الموضوع
:
فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
عرض مشاركة واحدة
04-13-2023, 05:09 PM
المشاركة
705
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 6
تاريخ الإنضمام :
May 2010
رقم العضوية :
9229
المشاركات:
9,393
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفَصلُ التّاسعُ والتّسْعُونَ
في الحَشْوِ
العَرَبُ تُقيمُ حَشْوَ الكَلَامِ مَقَامَ الصِّلَةِ والزِّيَادَةِ وتُجْرِيهِ
في نِظَامِ الكَلِمَةِ وهُوَ عَلَى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ: ضَرْبٌ مِنْهَا
رَدِيءٌ مَذْمُومٌ كَقَولِ الشَّاعِرِ:
ذَكَرْتُ أخِي فَعَاوَدَني
صُدَاعُ الرَّأسِ والوَصَبُ
فَذَكَر الرَّأسَ وهُوَ حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لأنَّ الصُّدَاعَ مُخْتَصٌ
بالرَّأسِ، فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ مَعَهُ. وكَقولِ الآخَرِ:
صُدُودُكُمْ والدِّيَارُ دَانيَةٌ
أهْدَى لِرَأسِي ومِفْرَقِي شَيْبَا
فَقَولُهُ مَفْرَقِي مع ذِكْرِ الرّأسِ حَشْوٌ بَغِيضٌ. وكَقَوْلِ الآخَرِ:
إذَا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دَوْلَةِ امْرئٍ
نَصِيبٌ ولَا حَظٌّ تَمَنَّى زَوَالَها
والنَّصيبُ والحظُّ بِمَعْنًى وَاحِدٌ.
وأمَّا الضَّرْبُ الأوْسَطُ فَكَقَولِ امْرِئِ القَيسِ:
ألَا هَلْ أتَاهَا والحَوَادِثُ جَمَّةٌ
بِأنَّ امْرَأَ القَيسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا1
فَقَوْلُهُ والحَوَادِثُ جَمَّةٌ حَشْوٌ مُسْتَغنًى عَنهُ، ولَكنْ لَا بَأسَ
بِهِ في مَوضِعِهِ، وكَقَولِ النَّابِغَةِ:
لَعَمْرِي ومَا عَمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ
لَقَد نَطَقَتْ بُطْلًا عَلَيَّ الأقَارِعُ
فَقَولُهُ ومَا عُمْرِي عَليَّ بِهَيِّنٍ حَشْوٌ يَتِمُّ الكَلَامُ بِدُونِهِ، ولكنّهُ
مَحْمُودٌ لما فيهِ مِنٍ تَفْخِيمِ اللَّفْظِ وتَأكيدِ المُرَادِ.
وأمَّا الضَّرْبُ الثّالثُ فَهُوَ الحَشْوُ الحَسَنُ اللَّطِيفُ كَقَوْلِ
عَوْفِ بْنِ مُحَّلِّمٍ:
إنَّ الثَّمَانِينَ وبُلِّغْتَهَا
قَدْ أحْوَجَتْ سَمْعِي إلَى تَرْجُمَانْ
فَقَوْلُهُ: وبُلِّغْتَها، حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنهُ في نَظْمِ الكَلَامِ، ولَكنَّهُ
حَسَنٌ في مَكَانِهِ، وأوْقَعُ في المَعْنَى المَقْصُودِ. وكَانَ بْنُ عَبّادَ
يُسَمِّي هَذا الحَشْوَ حَشْوَ اللَّوْزينَجِ، لأنَّ حَشوَ اللَّوْزينَجِ
خَيرٌ مِنْ خُبْزَتِهِ. ومِنْ هَذا الضَّرْبِ قَوْلُ طَرَفَةَ:
فَسَقَى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها
صَوْبُ الرَّبِيعِ ودِيمَةٌ تَهْمِي
فَقَوْلُهُ غيرَ مُفْسِدِهَا حَشْوٌ؛ ولَكِنْ مَا لِحُسْنِهِ نِهَايَةٌ! ومِنْ
ذَلِكَ قَولُ عَدِيّ بْنِ زَيْدٍ لِأبِيهِ زَيْدٍ، وعَدِيٌّ في حَبْسِ النُّعْمَانِ:
فَلَوْ كُنْتَ الأسِيرَ، ولَا تَكُنْهُ
إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقُولُ
فَقَولُهُ ولَاتَكُنْهُ حَشْوٌ لَا يَخْفَى حُسْنُهُ وبَرَاعَتُهُ. ومِنْ ذَلكَ
قَولُ البُحْتُرِيِّ:
إنَّ السَّحابَ أخَاكَ جادَ بِمِثْلِ مَا
جَادَتْ يَداكَ لَوَ انَّهُ لَمْ يَضْرُرِ
فَقَوْلُهُ أخَاكَ حَشْوٌ ولَكنْ ما لِحُسنِهِ غايَةٌ! ومِنْ ذَلكَ قَولُ
ابْنِ المُعْتَزَّ:
إنَّ يحيى، لَا زَالَ يَحْيَا، صَدِيقِي
وخَلِيلِي مِنْ دُوْنِ هَذِي الأنَامِ
فَقَولُهُ لَا زَالَ يَحيَا حَشْوٌ يُرْبى على حَشْوِ اللَّوْزَينَجِ، ومِنْ
ذَلكَ قَولُ أبِي الطَّيِّب المُتَنَبِّي:
ويَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ
يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، وحَاشَاهُ، فَانِيَا
فَقَوْلُهُ وحَاشَاهُ حَشْوٌ يَجْمَعُ الحُسْنَ والطِّيبَ. ومِنْ ذَلكَ
قَوْلُ ابْنُ عَبَّادَ:
قُلْ لأَبِي القَاسِمَ إنْ جِئْتَهُ
هُنِّيْتَ مَا أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ
كلُّ جَمَالٍ فَائقٍ رَائقٍ
أنتَ، بِرَغْمِ البَدْرِ، أُوْتِيْتَهُ
فَقَوْلُهُ بِرَغْمِ البَدْرِ حَشْوٌ يَقْطُرُ مِنْهُ مَاءُ الظَّرْفِ. ومِنْ ذَلكِ
قَوْلُ أبِي مُحَمَّدٍ الخَازِنِ الأصْبَهَانِيّ رَحِمَهُ اللّهُ للصَّاحِبِ:
فَإيْهِ طَرْبَةً للعَفْوِ إنَّ الـ ـكَرِيمَ، وأنْتَ مَعْناهُ، طَروبُ
فَقَوْلُهُ وأنْتَ مَعْنَاهُ حَشْوٌ يَعْجِزُ الوَصْفُ عَنْ حُسْنِهِ
وحَلَاوَتِهِ. وكانَ ابْنُ عَبَّادَ يَقُولُ: إذَا سَمِعَ قَولَ يَحْيَى بْنِ
أكْثَمَ لِلْمَأمُونِ وقَدْ سَأَلَهُ عَنْ شَيءٍ (لَا، وأيَّدَ اللّهُ أمِيرَ المُؤْمِنينَ)
هَذِهِ الوَاوُ أحْسَنُ مِنْ وَاوَاتِ الأصْدَاغَ في خُدُودِ المُرْدِ المِلَاحِ.
1 بيقر: خرج من الشام إلى العراق.
رد مع الإقتباس