عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 11:38 PM
المشاركة 23
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي




* مهمة الفلسفة الأولى
يقول الكاتب السعودي عبدالله المطيري
تمتاز المعرفة الفلسفية عن غيرها من المعارف بأنها معرفة جذرية برهانية. والمقصود بجذريتها هنا هو أنها تبحث دائما في أصول الأشياء والأفكار ولا تقبل من نص يدعي الفلسفية إلا أن يلتزم بهذا الشرط.
أما برهانية المعرفة الفلسفية فتعني أنها معرفة تقوم على البرهنة المكشوفة على أفكارها وهذا يعني أن تكشف عن أصولها ومنطلقاتها الأولى وأن لا تستند على مسلمات مضمرة مسكوت عنها ، برهانية الفلسفة هي برهانية عقلية باعتبار أنها إنسانية ولا تقبل مصدرا آخر وباعتبار أن عملية البرهان لا بد أن تستند إلى قدرة التدليل والإقناع عند الإنسان وهي القدرة العقلية .
وهنا نصل إلى أن برهانية الفلسفة وجذريتها صفتان متلازمتان لا تتحقق إحداهما إلا بالأخرى.
المعرفة الفلسفية أيضا معرفة ذاتية ، بمعنى أنها المعرفة التي يتوصل لها الفيلسوف انطلاقا من عمله الذاتي الخاص ومن تصوره الخاص للمعرفة وهذا لا يعني ألا يطرح فكره بشروط موضوعية ولكنه يعني أن التجربة الفكرية الأولى والأساس هي تجربة ذاتية ، فالفلسفة معرفة إنسانية ولا مصدر لها من الخارج إلا من خلال تفاعل الإنسان مع ما حوله أي أنه لا مصدر مطلقا ونهائيا للمعرفة الفلسفية من خارج الإنسان ذاته باعتبار أنه مصدر أولي يصادر ويقضي على الشرط الأول للفلسفة وهي أنها فلسفة جذرية ، فالجذرية هنا تعني العود المستمر للبداية، للنقطة الأولى لرسم طريق جديد يسمى فلسفة.
من هاتين المقدمتين يمكننا القول إن المهمة الفلسفية الأولى هي فحص معرفة الذات فحصا جذريا أي إنها العودة إلى المعرفة الذاتية الخاصة وفحصها من جديد من خلال إخضاع ما فيها من معرفة للشك الجذري الصارم. يجب أن ينجز الفيلسوف هذه المهمة ولو مرة واحدة في تجربته الفلسفية، بل إن تجربة الشك هذه ستصبح هي تجربته الفلسفية الحقيقية. هذه العودة إلى نقطة الصفر مع الذات أساسية لعدة أهداف من أهمها أن هذه العملية هي التي ستكفل للفرد أن يتجاوز الحجب التي بينه وبين الحقيقة ، كل الحواجز التي تفصل بينه وبين معرفته الخاصة. هذه الحجب والحواجز هي المعرفة التي أنتجها الآخرون. والحقيقة لا يمكن أن تكون حقيقة إلا إذا كانت حقيقتك الخاصة.ليس شرطا أن تكون أنت من أنتجها ولكن لتكن حقيقة يجب أن تصل معها إلى قناعة ذاتية عالية.وهذه القناعة لا تتحقق إلا إذا انكشفت على أصول الأشياء والأفكار. بيننا وبين الأشياء التي حولنا والأفكار والآخرين حواجز كثيرة.بيننا وبينهم ركام هائل من الأفكار والمعارف والمقولات والعادات الفكرية والتعود الطبيعي ما يجعلنا لا نستطيع أن نراهم بشكل جيد. نحن كمن يعيش داخل غابة كثيفة لن يتحقق له رؤيتها بشكل واضح وكلي إلا بعد أن يخرج منها. يخرج منها ليراها ويتصل بها من جديد.