عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2011, 09:34 PM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)


إن حزن شاعرنا ليس حزنا عاديا، خاصة وأنه ينجبل بحرارة الحلم، انه حزن تكثف ليتحول الى معنيين وشكلين، الاول (رداء) والثاني (النار) أو لنقل رداء من النار ويلاحق شاعرنا المعنى إذ على ناره تبصر(أنت) الدرب وتدرك (أنت) لون امتداد المسافات. وكأني به يريد أن يقول ان حالة تكثف الحزن هذه وتحولها الى رداء من نار تجعلك تبصر الدرب.. دربك بوضوح وتدرك ايضا خطواتك في امتداد المسافات.. ولكن ترى متى ذلك!..إنه "حين يجوع الهلال الخصب" وينبض فيك التراب.رغم ان المعنى المعروف والتقليدي أن يقال وتنبض أنت في التراب.. ولكن شاعرنا كسر سبيل الصوغ التقليدي ليأتينا بصوغ جديد تحول فيه الشاعر الى قلب كبير أكبر من البلاد، وبدأ التراب ينبض فيه وهذا المعنى له تماثلا في الامتداد الملاحظ في قصيدة عبد اللطيف عقل. كأنك صرت ضمير الامان وكذلك "رأيت الذي لا يرى"، "وزعوك على الارض" وهذا التوزيع ليس بالمعنى السلبي إذ تتفتح الالته في "ينبض فيك التراب" إذ حينما هم وزعوك على الارض.. نثروك ليمزقوك ويشتتوك لكنك أنت تحولت الى قلب أوسع من الارض وأصبح التراب ينبض فيك.


يرتفع هنا شعور التحدي الى أقصى مدى ليجد ضالته او التعبير الواضح عنه في طرق المعادلة السياسية بالصوغ الشعري مباشرة ولكنه لا يتخلى أبدا عن حبيبته ليلى، او سلمى، مهما حاول ادارة ظهره لعواطفه يظل مشدودا اليها وفيها. ان من العسير فصل شحنة العاطفة عند شاعرنا عن شحنة التمرد السياسي والتحليل الفكري في معظم نتاجه الشعري:
«وسلمى» كما خبرتها الاجنة فرعاء

كالشجر الغض

تغسل خلخالها في دم المتوسط وهي تغني

لفرسانها الشهداء (29)

هنا تتجسد جدلية الحزن والتحدي في معادلة السياسي والعاطفي، وتعانقها في التجربة الشعرية التي تنفرد على براءتها وحزنها لتشكل إرثا خصبا لشعب. وانفجار الحزن الى أقصى مدى عند شاعرنا يتأتي في دلالات القصيدة التي تسعي الى انزياح المباشرة لتحل محلها خطابات المعاناة العميقة للتجربة الانسانية:

تحزم بالحب

واشتط في عشقه شجر الخوخ والملصقات (30)




الخصوصية الفلسطينية في إرث اله لآلات
إن الخصوصية الفلسطينية لا تغيب في ارثها ودلالاتها ومعطياتها اللغوية والروحية أبدا مهما حاول شاعرنا تجنبها لهذا السبب أو ذاك، إذ تظل تنبض فيه كروحه، انها خصوصية تتألف من تناقضات الواقع وتجربة الارث، وهناك خصوصية للحزن تتسع لتشمل الاشياء والوقت والطير..وفي الحب يتسع الكون وتتسع التجربة والمعاناة الخاصة ليصبح المعطى الحسي في القصيدة اكثر ارهاقا لما تحتمل وهذا شأن معنى الشعر الفلسطيني بعامته وذلك نتيجة المعاناة.
"تذكر سلمى وغص بدمع التوجع، ما كان
يحتسب الفرق بين الحمائم والطائرات

فان الصغار يشاؤون في الحلم الغض

لو تطلع التربة العشب في غير أيامه

الشاتيات ويغلب لؤم الرصاص غناء البلابل" (31)

هنا تنفلت مناقشة أو "حوارية" كما يروق لشاعرنا ان يسميها، مناقشة أو حوارية الهم الوطني في دائرة الرؤى الكونية ويجد الشعر مسيله العريض للانطلاق في حواره مع العالم وشعوبه وهي ميزة الشعر الخالد:

"وأدركه الوقت يربطه حول خصر المراحل

يجمع بعض العصافير يخطب فيها، يدربها

انه لن تعيش الشعوب التي لا تناضل" (32)


لكن تأسيس النشيد الفلسطيني، تظل مفرداته وتفاصيله لازمات أساسية في شعر شاعرنا، بل ونقطة انطلاق من معنى التجربة الحياتية الخاصة سواء الوطنية منها، أو العشقية الى المعاني الكبيرة والانسانية الشاملة في الحياة.
نما في المخيم شيء
وقارن بين الخيام
ووزع ألوانها واالغسيل المعلق والطين

والزنك، ثم اشتهى البحر والسمك الحر

في البحر

خبز الكرامة. (33)


وفي تجذير وتأصيل لهذا المعنى سالف الذكر، رغم ما تشوب لغته من ميراثات شعرية الستينات الا أن معانيه ورؤاه في القصيدة تقدمت على زمنية القصيدة بكثير من السنوات:
تذكر تلك المواويل تجرح خاصرة الليل

هذا زمان رديء

تهاجر فيه المواويل من صوتها

والعصافير من ريشها

والسراج من الزيت

ما عاد يفهم معنى نزيف الجراح

ولا كيف يعشق عربي الثياب العراء (34)

لكن هذه الوثبة لا ينقصها أبدا رجوعات الى منعطفات المعاناة التي تشوش في أحاسيس شاعرنا حتى النخاع، كأن قبيلة من الشعراء تعيش بداخله.وتأصيل المعاناة يأخذ عند شاعرنا ابعادا أكثر اشراقا وذلك من خلال التداعي الى الاصول، والبدء للأشياء والمعاني:


"وجاءت عصافير أحزانه تتلوى من البرد
والجوع

تصرخ ان الصباح يجيء

اذا انفجرت في الخيام الدماء"(35)


والابتداء من الصحو ومن دهاء المخيم الاول، او الاولي هو ابتداء التاريخ الفلسطيني لكن هذا التاريخ إذا ما حاول الشعر تأريخه فإن شاعرية د. عبد اللطيف عقل تنطلق به منذ عيسى بن مريم
(هكذا يريد له الابتداء:

"ينام المخيم


والارز متكأ ويسوع بن مريم في الجوع
قبل اهتزاز جذوع النخيل" (36)

ومن هذا التداخل الزمني في أرضية القصيدة تنطق معادلة اعادة الثقة مع الاشياء بعد فقدها رغم كل الحزن والتشرد والاغتراب واحتدام المعركة:

يقوم المخيم

ان القيامة عشق


وان الحمامات من سور عكا (37)
لكن اشتعال النشيد بهذه الحرارة الصاخبة يستتبعه بالضرورة تماه مع المكان رغم الخروج القسري من الامكنة..وأن الامكنة لا يتحقق شرط وجودها واستمراريتها..الا بالتماهي معها وفيها.
في كل ساعة صدق تصير الخرائط ضدي (38)


وفي معادلة الخروج من الامكنة والتماهي معها كذلك،تتجلى سخرية الوصول عبر زمن صعب تتنافر فيه الاضداد وتنسلخ القيم..ولكن المعنى الشمولي يتواصل في المعنى وفي لغة الضد من ....