عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
6481
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
1,187

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
12-18-2011, 10:20 PM
المشاركة 1
12-18-2011, 10:20 PM
المشاركة 1
افتراضي رد الإتهامات عن الثورات العربية
رد الإتهامات عن الثورات العربية


كثيرة هى وجوه الثورة المضادة التى غطت على الربيع العربي ونالت منه , أو تحاول النيل منه ..
منها ما هو طريف ومنها ما هو مضحك حتى البكاء ومنها ما هو شاهد عيان على ما صاغه المفكرون الكبار مثل عبد الرحمن الكواكبي فى ( طبائع الإستبداد ) وجمال حمدان فى ( شخصية مصر ) عن طبيعة الشخصية العامية التى يـُـخلّفها الحكم المستبد من التلذذ بالعبودية والدونية وتأليه الحكام عمليا والنظر إليهم كأنصاف آلهة بل والدفاع عنهم أيضا ..
ومن الطبيعى للغاية أن تتناثر الإتهامات ضد الثوار وهذا ما ألفناه عبر التاريخ .. فكل ثورة وحركة حرية ضد أى نظام حكم فردى ومستبد هناك لابد وجه آخر للعُملة يتمثل فى قوى الثورة المضادة التى يخلفها النظام المستبد وهى من بقايا فلول المستفيدين من حكم الفراعنة وحاشيتهم ..
وهؤلاء ليسوا بالسهولة التى تجعل مواجهتهم سهلة أو هينة , ولهذا مرّت العديد من الثورات بمجازر جماعية لتتخلص من تلك الآفات وإن كان تحولها الدموى لم يصب فى مصلحتها المستقبلية
أما فى الثورات السلمية الصادعة بالحق فى مواجهة القوة الغاشمة , فمن الطبيعى أن تجد الثورة المضادة لها مراتع كثيرة لا سيما فى مراحل التحول , لأن الطبيعة السلمية للثورات تتصف بمعايير الأخلاق مع أوغاد يركلونها بأقدامهم !
ومن الطبيعى أيضا أن تئول تلك الإتهامات إلى مكانها الطبيعى فى ركن قصي يناسب انحطاطها وتبقي السيرة العطرة وحدها قائدة وملهمة للشعوب التى خلقها الله أحرارا ولم يخلقها تراثا أو عقارا ..

ومن الطبيعى أن يخرج علماء السلطان مُحبِطين ومثبطين لهمم الشعوب الثائرة فى وجه الظلم , فليس هذا اختراعا جديدا ,
ومهما بدت الأفكار التى يدعو إليها علماء السلطة ومفكروها أفكارا شاذة ومريضة , إلا أنها كانت تحدث , مثل ما حدث ـ حسب رواية الرافعى فى تاريخه المشهور ــ فى ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد المستعمر الفرنسي , فقد خرج بعض العلماء المنافقين لنابليون بونابرت يحذرون الناس من مغبة الفساد والإفساد وتعطيل الحياة والعامة وتعريض المنشآت الخاصة والعامة للتدمير فى ظل الإستجابة لتحريض قلة مندسة للثورة على ساري عسكر باشا ( المقصود نابليون بونابرت كما أطلق عليه أهل هذا الزمان ) ودعا بيان هؤلاء العلماء الناس إلى تجنب الفتن والإضطرابات وعاقبة تعريض النفس للقتل فى مواجهة عساكر الفرنسيس !! [1] .. ( هل يبدو لكم هذا البيان مألوفا !! )

من الطبيعى أن يخرج أولئك المثبطين المنافقين كما أنه من الطبيعى أن تخرج الأكثرية الغالبة من علماء الشريعة الربانيين والمفكرون أصحاب الضمائر ليقودوا همة الشعوب طالبة الحرية .. وردع هذه النداءات المتخاذلة العميلة لكل قوة التى وظفت آيات الله وسنة نبيه للبيع والشراء بأثمان بخسة تحت مزاعم حفظ الأرواح ناسين أو متناسين أن الجهاد ضد الظلم والموت فى سبيل الحق فريضة جهاد على كل نفس مسلمة ..
واو أن الحفاظ على النفس والمال مطلق فى الزمان والمكان لما كان هناك حاجة فى الإسلام لإنشاء جيوش تدافع عنه وعن دوله , باعتبار أن الجهاد تهلكة للنفس حسب مقاييس هذه الفتاوى ..
ولما كان هناك لزوم لحديث النبي النبي عليه الصلاة والسلام الذى وصف الجهاد بالصدع بكلمة الحق فى وجه سلطان جائر أنه أعظم الجهاد , وفاعله هو سيد الشهداء جنبا إلى جنب مع حمزة رضي الله عنه ..
ومن الطبيعى أيضا تواجد نخبة من المفكرين أعطت دمها للحرية والعدالة والحق , فى مقابل نخبة أخرى باعت أنفسها للغرب واكتفت فى تبرير موقفها بأن همهم الأكيد هو الحفاظ على وحدة الأمة وعدم تناحرها وحفظ أمن الوطن واستقراره وأن هؤلاء الداعين لرفض الإحتلال أو الحكم الغاصب إن هم إلا شرذمة من سفهاء الأحلام ينخدع بهم الشباب صغار السن !
( هل سمعتم هذا الحديث مؤخرا !! )

هو نفس الحديث ونفس الإشاعات التى أطلقتها جبهة عدلى يكن وأمثاله فى وجه سعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919 م .. ومن قبله مصطفي باشا صدقي ومن بعدهم أمين عثمان الذى وصف احتلال بريطانيا لمصر بأنه زواج كاثيوليكى لا طلاق فيه !!
بل إنه حتى من الطبيعى أن يدعى العملاء المجاهرون بعمالتهم على خصومهم من الصادعين بالحق بأنهم هم العملاء !
باعتبار أن نداءات الثورة والتحرر والإستقلال لا تخدم استقرار البلاد ولا علاقتها الطيبة بالغرب القائمة على التوازن ! , وأن المنادين بالحرية والإستقلال لا يريدون الخير لهذا البلد الذى لا يصلح أهله للسياسة والحكم ولا يصلح وحده لمواجهة أعباء السياسة الدولية وأن شعوبنا ليست مؤهلة لحكم نفسها بنفسها وليست مؤهلة للديمقراطية !!
( ترى هل يبدو هذا التبرير مألوفا ! )

كما أنه من الطبيعى فى ثورات التاريخ الحديث أن يحمى الجيش ثورات الشعوب , ويرفض إطلاق النار على المتظاهرين كما تفعل قوات الشرطة أو قوات الحراسة الخاصة التابعة عادة للديكتاتور , ويهتف بحماية الثورة , ويقوم بدور فاعل فى إسقاط رأس النظام الفاسد ..
ثم تقوم نفس القيادة بالدفاع عن بقية النظام ورفض إسقاطه وإعادة تشكيله فى وجوه جديدة بنفس النظام القديم ونفس النظم المتسلطة حفاظا على مكاسب القيادة الفردية , ومضيعة الفرصة لدخول تاريخ شعبها باعتبارها حامية ثورته .. وتفسد بيدها ما سبق أن أنجزته من إنجاز مشرف بالإنحياز للثوار فى وجه الباطل ..
مثلما حدث فى ثورة الشعب الرومانى على نظام شاوشيسكو حيث تركته القوات المسلحة يتورط فى قتل المتظاهرين بقوات الشرطة ثم رفضت أن تقوم بحمايته عند انهيار تلك القوات وسلمته للجماهير التى فتكت به وأعدت نفسها لحياة ديمقراطية سليمة ,
غير أن قوات الجيش التى حكمت المرحلة الإنتقالية لم يكن لديها النية ف ذلك وسمحت بقيام حزب شاوشيسكو بإعادة تشكيل نفسه فى سبعة أحزاب أخرى , وبدأت تفرض التشويه على الثوار ورموزهم وتساهم مع الثورة المضادة فى إضفاء الشبهات على الثورة , وتعيد إنتاج النظام بنفس الطريقة المتسلطة للحفاظ على مستقبلها وحماية ماضيها أيضا ,
( أليس يبدو لكم هذا الطريق طريقا مألوفا ! )

كل هذه المظاهر طبيعية مائة فى المائة لمن قرأ أقل صفحات التاريخ وحياة والشعوب فى أى منطقة فى العالم ,
أما غير الطبيعى وغير المنطقي ..
فهو كمية الهراء المنتشر من تلك الإتهامات التى لحقت بالثورة المصرية ومثيلاتها فى الدول العربية ومدى تفاهتها وخلاعتها ورقاعتها !
إذ بلغت حدا من الإسفاف واللاعقل تستحق أن نحاكم أصحابها على اللاوعى قبل أن نحاكمهم على التآمر مع أنظمة الحكم الإستبدادى ..
ووجه الغرابة الثانى ـ وهو نتيجة منطقية للعامل الأول ــ يتمثل فى انتشار المتكلمين بصورة طاغية , وهو ما لم نعهده فى سابق الأيام ويعود هذا بصفة رئيسية إلى سيطرة رأس المال على الإنتاج الإعلامى وانعدام الرقابة الجادة على أى قلم أو قناة فضائية أو أى مصدر معلوماتى ,
ولو تحقق هذا الأمر فى السنوات السالفة عبر التاريخ لما كان له تأثير يُذكر .. لأن المجتمع نفسه كان هو الحارس على ميثاق شرف الكلمة , فكل أحد يستطيع أن يعتلى أى منبر يشاء بشرط أن يملأ المكان فعلا وقولا وإلا انفض عنه الناس فى لحظات , هذا إن لم ينزلوه بالقوة عن منبرهم المقدس لأنهم كانوا يملكون ذلك ويستطيعون ذلك
لكنه فى عالمنا أصبح ذو انتشار سريع ومريع وأصبح صاحب كل كلمة ـ مهما كانت حماقتها وتفاهتها ـ ذو جمهور معين من الناس ! طالما امتلك المال الكافي لاعتلاء أى منبر إعلامى
وهذا لأن الناس فى عصورنا الحالية فقدت حاسة الإستماع للرموز وإلى النقد الذاتى المتوفر فى أى شعب مهما كانت ضآلة ثقافته ..
وهذا الأمر يعتبر مما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فى أحداث آخر الزمان , فتحقق بلا شك وذلك فى قوله عليه أفضل الصلاة والسلام ..
(انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة )

وبدون شك أن تلك السنوات الخداعات قد أطلت بأذنابها بعد أن انتشر التخوين للأمناء , وشاهدنا أوصاف الأمانة لمن هم أكثر الظالمين والناهبين , ونطقت الرويبضة ــ وهذه أوضح الواضحات ـــ حيث لم يعد على منبر المتكلمين إلا التوافه بعد أن انعزل العلماء والمفكرون أو اعتزلوا .. إلا القليل النادر ممن يملك سلطة الخروج والوصول للناس ..

ومن يقارن بين مصر الآن ومصر قبل ستين عاما ربما وجد فى الفلاح المصري التقليدى ثقافة سياسية ( أخذها سماعا من الراديو ) تتعدى ثقافة بعض متصدرى الشاشات وكبريات الصحف الآن
لأن العلم كان له مقداره وكان لواء الحديث لا ينعقد إلا للخاصة , وكان وصف الرمز لا يكتسبه كل من هب ودب بل يكتسبه الرموز الحقيقيون ..
لهذا نجح سعد زغلول مثلا فى القرن الماضي أن يعتمد على وعى طبقة العمال والفلاحين فى قضية الإستقلال , وكان اعتمادا فى محله , فعندما دعا سعد زغلول إلى مقاطعة ( لجنة ملنر ) التى أرسلتها بريطانيا للتحقيق فى وقائع الثورة المصرية عام 1919 م ,
لم يجد أعضاء اللجنة من يستقبلهم أو يجيبهم على أى سؤال أيا كان إلا بإجابة واحدة وهى :
( اسأل سعد باشا ! )
حتى عندما حاول بعض أعضاء اللجنة التبسط مع الفلاحين والتودد معهم لدفعهم للحديث رفض الأهالى وعندما سأل أحد الأعضاء فلاحا فى حقله عن سعر قنطار القطن ( وهو موضوع لا علاقة له بالثورة أو بسعد )
أجابه الفلاح الفصيح ( اسأل سعد باشا )

وبهذا وحده ..
نجح الشعب المصري فى فرض إرادته على الحكومة البريطانية واعتماد الشرعية لسعد زغلول وحده بعد أن طاردت هذا الأخير اتهامات الثورة المضادة بأنه لا يمثل الشعب المصري وأنه يتكلم من غير ذى صفة وأن الشعب المصري لا تعبر عنه الجماهير المؤيدة لسعد بل تعبر عنه الكتلة الصامتة القابعة فى البيوت ( ترى هل يبدو لكم هذا الكلام مألوفا !! )

وظلت الإتهامات تتناثر هنا وهناك حتى أمضي الشعب المصري إرادته وفرضها فرضا واضطرت بريطانيا للإعتراف بسعد زغلول ووفده ممثلا عن كافة جموع الشعب المصري الثائر فى ثورة 1919 م ..

فالجديد المؤسف فى أمرنا اليوم ..
أن خرج علينا فى الإعلام الذى يتمتع بحرية فوضوية فى مخاطبة الجماهير ليرغي ويزبد ويخدم أهداف الجهل والتجهيل و بالإضافة إلى تأثيرهم الفاقع على بعض فئات الشعب البسيطة تساعدهم ف ذلك بقايا الثقة التى اعتاد الأميون منحها للحكومات على مر الزمان
ولم ينج من ذلك إلا طبقة الجماهير المثقفة التى صنعت الثورة وامتازت بالوعى الخرافي الذى يتجاوز بكثير حركة الإعلام المضاد , و إن كان لا يملك أدوات إسقاط هذا الإعلام ومحاربته بوسائله لانعدام القدرة المادية على ذلك ..

والإتهامات المرسلة التى طالت الثورة والثوار كانت هى نفس الإتهامات التقليدية التى اعتادت صياغتها عقول السلطة , لكن الجديد كان فى تهافت مستوى الأدلة ــ هذا إن أطلقنا على ما يقال مسمى الأدلة من الأصل ــ فما جلبته الثورة المضادة للنيل من شرفاء الميدان كان فى أغلبه ــ كما قلنا ــ بالغ التفاهة إلى حد الإستفزاز !
وكنت أظن ـ وليس كل الظن إثما ــ أن أمثال تلك الإتهامات لا يمكن أن تجد رواجا على وجه الإطلاق , لولا أن بعض الجماهير تأثرت بها بوعى وبغير وعى , والجماهير البسيطة معذورة على أية حال لأن رجل الشارع البسيط يري تحت قدميه فى العادة ,
ولكن المثير والمخزى ..
أن أدوات الثورة المضادة امتدت لتشمل عددا من المثقفين ومرتادى المنتديات الثقافية والكــُــتّاب وفوجئنا بهم يروجون لنفس المفاهيم دون أدنى احترام للضمير أولا أو أدنى احترام لعقلية القارئ ثانيا ..
وسنعرض لأهم الإتهامات ونناقشها رغم تهافتها بسبب تكرار طرحها فى عشرات الموضوعات بالمنتديات ..


الهوامش :
[1]ــ تاريخ الحركة القومية فى مصر ـ عبد الرحمن الرافعى ـ دار المعارف