عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2011, 04:35 PM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تكوينات أولية لوجه الحزن

من أين تأتي كل هذه الأحزان؟!
بغير موعد، كالموت تغمر الأشياء،
لا يسبقها الوقت ولا تسبقه
فجأة تقتحمُ النوافذَ العِتاق،
لا تمنعُها الطيورُ في الأعشاشِ
لا تصُدها الحيطان.
ليس لها ظلٌ ، تذوقها مسام الجلد
لذة الأسى، مرارةَ الثلج
لو أنني أعرفُ موعد الحُزن فرشتُ
راحتي قلتُ للعينين هذا
موعدُ الأحزان.
لكنها فجاءة تجيء حلوة الشعر
فجاءة تجيء حلوة ومرة
طويلة السالف، مثل قهوة الصباح
هكذا ...
لها انفٌ وعينان وجبهة وقامة فرعاء.
تملاني ، احسُها بالجلد بالخاطر
بالحضور في المكان.

من أين تأتي كل هذه الأحزان
وقبل لحظة رميت وحدتي على فمي
أغلقتُ بابَ غرفتي وباب حِكمتي
أوصدت هذه النوافذَ
افترشتُ دفُ الليل
والتحفتُ بالأمان، قبل لحظة:
رجوت طائر النعاس أن يحَُط ، لم يَحُط
بعد قهوة المساء،
قمت واغتسلتُ مرةُ واحدةً
قرأتُ آية الكرسي مراتٍ،
وكل شيء داخل الغرفة، خارج الغرفة
نام:
السقفُ والسريرُ والدفاتر المقاة
تحته وفوقه وهذه الجدران.

من أين جاءت كل هذه الأحزان.
من أين تأتي كل هذه الأحزان؟
بيضاء كالقطن
ثقيلة/
كالمعدن المطروق /
ملساء /
كجلد أفعوانْ/
مجدورة العيني/ كالطفولة البلهاء.
ومرة مثل الحليب في الفم المريض
مثل الماء.
كغيمة الرماد / تقتل الزرقة
في السماء.
من أين هذا الحزن
أين كان
كيف صار
كيف جاء
كيف الذي بلا كيان
يملا الكيان؟

من أين تأتي كل هذه الأحزان.
لعلها الستائرُ المرخاةُ والزيتونُ في
الحُقول والرجالْ.
لعلها النساءُ والأطفال.
لعلها البحرُ لعلها الجبال.
لعلها العمال والمشاعر اليباسُ والبيادر
اليباب والغلال.
من أين تأتي كل هذه الأحزان.
لعلها القدس يموتُ في حاراتها
الزمانُ والزيتونُ والأطفال
والرُهبان.
من أين تأتي كلُ هذه الأحزان.
والشرْق موصدُ العيون
لا يزالُ يا بسًا صلدًا ، ولا مع
الياقات كالموظفين،
يأكلُ الحقد ويشربُ الدم الفلسطينيَّ
يذبحُ العمالَ في مصانع السردين
يذبح الأطفال والخِرفان.
من أين تأتي كل هذه الأحزان.
وجه حبيبتي معمَّم بالخوف
والعُمالُ في مصانعِ الكرتونِ
كالمستوطنات.
تنتظرُ المهاجرين، وجه القدس غارقُ
في الوحل بيروت تنام ملء الجفن
حُرة الموات.
حُرة اليباس والعصافير يجيئُها
الشتاءُ والخيولُ
كيف صارت الخيول تنكر الفرسان.
من أين تأتي كل هذه الأحزان
وجه حبيبتي المزروع بالا شوال
مطرق
وشعرها البديد بالهوى والاضطهاد
ورحمها الاحبلُ بالاطفالِ والعمالِ
والسواعد الشداد.
لعلها – الأحزانُ- مثل الطلق والآلام
تسبقُ الميلاد.
أودُ يا حبيبتي لو أنني أموت كل يوم
مرة ومرتين، مرة في آخر الصيف
مع البيادر العجاف، مرة في
أول الشتاء ، قلب الأرض دافئ
ومرة حين نكومُ القمحَ ونطرحُ الزؤان.
عندها أدرك يا حبيبتي
كيف يجيء الفجر من تصالُبِ الليل
مع الليل
وكيف تأتي كل هذه الأحزان.
من أين تأتي كل هذه الأحزان.
من عرق المزارعين- الأرض-
ومن دفاتر الطلاب – لا علم –
ومن جدائل البنات – لا جمال-
من تدله السفوح من تطاول الجبال.
من سواعد العمال.
من معاصر الزيتون والسُجون
والقرى التي كانت والاحتلال
أم من تداخل الزمان في الزمان
والمكان في المكان.

أخ لو أنني اعرف كيف تأتي
كل هذه الأحزان...
تعلق الشتاء – أول الشتاء-
في نوافذي العتاق والأبواب
وانتِ يا حبيبتي أصيلة القرب
أصيلة البعد
أصيلة الوجه
أصيلة الحزن
أصيلة العذاب.
نصَلْتُ باليباس ، اقتلي السعار
في دمي الحريق
بالحنان.
وعندها أدرك يا حبيبتي
من أين تأتي
كل هذه الأحزان.

7/7/1974