عرض مشاركة واحدة
قديم 06-14-2014, 06:25 PM
المشاركة 14
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سامية فتاة أمضت سبع سنوات في بلاد الغرب ، شقراء معتدلة القوام ، تبدو أطول من قامتها ، أكملت ربيعها الخامس والعشرين عكس أخيها ناصر تملك ذكاء اجتماعيا خارقا أهلها لممارسة العديد من المسؤوليات بأريحية ، لا يجرفها التيار ، فالعديد من الأشخاص لا يقوون على ممارسة أكثر من مهمة ، فهي تسرد الصوف و تشاهد التلفاز وفي الوقت ذاته تجاري صديقتها في حديث الموضة والطبخ و الفن دون أن يتشتت انتباهها لحظة واحدة ، إنها تملك تعددية التركيز ، مقبولة الجلسة ، مرنة الرد ، حاسمة الرأي ، يقظة الملامح ، تمارس هالتها ضغطا رهيبا على محاورها ، قوة الحجة و واسترسال لغتها في تسلسل منطقي مشفوع بذاكرة قوية فتتجسد النظريات في أقوالها وأفعالها لكأنها إنسان آلي كامل البرمجة ، زارها أبوها في رحلته الإستشفائية الأخيرة و قف على تسييرها المميز للوحدات الفندقية التي أنشأها في بلاد المهجر ، فوقع لها توكيلا على كل ممتلكات العائلة العقارية ، شرح لها أهمية الشركة ، والمصاعب التي تواجهها و نبهها أنه بين الفينة والفينة ستنتابه تشنجات عصبية ناجمة عن الإرهاق الذي يعانيه ، يخبرها أن أعضاءه متماسكة لكن جهازه العصبي مرهق لأنه بدنه لا ينال قسطه الكافي من الرياضة و الفسحة والاسترخاء لإنعاش حيويته فباشر وصيته : " أنت بنت أبيك يا سامية ، وأخوك ولد أمه ، حبكما كبير في أعماقي ، لكن أخاك يحتاج دوما لعين توجهه ، تركته لعام كامل يلهو و يعيش على مزاجه ، لكنني سأفوض له تسيير الشركة ليقف على عجزه و على عدم قدرته على التسيير ، سيرى بأم عينيه أن العالم لايمكن سبر أغواره دون الفعل الحقيقي ، فليست الدروشة سبيلا سليما وليس العناد منشأ القوة ، بل تلك القدرة على التصرف بإيجابية في أحلك الظروف ، سيتعلم كثيرا ، فمعه في مجلس الإدارة أناس خبثاء ، أناس شراهتهم لا حدود لها ، أناس يمارسون عقدهم في مواطن لا تسمح بالتهور ، ضعفه سيجعلهم يقدمون على تصرفات غبية ، وهي فرصة ذهبية لقطف رؤوسهم السامة و رد كيدهم في نحورهم . سترين يا ابنتي بأم عينك أن أخاك لن يطلب منك المساعدة ، لأنه أغلق نفسه في عالمه الخاص ، و توهمه نفسه أن الحياة تسير فقط بمنطقه الضيق ، إنه تشرب الكثير من طباع أمك التي ما كانت يوما سعيدة في حياتها ، فمنذ أن علمت أني كنت أحب فتاة أخرى قبل زواجي تقوقعت على نفسها غيرة ، و الحقيقة يا ابنتي أن والدي هو من اختارها لي ، ليس لأنني لست قادرا على عصيان أوامره ، وليس لأنني ضعيف لأفرط في حبي ، لكن التي كانت يوما حبيبتي معاندة جدا ، و رسمت خططا لعلاقتنا غير مبهجة حين تم رفضها ، يومها عرفت أن الحب شيء و القدرة على إنجاحه شيء آخر .
يا ابنتي تعلمين أني لا أخفي عنك شيئا مهما صغر أو كبر ، وأعلمك علم اليقين أنني لست نادما على كل قراراتي طوال حياتي ، في الشركة هناك فتاة تسمى صالحة إنها نسخة طبق الأصل من أمها في شبابها هذه صورة أمها ونحن في ريعان الشباب ، وهذه صورة البنت ، من جهة فهي كفؤة جدا كمحاسبة ، لكن عينيها و ملامحها تحملان العناد والمكابرة ، أبطأت في ترسيمها لأعرف نواياها الحقيقية ، تتبعت كل خطواتها و علمت أنها مهتمة عن بعد بأخيك ناصر ، لكنها لم تقدم بعد على أية خطوة ، حرصها الكبير جعلني أعجب بصبرها ، ولكن في الوقت ذاته هذا النمط في التعامل ينم على حدة الطباع و الإيمان الزائد بالنفس ، وشخص كهذا لا يحسن التصرف عند الشدائد . يا ابنتي أنت ربة العائلة في غيابي حتى يسترد ناصر عافيته و يتحمل مسؤوليته . لا تنسي أمك وهاتفيها كل يوم وطمئنيها أن كل شيء سيكون بخير عند عودتك إلى البلاد لتسيير الشركة و الأخذ بيد العائلة . فهي تثق بك كثيرا بالقدر الذي تخاف على ولدها ناصر و لو أظهرت عكس ما تضمر ، فأنا أعرفها جيدا . و طوال حياتي لم تقم بسلوك مشين ، بل تتفانى في سبيل العائلة وفق قواعدها و استطاعتها . " كان أبوها يومها صفحة شفافة جدا ورهيفا جدا ، سقطت دمعة من عينيه و هو يكابر تدحرجها ، لكنها ابنته التي يعرف بجد معدنها ولايضيره أن يبدو ضعيفا في حضرتها . في الأسبوع المقبل ستنال شهادتها و تعود إلى الوطن .

ركبا في السيارة فرن هاتفها ، إنه وكيلها في البرصة ينبئها أن مقالا في موقع إليتروني إقتصادي سيبعثر كل التوقعات ، و ثلاثون بالمئة من أسهم الشركة المدرجة في البرصة ستشهد تقلبات عجيبة ، فهذا التسريب سابق لأوانه ، و هي خطة تحتاج بعض الوقت ليحللها الإقتصاديون وسماسرة البرصة ، لكن على كل حال فالأموال يجب أن تضخ في حسابها بالبرصة في هذه اللحظة ليتصرف في الحين علما أن عقده في التداول لم يحرر بعد ،كما أخبرها ، أن العشرين بالمئة من إيرادات الأسهم كما سبق وتفاوضا عليها ليست مناسبة في عملية كهذه ، كما سيحتاج إلى دفعة مسبقة خارج العقد لإبرام الصفقات مع المضاربين . كانت تجيب بتحريك رأسها و قالت أخيراموضحة : "بعد ساعة سأكون معك هناك ".
"يمكنك أن تتأكد بنفسك سنذهب حالا إلى البرصة فالشركة ستنهار بعد لحظات ، إن لم نقم بعمل جبار " رد عليها : كم تحتاجين من المال ؟ " لا أخفيك الملايين من الدراهم على الأقل ." زفر زفرة حادة وهو يقول : " هذه مقامرة في آخر العمر" فردت عليه : ربما تكون فرصة العمر أيضا ، فأموالك ربما تتضاعف بين يوم وليلة ، فهذه الشركة لا يمكن أن تزول ، فعلى الأقل حصصها الثابثة توازي السبعين بالمئة ، ناهيك عن مدخراتها كسندات في خزينة الدولة ، إنها شركة لها موقعها الوطني وتحافظ على التوازنات و لن تسمح الدولة بتدميرها ، فهذه فرصة للإغتناء و في الوقت ذاته تنقذ وجه صديقك ومنصبه ، أيضا نكون قد حققنا نجاحا هائلا في سبيل الحب ، فكلنا في الأخير ناجحون . فقال لها بعد صمت لوقت قصير : " لنذهب إلى البنك "
عند مدير المؤسسة البنكية وقف بائع الكزبرة بعد إدخاله من البوابة الخلفية ، أعطاه قصاصة ورقة و قال له :" حول قروشي لهذا الحساب " ذعر مدير الوكال بهذا القرار، مستغربا من هذه الخطوة العجيبة الغريبة من أعظم زبون لهذه الوكالة مجيبا : "هكذا دفعة واحدة" فقال أحمد : بصوت الحازم : " يا صديقي إنها غارة فيها غنائم جمة ، سأعيد أموالي بعد حين ، وهل سأجد مؤسسة آمنة كوكالتكم . " لكن المدير بدا عليه التوتر ، وهو يحاول التأثير على الزبون ، فجاءه أحمد من الآخر :" حول نقودي على جناح السرعة فأنا لا أملك وقتا للكلام والدراهم تضيع . " ضغط المدير على الزر فطارت الدراهم إلى المجهول "
ضحكت بمكر وهي تحس انتفاخ رصيدها فأرسلت رسالة إلى وكيلها تأمره باليقظة ، وعدم التحلي بالرحمة ، فكرت أن تحرك عجلاتاها و لاتنظر هذا المخبول المؤمن بزغاريد الحب ، لكن همسة في دواخلها لا تزال تؤمن أن المرء لا يجب أن يغلق الأبواب خلفه ، خصوصا إن كان مبحرا في نفق مظلم .
وجدها تنتظر ، استوى على المقعد وقال لها :" في عينيك بريق عجيب ، قد يكون توترا أو حزنا أو مكرا ، لكن احترسي و لا تقللي من قدرات العشاب ، فهيا على بركة الله إلى سوق السمك ، فكزبرتي تنتظرني هناك ."