الموضوع
:
فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
عرض مشاركة واحدة
10-04-2022, 09:59 AM
المشاركة
6
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 6
تاريخ الإنضمام :
May 2010
رقم العضوية :
9229
المشاركات:
9,394
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
<<<<<
وما عَسِيْتُ أن أقُولَ فِيمَنْ جمع أطرافَ المحَاسِنِ، ونَظَمَ أشتاتَ
الفضائلِ، وأخذ برقاب المحَامِدِ، واسْتَولى على غاياتِ المَناقبِ، فإن
ذُكِرَ كَرَمُ المنصِبِ، وشَرَفُ المُنْتَسَب كانتْ شجرتُهُ الميكاليةُ في قرارة
المجْدِ والعَلَاءِ، أصْلُها ثابتٌ وفَرْعُها في السماءِ، وإن وُصِفَ حُسنُ
الصُّورةِ الذي هو أوَّلُ السَّعادةِ، وعُنْوَانُ الخَيرِ وسِمَةُ السيادة، كان
في وجهه المقبول الصَّبيحِ ما يستنطق الأفواه بالتسبيحِ، لا سِيمَا
إذا تَرَقرقَ ماءُ البِشْرِ في غُرَّته وتَفَتَّقَ نُورُ الشَّرفِ من أسِرَّتِه، وإن
مُدِحَ حُسْنُ الخُلُقِ، فله أخلاقٌ خُلِقْنَ من الكرم المحْضِ، وشِيَمٌ تُشَامُ
منها بارقةُ المجدِ، فلو مُزِجَ بها البحر لعَذُبَ طعمُهُ، ولو استعارَها
الزمان لما جار على حرٍّ حُكْمُهُ، وإن أُجرِيَ حديثُ بُعدِ الهِمَّةِ ضربْنا
به المَثَلَ، وتَمثَّلْنَا همَّته على هامَةِ زُحَلِ، وإن نُعِتَ الفِكرُ العميقُ،
والرأيُ الزَّنِيقُ* فَلَهُ مِنْهما فَلَكٌ يُحِيطُ بِجوامعِ الصَّوابِ، ويدور بكواكب
السَّدادِ، ومرآةٌ تُرِيهِ ودائع القُلوبِ، وتكشف عنْ أسرارِ الغُيُوب، وإن
حُدِّثَ عن التَّواضعِ كان أوْلَى بقول البُحْتُريِّ مِمَّنْ قالَ فيه:
دَنَوْتَ تواضعًا وعَلوتَ مَجدًا
فَشَأناكَ انخفاضٌ وارْتِفاعُ
كذاكَ الشّمسُ تَبعُدَ أن تُسامَى
ويدنو الضَّوءُ مِنها والشُّعَاعُ
وأما سائر أدواتِ الفَضْلِ، وآلاتِ الخير، وخِصالِ المجدِ، فقد قسمَ اللهُ
تَعالى له منها ما يُبارِي الشّمسَ ظُهورًا، ويجاري القَطْر وُفورًا، وأما
فُنُونُ الآدابِ فهو ابنُ بَجدَتِها*، وأخو جُمْلتِها، وأبو عُذرتِها ومالكُ
أزِمَّتِها، وكأنّما يُوحَى إليه في الاستئثارِ بمحاسِنِها والتفرُّدِ ببدائعها، واللهِ
هو إذا غَرَسَ الدُّرَ في أرض القِرْطَاس***، وطرَّزَ بالظَّلام رِداءَ النَّهار، وألْقَتْ
بِحارُ خَوَاطِرِهِ، جواهِرَ البَلَاغةِ على أنامِلِهِ، فهناك الحُسْنُ برُمَّتِهِ، والإحسانُ
بِكُلِّيَتِهِ، وله ميراثُ التَّرسل بأجْمَعِهِ، إذْ قدِ انتهتْ إليهِ بلاغَةُ البُلغاءِ
*الزنيق: كأمير: الرصين المُحكم.
**بجدتها: باطنها، وابن بجدة الأمر العالم به.
***تشبيه معكوس لسيل المداد على القرطاس يفسره ما بعده من
تشبيه المداد بالظلام وبياض القرطاس بضوء النهار.
>>>>>
رد مع الإقتباس