عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2011, 09:20 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
القضية الأولى : عظمة الحدث .. وندرة الإستيعاب ..


وقعت الثورة المصرية كحدث هائل منفرد , و رغم التأثير الجارف الذى تأثرت به الجماهير , والتفاعل غير المسبوق فى وقوعه وتكاتف الشعب المصري الذى لم يتكرر منذ أحداث حرب أكتوبر المجيدة , وانبهار العالم أجمع بما تحقق , ونهوض جيل الشباب بما لم يأت فى خاطر أعتى المتفائلين ..
رغم كل هذا ,
إلا أننا نستطيع أن نجزم فى وضوح بأن الغالبية الساحقة من المصريين لم تحسن استيعاب ما حققته من إنجاز , ولم يصل إليها بعد معنى ومغزى ما تحقق , فكان البون شاسعا بين علو الحدث وبراعته , وبين قدرة الجماهير على استيعابه ..
نلمس هذا الأمر من حالة الإدراك فى تأثر البعض بالأحداث التى شهدتها مصر الثورة , وبالفتن التى تفجرت ـ رغم محدودية تأثيرها ـ وبخوف البعض المبالغ فيه مما هو منتظر , بالإضافة إلى انحسار نسبي لموجة التفاؤل من ناحية , ومن ناحية أخرى استعجال كبير لنتائج الثورة ,

أما الشعور بالخوف وانحسار نسبة التفاؤل ..
فيتمثل فى الصدمة المبالغ فيها من أحداث ما يسمى بالإنفلات الطائفي , والإنفلات الأمنى
ومن ناحية الإستعجال , فهو انبهار البعض بموجات الثورة الكاسحة التى كنست النظام السابق , وظن البعض أن مجرد وقوع هذا الطوفان , هو مؤشر لأن تصبح مصر بين عشية وضحاها من أوائل دول العالم !!!

ينسي هؤلاء وهؤلاء أن التاريخ لا يعرف العجلة , ولا يعرف البناء اللحظى , بل الكون كله لا تعرف منظومته الإنقلاب الفورى , إلا فى أمر المعجزات فقط , وهو الأمر الذى يعد استثناء من القاعدة , ألا وهى قاعدة البناء خطوة .. خطوة ,
فبالنسبة للذين تأثروا بحالة الإنفلات الأمنى والتخبط الطائفي , فإنهم بالغوا فى عرض خطورة الأمر , وهو بلا شك يستحق الخوف والترقب والعمل على الحل , لكنه بالقطع لا يستحق هذه الحالة الغريبة من الفزع ,
وهى حالة غريبة على من يشعرون بها بحسن نية , ولكنها قصد مقصود عند المروجين لهذه النظرة القاتمة للأحداث , طمعا فى أن يستشعر الشعب أن ثورته أتت علي حساب أمنه واستقراره ,
وهو عين أهداف الثورة المضادة التى يروج لها فلول النظام , والتى تساعد فيها اليوم العديد من الصحف الخاصة الشهيرة كجريدة الفجر برياسة تحرير عادل حمودة , والذى أصدر عدادا به صورة كبيرة لشيخ سلفي يحمل سيفا وكتب معلقا أنها بدء الحرب السلفية لذبح الجميع !! ولست أدرى من أين اقتبس الصورة التى تبدو كأنها صورة أبي لهب !!
ولا يصدق المرء أن هذه العناوين الفاقعة تغطية لأحداث بؤرية لم تتجاوز منطقتها وجرى سحقها فى ساعات !
بالإضافة للتضخيم المبالغ فيه للأزمة الإقتصادية حيث خرجت جريدة المصري اليوم بعنوان يبشر المصريين بانعدام السولار والبترول وضياع الإقتصاد , حتى أنى شعرت بأن أسواقنا ليس بها رغيف خبز !!
وعلى نفس النهج تجد جريدة الدستور ـ الدستور المزيفة التابعة للبدوى ـ تبشر بانحطاط اقتصادى مروع ينتظر مصر !!!
وهذه الصحف الخاصة تلجأ لهذه الأساليب بشكل يدفعنا للتشكيك المباشر فى نواياها لا سيما وأن مؤسسات تعتمد فى تمويلها على رجال أعمال كانت لهم مصالحهم المشتركة مع النظام السابق , بشراكة الفساد والإفساد
ولا شك أن هذه الصحف تنتهج سياستها التحريرية كل ما ينفع مموليها بغض النظر عن أمانة النقل أو ميثاق الشرف الصحفي الذى أصبح هذه الأيام ( بيولع ميت مرة زى الولاعة , غير زمان أيام عود الكبريت اللى ميولعش إلا مرة واحدة )

وهذه الصحف تعتمد على ضعف ذاكرة العامة والبسطاء , والذين عانوا طيلة حكم مبارك من أسوأ فترات الإنفلات الأمنى بعد تحالف الجريمة المنظمة مع الشرطة فى الحرب على الجماعات الإرهابية , ثم فى ممارسات الشرطة القمعية التى جعلت كل مواطن لا يستطيع أن يأمن على بيته ونفسه فى ظل ثلاثين عاما من الطوارئ تتيح لأصغر ضابط شرطة أن يعتقل أى مواطن أو يقتله علنا فى الطريق العام دون أدنى مساءلة !!
وليست حادثة خالد سعيد شهيد الإسكندرية وأيقونة الثورة ببعيدة , ومثالها تكرر عبر السنوات الطويلة بتعمد تغطية أفعال الضباط فى التعذيب والقتل بالتواطؤ مع مصلحة الطب الشرعي التى كانت تصدر تقاريرها عن ضحايا التعذيب بالعبارة الشهيرة
( مات المذكور بسبب هبوط حاد فى الدورة الدموية )
بخلاف تغول القبضة الأمنية لجهاز أمن الدولة بصورة عاتية , وأصبح مستقبل آلاف الشباب مرهون بتقارير أمن الدولة التى تتحكم فى تعييناتهم ووظائفهم وفى حريتهم , ومن الممكن أن يتم طرد أى أستاذ جامعى أو حتى قاض من القضاة إذا جاء تقرير أمن الدولة بشأنه بالرفض , وبلا إبداء أسباب !!
فضلا على حالة التسلط المرضي على خصوصيات الناس حتى من العوام , وهناك تصريح شهير لحبيب العادلى قال فيه معقبا على زيادة الإنتقاد لتصنت أمن الدولة على مكالمات المواطنين بلا وجه حق , ( اللى خايف ميتكلمش !! )
هكذا علنا ..
ناهيك عن حوادث الإرهاب التى رعتها الشرطة بنفسها تحت رعاية حبيب العادلى , والذى ابتكر هذا الأسلوب فى صناعة وحش الإرهاب بهدف الحفاظ على مقعده لأطول فترة ممكنة عن طريق تخويف النظام بفزاعة الإرهاب الإسلامى كل فترة , وترويجه لنظرية أنه الوزير الوحيد الذى يتمكن من حماية النظام , وبالفعل نجح فى أن يقضي على مقعد الوزارة أطول فترة فى تاريخ الجمهورية
فأين هو الأمان والإستقرار الذى يحلو لبعض الحمقي أن يرددوه فى وصف عصر مبارك !!
وأين هو المواطن الذى كان يستطيع أن يأمن على نفسه وأهله وماله فى عصر مبارك ؟!!