عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2011, 03:48 PM
المشاركة 155
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (19)



يا فارس الحـرف



في رثاء الشاعر
سعيد قندقجي



باقٍ مدى الدهرِ والفاني هو الجسدُ
يا فارسَ الحرفِ هل أرداكَ منتقدُ


يا مُسكِرَ الروضِ من أنخابِ قافيةٍ
ومُلهبَ الزَّحفِ والراياتُ تنعقدُ


يا منْ ملأتَ لنا الأقداحَ صافيةً
من كرمِكِ البكرِ راحُ الشِّعرِ تَرتفدُ

قمْ " يا سعيدُ " تَنكَّب كلَّ قافيةٍ
واركبْ بحوراً بها الأمواجُ تطَّردُ

أهكذا يا أخي تَمضي على عَجلٍ
ولِمْ تعجَّلتَ هلَّا كنتَ تتَّئِدُ


* * *

كم يا أخي كنتَ سباقاً لمعترَكٍ
واليومَ تسبقُنا والجَّمعُ محتشِدُ


بالأمسِ كنَّا على العاصي يغازلُنا
صوتُ النواعيرِ والأنسامُ والرَّأدُ


ماذا جرى ؟ كيفَ ضاقَ العِقدُ وانفرطتْ
حبَّاتُه في الدُّجى ما عادَ ينعقدُ


ماذا جرى يا رياضَ الشِّعرِ هل عصفتْ
بكَ السُّمومُ وأغرى صفوكَ النَّكدُ


أين العنادلُ في أعراسِ أمَّتِهم
أينَ الفوارسُ للأخطارِ تَنجردُ


أينَ الذين إذا هزَّتْ يراعتَهم
نسائمُ الحبِّ سالَ العطرُ والشَّهَدُ


في كلِّ عامٍ خليلٌ راحلٌ صُعقتْ
له المنابرُ والأقلامُ والبلدُ


فلا تبسَّمَ فجرٌ بعدما رحلوا
ولا تلألأَ نجمٌ بعدما خَمدوا


تجري الثواني بنا في كلِّ ثانيةٍ
موتٌ فنحنُ إلى آجالِنا نَرِدُ


* * *

لا تسبقوني رفاقي ليسَ لي جَلَدٌ
على الفراقِ لقد جافانيَ الجَّلدُ


ماتَ البشيرُ على الأعتابِ وا أَسفي
وخيَّمَ الحزنُ والأوهامُ والكمَدُ


قضى الصِّحابُ وكانوا أُنسَ مجلسِنا
وأقفرَ الرَّوضُ لم يأنسْ به أحدُ


فلا سعيدٌ بنادي الشِّعرِ يطربُنا
ولا عليٌّ * بصافي النقدِ يَنتقدُ


* * *

أفقْ سعيدُ وقُمْ هذي ملاحمُنا
في كلِّ حاليةٍ وِردٌ لمن يَرِدُ


على المنابرِ أفواهٌ محنَّطةٌ
وفي الدواوينِ قيءٌ كلُّه زَبَدُ


مجدِّدونَ بلا معنى وغايتُهم
أنْ يُوهِموا كلَّ غرٍّ أنَّهم جُدُدُ


ويحملونَ على الفُصحى بلا خجلٍ
ويَفترونَ وما في القلبِ مُعتقدُ


هم يضمرونَ لنا الأحقادَ ويحَهُمُ
ونحنُ للحبِّ والإخلاصِ نجتهدُ


ويزرعونَ لنا الأشواكَ لاهبةً
لكنَّ زرعَهمُ المحمومَ قد حصدوا


قُمْ يا سعيدُ فأوصالي مقطَّعةٌ
طالَ انتظاري ولمَّا يأتِني مَدَدُ


قلْ للذينَ تمادوا في أذيَّتِهم
لا تُسرفوا في الأذى يا قومُ واقتصدوا


غداً يحطِّمُ قيدَ الذُّلِّ متعقلٌ
في الموحِشَيْنِ ويُوري الكونَ مضطهدُ


إنِّي لأُقسمُ أنَّ الحقَّ مُنبلِجٌ
كالصُّبحِ مهما تولّوا عنهُ أو جَحَدوا


* * *

يا فارساً درعهُ الفُصحى رماهُ ضُحىً
سهمُ المنونِ ألمْ يشفعْ لكَ الزَّردُ ؟


لو تُفتدى يا أبا معنٍ لكنتُ فدىً
لنورِ عينيكَ والأصحابُ والولدُ


فاغفرْ سعيدُ بُكائي لا تَلُمْ قلمي
ما عادَ يَقوى على تصويرِ ما أَجِدُ


تناثرتْ أَدمُعي وهناً على جَدَثٍ
كما تناثرَ فوقَ الجَّوهرِ البَرَدُ


وعقَّني الشعرُ حتى كادَ يقتلُني
صمتٌ تحالفَ فيه السُّقمُ والسَّهَدُ


حتى غدوتُ من الأحزانِ مُلتهباً
روحاً وجسماً من الآلامِ يَرتعدُ


* * *

قمْ يا سعيدُ وهَبْني منكَ قافيةً
في أربعينكَ منْ عُقْمِ الرَّدى تَلِدُ


قلْ للرُّماةِ وقد أغرى طلائعَهم
جمعُ الغنائمِ أينَ العقلُ والرَّشَدُ


تركتُمُ أُحُداً للغدرِ يركبُه
حتى بكى خجلاً ممَّا جرى أُحُدُ


لو تَعقلونَ لما سارتْ كتائبُكم
أو تُبصرونَ لما ضلَّتْ بكمْ عددُ


أو أنَّ ذرَّةَ نُصحٍ لامستْ عَصَباً
في سمعكمْ لانجلتْ عن دارِكم إدَدُ


قمُ يا سعيدُ وهاتِ الشعرَ أَروعَهُ
يشهدْ لك القاتلانِ الحبُّ والحسَدُ


جرِّدْ يراعَك أُكتبْ كلَّ رائعةٍ
أنشدْ سعيدُ فأنتَ الشَّاعرُ الغَرِدُ


وداعبِ الحُلْمَ في أجفانِ غافيةٍ
جَيْداءَ يَسكرُ من صهبائِك الجيَدُ


ودعْ فؤادي على جمرِ الأسى مِزَقاً
لعلَّهُ حينَ ألقى اللهَ يَبْترِدُ


* * *

يا شاعراً أَسرجَ العلياءَ فانطلقتْ
إلى الخلودِ بهِ في ركبِ من خَلدوا


لك القوافي الغَيارى كمْ دفعتَ بها
خَطباً تحطَّمَ فيهِ الزَّندُ والعَضُدُ


من كلِّ ساطعةٍ كالبرقِ يتبعُها
رعدٌ يُدمدمُ حينَ البغيُ يَحْتشدُ


وكمْ أتيتَ بها عذراءَ ضاحكةً
يزهو بها الفاتنان الحسْنُ والصَّيَدُ


وكم جلوتَ بها رأياً أصبتَ بهِ
قلبَ الحقيقةِ لم ينبضْ بهِ فَنَدُ


تشفُّ حتى يُرى نبضُ القلوبِ بها
وحينَ يخبو ضرامُ الحقِّ تتَّقدُ


مزيَّةٌ لكَ في نظمِ القصيدِ على
قيثارةٍ ألهبتْ أوتارَها الكَبِدُ


* * *

ماذا أقولُ لقد شقَّ الأسى كبِدي
فرحتُ أمضغُ آلامي وأَزْدَردُ


ماذا أقولُ ؟ وجرحي نازفٌ أبداً
من الفراقِ وما لي في البقاءِ يَدُ


إنِّي أراكَ أمامي تَنبري جَذلاً
إلى المنابرِ رُوحاً زفَّها الجَّسدُ


فأقبلتْ كرفيفِ النُّور هاتفةً
لا تندبوا كنزَكم حبِّي له رَصَدُ


إنِّي أحومُ على العاصي * مرفرفةً
لعلَّ طوقَ اللآلي فيهِ يَنعقدُ



* علي دمر .. من شعراء حماة
* العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة