لن أعود
قابعة في كوخها النائي هناك في عمق مكان نسيه التاريخ و نسيه الطريق .
صفير الريح يعوي خارجا مسعورا يكاد يلتهم كل أمان بقي في القلب .
تلتحف قلبها لتدفيء به إحساسها المقرور، لكنه هذه المرة لم يكن ليكفيها كما كان من قبل
نسجه باتت أقصر و أضيق و كأنها تعرضت لغسيل جائر غير معتن أفقدها خصائصها و رونقها.
نقرات محمومة على إفريز النافذة ،كانت نقرات متلاحقة ،كمن يتبعه شبح أو حيوان مفترس.
يتعالى وجيب القلب و ضرباته أعلى من نقرات النافذة..
تفتح؟ لا تفتح؟ قرار يتأرجح بين دقيقتين كأنه سفر عبر مجرتين في سنتين ضوئيتين
قلبها يقودها للباب،لكن فكرها يحملها على الانزواء في زاوية مخفية
أيكون هو؟أو لا يكون ؟ هي كتلة من أسئلة تتصارع تتمدد و تتقلص ثم تختفي لتظهر ثانية كأنها أشباح أتقنت فن المراوغة و التخويف
متسربلا بمعطفه الأسود، وقف على عتبة الباب و مياه المطر تتساقط منه.وجهه نصف في الظلام،و نصف أضاء من انعكاس نور القنديل. لكنه هو ...هو !
-أتسمحين لي بالدخول ؟
-وهل لمثلي أن تمنع مثلك في ليلة باردة كهذه؟
ينفض عن معطفه غبار العاصفة و البرد و الغربة.
لا يستطيع أن ينظر مباشرة إلى إنسان عينيها فيكتفي بالإطراق في أرضية الكوخ
ثم يستل من جيبه الداخلي لفافة تبغ و يقربها من فمه
يستدرك:هل أستطيع؟
-نعم خذ راحتك
كم كانت هذه اللفافة كفيلة بإشعال كل حرائقها
لكنها اليوم لا تشعر إزائها إلا بطعم الملح على الجراح المفتوحة
يفتح فمه ثم يغلقه كمن يحاول أن ينبس بكلمة لكنها لا تسلم قيادها للسانه.
-هل أعد لك العشاء.؟
نظر إليها باستغراب و دهشة
كيف لها أن تتجاوز كل ما مضى بهذا التسامح و الحيادية؟
و لكنه فعلا يتوق إليها ...لحظاتها...ضحكاتها...مشاغبتها له ...حزنها الدائم رغم مشاكستها ...
اصطفت أطباقها الشهية على مائدتها الخشبية المستديرة و إبريق شاي يتزاحم بخاره عند قبعته
أزاحت كرة الصوف و إبر الحياكة لكي توسع مكانا لمأدبة عشاء تأخرت أعواما طوالا.
عندما خرجت في حمرة شفق المساء تتعلق بأهداب ثوبه
-أرجوك ابقَ
- لا أستطيع إني راحل
- ستعود لكنك لن تجدني
قرب كرسيه من المائدة
-ها قد عدت ووجدتك ..لمَ لم ترحلي.؟
-هل أنت متأكد أنك وجدتني؟
- كنت أنتظرك هنا فقط لأقدم لك وجبة العشاء
لفت شالها جيدا حول رأسها المتوج ببدايات الثلج ، حملت كرة الصوف و الإبر في كيسها و خرجت من البيت .تعلق بأهداب شالها
-ستعودين.
-أعرف ولن أجدك!!