عرض مشاركة واحدة
قديم 10-16-2010, 10:39 AM
المشاركة 16
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
أم القرى
( إيليا أبو ماضي )


أبصرتها ، و الشمس عند شروقها
فرأيتها مغمورة بالنار
و رأيتها عند الغروب غريقه
في لجّة من سندس و نضار
و رأيتها تحت الدجى ، فرأيتها
في بردتين : سكينة ووقار
فتنبّهت في النفس أحلام الصبى
و غرقت في بحر من التّذكار
...
نفسي لها من جنّة خلّابة
نسجت غلائلها يد الأمطار
أنّى مشيت نشقت مسكا أزفرا
في أرضها و سمعت صوت هزار
...
ذات الجبال الشّامخات إلى العلا
يا ليت في أعلى جبالك داري
لأرى الغزالة قبل سكان الحمى
و أعانق النّسمات في الأسحار
لأرى رعاتك في المروج و في الربى
و الشّاء سارحة مع الأبقار
لأرى الطيور الواقعات على الثرى
و النحل حائمة على الأزهار
لأساجل الورقاء في تغريدها
و تهزّ روحي نفحة المزمار
لأسامر الأقمار في أفلاكها
تحت الظّلام إذا غفا سمّاري
لأراقب " الدلوار " في جريانه
و أرى خيال البدر في " الدلوار "
...
بئس المدينة إنّها سجن النّهى
و ذوي النّهى ، و جهنّم الأحرار
لا يملك الإنسان فيها نفسه
حتّى يروّعه ضجيج قطار
وجدت بها نفسي المفاسد و الأذى
في كلّ زاوية و كلّ جدار
لا يخدعنّ الناظرين برجها
تلك البروج مخابيء للعار
لو أنّ حاسد أهلها لاقى الذي
لاقيت لم يحسد سوى " بشّار "
غفرانك اللّهم ما أنا كافر
فلم تعذّب مهجتي بالنّار ؟
...
لله ما أشهى القرى و أحبّها
لفتى بعيد مطارح الأفكار
إن شئت تعرى من قيودك كلّها
فانظر إلى صدر السّماء العاري
و امش على ضوء الصّباح ، فإن خبا
فامش على ضوء الهلال السّاري
عش في الخلا تعش خليّا هانئا
كالطّير ... حرا ، كالغدير الجاري
عش في الخلاء كما تعيش طيوره
الحرّ يأبى العيش تحت ستار !
...
شلّال " ملفرد " لا يقرّ قراره
و أنا لشوقي لا يقرّ قراري
فيه من السيف الصقيل بريقه
و له ضجيج الجحفل الجرّار
أبدا يرش صخوره بدموعه
أتراه يغسلها من الأوزار ؟
فاذا تطاير ماؤه متناثرا
أبصرت حول السفح شبه غبار
كالبحر ذي التّيار يدفع بعضه
و يصول كالضرغام ذي الأظفار
من قمّة كالنهد ، أيّ فتى رأى
نهدا يفيض بعارض مدرار ؟
فكأنّما هي منبر و كأنّه
" ميراب " بين عصائب الثوّار
من لم يشاهد ساعة و ثباته
لم يدر كيف تغطرس الجبّار
ما زلت أحسب كلّ صمت حكمة
حتّى بصرت بذلك الثرثار
أعددت ، قبل أراه ، وقفة عابر
لاه فكانت وقفة استعبار ! ..
...
يا أخت دار الخلد ؛ يا أم القرى ،
يا ربّة الغابات و الأنهار
لله يوم فيك قد قضّيته
مع عصبة من خيرة الأنصار
نمشي على تلك الهضاب ودوننا
بحر من الأغراس و الأشجار
تنساب فيه العين بين جداول
و خمائل و مسالك و ديار
آنا على جبل مكين راسخ
راس ، و آنا فوق جرف هار
تهوي الحجارة تحتنا من حالق
و نكاد أن نهوي مع الأحجار
لو كنت شاهدنا نهرول من عل
لضحكت منّا ضحكة استهتار
الريح ساكنة و نحن نظنّنا
للخوف مندفعين مع إعصار
و الأرض ثابتة و نحن نخالها
تهتزّ مع دفع النسيم السّاري
مازال يسند بعضنا بعضا كما
يتماسك الروّاد في الأسفار
ويشدّ هذا ذاك من أزراره
فيشدّني ذيّاك من أزراري
حتى رجعنا سالمين و لم نعد
لو لم يمدّ الله في الأعمار
و لقد وقفت حيال نهرك بكرة
و الطير في الركنات و الأوكار
متهيّبا فكأنّني في هيكل
و كأنّه سفر من الأسفار
ما كنت من يهوى السكوت و إنّما
عقلت لساني رهبة الأدهار
مرّ النسيم به فمرّت مقلتي
منه بأسطار على أسطار
فالقلب مشتغل بتذكاراته
و الطرف مندفع مع التيّار
حتى تجلّت فوق هاتيك الربى
شمس الصباح تلوح كالدّينار
فعلى جوانبه وشاح زبرجد
و على غراربه و شاح بهار
لو أبصرت عيناك فيه خيالها
لرأيت مرآة بغير إطار
يمّمته سحرا و أسراري معي
و رجعت في أعماقه أسراري ! ..
...
إنّي حسدت على القرى أهل القرى
و غبطت حتّى نافخ المزمار
ليل و صبح بين إخوان الصّفا
ما كان أجمل ليلتي و نهاري !