الموضوع: إعادة الانتشار
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
2440
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
05-20-2017, 11:59 PM
المشاركة 1
05-20-2017, 11:59 PM
المشاركة 1
افتراضي إعادة الانتشار
باله مسكون بتلك الظاهرة العجيبة التي ظهرت في بلدة الخراطيم المنكوبة، ما رشح عن وكالات الأنباء أن الأنوف هناك لا تزال مستغرقة في التهدّل ، لعلو كعبه في الميدان و لكونه صاحب باع في الوراثة ، و لامتلاكه لناصية علوم الأولين و الآخرين، حسم أمره واستجاب لندبات و استغثات تواترت من كلّ حدب و صوب ليسوق هيئة متمرّسة لمقارعة الوباء و حشره في مقامه المناسب.
ليس أوّل من تصدّى لهذا النّزال، العديدون من أمثاله قاموا خفافا وثقالا تملأهم الحمية متأهبين منذ فجر الظاهرة، استرخصوا نفوسهم فلفتهم حبال الاستخفاف قبل أن يحرزوا نصرا مؤزّرا. واثق الخطو منتصب القامة يرتقي أدراج الطّائرة عندما هاجمه شعور غريب ففرك أنفه و العطسات تغافله، حين هدأت نفسه و استوى على كرسيه استعار من جليسته المرآة، كانت حمرة خفيفة تعلو أرنبة أنفه ، هذه المرآة المقعّرة استجمعت ملامحه ما أرغمه على تلميع نظّارتيه لينقلب إليه بصره غير حسير ، وجهه على طبيعته و بقع لحيته المتناثرة المنفوشة المشتعلة بياضا تمنحه وقارا.
ـ هل سننجح ؟
ـ لم أتعود الفشل . هكذا رد عليها بثبات ، بينما الصور المتسربة من عين المكان توحي بأمر عجيب حقّا ففي الأسبوع الأول كانت الأنوف محمرة حسب التقارير ، فور انصرامه أخذت تستطيل و في الثالث أضحت خراطيم تغني عن اليدين . و إلى أن تنبّه الجميع لهذا المصاب فقد فرض الحجر و تم استنفار القوى لمحاصرة زوار البلدة أنّى وجدوا.
في المستشفى و من وراء الزجاج المسلح كانت عيناه تراقبان الشارع الرئيسي، منظر صادم حقّا، أطفال صغار تسبقهم أنوفهم ملوحين بها لبعضهم البعض، نساء متزينات متبرجات وخراطيمهن وراء ظهورهن يعقدن بها شعورهن، عجائز مقوسة ظهورهن يتعثرن بما فضل من أنوفهن كلما سقط من أياديهن.
الآلات تقيس عندما صدح جناح الولادات بظهور أول جنين من الإنسان الفيل، كان المولود دغفلة ضئيلة في هيئة بشرية بلكمتين بضّتين معقودتين، تكاد تبتلع أنفها في أولى محاولاتها للرضاعة، ما أجبر الفريق على ربطه بسريرها فأطلقت نهيما رقيقا.
قال حكيم الحكماء، هي لعنة السماء جراء الأنوف الشّرهة التي تتلصّص الروائح مشتمّة الأنباء ، المحشورة في المحارم فبدّلت خراطيم تقوم مقام تلك الجوارح الكسيحة لتتقاعد عن مهامها الممسوخة من تجريح و بطش و شمشمة . همهم الخبير مذكّرا الحكيم بالاسترسال في تعويذاته لعل السماء تتدخل و تنتشل البشرية من هذه الوحلة، تدخّل وصيفه راجيّا: " في كتبنا أساطير من هذا النوع ، لعل هذا الكتاب يلهمك مخرجا " بات الخبير يقرأ الأساطير أسطورة أسطورة بينما أرنبة أنفه تخزه وخزا خفيفا و تجبره وساوسه على زيارة المرآة ليستعيد اطمئنانه .
لاح الأمل من أعماق التاريخ البريّ ، من يدري ربما لعلها ذاكرة الكون ، لكن العمل ليس يسيرا حقّا ، فور تقديمه لورقته البحثية الأولى التي لم تتجاوز بعض افتراضات مؤسسة على ورم سرطاني أنتج فضلات دوخت ذاكرة الخلايا و عبثت بشفراتها . حتى صعقه الخبر العاجل ، بدأت الوفاة تحصد أوائل المصابين . شدّ جبينه وهو العليم أن الاختبارت من باب المحال أن تصبح جاهزة قبل شهور.
المسدّس مصوّب إلى دماغه من طرف رجل مقنّع ، طلب رؤية زوجته قبل التنفيد، أحضرت على الفور ، تصافحا بخرطوميهما ، صبرا صبرا سيخترقنا الرصاص و لا أزال أحبك ، الأمر ليس مستحيلا ، هذا المرض ليس كما يدّعون ، الاختابارت ناجحة ، نعم إنها لا تستطيع أن تكون إلاّ ناجعة ، حدسي لا يخونني ، لكن ما الذي يحدث ؟ لعلها إعادة انتشار.