الموضوع: سعيد!!
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3265
 
عبير المعموري
من آل منابر ثقافية

عبير المعموري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
266

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jun 2014

الاقامة
بابل_العراق

رقم العضوية
12965
11-03-2014, 04:53 PM
المشاركة 1
11-03-2014, 04:53 PM
المشاركة 1
افتراضي سعيد!!
عند نهاية الطريق الموصلة الى مدخل القرية الصغيرة لمح في عينيه كتلة سوداء تقترب بخطى بطيئة..لم يكن ليحدد مايمكن ان يكون ذلك الشيء..لضعف بصره ودونما فضول ترك التحديق بالقادم من بعيد..وعاد يكمل قراءة ماتبقى من الصفحة..كان يحمل في يده اليمنى كتاب الله..واليد اليسرى يقلب الصفحة كلما انتهى من قراءتها..
مرت خمس دقائق وهو مشغول باالتلاوة ومظاهر الخشوع والفضيلة لاتفارق محياه..طرق سمعه صوت خفيض وهادىء:
_هل اترك ولدي عندك لنصف ساعة فقط ثم اعود لاخذه ايها الشيخ الجليل؟
التفت بعد ان اتم السطر الاخير من الصفحة..وبصره مستقر على ذلك الصغير ابن الاربعة اعوام..وكأنه استحوذ على قلبه من اول نظرة..فلم يمنحه الزمن طفلا يتربع على عرش قلبه ويبقى سندا له عند خريف العمر..توفيت زوجته مبكرا والطفل مات في احشاءها في ذات الوقت!
وهكذا امضى حياته بين العلم والنصح والخلق الكريم وفي غالب الاحيان يبعث له جيرانه بطبق العشاء لعلمهم انه يعيش وحيدآ.
ابدى الشيخ الجليل موافقته على عجل لرغبته في عمل الخير لوجه الله..انصرفت المجهولة الغريبة عن المكان وعيناها لم تفارق صغيرها كلما ابتعدت التفت الى الوراء تنظر اليه وكأنه تودعه الى غير عودة!
مرت النصف ساعة..بل الساعة تتلوها ساعات.!! .كانت شمس النهار قد شارفت على الغروب..يمكنك ان تسمع قرقعة صحون وضجيج افراد العائلة عندما يجتمعون حول مائدة الطعام..في حين تبقى الام بين الحين والحين تقلب قطع الفحم في الموقد كي تصبح غرفة الطعام اكثر دفئا!
بدأ البرد يتسلل الى جسد الشيخ النحيل واضلاعه ترتجف بشكل لاارادي ولم يكن الصغير بأحسن حال منه..هو الاخر اختبأ بين احضان الشيخ وهو يصرخ اين امي؟..واريد امي.. لوقت طويل وعينيه غارقتين بالدموع.
استوطن الفزع قلب الاخير من ان تكون تلك المراة قد خدعته وتركت صغيرها الى الابد! لم ينفك يحدث نفسه
(اتملك امراة القسوة الكافية لفعل ذلك؟!).
اخذ بيد سعيد وهو يقبله مرارا ستكون سعيدا معي لنذهب الى البيت فقد اصبح البرد فوق احتمالنا..كانت ليلة قاسية على الشيخ ولكن الالفة مازلت قائمة بينهما..حل الصباح على اسئلة الصغير واجوبة غير مقنعة..ولكن الواقع فرض على الاثنين التآلف بعد اشهر عدة!!
اسعدت قلب الشيخ هدية الله..واسعد قلب سعيد باللعب طوال النهار مع اولاد الجيران.
مرت سنوات تتلوها سنوات..امسيات تتبابعت وفصول تلاحقت حتى جاء اليوم الذي قرر الشيخ فيه ان تسكن البيت امراة..لم يرفض سعيد حافظ القران طلبا يوما لمربيه الفاضل..فكيف سيرفض له امنيته بتزويجه!
حصل على فرصة عمل يقضي بها حاجاتهما الى جانب انشغاله بأتمام الدراسة الجامعية..كان محبوبا من جميع اهل القرية حتى عندما حل يوم الزفاف كانت قلوب الجميع ترقص فرحا فكل من يعرف سعيد ومن لم يعرفه لم يكن يخامره الشك في ملامحه الطيبة ووجهه البشوش..وتواضعه وهو يحدث من يساله لرفعة علمه..
كانت لحظات السعادة تعانق الافق حتى وقت مجيئها مجددآ!!
اقتربت الغريبة المجهولة بذات الخطى الثابتة والهادئة وكأن صغيرها الذي تركته..سيكون بأنتظارها!
بعد ان عرفت مكان سكنى الشيخ..طرقت الباب دون اكتراث ثم وقفت جانبا متكأتا على جدار المنزل الملىيء بالرسوم وشخبطات الطفولة لسعيد..استطاع المطر ان يمحو دقة ووضوح الكلمات ولكن اثارها مازالت باقية!
دنا سعيد من الباب ليفتحه لكن اصوات مزعجة انبعثت لتقادم الباب!
هتفت المراة للوهلة الاولى..ولدي سعيد..! اهذا انت؟؟
لاول الامر ظنها سائلة وتعرفه عندما كان صغيرا..دون ابطاء مد يده في جيبه لاخراج مايستطيع مساعدتها من المال..ولكنها فهمت انه لم يعرفها بعد..لست سائلة يابني..فقد اخبرني هل انت سعيد؟؟
اضطرب قلب سعيد وكأن مابينه وبين هذه المرأة ليس شعور عابر او محض صدفة..بل وكأنها حكاية مؤلمة تسطرت حروفها عبر سنوات ليست بالقليلة.
ولكن اجاب بأقتضاب:
_انا هو.
التمعت عيناها بالسرور وهمت بأخذه الى احضانها وقلبها المتقد لهفة..تراجع خطوتين الى الخلف ثم قال لها بيقين وبصره مستقر على يديها المرتعشتين ناهرا:
توقفي..الان تذكرتك..!
_انتي تلك التي تركتي ولم ابلغ من العمر سوى اربعة اعوام..تلك التي لم تفكر كيف ستكون ليلتي..بأي صراخ سأمضيها.وأي دموع ستطفىء لهيب حزني وافتقادي لها..تركتني دون وداع..ابتعدت دون ان اعلم مالسبب؟..ماذا فعلت لتتركني..؟؟ في كل ليلة اسال نفسي نفس السؤال..وأنام دون ان اهتدي لجواب..والان تطرقين الباب..وكان مامر كان عذاب ليلة او بضع ساعات!
ولكن!..ارادت ان تقول شيئا..ان تضيف لقوله او تتمه..كي تجلب لنفسها قبولا..ومكانة في قلبه..اشار بيده يطلب صمتها..(ارحب بك في بيت ابي..المربي الفاضل..والشيخ الجليل..فقط كضيفة او عابرة سبيل وحسب!
ولا شيء غير ذلك..لن تشفي كلماتك عشرات الجراحات بل..ستزيدها قيحآ!!
استدارت المرأة بعد ان كفكفت دموعها..وهي تبتعد عنه شيئا..فشيئا تماما كما ابتعدت منذ عشرون عاما حتى توارت فلم يعد يراها عند اخر الطريق!


حتما..طريقي صعب..ولكنني يقينآ..سأكون!
عبير المعموري