عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2014, 02:10 PM
المشاركة 11
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحقق المنتوجات أعلى الأرقام في أسواق المهجر قاطبة و تتهافت كبريات الأسواق الممتازة على الزعفران و عسل الزعتر و بعض المعلبات الغذائية من اللوز والجوز و زيوت الأركان ، فتجوب صالحة القرى و المداشر محفزة التعاونيات على مزيد من الإنتاج و تلح كثيرا على النظافة و الثمار الجيدة ، و تحذر من الغش والتزييف ، وما إن عبرت دفعتها الثانية الحدود حتى جاءها التحذير من شركة صديقتيها أن دراسة أجريت للدفعات الأولى تناهت أن بعض الشوائب تحول دون إعطاء المنتوج درجة الجودة العالية ، كما جاءتها رسالة من مركز مراقبة المواد الغذائية تدعوها للحضور فورا ، هناك وجدت أناسا مختصين خلصوا أن شروط الصناعة الغذائية تقتضي حفظ المنتوجات الأولية في أماكن خاصة وفق درجة حرارية معينة لكل منتوج ، و عملية عصر زيوت الأركان يجب أن تتم بواسطة الآلات العصرية حتى لا تشوبها زوائد تؤثر على جودتها . بدأت الأسئلة تلف في ذهنها ، أنتم لا تعدمون أعذارا لكبح إنتاجية شعوب الجنوب ، أنتم تختلقون دوما عراقيل لإذلال المنتوجات الأجنبية ، فنشر الدراسة في الإعلام حرب فاضحة ، يواصل المختصون اقتراحاتهم الجديدة ، حفاظا على المعايير المعتمدة ، نصحوها باقتناء آلات لتجويد المنتوج والاستفادة من خبرات تقنيين سيسهرون على مراقبة سلسلة الإنتاج من مهدها إلى أن تصل إلى السوق ، وهناك طلب موجه في الموضوع للوزارة المختصة لتسهيل تلك العمليات وفق اتفاقيات الشراكة . تيقنت أنهم يراقبون كل كبيرة وصغيرة هناك ، يحدون من الغزو الخارجي ، ويستغلون كل فرصة لتسويق آلياتهم . رأت نفسها دخلت متاهة كبرى ، شروط الرأسمالية العالمية ، و العلاقات (شمال ـ جنوب) أي مجازفة هنا تعني الخسارة . يجب الرضوخ لمطالبهم ، فهم أهل البلد ، و لو تركوا أبوابها مشرعة لاكتسحهم القمل و البق.
رجعت وهي تحاول اقناع التعاونيات على شراء الآلات الجديدة وتحديث التصنيع التقليدي ، هي تعلم أنهم لن يعدموا حيلة أخرى مستقبلا من تلك الحيل المكشوفة قصد فرملة الإنتاج ، فهم يقبلون بالاستيراد لكن بنسب ضئيلة لا تؤثر على الميزان التجاري . ماذا بعد ذلك ؟ تيقنت أن عليها مواصلة البحث عن مواطن المال ، يجب أن لا تعتمد على موطن واحد لاستقطاب العملة ، يجب أن تقتحم كل المجالات ، لكن كيف ؟ البرصة فيها سماسرة أقوياء و أشداء قد يرشدونها ، معها قسط من المال لا يفي بالغرض لإعلان حربها ، كما هي مؤمنة بعدم المقامرة بما تملك ، عليها أن تلعب لعبتها بأموال الآخرين .
خمسة أشهر مضت على ولوجها عالم الأعمال ،البرصة ستعطيها فرصا كبيرة للنجاح ، أولى الجلسات ستكون قريبا جدا ، وكيلها يوصيها بالمشاركة في التداول ، هناك أسهم ستطرح قريبا من شركة عملاقة ، ستكون بأثمان بخسة نظرا للمستقبل الغامض و عدم وضوح خطة مجلس الإدارة ، المبلغ سيكون مكلفا لكنه مربح جدا .
خرجت من بيتها غير مطمئنة ، أدارت العجلات و توقفت عند سوق السمك ، اليوم ستعرف ما يخبؤه بائع الكزبرة ، هو في مكانه المعتاد ، الحزم مصفوفة على منضدة أمامه ، صندوق الليمون في جانبه الأيمن وهو جالس على كرسيه الخشبي المهترئ ، تحت المنضدة تظهر أكياس الأعشاب المبللة ، فاجأته نبرتها وهي تسلم عليه ، لكأنه سائح مع موجات أثيرية لا يسمعها غيره ، كانت نفسه منقبضة منذ الفجر ، لم يبع صبيحة اليوم حزمة واحدة ، لعل السوق عبوس اليوم ، لم تقف ذاكرته على يوم شبيه بهذا الذي ابتدأ لتوه ، شعور يغمره كالذي اعتراه في أول ليلة بالسجن ، لكن بسمتها أزاحت عنه الكثير من القنوط ، سألته عن أحواله ، لم يفته أن يقاسمها التحية مستفسرا عن أحوال أمها . ردت بابتسامة مستفسرة عن نوع المساعدة التي كانت ينوي تقديمها ، كان سؤالها مباشرا بعثر جوابه ، تماسك أخيرا قائلا : " كل الصعاب لها حلول ، هذا ما علمتني الحياة " فقالت له : "ترى إن كان صديقك وحبيبي يواجه مشاكل جمة ، هل ستساعده أو على الأقل ترشدني إلى شخص يمكنني من مساعدته." فكر قليلا ثم أجابها : " هل يمكن أن أعرف نوع المصاعب التي يتخبط فيها " فردت و حشرجة تعكر نغمتها : " إنه يسير شركة والده ، وشركته مهددة بالإفلاس ، سيضطر للتخلي عن جزء من حصصه في الشركة . وعندما سكت قالت : "معذرة على إزعاجك سيدي ، فأنا مجرد فتاة مغلوبة على أمرها ، أعماها حبها ، و توهمت أن الجميع يمكن أن يضحوا بما يملكون لنجدة ناصر ، كنت أتساءل إن كان أصدقاؤه يملكون تقديم يد العون ، لكن لابأس ربما يجد حلا آخر ." قام بائع الكزبرة من مقامه ثم جلس و رعشة تهز أصابعه و تغلف صوته : " يا بنيتي إنه شاب سيتأذى كثيرا لأن روحه طيبة ، سينال عقاب نيته الصالحة ، آه يا زمنا يجلد الأرواح الطاهرة " تحركت مستعدة للرحيل و هي تقول : " سامحني فقد أيقظت أشجانك سيدي ، تركتك بخير " ناداها بعد أن خطت خمس خطوات : " انتظري قليلا " توقفت قليلا ثم واصلت المسير و هو خلفها يهرول : " أعلم أنك محرجة من طلب المساعدة ، لكن هذا المكان لا يليق للحديث ، سنذهب لأحد المقاهي ، أريد معلومات إضافية ، جرها من يدها متجها بها نحو محطة سيارات الأجرة ، فاجأه أنها تدعوه إلى سيارتها . سيارة وضيئة ، لابد أنها باهضة التكلفة ، تسرب الشك إلى دواخله ، فهمس بمكر ، ألا تبيعين السيارة وتساعدي حبيبك ؟ " صفرت صفيرا طويلا ثم قالت : "أنت ذكي جدا لكن ربما وقتي يذهب سدى ، فالمبلغ الذي يحتاجه ناصر لإنقاذ موقعه في الشركة ليس بالبسيط كما تظن ، حتى لو تم بيع عشرات السيارات فلن تفي بالغرض ." كاد يتعثر و هي تضغط على الدواسة ، فقالت بشيء من العجرفة : " اذهب إلى أعشابك و اتركني لحالي ، فأنا نذرت نفسي لهذا الحب ، و لن أعدم من الوسائل ما يجعله يحس بأنني المرأة المناسبة ." طارت شكوكه وهو معجب بهذا الإصرار و هذه القدرة على التحدي ، طمأنها : " أراك تستهينين ببائع الكزبرة ، مهما كان المبلغ ضخما فأنا له بالمرصاد ." لكنني أحتاج إلى ضمانات تؤكد أن أموالي ستكون بأمان ، تهللت أساريرها وهي تتأكد من قوة حاسة شمها ، فرائحة النقود تجذيها أينما وجدت ، الآن وقد كشف المسن أوراقه ، فستبدأ لعبتها السحرية بحيوية أكثر فقالت بصوت وديع : " طيب سيدي ، كل ماتطلبه بديهي جدا ، تفضل واركب ."