عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2014, 02:10 PM
المشاركة 10
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أخيرا حظي برؤيتها بعد طول انتظار ، حاول استجماع ما يكفي من المعلومات عن الشابين ، يريد أن يدرس الحالة ليتدخل بلمسة سحرية تكسر جمود علاقتهما ، الحب عن بعد ما أظلمه من حب ، يريد أن يكون تلك الصدفة المفائجة التي تجمع بين روحين ، يتمنى أن يكسر تلك الحواجز التي تحول بينهما وبين السعادة ، تشاءم من غيابهما الطويل ، لكنه يعرف أن الطيبين لا يتخلصون من أحزانهم بسهولة ، إنها لعنة العناد تؤثر عليه، لم يجمع إلا القليل من المعلومات عن ناصر ، فحتى البحارة لا يعرفون عنه الكثير ، يقولون إن أباه ربما لم يتعاف من مرضه ، و ربما يكون ميتا ، و هو رجل ذو شأن عظيم هذا ما كان ناصر يقول . وصلت أمامه بخطواتها المتثاقلة و علامات السنين ظهرت على وجهها الصارم ، كادت أن تمر دون أن يكلمها ، لكنه أخيرا اهتدي إلى عرض خدعة مسرحية : " يا مدام..، ألا تريدين كزبرة ؟" رجعت بخطوتين إلى الوراء و تأملت ذلك الوجه الذي طعنته عواصف الزمان قائلة : " هيا حزمتين من كل نوع " وجدها فرصة سانحة للاستفسار عن صالحة ، فمرارا كانت تصاحب أمها في الماضي البعيد : "هل صالحة بخير ما عدت أراها في السوق؟ " استغربت الأم من هذا السؤال فواصل موضحا : : " إنها زبونتي و تضررت من غيابها " فردت متنهدة:" قصتها طويلة يا ...." بسرعة قال : "أحمد أحمد سيدتي" وهو متلهف لمعرفة المزيد ، " السيد أحمد ، لقد فقدت وظيفتها وهي الآن تحاول بناء نفسها من جديد .." قال ضاحكا : " حسبتك ستقولين تزوجت وغادرت المدينة ...." نظرت إليه بابتسامة : " وهل شباب اليوم يفكرون في الزواج ، آه مضت الأيام الحلوة يا.... " فهب لنجدتها : " أحمد أحمد سيدتي " و لما همت بالذهاب قدم لها حزمة مجانا قائلا : " لا تنسي أن تسلمي عليها .." ردت عليه بنظرة اعتراف وامتنان وهي تستبشر في قرارتها : " أن الدنيا لا تزال بخير ، رغم كل مظاهر الفوضى .."
تمر الأيام ولا تتقدم خطواته ، فلاهي ظهرت في السوق و لا ناصر وصل إليه واحد من رفاقه ، عاد أحمد إلى طبعته القديمة و ظن أنها زوبعة صيف عابرة ، و عمر العاصفة لا يطول ، فإن كان لم يحظ بغنيمة تقريب الحبيبين فهو على الأقل ما خسر شيئا .
صالحة تطوف على المكاتب وتهيء أوراق مقاولتها ، تسافر إلى القرى النائية و تجالس التعاونيات النسائية وهن يعانين من قلة الكفاءة و قلة الطلب ، تأخذ عينات من منتوج الزيوت و العسل و التوابل ، تطير نحو بلاد المهجر التقت بصديقات الدراسة ، كن في حاجة إلى دفعة تنتشلهن من رتابة المكاتب ، وضحت لهن فكرتها وافقت اثنتان منهن على توزيع المنتوج ، هيأن ملفات الشركة بسرعة البرق و اقترضن الملايين من البنوك استعلمن عن المنتوجات عند ذوي الاختصاص ، طبعن آلاف الملصقات والصور تعلوها علامة تجارية جديدة ، تلقين آلاف الطلبات .
حملت هدايا كثيرة في رحلة عودتها ، هذه لمدير الوكالة البنكية الذي سيمنحها دفعة البداية ، و تلك لمسؤول الجمارك الذي سيحررها من قيود التصدير ، و أخرى للموظفين الصغار في كل المكاتب التي ستضطر للتعامل معها .
نجحت الفكرة أخيرا بتصدير دفعتها الأول فوضعت قدمها الأولى في ميدان الأعمال.
ناصر غارق في فوضوية السوق ، في اجتماع مجلس الإدارة ، حاول إقناع المساهمين باستغلال مدخرات الشركة في تعويض خسارة فساد المنتوج الزراعي فبضاعتها ردت إليها ، مئات الأطنان من الخضر والفواكه تم تفريغها في عرض البحر ، والتحقيقات جارية لتحديد المسؤولية ، و خبراء الإتحاد الأوربي قادمون لزيارة قلاع الإنتاج والوقوف على أسباب الكارثة . لطفي غريمه في الشركة رجل خمسيني لا يؤمن بالخسارة هدد ببيع أسهمه و إغراق الشركة إن تم استغلال مدخراتها ، ناصحا ناصر بالإقتراض من الأبناك على أسهمه أو بيع جزء منها لتسوية مشاكله ، فالشركة لم تكن يوما في خطر إلا يوم تولى القيادة . عرف ناصر أن خصمه يكيد له كيدا ، واستغل خبرته في تعكير صفاء الشركة ، من أين له بالنقود ، إن قلص أسهمه فمنصب رئيس مجلس الإدارة في مهب الريح ، إن اقترض من الأبناك تأجلت الأرباح لسنوات عديدة ، دعا إلى مكتبه غريمه ، عرض عليه اقتسام الخسارة بين الأسهم و المدخرات فبالكاد وافق لطفي تحمل المدخرات لعشرين بالمئة من الخسارة مما يجعل ناصر سيتخلى على أربعة في المئة أسهمه ، هذه النسبة على الأقل لن تمنح لغريمه منصب القيادة ولو قام باقتنائها .
لطفي كانت خطته السيطرة على الشركة ، لكنه في ذات الوقت يتوجس من استمرار التحقيقات فلو تعثرت الشركة ستتدخل الدولة بثقلها فهي مشاركة فيها بنسبة رمزية لتضمن مراقبة الشركة كشريك . فأجل مشروعه إلى حين .

تهلل وجه أحمد وهو يرى العصفورة تحوم حول دكاكين السمك ، تغير شكلها قليلا ، ربما صورتها ، أصبحت أكثر جرأة تتحدث إلى الباعة بثبات بل ترد على غمزهم بدعابات فتطول القهقهة ، توجهت نحوه دون أن تنظر في عينيه ، وصلت أخيرا و حدقت فيه وابتسمت: " وصلتني رسالتك و شكرا لك على الاهتمام " فرد عليها بفضول : " وما أخبار ناصر ؟" تغيرت ملامحها وبرقت عيناها بريقا مفزعا لكنها تمالكت نفسها : " حكاية قديمة ربما للنسيان " نظر إليها بحنان قائلا : " بابنيتي إنه لرجل صالح ، فتى بريء ، شبل شجاع و إني لأراكما خلقتما لبعض ، فما الذي يحول بينكما " تأملت هذا الوجه البشع يذكرها بالبطولات والملاحم و تلك العنتريات البالية ، و ذلك الصفاء والنقاء ، .. لكنها في غنى عن دخول جدالات قاحلة لا طائل منها ، إنها اليوم تتقن لغة السوق ، ربح وخسارة لا غير ، و عندما رأت حديثها مع بائع الكزبرة خسارة للوقت قالت : " أستأذنك فمشواري طويل وأنا مازلت في بداية الطريق .." فرد عليها : " إن كنت في حاجة إلى مساعدة فأنا رهن الإشارة ." ضحكت مقهقهة في دواخلها : " مساعدة من بائع الكزبرة ، أي حمق أكبر من هذا ، وعندما تمكنت الفكرة من دماغها تذكرت ناصرا وهو في ثوب الحمال و بين ليلة وضحاها وجدته على وثاب فاخر يؤشر على ورقة طردها ، أيكون بائع الكزبرة على هذا النحو ، لا بد من طريقة للوصول إلى الحقيقة . "