عرض مشاركة واحدة
قديم 03-11-2011, 09:21 PM
المشاركة 89
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من حياة شارل بودلير " شارل بودلير Charles Baudelaire شاعر فرنسي، ولد في باريس، وكان في السادسة من العمر حين توفي والده الثري جوزيف فرانسوا الذي كان يمارس الرسم هاوياً، وغالباً بحضور طفله. وتزوجت أمه كارولين، بعد وقت قصير، من ضابط كبير اسمه جاك أوبيك أضحى في ما بعد سفيراً لبلاده. وخلَّف هذا الزواج في نفس الطفل شرخاً عميقاً لم يبرأ منه قط، وظلَّ يعد أوبيك دخيلاً، ولاسيما بعد أن وُضِع في مدرسة داخلية.


ولعل حرمان الطفل المرهف الحس من حدب أمه قد ولَّد عنده تمرداً وعناداً، وانصرافاً إلى المطالعة، فلما أضحى شاباً، مال إلى الشعر وبرّز فيه بين أقرانه، غير أنه كان متلافاً، مسرفاً في عبثه وتبذيره، وحاولت أسرته أن تثنيه عن مغريات باريس، فحملته على الرحيل من دون رغبة منه، في باخرة إلى الهند، ولكن الحنين إلى باريس لجَ بالشاعر، فآب إليها ليستأنف مجونه ولهوه، مما حمل أسرته، بتوجيه من زوج أمه، على أن تحد من استهتاره وتجعل أمر الإنفاق عليه من الثروة الطائلة التي آلت إليه من أبيه منوطاً بموافقة وصي شرعي، وكان هذا بخيلاً لم يهتم بمشاعر الشاب الشاعر الأنيق المعلق القلب بغانية خلاسيةٍ تدعى جان دوفال أرهقته بنزواتها.

وعاش الشاعر حياةً مترعةً بالأسى، فقد أصيب بالزهري، ومني بالحرمان والعسر حتى وفاته. من هذه الحياة المضطربة بين الحب المشبوب الخائب، والمرض، استوحى بودلير قصائده الرائعة التي تنتظم كّلها في ديوان وحيد، سماه «أزهار الشر» LesFleursduMal أحدث عند نشره في عام 1857 جدلاً عنيفاً بين بعض فئات المجتمع الفرنسي المحافظة، وأقيمت على الشاعر وناشره دعوى، بحجة أن بعض قصائد الديوان تنافي الخلق القويم وتصدمه، بما تضَمنت من جرأة فاضحة في وصف الشهوة ومفاتن الجسد، وحكمت المحكمة على الشاعر بدفع ثلاثمئة فرنك، ودانت ستّ قصائد من الديوان، محرمة إعادة نشرها".





-----------



الدراسة المعمقة حول أكثر العوامل أثراً في نفس الطفل سوف تظهر حتماً أن زواج الأم بعد موت الأب وعزل الطفل في مدرسة داخلية هو الأكثر ألماً وأثر كما هو حال الشاعر هنا.. وكل تصرفاته وسلوكياته وأشعاره هي انعكاس مباشر لذلك الألم.... فـ"أزهار الشر" هي في الواقع صرخات ألم مهول يعتمل في ثنايا دماغه...



كآبة(2)

spleen

كثيرة هي ذكرياتي كأني عشت ألف عام
إنها خزانة ضخمة مزدحمة الأدراج
بأوراق الجرد والأشعار
والبطاقات الرقيقة
والدّعاوى والأغاني العاطفية
وخصلات الشعر الكثيفة
الملفوفة بالبراءات
إن ما تخفيه من الأسرار
أقل مما يخفيه وجداني الحزين
إنها كهف وهرم واسع يحوي من الجثث
فوق ما تحويه الحفرة الجماعية
أنا مقبرة عافها القمر, يسعى فيها
كما يسعى الندم
دود طويل ينقضّ دائماً بنهم
على الأعزاء من أمواتي
أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة
تسكنه أكداس من الأزياء
التي فات زمانها
وتستنشق فيه عبير حق مفتوح
رسوم الباستيل الشاكية
ولوحات (بوشيه) الشاحبة
لا شيء يعادل في الطول
الأيام المتعثرة
عندما يرزح تحت ركام ثقيل
من ثلوج السنين
الضجر تلك الثمرة المُرّة
لللامبالاة الكئيبة
ليأخذ أبعاداً تجعله أبدياً
فيا أيتها المادة الحية لم تعودي
سوى صخرة يحيطها رُعب غامض
تنام في قلب صحراء مغبرّة
كأبي هول تجاهله عالم غافل
وأزيل عن الخريطة
فبات مزاجه سوداوياً
ولم يعد يغني إلا على الضوء الشاحب
لأشعة الشمس الغاربة



ترجمها عن الفرنسية
حنّا الطيّار- جورجيت الطيّار