه الحالة ستظل تتابعك بعينيها وهي تدير رأسها حتى تتم دورة كاملة فينقطع عنقها، وهذا ليس صحيحًا. إلا أن حركة الارتداد لدى البوم سريعة خاطفة، ولذلك يبدو وكأن رأسها دارت دورة كاملة. والبوم يرى أمواج الأشعة الحرارية تحت الحمراء.
الجمل أول من عرف النّظّارات!:
قبل أن يعرف الإنسان النظارات الشمسية بمدة طويلة عرفها الجمل، ففي عينيه جفن ثالث شفاف يسدله عليهما فيقيهما وهج الشمس.
عين.. أم شاشة تليفزيون؟
ومن أغرب الأساليب ذلك الأسلوب الذي تعمل به عين الضفدعة، فالعالم الذي تشاهده الضفادع في منتهى الغرابة، عالم لا يظهر فيه إلا كل ما هو متحرك، أما ما هو ساكن فلا وجود له في عالمها، فكأن الضفدعة جالسة أمام شاشة تلفاز مظلمة فإذا تحرك شيء من حولها ظهر على الشاشة حتى يقف عن الحركة. وعندئذ تظلم الشاشة مرة أخرى.

وهذه العين العجيبة مناسبة جدٌّا لحياة الضفدعة فهي لا تأكل إلا الحشرات الحية، وتستطيع بها أن تكتشف مكان ذبابة متحركة على مرمى لسانها، فالذبابة عندما تقف على فرع حشيشة تهتز صورتها في الحال على (شاشة) الضفدعة، وكيف لا تلحظها وهي الوحيدة على الشاشة من العالم كله. لذلك لا تفلت أية فريسة من مثل هذه الأعين اليقظة. وفي استطاعتك أن تحيط الضفدعة بعدد من الذباب الميت الذي لا يتحرك، وعندئذ لن تعرف الضفدعة أبدًا أن الذباب الميت موجود حولها وذلك لأن عينيها لا تُبَلِّغا المخ كل ما تراه بل تخطره فقط بما تحتاج إلى رؤيته من أجل البقاء.
كلمة أخيرة:
إننا لو درسنا عين كل كائن حي فسنرى فيها مميزات غريبة وإعجازات ربانية تفوق الوصف واختلافات متباينة تتناسب مع البيئة التي يعيش فيها مما ييسر له سبل الحياة مع باقي الكائنات الحية الأخرى المتباينة.

وكما رأينا فإن كل مخلوق على هذه الأرض ميسر لما خلق له، وكل عضو في كل كائن صممه الخالق المبدع ـ جل وعلا ـ بحيث يؤدي المهمة المطلوبة منه ليسير كل شيء بقدر معلوم.

والجرثومة في أمعاء الإنسان لا ترى الإنسان ولا تعرف له شكلاً، والبوم يرى الفأر في الظلام الدامس بواسطة الأشعة الحرارية التي تشع من جسمه الدافئ. ويرى النحل الأشعة فوق البنفسجية ولو غابت الشمس، وعين الضفدع محددة في عالم ذي حركات معينة لا تستجيب بغيرها وفقًا لمتطلبات الحياة الخاصة بها.

فالبوم يرى عالمًا مُشِعٌّا، والنحل يرى عالما كله أمواج قصيرة، والضفدع يرى عالمًا كله قفزات لأن عيونه لا تستجيب لشيء ساكن أو متحرك حركة متواصلة، ولا يصيد إلا أشياء تقفز، إنها عوالم حاضرة ترى، وعوالم لا ترى، نستغرب تبيانها، خُلِقَت لغاية وهدف وضرورة واحتياج وإكمال دور.

فتبارك الله أحسن الخالقين، وسبحان الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وصدق الله تعالى: (وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً ).
المصادر:

* كتاب (سحر العيون بين الجمال والحب والغزل).. تأليف: سيد صديق عبدالفتاح ـ الدار المصرية اللبنانية.
* مجلة (البصريات) المصرية ـ العدد الثامن يونيو 1997م، وهي مجلة غير دورية تصدر عن جمعية البصريين المصرية.
* جلة (المجاهد) المصرية ـ العدد (188) السنة السادسة عشرة، ذو الحجة 1416هـ ـ أبريل/مايو 1996م.



//

انتهى ..

د. محمد السقا عيد