عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2010, 06:55 AM
المشاركة 184
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستنباط الثاني(7):




ثمة إشارة هندسية في قوله تعالى (فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ)؛ فذكر (به) في الآية أعطى مدلولا واضحا ومحددا لشكل وهيئة الانهيار، حيث إن الجرف انهار به البنيان، فالانهيار هنا ناشئ عن خلل في منطقة الجرف وليس في البنيان ذاته، وفي ذلك تعبير قرآني بليغ.
فالحق لم يقل (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى في ذلك يحتمل التساؤل: أيهما الذي انهار؟ الجرف أم البنيان؟ فالفعل (انهار) يحتاج إلى فاعل مفرد مذكر، وكل من الجرف والبنيان مفرد مذكر.

ويرد إلى الخاطر هذا التساؤل: هل يمكن للجرف أن ينهار دون البنيان؟ أو ينهار البنيان دون الجرف؟
هندسيٌّا يمكن للجرف أن ينهار دون أن يلحق الضرر بالمبنى إذا أخذت الاحتياطات اللازمة عند اختيار وتصميم وتنفيذ نوع الأساسات المناسبة للمبنى ولتربة التأسيس، وأيضا يمكن للمبنى أن ينهار دون أن ينهار الجرف.
وتوجد مفاهيم هندسية عديدة يمكن أن تثار حول هذين الاحتمالين، ومنها ما يمكن أن يكون نقاط بحث وتطوير وابتكار، ولكن معنى المثل في الآية أن البنيان الذي أسس بنيّة تقوى الله هو مسجد قباء والصلاة فيه جائزة، بينما الذي أسس بينة التفريق بين المؤمنين هو مسجد الضرار ولا صلاة فيه، فكل من المبنيين مسجد، ولكن الفرق يكمن في النية من تأسيس كل منهما؛ فيظل مبنى مسجد قباء مسجدا، بينما مبنى مسجد الضرار يحرم استخدامه كمسجد لقوله تعالى: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)(8) فهو لم يعد يفي بالغرض الرئيسي من بناء المساجد، وهو إقامة الصلاة.
المبنيان موجودان، لكن انهار الغرض من استخدام أحدهما كمسجد.

وبناء على ذلك ففي قوله: (فَانْهَارَ بِهِ) دقة في التعبير القرآني تجعل المفهوم الهندسي واضحا ومحددا، نحو شكل الانهيار الحادث، فهو جاء نتيجة لانهيار الجرف وما عليه من بنيان، بينما (فانهار) فقط، لا تحدد هذا المفهوم الهندسي. ولم يقل الحق (فانهار في نار جهنم) لأن المعنى هنا وإن كان سيشير للانهيار، إلا أنه لا يحدد السبب الرئيسي المؤدي للانهيار؟ هل هو من الجرف أو من البنيان أو من كليهما؟ وكذلك لا يبين أيهما الذي انهار، هل هو الجرف فقط؟ أم الجرف بما عليه من بنيان؟ أم البنيان فقط، وإذا كانا انهارا هما الاثنان فهو لا يبين أيضًا أيهما الذي انهار أولاً.
هندسيٌّا يجوز أن يكون الانهيار بسبب أي من هذه الاحتمالات، ولكن المراد من التشبيه هو توضيح الفرق بين من أسس بنيانه بنية التقوى من الله ورضوانه، ومن أسس بنيانه بنية النفاق والكفر، فمفهوم البنيان ثابت في الحالتين، ولكن الاختلاف في التأسيس، وبناء على ذلك، ففي قوله تعالى: (فَانْهَارَ بِهِ) دقة بليغة في التعبير وتجسيد كامل للمفهوم الهندسي بأن الانهيار يحدث بسبب الجرف الذي يتم عليه التأسيس، وتبعا لذلك ينهار المبنى المؤسس عليه، بينما (فانهار في نار جهنم) لا تجسد هذا المفهوم الهندسي.



يتبع ~ ~