عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2010, 12:25 AM
المشاركة 16
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



* قصة الفلسفة
بقلم: محمد زكريا توفيق
قصة الفلسفة الغربية بدأت في اليونان. والمدن اليونانية قديما لم تكن مقصورة على أرض دولة اليونان الحالية. بل كانت تتبعها مدن يونانية في دول أخرى. أيونيا ومالطة وإفسوس في آسيا الصغرى والإسكندرية في مصر، وإيليا في جنوب الساحل الإيطالي.
كلمة "لوجوس" باليونانية تصف نوعا معينا من التفكير. طريقة تفكير تستخدم المنطق والتحليل، لتفسير الظواهر والأشياء التي تعتري الإنسان. هذا النوع من التفكير، غالبا يقود إلى الحكمة.
الحكمة باليونانية تعبر عنها كلمة "صوفيا". إذا أضفنا لكلمة صوفيا، كلمة "فيلو" وتعني حب، أصبحت الكلمة المركبة "فيلو صوفيا". وتعني حب الحكمة. من هنا جاءت كلمة فلسفة. التي تعني حرفيا حب الحكمة. إذا كنت محبا للحكمة والمعرفة، فأنت فيلسوفا.
ماذا كان يوجد قبل الفلسفة, وقبل طريقة "لوجوس" في التفكير؟ كانت توجد طريقة أخرى. هي "ميثوس"، أو الأساطير. لا داعي للتفكير ووجع الدماغ. نترك التفكير للكهنة والمفسرين ورجال الدين، ونأخذ نحن المعلومات على الجاهز.
الأساطير والقصص الموروثة عن الأجداد تفسر لنا كل شئ. البرق والرعد سببهما مقرعة كبير الآلهة "زيوس" على قمة جبل الأولومب. الكرة الأرضية يحملها ثور كبير على قرنيه. عندما يشعر بالتعب، تحدث الزلازل. الأمراض والأوبئة بسبب غضب الآلهة. وهكذا.
معظم الأساطير لها علاقة بالدين وحياة الآلهة. لذلك كانت لها صفة القداسة. حافظ عليها الأجداد وعضوا عليها بالنواجز. كان يسلمها كل جيل إلى الجيل الذي يليه.
أستخدمت هذه الأساطير في خلق نظام إجتماعي متكامل. يفسر كل شئ ويجيب على كل سؤال. لكن عيب هذه الأساطير المقدسة، أنها تخلق مجتمعات ساكنة راكدة تقاوم التقدم والتغيير. العصور المظلمة، إستمرت أكثر من 1000 سنة بسبب سيطرة الكنيسة الكاثوليكية.
لكن شئ مختلف ظهر في اليونان في القرن السابع قبل الميلاد. وجاء أول تفسير فلسفي، بعيدا عن الأساطير. يشرح أسباب حدوث فيضان نهر النيل خلال الصيف من كل عام. بالرغم من أن معظم أنهار الدنيا تجف أثناء فصل الصيف.
فيضان نهر النيل يحدث بسبب "رياح الصحراء". ليس بسبب الصراع بين الآلهة، أو علاقات الحب والزواج بينهم. هنا نجد الظواهر الطبيعية تفسر بظواهر طبيعية أخرى. القوي الخفية الخارقة للطبيعة ليس لها دخل بموضوع فيضان نهر النيل.
لذلك يمكننا القول بأن المدن الإغريقية هي مهد الفلسفة الغربية. إن لم يكن الإغريق نقلوها عن المصريين عن طريق مدينة الإسكندرية التي كانت مدينة يونانية أيام حكم البطالمة. ثم طور اليونانيون الفلسفة وأبعدوها عن الفكر الديني، لكي تصبح فكرا مستقلا.
لماذا الإغريق وليس غيرهم من الشعوب؟ لسبب بسيط. لأنهم لم يكن لديهم نظام كهنوتي ديني مسيطر، يحجر على الرأي ويمنع التفكير المستقل. سبب آخر هو ولع الإغريق بالتفاصيل. فمثلا، قام الشاعر هومير في ملحمة "الإلياذة" بوصف درع البطل "أخيل" في أربع صفحات كاملة.
سبب إضافي هو إدراك الإغريق للتغيير وصراع الأضداد. الشتاء والصيف، البرد والحر، الحب والكره، الحياة والموت، إلخ.
كل ذلك دفعهم للبحث عن الحقائق والأسباب بعيدا عن التفسيرات الدينية. هنا نرى العقل البشري يعمل مستقلا، دون قيود تمنع إنطلاقه إلى آفاق بعيدة.