الموضوع: المبدعون
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2010, 01:50 PM
المشاركة 5
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي سلطان العلماء : العز بن عبد السلام
سلطان العلماء : العز بن عبد السلام




وسلطان العلماء هو الإمام: عبد العزيز بن عبد السلام ابن أبي القاسم بن الحسن بن مهذب
.
وأما فيما يتعلق بهذا اللقب الذي اخترته عنوانا للحلقة: "سلطان العلماء" فقد لقب به من قبل أحد تلاميذه وهو الشيخ المعروف الإمام ابن دقيق العيد ولهذا اللقب سر معروف سيتضح معنا من خلال هذه الحلقة.
حيــاتــه وعصـــــره
إن الشيخ الإمام العز.بن.عبد.السلام عاش في الشام ثم في مصر وعايش دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين وكانت دولة قوية ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها على الملك وأصبح بعضهم يقاتل بعضا حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين النصارى من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه وبني عمه
شجاعتـه وجرأتـه في الحـق
لعل أبرز الجوانب في شخصية هذا الإمام هو ما يتعلق بالشجاعة والجرأة التي كان يتميز بها في قول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لقد جدد السلطان العز.بن.عبد.السلام الإنكار العملي على السلاطين والأمراء وكان ينكر عليهم أحيانا علنا وأمام العامة لاسيما المنكر العلني ولا يخاف في الله لومة لائم.
فوائد الإنكار العلني:
إن الإنكار العلني والصدع بكلمة الحق له فوائد كثيرة وعظيمة لعل من أهمها:
أولا: أن يعذر العالم
ثانيا: التفاف العامة حول هذا العالم
ثالثا: تشجيع الآخرين على الإنكار
رابعا: قبول الحق
خامسا: رفع مسـتوى الأمة وعدم حجب الحقائق عنها
وكان العز.بن.عبد.السلام من العلماء الذين يسلكون هذا المنهج ولا يرون مانعا شرعيا منه .
مواقفـه العظيمـة
لقد كان لهذا الإمام الجليل مواقف في غاية العجب وهذه المواقف العظيمة لولا أنها مسطرة في الكتب لقلنا: إنها خيال من الخيال لكنها مكتوبة والذين كتبوها هم من العلماء الذين عاصروه وعاشروه وعاشوا معه.
ومن هذه المواقف العجيبة:
موقفه مع الملك الصالح إسماعيل:
عندما كان العز.بن.عبد.السلام في دمشق كان الحاكم رجلا يقال له: "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب فولى العز.بن.عبد.السلام خطابة الجامع الأموي وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل هذا بالتحالف مع النصارى الصليبيين أعداء الله ورسله فحالفهم وسلم لهم بعض الحصون كقلعة الشقيف وصفد وبعض الحصون وبعض المدن وذلك من أجل أن يستعين بهم على قتال الملك الصالح أيوب في مصر.
فلما رأى العز.بن.عبد.السلام هذا الموقف الخائن الموالي لأعداء الله ورسله - عليهم السلام- لم يصبر فصعد على المنبر وتكلم وأنكر على الصالح إسماعيل تحالفه مع الصليبيين وقالها له صريحة وقطع الدعاء له في الخطبة بعدما كان اعتاد أن يدعو له وختم الخطبة بقوله: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا تعز فيه وليك وتذل فيه عدوك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر". ثم نزل.
وعرف الأمير الملك الصالح إسماعيل أنه يريده فغضب عليه غضبا شديدا وأمر بإبعاده عن الخطابة وسجنه وبعدما حصل الهرج والمرج واضطرب أمر الناس أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك.
وخرج العز.بن.عبد.السلام من دمشق مغضبا إلى جهة بيت المقدس وصادف أن خرج الملك الصالح إسماعيل إلى تلك الجهة أيضا والتقى أمراء النصارى قريبا من بيت المقدس فأرسل رجلا من بطانته وقال له: اذهب إلى العز.بن.عبد.السلام ولاطفه ولاينه بالكلام الحسن واطلب منه أن يأتي إلي ويعتذر مني ويعود إلى ما كان عليه فذهب الرجل إلى العز.بن.عبد.السلام وقال له: ليس بينك وبين أن تعود إلى منصبك وأعمالك وزيادة على ما كنت عليه إلا أن تأتي وتقبل يد السلطان لا غير فضحـك العز.بن.عبد.السلام ضحكة السـاخر وقال: "يا مسكين والله ما أرضى أن يقبل الملك الصالح إسماعيل يدي فضلا عن أن أقبل يده يا قوم أنا في واد وأنتم في واد آخر الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به".
قال: إذا نسجنك فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه في خيمة فكان يقرأ فيها القرآن ويتعبد ويذكر الله تعالى.
وفي إحدى المرات كان الملك الصالح إسماعيل قد عقد اجتماعا مع بعض زعماء النصارى الصليبيين كان اجتماعهم قريبا من العز.بن.عبد.السلام بحيث يسمعون قراءته للقرآن فقال: هل تسمعون هذا الذي يقرأ قالوا: نعم. فقال متفاخرا: هذا هو أكبر قساوسة المسلمين سجناه لأنه اعترض علينا في محالفتنا لكم وتسليمنا لكم بعض الحصون والقلاع واتفاقنا معكم على قتال المصريين.
فقال له ملوك النصارى: والله لو كان هذا القسيس عندنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقته
فأصيب الملك إسماعيل بالخيبة والذل وكانت هذه بداية هزيمته وفشله وجاءت جنود المصريين وانتصرت عليه وعلى من كانوا متحالفين معه من الصليبيين وأفرجت عن الإمام العز.بن.عبد.السلام.
هذا موقف صرح فيه العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رؤوس المنابر ورأى أن هذا الذي يسعه مع أنه كان يستطيع غير ذلك ولكنه رأى أن هذا هو الأسلوب المناسب خاصة أن الصليبيين في تلك الوقعة دخلوا شوارع دمشق ومدنها وتجولوا في أسواقها ودكاكينها وكانوا يشترون الأسلحة من المسلمين ولذلك وجه إليه الاستفتاء: هل يجوز أن نبيع السلاح للنصارى
فأفتى - رحمه الله - بأن بيع السلاح إليهم لا يجوز لأن من يبيعهم السلاح يعلم أنهم سوف يصوبون هذه الأسلحة إلى صدور المسلمين.
موقفه مع الصالح أيوب:
خرج العز.بن.عبد.السلام بعد ذلك إلى مصر واستقبله نجم الدين أيوب وأحسن استقباله وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة.
وكان المتوقع أن يقول العز.بن.عبد.السلام: هذه مناصب توليتها ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظا على مصالح المسلمين وألا أعكر ما بيني وبين هذا الحاكم خاصة أن الملك الصالح أيوب -مع أنه رجل عفيف وشريف- إلا أنه كان رجلا جبارا مستبدا شديد الهيبة حتى إنه ما كان أحد يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدا ولا يشفع لأحد ولا يتكلم إلا جوابا لسؤال حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائما نقول ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب: لن نخرج من المجلس إلا إلى السجن فهو رجل مهيب وإذا سجـن إنسانا نسيـه ولا يستطيع أحد أن يكلمه فيه أو يذكره به وكان له عظمة وأبهة وخوف وذعر في نفوس الناس سواء الخاصة منهم والعامة فماذا كان موقف العز.بن.عبد.السلام معه
في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوس في شوارع القاهرة والشرطة مصطفون على جوانب الطريق والسيوف مصلتة والأمراء يقبلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة -وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت- وهنا وقف العز.بن.عبد.السلام وقال: يا أيوب هكذا باسمـه مجردا بلا ألقاب فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه الصريح بلا مقدمات ولا ألقاب ثم قال له العز: ما حجتك عند الله - عز وجل - غدا إن قال لك: ألم أبوئك ملك مصر فأبحت الخمور فقال: أويحدث هذا في مصر قال: نعم في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة
فقال: يا سيدي أنا ما فعلت هذا إنما هو من عهد أبي. فهز العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: "إنا وجدنا آباءنا على أمة" [الزخرف:] فقال: لا أعوذ بالله وأصدر أمرا بإبطالها فورا ومنع بيع الخمور في مصر.
رجع العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - إلى مجلسه يعلم الطلاب ويدرسهم وكان يعلمهم مواقف البطولة والشجاعة كما يعلمهم الحلال والحرام ويعلمهم الغيرة على الدين مثل ما يعلمهم الأحكام إذ ما قيمة أن يوجد طالب يحفظ القرآن والصحيحين والسنن وكتب الفقه والحديث ومع ذلك هو ميت الغيرة على الإسلام لا يغضب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يتمعر وجهه إذا رأى المنكر ويتطلع لمنازل الصديقين والشهداء ما قيمة هذا العلم
وعندما رجع العز.بن.عبد.السلام إلى مجلس درسه جاءه أحد تلاميذه يقال له: "الباجي" يسأل: كيف الحال قال: بخير والحمد لله. قال: كيف فعلت مع السلطان قال: يا ولدي رأيت السلطان وهو في أبهة وعظمة فخشيت أن تكبر عليه نفسه فتؤذيه فأردت أن أهينها.
إذن العز.بن.عبد.السلام أعلن هذا الأمر على الناس لأنه يريد أن يربي السلطان ويقصد إنكار منكرين في وقت واحد:
المنكر الأول: الحانة التي يباع فيها الخمر.
والمنكر الثاني: هو هذا الغرور وهذه الأبهة والطغيان الذي بدأ يكبر في نفس الحاكم فأراد أن يقتلعه ويزيله من نفسه لذا قال العز: "لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه". فقال له تلميذه الباجي: يا سيدي أما خفته قال: "لا والله يا بني استحضرت عظمة الله - عز وجل - وهيبته فرأيت السلطان أمامي كالقط".
لكن ما رأيكم في طالب علم أصبح يخاف حتى من القط هل يأمر أو ينهى كلا بالطبع.
لعل من أسباب قيام العز.بن.عبد.السلام - رحمه الله - باتخاذ هذه المواقف العلنية أن يجر الأمة كلها إلى مواقف شجاعة قوية.