عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-2015, 05:35 PM
المشاركة 17
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;"]

الفصل التاسع
__________

طوال طريق عودته إلى المنزل لم يرحمه عقله من التفكير.. تلاطمت الأفكار في رأسه كموج بحر هائج الأمواج. بدءً بالدكتور البنهاوي الملعون، وصورة الفتاة المكبلة بالحديد في سريرها، وجلد الملعون لها بكل تلك القسوة والوحشية، انتهاءً بدليله الشيخ وبشراه، التي أزاحت الحجر الثقيل من على صدره بإتمام مهمته الجليلة، وهبة ربه له بزينة الحياة الدنيا من المال والزوجة الجميلة، التي تسر نظره وتبهج قلبه، وتكون الأم الصالحة لأولاده.
عندما رأت أمه اصفرار وجهه، والفزع والخوف ورعشة يديه وارتعاد جسده..
على الرغم من محاولته إخفاء ذلك بابتسامة بشوشة على وجهه
هم بأن يفتح فمه ليقص عليها ما مر به من أحداث جسام، فأوقفته إشارة من يدها إلى غرفة الهالة.
استجاب لإشارتها على الفور دون اعتراض، ودخل الغرفة مستنجدا بها، لتعيد لروحه السكينة. لفحت وجهه نسمة عطرة، استنشقها بعمق، لتختلط بدمه المعكر فتنقيه.. سمع ترنيمات ملائكية، انسابت إلى روحه وكيانه ونفسه الفزعة.. قام إلي سجادة الصلاة، وأخذ يصلي شاكرا ربه على نعمه الكثيرة، التي أنعم بها عليه.
ردت إليه نفسه، وشعر براحة روحية غمرته، واختفت تماما من عقله تلك الصور المفزعة للفتاة. خرج إلى أمه متورد الوجه، يبتسم لها في بشاشة وود. ردت عليه أمه ابتسامته، وهي تشير بيدها إلى منضدة الطعام، وقد وضعت عليها كل ما تشتهيه نفسه. جلس إلى طعامه بشهية مفتوحة ورغبة في الحياة، وأخذ يقص عليها أول مواجهة له مع الملعون ابن الملعون والقضاء عليه، وعثور دليله عليه، وهبات الله التي غمره بها، والمرأة الجميلة الصالحة التي سلبت عقله وقلبه.. وهي تستمع له دون أدنى تعليق!
حتي دق جرس الباب..
ابتسمت له ابتسامة ودودة، وتركته يكمل طعامه، وقامت لترى من بالباب. سمع عبد الباسط عبارات الترحيب من أمه بالزائر القادم، فانتابه الفضول، فليست هذه عادة أمه. وفاجأ أذنيه صوت الدكتور البنهاوي يسأل عنه..
سمحت له أمه بالدخول مع عبارات الترحيب، ودخل البنهاوي بخطواته البطيئة، وهو في حالة إعياء شديد. وقف عبد الباسط فزعا صارخا في أمه..
- كيف تسمحين لهذا الملعون ابن الملعون بالدخول؟
في ابتسامة مطمئنة..
- اجلس واهدأ يا بني..واعلم إن هذا البيت مرصود، لا يدخله شيطان ولا جان، وإلا احترق قبل أن تطأ قدماه بابه. تمالك نفسك، واستمع إليه.. تذكر كلمات أبيك لك بالمقبرة.. اسمعه وأطعه.
التفتت للبنهاوي في بشاشة وود..
- كيف هي قهوتك يا دكتور ..
بهت عبد الباسط من تصرفات أمه، بينما ابتسم البنهاوي في ود واقترب منه، محاولا أن يطمئنه، واضعا يده على كتفه في حنان. ابتعد عبدالباسط فزعا، مبعدا يديه خوفا من سابق تجربته المفزعة.. ابتسم الدكتور في ود قائلا:
- استمع لي أولا يا بني، ثم حكم عقلك وضميرك..
- أحكم عقلي وضميري فيم؟..ما رأيته كافٍ لأعرف من أنت
- لا تتعجل وتحكم على الأمور بظواهرها، فأنت ستواجه سيدًا من أسياد الشر الأسود، والذي لن تنتهي ألاعيبه الخبيثة لأقصائك عن مهمتك. ما انتقل إليك من ذاكرة هالتي صحيح ولا أنكره. حدث ذلك في مواجهتي الفاشلة له. دعني أقص عليك كل ما حدث بتفاصيله، حتى تتعلم كيف تواجهه، ولا يتمكن من خداعك كما فعل معي.
دخلت الأم، ووضعت القهوة أمام البنهاوي. مسحت على رأس عبد الباسط في حنان، وبصوت حنون قالت..
- اسمع منه يا بني بقلب مفتوح، وتذكر ما أوصاك به أبوك.
قبل يد أمه رادا على كلامها:
- سمعا وطاعة يا أمي.. وأنا كلي آذان صاغية لسماع ما سيقول.
شهق البنهاوي نفسا عميقا، وارتد بظهره، واضعا يده على جبهته في تفكير عميق، كمن يسترجع ذكريات من زمن سحيق. وفي صوت مرتعش ضعيف، بدأ يسرد قصته مع الملعون..
- حضر إليّ زوج الفتاة وأبوها وهما في انهيار وفزع شديدين، بعد أن ظهرت عليها ظواهرالتلبس، وما كانت تفعله من حرق للأثاث والستائر، وتبدل ملامح وجهها، وانتشار شرها إلى خارج البيت، وانتشار حرق الزراعات المحيطة بالبيت. ذهبت وأنا أظن أنها مجرد روح شريرة تلبستها أو مس من الجن، وأنني سأطرده بسهولة، كما طردت من قبله أرواحا شريرة كثيرة..
قاطعه عبدالباسط صارخا في غضب..
- ولكنك كنت تمزق جسدها بالسوط بقسوة ووحشية..
- لم أكن أدري يا بني أني أواجه أمير من أمراء الظلام الأسود.
نحن في العادة نهدد الروح لطردها بالسوط، لتخرج من الجسد.
ومن المؤكد أن أباك علمك ذلك.
- أبي لم يعلمني شيئا، فالموت لم يمهله ليعلمني.. ولكني قرأت هذا في كتاب طرد الأرواح، إرثى وإرث هالتي.. أكمل يا سيدي..
- هناك أيضا من يستخدم خيزرانة رفيعة للضرب ليهدد بها..
- لكنك لم تكن تهدد؛ بل كنت تمزق جسد المرأة المسكينة..
- أنا لم أكن أمزق جسد المرأة؛ بل جسد الملعون ابن الملعون..
- ولكني رأيتك تمزق جسدها..
- نعم.. نعم أنا لا أنكر ذلك.. لقد تلاعب بي الملعون بخبثه وشره. رأيته يهتك عرض أمي أمام عيني، فجن جنوني، وأخذت أضربه وأمزق ظهره ليتوقف عن هتك عرض أمي.. تدخل زوج المرأة وأبوها وأنقذوها من بين يدي، ولولا تدخلهم لقتلتها ضربا بالسوط، وأنا أظن أني أضرب الملعون ابن الملعون.
تأكدت ساعتها أنني لست الند لهذا الملعون، عندما رأيت هالته السوداء القوية. وعندما رأيت هالتك، عند أنقطاع الإضاءة في قاعة المحاضرات، ووجدتها لا تقل قوة عن هالته، بل قد تفوقه قوة، أيقنت أنك من اختاره الله لهذه المهمة الجليلة. وعند مصافحتي لك، أنتقلت ذكريات هالتك إلي عقلي.. رأيتك مع أبيك بالمقبرة، وعلمت تفاصيل ما دار بينكما من حديث، وتأكدت ساعتها أني دليلك..
وها أنا ذا يا بني رهن إشارة من بنانك.. دليلك ومعاونك.
في تردد وارتباك رد عليه..
- دليلي! كيف هذا وقد وجدنى دليلي بالفعل، وبشرنى بالقضاء على الملعون، وأبلغنى رضاء الله عني، بأن أرسل لي عطاياه وهباته مكافأة لي على إتمام مهمتي؟!..
اعتدل البنهاوي في انتباه، وهو يحدق في وجهه قلقا..
- كيف حدث هذا؟.. ومتى أتممت مهمتك، وأنا أمامك سليما معافىً
أكلمك وتكلمني؟
- لا أعلم.. عقلي يكاد أن يجن..
- اهدأ، وقص عليّ ما حدث بكامل تفاصيله.. ولا تهمل شيئا
سرد عبد الباسط ما حدث له بتفاصيله، والبنهاوي يسأله ويراجعه في أدق التفاصيل حتى أجهده، وسمع القصة كاملة دون لبس..
ارتد بظهره ليلتقط أنفاسه المتلاحقة، وفي صوت ضعيف مجهد..
- هذا ما كنت أخشاه.. بدأ الملعون في مراوغتك، وعرف كيف يدخل إليك من خلال فتوة شبابك وقلة خبرتك..
فزعا صرخ:
- أتعنى أنني قابلت الملعون وجها لوجه..
- أو أرسل لك أحد معاونيه، فهو لا يغادر مكمنه..
- لما؟
- خوفا من مواجهتك.. فهو يعلم كل شيءعنك، ومدى قوة هالتك..
هو يخشاك، وحاول أن يستخدم ألاعيبه وخبثه في إقناعك بأنك
أتممت مهمتك، وأراد أن يضعف هالتك بوضع تلك المرأة في
طريقك، ليثير شهوتك لرغبات جسدك، التي حرمت منها من أجل هالتك. أزاغ بصرك ولهاك، ووضع أمامك المال والسلطان والجاه.. تلك الثلاثية التي يقتل الأخ أخاه من أجلها، ناسيا شريعة الله التي شرعها لبني آدم.. فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وثق في الله أكثر وأكثر، حتى لا تُهزم في مواجهته.. واحمد الله أن هالتك حمتك من تعويذاته التي ألقاها عليك.
- أعوذ بالله وأستغفر الله من غفلتي.. دعني الآن يا سيدي أدخل خلوتي، فأنا في أشد الاحتياج إليها..
[/tabletext]