عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2010, 02:23 PM
المشاركة 140
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (5)



تشرينُ وأوراقُ الخريفِ




خَلِّي العتابَ فما للهجرِ من سببِ
لا تُكثري اللومَ واقتصي من النُّوبِ

هل تعلمينَ بأنَّ القلبَ مُرتَهَنٌ
يبغي النجاةَ ولا يقوى على الهربِ


كانتْ له في سماءِ العُمر بارقةٌ
واليومَ أضحى بلا ضوءٍ ولا لهبِ

لعلَّهُ ضاقَ بالأحلامِ يزرعُها
يَروي مساكبَها من رَفَّةِ الهُدُبِ


قد شحَّ زيتي ومصباحي تُراقصُه
فراشةٌ برفيفٍ جدِّ مُضطربِ


أخشى عليها فتيلَ النارِ يُحرقها
طَوراً .. وطوراً أُجافيها بلا سببِ


* * *

"سمراءُ" حبّكِ محمومٌ وموْريتيْ
تَسري بها رِعشةُ المقرورِ والتعبِ

لا تُرهقيني فأوراقُ الخريفِ على
أغصانِ عمريْ ترشُّ الليلَ بالشُّهبِ


هذي العناقيدُ جَفَّتْ في عرائشِها
ماذا دهى الكرمُ لمْ يعطفْ على العِنبِ


بالأمسِ كانتْ على الأغصانِ يانعةً
صفراءَ تلمعُ تحتَ الشمسِ كالذَّهبِ


أيامَ كنَّا نُوافي الكرم نسألُه
عمَّنْ عشقْنا ترى هل مرَّ من قُرُبِ


كنا وكانتْ عناقيدُ الهوى أَلَقاً
صرنا وصارتْ على الأيامِ كالحطبِ


ماذا دهانا وأيامُ الخريفِ على
وعدٍ تحدِّثُنا عن موسمٍ عجبِ


* * *

هذي التشارينُ ما هبَّتْ نسائمُها
إلا وكبَّرَ حادي المجدِ للعربِ


خَلِّي العتابَ فهذي الأرضُ ما عَقِمتْ
تشرينُ ينفخُ فيها الرُّوحَ كاللَّهبِ


جاءَ المخاضُ فهُزِّي النخلَ وانتظري
يَجُدْ عليكِ بآلافٍ من النُّجُبِ


هيا اضربِي واسحقي قَرِّي بمن نَفَروا
عيناً فهم خيرُ أبناءٍ لخيرِ أبِ


هنا التَّحدي سلاحُ الطفل .. أَنْمُلُه
وحفنةٌ من حصى سجيلَ لم تَخِبِ

وأكرمُ الناسِ أطفالٌ قَضوا شَرَفاً
لا الخائفينَ على الألقابِ والرُّتبِ


* * *

ماذا أقولُ وآلامي تكبِّلُني
فصرتُ أبكم بين الصدقِ والكذبِ


نحنُ الذين غرسنا الكرمَ في شَغَفٍ
وكمْ سقيناهُ في جِدٍّ ولَعِبِ


وكم نقشْنا على أسوارِه سُوَراً
آياتِها رغمَ طولِ العهدِ لم تَغِبِ


في كلِّ شبرٍ لنا ذكرى تهدهدُنا
لَهْفي علينا إذا نادتْ ولم نُجِبِ


لَهْفي على الكرمِ أسواراً تحفُّ بها
منابتُ الشوكِ تُدمي كفَّ مُحتَطِبِ


تُذكي العداءَ وتُوري الحقدَ في دمِنا
كأنَّنا لم نَعُدْ من أمةِ العربِ


يعربدُ الشوقُ فينا حين نذكرُها
وأيّ ذكرى تعيدُ الحسَّ للعصبِ


نرودُ بالوهمِ آفاقَ المُنى ولنا
في حانةِ العصرِ أنخابٌ من النُّصُبِ


كأنَّنا في حسابِ الدهرِ مسألةٌ
وحلّها باتَ يستعصي على الحقبِ

نجترُّ تاريخَ أحسابٍ فيخذُلُنا
من كانَ يفخر بالتاريخِ والنَّسبِ


فما رفعْنا إلى التحريرِ رايتَنا
إلا ونكَّسها يومَ الصِّدِام غبي


كم ضاقَ بالدَّمِ شريانُ النضالِ بنا
وكم فصدناهُ بالتَّهريجِ والكذبِ


وكم كتبْنا وأنشدْنا وتعرفُنا
منابرُ الشعرِ والأنغامِ والطربِ


لم يُجْدِنا طولُ إنشاءٍ وقافيةٍ
ومنبرٌ ضاقَ بالتصفيقِ والخُطَبِ


باتتْ مواجعُنا للكيِّ عاشقةً
وآخرُ الطبِّ كيُّ الجسمِ باللهبِ


* * *

هذا فؤادي لقد عمَّدتُه بدمي
فراحَ ينبضُ بالإيمانِ والأدبِ


يا مرحباً باللَّظى إنْ كان يرهفُنا
سيفاً بوجهِ دُعاةِ الزّيفِ في غضبِ


* * *

وجاءَ تشرينُ يزهو في مواسمِه
لما سقَينا ثراهُ بالدَّمِ العربي


سرنا نشقُّ ظلامَ الكونِ عن وهَجٍ
ونوقظُ الفجرَ في الجولانِ والنَّقبِ


إنَّا طَلعنا على الدنيا عمالقةً
يا أمةَ العُرْبِ شُدِّي للعُلى وثِبي

هنا رجعْنا إلى التاريخِ نكتبُه
يقودُ جحفلُنا ليثٌ أَغرُّ أَبي


هنا التحدي ظُبى تشرينَ شاهدةٌ
هنا دمشقُ فيا شمسَ الضُّحى انتسبي


وعُدتُ للكرمِ يا تشرينُ أسألُه
عمَّنْ عشِقنا وجافَيْنا بلا سَببِ


رأيتُ أسوارَه كالطَّودِ شامخةً
ورنَّ صوتٌ يناديني ويَهتفُ بي

نحنُ الذينَ غرسناهُ على قَدرٍ
في كلِّ شبرٍ شهيدٌ .. شاعرٌ .. ونبي


* * *

ويُقْفرُ الكرمُ والذكرى تعاودُنا
في كلِّ عامٍ على الأرزاءِ والنُّوبِ


شابتْ على مسرحِ التاريخِ قصَّتُنا
والمُخرجُ الوغدُ لم يَهْرمْ ولم يَشِبِ

جمهورُنا ملَّ حتى راحَ من حَنَقٍ
يَهذي فقيلَ من الأنغامِ والطَّربِ

* * *
حبيبتي يا بلادي يا ندىً وهوىً
يا جنَّةَ اللهِ يا إشراقةَ العربِ


ما نحنُ إلا قناديلُ الضياءِ على
دربِ الخلودِ نُنيرُ الكونَ كالشُّهُبِ


نغزو السماءَ بأقلامٍ إذا خَرستْ
عندَ الحقيقةِ ترمي الكونَ للشَّجبِ


تُميدُ كلَّ عروشِ الزَّيفِ قاطبةً
من غمزِ قافيةٍ مشبوبةِ اللَّهبِ


* * *

حبيبتي يا بلادي أنتِ خالقتي
نهراً جريتُ وفي شطَّيْكِ مُنقلبي


من أطلسِ الموجِ أَفدي كلَّ بارقةٍ
تُوري زنادَكِ حتى شاطئ العربِ


حسبي أراكِ على التَّاريخِ شامخةً
موفورةَ البأسِ .. بُركاناً من الغضبِ