عرض مشاركة واحدة
قديم 01-23-2015, 01:12 AM
المشاركة 40
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تجاوزا سأقبل بمنقولاتك عن الأفغاني و عن محمد عبده التي لا تخرج عن مقالات في المواقع الإلترونية لذلك سنسلم بها جدلا أنها صحيحة و إن كان حوارك كله يتجه نحو الأشخاص و لا يختلف ذلك كثيرا عن منهجية العلامة محمود شاكر في الدراسات النقدية الأدبية ، فهو يهمه الشخص أكثر مما يهمه ما أبدع . و هذه المنهجية معروفة ، أي تمجيد الشخص أولا ليسهل تمرير خطابه ، أو شيطنته ليسهل ضحد خطابه .
غالبا عندما يكثر السجال حول شخص معين فاعلم أنه جاء بشيء جديد لا يروق لحراس الماضي ، فحتى الأنبياء لم يسلموا من قوى الماضي فهناك من وصمهم بالجنون و الغموض وقلة الحيلة ... ، و كان جوابهم غالبا هذا ما وجدنا عليه آباءنا التي تكررت في القرآن عددا هائلا من المرات ، فالرجعية ليست وليدة اليوم ، والتشبت بالماضي سيبقى سلوكا إنسانيا ، وصراع الأجيال حاضر في بيوتنا و مجتمعاتنا فكذلك صراع الحضارات .
رغم وجود الفارق بين حالة الأنبياء لكمال دعوتهم و سمو منزلتهم لذلك تعرضوا للأذى أكثر من غيرهم من عامة الناس الذين يريدون الإصلاح . إنما أقدم قراءة للصورة العامة ، كيف أن الماضي يعمي بصيرة الإنسان فيتمسك به حتى و لو أحس أنه متجاوز ، كأسلوب حياة .
ليس الماضي معيبا كله و إلا فقد الإنسان البوصلة ، فشرب الماء كان في الماضي و سيبقى على الدوام كما أكل الفاكهة ، فهذا غذاء لبناء الجسم ، كما التدين غذاء للروح ، لذلك ستبقى عبادة الله عز وجل في الأرض و اتباع أنبيائه و على قائمتهم سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم ، فالغذاء الروحي باق إلى أن يأذن الله بنهاية الحياة الدنيا و بداية الحياة الأخرى ، فينبئ الناس عم اختلفوا فيه و نطلب من الله العفو والعافية و يضمنا إلى رحمته الواسعة و يجيرنا من عذابه الأليم .

الأفغاني مجهول ، غامض ، شيعي ، سني ، رافضي ، بهائي ، إيراني أفغاني ، ماسوني كلها موثقة كل حسب رؤيته للأفغاني ومن أحب أن يعرف الأفغاني يكفي أن تضع اسمه على قوقل لترى ترجمته تختلف من موقع إلى موقع ، فهناك من يمدح وهناك من يذم . لكن كل ذلك لا ينفي حقيقة أن الأفغاني له مشروع نهضوي وإصلاحي ، ومشروع الأفغاني ثوري لتأثره أيضا بالمدرسة الثورية الاشتراكية و مشروع محمد عبده مشروع إصلاحي تربوي .

لمن لا يعرف حالة الأمة في القرن التاسع عشر ، فالمدرسة فيها مقتصرة على علوم الدين و اللغة و شيء من علم الفلك ، وهذا ما يقدم إلى اليوم في بعض دور التربية العتيقة الدينية في المغرب قبل العشر سنوات الأخيرة عندما تدخلت الدولة لتأهيل الأئمة ، وفرضت عليهم الحد الأدنى من تعلم اللغات الأجنبية وبعض العلوم كالحساب و العلوم الطبيعية ، ورغم ذلك لاتزال مناهجها العملية أكثر من عتيقة ، عكس المدرسة الحديثة التي اكتسحت كل البلاد و رغم كل عيوبها فهي تحاول اللحاق بالركب .

فالأفغاني كان ثائرا على مناهج التربية و تحز في نفسه حالة التخلف التي أضحى عليها المسلمون و خاصة أنه كثير التنقل و الإطلاع و تعلم مختلف أصناف العلوم و في مقدمتها الفلسفة ، بل أينما حل سرعان ما يستقطب أنصارا من الطلبة الراغبين في معرفة سر هذا التقهقر الفاضح الذي وصلت إليه حال الأمة .
رغبة الرجلين في تحديث مناهج التربية اصطدم مباشرة بالمؤسسة الدينية التي ترعى التربية التقليدية ، وهنا بدأت رحلتهما و صراعهما مع المستعمر الذي لا يريد أن تتعلم الأمة بل يريدها أن تبقى ضعيفة للاستغلالها ، و صراعهما مع السلطة السياسية التي تناهض مشرعهما الإصلاحي السياسي لأنهما يؤسسان جمعيات مدنية و سياسية و لأنهما اقتحما الإعلام و بدأ صوتهما يصل إلى العوام .

فلا أحد ينكر دور الرجلين في وجود الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية ، ولا أحد سينكر دورهما في وجود المدرسة الحديثة التي تتخرج منها الكفاءات اليوم ، ولا أحد سينكر دورهما في النهوض بشؤون المرأة و ذهابها إلى المدرسة و لا أحد سينكر فضلهما في تحديث المجتمع ، وانفتاحه على الثقافة ودورهما في ظهور الرأي الحر في الاعلام ، و لا أحد سينكر دورهما في النهضة الأدبية والثقافية التي حدثت في ما بعد . وهذا بالضبط ما يزعج القوى المناهضة لهما ، فترسخ قيم الدولة الحديثة هي من ثمرة جهدهما .

لهذا كلما سألت الأستاذ عن رأيه فيهما ذهب إلى شخصهما متجاهلا دورهما في المجتمع ، فشخصهما لا أقر فيه رأي معارضيهما و لا مؤيديهما ، عندما جئته من تعامل المجتمع مع منظمات الأوربية في كيفة تدبير النفايات تجاهل الموضوع ، وقال ارجع إلى الأصل ، عندما حدثته على الفلسفة قال ارجع إلى الأصل فالسلف ناهضها ، عندما حدثته عن علم النفس قال أن كل الناس يعرفون علم النفس ، يا أخي فلماذا تريد من أبنائك أن لا يتعلموا الفلسفة و قد تعلمتها أنت ولم تؤثر في عقيدتك . و لماذا تريد أن لا يتعلم الناس اللغات الغربية و كل أبحاث العلوم تصدر باللغات الأجنبية ، لماذا لم تجبني عن المدارس الأدبية و أنت تكتب الرواية و لا تريد أن يستفيد أبناؤنا من هذه المدارس النقدية لتطوير مهاراتهم الأدبية و اكتساب تقنيات جديدة في التواصل و المساهمة في رفع الذوق الأدبي .

كلما جئتك من الواقع ذهبت إلى عالم آخر ، كما لو كنا في بداية القرن التاسع عشر في بحبوحة أخلاقية و دينية ، و في بلادي كانت تعم يومها كل أصناف الضلالات ، من الشعوذة إلى التناحر القبلي ، إلى اغتصاب أبسط الحقوق ، إلى الرق ...





شكرا