عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2011, 07:13 PM
المشاركة 3
عمرأبوحسام الحسني
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
طوق التقليد
كيف يمكن أن نقوم ونتحرك وننال المطالب العالية الغالية وطوق التقليد في أعناقنا ؟ كيف يمكن، وهذا الطوق الثقيل بثقل تاريخنا وتراثنا ينقض ظهرنا، أن نجادل عن الخلافة المنهاجية ومستقبل الإسلام تحت دولة الشورى والعدل والإحسان ؟ كيف نتصور هذا المستقبل، مستقبل الوحدة والقوة وحمل الرسالة الخالدة إلى العالمين ؟ كيف نعبر عن حاجات الإنسانية وشكواها وطموحاتها ؟ كيف ننصر دين الله الذي جاء لنصرة الحق والانتصاف للمستضعفين ؟ كيف كيف ونحن نرجو الإفادة والعلم ممن هم دون القرآن والسنة ؟
إن أعتى سلاح في يد الجبارين ليس قوة سلاحهم وجموع جلاديهم، لكنه القوة السالبة، قوة الخمول الفكري ووهن النفوس المتقلصة إلى جحر التبعية وعافية الجبناء.
نصب غيرنا موائد الديمقراطية أو غير هذا الاسم مما تلبسه أنظمة الجبر المعاصرة من ثياب النفاق وجلابيب التمويه، ونطارد نحن من حوالي تلك الموائد كما تطارد الكائنات الطفيلية. الأدهى في القضية أن عقولا سخيفة نسج عليها عنكبوت التقليد والذلة بين يدي السلطان، فهي تلتقط من الفتات الحرام، أو تنقر كالحمام الداجن من يد السفاكين، لا تحدث نفسها بغير السلامة كما يفهم السلامة الطاعم الكاسي.
هذه الذهنية المريضة لا تزال تُسقط على عامة الأمة ظلا قاتما لا يملك معه الدعاة أن يكشفوا عن المؤامرة القرونية بين الحكام المستبدين وسدنة المعابد الطاغوتية من "فقهاء " القصور.
لست أعني بالتحرر من التقليد طرح الاجتهادات في فروع الفقه مما خلفه لنا رجال الإسلام العلماء العاملون، لكن أقصد أول شيء نبذ هذه الذهنية الكريهة التي تنظر في القرآن وفي السيرة العطرة بمنظار الطاعم الكاسي في البلاط لا ينظر إلى البلاط وواقع المسلمين بمنظار القرآن وعوينات السنة الشاهدة لينتقد ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويغضب على الباطل وأهله مرة في عمره.
ما المنهاج للتحرر من ذهنية القطيع ومن ثورة التشنج المستعجل معا ؟ ما المنهاج لنخرج من تحت نير الرضوخ، ونحل وثاق التسويف، ونسترجع القدرة على المبادرة، وننصب نحن مائدة الإسلام، مائدة الشورى والعدل والإحسان، ندعو العالمين إلى رحمتها وبرها ؟
من خلال نقائص المقلدين والخانعين والخائفين والطامعين والمزورين يحكمنا طواغيت الجبر كما حكمنا من قبل حكام العض من نفس تلك النقائص. لا محيد لنا عن خطة الخسف ومسيرة الاستقالة أمام السلطان إلا إن فككنا الارتباط مع السنة السيئة وتمسكنا بالسنة النبوية والمنهاج، لنتنسم عبير الإحسان في ذلك الفضاء الإيماني، ولتحكم الأمة نفسها بفضائل الشورى وفضائل العدل مجملة، بفضائل الصحبة والجماعة، والذكر، والصدق، والبذل، والعلم، والسمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، والجهاد. اقتحاما للعقبة وطلبا لوجه الله جل وعلا، لا تدحرجا على مهاوي السهولة والرخاوة وكراهية المساكين والغفلة عن الله والكذب والشح والجهل والكسل والتبعية الحضارية والهيجان واتباع خطوات الشيطان وتضييع الواجب الأقدس واجب الجهاد.



مكاسب ثمينة
إن ما ورثناه عن سلفنا الصالح من علوم وقواعد مؤصلة ثروة بالغة الأهمية. ما قننوه رضي الله عنهم من أسس في علم التعديل والتجريح وأصول الفقه وفروعه وأصول الدين وعلم السلوك باق رهن إشارتنا، باق في تجزئته وبعثرته، كنوزا مدفونة في الدفاتر، على أقفالها رموز يحلها فيستفيد منها من معه مفتاح الفقه الجامع، الفقه الذي ينظر إلى العلم المؤثل من حيث موقعه من الحكم والظرف التاريخي والصراعات المذهبية وموقف أهل العلم رضي الله عنهم المحافظ المشفق على بيضة الأمة أن ترام، وعلى حماها أن يضام.
تراث مبعثر مكسر، شذراته اللماعة لا تزال صالحة للانتفاع في سياق تجدد في النيات والحركة والجهاد.
الفقه الجامع هو الفقه الذي يعم في نظرة واحدة الدعوة والدولة في علاقاتها الأولى على عهد تأليف الجماعة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ثم تطور هذه العلاقات تطورا توسيعيا على عهد الخلافة الرشيدة، ثم في تطورها إلى الفساد والكساد على عهود الملك العاض فالجبري، ثم في الوضع الحالي وقد أصبح للعلمانية والذهنية العلمانية والنوايا العدوانية على الدين الصدارة في تفكير الحكام وممارستهم، حتى غطت الدولة على الدعوة تماما، وألجأتها إلى منابر الوعظ المراقب المُلجم المدجَّن أحيانا كثيرة، وإلى ركن "الأحوال الشخصية" بعيدا عن المجالات الحيوية المدنية والجنائية والاقتصادية والإدارية. ثم يعم الفقه الجامع في نظرة واحدة الدعوة والدولة وعلاقتهما المطلوبة في مراحل البناء، كيف يستعيد رجال الدعوة مراكز القرار حتى يعود السلطان خاضعا للقرآن لا العكس.
ثروتنا الفقهية العلمية الموروثة صلة غالية انحدرت إلينا من تلك الأجيال، تصلنا بهم، وتحمل معها، في صياغتها وتجزئتها وصراعاتها المذهبية، آثار تاريخ حافل بالضغوط المتابدلة، كان لعمائنا العاملين أحسن الله إلينا وإليهم فضل الصمود أثناءها،صمودا حد من غلواء السلطان أطوارا.
تجزئة ذلك الفقه، مثل التجزئة السياسية المعاصرة في أقطار الفتنة، تمثل تحديا لنا أن نقوم نجمع بالاجتهاد شتات العلم، وبالجهاد شتات الأرض والمجتمع الإسلامي، متخطين كل التجزئات وكل الأفكار والاجتهادات والمواقف النسبية المظروفة بظروفها التاريخية. نعيد كل اجتهاد سابق إلى نصابه، نعرضه في حدود نسبيته على النموذج النبوي الكامل الذي طبق كلمة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
بعض الناظرين في كتب السلف الصالح يتخذون إماما أو فقيها أو فارسا خاض معارك حامية في نصرة الدين معيارا مطلقا، يضيفون عليه من خيالهم القاصر كل صفات الكمال، ويساورون علومه بتلمذة جادة مخلصة كما يساور المسافر قمم الجبال الشماء، ثم يتخذون من فهمهم لفهم ذلك الفاهم سلاحا إرهابيا يقمعون به كل من رفع رأسه ليتلقى عن الله ورسوله الأمر الأول الذي جاء بلسان عربي مبين.
نكون منهاجيين إن نحن جعلنا تحت أيدينا الفقه الموروث المجزأ نخاطبه ونحاوره ونسائله وننتقده ونستفيد منه حسب ما نجد عنده أو لا نجد من خبر أو دراية أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد الموفق المعصوم، كيف بلغ، وحين ألف الجماعة بتأليف الله، وحين سلح، وحين آخى وشجع على التضامن في الأرزاق، وحين غزا وواجه العدو، وحين علم كل علم نافع، لا يحقر من التعليم أبسط المبادئ، وحين جاهد حتى ترك لنا أمة واحدة أمرها بينها شورى، حين أوصى ونصح بما سيؤول إليه الأمر من ترد إلى اغتصاب الحكم وإلى العض والجبر، وحين بشر بالخلافة الثانية على منهاج النبوة. نجد مثلا رواية تحدثنا عن الملك العاض أو العضوض فيفهمها أسلافنا من مواقع زمانهم وسياسته ونظام حكمه والجو العام فيه، ومن مواقع اهتمامهم وهمهم وهمتهم وإشفاقهم على أنفسهم وعلى الأمة. يؤولون تلك الرواية على أن ذكر الملك العضوض تشريع له وإيصاء به. لا نكاد نجد من فهم الحديث الشريف على أنه إخبار بكارثة ستقع، لإخبار يتضمن تحذيرا.
نجعل تحت أيدينا كنوز الفقه الموروث، نرجع إليها عند الحاجة، لكن نأتم مباشرة بالتعليمات الشريفة المشرفة التي أوصتنا أن نتبع السنة الأولى ونقتدي بهديها. في تلك السنة لم تنخر نواخر الخلاف والفرقة، ولم يحرف الصراع على السلطة الرأي، وأخمدت النعرات القومية والعصبيات الجاهلية، وقبحت أثرة المترفين، وحمل لواء الجهاد أكابر الرجال من المستضعفين. جزى الله عنا أهل الحديث خيرا فلهم في أعناقنا دين أي دين إذ صححوا وانتقدوا وبلغوا.
علم الحديث أثمن مادة وأرفعها مكانة في السرادق الفخم، سرادق علوم الإسلام. علماء أصول الفقه نضع خطانا على آثارهم المباركة وهم يسيرون على ضوء الأمر القرآني والنهي، وعلى نور السنة المطهرة، ونقتفي ذلك الأثر في احترام الإجماع، لأن إجماع الأمة معصوم لقوله صلى الله عليه وسلم"لا تجتمع أمتي على ضلال" ، ونرحب بالقياس والمصالح المرسلة لما ليس فيه نص. كل تلك القواعد مهاد كفَوْنا رحمهم الله تسويته. وما فرعوا من الأحكام ثمرة مذكورة مشكورة إن لم يتعارض شيء منها مع منهاج السنة الكلي : الشورى والعدل والإحسان.
نضع مثلا في موضعها من الإعراب جملة الفقه السلطاني و"الأحكام السلطانية" في خانة التوقير، ونقارن بين البحار الزاخرة من فقه الفروع التي كانت ضرورية ومسموحا بها، وبين المقالة في حقوق الله وحقوق الأمة في الشورى والعدل، فنجد هذه نزرا يسيرا خجولة ساكتة عن كثير من الحق، ناطقة ببعض الباطل كالفتوى بإمامة المستولي بالسيف.
ننظر في علم السلوك لنأخذ أحسن ما خلفه الصالحون من معاني التعلق بالمولى جل وعلا، ومن معاني ترقيق القلوب، ومن معاني تهذيب النفس والأخلاق، ومن معاني الصدق في طلب وجه الله عز وجل، ومن معاني العزوف عن دار الغرور، ومن معاني الإنابة إلى الرب الكريم وإلى الدار الآخرة. نأخذ المعاني والروح لا الأساليب الزهادية التي كانت مظهرا من مظاهر الانزواء تركت الباغين في الأرض في عربدة لا مراقب عليها، والأمر لله. نعم صحبة رجال تحابوا في الله، وذكروا الله، وصدقوا في طلب الله، وعرفوا الله. ونضر الله تلك الوجوه.
ننظر إلى الواعظ خطيب الجمعة، وإلى المدرس المحتسب الجالس في مساجد المسلمين للفتوى والتعليم، وإلى معلم الصبيان، وإلى المحدث العالم يخرج أجيال الفضلاء.
أولئك كانوا الرمز الحقيقي الذي التفت حوله الأمة واعتصمت به الدعوة يوم كان السلطان رمز السطوة العمياء، ويوم كان المؤهل الوحيد للرمز الرسمي "الخليفة" لا يعدو أحيانا كثيرة نسبه وحيازته لبردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه وبعض آثاره الشريفة.
بقلب مطمئن نقبل تاريخنا، لكن بعين فاحصة.




مكاسب ثمينة
إن ما ورثناه عن سلفنا الصالح من علوم وقواعد مؤصلة ثروة بالغة الأهمية. ما قننوه رضي الله عنهم من أسس في علم التعديل والتجريح وأصول الفقه وفروعه وأصول الدين وعلم السلوك باق رهن إشارتنا، باق في تجزئته وبعثرته، كنوزا مدفونة في الدفاتر، على أقفالها رموز يحلها فيستفيد منها من معه مفتاح الفقه الجامع، الفقه الذي ينظر إلى العلم المؤثل من حيث موقعه من الحكم والظرف التاريخي والصراعات المذهبية وموقف أهل العلم رضي الله عنهم المحافظ المشفق على بيضة الأمة أن ترام، وعلى حماها أن يضام.
تراث مبعثر مكسر، شذراته اللماعة لا تزال صالحة للانتفاع في سياق تجدد في النيات والحركة والجهاد.
الفقه الجامع هو الفقه الذي يعم في نظرة واحدة الدعوة والدولة في علاقاتها الأولى على عهد تأليف الجماعة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ثم تطور هذه العلاقات تطورا توسيعيا على عهد الخلافة الرشيدة، ثم في تطورها إلى الفساد والكساد على عهود الملك العاض فالجبري، ثم في الوضع الحالي وقد أصبح للعلمانية والذهنية العلمانية والنوايا العدوانية على الدين الصدارة في تفكير الحكام وممارستهم، حتى غطت الدولة على الدعوة تماما، وألجأتها إلى منابر الوعظ المراقب المُلجم المدجَّن أحيانا كثيرة، وإلى ركن "الأحوال الشخصية" بعيدا عن المجالات الحيوية المدنية والجنائية والاقتصادية والإدارية. ثم يعم الفقه الجامع في نظرة واحدة الدعوة والدولة وعلاقتهما المطلوبة في مراحل البناء، كيف يستعيد رجال الدعوة مراكز القرار حتى يعود السلطان خاضعا للقرآن لا العكس.
ثروتنا الفقهية العلمية الموروثة صلة غالية انحدرت إلينا من تلك الأجيال، تصلنا بهم، وتحمل معها، في صياغتها وتجزئتها وصراعاتها المذهبية، آثار تاريخ حافل بالضغوط المتابدلة، كان لعمائنا العاملين أحسن الله إلينا وإليهم فضل الصمود أثناءها،صمودا حد من غلواء السلطان أطوارا.
تجزئة ذلك الفقه، مثل التجزئة السياسية المعاصرة في أقطار الفتنة، تمثل تحديا لنا أن نقوم نجمع بالاجتهاد شتات العلم، وبالجهاد شتات الأرض والمجتمع الإسلامي، متخطين كل التجزئات وكل الأفكار والاجتهادات والمواقف النسبية المظروفة بظروفها التاريخية. نعيد كل اجتهاد سابق إلى نصابه، نعرضه في حدود نسبيته على النموذج النبوي الكامل الذي طبق كلمة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
بعض الناظرين في كتب السلف الصالح يتخذون إماما أو فقيها أو فارسا خاض معارك حامية في نصرة الدين معيارا مطلقا، يضيفون عليه من خيالهم القاصر كل صفات الكمال، ويساورون علومه بتلمذة جادة مخلصة كما يساور المسافر قمم الجبال الشماء، ثم يتخذون من فهمهم لفهم ذلك الفاهم سلاحا إرهابيا يقمعون به كل من رفع رأسه ليتلقى عن الله ورسوله الأمر الأول الذي جاء بلسان عربي مبين.
نكون منهاجيين إن نحن جعلنا تحت أيدينا الفقه الموروث المجزأ نخاطبه ونحاوره ونسائله وننتقده ونستفيد منه حسب ما نجد عنده أو لا نجد من خبر أو دراية أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد الموفق المعصوم، كيف بلغ، وحين ألف الجماعة بتأليف الله، وحين سلح، وحين آخى وشجع على التضامن في الأرزاق، وحين غزا وواجه العدو، وحين علم كل علم نافع، لا يحقر من التعليم أبسط المبادئ، وحين جاهد حتى ترك لنا أمة واحدة أمرها بينها شورى، حين أوصى ونصح بما سيؤول إليه الأمر من ترد إلى اغتصاب الحكم وإلى العض والجبر، وحين بشر بالخلافة الثانية على منهاج النبوة. نجد مثلا رواية تحدثنا عن الملك العاض أو العضوض فيفهمها أسلافنا من مواقع زمانهم وسياسته ونظام حكمه والجو العام فيه، ومن مواقع اهتمامهم وهمهم وهمتهم وإشفاقهم على أنفسهم وعلى الأمة. يؤولون تلك الرواية على أن ذكر الملك العضوض تشريع له وإيصاء به. لا نكاد نجد من فهم الحديث الشريف على أنه إخبار بكارثة ستقع، لإخبار يتضمن تحذيرا.
نجعل تحت أيدينا كنوز الفقه الموروث، نرجع إليها عند الحاجة، لكن نأتم مباشرة بالتعليمات الشريفة المشرفة التي أوصتنا أن نتبع السنة الأولى ونقتدي بهديها. في تلك السنة لم تنخر نواخر الخلاف والفرقة، ولم يحرف الصراع على السلطة الرأي، وأخمدت النعرات القومية والعصبيات الجاهلية، وقبحت أثرة المترفين، وحمل لواء الجهاد أكابر الرجال من المستضعفين. جزى الله عنا أهل الحديث خيرا فلهم في أعناقنا دين أي دين إذ صححوا وانتقدوا وبلغوا.
علم الحديث أثمن مادة وأرفعها مكانة في السرادق الفخم، سرادق علوم الإسلام. علماء أصول الفقه نضع خطانا على آثارهم المباركة وهم يسيرون على ضوء الأمر القرآني والنهي، وعلى نور السنة المطهرة، ونقتفي ذلك الأثر في احترام الإجماع، لأن إجماع الأمة معصوم لقوله صلى الله عليه وسلم"لا تجتمع أمتي على ضلال" ، ونرحب بالقياس والمصالح المرسلة لما ليس فيه نص. كل تلك القواعد مهاد كفَوْنا رحمهم الله تسويته. وما فرعوا من الأحكام ثمرة مذكورة مشكورة إن لم يتعارض شيء منها مع منهاج السنة الكلي : الشورى والعدل والإحسان.
نضع مثلا في موضعها من الإعراب جملة الفقه السلطاني و"الأحكام السلطانية" في خانة التوقير، ونقارن بين البحار الزاخرة من فقه الفروع التي كانت ضرورية ومسموحا بها، وبين المقالة في حقوق الله وحقوق الأمة في الشورى والعدل، فنجد هذه نزرا يسيرا خجولة ساكتة عن كثير من الحق، ناطقة ببعض الباطل كالفتوى بإمامة المستولي بالسيف.
ننظر في علم السلوك لنأخذ أحسن ما خلفه الصالحون من معاني التعلق بالمولى جل وعلا، ومن معاني ترقيق القلوب، ومن معاني تهذيب النفس والأخلاق، ومن معاني الصدق في طلب وجه الله عز وجل، ومن معاني العزوف عن دار الغرور، ومن معاني الإنابة إلى الرب الكريم وإلى الدار الآخرة. نأخذ المعاني والروح لا الأساليب الزهادية التي كانت مظهرا من مظاهر الانزواء تركت الباغين في الأرض في عربدة لا مراقب عليها، والأمر لله. نعم صحبة رجال تحابوا في الله، وذكروا الله، وصدقوا في طلب الله، وعرفوا الله. ونضر الله تلك الوجوه.
ننظر إلى الواعظ خطيب الجمعة، وإلى المدرس المحتسب الجالس في مساجد المسلمين للفتوى والتعليم، وإلى معلم الصبيان، وإلى المحدث العالم يخرج أجيال الفضلاء.
أولئك كانوا الرمز الحقيقي الذي التفت حوله الأمة واعتصمت به الدعوة يوم كان السلطان رمز السطوة العمياء، ويوم كان المؤهل الوحيد للرمز الرسمي "الخليفة" لا يعدو أحيانا كثيرة نسبه وحيازته لبردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه وبعض آثاره الشريفة.
بقلب مطمئن نقبل تاريخنا، لكن بعين فاحصة.