عرض مشاركة واحدة
قديم 03-11-2015, 09:27 PM
المشاركة 23
رضا الهجرسى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الثالث عشر
_____________

تقدم عبد الباسط، وعلى يمينه البنهاوي، وعلي يساره الشيخ، وخلفهم باقي الرجال يتقدمون في تردد وخوف.. الجميع في رهبة ينظرون إلى عبدالباسط ليستلهموا منه القوة والعزم. عندما وصلوا إلى أطراف القرية، سمع الجميع أصوات الكلاب تنبح عاليا من جميع أرجاء القرية، متجهة نحوهم، مقتربة من مكانهم..
برزت الكلاب من كل صوب، نابحة بنباح ليس كالكلاب، بل نباح يزرع الخوف والرعب في قلوب أعتى الرجال وأشجعهم، وبصورة ليست كصورة الكلاب، بل كأقبح الوحوش وأشرسها، يخرج الزبد الأخضر من بين أنيابها البارزة،عيونها الحمراء بلون الدم يتطاير منها الشرر..
تجمعت هذه الوحوش الشيطانية أمامهم، تكشر عن أنيابها استعدادا لنهش أجسادهم.. تراجع الرجال مهرولين فارين فزعا وخوفا؛ إلا عبد الباسط والبنهاوي والشيخ، الذين أغمضوا أعينهم، وأخذوا في قراءة الشهادتين..
رجلان وقفا خلفهما في تردد.. يتقدمان خطوة ويتقهقران خطوة..
نظر عبد الباسط إليهما في اندهاش، فأخرجه من دهشته رد الشيخ..
- هذان زوج الفتاة وأبوها..
ابتسم لهما عبدالباسط في بشاشة وود..
- أطمئنا وثقا في الله.. وبإذن الله سترد إليكما وديعتكم..
استدار عبد الباسط مواجها لزبانية الملعون.. حدق في عيون الوحوش الحمراء بلون الدم.. قلب بناظريه فيها، محدقا في عيونها بثبات وحدة وغضب.. رأي الهالة السوداء المحيطة بأجسادها، فتذكر كلام أبيه، وأخذ يردده..
"سيهديك الله سواء السبيل، فثق بالله، فأنت من جند الله وستحميك هالتك"..
تقدم بخطوات واثقة ثابتة نحوها، محدقا في عيونها.. وكلما اقترب منها ازداد نباحها شراسة، وبرزت أنيابها وازداد الزبد الأخضر اندفاعا من أفواهها، متحفزة لنهشه ..
والبنهاوي والشيخ والرجلان ينظرون إليه في ذهول، تسمرت أقدامهم بالأرض، والرعب يكسوا وجوههم. ركع عبدالباسط على ركبتيه، ملأ كفيه بحفنة من تراب الأرض، ووقف وهو يطوح كلتا يديه في الهواء، ناثرا التراب على وجوهها، صارخا من شغاف قلبه، وبصوت قوي كلة ثقة وإيمان..
"وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ"..
بُهت الجميع، عندما رأوا الكلاب وقد عادت إلى هيئتها، وتسمرت في مكانها دون حراك، وتوقفت عن النباح المسعور.. وصمت المكان كصمت القبور في الليل البهيم..
مر عبدالباسط بينها، وهو يربت على رؤؤسها في حنان، والكلاب تقبل بلسانها يديه وقدميه، حتي تخطاها ووقف خلفها..والتفت إليهم مبتسما ليدخل الطمأنينة إلى قلوبهم ثم أشار إليهم أن يتقدموا،
فتقدم البنهاوي والشيخ والرجلان، وهم في حالة ذهول بما رأوه، أقدامهم تصطك بعضها ببعض.. وعلامات الفزع والرهبة بادية علي وجوههم وهم يمرون وسط هذه الوحوش الشيطانية، دون أن تراهم أو تلتفت إليهم..
وواصلوا المسير خلال طرقات القرية، متجهين إلى دار الشيخ..