عرض مشاركة واحدة
قديم 02-26-2015, 11:09 PM
المشاركة 2
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:70%;background-color:silver;border:8px groove firebrick;"]

الفصل الثانى
_________

بالفعل كان من نصيب عبد الباسط مقعده بكلية العلوم،حيث اشتهر بين أساتذته وأترابه بتفوقه العلمي والأخلاقي على مدار سنوات دراسته، مثلجا صدر أبيه وأمه. وكشىء متوقع مع ظهور نتيجة السنة النهائية وحصوله على الامتياز مع مرتبة الشرف أول على دفعته، أبلغه عميد الكلية ببشرى تعيينه معيدا لإكمال دراساته العليا على حساب الجامعة.
فرحا سعيدا لا تلامس قدماه الأرض، كان يجرى مسابقا للريح، مهرولا إلى البيت ليفرح أباه وأمه بنجاحه. لكنه فجأة توقف، لا يدري ما أرسل إلى ذاكرته كل ما حدث بينه وبين أبيه منذ خمس سنوات،
يوم كشف له أبيه سر الهالة.
- كيف نسيت أن أسأله طوال تلك السنوات الطوال، وكيف نسي هو أن يفسر لي سر هذه الهالة؟ كيف أصلا تمر خمس سنوات ولا أتذكر ما حدث إلا اليوم؟!
لم تعد قضيته الآن نجاحه الباهر، وكل هذا التفوق، وتعيينه بالجامعة.. سيطرت الهالة وسرها على جميع مداركه، وسؤاله يلح على عقله، حتى فتحت له أمه باب البيت، بابتسامتها الودودة وحضنها. لم تهنئه بنجاحه الدراسي، بل فوجئ بها تقول:
- اليوم هو يوم مولدك الحقيقي بتذكرك..
وقف أمامها مستغربا مذهولا، قلبه يتسارع، ولسان حاله يسأل..
- كيف علمتِ يا أم أنني تذكرت؟!..
ابتسمت وهي تشير إلى غرفة أبيه..
- أبوك في انتظارك..
اتجه إلى الباب كالمنوم، ودق عليه مستئذنا للدخول.. ثم فتحه ليجد أباه جالسا على سريره، مرتديا عباءته، ممسكا سبحته العاجية، وأمامه المصحف الشريف، يقرأ من آياته بصوت مجود:
"قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ** قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ"
صدق الله العظيم
اغلق أبيه الكتاب الكريم ..ونظر إليه فاتحا ذراعيه ..ارتمى عبد الباسط فى حضن أبيه وأخذ يقبل يديه وجبهته فى اجلال ربت أبيه على ظهره بحنان بالغ ..قائلا ..
-أعلم يا بنى أنك تذكرت هبتك .
- نعم يا أبى .ولا أعلم كيف نسيتها طوال تلك السنوات الخمس ..
-إنها أرادة الله يا بنى ومشيئته..وكل شئ بأوانه
جعلك تنسى لتكمل علمك بعد أن أكتمل دينك ..ثم أعاد لك ذكراتك
-نعم يا أبى تذكرت يوم أن كشفت لى عنها ..ولا أعرف كيف
نسيتها ثم عادت لذاكرتى وكأنها حدثت بالأمس فقط..
هز رأسه مبتسما فى ود، فلحقه بالسؤال:
- وما فائدة تلك الهبة يا أبي؟ وكيف ومتى وفيما يمكنني استخدامها؟
رد أبيه بإبتسامة واثقة يطمئنه:
- سيهديك الله سواء السبيل..لا تخف، فأنت من جند الله على الأرض، وعندك علم الكتاب لمواجهه إبليس وزبانيته وأتباعه ومريديه من الأنس والجن.
قطع الرجل كلامه فجأة، ووضع يده على صدره وعلامات الألم تتعاظم على وجهه، قبل أن تحل محلها علامات الأعياء الشديد..
وأصفر وجهه.. وانكفأ مفارقا الحياة!..
[/tabletext]