|
حكاية ورقة كانت خضراء
ورقة خريف باهتة ,ارتمت متهالكة قربي يكسوها الشحوب وتعلوها صفرة الموت .
حملتها بين أصابعي أتساءل عما أصابها حتى سقطت , من أين جاءت وأين كانت.
ترى أشجرتها الأم لفظتها أم سقطت بفعل فاعل؟
أحست بتساؤلاتي وبحيرتي التي اكتست وجهي,
فأجابتني وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة:
كنت ورقة خضراء يانعة , مع أخواتي ننسج رداء أخضر رائعا لشجرتنا الأم,
مرت علينا الأيام والليالي بحلوها ومرها , وتعاقبت علينا فصول السنة ببردها وحرها ,
استظل بنا الفلاح المتعب بعد عمل شاق في أرضه ,
يزرع ويفلح ويبذر ويحصد , يقدم للناس الغذاء , ولايجد إلا ما يسد رمقه .
وكذلك مر بنا العامل في طريقه لعمله , يعمل ويكافح يبني وطنا ويعلي نهضة ,
ويقنع باليسير الذي يعطيه له صاحب ذلك المعمل .
وتفيأ تحتنا طلاب علم يستذكرون دروسهم ,كم كنت أسعد بمناقشاتهم, أجد فيهم الأمل ,
أتطلع معهم لمستقبل هذه الأمة , كانت دماء متدفقة شابة , تسير في عروقهم ,
تمدهم بالحيوية والنشاط ,كنت أرقبهم بغبطة وكأنهم أولادي ,
أحلم معهم بمستقبل زاهر.
فقلت : ماشاء الله لقد كنت سعيدة وأنت ترقبين هؤلاء فلم الحزن والألم يكسوان محياك؟
فقالت وهي ترسل زفرات الألم : الحياة ليست بوجه واحد سعيد,
هناك وجوه أخرى مرت علي, وجوه وأصوات أنتفض ألما وحزنا حين أذكرها .
فكما مر علي الطيبون الذين كانوا يبنون جسور الأمل ,
مر كذلك من كان يهدم ما يبنون ,
كم اختبأ بيننا لصوص يتحينون الفرصة لينقضوا على فريسة تمر تحت شجرتنا ,
وكم اجتمع تحت الشجرة ثلة من المفسدين يتربصون بمن يقف في طريق أطماعهم ,
ينسجون الخطط الخبيثة للإيقاع بهم .
ولكن أشد ما كان يؤلمني رهط من الشباب اليافعة يحرقون صدورهم وأنفاسهم بدخان فاسد ملوث,
يذهب بالعقول ويفسد النفوس .وبعد أن ينهوا حفلهم الآثم ,
يسجون تحت الشجرة كالأموات حتى تطلع عليهم الشمس . تطهر نفوسهم وتذكي قلوبهم ,
ولكن كان ذلك حتى حين , فما أن يحل الليل حتى يعاودوا نشاطهم الآثم.
وأطلقت الورقة آها حزينة وهي تتذكر ذلك الرهط الفاسدين المفسدين.
لله درك ياورقتي المسكينة ,
كم مر عليك من الآلام والأحزان, كم تألمت , وكم فرحت ,
لكن ساعة ألم واحدة لاتعدل أيام فرح طويلة ,
وبينما أراقب تلك الورقة المتهالكة وأستشعرما مر بها وكأنه ما يمر بنا كل يوم ,
هبت ريح قوية أخذتها ورمتها بعيدا , لاأدري أين أصبحت .
فأيقنت أننا جميعا ننتظر مثل هذه الريح التي لاندري أين ومتى ستفاجئنا ,
فهل أعددنا العدة لمثل هذا اليوم ؟
|
|