عرض مشاركة واحدة
قديم 05-11-2015, 03:16 AM
المشاركة 11
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بك مجددا أخى الحبيب

بالنسبة لمسألة الأدلة والبراهين طبعاً كلامك يا أستاذ جاد صحيح وهو أن المسائل العلمية فيها ما هو قابل للاجتهاد
والعمل بغالب الظن وليست كل المسائل قطعية .. وهذا اللازم من كلامي السابق لا التزمه والحمد لله وما خطر لي على بال أصلاً ..وإنما قصدت المبدأ والأساس في الأمور العلمية ..
وأنا كنت على ثقة من هذا وكما أخبرتك مسبقا أنه لا يوجد خلاف أصيل في تلك المسائل بيننا
أما الفرعيات فأنا أعتبر الخلاف حولها نقطة إيجابية وليس العكس
فالأصل فى تلك الأمور البعيدة عن القطعيات أن النقاش فيها يثمر أكثر مما يثمره البحث

شيء أخر .. مسألة النزاع في حال عامة شعب مصر في زمن الملوك الوثنيين مدعي الألوهية والربوبية

هنا أخالفك الرأى فى تلك المسألة وقد أطلت البحث قديما وظهرت لى قرائن أعتقد أن قرائن قوية ترقي للأدلة فى مواجهة ظنيات فى الرأى المقابل ,
نظرا لأنه لا يوجد دليل قطعى يحسم هذا الأمر
فمثلا قلت هنا :
واضح جداً .. الفرعون هو إله أو ابن إله والشعب عليه أن يؤمن بذلك وإلا فحاله كحال ماشطة بنت فرعون ..
وهذا يثبت وجهة نظرى وليس العكس
فإجبار الفرعون للشعب على القول بألوهيته لا يعنى أن الشعب آمن بها بل هو الخوف من بطشه وماشطة بنت فرعون خير دليل على هذا إذ أنها واجهت موقفا فغلبها إيمانها على خوفها فصرحت به
وهى ليست استثناء
فالسحرة وهم زعماء الشعب فى ذلك الوقت كانوا يدارون فرعون مداراة تقيهم العذاب وتحكى قصة فرعون فى السيّر أن السحرة عندما تناقشوا فى أمر موسي تساءل أحدهم هل يمكن لهذا الرجل أن يغير ذات الأشياء فيقلب العصا لثعبان على وجه الحقيقة
فنهاه كبيرهم جازما باستحالة ذلك لأنه لا يغير ذات الأشياء إلا رب الأشياء
ولهذا بمجرد أن اتضح لهم معجزة موسي فى قلب العصا لثعبان فعلى رأوه بأعينهم لم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد نقاشه أو التيقن منه بل آمنوا بشكل تلقائي
ولست أدرى كيف يغفل الناس عن مدلول هذا الإيمان السريع دون حتى كلمة واحدة من موسي عليه السلام ,
بينما باقي الأمم مهما بلغ حسن صلاح بعض أهلها ما كنوا ليؤمنوا لأحد بمجرد ظهور معجزة له بل كانوا على الأقل يناقشونه أو يستفهمونه
أما التصديق الفورى للمعجزة فلا يتأتى أبدا إلا إذا كان مشاهدوا المعجزة لديهم خبر مسبق بورود نبي إليهم كما حدث مع بشارة النبي عليه السلام فى كتب اليهود والنصاري
وهذا لم يحدث مع السحرة
يتبقي إذا التفسير المنطقي الوحيد الباقي وهو أن الإيمان والتوحيد هو الأصل لدى هؤلاء القوم أى أن التوحيد عندهم متواتر المعرفة ويدركون أن هناك من خلق البشر من يصطفيهم أنبياء ويمدهم بمعجزات خارقة تخالف خوارق السحرة
ولهذا بمجرد أن أيقنوا منها ما ترددوا لحظة وأمنوا على الفور
وهذه الحالات ليست اسثناء أبدا ..
لماذا ؟!
لأن السحرة يا أخى الحبيب هؤلاء كبراء قومهم وأتباعهم هم الكثرة الغالبة من الناس لا سيما لو كانت السلطة تؤيدهم وتؤيد وجودهم
ومعلوم قطعا أن كبراء القوم هم حكام العقيدة والناس لهم تبع ..
وهذا يدلنا على أن عقيدة السحرة فى التوحيد كانت موجودة وهى الأصل لدى الناس وإن أذعنوا لدعوى فرعون وكهنته جبرا وقسرا
يضاف إلى ذلك أنه حتى من بين حاشية فرعون جاءت إمرأته مؤمنة وكتمت إيمانها , ومن عشيرة فرعون خرج رجل يكتم إيمانه , وهناك الرجل الذى افتخر على أخيه المتسلط بضيعته فأهلكها له الله كان أيضا مؤمنا ودعا على الظالم فاستجاب دعاءه
وكذلك الرجل الذى كشف المؤامرة وجاء من أقصي المدينة يسعى ليحذر موسي
فكم يا ترى يكون عدد من يكتمون إيمانهم ولم يظهروه فى حاشية فرعون نفسه فضلا عن باقي الشعب ..
أما أقوى دليل لدى فى هذا الشأن
هو عدم ورود عذاب عام اجتث شعب مصر بأكمله فى أى حقبة من حقب التاريخ بل ورد فقط عذاب آل فرعون الجزئي الذى دعا به موسي كدليل لايمانه
وهذا الوعيد بالإستئصال التام دائما كان قرينا للتكذيب العام للرسل والأنبياء ولا يوجد قوم لنبي أو رسول كذبوا به جميعا وفضلوا الشرك على الإيمان وأصروا عليه إلا أنزل الله عليهم العذاب الذى استأصل جنسهم وحضارتهم من الأرض قاطبة ..
لكن هذا ما حدث فى مصر قط
بل هناك نقطة أيضا تلفت النظر بشدة ..
ففرعون رغم أنه أكفر أهل الأرض ومعه هامان الذى أوحى له بفكرة الألوهية .. رغم هذا لم يبادر إلى قتل موسي أو هارون , أو حتى يحاول إيذاءهم بأى سبيل بل ناقشهم وعندما انقطعت حجته لم يشر عليه مستشاروه بقتله بل أشاروا عليه بأنه يرجه وأخاه ويأتى بالسحرة
ورغم أنه قتل السحرة لإيمانهم بموسي إلا أنه ترك موسي عليه السلام نفسه
فما هو تفسير موقف فرعون وحاشيته ؟! لماذا خافوا من التعرض لموسي ولو بالسجن ؟!
التفسير أنهم كفروا كفر عناد ــــــ أبشع أنواع الكفر ــــ وكانوا يوقنون بنبوة موسي عليه السلام لهذا لم يبادروا لإيذائه واكتفوا بالتسلط على أتباعه خوف العاقبة لو بارزوا نبيا مرسلا
وكفرهم هذا من أبشع الكفر لأنه جحود لليقين ولهذا فعذابهم هو أشد العذاب ,
إلا أن موقفهم هذا يجعلنا نتساءل لماذا آمنوا به نبيا مع أول معجزاته ؟!
ما هى الثقافة المتجذرة فى أعماقهم التى دفعتهم لتغليب صدق الرجل والخوف منه
بل إنهم ــــــــــــــ رغم كفرهم الواضح ــــــــــــــ بادروا لسؤال موسي أن يكشف عنهم عذاب القمل والضفادع والدم وهذا لا يأتى ممن يُــكذّب عن اقتناع بل يأتى من المنافق المعاند الجاحد لما يؤمن بأعماقه
هذه الثقافة لابد أنها ثقافة تاريخ مصر مع الرسالات
فقارن هذا الموقف ببنى إسرائيل الذين كانوا يقتلون الأنبياء كما يقتلون بعضهم بعضا !!
لا ينفي وجود حالات موحدة مرتبطة بالرسل .. وهذه الحالات لا تعمم .. قصة يوسف عليه السلام في السجن حينما دعا أناس من عامة الشعب
وليسوا من الطبقة الحاكمة (سواء كانت فرعونية أو هكسوس) دعاهم للتوحيد ونبذ الشرك واستمر على ذلك ثم جاء زمن
فرعون موسى فذكرهم مؤمن أل فرعون بدعوة يوسف كما في سورة غافر .. وإن كان الحوار بين أل فرعون فلا ننسى
قول الله : فاستخف قومه فأطاعوه .. ووصف قومه بالفسق ..وليس المراد بقومه هنا الطبقة الحاكمة فقط .. كما أن جند فرعون هم جزء من الشعب .. ومع ذلك وقع عليهم حكم الله في فرعون وهامان .. أنهم كانو خاطئين ..
هذا غير صحيح حسبما أعتقد
ولا يمكن تعميم مصطلح قوم فرعون وجنوده على أنها تشمل العوام فى كل المصريين لسبب بالغ الوضوح
أنه لو كان التكذيب والشرك والفسق متفشيا فى عامة المصريين كما قلت فلماذا اقتصر عذاب الغرق على فرعون والجنود وحدهم ؟!!
لماذا بقيت مصر بأكمل شعبها خارج هذا الإطار ؟!
بل بقيت معظم الدولة كذلك لأن موسي عليه السلام أرسل من عنده مجموعة برياسة قارون ليعيدوا ضبط الحكم فى القاهرة عقب هلاك فرعون
فهل من العدل أن يكون الظلم والكفر والفحش متفشيا فى عموم الناس ولا ينزل العذاب إلا بالحكام والجنود ؟!!
مع أن عذاب قوم لوط وقوم عاد وثمود وغيرهم استأصل حتى العجائز والأطفال والنساء
فما هو السبب ؟!
السبب واضح كما قلت لك أن الإيمان والتصديق كان مكبوتا فى أغلبية الشعب

وكما تكونوا يولى عليكم .. وتأبى حكمة الله أن يولى على الطائعين المؤمنين فاجرا .. وإنما الشر والفساد يبدأ من القاعدة العريضة لعامة الناس وصولاً لرأس الدولة .. وتذكر حال عامة الشعب في قصة يوسف عليه السلام
قول غريب أن يكون الإيمان قرين تولية الحاكم الصالح بعموم ..
فهذا لم ينطبق حتى على المسلمين ..
وإلا ..
كيف نفسر أن يحكم المسلمين أمثال يزيد بن معاوية فى الظلم , وأمثال الوليد ابن يزيد فى الفسق والفجور , وأمثال المأمون والواثق والمعتصم فى بدعة المعتزلة وحمل الناس كافة على القول بخلق القرآن ؟!
كل هؤلاء حكموا الخلافة من أقطارها واستمر حكمهم لسنوات ولا يشك أحد فى ظلمهم وبدعتهم فهل كان المسلمون كافة على نفس شاكلة حكامهم فى تلك العصور ؟!!
هل خرج سائر المسلمين ـــــــــــ وبعضهم كان تابعيا وفى عصور أكابر الفقهاء ــــــــــــــ من الطاعة والإيمان تبعا لفسق حكامهم ؟!
والأمر لم يقتصر على الفسق والبدعة
بل تعداه حتى إلى الكفر ..
وقد حكمت الشيعة العبيدية مصر ثلاثة قرون تقريبا وقتلوا رموز أهل السنة وحاولوا حمل الناس بالتعذيب على القول بكفريات التشيع المغالى ونشروا سب الصحابة وتكفيرهم ورمى أمهات المؤمنين بالفاحشة على جدران المساجد
وجاء الحاكم بأمر الله فادعى الألوهية , أى أنه فعل نفس فعل فرعون
هل هناك أكفر من هذا ؟!
ومع ذلك لا يمكن القول بأن الشعب المصري والمغربي الذى كان تحت بطشهم خرج من ربقة الإيمان والطاعة ..
ولا يوجد عالم واحد يقول بمثل هذا
بل العكس هو الصحيح لأن المصريين ظلوا يقاومون هذا الظلم وقاتلوهم حتى أخرجوهم من مصر كلها
هذا فضلا على أن قولك بأن حكمة الله تأبي أن تولى على المؤمنين الطائعين طاغية فاجرا
فأقول أن هذا الكلام يخالف النصوص نفسها فضلا على مخالفته واقع التاريخ
فالنبي عليه الصلاة والسلام وإجماع العلماء يقول بأن نصلي خلف بر وفاجر .. أى أنه أمر بصلاة الجماعة تحت أى إمام ولو كان ظالما فاجرا
بل أكثر من ذلك ..
إذا كفر الإمام أو أتى بكفر ومنع الصلاة فى مواقيتها وكان متجبرا لا يمكننا الثورة عليه أمرنا النبي عليه السلام بالصلاة خلفه حتى لو أخر صلاة الجماعة لآخر وقتها ,
فأمرنا بأن نصلي الصلاة فى بيوتنا بموعدها ولا نترك صلاة الجماعة فى المساجد خلف هذا الإمام أيضا واعتبرها النبي عليه السلام صلاة سبحة أى نافلة ..
هذه النصوص توضح قطعا أن عوام الناس المقهورين لا يمس إيمانهم وطاعتهم شيئ إذا تسلط عليهم الفاجر والكافر لأن وجود هذا الحاكم الظالم أو الكافر لا يكون عقابا على الكفر المحض من الناس بل يكون عقابا على التقصير أو السكوت عن الظلم أو على الأقل الرضا بالظلم أو الكفر ومشايعة الحكام فى ذلك
ولا يمكن اعتبار تسلط المتسلطين دليلا لوجود الكفر أو الطغيان بعموم الشعوب
وإلا ما أمرنا الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام بالصلاة فى هذه العصور لأن الكفار لا تقبل منهم صلاة أصلا هذا إذا صلوها ..
أما عتابي الشديد الأخوى لك هو قولك هنا :
وما صدر من النساء في المدينة ومراودتهم ليوسف عليه السلام .. الانحلال في الحكام هو انعكاس للانحلال في المحكومين
حاشا لله
أين وجدت هذا فى النسوة يا أخى الكريم والثابت من القرآن الكريم عكس ذلك تماما
ألم تلاحظ أن امرأة العزيز عندما راودت يوسف عليه السلام بادر هؤلاء النسوة إلى إنكار ذلك والتشنيع عليها بهذا الفعل فقالوا
( إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه .. )
ما معنى هذه العبارة ؟!
معناها ببساطة أنهم رأوا فى مراودة زليخة لفتاها عارا يستحق الفضيحة ..
فهل هذا المجتمع الذى يعد فيه الزنا فضيحة هو مجتمع منحل بالله عليك ؟!
وزليخة عندما سمعت بذلك ماذا فعلت ..
دعتهم إليها ودبرت موقفا لتبرر لهم ما دفعها لذلك حتى يعذروها
وهذا يعنى أن امرأة العزيز رغم أنها زوجة الحاكم إلا أنها لم تستطع حتى استخدام السلطة فى قهر من يفضحها فلجأت إلى بذل العذر أمامهم حتى تسكت الفضيحة
وهذا لا يتأتى فى مجتمع منحل قطعا بل لا يتأتى إلا فى مجتمع محافظ شديد التزمت في أخلاقه لكى يصبح هذا الفعل شنيعا لدرجة أن قصر الحكم لا يملك معه الردع بالقوة
يؤكد هذا المعنى أن أبا سفيان رضي الله عنه عندما سؤل من إمبراطور الروم عن النبي عليه السلام , لم يستطع أبا سفيان أن يكذب وأجابه بالصدق
فلما سأله مرافقوه ما الذى دفعك إلى تزكية محمد
قال لهم : ما كنت لأكذب فتحسبها العرب علىّ كذبة
دلالة هذا أن العرف المجتمعى عند العرب فى إنكار الكذب والإشمئزاز منه كان فضيحة توقاها أبا سفيان وضحى فى سبيلها بدين قومه نفسه , أى أن العرف غلبه لخوفه من عاقبة انتشار كذبته فتسقط عدالته عند قومه رغم أنه كبيرهم وزعيمهم , ورغم أنه يملك المبرر لو اضطر للكذب
فهذا يدلك على أن العرف السائد أيام عزيز مصر كان شدة الإنكار لضعف النساء أمام الرجال ــ مجرد الضعف ــ إلى درجة أن أمرأة العزيز توقته بتدبير مؤامرة تصلح كتفسير مقبول لفعلتها أمام تلك النسوة , رغم أنها من واقع سلطانها كانت تملك حبسهم وقتلهم لكن هذا ما كان يمنع الفضيحة
أما قولك بأن النسوة راودن يوسف ؟!
فهذا لم يخبر به القرآن بالطبع , هم انبهروا به وانبهارهم كان هو هدف زليخة وتعقيب النسوة على رؤية يوسف عليه السلام يثبت عكس هذا الاتهام
فقالوا ( وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم )
والآية الكريمة لا تثبت عفاف النسوة وحسب بل تثبت ما أقول به بأن الإيمان كان متجذرا فى العوام فقد قالوا ( حاشا لله ) وهذا يعنى أنهم يعتقدون بالله رب العالمين , ثم قالوا إن هذا إلا ملك كريم ..
فهل سمعت بأمة وثنية تعبد الأصنام وتعتقد بوجود الملائكة وتعرف صفاتهم لدرجة أن هذا الأمر يسري على ألسنتهم عفو الخاطر عند رؤية ما يبهرهم
التعبير العفوى واللحظى للنسوة بذكر الله وذكر الملائكة هو دليل قطعى على تجذر ثقافة الإيمان , والأمر شبيه بتفشي تعبيرات مثل الصلاة على النبي عليه السلام عند رؤية ما يسحسنه الناس أو التعبير بقول ( الله ) استحسانا لشيئ , فهل يمكن أن تكون هذه التعبيرات فى شعب لا يؤمن بوجود الله أو شعب يؤمن ببشر لا بالخالق ؟!
وفضلا على ذلك ..
كيف يقول النسوة ( حاشا لله ) ثم يصفون يوسف بالملاك وبعد ذلك يراودونه عن نفسه !
مستحيل بالطبع ,
وإلا تصورنا أن رجلا يقدم على الزنا وهو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويسأله التوفيق !

وأخيرا سعدت جدا بمناقشتك
وبالنقاط التى أثرتها لأنها عززت البحث نفسه ..
خالص التقدير