عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2011, 08:59 PM
المشاركة 11
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عبد اللطيف عقل

ألتقط من مكتبتي كتاباً اسمُه "سرّ العصفور الأزرق ... كالدم"، في أثناء بحثٍ عن لا شيء، كنتُ أخذتُهُ نسخةً مصوّرةً من صديقٍ قبل سنوات، أتذكّر أنني قرأتُ صفحاتٍ منه، ثم قطعني عنه شاغلٌ ثقيل. أجدني في ظهيرة اليوم الذي يسبق العيد منشدّاً إليه، إذ تحضرُ صورةُ كاتبهِ قُدامي، صديقي وأستاذي عبداللطيف عقل، الشاعر والمسرحيّ والباحث، والجميل قبل ملكاتِه هذه وبعدَها. عَبَرَ طيفُه إليّ قبل أسبوعين، في ذكرى وفاته رحمه الله، والتي لا تغيب عني في كلِّ عام، إذ لا أنسى اليومَ الذي قَدِمَ إلينا من فلسطين خبرُ رحيله، بعد أيامٍ فقط من مغادرتِه عمّان التي حظينا فيها، نحن بعضُ أصحابِه المتأخرين بصداقتِه، وبالقربِ من شخصِه الرائق وروحِه الساخرِة والحلوة. قلنا في ذلك اليوم إنّ "أبو الطيب" آثَرَ أن يتوفاه الله على أن يُشاهِدَ بعد أيام توقيعَ اتفاق أوسلو، والمصافحةَ إياها في حديقة البيت الأبيض. كان ذلك كلاماً ساذجاً، لكنّ مثله مألوفٌ في لحظاتِ فقدِ الأحبّة الكبار.
مات عبداللطيف عقل قبل سبعةََ عشرَ عاماً، بعد مؤلفاتٍ لها قيمتُها في علم النفس الاجتماعي (يحمل الدكتوراه فيه من أميركا)، منها "البدوقراطية .. دراسة في الثقافة والشخصية الفلسطينية"، و"الحرية النفسية .. دراسة في سيكولوجية العدوان". وبعد حضورٍ طيّبٍ في التعليم في بعض جامعات فلسطين، وتلاميذُه على تقديرِهم لمكانتِه. وبعد مسرحيّاتٍ كتبها، منها "تشريفة بني مازن"، و"البلاد طلبت أهلها" التي فرحنْا بعروضِها في قصر الثقافة في عمّان، من بطولة النجم زهير النوباني وإخراج التونسي المنصف السويسي، وكانت صيحةَ احتجاجٍ فلسطينيّة في لحظةٍ عربيةٍ رديئة، إبان انتفاضةِ نهاية الثمانينيات. مات عبداللطيف عقل، بعد عدّة دواوين شعر، وكتبٍ ضمّنها مقالاتٍ نَشَرَها في الصحف، أحدُها الذي وجدْتُني أُنهي قراءَتَه مع فجر العيد، وكأن مؤلفَّه الراحل، الباقي في بالي وقلبي وخاطري، أرادَ في مُقامِه الزّكيّ بهجتي مع قدوم العيد.
أصدرت الكتابَ في العام 1985 جمعيةُ الصوت في الناصرة، وهي تُعرّف نفسَها بأنّها لنشر الثقافةِ وتعميقِ الوعي الفلسطيني، وهذه مهمّة جسورةً وبديعةً في آن، وتستدعي سؤالاً عمّا إذا كانت الجمعيةُ باقيةً، وعلى مهمّتها تلك. لا أجاملُ عبداللطيف عقل في تُربتِه إذا زعمتُ هنا أنّ مقالات الكتاب صالحةٌ للقراءة في كلّ وقت، لأنها مطبوعةٌ بالتأملِّ التحليليِّ المعمق، تنبسطُ عباراتُها بأناقةٍ وحذاقة، وتنشغلُ بظواهرَ وأسئلةٍ وقضايا اجتماعيةٍ وثقافيةٍ وفكريةٍ وسياسيّة، تخصّ المجتمعات العربيّة، والمجتمع الفلسطيني خصوصاً.
ليس العثورُ على "سرّ العصفور الأزرق... كالدم" ميسوراً، كما كُتُبُ عبداللطيف عقل المتنوّعة، الخمسة عشر ربما. ولأنّه لم يحظَ بنجوميةٍ حاز عليها مثقفون فلسطينيون غيرُ قليلين، ولم يعتنِ بنشرِ نتاجهِ في دورِ نشرٍ عربيةٍ نشطة، ولأنّ المؤسسة الثقافية الفلسطينية خربانةٌ منذ زمن، وليس عبداللطيف عقل في حياتِه ومماتِه، كما كثيرون غيره، من أولوياتِها، ولأنّ العمل الأهليَّ الفلسطيني، الثقافيّ منه خصوصاً، محبطٌ وفقيرٌ وضعيف، وبلا مشروعاتٍ واضحة، وبلا طموحاتٍ ربما. لكلّ ذلك وغيرِه، يُؤْخَذُ مثقفٌ كبير، لا تزيّد في القول إنّه من أبرز النخب الفلسطينية الخلاقة، فكراً وعطاءً وإبداعاً، اسمه عبداللطيف عقل، إلى زوايا النسيان..، هنا في هذا المطرح، أُذكّرُ بهِ رحمه الله، وقد حظيتُ عشيّة العيد بصحبةِ كتابٍ له نابِه، والمُشتهى أن يُبادَرَ إلى إعادةِ نشرِ كتبه، ليقرأَها عربٌ كثيرون، أحلفُ أنهم سيَسْعدون بها. صديقي، أراكَ الآن قُدامي ضاحكاً، ببياضِ شعرِك ولحيتِك، وببياضِ قلبِك، ثم أعضُّ على حسرةٍ تغشاني، ... وأودّعك.
maan.albayari@alghad.jo
معن البياري