عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2010, 12:31 AM
المشاركة 19
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



* ما بعد طاليس
كان يقول أناكسيماندر، أنه لو كانت المياة هي أصل كل شئ، لتحول كل شئ إلى ماء مرة ثانية بمرور الوقت. بمعنى أن كل شئ يرجع إلى أصله في نهاية الأمر. كما أنه من غير المعقول أن يتحول الشئ إلى نقيضه. فكيف تتحول المياة إلى نار، والماء أصلا يطفئ النار.
لذلك يعتقد أناكسيماندر أن أصل الأشياء لا يمكن أن يكون الماء. ولا أي عنصر من هذه العناصر الأربعة. ماذا يكون ياترى؟
لابد أن يكون شيئا خفي لا نلاحظه. غير محدد الشكل وغير متناهي.
واحد سرمدي لا يحول. يختلف كل الإختلاف عن الكثرة المتغيرة الفانية. لأنه لو كان شيئا محدد الشكل، أصبح مكونا من العناصر الأربعة المعروفة.
أناكسيماندر يتفق هنا مع فلسفة هيربرت سبنسر التي نشرها عام 1860م.
هذا الشئ الغير محدود يحتوي على كل المتناقضات التي تتصارع داخله. هو أصل الأشياء والحركة. منه وجدت العناصر الأربعة، الماء والهواء والنار والتراب. مآل كل شئ إلى الفناء والتحول إلى هذا الشئ الغير محدود الشكل. مرجع كل شئ إلى أصله.
كان أناكسيماندر عالم في الفلك والجغرافيا. يؤمن بالقياسات والتجربة والتحليل المنطقي للظواهر. يقول بكروية الأرض. قام برسم خريطة لها. كانت له أفكارا متقدمة في نشأة الحياة وتطور الكائنات الحية. تتفق إلى حد بعيد مع نظريات "لامارك" و"دارفون" في القرن التاسع عشر في التطور.
كان أناكسيماندر يقول بأن الأرض كانت كتلة منصهرة سائلة، ثم بردت. الحرارة المتبقية كافية لكي تشكل الكائنات الحية، التي بدأت كحياة بدائية. ثم تدرجت بسبب عوامل البيئة لكي تكون كائنات راقية منها الإنسان. أفكار عجيبة ورائعة قبل الميلاد بستة قرون.
يأتي بعد ذلك "أناكسيمنيس" (585 - 525ق م). مالطي أيضا، تلميذ أناكسيماندر. ليقول بأن أصل الأشياء هو الهواء. من الهواء تنشأ جميع العناصر الأخرى. بالتلطيف تنتج النار, وبالتكثيف تحدث الرياح والسحب والماء والأرض والحجارة. الروح هواء، يمسك أجسامنا. كذلك هواء العالم هو روحه السارية.
هنا يقول أناكسيمنيس أنه بالتلطيف والتكثيف، أي بتغيير كمية الهواء، تتغير نوعية المادة. التغيير في الكمية، يؤدي إلى التغيير في النوعية. هذا ما نقوله نحن اليوم. التغير في عدد البروتونات داخل نواة الذرة، يحول الذرة من عنصر معين إلى عنصر آخر.
نلاحظ هنا حرية الرأي والبحث عن الحقيقة. لا مصادرة لرأي مخالف، وحقه في الإختلاف. طاليس قال بأن الأصل هو الماء. فيعارضه أناكسيماندر ويقول: لا بل أصل الأشياء هو شئ غير محدود. فيأتي اناكسيمنيس ليخالف كلا منهما ويقول بأن أصل الأشياء هو الهواء.
المهم هنا هو حق المفكر في قول رأيه دون حجر أو خوف. هكذا تتقدم البشرية. وهذا سبب أهمية هؤلاء الفلاسفة الأوائل الثلاث، عظمة على عظمة. قيمة كبيرة للفلسفة اليونانية والبشرية.
هؤلاء الثلاثة، طاليس وأناكسماندر وأناكسيمنيس، هم أول الفلاسفة المعروفين. وأول مدرسة فلسفية في العالم الغربي تعرف بالمدرسة الأيونية أو المالطية. بالرغم من إختلاف الفكر بينهم، إلا أنهم يتفقون في شئ واحد.
هو البحث عن تفسير طبيعي بسيط، لفهم الظواهر الطبيعية، وما يحدث في هذا الكون. أي أنهم كانوا يعتمدون على الملاحظة والتفكير المنطقي. وليس النقل والأسطورة. كما أنهم كانوا يرجعون أصل كل شئ إلى شئ واحد. هذه هي أصول الفكر العلمي الغربي الحديث.
طبعا لكل شئ نهاية. جاءت نهاية المدرسة الأيونية بعد أن إجتاحت جيوش الفرس مالطا بعد إتفاقية السلام بين الإغريق والفرس، لم تعد مالطة مدينة إغريقية تتمتع بالحرية التي كانت تتمتع بها من قبل.
بعد المالطيين، جاء "فيثاغورث" (572 – 500 ق م). فيثاغورث هو أول إسم أجنبي غريب يمر علينا في المدرسة ونحن أطفال. فهو صاحب أشهر نظرية في الهندسة المستوية، هندسة إقليدس. النظرية تقول بأن المربع المنشأ على وتر المثلث قائم الزاوية، يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين.
فيثاغورث، لم يتبع خطا الفلاسفة المالطيين في البحث عن أصل مادي واحد لكل الإشياء. مثل الماء أو الهواء أو الشئ الغير محدود. لكنه جاء بنظرية غريبة بعض الشئ. هي أن الأرقام هي أصل كل شئ.
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا كلام فارغ. لكن فيثاغورث، لم يكن ساذجا أيضا. فقد كان يعني أن الوصف الصحيح للحقيقة، يمكن التعبير عنه بالأرقام والمعادلات الرياضية.
كانت لفيثاغورث إضافات كبيرة في الهندسة المستوية بعد إقليدس. أوجد العلاقة بين نسب أطوال الأوتار، ونغمات السلم الموسيقي. كان يقول بأن الكون كله في تناغم موسيقي. سيمفونية عظيمة.
تأثير فيثاغورث في الأجيال اللاحقة كان كبيرا. المدرسة الفيثاغورثية إستمرت 400 سنة بعده. أفلاطون نفسه، تأثر بفكر فيثاغورث.